إسلام ويب

تفسير سورة الزخرف (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مكث موسى عليه السلام في قوم فرعون أمداً طويلاً، يدعوهم إلى دين الله وشرعه، وعبادته سبحانه وتعالى وتوحيده، وجاءهم من أجل ذلك بالآيات البينات، فما زادهم ذلك إلا صدوداً، وكلما جاءهم بآية هي أكبر من أختها إذا هم يسألونه أن يسأل ربه أن يكشف عنهم البلاء، فإذا انكشف عادوا لما كانوا عليه من الكفر، وأخذوا يسخرون من المؤمنين ويضحكون، ولكل وعد باتباع النبي ينكثون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع هذه الآيات من سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف:46-50].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [الزخرف:46] كلام من هذا؟ من القائل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا [الزخرف:46]؟

    ألا إنه الله رب العالمين، رب محمد والنبيين، منزل التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، خالقنا ورازقنا، موجد هذه الكائنات، رب هذه الأرض والسماوات، هو الذي يقول هذا القول.

    فالحمد لله أن هيأنا لأن نسمع كلامه، فملايين مثلنا لا يسمعونه ولا يعرفون عنه شيئاً، فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان.

    1.   

    ذكر خبر موسى من الولادة إلى النبوة

    صدور أمر فرعون بقتل مواليد بني إسرائيل

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى [الزخرف:46] هذا موسى بن عمران عليه السلام، والحديث عنه مفصلاً في كتاب الله، وإليكم مجمل ذلك:

    وهو أن يوسف الصديق ابن الصديق عليهما السلام لما نزل بالديار المصرية وحكمها وملكها وجاءت أسرته مع أبويه، وتكاثروا وسكنوا الديار المصرية زمناً طويلاً، بعد فترة من الزمان تولى الملك فرعون في الديار المصرية، ونفخوا في أذنه بأن بني إسرائيل كانوا أهل دولة وسلطان وملك، فلا نأمن أبداً من أن يحكمونا مرة ثانية كما حكمنا من قبلهم أجدادهم.

    فصدر أمر فرعون بذبح أولاد بني إسرائيل الذكور والعفو عن الإناث للحاجة إليهن؛ لأنهن عاملات، أما الذكور فذبحوهم، فمضت سنوات وقلت اليد العاملة، فقالوا: إن العمل فقد اليد، فلو أنك تعفو عن أولاد بني إسرائيل سنة بعد سنة حتى يوجد العمال. فصدر العفو على أن من حملت من بني إسرائيل يعفى عن حملها سنة حتى تضع، والسنة المقبلة يقتل فيها الذي تحمله.

    إلقاء موسى في النيل ووصوله إلى قصر فرعون

    ومن تدبير الله عز وجل أن هارون أخا موسى بن عمران ولد في سنة العفو، وموسى ولد في سنة الذبح، وهنا أوحى الله تعالى إلى أم موسى -ألقى في روعها، أو بعث إليها ملكاً- أن: إذا وضعت طفلها من بطنها ترضعه الرضعة الأولى التي لا بد منها، ثم تضعه في صندوق من خشب وترمي به في النيل في النهر، واستجابت لأمر ربها، ما إن وضعت طفلها وأرضعته الرضعة الضرورية التي لا بد منها حتى جعلته في صندوق من خشب، ورمت به في النيل، ويقلب النيل ذلك الصندوق هنا وهنا حتى دخل به إلى حديقة قصر فرعون، فعثر عليه نساء فرعون من بنات أو خادمات، فأخذن الصندوق ففتحنه فإذا به طفل، هنا قدموه إلى امرأة فرعون آسية بنت مزاحم عليها السلام، وشاء الله أنه كلما قدموه لمرضعة كان يرفض الرضاع منها، قدموا الأميرات ونساء المسئولين والأغنياء، ما قُدّمت له مرضعة إلا وأبى أن يرضع؛ إذ قال تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ [القصص:12]، وإذا بأخت موسى قد أمرتها أمها أن تتبع آثار أخيها لعله يعثر عليه في مكان ما، وبالفعل علمت أنه عثر عليه في حديقة قصر فرعون.

    ولما بلغها أنه رفض الرضاع من أية امرأة قالت لهم: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، فكلمتها سجلها الله في كتابه: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ [القصص:12] أي: هذا الطفل وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، فما كان منهم إلا أن قالوا: تفضلي، فرده الله تعالى إلى أمه: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:7-8]، وأصبحت أم موسى مسرورة فرحة منشرحة الصدر ترضع ولدها وتأخذ أجراً مقابل الرضاع؛ لأنهم ما علموا أنها أمه، وهذا تدبير الله العزيز الحكيم.

    امتحان موسى بالجمر والتمر

    ومن تلك الأحداث التي تتعلق بموسى بن عمران عليه السلام أنه كان يحبو ويحاول القيام كأطفال السنة، وإذا به يريد أن يقوم وهو بين يدي فرعون وهو جالس مع امرأته، فأخذ بلحية فرعون وأمسكها ليقوم، فغضب فرعون غضباً شديداً وقال: هذا هو الذي نخاف منه، وقال: لا بد من قتله.

    واللطيفة التي نكررها هي: أن فرعون كان بلحيته، أليس كذلك؟ إذ ما كانت البشرية تحلق اللحى أبداً من عهد آدم، حتى احتال اليهود ومسخوا البشرية، وجعلوا الذكور كالإناث، وإلا فبالفطرة أن الرجل بلحيته والمرأة لا لحية لها، هذا الفرق بينهما، هذا فحل وهذه امرأة.

    فاحتال اليهود على البشرية ووضعوا لهم مخططاً وحولوا الرجال إلى إناث، وهذا فرعون بلحيته وهو كافر أشد الكفر.

    إذاً: تلطفت آسية بنت مزاحم للطفل وقالت له: امتحنه واختبره، فإن نجح في اختبارك فاذبحه أو اقتله، ثم قالت له: قدم له طبقاً من جمر وآخر من تمر، فإن أخذ التمر وأبى أن يأخذ الجمر دل هذا على أنه على علم بفعله هذا، وأراد إهانتك وأذيتك.

    فقدم له الطبقان فتناول الجمرة ووضعها في فيه، فأصبح ألكن، ولما هيأه الله للرسالة وبعثه قال: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:27-28].

    حادثة قتل القبطي

    وعاش مع فرعون حتى أصبح شاباً، وتمشي الأحداث وإذا به يمر بشابين يتضاربان ويتقاتلان، قبطي وإسرائيلي، فشاء الله عز وجل أن يصرخ ذاك الإسرائيلي يستغيث بموسى وهو تحت الضغط، فلكم موسى ذاك القبطي فمات من لكمته، وذهب موسى واختفى، وتمضي الأيام والحكومة ما تدري من قتل هذا القبطي، وإذا بموسى عليه السلام يعثر أيضاً على الإسرائيلي الأول الذي خلصه من قتل القبطي، فاستصرخه واستغاث به، فلما قدم موسى وهو قوي البدن وأراد أن يضرب القبطي صرخ الإسرائيلي وقال: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ [القصص:19]؟ ومن ثم أخبر القبطي المسئولين أن موسى هو الذي قتل ذلك القبطي عام كذا أو سنة كذا.

    ومن هنا جاء رجل إلى موسى وقال: يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:20] لا تبق في هذه البلاد.

    خروج موسى عليه السلام إلى مدين

    وخرج موسى عليه السلام، وخرج ولا مال عنده ولا طريق يعرفها إلا اعتماده على الله وتوكله عليه.

    ومشى حتى انتهى إلى أرض مدين قريباً من الديار المصرية، فجلس تحت ظل شجرة وقال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24] ما عنده شيء، وإذا بابنتي شعيب عليه السلام تسقيان غنمهما، ووقفتا بعيداً والناس يسقون، ولا ترغب البنتان أن تزاحما وتتصلا بالرجال، فعرف أنهما ذات منزلة ودرجة عالية، فسألهما فقالتا: نحن كذا وكذا، فسقى لهما غنمهما وعاد إلى الظل الذي كان به واستغاث بربه: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:24-25] تطلبه لأبيها؛ إذ قال أبوها: ائتيني بهذا الرجل الذي فعل هذا الخير والصلاح.

    ومشت معه، فلما كانت الرياح تكشف عن بعض جسمها قال لها موسى: امشي ورائي، وأشيري إلي بحصاة ترميها أن الطريق من هنا أو هنا، ولا تمشي أمامي، هذه الحادثة من آلاف السنين، موسى عليه السلام ما رغب أن يرى بعض جسم هذه الفتاة المكشوفة أمامه بسبب الريح التي كانت ترفع الثياب، فقال: امشي ورائي ودليني على الطريق بحجر ترمينه وتقولين: من هنا، من هنا حتى نصل إلى والدك.

    وبالفعل وصل موسى إلى شعيب النبي، وعرض عليه أن يرعى غنمه ويزوجه ابنته، واستشار الابنتين: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26]، كيف عرفت قوته وأمانته؟ القوة حين أزال الصخرة التي يزيلها أربعون شخصاً، وعرفت الأمانة لأنه ما استطاع أن ينظر إلى جسمها أو عورتها، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ [القصص:26] لعملك هذا، لرعيك الغنم الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] القوة البدنية والأمانة.

    ولهذا على المسئولين أن يختاروا الأقوياء في أبدانهم وأمانتهم حتى يؤدوا الواجب، فهذه قضية قديمة ويعمل بها العقلاء.

    ثم شرع عليه السلام في رعي الغنم، فرعاها عشر سنوات، والشرط ثمان سنين فقط، قال: إن أتممت عشراً فمن

    عندك، وبالفعل أتم العشر؛ لأن الله يهيؤه حتى يبلغ الأربعين سنة وينبئه ويرسله رسولاً، فبقي يرعى الغنم عشر سنوات، وولدت زوجته أولاداً.

    رجوع موسى إلى مصر وإرساله إلى فرعون

    ولما انتهت المدة رأى أن يذهب إلى الديار المصرية إلى أبويه وإخوته، فمشى وفي طريقه فقد النار، فلا نار مشتعلة ولا أداة تشتعل بها النار، فماذا يفعلون والبرد والشتاء كائنان؟ فتحير من ذلك، وإذا به يرى نوراً بعيداً يحسبه ناراً، فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10] أجد من يدلني على الطريق، فترك الزوجة والأولاد ومشى، وإذا بها تلك الشجرة في جبل الطور، وثم كلمه الله كفاحاً بلا واسطة ونبأه وأوحى إليه، وأرسله إلى فرعون، هنا بدأت رسالته.

    فهنا قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [الزخرف:46]، أرسلناه إلى فرعون وقومه، وملؤه: جماعته ومن معه من الأقباط وغيرهم.

    معجزة اليد والعصا

    بِآيَاتِنَا [الزخرف:46] جمع آية، وهي الآيات التسع التي أعطاها الله لموسى؛ إذ قال موسى عليه السلام: كيف أواجه فرعون؟ فأعطاه الله تعالى آيتين عظيمتين: الأولى: اليد، يدخلها في جيبه فيخرجها بيضاء كفلقة القمر، والثانية: العصا، فألقاها فإذا هي تهتز كأنها جان.

    فأعطاه الله تعالى هنا آيتين عظيمتين: الأولى أن يدخل يده في جيبه فيخرجها كفلقة القمر تدل على رسالته ونبوته وأنه رسول الله رب العالمين، الثانية: عصاه التي كان يرعى بها الغنم، وقد روي أن هذه العصا من عهد آدم، كانت الأنبياء تتناقلها من نبي إلى نبي، ولا حرج.

    ومشى موسى إلى فرعون بهاتين الآيتين، وطلب إليه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن موسى رسول الله، وأن يرسل بني إسرائيل إلى بلادهم إلى بيت المقدس، لا يبقى مستعمراً مستغلاً لهم.

    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزخرف:46]، موسى قال لـفرعون : أنا رسول رب العالمين، وفرعون يعرف من هو رب العالمين، ولكنها الغطرسة والعتو والعلو، فقال له: أنا رسول رب العالمين، رب الخلق والدنيا والآخرة كلهم هو الله، أنا رسوله أرسلني إليك: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزخرف:46].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون)

    قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:47]، لما عرض عليهم اليد كالفلقة من القمر، ولما ضرب بالعصا فاهتزت كأنها جان حتى عقدوا جمعاً عظيماً للمباراة بين موسى وبين السحرة، وانهزم السحرة وغلب موسى، فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:47] ويسخرون، وقالوا: ساحر، وهذا سحر فقط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون)

    قال تعالى: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا [الزخرف:48]؛ إذ قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ [الأعراف:133] أول حادثة هي الطوفان، فاض النيل والآبار والمياه والمطر حتى كادوا يغرقون، آية من آيات الله، فاعتذروا فقالوا: يا موسى! ادع لنا ربك، فدعا الله فانتهى الطوفان.

    ثم كان الجراد، أرسل الله عليهم الجراد فأكل فواكههم، خضارهم، نخيلهم، كل ما عندهم.

    ثم القُمّل، وما هو القمل؟ هذا القمل الذي يكون في شعر الإنسان وفي جسمه، ينتشر فيهم نساء ورجالاً حتى يدخل في أعينهم، من أعجب ما يكون، آية من أعظم الآيات، فقالوا: ادع لنا ربك يكشف عنا هذا ونؤمن.

    ثم الضفادع: جمع ضفدع، الضفادع خرجت من البحار ومن المياه تزحف في الأرض حتى تعلق بوجوههم وأبدانهم، وكلما تأتيهم آية يقولون: ادع لنا ربك فسنؤمن، وحين يدعو وينتهي ذلك العذاب يعودون إلى الكفر.

    وأخيراً كان الدم، تحول ماء النيل إلى دم، الماء ماء، حين تضعه في الكأس يكون ماء، وحين يضعه القبطي في فمه ينقلب إلى دم، ماء بارد حلو، وحين يصل إلى فيه يتحول إلى دم أحمر.

    آيات مفصلات، آية بعد آية، الأولى أعظم منها الثانية وأعظم منها الثالثة، ومع هذا ما آمنوا ولم يسلموا، قال تعالى: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا [الزخرف:48] في الدلالة على صدق دعوة موسى وما جاء يدعو إليه.

    وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:48] هذا العذاب الذي عرفناه في الست آيات: الضفادع، والقمل، والدم.. هذه آيات الله الدالة على وجود الله وعلمه وقدرته وعلى نبوة موسى ورسالته، آيات لكن ما رجعوا، فماذا قالوا؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون)

    وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ [الزخرف:49] كيف يقولون: أيها الساحر؟ إما لأنهم يعرفون السحرة أنهم علماء عندهم، وهم أفضل الناس عندهم، فجعلوا موسى بهذا وأعظموه، وهذا هو الواقع.

    وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ [الزخرف:49] هذه طالبوه بها في كل الآيات التي مرت، ما من آية إلا هي أكبر من أختها، فيخافون ويصرخون ويطلبون من موسى أن يدعو الله عز وجل ليبعد ذلك عنهم: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ [الزخرف:49].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون)

    قال تعالى: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف:50] ينقضون ويرجعون، والله! ما آمنوا.

    وما كان من الله إلا أن أمر موسى بأن يخرج مع بني إسرائيل، فلما خرج من الديار المصرية خرج فرعون وراءه بمائة ألف مقاتل يجرون وراءهم، ولما انتهى موسى إلى البحر الأحمر أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر فانشق اثنتي عشرة طريقاً، ودخل موسى مع بني إسرائيل، فلما تجاوزوا نصف البحر وكادوا يخرجون منه والبحر مفتوح اثني عشر طريقاً بعدد قبائل بني إسرائيل؛ حينها دخل فرعون، ولما وصل إلى وسط البحر أغرقهم الله أجمعين، ونجا موسى مع بني إسرائيل.

    هذه آيات الله عز وجل، فمن أخبر نبينا بهذه الأخبار؟ إنه الله عز وجل، فقولوا: آمنا بالله ولقائه، آمنا بالله وعلمه ورحمته وحكمته، نطيع الله ولا نعصيه، نذكره ولا ننساه، نشكره ولا نكفر نعمه، آمنا بالله.. آمنا بالله.

    نحمد الله على آلائه وإنعامه وإفضاله، ما نحن ومن نحن حتى نسمع هذا الكلام من ربنا؟ فالحمد لله.

    والآيات كانت من أجل تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات، وفي نفس الوقت هي آيات للمشركين من قريش ليشاهدوا هذه الآيات التي سمعوها لعلهم يؤمنون.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: الآيات دليل على صدق من جاء بها، ولكن لا تستلزم الإيمان ممن شاهدها ].

    من هداية هذه الآيات التي تدارسناها الآن: أن الآيات وضعت للهداية، والآية: العلامة الدالة على الشيء المطلوب، ولكن لا تستلزم من كل من رآها أن يؤمن، بل رأوها وما آمنوا، فهي تحمل الهداية، الآيات علامات تحمل الهداية، لكن ما كل من يشاهدها يؤمن، فقد شاهد آل فرعون تسع آيات وما آمنوا والعياذ بالله، فأهلكهم الله أجمعين.

    [ ثانياً: قد يؤاخذ الله الأفراد أو الجماعات بالذنب المرة بعد المرة لعلهم يتوبون إليه ].

    هذه لطيفة: قد يؤاخذ الله تعالى الأفراد أو الجماعات أو الأمم مرة بعد مرة، يصيبهم بالفقر، يصيبهم بالمرض، يصيبهم بالذل.. وهكذا؛ لعلهم يهتدون، فهذا دل عليه أنهم جاءتهم تسع آيات يؤاخذهم بها آية بعد آية، ومعنى هذا أن الفرد كالجماعة كالأمة قد يؤاخذهم الله بذنوبهم حتى يستوجبوا العذاب الأبدي.

    [ ثالثاً: حرمة خلف الوعد ونكث العهد، وأنهما من آيات النفاق وعلاماته ]، فليس هذا من صفات المؤمنين، المؤمن يفي بما يعد ولا يقصر أبداً، وإن عجز أعلن عن عجزه، فخلف الوعد من صفات المنافقين والعياذ بالله تعالى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756247428