إسلام ويب

الزموا سفينة النجاةللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العلامة الفارقة لهذه الأمة وعنوان خيريتها، وهو وظيفة الدولة المسلمة، كما أن أول المسئولين عنه هم علماء الأمة الذين ينبغي أن يكونوا هم المُثُل العليا للخير والاستقامة، وعليهم أن يتحلوا بالصبر ويتحملوا الأذى في سبيل الله حتى تقوم هذه الفريضة، ومما ينبغي تنبيه الأمة إليه أن دعوى الحرية الشخصية دعوى عريضة يتوصل بها المجرمون إلى المعاصي والسيئات، ويسقطون بها المسئولية الجماعية؛ وبذلك يجردون الأمة من أقوى أسلحتها ومن عنوان خيريتها، وتزداد المنكرات وتنتشر، وينتفش الباطل، ويتلاشى الحق، ويحيق بالناس أمر الله.

    1.   

    فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    الحمد لله المتفرد بالملكوت والقدرة، المتعالي في سلطانه ومجده، لا يقدر أحد من خلقه قَدْرَه، أحمده سبحانه وأشكره، كم أسبغ من نعمة! وكم أقال من عثرة!

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تنفع قائلها يوم الحسرة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، الفوز والعز لمن أطاعه، والذلة والصغار لمن عصاه وخالف أمره، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، استجابوا لربهم، وأطاعوا نبيهم في المنشط والمكره، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فاتقوا الله ربكم وأنيبوا إليه، واستغفروه من جميع الذنوب وتوبوا إليه، تحببوا إليه بطاعته والثناء عليه، سبحانه! ملأت عظمته قلوب أوليائه، وتعلقت بمحبته أفئدة أصفيائه، مَن توكل عليه كفاه، ومَن سأله أفاض عليه من عطاياه.

    أيها المسلمون: الإنسان مدني بطبعه، لا تستقيم حياة البشر، ولا يهنأ عيشهم إلا مع بني جنسهم، قد جعل الله بعضَهم لبعض سُخرياً، لا يستقل أحدٌ بحاجته دون الآخر.

    ومن مظاهر المدنية الإنسانية وخصائص الطبيعة البشرية: المناصحات والمشاورات، والإرشادات والتوجيهات، والأوامر والنواهي، فهذه كلها من لوازم الوجود البشري والحياة المدنية.

    فالبشر لا بد لهم من أمر ونهي، ودعوة وإرشاد، ومناصحة وتوجيه، فمَن لم يأمر بالخير والحق أو يُؤمر به أَمَر بالشر والباطل وانجرَّ إليه، ولو أراد الإنسان ألا يأمر ولا ينهى؛ لا بخير ولا بشر، ما أمكنه ذلك؛ لأن هذا من مقتضيات الفطرة الإنسانية ومتطلبات الحياة الاجتماعية.

    ونفوس البشر كلها: إما لوَّامة، وإما مطمئنة، وإما أمارة بالسوء.

    وجميع هذه النفوس إن لم تُشغل بالحق والخير شُغلت بالسوء والباطل، ومن لم يزحف بمبادئه زُحِف عليه، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].

    جماع دين الإسلام في الأمر والنهي

    وأمة الإسلام هي الأمة الجامعة لأصول الديانات بدينها، والوارثة لجميع الكتب بكتابها، والمهيمنة على جميع الشرائع بشريعتها، والخاتمة للرسالات برسالتها.

    وجماع دين الإسلام أمر ونهي؛ فالأمر الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمعروف، والنهي الذي جاء به هو النهي عن المنكر.

    وجميع الولايات والمسئوليات في الإسلام إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمجتمع المسلم يعرف المعروف ويقره ويرضاه، ويحبه ويلتزمه ويأمر به، وينكر المنكر ويأباه، ويجتنبه وينهى عنه.

    علاقة خيرية الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    إخوة الإسلام: ومن أجل هذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العلامة الفارقة لهذه الأمة، وتاج عزها، وعنوان خيريتها، يقول الله عزَّ وجلَّ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    فهو ثمرة الرسالة وخلافة النبوة وأثر الدعوة، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الإسلام، وركن من أركان الملة، وأساس من أسس الشريعة، ومظهر من مظاهر حضارة أهل القرآن، به قِوام الأمر ومِلاكه، لا يرتفع منار الشريعة بدونه، ولا اعتصام بحبل الله إلا على هداه، هو الجهاد الدائم والفريضة المحكمة، وهو الباب الحافظ للشريعة بإذن الله من هجوم البدع، وتراهات الانحراف، ورياح الفسوق، وتيارات المعاصي، به بإذن الله حماية العقيدة، وصيانة الفضيلة، وحراسة الحرمات.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة من صور التكافل والتضامن وتحقيق الموالاة بين أهل الإيمان، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71].

    من أخص خصائص أهل الإيمان الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم: أنهم آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، حافظون لحدود الله.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من أعظم أسباب النصر والتمكين، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41].

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره على البيئة الإسلامية

    هذه الشعيرة ضمانة للبيئة الإسلامية من التلوث الفكري والانحلال الأخلاقي، فإذا كانت الأمم تهتم بصحة البيئة وسلامة الأبدان ونظافة المطاعم والمشارب ونقاء الماء والهواء، فإن صفاء الفكر واستقامة الخلق أكبر وأعظم، والتلوث فيهما أشد وأنكى، وأي باب أوسع في هذا التلوث من نشر اللوثات الفكرية التي تشكك في الدين، وتهز الثوابت، وتفسد الأخلاق، وتنشر الرذيلة، في كتاب، أو قصة، أو قصيدة، أو رواية، أو مسلسل، أو شريط، أو مجلة، أو صحيفة؟!

    1.   

    من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    أيها الإخوة في الله: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة الدولة الإسلامية بأجهزتها وولاياتها ودواوينها ووزاراتها، وهو وظيفة الدعاة والموجهين والمربين وأجهزة الإعلام والتعليم، كل حسب قدرته وحسب صلاحيته، (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) وفي رواية: (وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان ).

    دور أهل العلم في القيام بهذه الفريضة

    ويأتي أهل العلم والصلاح في مقدمة المسئولين عن هذا الركن العظيم، اقرءوا إن شئتم: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:63].

    يقول ابن جرير رحمه الله: ما في القرآن آية أشد توبيخاً للعلماء من هذه الآية، ولا أخوف عليهم منها.

    أهمية وجود القدوة الصالحة لإصلاح المجتمع

    أيها المسلمون: وعلى الرغم من وضوح ما تقدم، فإن كل مجتمع مهما بلغ من الفضل والاستقامة لا بد له من طائفة تتمثل فيها المُـثُل العليا، تـحفظ للمجتمع وجوده الـمعنوي المتمثل في صلاح عقيدته وحسن أخلاقه وأدب تعامله، على حد قول الله عزَّ وجلَّ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].

    إنهم طائفة تمثل الخيرية في المجتمع، وتحافظ عليها وتحميها.

    إن في أرواحها من التوهج، وفي نفوسها من الحيوية ما يجعل هم مجتمعها هو همها الأكبر، فيسعد بها المجتمع، إذ تحفظ عليه توازنه واستقامته، وعناصر استمراره وبقائه.

    إنهم فئة من المجتمع مسموعة الصوت، واضحة التأثير، تملأ الفراغ، وتملك من التأثير ما يجعل جادة الحق واضحة، وطريق الصواب بارزة، ومسالك الخير بينة، فتستمر سُنَّة المدافعة بين الحق والباطل.

    إنهم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ [هود:116] مشاعل وسرج يصلحون ما أفسد الناس، بدين الله قائمون، وعلى الحق حراس، يدعون من ضل إلى الهدى، ويبصرون من العمى، ويصبرون على الأذى، همهم -أثابهم الله وأعظم أجورهم- إقامة دين الله، وإعلاء كلمته، وإعزاز أوليائه.

    إنهم صمام الأمان بإذن الله، وسبب نجاة الأمة من الهلاك.

    ضرورة تحلي الدعاة إلى الله بالصبر

    عباد الله: وإن من المعلوم البين أن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ليس بالهين، ووظيفة ليست باليسيرة، فهو يصطدم بشهوات الناس ورغباتهم، ويقطع بعض أهوائهم وملاذهم، ويكبت غرور بعض المتكبرين، ويحد من تسلط بعض المتسلطين، ففي الناس الجبار الغاشم، وفيهم الظالم المتجاوز، والمنحرف الذي يكره الاستقامة، وفيهم أشباه البهائم عبيد الشهوات، بل فيهم من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف.

    ومن ثم تأتي هذه الفئة الطيبة المباركة -وكل من يقوم بمثل ما تقوم به- فتقوم بمحاربة الانحراف والمدافعة من أجل فُشُوِّ المعروف، فتتلقى الأذى والعنت والتطاول والاتهامات؛ لأنها تسير في مضادة أهل الشهوات والأهواء الذين لا يهتمون إلا بإشباع رغباتهم، ولا يتجاوز ضررهم مواقع أقدامهم.

    إن هذه الطائفة تلقى ما تلقى لأنها تسير في ركاب الأنبياء وفي دروب المرسلين، تقوِّم المعوج، وتنصر المظلوم، وتحارب الأهواء، وكتاب الله قرن محاربة هذه الفئة بالكفر بآيات الله وبتكذيب المرسلين، يقول الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].

    ومن أجل هذا فقد جعل هؤلاء الأخيار من الصبر حصناً حصيناً، ومن الاحتمال والتحمل خلاً أميناً، يوطنون أنفسهم على تجرع كئوس المرارة، وتجنب خلائق المداهنات، وتحمل أذى الخلق في جنب الله، معتمدين على مولاهم، لا يحزنون على من خذلهم، ولا يأسفون على من قلاهم، قد قطعوا أطماعهم من الخلق، ووثقوا بكفالة الإله الحق، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].

    يتحرون الإخلاص والبعد عن الهوى أو قصد التشكي أو الانتصار للنفس، في نزاهة نفسية وصفاء قلبي، بعيداً عن الضغائن والأحقاد، بأسلوب الأدب والمحبة والشفقة، يخاطبون العقل، والغيرة الدينية، والحمية، والشهامة، متسلحين بسلاح العلم، والحكمة، والعدل، والإنصاف، والرفق، والحلم، والصبر، يعلمون أن للنفوس إقبالاً وإدباراً، فيتعاهدونها حين إقبالها وانبساطها بالكلمات الطيبات، والمُهاداة والملاطفات، حتى تصل إلى القلوب بإذن الله، متمثلين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم } .

    1.   

    الفهم الخاطئ لمفهوم الحرية وآثار ذلك

    أيها الإخوة المسلمون: هؤلاء هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وهذا هو دورهم وفضلهم، وذلك هو مسلكهم وسبيلهم.

    غير أن من أعظم مآسي هذا العصر ومن طَوامِّه: هذا الغلو المقيت والمبالغة الخاطئة في مفهوم الحرية الشخصية والخصوصية الفردية في مقابل حق الجماعة ودور المجتمع؛ فباسم الحرية الشخصية وباسم خصوصية الأفراد هَشُّوا للمنكرات وارتضوها، وتشربوها وارتضعوها، وعشقوها وغرقوا فيها، ارتضوا الكفر والإلحاد، وعاشوا في الفسوق والضلال، وحاربوا الفضيلة، ونشروا الرذيلة، كل ذلك باسم الحرية الفردية والحقوق الشخصية؛ حرية في العري والعهر والزنا واللواط، وحرية في الكفر والإلحاد والردة، حتى جعلوا ذلك في مناهج الدراسة وبرامج السياحة ووسائل الترفيه، وكانت النتيجة التي انتهت إليها غالبيتهم -ولا زالوا فيها ينحدرون- أن تفككت المجتمعات على نحو مخيف، وذابت الأسر بشكل مروِّع، وذهب رونق الحياة ونضارتها، وسوف يعصف ذلك بكل الجهود الكبيرة التي تُبنى بها الحضارات، ويقوم عليها بناء الأمم.

    ومع الأسف فإن الغلو في هذه النظرة الفردية انتقل إلى كثير من أبناء المسلمين، فترى هذا المبتلى لا يقبل النصيحة، ولا يحب الناصحين، بحجة أن هذا تدخل في الخصوصيات، يحاجون على الحرية الشخصية، بل إنه ليزعم -وهو مخذول- أن هذا تحجر وانغلاق ورجعية وتزمت، ويعلم الله والمؤمنون أن الإسلام قد قام على خلاف ذلك، فلقد وازن بين حق الفرد وحق الجماعة، والمسئولية -والله- مشتركة (فكلكم راعٍِ، وكلكم مسئول عن رعيته ).. A=6001305>>وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

    مثال يوضح المسئولية الجماعية على الأمة

    من آثار سوء فهم الحرية

    أيها الإخوة في الله: ويوم يزيف الناس هذا الحق ويدرسونه بالباطل بدعوى التقدم والحرية والخصوصية يكونون بذلك قد جردوا هذه الأمة من أقوى أسلحة دعوتها ودعامتها وتضامنها وضمانة الخيرية فيها، وأبعدوها عن أقوى خصوصية بقائها واستمرارها، وبتركه وإهماله تسقط الأمة من ميزان التقييم والتفضيل حتى تصير إلى حضيض الانهيار الاجتماعي، مستوجبة اللعن والطرد كما لُعن الذين من قبلها، لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78] * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].

    وبعد أيها الإخوة المسلمون: فبإقامة هذه الشعيرة يقوم الدين وتُحفظ الملة، وتعز الأمة، وتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، وبذلك تستقيم الموازين، وتتضح المفاهيم، فيتبين للناس المنكر من المعروف، والحق من الباطل، والمشروع من الممنوع، والمباح من المحرم.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117].

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم.

    وأقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه .. إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    آثار ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    الحمد لله، أحكم الأشياء وأبدعها صنعاً؛ له الملك كله، وبيده التدبير كله، إعطاءً ومنعاً، وخفضاً ورفعاً؛ أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، ما أرسل رياحاً، وما أزجى سحاباً، وما أنبت زرعاً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدر الأقدار ضراً ونفعاً؛ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فكان رحمة للعالمين، وهدى للبشرية جمعاء؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، استجابوا وانقادوا فكانوا أسمع وأوعى؛ والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: إن ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة وانحساره أمر خطير ونذر شر مستطير.

    بضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزداد المنكرات وتقوى، وتنتشر في الناس وتطغى، وحال الناس لا يقف عند حد، فإما أن يهيمن الخير والمعروف، ويرتدع المنكر ويستتر، وإما أن ينتفش الباطل ويستعلي المنكر.

    والمجتمع الصالح هو الذي يسوده البر، ويكون فيه أهل الاستقامة والصلاح ظاهرين، والبلاء كل البلاء أن يعلن أصحاب المنكرات منكراتهم، ويتظاهر أهل الشر بشرهم. والأمة التي تظهر فيها المنكرات وتفشو وتُعلن تتعرض لهزات عظيمة لا يعلم مداها إلا الله، والمعصية إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها، أما إذا أُعلن بها فإنها تضر العامة، وكل الأمة معافى إلا المجاهرين، ولقد سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث ) فإذا تهاون الناس مع أهل المعاصي والمنكرات الفكرية والأخلاقية، وفشا أمرها، فلا يزال الخبث ينتشر وتألفه النفوس، وتتربى عليه الأجيال، وحينئذ يحيق بالقوم أمر الله، صالحهم وطالحهم.

    فإذا ما غلت الأسعار، فإنها لا تقتصر على الفاسقين، وإذا ما اضطرب الأمن فإنه لا يخص الطالحين، وإذا استباح العدو الحِمَى فإنه لا يستثني أحداً.

    وإذا ما استمر أصحاب الأهواء والشهوات في غيهم، فعلى المجتمع أن يتحمل المسئولية تجاه حاضره ومستقبله ودنياه وآخرته، (لتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم ).

    وفي الحديث الآخر: (ما من رجل يقوم في قوم، يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيِّروا عليه فلا يغيِّروا إلا أصابهم الله بعذاب قبل أن يموتوا ).

    ويقول ابن العربي : والسكوت عن المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من الظَّلَمَة على الخلق.

    أيُّ خير يرتجى مِمَّن يرى مَحارم الله تنتهك، وحدوده تضيَّع، وهو بارد القلب، أخرس اللسان؟! وهل الـخوف والْهَلكة إلا من مثل هذا؟! ونعوذ بالله من موت القلوب، والقلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره لدين الله أكمل وأتم.

    قيل لـابن مسعود رضي الله عنه: [[مَن ميت الأحياء؟ قال: الذي لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً ]].

    1.   

    هيئة الحسبة في بلاد الحرمين

    أيها الإخوة في الله: ومن أراد نجاة نفسه وفوزها وسعادتها في الدنيا والآخرة، فليلزم سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    وإن مَن تأمل في عالم اليوم وقلب نظره في أرجاء العالم الإسلامي، أدرك ما عليه هذه البلاد المباركة، بلاد الحرمين الشريفين، التي جعلت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهة مسئولة وجهازاً خاصاً وهيئة تتولى القيام به وترعاه وتباشره وفق أنظمة شرعية على نهج الكتاب والسنة، مع مراعاةٍ لمتغيرات العصر ومتطلبات الأحوال والناس، وهذا من توفيق الله وفضله لهذه البلاد وأهلها وقادتها، بل هو من أخص خصائصها في رفعها لواء الحكم بما أنزل الله، كتاباً وسنة ودستوراً ومنهج حياة، ورعايتها للحرمين الشريفين مأوى أفئدة المسلمين، وهي كلمة حق تقال وأعمال تُذكر وتُشكر مع ما يُرجى ويؤمَّل من مزيد الدعم والتأييد، فالتيارات كثيرة والمتغيرات متسارعة، والمغرضون كثير، والمتربصون أكثر، ورافعو ألوية الفساد لا يألون جهداً في غرق السفينة، وسنن الله لا تحابي أحداً، فـإِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وليس لفرد ولا لمجتمعٍ حصانة ذاتية، ومن يضمن السلامة حين يتعرض لتيارات الفتن وموجات التحلل عياذاً بالله واعتصاماًً به؟!

    فنسأل الله العلي القدير أن يسبغ على هذه البلاد نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ عليها رخاءها، وأن يثبتها على دينه، وأن يزيدها استقامة على شرعه.

    كما نسأله سبحانه أن يعم بالخير والتوفيق والصلاح جميع بلاد المسلمين، إنه خير مسئول وأكرم مأمول.

    ألا فاتقوا الله رحمكم الله، ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز من قائل عليماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين.

    وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين.

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

    اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا.

    اللهم أعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين بالعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

    اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

    اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

    اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً.

    اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً.

    اللهم واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين.

    اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنعنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنعنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنعنا بذنوبنا فضلك.

    اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك.

    اللهم انصرهم في فلسطين ، وكشمير ، وفي الشيشان ، وفي كل مكان يا رب العالمين.

    اللهم وانصر إخواننا في الشيشان ، اللهم وانصر إخواننا في الشيشان .

    اللهم سدد سهامهم وآراءهم.

    اللهم كن لهم ولا تكن عليهم.

    اللهم إنهم ضعاف فاحملهم، وعراة فاكسُهم، وجياع فأطعمهم.

    اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم، وأنزل عليهم بأسك ورجزك إله الحق.

    اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة للمعتبرين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

    فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754745299