إسلام ويب

هل من مشمرللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجنة دار النعيم المقيم أعدها الله لعباده المؤمنين، فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولأهل الجنة العاملين لها أوصاف يعرفون بها، ولها سبيل للولوج إليها؛ فاقصد السبيل تنل النعيم.

    1.   

    الجنة دار النعيم

    الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلاً، أفاض عليهم فيها من النعم، وكساهم من الحلل فلا يبغون عنها حولاً، ويسر المكلفين للأعمال، وهداهم النجدين؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً.

    أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحجة على خلقه؛ فهو لم يخلقهم عبثاً ولا سُدىً ولم يتركهم هملاً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله دعا إلى الحق، وأوضح المحجة؛ فلا نبغي عن محجته بدلاً. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته؛ فالعمر سريع الذهاب بساعاته وأوقاته.

    أيها المسلمون: الحديث عن النعيم المقيم، والإيمان الراسخ بالنزل الكريم؛ من الغفور الرحيم، هو سلوة الأحزان، وحياة القلوب، وحادي النفوس، ومهيجها إلى ابتغاء القرب من ربها ومولاها، الحديث عن النعيم والرضوان لا يسأمه الجليس، ولا يمله الأنيس، عزت دار الفردوس من دار، وجل فيها المبتغى والمرام، دار وجنان تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، غرفٌ مبنية طابت للأبرار منازلها وسكناها، جل وتقدس من سوَّاها وبناها. غرسها الرحمن بيده، وجعلها مستقراً لأهله وخاصته، وملأها برضوانه ورحمته، فيها الفوز العظيم، والملك الكبير، والنعيم المقيم، ولموضع سوطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

    أيها الإخوة: وهذا حديث ذكرى، وتذكير من آي الكتاب، وخبر سيد الأخيار والأحباب، نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، حديث ذكرى وتذكير عما أعده ربنا جل وتقدس لعباده المتقين، من جناتٍ وعيون ومقامٍ كريم.

    أيها الإخوة في الله: يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً، ويساقون إلى الجنة زمراً، لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً رضي الله عنهم ورضوا عنه، ناداهم عز جلاله: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:68-71].

    أول زمرة منهم يدخلون على صورة القمر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دريٍ، على خلق رجلٍ واحد على صورة أبيهم آدم، لا اختلاف بينهم، ولا تباعد بين قلوبهم؛ على قلبٍ واحد يسبحون الله بكرة وعشياً: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].

    وصف الجنة ونعيمها

    جناتُ عدن يدخلونها، غرفاتها من أصناف الجوهر كله، يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، فيها من النعيم واللذائذ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرءوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].. فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:15] رياضها مجتمع المتحابين، وحدائقها نزهة المشتاقين، وخيامها اللؤلؤية، على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين، عرش الرحمن سقفها والمسك والزعفران تربتها، واللؤلؤ والياقوت والجوهر حصباؤها، والذهب والفضة لبنتها: غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الزمر:20] عاليات الدرجات، في عاليات المقامات، بهيجة المتاع، قصرٌ مشيد، وأنوارٌ تتلألأ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:32-34].

    هم فيها عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس:56] ظلها ممدود، وخيرها غير محدود: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20-21] قطوفها دانية للآكلين، وطعمها لذة للطاعمين، قد ذللت قطوفها تذليلاً، نعيم البدن بالجنان والأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، ونعيم القلب وقرة العين بالخلود والدوام، عيش ونعيم أبد الآباد، عطاء من ربك غير مجذوذ، فيها أزواج مطهرة خيراتٌ حسان الوجوه جمعن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، في الخيام مقصورات، أولي الطرف قاصرات، تقصر أنفسهن عيون الواصفين: عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:37-38] لا يفنى شبابها، ولا يبلى جمالها لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً وعطراً وشذى، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ما في النجوم من ضياء. حورٌ عين، راضيات لا يسخطن أبداً، وناعمات لا يبأسن أبداً، وخالدات لا يزلن أبداً.

    حال أصحاب الجنة

    أصحاب الجنة: يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ [الدخان:53].

    ويحلون فيها من أساور من ذهبٍ: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج:23] يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:24] يجتمعون في ظلها الظليل، يتنازعون فيها كئوس الرحيق المختوم، والتسنيم السلسبيل، تتوالى عليهم المسرات والخيرات والإحسان والمكرمات. نُزِعَ من قلوبهم الغل، وطُرِدَ عنهم الحزن والهم: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر:34-35].. لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:25-26] هدوءٌ ورضا، يغمره السلام والاطمئنان، والود والأمان، يبلغهم ربهم السلام: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58].. وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [الرعد:23] بالسلام، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24] وخدم الجنة يحيونهم بالسلام: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73] في جنات عدن يأتلف شملهم مع الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرعد:23].. وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].

    وفي جو التجمع والتلاقي، تنادي الملائكة بالتكريم والترحيب: يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].

    وهل ترى نعيماً -يا عبد الله- فوق هذا النعيم؟

    الزيادة في الجنة

    نعم. لقد بقي بعد الحسن الزيادة، فهذا هو يوم المزيد، فاستمع يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة! يا أهل الجنة! إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم، أي: يطلب زيارتكم، فحي على الزيارة، فينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح؛ نصبت لهم منابر من نور ولؤلؤٍ وزبرجد وجلسوا على كثبان المسك، ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة سلام عليكم: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب:44] فيجيبون ربهم بالسلام، يا أهل الجنة! هذا يوم المزيد، ثم يكشف الرب الحجب، ويتجلى لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم، فيا قرة عيون الأبرار في النظر إلى الوجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين في الصفقة الخاسرة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25].

    1.   

    أوصاف عباد الله الصالحين

    أيها الإخوة: هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:17-19] يصلون بالليل والناس نيام، يصومون وغيرهم يأكل، وينفقون وغيرهم يبخل، ويجاهدون وغيرهم يتقاعس ويجبن، أولئك هم عباد الله، حفظوا وصية الله، ورعوا عهد الله وميثاقه، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28] استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة: وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً [الرعد:22] في السراء والضراء: يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60].. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37].. إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:3-6].. وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر، واستعدوا من الزاد لما يكفي لطويل السفر.. عبراتهم تجري وفي قلوبهم معتبر. كثر استغفارهم فحطت خطاياهم، وكلما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم! إنهم عباد الله المخلصون، فيهم الشهيد المحتسب، والعفيف المتعفف، والسلطان المقسط، والضعيف المتضعف المتواضع ذو الطمرين، مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره. أقوامٌ يقطرون نزاهةً، أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله، فيهم: صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي.

    فيهم: تارك المراء ولو كان محقاً، وتارك الكذب ولو كان مازحاً، وبيت في الجنة لمن حسن خلقه؛ يكظم الغيظ، ويعفو عن الناس والله يحب المحسنين.

    فيهم: من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40].

    جنة ربي: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:32-33] عيونٌ تبكي من خشية الله، وعيونٌ تحرس في سبيل الله، يخافون من ربهم يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:10-12].

    الله أكبر! أهل الجنان والغرفات: أقوامٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43].

    ألا هل من مشمر إلى الجنة يا عباد الله؟

    قولوا كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن المشمرون إن شاء الله.

    اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقربنا إليها من قول وعمل، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عينٍ لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، استجب اللهم يا رب العالمين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    سبيل الجنة

    الحمد لله، رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز لهم الكثير من الزلل، وخص من شاء بهدايته وتوفيقه نعمة منه وفضلاً، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة موقنٍ بها، آخذٍ بمقتضاها قولاً وعملاً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، رحمة العالمين، وقدوة العاملين، وحجة السالكين، لا نبتغي إلى السعادة بغير طريقه أملاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد سأل الصحابي الجليل، الفقيه بالحلال والحرام، ومبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعليم والقضاء والفتية: معاذ بن جبل رضي الله عنه، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويبعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17] ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه وقال: كفَّ عليك هذا. قلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يَكُبُ الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم ) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

    أيها الإخوة: هذه هي الجنة، وهذا هو سبيلها، فهل رأيتم أشد غبناً ممن يبيع الجنان العالية بحياة أشبه بأضغاث أحلام؟ يبيع الفردوس بدنيا قصيرة، وأحوال زهيدة مشوبة بالنار ممزوجة بالغصص، حياةٌ حقيرة؛ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرَّت أياماً أحزنت دهوراً، أي سفه وأي عته ممن يبيع مساكن طيبة في جنات عدن بأعطانٍ ضيقة، وخرابٍ بور، فيا حسرة هذا المتخلف حين يعاين كرامة الله لأوليائه، وما أخفي لهم من قرة أعين، فلسوف يعلم أي بضاعة أضاع..!!

    فاتقوا الله رحمكم الله، وبادروا وشمروا، واعملوا وأحسنوا وأبشروا.

    ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذرياته، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الملة والكفرة الطغاة والملحدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحبه وترضى، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً غدقاً سحاً مجللاً هنيئاً مريئاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم غيثاً تُحيي به البلاد، وتُغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقِ عبادك وبهائمك وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.

    اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم وأيدهم وثبت سهامهم وآراءهم واجعل الدائرة على أعدائهم يا قوي يا عزيز.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755919490