إسلام ويب

عبودية الله.. حقيقتها وأهلهاللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العبودية لله جل وعلا هي الغاية من خلق الإنسان على وجه هذه البسيطة، ولا فلاح للإنسان ولا حرية ولا سعادة إلا بتحقيق العبودية لربه وخالقه ومالكه.

    وحقيقة العبادة أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، والعبودية هي أشرف المقامات.

    كما أن هناك صفات لعباد الله يتصفون بها، وقد ذكرها الله جل وعلا في كتابه.

    1.   

    أهمية العبودية لله في حياة الإنسان

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعــد:

    فيا أيها الناس: إن ربكم يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمركم فاخشوه وراقبوه، تعرف إليكم بأسمائه وصفاته، وتحبب إليكم بنعمه وآلائه، يحب المتقين فسارعوا إلى التقوى، ويحب المحسنين فأحسنوا، ويحب الصابرين فاصبروا، ويحب المتوكلين فعليه فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.

    سبحانه وبحمده! من استهداه هداه، ومن اعتمد عليه كفاه.

    أيها المسلمون: حجاج بيت الله الحرام! قضية هي أم قضايا بني الإنسان، وركيزة هي أساس ركائز المكلفين، بل هي المؤثر الأعظم -بإذن الله- في حياة البشرية وتصرفاتها ومشاعرها وعلاقاتها، بل هي ضرورة من ضروريات الإنسان أشد من الطعام والشراب، قضية تحفظ لهذا الكون انتظامه، وتضبط فيه مساره، بالخلل فيها يختل نظام الحياة، وبالضلال فيها تتيه البشرية في دهاليز العمى، وسراديب الانحطاط، ومهاوي الفساد، تلكم هي قضية العبودية لله الواحد القهار، سبحانه وبحمده، تبارك اسمه وتعالى جده، ولا إله غيره.

    العبودية: قضية حتمية لا فكاك للإنسان منها بحال من الأحوال، وهي حاصلة في واقع الناس حصولاً محققاً في كل زمان وفي كل مكان، هي حتمية لأن في الإنسان حاجة وفقراً وضعفاً، وهو بين حالين لا ثالث لهما.. إما أن يتوجه بعبادته وخضوعه وانكساره لله الواحد القهار، فيكون موحداً مطيعاً مطمئناً سعيداً، وإما أن يكون خاضعاً أسيراً ذليلاً لمعبودات باطلة من الآلهة الكثيرة من الأصنام والأوثان، والهوى والشهوة، والمال والملذات، والقوانين والرجال، والأعراف والأحزاب، وكل ما تعلق به فتجاوز به حده من محبوب أو متبوع أو مطاع: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39] اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31] أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23].

    أيها المسلمون: يا ضيوف الرحمن! عبادة الله الملك الحق المبين، هي الزمام الذي يكبح جماح البشرية أن تلغ في الشهوات، وهي السبيل الذي يحجز الأمم أن تتمرد على شرع الله.

    العبودية الحقة: هي المحرك الفعال -بإذن الله- لهذه النفس لتنطلق في كل دروب الحق والخير والسعادة.

    العبودية الحقة: هي التي تخلص البشرية من استذلال القوى والنظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلصها من استضلال الأساطير والأوهام والخرافات، الخلل في العبادة مؤذنٌ في الخلل في نظام حياة البشر بلا مراء.

    أمة الإسلام: ضيوف الرحمن! إنه لا فلاح للإنسان ولا حرية ولا سعادة إلا بتحقيق العبودية لربه وخالقه ومالكه، الإله الحق الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر عالم الغيب والشهادة: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164] .. قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الأنعام:14] .. قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً [الأعراف:140].

    بهذه العبودية تكتسب الحرية، وبهذا الذل ترتقى درجات العز، وبمقدار الخضوع تكون الرفعة، إذا أحسن المرء العبادة وأخلصها ترقى في درجات الكمال الإنساني وأصبح لحياته قيمة، وصار لعمله لذة، ولئن كان الغنى إلى النفس فإن الحرية حرية القلب كما أن الرق رق القلب.

    1.   

    العبودية تعريفها وحقيقتها

    أيها الإخوة في الله: إذا كان الأمر كذلك فما هي العبودية؟ وما هي حقيقتها؟

    إنها اسمٌ جامع لمراتب الأعمال والأقوال من القلب واللسان والجوارح من كل ما يحبه الله ويرضاه.

    العبودية: الطاعة لله مع الخضوع له، فيفعل المكلف خلاف هوى نفسه طاعة لله وتعظيماً له.

    العبادة الحقة: حركاتٌ في الظاهر، واعتقادٌ في الباطن، وطمأنينة في النفس، وتواطؤٌ وتوافق بين عبودية القلب وعبودية الجوارح.

    لا بد في العبادة من الجمع بين المحبة والخضوع، فيحب العبد ربه أحب من كل شيء، ويعظمه أعظم من كل شيء، فالمحبة الخالصة والخضوع التام لا يكونان إلا لله رب العالمين لا شريك له.

    إن مبنى العبودية على التسليم والانقياد والاستجابة في فعل المأمورات وترك المنهيات: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

    أيها الإخوة في الله: أما أصول العبادة وأسسها: الاعتقاد بالصحيح فيما أخبر الله سبحانه عن نفسه وأسمائه وصفاته، وأفعاله وملائكته وكل ما غاب عنا؛ مما جاء على ألسنة الرسل وتنزلت به الكتب، وإفراد الله بالعبادة، وتنزيهه عن الشركاء والأنداد مع ما يتطلبه القلب ويستيقنه من التوكل على الله، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء فيما عنده، وإخلاص الدين له ثم أعمال الجوارح من أنواع العبادات؛ من الصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهود، وبذل وجوه الإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، وكل محتاجٍ من بني آدم حتى البهائم: (ففي كل كبدة رطبة أجر )، وأعمال اللسان من تلاوة القرآن العزيز، والذكر، وقول الحق، وحسن الحديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعلم والتعليم، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والكف عن المحرمات، والبعد عن الكبر والرياء، والعجب والحسد والنفاق، والغيبة والنميمة، وكل ما نهى الله عنه.

    إن العبودية على الحقيقة والتحقيق: هي الدين كله، ولما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ).

    1.   

    العبودية أشرف المقامات

    أيها الإخوة في الله: العبودية أشرف المقامات، وأعلى مرتبات عبادة الله شرفت بها ملائكة الله: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:26-27] وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19-20].

    العبودية ومقام تشريف الأنبياء بها

    العبودية: هي مقام التشريف في حق أنبياء الله، ورسله المرسلون هم أعلى مكلفين في مراتب العبودية: وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [الصافات:171-172] وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص:45].

    واستمع إلى هذا الوصف الجميل لأيوب الصبور: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44].

    أما صاحب الملك العريض الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فقد وصفه ربه بقوله: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30].

    أما عيسى عليه السلام وقد رفعه من رفعه إلى مقام الألوهية فقد قال فيه ربه: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ [الزخرف:59].

    ثم ناهيكم بأفضل الرسل وأشرف الأنبياء نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد شرفه ربه بوصف العبودية وهو في أعلى مقامات التكريم، وقد أسري به إلى بيت المقدس ، وعرج به إلى السماء فقال سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا [الإسراء:1].

    وقال سبحانه: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:10].

    فالأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه هم الأعلى في مراتب العبودية، ويأتي في ذروة عباد الله الصالحين بعد الأنبياء الصديقون، والشهداء، والمجاهدون، والعلماء، وأهل الإيثار والإحسان، وهم في هذا على درجاتٍ متفاوتات لا يحصي طرفيها إلا الله، فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم وأقربهم إلى الله؛ أقواهم وأهداهم وأتمهم عبودية لله عز وجل.

    صفات عباد الله في القرآن

    أمة الإسلام: حجاج بيت الله! وبالنظر في المطلوب من عباد الله على درجاتهم ومنازلهم ترى شمولية ودقة في الاعتقادات، والعبادات، ومجمل الطاعات، وآداب السلوك والأخلاق: قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً [إبراهيم:31].

    وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53].

    قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53].

    ومن جميل صفاتهم وجميل أخلاقهم ما وصفهم الله جل وعلا: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63] قائمين لله بالعبادة ركعاً وسجداً: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً [الفرقان:64] يخافون عذاب السعير: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66].

    ناهيكم بتحقيق التوحيد والخلوص من الشرك، واجتناب كبائر الذنوب: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] محفوظون من الشيطان ووسواسه: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42].

    هم أهل التمكين والوراثة: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].

    لذة العبودية لله

    عباد الله: حجاج بيت الله! العبودية الصادقة تسمو بها الروح، وتتهذب فيها غرائز العبد وشهواته، ويترجح جانب الخير على جانب الشر، ويتجلى وقوف العبد بين يدي ربه واستحضار علمه وعظمته وإحاطته.

    العبادة الصحيحة: أثرٌ عظيمٌ في النفس وطمأنينة في القلب.

    العبودية أعظم ما يحصله الإنسان في هذه الحياة؛ لتكون وسيلته إلى السعادة ورضا الله وبلوغ جنته ودار رضوانه، وفي الحديث القدسي: {يابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك } أخرجه ابن ماجة بسندٍ صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    القلب إذا ذاق طعم العبادة والإخلاص لم يكن عنده شيءٌ قط أحلى من ذلك ولا ألذ ولا أمتع، يقول صلى الله عليه وسلم: {ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً ورسولاً }.

    وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أمور تعين على تحقيق العبودية

    الحمد لله؛ شرع لنا من الدين ما وصى به المرسلين، أحمده تعالى وأشكره وأومن به وأتوكل عليه، إياه نعبد وإياه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فيا أيها المسلمون: إن مما يعين على تحقيق العبودية وإحسان العبادة حضور القلب، وإخلاص النية، وتحديث القلب وتذكيره بالتعبد لله في حال العبادة وخارجها، وهذا التذكير نهرٌ يمد القلب باللين والرقة والخشوع حتى لا يشح ماؤه، ولا يصيبه القسوة عياذاً بالله.

    أيها المسلمون: ولكل عبادة تهيؤ يناسبها، فمن التهيؤ للصلاة حسن الاستعداد من إسباغ الوضوء، والتبكير إلى المسجد، والمشي بسكينة ووقار، يقارنه تهيؤ نفسي ومعالجة قلبية.

    ومن التهيؤ للحج والعمرة رد الأمانات والمظالم إلى أهلها، وتحري النفقة الحلال، واختيار الرفقة الصالحة، ورعاية آداب السفر، وغير ذلك مما يعين على تحقيق المقصود من العبادة.

    كما ينبغي في كل عبادة الابتعاد عما يشوش القلب، فينخلع القلب عن علائق الدنيا وينجذب بكليته إلى ربه ومولاه. ومما ينبغي أن يعلم أن ربنا جل شأنه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ) ومع غناه سبحانه فإنه يحب المتقين، والمحسنين، والصابرين، والتوابين والمتطهرين.

    ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واسألوه العون على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال سبحانه وهو الصادق في قيله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة، وسائر أعداء الملة والدين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتأييد والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وألبسه لباس الصحة والعافية، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين.

    اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

    اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين!

    اللهم إن اليهود المحتلين الغاصبين قد طغوا وبغوا، وآلوا وأفسدوا، وقتلوا وشردوا، وأهلكوا ودمروا، اللهم اجعل بأسهم بينهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.

    اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن جميع بلاد المسلمين يا رب العالمين!

    ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756045328