إسلام ويب

إنما أنت مذكرللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قال الله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر) تحدث الشيخ حول هذه الآية، وبين المقصود منها، ثم بين أن على الداعية أن يذكر ويدعو وألا ينتظر النتائج، ولكي تكون الدعوة ناجحة فلابد من تخول المواقف والمناسبات للتذكير، وتنوع الأساليب، ثم تحدث عمن هو المنتفع بالذكرى، مبيناً حال الكفار مع الاستجابة، ثم بين أن الهوى هو السبب في عدم الاستجابة، وقد ضرب أمثلة على ذلك، ثم تحدث عن الدنيا وطبيعتها، وعن طبيعة الإنسان فيها، وشرح حديث: (اغتنم خمساً قبل خمس ).

    1.   

    معنى قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر)

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، أشكره ولا أكفره، وأتوب إليه وأستغفره، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق وله الأمر وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه ومصطفاه من رسله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، جعلنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء الطيب المبارك في هذا البيت من بيوت الله، وفي هذا الجزء العزيز من بلادنا حفظها الله وصانها، وأدام عليها أمنها ورخاءها، وأعزها بالإسلام، وأعز الإسلام بها، أشكره سبحانه على هذا اللقاء في هذه المحافظة، وفي هذه المدنية ينبع الكريمة والعزيزة.

    وإنَّ ما تقدم به الأخ الفاضل المقدم أشكره عليه، وإن كنت أعتب عليه في ذلك عتباً شديداً، فقد أدلى بكلمات ما كان ينبغي أن تكون في مثل هذا المقام، وخاصة ونحن في بيت من بيوت الله، جلسنا نذكر ونتذاكر، ونذكِّر أنفسنا، فما كان ينبغي له أن يأتي بمثل هذه الكلمات، وخاصة ما يتعلق بنوع من الإطراء الذي لا يحبه كل إنسانٍ يحترم هذه الوجوه الطيبة، لكنني أحسن الظن به، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا وعنه، وأن يسامحنا، وإن كنت أعلم أن ذلك هو حسن ظن منه، كما أنه حسن ظن كثير من الإخوة الذين رتبوا لهذا اللقاء، ولكنني أقول: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون.

    أيها الإخوة: عنوان هذا اللقاء كما اختاره الإخوة المنظمون لهذا اللقاء هو حول التذكير والذكرى، والعنوان هو: "إنما أنت مذكر". يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].

    سوف يكون وقوفنا -إن شاء الله- أمام هذا الموضوع من عدة جوانب:

    الجانب الأول: معنى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22] وأمثالها من الآيات الأخرى؛ لنبين وظيفة الواعظ، ووظيفة الداعية، ووظيفة الموجه، ووظيفة المربي.

    الجانب الثاني: من هو المنتفع بالذكرى؟ وحتى نقف حقيقةً مع أنفسنا موقف المحاسبة: من هو المنتفع؟

    ولماذا كثيرٌ منا يسمع مواعظ، ويسمع خطباً، ويسمع كلمات، ويقرأ، ومع هذا يحس بنوع من الضعف، ونوع من قلة الاستجابة مما يسمع ومما يذكر به الواعظون؟

    الجانب الثالث: ثم محاولة لوقفة تذكيرية حول أنفسنا بطبيعة هذه الحياة، وطبيعة الإنسان، والجدية في المواقف، وصدق المحاسبة.

    الجانب الرابع: ثم الإشارة إلى الضعف البشري والنقص العملي؛ مما يستدعي مع المحاسبة: توجه إلى التوبة، وبيان مواقف كبيرة في التوبة، وبخاصة ما يتعلق بالإصرار، وما يتعلق بالمجاهرة، وفيما يتعلق ببعض الابتلاءات والمصائب التي تكون مكفرات؛ لأن هذه كلها من مواقف التذكير والمحاسبة، وقد نأتي عليها كلها، وقد يسارعنا الوقت فلا نأتي عليها كلها، لكن على كل حال هذه هي أطر الموضوع إن شاء الله.

    أولاً: قوله سبحانه وتعالى؛ مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الدعاة، وسيد المذكرين، وسيد الوعاظ، وسيد الخطباء، وسيد الأئمة، وسيد الأنبياء، وسيد المعلمين، وسيد الموجهين، وسيد المربين، قال له: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].

    هذه تبين -يا إخواني- ما ينبغي أن يعرفه المذكر من نفسه، وما يعرفه من طبيعة البشر، وحينما نقول: مذكر؛ يشمل الداعية، والواعظ، والخطيب، والأب مع أولاده حينما يذكرهم ويزجرهم ويعظهم ويربيهم، والمعلم في مدرسته، وكل قنوات التوجيه وكل مصادر التربية، ومصادر التذكير والتنبيه كلها يجب علينا أن نفقه هذا المعنى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21].

    (ذكِّر) أمرٌ بالتذكير، وهذه لا بد منها، والتذكير واجب ومسئولية كل من أعطاه الله علماً وبصيرة، وأحسن شروط الدعوة: هو المدلول عليه بقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] وقوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] فمن جمع بين هذه فإنه مأمور بالتذكير.

    لا تنتظر النتائج

    عليك ألا تنقطع: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] وليس عليك القبول.. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22].

    إذاً: مهمتك أن تذكر، وأن تبين، وأن تجتهد، وأن توضح، وأن تسلك كل مسالك التفكير، وكل مسالك البيان والإيضاح، وتجدد وتطور في أساليبك، وأشياء كثيرة، لكن: إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] وما وراء ذلك ليس إليك.. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] أي: لست مسيطراً على عقولهم.

    إذاً: لا شك أن الأمور الأخرى فيما يتعلق بالمنكر، وفيما يتعلق بتوجيه الناس، وفيما يتعلق بما هو من الشرع، كالحدود والتعزيرات.. هذه أشياء أخرى معروفة، لكن لا تتهم نفسك حينما تذكر، ولا تظن أنك أنت مقصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يوم القيامة: {يأتي النبي وليس معه أحد } وهو نبي مؤيد بالمعجزات والآيات والنذر، ومع هذا لا يتبع، فكونك لا تتبع، أو لا يستجاب لك، أو تكون الاستجابة ضعيفة؛ ليس اتهاماً لك، ولا أنك مقصر، فمهمتك أن تذكر، ومهمتك -لا شك- أن تراجع نفسك وتحاسبها، مثلاً: بالتذكير، والنظر في الوسائل، والنظر في الأسباب، لكن لا تنتظر الاستجابة، فإن الاستجابة بيد الله عز وجل.

    وهنا آيات كثيرة في هذا الباب، يقول الله عز وجل: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر:23] وهنا حصرٌ أيضاً في أن مهمتك النذارة فقط، ويقول: وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] ويقول: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً [البقرة:119] بشارة ونذارة، لكن: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [البقرة:119] فليست مسئوليتك أن يهتدي الناس، وليست مسئوليتك أن ترى نتاج عملك، وإن تره فهذا لا يعني على أنك فاشل، لماذا؟ لأن هناك عوامل كثيرة في طبيعة النفس البشرية، وحكمة الله سبحانه وتعالى، وأشياء كثيرة.. صوارف، وموانع، ومعوقات، فالقضية هي أن تعرف وظيفتك.

    النبي صلى الله عليه وسلم دعا ثلاثاً وعشرين سنة، بعض الناس استجاب من أول وهلة، كـخديجة رضي الله عنها، وأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، هؤلاء من أوائل من أسلم، بينما تأخر إسلام بعض الناس إلى أكثر من عشرين عاماً، كـأبي سفيان ، وسهيل بن عمرو ، وخالد بن الوليد ، فالاستجابة ليست لك.

    ولهذا الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً [الرعد:31] فالأمر ليس إليك، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن يصرح به، ولهذا يقول: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الشعراء:115] ويقول: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [ص:86] ويقول: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99].

    القضية فعلاً ليست خاضعة لموازين بشرية، وإن كانت هناك -كما سوف نرى بعض أشياء تتعلق بالاستجابة- قضية أنه مهمة الواعظ والمذكر والمربي والموجه والمعلم أن يجتهد في نفسه، لأن وظيفتك أن تعمل، وأن تذكر، وأن تجتهد، لكن النتائج هذه زيادتها ونقصها ليست دليلاً على فشلك، أو نجاحك.

    اختيار المواقف للتذكير

    الجانب الآخر: يقول الله عز وجل: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9] ما معنى ذلك؟

    معنى ذلك: أن الإنسان ينبغي أن يتخير في التذكير، ليس معنى: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9] إذا لم تنفع فلا تذكر، لا. لأننا قلنا -قبل قليل- أن النفع ليس إليك، لكن تحر الأوقات، والظروف، والأماكن، والأحوال المناسبة التي تدخل فيها على الناس، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة، أي: يتلمس، سواء كان بتخول الظروف، أو باستغلال المناسبات، فقد تكون الموعظة حينما تزور مريضاً أكثر تأثيراً حينما يكون مصاباً، أو على القبر، أو على جنازة، أو مفاجأة حادث، أو أشياء أخرى، هذه أيضاً من التخول.

    إذاً: هذا جانب من جوانب التذكير، وهو تخول الظروف، ومحاولة استغلال الظروف، فإن هذه يكون لها أثرها، ولهذا قد يكون عند تجدد النعم، أو عند انصراف النقم، أو حتى عند حلول المصائب، وعند أشياء كثيرة، يتخيرها الإنسان، ويحاول أن يستغل الظرف ليذكر، وحتى الاستغلال ينبغي أن يكون بطريقة لبقة، وبطريقة خفيفة الظل، وبطريقة لا تكون ثقيلة.

    فإن كثيراً من مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم كانت مجرد كلمات يقولها في المناسبات، لكنه في الأصل كان يتخير المناسبات، مثلاً: حينما كان مع مجموعة من أصحابه عليه الصلاة والسلام، فمروا على شاة، أو سخلة ميتة، أو تيس أسك -أي مقطوع الأذنين- قال: {أرأيتم هذا؟ قالوا: نعم. قال: لماذا ألقاها أهلها أو أصحابها؟ قالوا: لأنها لا قيمة لها، قال: إن الدنيا أهون عند الله من هذه عند أهلها } فلأجل هذه المناسبة، قال هذه الكلمة عليه الصلاة والسلام، استغلالاً للموقف، ومحاولة للتذكير في وقت نفعه: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9].

    والتذكير ليس محله المنبر فقط، أو المسجد، أو القاعات الكبرى، بل في أي مناسبة -كما قلنا- قد تزور مستشفى، أو تزور مرضى، أو في تشييع الجنازة، قد يكون حتى بمناسبة أفراح، قد يكون هناك إنسان جاءه شيء يفرحه فتستغل هذه المناسبة، والتذكير ليس بأن تأتي بمأساة في وقت الفرح، فإن هذا ليس من اللباقة، وليس من المفيد، بل في الفرح يكون فرحاً، ويكون استغلالاً للابتلاء بالخير، كما تستغل الابتلاء بالشر.. إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9].

    1.   

    من هو المنتفع بالذكرى

    قضية أخرى في التذكير: وهي أنه إذا كان خطابنا الأول للمذكِّرين والوعاظ، الآن نأتي إلى المخاطَبين المذكِّرين.

    الله عز وجل يقول: فَذَكّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9] وبعدها: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:10].

    إذا كنا تحدثنا قبل قليل عن المذكرين، وقلنا: ينبغي أن يفعلوا كذا وكذا وكذا، الآن نخاطب الذين يستمعون: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:10] هنا ينبغي -يا أخي- أن تقف مع نفسك وقفة المحاسب، لماذا تسمع الوعاظ، وتسمع المذكرين، وتتلى عليك آيات الله، وعندك وسائل في المسجد، في الشريط، في الإذاعة، تقرأ كتاباً، تقرأ نشرة، ومع هذا لو راجعت نفسك لوجدت شيئاً من القصور، فعليك أن ترجع إلى نفسك، الله عز وجل يقول: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:10] ويقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] ما تنفع كل واحد.

    ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1-3].

    إذاً: قضية الإيمان وقضية الخشية أشياء داخلية، ويقول: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً [يس:70] سماها حياة، فالقرآن ينذر من كان حياً.. وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:69-70].

    إذاً: إذا أردت أن تحاسب نفسك بصدق، وأن تقف موقف المراجع لنفسه أمام وعظ الواعظين، وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، ولهذا أكثر ما قال الأنبياء لأقوامهم: وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:79] إن القضية خطيرة أيها الإخوة.

    أسألكم بالله: إذا مر عليكم عضو الهيئة، أو مر عليكم رجل محسن، أو خير، وقال: يا إخواني الصلاة، أو قال لكم: هذا كذا، أو السنة كذا، بالله هل يتعظ قلبك؟ هل تجد تثاقلاً؟ هذا خطير يا أخي! وقال هود لقومه: وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:79].

    فعليك أن تراجع نفسك -خاصة في وقتنا الحاضر- فكم يمر عليك مسائل خير، وبخاصة في إعلامنا -ولله الحمد- ففيه إيجابيات كثيرة جداً؛ إذاعة القرآن الكريم، برامجنا الدينية والتثقيفية الجميلة، في كثير منها كم يمر عليك، وأنت تفتح السيارة هذه آيات الله تتلى، وهذه مواقف من القرآن، وهذه مواقف من السنة، وهذه مواقف من السيرة، بالله ما اجتهدت أن تقف مع نفسك موقف محاسب! إذا لم يكن ذلك فارجع إلى هذه الآية: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:9-10] إذا كان في قلبك خشية، وفي قلبك حياة.. لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً [يس:70] وكان لك قلب.. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] السمع هذا سمع خاص -وسوف نشير إليه بعد قليل- وليس مثل كمن يسمع من أذن ويخرج من أذن أخرى، إنه سمع معين نشير إليه -إن شاء الله- بعد قليل.

    إذاً: هذا خطاب للذين يستمعون الذكر ويستمعون التذكير، أن ينظروا في قلوبهم، وينظروا مدى استجابتهم، يقول الله عز وجل: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36] ويقول في الآية التي قبلها: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا [الأنعام:34] هذا كله تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [الأنعام:34-35] وهذه تتعلق بـ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]، ولا مانع أن نعيد الكلام فيه.

    هذا الخطاب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، مما يدلك: على أن القرآن من عند الله، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بلغه من عند ربه، حتى الأمور التي تتعلق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وما يدور في صدره بينها القرآن.

    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يشق عليه ألاَّ يصدقه قومه، وكان يشق عليه أن يعرض قومه، فقال الله له: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [الأنعام:35] إن كان شق عليك أنهم أعرضوا.. وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام:35] ماذا تفعل؟

    تصعد إلى السماء لتأتي بآيات، أو تفتح أنفاقاً وتأتي بآيات، هذا ليس إليك، إن مهمتك البلاغ.

    سبحان الله! الخطاب القرآني والتجسيد القرآني لموقف النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، الرسول صلى الله عليه وسلم كان مشفقاً على قومه، بل حريصاً عليهم يريد أن يسلموا، أولاً: لأنه مقتنع بما جاء به، وهو أيضاً يرسم الطريق للدعاة، وكان يتحرق قلبه عليه الصلاة والسلام في سبيل أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً.. وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [الأنعام:35] إن كان شق عليك أن أعرضوا، ليس بيدك شيء: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * الكفار وحالهم مع الاستجابة

    يقول تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:22-24].

    آيات عجيبة في تجسيد كيفية الاستجابة، ومنهم الذين لا يستجيبون.. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22].

    وقد جاء إليَّ سؤال لطيف، قال: الله عز وجل في الذين كفروا: الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] ومعلوم أن الأصم والأبكم ليس مكلفاً، فكيف قال هنا: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22]؟

    الموضوع -فعلاً- يحتاج إلى وقفة: فإن الصم البكم في الآية ليس معنى ذلك أنه متعطل السمع، أو أنه أبكم بمعنى لا يستطيع أن يتكلم، ولكن المعنى أن عنده آلة سمعٍ، فلم يستعملها، ولم يوظفها في الحق، وعنده عقل، ولم يستعمله، ولهذا قال الله عز وجل في الذين كفروا: وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة: 103] وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170] فما معنى أن الكفار لا يعقلون؟

    القضية خطيرة ودقيقة ومهمة في الكفار وفي العصاة، وقد يقول قائل -كما قلنا قبل قليل-: الكفار معهم عقول وعبقريات واكتشافات واختراعات، ووصلوا إلى ما وصلوا إليه باكتشافات مدنية، واكتشافات مادية، وهذا حق، ولا ينكر، ولا يُلغى، بل لو كانوا لا يعقلون لما كانوا مكلفين أصلاً؛ لأن المجنون لا يكلف، والإنسان الذي فقد آلة لا يكلف بأن يؤدي شيئاً بهذه الآلة وهو فاقدها، بل حتى الإنسان لو كان مقطوع اليد وأراد أن يتوضأ فلا يلزمه أن يغسل كتفه أو جنبه ما دام أن اليد مقطوعة إلى المرفق، انتهى المفروض عليه، فكذلك إذا كان معطل الحواس، فليس عليه تكليف، لكن الله عز وجل قال في الكفار: لا يَعْقِلُونَ [المائدة:103] أي: أن عندهم آلة العقل، لكن لم يستعملوها في الاستعمال الصحيح.

    ولهذا لو أن إنساناً يمشي وداس رِجل شخصٍ ما فسوف يقال له: ألا ترى؟! لأنه لو كان يرى لما داس، إلا إذا كان متعمداً، بل حتى حادث السيارة، والأشياء الأخرى، فالإنسان حينما يخطئ في تعطيل حاسته سوف تتعطل، مع أن هناك تعطيلاً متعمداً، والإنسان محاسب عليه، ولهذا قال الله عز وجل في الكفار: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ويقول في آية أخرى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:43-44].

    إذاً: ليست القضية أنه ليس عنده عقل، ولا سمع، القضية فيها أشياء أخرى، قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان:43] وفي مكان آخر تكلم عن الاستجابة، فقال: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50].

    الهوى سبب عدم الاستجابة

    إن الصارف عن عقلك وقلبك حتى لا يخشع، وحتى لا يسمع، هو الهوى.

    والهوى كلمة واسعة في القرآن، وواسعة في اللغة العربية، فالكفار على عقولهم، وعلى عبقرياتهم، لكن الذي يضلهم هو الهوى، ولا مانع أن ندخل مباشرة ونقول: كل مشكلات العالم الآن، وحقوق الإنسان، وما أدراك ما حقوق الإنسان! والكذب في تطبيق القواعد والقضايا الدولية، سببها اتباع الهوى.. مصالح خاصة، ما معناها؟ معناها اتباع هوى في مقابل الحق، والحق بين واضح أبلج، ومع هذا ينصرفون ويلتوون ويلتفون على النصوص، وعلى القواعد التي رسموها، والقوانين الوضعية التي وضعوها، وكذا وكذا... إلخ، ليس لأنهم لا يعقلون، بل هم الذين وضعوا القانون ويتجاوزونه؛ لأنهم لم يقصدوا الحق، إنما قصدوا الهوى.

    إذاً: حينما ترى نفسك لم تستجب حين يعظ الواعظ ويذكر المذكر، اعلم أن السبب هو الهوى، حينما يتكلم الواعظ عن الربا، وتعلم أن الربا حرمه الله ورسوله، لكنك غلبتك نفسك، وغلبك هواك، فأنت -فعلاً- بين نارين، نار الآخرة، ونار حبك الرشوة، وخيانة الأمانة.. تستودع أمانة وتضيعها، لماذا؟ لأنك لعبت، الواعظ يعظك والمذكر على المنبر يبين لك، ومع هذا خنت لماذا؟ لأنه لو كان في قلبك حياة وخشية من الله عز وجل، لتغير الحال.

    ولنا أن نقف هنا وقفة طويلة، لأنها مهمة في قضية قال تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36] إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] كما قال: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف:179] وقال الله: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179] أضل من الأنعام، كيف؟!

    الأنعام خلقها الله سبحانه وتعالى وأعطاها نوعاً من الهدى الذي تقوم به حياتها البسيطة والساذجة، قال تعالى: الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] كيف تحنو على صغارها؟ كيف ترفع رجلها من أجل أن يرضع صغيرها؟ كيف تدافع عن نفسها؟ كيف تهرب حينما ترى ما يؤذي؟ كيف تنطح حينما تشعر أن الإقدام ينفعها؟ كيف تنظر في الأكل وتشمه فإذا نفع أقبلت، وكذلك الماء، وكذلك إذا أقبلت على حفرة، فإنها لا تلقي بنفسها، وإذا أقبلت على شاهق، فإنها لا تؤدي بنفسها، وهكذا.. إذاً عندها قدر معيشي هداها الله سبحانه وتعالى إليه بحيث تعيش ما شاء الله أن تعيش.

    الإنسان أرقى من هذا بكثير، فالحيوانات لا يمكن أن تصنع إبرة، ولا يمكن أن تصنع طعاماً، تلقي فمها ثم تأكل فقط، أما ابن آدم فإنه يصنع ويعمل وينتج زراعة وصناعة، وأشياء فوق الخيال، والمباني التي يقيم فيها تتكون من عشرات الأدوار، والحيوان إن حفر له جحراً، وإلا كنَّ في أي سقف أو شق من الأرض.

    فليس هناك نسبة بين عقل الإنسان وعقل الحيوان كما هو معروف، لكن لاحظوا كيف أن الإنسان إذا ألغى عقله، لا يزال يتدنى ويتدنى حتى يصل إلى درجة البهيمة، ثم يكون أضل من الأنعام.. أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179] وكما قلنا لكم: إن البهائم تدافع عن نفسها، وتعرف النافع والضار في حدود ما هداها الله.

    الإنسان عنده عقل وعنده فهم، ويكتب نشرات صحية.. هذا ممنوع، وهذا اكتشف دواؤه، وهذا قد اكتشفت مضراته، وجراح، وعلماء، وأشياء كثيرة لا شك أنها محل فخر، ويطلب من المسلمين أن يصلوا إلى هذه الأمور ويتفوقوا عليها، وليس هناك إشكال، لكن كيف هذا العبقري، وهذا المكتشف، وهذا المحذر، وهذا المنبه قليلاً قليلاً إلا وقد غلبه هواه، فاقتحم ما يضره؟!

    أمثلة لاتباع الهوى

    نبدأ في قضية التدخين: قبل ثلاثين سنة كان التدخين يمكن أن يظن أنه يضر، أو لا يضر، أو حرام، أو ليس بحرام، أي أن أضرار التدخين لم تكن متبلورة ولا واضحة، أما الآن فقد أجمع الأطباء والعلماء، وأجمع العالم على أنه ضار، ووضعوا الملصقات، بل حتى وسائل المكافحة أنه ضار بالاتفاق، ومع هذا يقدم الإنسان على التدخين!

    لو أنك وضعت طعاماً متعفناً أمام بهيمة، هل يمكن أن تأكله؟ لن تأكله سوف تقترب منه ثم تكف مباشرة، أما ابن آدم فيقول: هذا ضار، وهذا ممنوع، ومع هذا يستمر.. في هذه الحالة ألا يكون أضل من بهائم الأنعام؟ بهيمة الأنعام تصل إلى حال أنها تترك الضار، أما الإنسان فمع علمه أنه ضار ولكن يتعاطاه.

    هناك قضية أشد: الخمر أضراره والأمراض التي يسببها متفق عليها، سواء في الرئة، أو في الكبد، أو في المعدة...، والأطم والأطم المخدرات! كيف البلاء بالمخدرات؟ حينما ترى صاحبها -نسأل الله السلامة- يقع بشكل مزري، ولو كان هناك تضليل أكثر من الأنعام فإنه يستحقه.. يضيع ماله، ويضيع عقله، بل -يا إخواني- إنه مستعد أن يضيع عرضه -نسأل الله السلامة- فإن من لا يستطيعون أن يحصلوا على المخدر مستعدون أن يبذلوا كل شيء حتى عرض زوجته وعرض ابنته -نسأل الله العافية والسلامة- إلى هذه الدرجة يصل الإنسان!!

    إذاً: فعلاً لا يتذكر إلا من له قلب، واستعمل عقله، وما أعطاك الله العقل إلا لتتميز به، وإن لم تتميز به صرت بهيمة، وأشد من البهيمة.

    نأتي إلى جانب الكفار.. الكفار -فعلاً- اكتشفوا ما اكتشفوا، وصنعوا ما صنعوا، لكنهم ضلوا حتى ضروا أنفسهم.. نِسب الانتحار عندهم أشد، نِسب الطلاق وتفكك الأسر أشد وأشد، عندهم العيادات النفسية بشكل عجيب، لماذا؟

    لأنهم لم يأخذوا إلا بالجانب المادي فقط، بل وأفسدوا الجانب القلبي، والجانب الديني، والضمير؛ لأنه لا تأتي هذه إلا عن طريق التذكير والتعليمات الدينية الصحيحة، فالله عز وجل يقول: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً [يس:70] ويقول: إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:3] إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36].. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:22-23].. فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8].

    نأتي إلى قضية أخرى: إذا كان هذا هو التذكير، ووظيفة المذكر أن يبين للناس ويجتهد، ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يبذل ما يبذل، ويشق عليه ضلال قومه، حتى قال الله له: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ [الكهف:6] لكن ينبغي أن يعرف وظيفته: إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].. أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99].

    الجانب الثاني: ينبغي على المتذكرين والموعوظين والمنصوحين أن يراجعوا قلوبهم، ويراجعوا أنفسهم، لماذا لا يستفيدون؟

    إذاً: القضية فيها وفيها، وأكثر ما فيها -يا إخواني- الهوى، والله لا يصرف الإنسان عن الخير إلا الهوى.. سواء كان هوىً وظيفي، أو هوىً مالي، أو هوىً زوجي، أو هوى الأولاد: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15].. زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14].

    إذاً: هذا هو المذكر، وهؤلاء هم المذكَّرون.

    1.   

    الدنيا وطبيعتها

    نأتي إلى مواقف المحاسبة لعلها ترق قلوبنا بشيء من أوضاع الدنيا.

    عندنا جملة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، تبين أن طبيعة الحياة لا تحتاج إلى أن نقف عندها، وهي كثيرة، وسوف أختار شيئاً منها على حسب الوقت:

    يقول الله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].

    إن حديث القرآن عن الدنيا حديث واسع ومتنوع، حديث يبين طبيعتها فيما ينبغي أن يتنبه إليه المسلم والتالي لكتاب الله، ولا شك أن الدنيا -كما سوف نرى- في طبيعتها أنها لا تذم لذاتها، وليس بتحريم الحلال، وإضاعة المال، المال له موقف آخر، ليس هذا المقصود، لكن الوقت لا يتسع للكلام عن هذا، لكن لا مانع أن نذكر شيئاً.. متاع الغرور يقول سعيد بن جبير : [[ ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك، فليس بمتاع الغرور، ولكنه متاع ]].

    هذا قد لا نتكلم عنه الآن، إنما نتكلم عن الدنيا المذمومة، والدنيا لا تذم لذاتها، إنما المذموم هو عمل ابن آدم فيها، وكل الأحاديث الذامة واللائمة، ليس المدح والذم فيها للدنيا، ولا للماديات، وإنما تتعلق بعملك أنت.. اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ [الحديد:20] لعب أي: للاعبين، فلا تكون لعباً إلا لمن يلعب، ولا لهواً إلا للاهي، ولا زينة إلا لمن أطغته الزينة وألهته، وتفاخر؛ لأنه صرف الدنيا لما لا ينبغي أن تكون، وجعلها للمفاخرة، وتكاثر في الأموال والأولاد.

    إذاً: من جعل هذه وظيفة الدنيا، هذا هو المخوف، وهذا هو متاع الغرور، من جعلها لعباً ولهواً وزينةً وتفاخراً وتكاثراً في الأموال والأولاد، من جعلها كذلك فهذا هو المذموم، ولهذا مباشرة قال: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ [الحديد:20] والغيث هنا بمعنى: الزرع، واللغة العربية فيها تعابير كثيرة وليس هذا المقام للتفصيل، وقد عبر بالغيث باعتبار السبب؛ لأنه السبب -بإذن الله- لنبات الزرع وغيره.

    والكفار هنا هم الزراع، الكافر بمعنى: الزارع، لأنه هو الذي يكفر الأرض، أي: يحرثها ويغطي البذور فيها، كما يشبه الدنيا كأنها -فعلاً- مزرعة، فالله دائماً يمثل بالزرع؛ لأن الإنسان يدرك بسرعة، ويرى تطوراته: تراها نبتة صغيرة، ثم تنمو وتصبح نضرة خضرة وجميلة، ثم بزهرها التي لا تكاد تمل منه، ثم لا يلبث أن يثمر، ثم يصبح هشيماً تذروه الرياح، بمعنى أن الحياة -كما يقول المختصون- قصيرة، بحيث يمكنك أن تراه من يوم أن كان صغيراً إلى أن يصبح كبيراً، والحياة الدنيا كهذه، أنت تعلم أنك كنت طفلاً، ثم شاباً، ثم قوة وفتوة، ثم كهولة، ثم هرماً. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً [الروم:54] القضية واضحة، فالذي يلهو بالدنيا ويتخذها دار لهو، هذه حقيقتها، ولا تستحق كل هذا؛ لأنها فعلاً كفترة الزرع إن سلمت من الآفات.

    ما أنت إلا كزرع عند خضرته     بكل شيء من الآفات مقصود

    فإن سلمت من الآفات أجمعها     فأنت بعد تمام الزرع محصود

    هذا إذا فرضنا أنك سلمت من الآفات، ولكن كيف وأنت تتقلب في هذه الدنيا بابتلاءاتها ومصائبها، وابتلاء في أهلك، ونفسك، وأولادك، وممن حولك من جيرانك وأقاربك يبتلون بأشياء ومشكلات ومصائب، ونكد.

    جبلت على كدر وأنت تريدها      صفواً من الأقدار والأكدار

    ومكلف الأيام ضد طباعها     متطلب في الماء جذوة نار

    فالله عز وجل يقول: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الحديد:20].

    وأمثلة الدنيا في القرآن كثيرة: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس:24].

    وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف:45].

    أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [الزمر:21].

    طبيعة الإنسان في الدنيا

    الكلام طويل في وصف الدنيا، وفيما ينبغي أن يأخذ الإنسان فيها من عجب؛ لكن الأمر الذي نريد أن نركز عليه: طبيعة الإنسان في هذه الدنيا، وتقلباته فيها.

    النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك } تنبيهات عجيبة عن حقيقة هذه الدنيا، وهذا هو الإنسان فيما اغتنمها، الحياة متقلبة ولا تستقر لأحد أبداً.

    الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه أكرم الخلق على ربه، ومع ذلك مرض عليه الصلاة والسلام، وناله ما ناله من العناء، وتقلب في الأسفار، وفي الحضر، ومآسي.. فالإنسان ينبغي أن يقف من نفسه موقف محاسبة، ونقول هذا لأننا نتكلم عن التذكير.

    { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك } بالله يا إخواني! كم سمعتم الوعاظ دائماً يقولون: { شبابك قبل هرمك } ونعرف أن كثيراً من الشيوخ يعظون الشباب: يا ولدي انتبه لنفسك، يا ولدي كذا..، كم ينبغي أن نراجع أنفسنا؟ وحينما يمر علينا الوعظ، وحين تمر علينا هذه الحكم، وتمر هذه الآيات والنذر، ينبغي أن يكون عندنا من الحياة القلبية ما نقف جادين من موقف المحاسبة.

    { شبابك قبل هرمك } لماذا؟ لأن الشباب قوة، والشباب تعطي فيه عطاءً عجيباً، إذا جاء الهرم، بدأت الأرجل والركب ترتعش والخطى تقصر، كنت تصل إلى أقاصي الدنيا، والآن لا تستطيع أن تخرج من بيتك إلى طرف الشارع أو إلى الدكان المجاور، تغيرت الحال، والرسول صلى الله عليه وسلم يذكرك، هذه الدنيا منتهية ومتغيرة، فإن عشت؛ فلا بد من هرم، فإذاً لماذا لا تستغل الشباب قبل الهرم؟! وهذا خطاب لمن؟ إنه خطاب للشباب.

    { شبابك قبل هرمك } إذا كان عندك فكر، وعندك القلب الحي، وعندك الخشية؛ فانظر إلى الشيوخ الكبار، يقال: كان أطفال يلعبون في السوق في سن العاشرة والحادية عشرة، فمر عليهم شيخ كبير هرم، يمشي بخطى متقاربة، فقام واحد من الصبيان فيه شقاوة، وقال: يا عم، لماذا أنت مثل المقيد؟ قال له: يا ولدي! الذي قيدني يفتل قيادك. إذا طال بك العمر فإن القياد يفتل الآن، فالقضية خطيرة.

    فينبغي للشباب إذا رأوا الشيوخ أن يتعظوا، أنت الآن في قوة تذهب إلى ما شئت، عندك همة، تكاد تطير إلى أعالي السماء، فينبغي أن تغتنم شبابك قبل هرمك.

    { وصحتك قبل سقمك } يبدو لي أنه لا يوجد أحد إلا ومر بفترة مرض، وإن كانت بعض الأمراض أشد، خاصةً ممن يبتلى بمرض قد يرقد على السرير الأبيض مدة، كم يتمنى أن يكون صحيحاً! وإذا كان مريضاً يقول: والله إذا شفيت لأفعلنَّ كذا وكذا، سأراجع نفسي، وأراجع أوراقي، وبعد ذلك لا يفي بوعده.

    ابن آدم عجيب! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { وصحتك قبل سقمك } اعرف أنك صحيح؛ والحكمة المعروفة: الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.

    بالله ما هو شعورك عندما تزور مريضاً وتجلس عنده وتتحادث معه، ثم تخرج؟ كم هو يتبعك بنظراته، ويود لو أنه خرج معك، تخرج من غرفة المستشفى وأنت لا تبالي، أولادك يشتغلون مكانك، هو يتابعك بنظره، ويود لو أنه مشى معك، لكن المريض سقيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: { وصحتك قبل سقمك } هذا هو التذكير، وهذا هو مدى تأثرنا بالتذكير!

    { وغناك قبل فقرك } هذه هي إيجابيات الدنيا.. صحة في الأبدان، وقوة في الشباب، وثراء في الأموال، وإذا لم تستغلها في الخير فستندم، الشباب والصحة والغنى، فاغتنم غناك قبل فقرك، اغتنمه بماذا؟ بالخير، بصلة الرحم، بالصدقة، بالحلال، بأشياء كثيرة.

    ولو أن إنساناً -نسأل الله السلامة- فلَّس، فكم سيضرب يداً على يد ويندم.

    {وفراغك قبل شغلك } وهذه من أهم القضايا، لكن مع الأسف -يا إخواني- لا يكاد الإنسان يعرف أنه فارغ، أكثر الناس -خاصة في بلادنا- بعد أن أنعم الله علينا، وأصبح عندنا رخاء، وأمن وأمان، وأشياء كثيرة، لا توجد في بلاد أخرى.. كم يأتي إلينا من الجاليات يبتغون الرزق، ويبتغون الفضل، لماذا؟ لأن عندنا فرص أعمال، وعندنا خير كثير.

    إذاً: عندنا فراغ كبير، والفراغ في أولادنا وفي شبابنا، فينبغي للإنسان أن يستغل الفراغ بعمل، لا تنتظر أن يوجد لك فرصة عمل، أنت اشتغل، والله لو كان هناك جدية، وتأملنا مثل هذا الحديث، واشتغلنا بالفراغ الحقيقي، لزاحمنا هؤلاء الإخوة -ولا نحسد أحداً- لكن ينبغي أن نزاحمهم حتى نشتغل نحن.

    فكم عندنا فراغ! والفراغ قاتل، وأكثر ما يقع الناس في الموبقات بسبب الفراغ.. لماذا يسهر الإنسان؟

    لو كان عنده شغل وراءه لما سهر، ولو كان عنده مرض لما سهر، ولو كان عنده عمل جاد لما سهر، ولو قال لك أبوك: غداً عندك سفر، كيف تكون مشغولاً! ولو قالوا لك: عندك غداً منافسة فلن تنام؛ لأن الذي يقطع وقته في الأشياء الفارغة هو الفارغ، سهر ليل على ملهيات، وعلى وسائل إعلام سيئة، وكلها لا تجوز.

    { فراغك قبل شغلك } بينما تشغل نفسك بشيء تندم عليه، أحياناً تصاب بشدة عمل بحيث تتمنى فيه فرصة أو إجازة، فعليك أن تستغل الفراغ، الله عز وجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح:7] ما قال فإذا فرغت فالعب فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ الشرح:7].

    الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشتغل: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ *الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:1-8] إذا فرغت؛ اشتغل واعمل.

    { وحياتك قبل موتك } أي: كل حياتك، سواء كنت مريضاً أو صحيحاً، شاباً أو هرماً، فقيراً أو غنياً، الحياة لكل الناس، ليست للفقراء، ولا للأغنياء، ولا للأصحاء، إن الحياة للكل، فما عليك إلا أن تستغلها، والموت لا بد أن يأتي، الموت آتٍ آتٍ، فعليك أن تغتنم حياتك قبل موتك؛ لأن الموت آتٍ وأنت محاسب، والحياة ثلاثون أو خمسون أو ستون سنة فاستغلها.

    قال صلى الله عليه وسلم -­وهي حقيقة مخيفة، وهي تمثل جانباً آخر فيما سبق-{ ما ينتظر أحدكم إلا غنىً مطغياً } قد تبتلى فعلاً بالغنى؛ لأن الغنى بلاء وابتلاء: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35] وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8].

    { ما ينتظر أحدكم إلا غنىً مطغياً } كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] فأنت ينبغي أن تستغلها، وأن تتقي الله عز وجل، ولا تغبط الأغنياء؛ لأنه أحياناً قد تكون الدنيا ملهية، وقد تكون بلاءً، وقد تكون عذاباً، بل حتى في الدنيا -وأنتم تعرفون حياة بعض الأغنياء- وذلك لأمرين:

    أولاً: قد يكون الترف يؤدي بهم إلى أمراض معروفة، من الضغط والسكر وغيرها.

    ثانياً: كم

    وصف النبي صلى الله عليه وسلم لحقيقة الدنيا

    نختم بحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجسد الموضوع وتعطينا خلاصةً لما سبق، قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : {يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت } أكثر ما يبتغي الناس في الدنيا المال، وحقيقة المال أنه إذا كان عندك ملايين في البنك، أو ذهب وفضة مكدسة؛ لن تستفيد منها إلا ما كان على ظهرك من نسيج، وما دخل جوفك من أكل، وكذلك إذا بنيت لك مسكناً، هذه فقط، ما هناك غير هذا أبداً مهما كان، المال كله لن تستفيد منه إلا في مركب، أو ملبس، أو سكن، أو أكل، غير ذلك لا شيء.

    { إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت } وما عدا ذلك فللوالد غنمه وعليك غرمه، ولا مانع من أن أذكر أيضاً قصة لطيفة، وهي خيالية وأسطورة، لكن أذكرها لكم وأختم بها؛ تعرفون حقيقة المال، يقال: إن أحد الناس رأى أن له دعوتين مستجابتين، فدعا الله عز وجل، وقال: اللهم اجعلني لا أمس شيئاً إلا تحول ذهباً، فأجاب الله دعاءه، فوضع يده على الطاولة فصارت ذهباً، وعلى المكبر فصار ذهباً، حتى لو وضعها على عمود المسجد لصار ذهباً، وفعلاً كاد يطير فرحاً، حتى جاءه الجيران، فصار يلمس لهم ويعطيهم.

    فجاء الأكل وقال: اشتروا، وأتوا بما لذ وطاب من الأكل، فقدموا له مائدة ما رأى مثلها، ثم قال: باسم الله، وبدأ يأكل فتحول الصحن إلى ذهب، والرز صار ذهباً، واللحم صار ذهباً، ليس هذا الذي اتفقنا عليه! ثم استرجع الرجل، وبدأ الحزن، فجاء ابنه يريد أن يواسيه، فسلم على أبيه فتحول إلى ذهب، وفي النهاية قال: يا رب! بقيت الدعوة الثانية، وقال: يا رب! أرجع كل شيء كما كان.

    هي أسطورة كما قلت، لكن ما هو معناها؟ لو كان عندك ذهب لما أرواك من الماء، لو كنت في صحراء، وفي جيبك عشرون جنيهاً فلن تغني عنك شيئاً، فالقضية أن المال لتلبس، وتأكل، وتشرب، وتتصدق.

    فيجب أن يتعظ الإنسان، والأغنياء -وفقنا الله وإياهم- إذا ماتوا فإن الأموال كلها تصير إلى الأولاد وإلى الأهل، لا شك أننا لا نقول: الإنسان يبقى فقيراً، ولا شك أنك إن تدع ورثتك أغنياء خير، لكن بحدود أن تفهم وظيفة الدنيا.

    وأخيراً: النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيحين : {يتبع الميت إذا مات ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله }.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أعمالنا وأعمالكم، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرزقنا يقظة القلوب، وأن يجنبنا الغفلة إنه سميع مجيب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم النصح والتذكير ممن هو مقصر

    السؤال: نحن مجموعة من الشباب نتواصى بالخير فيما بيننا، ولكن يبدو علينا جميعاً التقصير من ناحية فوات تكبيرة الإحرام، أو فوات ركعة، فهل يسوغ لنا أن نذكر بعضنا ونحن واقعون في نفس ما نذكِّر به أحياناً؟

    الجواب: نعم. الإنسان ولو كان مقصراً يذكر، ولا ينتظر الإنسان أن يكون كاملاً، فالكمال لله، ولا يكمل أحد من البشر أبداً، بل حتى إذا رأى الإنسان في نفسه الكمال فهذه خطيرة، بل عليه دائماً أن يتهم نفسه بالضعف والتقصير، وتقصيره لا يمنعه من أن ينبه إخوانه، بل الله عز وجل قال لبني إسرائيل حينما لعنهم صلى الله عليه وسلم، قال: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79] مع أنهم واقعون في المنكر، لكنهم كان حقاً عليهم أن يتناهوا، حتى قال بعض السلف : حتى أهل الخمر وهم على جلسة الخمر، كان حقاً عليهم أن يذكر بعضهم بعضاً، وينهى بعضهم بعضاً، فالإنسان ولو قصر لا بد أن ينصح نفسه، وينصح غيره؛ لأن عليه مسئوليتين: مسئولية على نفسه، ومسئولية نحو إخوانه.

    حكم دعوة العمال غير المسلمين

    السؤال : يرد إلى بلادنا كثيرٌ من الأيدي العاملة غير المسلمة، فهل واجب علينا دعوتهم إلى الله تعالى؟ وهل الشريط الديني أو الكتيب يكفي في إقامة الحجة عليهم، وفي دفع الإثم عنا؟

    الجواب: لا شك أن هذا من الواجب دعوة غير المسلمين للإسلام، ولكن يقوم به -لا شك- من يحسن، ويسلك مسلك الحكمة، والدعوى بالحسنى، وبطرق شتى، ولا شك أن الشريط والكتيب من أكثر المؤثرات، ولكن هذا قد يحتاج إلى مراجعة معه، بعدما يستمع إلى الشريط، أو يطلع على النشرة، فقد يكون عنده استفسارات، وعنده أشياء، وعنده مراجعة، وقد تكون مفتاحاً في سبيل النقاش معه والحوار والتنبيه، لكنها هي مفيدة، ولا أظن أنها تكون كافية؛ لأن الدعوة لها أساليبها، وهي متنوعة، وحتى لو أعطيته شريطاً، فقد تحتاج شريطاً آخر، ونشرة أخرى، وكما قلنا قبل قليل: الهداية بإذن الله، وقد يهتدي أحدهم اليوم، والثاني لا يهتدي إلا بعد سنتين، والآخر قد لا يهتدي، فمهمتك أن تدعو، وأن تنوع الأساليب، وأن تجتهد، وأن تبتهل إلى الله عز وجل أن يعينك ويسددك.

    حكم التوبة من المعاصي ثم العودة إليها

    السؤال: بعض الشباب في صدر كلامهم يقولون: إنا نحبك في الله، ويقولون: إننا نقع في المعاصي، ثم نتوب إلى الله جل وعلا، ولكننا لا نمكث أن نعود مرة أخرى إليها، فما هو الحل في الخروج منها مرة واحدة؟ وهل هناك أسباب لذلك؟

    الجواب: أحبكم الله الذي أحببتموني فيه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً وإخواننا من المتحابين فيه.

    هذا سؤال جميل، وكان من جملة عناصر الكلمة قضية التوبة، وقضية الإصرار والمجاهرة والاستغفار، لكن الوقت عاجلنا، على كل حال؛ لا شك أن الإنسان إذا وقع في ذنب، لا بد أن يعود وأن يتوب، وحينما يتوب قد يقع مرة أخرى، ولهذا فُتح باب التوبة، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] والإنسان إذا استجمع شروط التوبة، ومنها: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على ألاَّ يعود؛ يرجى له أن تكون توبته توبةً نصوحاً، لكن ومع هذا قد يعود، لكن المهم ألا يصر.

    والإصرار عمل قلبي، والندم عمل قلبي، والعزم عمل قلبي، فينبغي أن ينعقد قلبه على كره المعصية، وعلى عدم الإصرار عليها، وعلى ترك المجاهرة، وعلى العزم على ألا يعود، يعقد النية والعزم بينه وبين ربه على ألا يعود.

    نعم. قد يبتلى بنفس أمارة بالسوء، أو برفقة سيئة، أو ظروف معينة، لكن حينما يقع فليرجع، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: {ويلٌ للمصرين } فالإصرار على الذنب مشكلة، أما أن الإنسان يقع، ثم يتوب، ولو كثر.

    ولهذا قيل لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[يرحمك الله! يتوب أحدنا ثم يستغفر. قال: نعم، قال: ثم يستغفر. قال: نعم، ثم يتوب، ثم يستغفر. قال: نعم، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن يكون الشيطان هو المدحور ]].

    وقال الحسن : [[ ود الشيطان لو ظفر بذلك منكم ]] أي: أنك تيأس، فلا تيأس من روح الله أبداً، مهما كانت ذنوبك، ومهما كانت أخطاؤك، ومهما كانت معاودتك للذنب، الله عز وجل يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] فالذنوب كلها مغفورة لمن تاب منها، وصدق في توبته، وكان على نفسه رقيباً، وعلى نفسه بصيرة، فإن الله سبحانه وتعالى يعينه.

    حكم الوقوع في أعراض المسلمين والعلماء والدعاة

    السؤال: هل من كلمة عن الغيبة، خاصةً فيمن يغتاب أهل العلم والدعاة؟ وما هو الأسلوب الأمثل في بيان خطأ العالم والداعية إن وجد؟

    الجواب: لا شك أنها من البلاء، وأكثر ما يبتلى به المسلمون عموماً الغيبة، وعلى الخصوص العلماء، فإن الحسد بين العلماء شديد، نسأل الله السلامة، وإن كانت من أدواء المجتمعات المعروفة، ولهذا جاء النص عليها في كتاب الله أنها من كبائر الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] تصوير شنيع، تصور أن أخاك ميتٌ، وأنت تأكل من لحمه، نفس الجنازة الإنسان يتوجس منها توجساً، حتى إذا وجدت في البيت مل الناس منها وأخذوها، فتصور إنساناً ميتاً وتأكل من لحمه! إنه تصوير بشع! والغيبة أشد من ذلك.

    هذا إذا كان في عرض أخيك، فكيف إذا كانوا علماء ومن الدعاة؟! إنه أشد وأشد -نسأل الله السلامة- والأشد من ذلك أنك تتهمه في علمه، أو تتهمه في دينه، أو تتهمه في عقيدته، أو تتهمه في نيته، أو تتهمه في صلاحه، أو تتهمه في حسن قصده.. يا أخي! لست مفتشاً، ولست مأموراً بالتفتيش عن الناس.

    ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: {طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس } أنت تعلم، وأنا أعلم أننا كلنا لنا عيوب، والله ما يخلو أحدنا من عيب، بل من عيوب، بالله هل اشتغلنا بالنظر في عيوبنا؟ وهذا غير أخطاء العلماء، فإن أخطاء العلماء لا نسكت عنها، لكن نقدمها في قالب صحيح، إن الرد والنقد طيب، لكن إيانا أن نمس الشخصيات، أو نجرح في الأشخاص، أما الخطأ فلا يقر، والأشياء الخاطئة لابد أن تبين، خاصة إذا كان فيها إضلال للعامة، أو تخالف العقائد، لكن قضية أن تقع في العالم، وأن تحس بنوع من التشفي فهذا لا يجوز.

    فعليك أن تراجع نفسك قد يكون- نسأل الله السلامة- من البلاء أن تبتلى بأن تقع في أعراض الناس، هذا مما يبتلى به الإنسان، بينما لو كان الإنسان عنده من نفسه رقيب لاشتغل بعيبه، والله إن عندنا من العيوب، ومن الأخطاء الشيء الكثير، لكن الله سبحانه وتعالى يسترنا، من فضله أن يستر علينا، فلماذا نفضح أنفسنا؟ فعلينا أن نفتش عن أنفسنا، وأن نشتغل في دفع عيوبنا، وأن نتوجه إلى ربنا، أما الأخطاء فلها أساليب، لكن الوقوع في الأعراض، والوقوع في التفتيش عن المعايب، واتهام النوايا، واتهام المقاصد، واتهام الانتماءات، لسنا في حاجة إلى هذا، أما الخطأ فهو خطأ، والغلط غلط، ولا بد من أن نصححه.

    التذكير مسئولية الجميع

    السؤال: للمعلمين والمعلمات، وكذا للنساء في البيوت وفيما بينهن أثرٌ كبيرٌ في تذكير بعضهم ببعض، فهل هناك كلمة موجهة إلى هذه الأجزاء من المجتمع؟

    الجواب: أحسنت! لكن أرجو من السائل إن يكون متبصراً ما قلت، أنا أول ما قلت تكلمت عن المذكرين، وعن الوعاظ، وعن المعلمين، وعن الآباء، كل هؤلاء مذكِّرون، لا نتكلم عن الخطيب في المنبر، أو عن الواعظ في المسجد، كل إنسان مذكر فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] ذكرنا المربي والمعلم، وحتى الأم في البيت، والأب، وكل مسئول، فكل هؤلاء مسئولون، وكل الكلام الذي سمعتموه، والذي لم تسمعوه، وقد سمعتموه من غيري، وسوف تسمعونه فيما يتعلق بالتذكير ومهمة التذكير ومهمة الوعظ هي مسئولية كل هؤلاء، مسئولية الأم، ومسئولية المعلم، ومسئولية المعلمة، ومسئولية الأب، ومسئولية الواعظ، ومسئولية المفتي، ومسئولية المربي، ومسئولية الموجه، وكل من وكل مرفقاً، أو كان له عليه سبيل، حتى هذا الإنسان.

    فالتذكير مسئولية الجميع، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعين الجميع على ما هم فيه.

    الأولاد والعطلة الصيفية

    السؤال: الإجازة قادمة، وأبناءنا بعد الاختبارات يتمتعون بإجازة طويلة، فهل نوجههم إلى المراكز الصيفية، أو تحفيظ القرآن، أو غير ذلك؟ هل من كلمة لأبنائنا؟

    الجواب: لعل في قوله صلى الله عليه وسلم: { وفراغك قبل شغلك } إشارة لمثل هذا، وقوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح:7] أي: إذا فرغت لك فراغاً، والإجازة لا شك أنها من أكبر الفراغات، وإذا وجدت جماعات تحفيظ قرآن، وهي -والحمد لله- عندنا منتشرة والدولة -حفظها الله- تدعمها وتؤيدها، وتسعى في نشرها، وفي دعهما وتأييدها، وهذا أمرٌ لا يختلف فيه اثنان، ولا شك أنه مما ينبغي أن يلتحق بها أبناؤنا في إجازات الصيف، وهي جماعات قائمة ومؤيدة ومدعومة، وتشرف عليها جهة حكومية (وزارة الأوقاف)، وكذلك إذا كان هناك معسكرات مأذونة أيضاً في المراكز الصيفية، وفي الجامعات، وفي المدارس، وهذه أيضاً دعوة للتوجه إلى مثل هذا، فإذا وجدت هذه الأشياء، فأنا أوصي بأن يلتحق بها أبناؤنا؛ لأنها -أيضاً- تحت مظلة الجهات التربوية المأمونة في وزارة المعارف، وفي الجامعات، وفي المؤسسات التعلمية والتربوية.

    استغلال الفرص للتذكير

    السؤال: هل التذكير بمستوى واحد على الناس، أم هو يختلف بالنسبة للأب مع ابنه، وللجهات المسئولة كهيئة الأمر بالمعروف، ومكاتب الدولة عن غيرهم من المحتسبة؟

    الجواب: في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9] تدل على أن الإنسان يتخير الموعظة، ولعلنا ذكرنا قبل قليل إنه في ظروف معينة يأتيك رجل حسبة قد يكون في المستشفى، وهو حديث معين، وقد يكون الأب عنده مريض، أو عنده ولده حينما رسب، أو حينما نجح، فالظروف تختلف، وكل ظرف له نوع معالجة، وله نوع استغلال، وقد ذكرت لكم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالشاة الميتة؛ فذكَّر أصحابه، استغلالاً لهذا الموقف، وفي يوم الحج قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ } حتى ظن الصحابة أنه سيسميه بغير اسمه، ثم قال: {ألا إن دماءكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا... فاستغلال المواقف وتخيرها سواءً من الأب في ببيته، ورجل الحسبة في الشارع، وفي أي المكان، أو الواعظ، أو إمام المسجد، المعلم، أو المعلمة، وتخير الظروف والأحوال والأوضاع، وتجدد نعم، وانصراف نقم، فليس شرطاً أن التذكير لا يكون إلا من خلال المكبر، أو خطبة جمعة، أو خلال كلام مكتوب، بل استغلال أي مناسبة حتى ولو كلمتين، أحياناً يمر عليكم واحد ويقول كلمة كأنك ما سمعتها إلا اليوم؛ لأنه أحسن استغلالها، وأحياناً تمر عليك آية من كتاب الله كأنك ما سمعتها إلا اليوم، لماذا؟ لأنها تواكبت مع مناسبة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم } فاستغل هذه الفرص.

    كلمة مناسبة قرب الاختبارات

    السؤال: بمناسبة الاختبارات هل من كلمة توجيه؟

    الجواب: هناك جانبان للاختبارات ينبه عليها:

    الجانب الأول: إذا كنت تستعد للامتحانات هذا الاستعداد، وعندك هذا النوع من الرهبة، تذكر أن هناك امتحان الآخرة أشد وأشد وأشد.. وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ [الصافات:24-25] فكلٌ مسئول في يوم يشيب لهوله الولدان، وتذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، فهذا جانب.

    الجانب الثاني: أنك تعلم أن أي إنسان يستعد ويعمل أنه سوف ينال نتيجة عمله، وكم من مقصرين إذا جاء إلى قاعة الامتحان ضرب يداً على يد، وكفاً على كف، وقرع سن الندم! لماذا؟ لأنه فعلاً ضيع، لقد كان عندك سنة كاملة! أو عندك فصل دراسي كامل! كم كنت تقرأ؟ فالقضية تعطيك أنه لابد من المحاسبة للنفس.

    ثم الأمر الثاني: أن تتقي الله في نفس الامتحان، وأن تبتعد عن الغش، ولا شك أن الشيء المبني على الغش غش، وأخشى أن يكون مستقبلك كله مظلماً، وتبني على شهادة كلها زور، وأحياناً بعض الناس يصلحهم الله سبحانه وتعالى، ثم يسأل أحدهم ويقول: أنا غشيت في الشهادة وزورت وكذبت فهل كسبي حلال؟ يا أخي! راجع نفسك من الآن، فهذه الأمور ينبغي أن موقف الامتحان يذكرنا بكل هذه المواقف؛ من حيث موقف الآخرة، ومن حيث الاستعداد وأهميته، ومن حيث ما ينبغي أن نقوم به من السلامة من الغش والتزوير، والسلامة من الدخول في الأشياء غير النزيهة.

    حكم صرف الزكاة لمشروع الزواج

    السؤال: إخواننا في مشروع الزواج يستجدون ويسألون: هل يجوز صرف الزكاة لهذا المشروع؟

    الجواب: نذكر مرة أخرى بأن هذا المشروع من أجمل وأفضل وأنبل المشاريع التي يقوم بها هؤلاء الأخيار -جزاهم الله خيراً- حينما ينتدبون نخبة من المجتمع، ويتولون القيام على شبابكم، والقيام على أبنائكم، والقيام على بناتكم، من أجل أن يهيئوا وييسروا سبل الزواج، فينبغي أن تساعدوهم قدر ما تستطيعون، ولا تستكثروا أي مبلغ دفعتموه، وكل مبلغ دفعتموه فالله سبحانه وتعالى أكثر في الثواب، ويجوز صرف الزكاة لمثل هذا المشروع.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960992