إسلام ويب

مختصر التحرير [40]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحكام التكليفية المباح، وقد اختلف الأصوليون في تعريفه، وهل يعد مأموراً به أم لا، واختلافهم في ذلك بينه الشيخ وما يترتب عليه.

    1.   

    المباح

    ثم قال: [فصل: المباح لغةً المعلن والمأذون].

    المعلن: يعني: الذي أعلنه صاحبه، ومنه قوله: باح بسره يعني: أعلنه، والمأذون يعني: المأذون فيه، فتقول مثلاً: أبحت له أن يقول كذا، أبحت له أن يفعل، يعني: أذنت له.

    قال: [وشرعًا: ما خلا عن مدح وذم لذاته].

    المؤلف كما رأيتم جعل مناقل التعريفات الأحكام، فقال: (ما خلا عن مدح)، فخرج به المذموم من واجب ومستحب، [وذم] خرج بهما ما وقع فيه الذم؛ وهو المكروه والحرام.

    وقول المؤلف: (لذاته) يعني: لا لغيره، يعني: أن ذات هذا الشيء خالٍ عن المدح والذم، ولكن لغيره قد يكون محموداً أو مذموماً، بل قد يكون واجباً أو حراماً، والله أعلم.

    إذاً: قول المؤلف في تعريفه: (ما خلا عن مدح وذم لذاته)، هذا تعريفٌ للحكم، والصحيح في تعريفه: ما لم يرد به أمرٌ ولا نهي، فهو مباح، أي: إذا كان لا يتعلق بأمر الشارع ولا نهيه فهو مباح.

    ومحترز قوله: (لذاته) أن المباح قد يكون مأموراً به لغيره، وقد يكون منهياً عنه لغيره، وأظن أننا قلنا: إنه تجري فيه الأحكام الخمسة من هذه الناحية، فيكون واجباً، وحراماً، ومكروهاً، ومستحباً، كما يكون مباحاً.

    فيكون واجباً إذا كان وسيلة لواجب، حراماً إذا كان وسيلة لحرام كالسفر لشرب الخمر، مكروهاً إذا كان وسيلة لمكروه كالذهاب لأكل البصل قبل دخول المسجد، مندوباً إذا كان وسيلة لمندوب كشراء السواك قبل الصلاة، مباحاً إذا كان وسيلة لمباح كشراء البصل للطبخ.

    هل المباح الواجب نوعان للحكم أم هما بمعنى

    يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو وواجب نوعان للحكم]، هذا إشارة إلى قول من يرى أنهما ليسا نوعين، وأن المباح داخلٌ في الواجب، فيرى أنه ما من مباح إلا وهو واجب، لماذا؟ قال: لأنه إذا اشتغل به انشغل عن المحرم، فيكون المباح على هذا القول والواجب نوعاً واحداً؛ لأن من اشتغل بالمباح اشتغل عن المحرم، فالإنسان الذي اشتغل ببيعٍ وشراءٍ مباح انشغل به عن الملاهي المحرمات، وعن أذية المسلمين وما أشبه ذلك، وعلى هذا فلا يكون في الدنيا شيءٍ يسمى مباحاً، ولا شك أن هذا القول هو قول مشهور للكعبي لكنه قول باطل ترده الأدلة، قال الله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116]، وقال تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، وهذا صريح.

    ويرده أيضاً أن العلماء يكادون يكونون مجمعين على أن المباح قسمٌ مستقلٌ برأسه من الأحكام الفقهية، وقد نقل فيه الإجماع، إلا هذا الرجل الذي خالف الأمة.

    ويدل على ذلك أيضاً أنه على زعمه قد يكون الحرام واجباً، كما لو اشتغل بالصغيرة عن فعل الكبيرة، على رأيه نقول: إذا ذهب الرجل يقبل المرأة الجميلة ويضمها ويحمها ويضاجعها ويصارعها فهذا واجب؛ لأنه انشغل بها عن الزنا بها، وهذا يرده العقل والشرع والذوق.

    إذاً قول المؤلف: (وهو وواجب نوعان للحكم) يرد به على من قال إنهما نوعٌ واحد، وليس مراد المؤلف أن المباح نوع والواجب نوع، يعني يريد أن ينص على ذلك؛ لان هذا الشيء معلوم، لكن أراد أن يرفع به قول من يقول: إنهما نوعٌ واحد.

    هل المباح مأمور به

    يقول: [وليس مأمورًا به] خلافاً لمن قال أيضاً: إن المباح نوعٌ مستقل برأسه، والواجب نوع مستقل برأسه، لكن المباح مأمورٌ به؛ لأنه ينشغل به عن المكروه، والمكروه مأمورٌ بتركه، فيكون مباح مأموراً به.

    ونحن نقول: ليس مأموراً بغيره، بل المباح مأذونٌ فيه، وليس مأموراً به.

    نعم لو فرض أنه دار الأمر بين أن يتلهى الإنسان عن هذا الحرام بشيء مباح أو أن يتلهى عن هذا المكروه بمباح لقلنا حينئذٍ: إن المباح صار واجباً في الأول، ومستحباً في الثاني، لكن هذا من جملة العوارض التي تعرض للمباح، أما أن نجعله وصفاً دائماً للمباح فنقول: إن المباح واجب لأنه ينشغل به عن محرم، ومأمورٌ به لأنه ينشغل به عن مكروه، فهذا ليس بصحيح، ولكن كما قلت لكم: إن بعض أهل العلم رحمهم الله يأخذون الشيء من جانب واحد ويغفلون عن الجوانب الأخرى، وهذا نقصٌ كبير في طلب العلم، فالواجب على طالب العلم لا من جهة التصرف في النصوص، ولا من جهة التصرف في المعقول، ألا ينظر إلى الشيء من جانب واحد، بل ينظر إليه من الجوانب كلها حتى يعطي كل شيء حقه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756862624