إسلام ويب

الخط الأحمرللشيخ : إبراهيم الحارثي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تغيير المناهج .. حرية المرأة .. حقوق الإنسان .. تجفيف منابع الإرهاب .. مسرحية هزلية سخيفة، تمثل فيها أمريكا دور البطل، وليس لها غاية من وراء ذلك إلا دس أنفها في شئون الدول الإسلامية؛ لتنعم بخيراتها، وتقضي على دينها.

    1.   

    العدل الأمريكي وحقوق الإنسان

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على حمدنا إياك.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    أيها الإخوة الكرام: هذه خطبة ساخنة كسخونة الصيف، أقولها دفاعاً عن بلاد الحرمين، وقلعة المسلمين، فأقول:

    اللهم إن كانت أمريكا أو غير أمريكا يريد ببلادنا شراً، أو تقسيماً، أو تفكيكاً لوحدتها، أو تغييراً لمنهجها وشريعتها، اللهم فالعنها لعناً كبيراً.

    اللهم فرِّق جمعها، وشتت شملها، ومزقها شر ممزق.

    اللهم احفظ بلادنا بحفظك، واكلأها برعايتك.

    اللهم وحِّد صفها، واجمع كلمتها، وأعذها من الفتن، واحفظ عليها شريعتها وكتابها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

    أيها الإخوة: لستُ أدري ماذا تريد أمريكا منا! ومن بلادنا، وما هو الحد الذي ستقف عنده إن وقفت!!

    ألبَسْتَنا وألبَسَتْ بلادنا ثوب الإرهاب والتطرف، وفصَّلته علينا تفصيلاً، فقال لنا كبراؤنا وأهل النظر منا: دعوها واتركوها لتقول ما تشاء، إنها دولة جريحة، طُعِنَت في كبريائها، وفي أمنها، وكُشِفَت على حقيقتها، فهي الآن كالكلب المسعور العقور.

    فقلنا: نعم، وقلنا -على مضض-: لا بأس. وأحنَينا رءوسنا كي تمر العاصفة الهوجاء؛ ولكنها طالت، وتمددت تلك العاصفة، فلم تبقِ بيننا رجلاً صالحاً كانت له أيادٍ بيضاء في عمل الخير وصنع المعروف إلا ووصمته بالإرهاب وتمويل التطرف، ثم عادت ووجهت سهامها لجمعيات الخير ومؤسسات البر الإسلامية، واتهمتها بتمويل الإرهاب، ووضعت الجميع أفراداً ومؤسسات على قائمتها السوداء التي تقطر بالحقد والغل الصليبي الدفين، والكراهية العميقة لكل ما يمت للإسلام بصلة.

    وكل ذلك لتبث الرعب في نفوس أهل الخير من المؤمنين، ولتكف أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله، ولكي توقف الممارسات الخيرة التي تقوم بها المؤسسات الإسلامية في كل بلد، ولتمنع فقراء المسلمين المضطهدين في شتى بقاع الأرض من خير يرسله ويوصله المسلمون وهيئاتهم، ولكي تفتح باباً واسعاً لجمعيات التنصير، ومؤسسات الكنيسة المنتشرة هنا وهناك، وتُخْلِي لها الطريق لوحدها دون مضايقات من المؤسسات الإسلامية الأخرى.

    وزادت في غلوائها، وزادت في ظلمها وطغيانها، فاختطفت مجموعة من العاملين في تلك المؤسسات الخيرة في أفغانستان، واعتبرتهم إرهابيين متطرفين، وزجَّت بهم في معتقلها الرهيب، في غوانتانامو، حيث لا قانون، ولا أعراف، ولا أخلاق، ولا ضمير، بل حيث لا ينتصر لهم منتصر، ولا يسأل عنهم سائل، ولا يبكي عليم باكٍ، أقفاصٌ، وصناديقٌ، وشمسٌ، وحرٌّ، وإهانةٌ، وتعذيب، فأين دستور أمريكا العادل كما تدعي؟!

    وسمحت أخيراً في الأسبوع الذي مضى بعد مفاوضات شاقة وعسيرة ومستمرة لوفد سعودي أمني بالالتقاء بمن هناك من السعوديين الذين يتجاوزون المائة، وهناك أربعمائة آخرون يقلِّبون أنظارهم في السماء:

    يسائلون الليلَ والأفلاكَ ما فعلتْ     جحافلُ الحق لما جاءها الخبرُ

    هل جُهِّزت في حياض النيل ألويةٌ؟!          هل في العراق ونجد جلجل الخبر؟!

    ولكن لا أحد يجيب، فـأمريكا غاضبة، وإذا غضبت أمريكا حَسِبْتَ أو ...

    ...........................     رَأَيْتَ الناس كلهم غضاباً

    ومع كل أسف!!

    ولا تزال السلسلة مستمرة، والعَجَب قائماً، ففي كل يوم هناك معتقل في هذا البلد أو في ذاك، والتهمة جاهزة، العلاقة المحرمة المغلظة المنكرة، العلاقة بالإرهاب، وإلى أمس الخميس، كان هناك معتقلون في أوروبا ، وما الثلاثة الذين خلفوا في أقصى بلاد المغرب الأفريقي عنا ببعيد، إنها أيادي أمريكا الطويلة التي تمتد إلى كل مكان، وتعصف بكل خير وصلاح.

    أين حقوق الإنسان، ليس في العالم بل في أمريكا؟!

    أين حقوق الإنسان، ليس في غوانتانامو بل في أمريكا؟! في ولاياتها التي سُجِن فيها الكثير من الأبرياء من أبنائنا الطلاب، سجنوا بالأشهر دون تهمة ودون حقوق شخصية، كان من المفترض أن يكفلها لهم الدستور الأمريكي، حتى الزيارة، ومقابلة المحامين لم يُسْمَح لهم بذلك، هل هذا هو العدل الأمريكي؟!

    أين ذلك العدل من قتلى أفغانستان الذين رحلوا إلى العالم الآخر وهم لا يدرون لِمَ قتلوا، يجأرون إلى الله بالشكوى، ويتظلمون بين يديه؟!

    أين العدل الأمريكي من الأسرى الذين قُتِلوا في قلعة جانجي ، والأصفاد في أيديهم وأرجلهم؟!

    أين هو العدل الأمريكي من قتلى الزواج الأخير قبل أسبوعين في أفغانستان ؟!

    هل ندمت أمريكا ندماً فعلياً أم أنها تذرف دموع التماسيح إن كان للتماسيح دموع؟!

    أين ذلك العدل الأمريكي الكاذب من العائلات التي شُرِّدت في أفغانستان، وباكستان؟!

    أين ذلك العدل من أحداث فلسطين التي يعجز البيان عن تفصيلها؟!

    أليس ما تفعله أمريكا هو السكوت عن الظلم، بل الإملاء للظالم؟!

    إن أمريكا -أيها الإخوة- تجيد التمثيل، تقوم بدورٍ بطولي في محاربة الإرهاب، مسرحية هزلية سخيفة، تجعل من الإرهاب شماعة؛ لتسود الدنيا، وتملك أرجاءها، وتنعم بخيراتها.

    أمريكا الصليبية ما تزال ماضية في طريقها، وليتها اكتفت بذلك، بل عادت مرة أخرى بتدخلاتها الكريهة ترعد وتزبد وتهمهم! تُرى ماذا تريد؟!

    فإذا بها تُفْصِح: إنها تريد أن تقتلعنا من جذورنا، ومن ثوابتنا الراسية، فأخذت تنادي بتغيير المناهج، وبتجفيف منابع الدين، وتزداد مطالبتها بذلك يوماً بعد يوم، في وقاحة وصفاقة لا حدود لها، لماذا تريد تغيير المناهج؟! وما هو المقصود؟!

    إنه يقصد به طمس مناهج الدين، وإزالتها بشكل كامل من التعليم، مما يعني إضعاف الشعور الديني لدى الطلاب، ونزع عقيدة الولاء والبراء من قلوبهم، وإذابة الحواجز والحدود مع ملل الكفر، وتقوية العلاقات بهم، وتطبيع الحياة معهم تطبيعاً كاملاً.

    وفي موازاة ذلك وفي نفس الوقت تسعى أمريكا للتضييق على كل منابع الدعوة إلى التدين والالتزام بالإسلام، بحيث لا يبقى للدين في قلوب الناس مكانة ولا قيمة ولا تأثير.

    هكذا -أيها الإخوة- هدرت العاصفة ودوت، ولكن الله سلَّم، فرفعنا رءوسنا وقلنا لههم بصوت واحد مسئولين وشعباً، أفراداً وجماعات: لا وألف لا.

    إن دولتنا قامت على الدين، ولن تفرط بأساسها المتين، ولا بقاعدتها الصلبة، لقد مكنها الله فلا مجال للتفريط بهذا التمكين، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41].

    1.   

    وقاحة بلا حدود

    وبينما نحن نعجب، ويأخذ بنا العجب مبلغة من هذا التدخل السافر إذا بنا نفاجأ بما هو أكبر وأطم، الصحافة الأمريكية، والكونجرس الأمريكي يطرحون فكرة خطيرة، يطرحون فكرة تقسيم المملكة إلى ثلاث دول!

    هل تتخيلون هذا؟!

    هل سمعتم عن وقاحة تعدل هذه الوقاحة؟!

    بأي حق يفكرون بهذه الطريقة؟!

    ومن يعتبرون أنفسهم؟!

    ومن الذي أعطاهم هذا الحق؟!

    بلادنا التي تجاوزت الاثنين والسبعين عاماً من عمرها المديد بإذن الله تعالى، ضربت أروع نموذج للوحدة والتلاحم، فمن كان يصدق أن الجزيرة العربية التي كانت تمتلئ بالدويلات، والأمارات، والحروب، وقطاع الطريق، والخوف، والنهب، والسلب، أصبحت في دولة واحدة متوحدة تحت راية واحدة، دستورها القرآن والسنة، توحدت بعد جهد كبير، وتضحيات جسام، قام بها الملك عبد العزيز رحمه الله، ومن معه من رجال خُلَّص، يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويسعون لإقامة الشريعة الخالدة بين الناس، وتوحيد صفوفهم، وضمهم إلى دولة واحدة متماسكة.

    ولَكُمْ أن تعلموا -أيها الإخوة- أن هناك مَن يقول: ليت الملك عبد العزيز رحمه الله أحسن إلى هذه الجزيرة وضمها جميعها تحت راية واحدة.

    ولكن آخرين يقولون: إنه كان يريد ذلك؛ ولكن القوى الكبرى في ذلك الوقت كـبريطانيا وقفت دون تحقيق هذه الأمنية الإسلامية المشروعة، فهي تريد أن تظل بلاد العرب والمسلمين دولاً متفرقة متنازعة متناحرة؛ لكيلا تقوم لها قائمة، ولا يتوحد لها صف.

    ثم ذهبت بريطانيا ، وإذا بهذه المسماة أمريكا تأتينا من بعدها لتزيد الدول العربية فرقة وشتاتاً باقتراحاتها السخيفة، فهي كانت ولا تزال تريد أن تَقْسِم العراق ، وهاهي اليوم تطرح عبر وسائل إعلامها، وعبر مجلس نوابها أفكاراً مجنونة بتقسيم المملكة! إنها تنبع من عقول صهيونية والغة في الإجرام، يساعدها في ذلك شخصيات مسيحية صليبية معادية للإسلام وأهله.

    ولا شك أنهم يهدفون في ذلك إلى أمرين:

    الأول: الضغط على بلادنا؛ لكي تسلِّم لهم بما يريدون، ولكي تخضع وتخنع لكل طلباتهم، بما في ذلك تغيير المنهج الذي تسير عليه، والطريقة التي اختارتها لنفسها، والقبول بما تمليه عليها دولة اليهود الأمريكية من شروط وطلبات، والتوقيع لهم بالتنازل أيضاً عن القدس وعن أرض فلسطين كلها.

    والأمر الآخر هو: التعرف على ردود أفعالنا، وحسابها حساباً دقيقاً قبل الإقدام على أية خطوة يمكن أن تكون سبباً في سقوطهم، أو في توريطهم، أو في إذلالهم وهوانهم أمام الناس وأمام العالم.

    والسؤال المهم: كيف سمح المسئولون الأمريكيون الرسميون لإعلامهم، وأعضاء مجلسهم النيابي أن يتحدثوا بمثل هذا الحديث عن دولة حليفة؟! ما هو عذرهم؟! إنهم يتذرعون بالحرية التي كفلها الدستور للإعلام، ولمجلس النواب، ولكل فرد في أمريكا .

    وأقول لكم: إنهم يكذبون، إنهم يستطيعون أن يحكموا ذلك الإعلام، بدليل أنهم في حربهم الظالمة على أفغانستان منعوا وسائل الإعلام الأمريكية أن تنشر بعض المواد الإعلامية المعروفة، وألزموهم بذلك، بل منعوهم حتى من أن ينقلوا تفاصيل الحرب حرصاً على دعم الحملة الظالمة إعلامياً وشعبياً، بل قاموا بقصف المحطة الإعلامية التي كانت تعرض ما يخالف آراءهم وأفكارهم.

    تلك هي الحرية التي يزعمون.

    1.   

    الإسلام والنصر

    إن أمريكا -أيها الإخوة- تلعب اليوم لعبتها الكبرى، وتخطط للسيطرة على العالم، وتسعى لإجهاض وإخماد كل الأصوات التي تخشى أن تعلو فوق صوتها؛ ولكنها لا تعلم أن صوت الحق سيعلو فوق صوتها، وأن الله يدبر فوق تدبيرها، ويمكر على مكرها، وسوف تجد أمريكا أنها دخلت معركة خاسرة بكل ما تعنيه الكلمة، وذلك ببساطة؛ لأن الله معنا، فلا ينبغي لنا أن نحزن، أو أن نضطرب، أو أن نخاف، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

    إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].

    إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38].

    وقِسْ على هذه الآيات الكثير والكثير، والتاريخ يقول: إننا انتصرنا على أعدائنا الذين كانوا أكثر قوة وعدداً وعدة، فنصرنا الله عليهم، وأذقناهم عذاب الخزي والذل والهوان، وفتحنا بلادهم، واسألوا التاريخ: كم كان عدد الفرس؟ وكم كان عدد المسلمين في موقعة القادسية حين فتح المسلمون المدائن، واستولوا على قصرها الأبيض؟

    واسألوا التاريخ: كم كان عدد الروم؟ وكم كان عدد المسلمين في اليرموك؟

    واسألوه أيضاً عن نهاوند، وعن حطين، وعن عين جالوت، بل اسألوه عن يوم بدر، ذلك اليوم الذي لا يُنْسَى، يوم يقول الله جل وعلا: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123].

    ويقول جل وعلا: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249].

    ولكن: متى يحدث ذلك؟!

    حين نكون مؤهَّلين للنصر، حين ننتصر على أنفسنا في ميدان المعركة مع النفس والشهوات والشبهات، سوف ننتصر على كل أعدائنا، على الظلمة والطغاة في ساحات المعارك الحربية، وسوف يرون مَن يواجهون، وسوف يعرفون أنهم يلاقون رجالاً يحرصون على الموت أكثر من حرصهم على الحياة.

    1.   

    الدور المطلوب لمواجهة الكفر وأهله

    أيها الإخوة: يجب أن تعلموا أن هناك دوراً عظيماً ينتظركم، ومسئولية جسيمة تدعوكم لحملها وللاستعداد لها ألا وهي: وحدة هذه البلاد، وسلامة أراضيها, والحرص على تمسكها بعقيدتها وشريعتها، واعتبار ذلك هدفنا الأول، وقضيتنا الأساس.

    ويجب أن ترى وأن تسمع وأن تعلم أمريكا وغير أمريكا أننا مستعدون لأن ندافع عن بلادنا دفاعاً لم تعرف له أمريكا من قبل أي نظير، وأنها ستواجِه قوماً يعلنون بكل صراحة وقوة وثبات أن الموت عندهم أهون من أن يروا أرض الحرمين المباركة، وقلعة الإسلام الحصينة، قد أصبحت أوزاعاً أو دولاً شتى.

    يا أيها الإخوة: إن أمريكا تناور وتتحدى، وتزداد في كل يوم وقاحة، فأعدوا لها العدة، وأعلنوا لها التحدي، واطلبوا من الله النصر والثبات، إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

    اللهم انصرنا عليهم.

    اللهم ثبت قلوبنا.

    اللهم اربط على قلوبنا.

    اللهم ثبت أقدامنا.

    اللهم انصرنا نصراً مؤزراً.

    اللهم اهزم عدونا، وأذقهم بأسك وغضبك وعقابك.

    اللهم اخزهم وانصرنا عليهم بقوتك، يا أرحم الراحمين!

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أسباب الحديث عن أمريكا

    الحمد لله وحده.

    والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    وبعد:

    أيها الإخوة: قد يقول قائل: ما الداعي لمثل هذا الكلام؟! ولماذا هذه الحماسة؟! ولماذا هذا الاندفاع؟!

    وأقول لهذا القائل ولغيره: إن المعركة الحاسمة مع الصهيونية والصليبية العالمية لم تبدأ بعد، وهم يُعِدُّون لها، ويخططون لها منذ زمن طويل، وستظل هذه البلاد هدفاً لرماحهم وسهامهم التي يمكرون بها، وسوف يسعون لإخضاع هذه البلاد بكل الوسائل:

    الهجوم الإعلامي السافر والكاسح على المملكة، قبل فترة من الزمن كان وسيلة من الوسائل.

    المناقشات الإعلامية والبرلمانية حول تقسيم المملكة كانت وسيلة أخرى.

    الغزو الفكري، والإعلامي، والفني، والاقتصادي، والأخلاقي وسيلة ثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة .. وهكذا.

    وإذا كنا نعرف اليوم مَن هي أمريكا بعد حملتها على أفغانستان، وبعد ظلاماتها في كل مكان، وبعد تزعمها لحرب الإرهاب كما تدعي، وكشفها لوجهها القبيح، فإننا نريد أن نتذكر دائماً، وأعني كلمتي التي قلتُ، نريد أن نتذكر دائماً وجه أمريكا الكالح؛ لأنني أخشى أن يلعب الإعلام دوره المعروف والخبيث لتلميع أمريكا مرة أخرى في عيوننا وفي عيون كل الدنيا، أخشى أن يأتي السلام الصهيوني الأمريكي إلى المنطقة، ويتم التوقيع ويتم التنازل في سلسلة أخرى من التنازلات المذلة، أو أن تقوم أمريكا بدور بطولي هنا أو هناك ضمن سلسلة أفلامها، بحيث يعود العالم، يسبِّح بحمدها، فيكون حينئذ دور الإعلام الموجه، الذي سيقلب الصور والحقائق قلباً، ويحوِّل الضحية إلى وحش كاسر، والوحش إلى ضحية وادعة مظلومة، وننسى -كما نسينا مراراً وتكراراً- كل ما فعلته أمريكا بنا وبأهلنا في أفغانستان ، وفي فلسطين ، وننسى ظلمها الفادح لكل مسلم، ذلك الظلم الذي يصور الفظاعة الصليبية. هذا أولاً.

    أما ثانياً: فأريد أن تنتبهوا لهذا الأمر جيداً، وهو أن أمريكا إذا عزمت على فعل شيء يخص بلادنا فهي قد تكون من الذكاء والدهاء بحيث لا تفرض ذلك فرضاً، وإنما سوف تستنهض همم المتأمركين، الذين خفتت أضواؤهم وأصواتهم قليلاً بسبب الأحداث، وذلك لأنه لا سوق لهم في هذه الأيام، وإن كان بعضهم يخرج علينا بين فترة وأخرى بمقالة أو بحديث سخيف يعلن فيه ولاءه لـأمريكا بطريقة أو بأخرى، ويثبت أن ولاءه لـأمريكا أكثر من ولاء الأمريكان لأنفسهم.

    وهؤلاء -أيها الإخوة- لا يصرحون بما في نفوسهم، وإنما يتلوَّنون، وينظِّرون، ويقترحون، ويطرحون الأفكار، ويثيرون الفتن بطريقة أو بأخرى، فيغمزون قناة قوم على حساب قوم، ويثيرون الإِحَنَ والعداوات كما أثارها قبل فترة بعض مرضى النفوس حين أثاروا قضية الأنساب والأصول والفروع وما شابهها.

    ولربما تشتري أمريكا قوماً لا ذمة لهم، فتستأجرهم ليفتحوا لها باب الانتماءات القبلية، والعشائرية، والحضرية، والمناطقية، ويعمِّقوا الولاء حول القبيلة، والعشيرة، والحضرية وما شابه ذلك، بحجة المعارك الصحفية أو الأدبية، أو بحجة الحديث عن إنجازات أفراد ينتمون إلى هذا المكان أو ذاك، فتعم الفوضى، وينتسب كل قوم إلى منطقتهم أو إلى قبيلتهم، أو إلى ما شابه ذلك فتحدث الفوضى، ويحدث الظلم، وتحدث الفضيحة، ويحدث الفساد والفتن، ولنعود مرة أخرى إلى حرب الانتماءات الجاهلية تحت الرايات الجاهلية والعياذ بالله.

    أخيراً: فإنني أخشى ضمن ما أخشى مِن قوم يكرهون أمريكا أكثر من كراهيتهم للشيطان؛ ولكنهم يقعون فيما تحبه أمريكا ، حين يفرقون بين أبناء المجتمع الواحد، ويطعنون في هذا أو ذاك، ويصنفون الناس، ويعدِّلون هذا ويجرِّحون ذاك، وينتقصون الوجهاء والدعاة والصالحين، ويطعنون فيهم، ويسقطون أقوالهم وعدالتهم، ويلتف بعضهم حول هذا، وبعضهم حول ذاك، فيتقزَّمون حول بعض، ويلتئمون حول بعض، ويشتم بعضُهم بعضاً.

    إن كل هذا يؤدي إلى بذر بذور الفتن في مجتمعنا الواحد، ويؤدي إلى الاختلاف والتفرق، ونحن أحوج ما نكون اليوم إلى وحدة واحدة، إلى انتماء واحد، لدين واحد، وبلد واحد، ودولة واحدة، تحت راية التوحيد، التي ستظل ترفرف على بلادنا بإذن الله.

    من أجل هذا كله تكلمتُ أيها الإخوة؛ من أجل أن نعرف ما الذي ينتظرنا، ويتهدد وحدتنا.

    إننا مطالَبون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نلتف حول بعضنا، وأن نوحد صفوفنا، وأن نجمع كلمتنا حول راية الإسلام في بلد الإسلام.

    إننا -أيها الإخوة- لسنا دعاة شر ولا ظلم ولا عداء.

    إننا رسل خير وهداية وصلاح، من سالَمَنا سالَمْناه، ومن عادانا عاديناه.

    إننا رسل أمن وأمان، وسلامة وإسلام، رسل سلام بالمفهوم الإسلامي، لا بالمفهوم الأمريكي.

    اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين.

    اللهم وحِّد صفنا، واجمع كلمتنا، وتولَّ أمرنا، ووفِّق قادتنا.

    اللهم ألهمنا وإياهم الرشد والصلاح.

    عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز مِن قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على دربه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين.

    اللهم عليك باليهود والصليبيين، اللهم عليك باليهود والصليبيين، اللهم عليك باليهود والصليبيين.

    اللهم أصلح أحوال المسلمين.

    اللهم وفقهم للعودة إلى كتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

    اللهم اهد ولاة أمورهم.

    اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، واهده بهدايتك.

    اللهم أصلح له البطانة، اللهم أصلح له البطانة، اللهم أصلح له البطانة.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها.

    اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756040562