إسلام ويب

الحب الزائفللشيخ : إبراهيم بو بشيت

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحب كلمة تشتاق الآذان لسماعها، وترتاح القلوب لذكرها، وتكتحل العيون برؤية أهلها، إنها كلمة الأنس والراحة، ودلالة السعادة والمودة. غير أن منحرفي الأخلاق، وقطاع الطرق، والمفسدين قد استغلوا هذه الكلمة الطيبة لصالح أهدافهم فحرفوا معناها، وشوهوها فأصبحت كلمة تنفر منها الطباع السليمة؛ بسبب ما لاقى كثير من المخدوعين بهذه الكلمة من مصائب ونكبات. ذلك هو الحب الزائف!!

    1.   

    الحب سلاح ذو حدين

    الحمد لله ما أنيخت المطايا ببابه، وخضعت الرقاب لجلاله، ودانت الخلائق لسلطانه، أحمده حمد عبدٍ مفتقر إليه، وأشكره شكر عبدٍ لا غنى له عن مرضاته.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تكون للنجاة وسيلة، وبرفع الدرجات كفيلة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه ربه وطُرُق الإيمان قد عفت آثارها، وخبت أنوارها، ووهت أركانها، وجُهِل مكانها، فشيد صلى الله عليه وسلم من معالمها ما عفا، وأوضح سبيل الهداية لمن أراد أن يسلكها، وأظهر سبيل السعادة لمن أراد أن يملكها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تامة إلى يوم الدين.

    ثم أما بعد:

    إلهي وخالقي ورجاي ومرتجاي، إنَّ لك نسمات لطفٍ وعطفٍ إذا توجهت إلى أسير هوى أطلقَتْه، وإن لك عنايات إذا لاحَظَت غريقاً في بحر ضلاله أنقذته، وإن لك سعادات إذا أخَذَتْ بيد شقي أسعدَتْه، وإن لك لطائف كرمٍ إذا ضاقت الحيلة بمذنب وسعَتْه، وإن لك فضائل ونعماً إذا تحولت إلى فاسدٍ أصلحَتْه، وإن لك نظرات رحمة إذا نظَرْتَ بها إلى غافلٍ أيقظَتْه.

    أيها الأحبة والإخوة في الله تعالى: في مستهل هذا اللقاء أحييكم بتحية الإسلام الخالدة: فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    ففي اليوم الخامس عشر من جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وثلاثٍ وعشرين من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي هذا الجامع: جامع عمر بن عبد العزيز بمدينة الخُبر نعيش معكم لحظاتٍ في محاضرة بعنوان (الحب الزائف بين الفتيات والفتيان).

    أوصيكم أحبتي ونفسي بتقوى الله تعالى حيث قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أيها الإخوة والأخوات: إنها كلمة تشتاق الآذان إلى سماعها، وترتاح القلوب لذكرها، وتكتحل العيون برؤية أهلها، إنها كلمة الأنس والراحة، ودلالة السعادة والمودة، إنها كلمة جعلها الرحمن بشارة الخير لأهلها، وجعلهم بها تحت ظل عرشه، ومهبط كرامته.

    إنها كلمة المحبة تلك الكلمة الرقراقة الجميلة، ولكن يا له من حزن وأسى من كلمة الخير عندما استغلها أهل الشر لشرهم، واستظل بها أهل الباطل لباطلهم، وخيَّم تحتها بعض قاصدي الشر حتى تلوثت بالسم الزعاف، واكتوت بنار الخراب، وحب الغرام، وعشق الدمار والهلاك، ومن ذلك صار هذا الحب هو حديثي معكم هذه الليلة، سائلاً المولى القدير أن يجعل هذا الموضوع مغلاقاً لكل رذيلة، ومفتاحاً لكل فضيلة، اللهم آمين.

    الحب -كما قال الغزالي رحمه الله تعالى-: هو ميل القلب إلى الشيء المُلَذ، فإن تأكد ذلكم الميل وقوي سُمِّي: عشقاً، فيجاوز إلى أن يكون رقيقاً لمحبوبه، وينفق ما يملك لأجله، كما في مكاشفة القلوب .

    ويقول النووي رحمه الله تعالى: المحبة: هتك الأستار، وكشف الأسرار.

    وقيل: المحبة: الميل الدائم بالقلب الهائم.

    ويقال: الحب كامنٌ في الفؤاد كالنار في الزناد، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى، فهو ألطف من أن تدركه عبارة، وأرق من أن تتناوله إشارة، يُستدل عليه بآثاره، ويُعرف وجوده بأنواره. نقله السفاريني في الذخائر عند شرحه على منظومة الكبائر .

    والحب على أقسام:

    الأول: فمنه حب الله تعالى.

    الثاني: حب ما يحب الله تعالى.

    الثالث: حب لله وفي الله.

    والحب الرابع: حبٌّ مع الله عز وجل، وهي: المحبة الشركية.

    وهناك حب خامس وهو: الحب الطبيعي للأشياء كما ذكر وأشار لذلك ابن القيم رحمه الله تعالى.

    أيها الإخوة والأخوات: إن هذا الحب الذي انتشر بين الشباب والفتيات حتى الكبار والصغار لم يسلموا ولو من غباره، ذلكم الحب الذي ظاهره الصفاء والمودة، وباطنه الفحش والعار والرذيلة، إنه مؤذن خراب، وعلامة دمار، كيف لا؟! والحب مشاعر طاهرة، صافية نقية، إذا لاقاها الطاهر زانها، وإذا قُرِّب منها النجس شانها.

    فالحب إذا وُضِع في غير إنائه المطلوب، ومكانه المرغوب، صار شراً وعاراً وهلاكاً، ولذلك قََسَّمتُ هذا الموضوع إلى أربعة أقسام:

    مظاهره.

    وأسبابه.

    وآثاره.

    وعلاجه.

    1.   

    مظاهر الحب الزائف عند الشباب

    الوقفة الأولى: مظاهر الحب الزائف عند الشباب وعند الفتيات :-

    فمظاهر الحب الزائف عند الشباب:

    تعلق الشباب بعضهم ببعض

    أولاً: تعلُّق الشباب بعضهم ببعض، سواء التعلق بالذات، أو التعلق بالصور:

    فيُعَبَّر عن ذلك بالكلمات الغرامية، والعبارات الشيطانية، التي تُرَى في بعض الشوارع، والطرقات مع رسوماتٍ قبيحة.

    يقول أحد الإخوة: دخلنا مصلى العيد لهذا العام لنهيئه ونفاجأ بكلام قبيح مكتوبٍ داخل المحراب، بل مع رسمة قذرة يستحي الإنسان المسلم من وضعها.

    عند ذلك ينتقل هذا الحب من التعلق بالذات إلى التعلق بالصور، فيعشَق تجميعها، بل والبحث عنها في مظانها، بل إن البعض يحملها في جيبه أعظم من حمل كتاب الله تعالى، خصوصاً مع التعظيم.

    كثرة ذكر المحبوب

    ثانياً: كثرة ذكر المحبوب :-

    فوا عجبي من مرضى الحب الزائف! إنك تجد أحدهم يحافظ على من يحبه من كل أذىً ومكروه، بل ولا يرضى عليه بأقل القليل من الأذى، بل يصبح هو همه وشغله الشاغل، بينما ربما يُهان الدين ويُستهزأ بسنة الرسول عليه الصلاة والتسليم، ولا يرفع لذلك الأمر رأساً.

    ولقد تطور الأمر عند بعض الطلاب فصار إذا حضر صديقُه المدرسة حضر، وإذا غاب غاب معه.

    ولذلك أشار ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى، في المجلد الثاني، صفحة: (99)، قال: فأي شيءٍ يحرك القلوب؟ قلنا: يحركه شيئان: أحدهما: كثرة ذكر المحبوب؛ لأن كثرة ذكره تُعَلِّق القلوب به.

    التقليد الأعمى

    ثالثاً: التقليد الأعمى :-

    نعم، إنه أعمى، يعمي القلب والبصيرة، فبماذا يُفَسَّر فعل من يلبس مثل لباس الآخر، وهيئته، وكلامه، ومشيته، جاعلاً منه قدوة وأسوة، تاركاً الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؟!

    وما هذا الحب الذي يدعيه فئامٌ من الناس والشباب خصوصاً، حتى ظهرت آثاره عياناً دون حياءٍ أو استحياء؛ تَرَى أحدهم يمشي مع صديقه وزميله في إحدى الطرقات، واضعاً يده في يده مع تَمَيُّعٍ أنثوي وميلانٍ أخلاقي أمام الناس في منظرٍ لا يقع حتى في بعض الأحيان من الرجل مع زوجته، وما أهلَكَ الشباب والفتيات إلا التقليد.

    الرسائل والمكاتبات

    رابعاً: الرسائل والمكاتبات :-

    نعم، رسائل الحب والغرام، سواء عبر الأوراق، أو الجوالات، أو الإنترنت، ولقد استأذنتُ بعض الشباب ليُطْلِعوني على بعض الرسائل التي في أجهزة جوالاتهم التي يحملونها في أيديهم، وإذا بها عبارات كلها سُطِّرت بالحب والغرام، وبعضها الطرف الآخر: سَبٌّ وشتمٌ ولعان.

    وليس معنى هذا أنه لا يوجد هناك من يستعمل هذه الرسائل في الخير، فكم اهتدى بسببها من أناسٍ بعد الله تعالى، واصطلح حال آخرين، وكم أعانت على زيادة إيمان، وحاربت من عصيان، فلله الحمد والمنة على خيرها، ونعوذ بالله من شرها.

    التأخر الدراسي والوظيفي

    خامساً: التأخر الدراسي والوظيفي :-

    فكم من الطلاب يتعمد الرسوب من أجل أن يلتقي مع محبوبه في فصلٍ دراسيٍ واحد! حتى وصل الحال إلى السعي الحثيث للانتقال من مدرسة إلى مدرسة، ومن فصل إلى فصل، حتى يصل إلى محبوبه المزيف، حتى وصل بأحدهم أن ترك وظيفته من أجل هذا الحب، بل لا يفكر في الوظيفة أصلاً.

    ولقد تطور الأمر عند بعض الطلاب، فصار الأمر يَبِيْنُ عليه القلق والاضطراب، حتى إن أحدهم أصيب بالفشل الدراسي حتى فُصِل من المدرسة، وصديقه الآخر قد تخرج وتعين، وهو أحد الضحايا، وبماذا تُفَسَّر حالاتٌ كثيرة من هروب بعض الطلاب من المدارس؟ وإذا بها التعلق هو سببها، أجارنا الله وإياكم.

    الغلو في خدمة المحبوب

    سادساً: الغلو في خدمة من يحبه :-

    لقد حث الإسلام على خدمة المسلم لأخيه المسلم، ولكن ليس بهذا الإفراط الذي يقع بين المحبين، حتى وصل حال من ابتلي بهذا الحب الزائف أن يخدم محبوبه خدمةً لا توصف، من السعي لقضاء حوائجه وطلباته دون كللٍ أو مللٍ ولو طُلب منه في وقتٍ متأخرٍ من الليل، بل لو كان نائماً فإنه لا يتوانى في أداء طلب محبوبه، بل يسافر من شرق الدنيا إلى غربها من أجل أن يلتقي مع محبوبه -عياذاً بالله-.

    والعجيب أن طلبات الوالدين مؤخَّرة ومؤجَّلة ومردودة ومرفوضة، وإن نفذها فمع الملل والتذمر، وهما الطريق إلى الجنة! ناهيك عن تأخير أوامر الله تعالى، فكم من صلاةٍ ضُيِّعت! ونوافل هُجِرت!

    وإذا نظرتَ إلى الأوقات المُهْدَرة عبر سماعة الهاتف، أدركَ كل عاقل ماذا يفعل هذا الحب الزائف من إهلاك الأعمار دون فضيلة ترجَّى ومجدٍ يُحَصَّل، ومعرفة تُكْتَسَب، إنما هو هَدْرٌ وقَتْل للكنز الثمين، ألا وهو الوقت.

    كثرة الخلوات

    سابعاً: من المظاهر: كثرة الخلوات المليئة باللمسات، والحركات، والنظرات، والابتسامات الخاطفة :-

    تأمل معي كلاماً جميلاً لـابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى ، في المجلد العاشر، صفحة: (131)، يقول وهو يبين سوء العشق الذي هو إحدى درجات الحب إذ يقول: قال هؤلاء -أي: الذين يذمون العشق-: والعشق مذمومٌ مطلقاً، لا يُمْدَح لا في محبة الخالق ولا المخلوق؛ لأنه المحبة المفرطة الزائدة عن الحد المحدود، وأيضاً: فإن لفظ العشق إنما يستعمل في العرف محبة الإنسان لامرأة أو صبي، ولا يُستعمل في محبة كمحبة الأهل، والمال، والوطن، والجاه، ومحبة الأنبياء، والصالحين.

    ثم قال: وهو مقرون كثيراً بالفعل المحرم، إما بمحبة امرأة خبيثة، أو صبي يُقْتَرن به النظر المحرم واللمس المحرم، وغير ذلك من الأفعال المحرمة.

    وهذه المظاهر عند الشباب توجد عند الفتيات أيضاً، لولا وجود بعض الإفراط.

    1.   

    مظاهر الحب الزائف عند الفتيات

    فمظاهر الحب الزائف عند الفتيات هي كما يلي:

    الحب عبر بوابة الهاتف

    أولاً: الحب عبر بوابة الهاتف :-

    إذ هو جسر الفتيات بعضهن مع بعض، فالهاتف عند الفتيات قد بدت ناره، وظهر لهيبها، وخصوصاً أن الفتاة في غالب أحيانها رهينة البيت، فصار الهاتف وسيلتها العظمى للاتصال بالمجتمع الخارجي، حتى إن بعض الفتيات أصبح الهاتف هو حياتها، وأنسها، وسعادتها، ولا قيمة للحياة بلا هاتف، لا سيما مع وجود الجوال الذي أصبحت الفتيات يتباهين به.

    قال لي أحد الإخوة: تقول أختي: إن صديقتها تتصل بها الساعة الثانية ليلاً، وتقول لها: لا يأتيني نومٌ حتى أسمع صوتك، وتظل معها ساعة أو ما قارب ذلك.

    ويقول آخر: اتصَلَتْ بأختي -وهي معلمتها- طالبة في وقتٍ متأخرٍ من الليل، فقالت: لقد ذهب النوم عني بسبب شدة التفكير فيكِ، ولا يأتيني نومٌ حتى أسمع صوتكِ.

    الحب عبر الدفاتر الصغيرة

    ثانياً: من المظاهر عند الفتيات: الحب عبر الدفاتر الصغيرة :-

    تلكم الدفاتر ذات الهيئة الحسنة، والمجملة بالورود والرسومات الجميلة، فما الهدف؟ وما الفائدة منها؟!

    استمع معي: لكي تأتي الفتاة فتجعل لها سجل ذكريات لأيام المتوسطة، وسجلاً لأيام الثانوية، والجامعة أو الكلية، وماذا يُكتب فيه يا ترى؟! إنه إظهار الحب والغرام، وإعلان المحبة عبر هذه الوريقات حتى صارت كل فتاةٍ تعطيه كل من تعرَّفت عليها، فإذا جاء آخر يومٍ من أيام الدراسة مشت بهذا الدفتر لفلانة وفلانة .. وفلانة، ثم ذهبت لغرفة المعلمات فطلبت من كل معلمة أن تسجل لها الذكريات.

    وقبل ذلك: أين تذهب تلك الرسائل؟!

    نهايتها في غالب الأحيان القمائم -أكرمكم الله-.

    فتيات الحافلات والحب الزائف

    ثالثاً: فتيات الحافلات والحب الزائف بينهن :-

    فتجد بعض المرضى بهذا الحب تبحث عن الحافلة التي تذهب فيها صديقتها؛ لتستمتع معها طوال الطريق ذاهبة وآيبة، ولتتبادل معها أطراف الحديث، ولا مانع من ذلك فالأرواح جنودٌ مجندة؛ ولكن أن يصل الحال ببعض الفتيات إلى أن تذهب في حافلة ليست من حيها، وليس هناك مسوغ شرعي! فهذا لا يجوز.

    وحتى بعض الشباب هذا هو حالهم -أيضاً- لا يركب في الذهاب لحلقة القرآن أو غيرها إلا مع فلان، وإن لم يأت فلان فلا يذهب؛ لأن تلك السيارة هي مكان الالتقاء.

    بل وصل حال بعض الفتيات أنها تؤخر السائق عند باب الكلية؛ لأنها لا تستطيع فراق صديقتها التي من غير بلدها أو حيها.

    تقول إحدى قريباتي: إحدى زميلاتنا تؤخرنا في بعض الأحيان ما يقارب من الساعة إلا الربع ونحن ننتظرها في الحافلة.

    الأساور والعقود وما يخبَّأ فيها

    رابعاً: الأساور والعقود وما يُخَبَّأ فيها :-

    فتهدي الفتاة لصديقتها عقداً كهيئة قلبٍ، والهدية حث عليها الإسلام؛ ولكن أن تكتب عليه اسم صديقتها، وتظهره أمام الناس بكل مفاخرة، وخصوصاً إذا كان على هيئة قلب؛ فلا والله.

    أرى الحب يُبلي العاشقين ولا يَبلى     ونار الهوى في حبة القلب لا تُطْفَى

    تهيجني الذكرى فأبكي صبابةً     وأي محبٍ لا تهيجه الذكرَى

    أقول وقد أسبلتُ دمعي وطالما     شكوتُ الهوى مني فلم تنفع الشكوَى

    تأخير بعض النساء للزواج خشية تأثير الزواج على العلاقات

    خامساً: تأخير بعض النساء للزواج خشية تأثير الزواج على العلاقات.

    وهذا أيضاً عند بعض الشباب، فقد يؤخر الزواج لكيلا تنقطع علاقات المحبة مع الآخرين.

    1.   

    أسباب الوقوع في الحب الزائف

    الوقفة الثانية: أسباب الوقوع في الحب الزائف، وهي التي وراء ثورانه :-

    سهام إبليس المسمومة

    أولاً: سهام إبليس المسمومة :-

    نعم، سهام إبليس المسمومة، تلك النظرات المتوالية والمتعاقبة التي تصدر بين المحبين، فالنظر هو أول مفتاح، وهو مفتاح كل شر، وبداية كل رذيلة، وهو الحبل الموصل إلى هذا الحب الزائف في غالب الأحيان.

    كل الحوادث مبداها من النظرِ     ومعظم النار من مستصغر الشررِ

    والنظر هو أول عتبة لتكوين العلاقات العاطفية مع الآخرين.

    نظرة، فابتسامةٌ، فسلامٌ     فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاءُ

    سماع الأغاني الماجنة

    ثانياً: سماع الأغاني الماجنات :-

    القائمة على وصف حال الحبيب مع حبيبه.

    كثرة الخلطة والخلوة مع المردان أو النساء

    ثالثاً: كثرة الخلطة والخلوة مع المردان أو النساء لا سيما في المستشفيات وأماكن العمل :-

    وبهذا يتأكد العشق.

    لنصحب ابن القيم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي حيث يقول: وأضر شيء على العبد في دينه ودنياه هو عشق المردان، فما ابتُلِي به إلا من سقط من عين الله، وطُرِد عن بابه، وأبْعد قلبه عنه، وهو من أعظم الحجب القاطعة عن الله.

    كما قال بعض السلف: إذا سقط العبد من عين الله، ابتلاه بمحبة المردان، وهذه المحبة التي جلبت على قوم لوط ما جلبت، وما أُتوا إلا من هذا العشق قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] لقد أصبحوا عمياناً بسبب هذا الحب.

    وهذا ابن الجوزي رحمه الله تعالى، نغوص معه قليلاً في بحار توجيهه حيث يلخِّص لنا -أيضاً- هذه الأسباب فيقول: ويتأكد العشق بإدمان النظر، وكثرة اللقاء، وطول الحديث، والأغاني الماجنات القائمة على كلمات الحب والغرام التي تولِّد الشهوة، وتثير الغريزة.

    وأقول: يا بن الجوزي وسماع الأناشيد التي تثير الحب والغرام، فهي -أيضاً- بوابة في هذا الزمن.

    ويقول أيضاً: ومن أسباب العشق: سماع الغزل والغناء، فإن ذلك يصور في النفوس نقوش صور -وتأمل لكلمة نقوش صور-.

    في إحدى الدول الخليجية لما ألقيت هذا الموضوع، جاءني شاب فقال: والله إن الذي قلته يقع لابن عمي، فهو يرى حبيبه بين آيات القرآن وخلالها، وقبل فترة اتصل بي شاب قبل الجمعة، فقال: والله إنني إذا رأيتُ صاحبي لا أراه إلا وكأنه عارٍ، وإذا ركب بجانبي فهو كذلك، وإذا ذهبتُ فهو كذلك، حتى أنني ابتليت وأنا في الصلاة أصلي باتِّجاه القبلة وصورته أمامي.

    تأمل لكلام ابن الجوزي رحمه الله: فإن ذلك يصور في النفوس نقوش صور، فتتخمر خميرة موصوفه، ثم يصادف النظر مستحسَناً فتتعلق النفس بما كانت تطلبه حال الوصف. وهذا كما في: ذم الهوى.

    والعجب كل العجب أن الغناء يقوم على وصف حال الحبيب مع حبيبه، وطرق الحب، ودواليك .. دواليك ..!

    إن المسلم العاقل الغيور على دينه ليدعو دائماً فيقول: رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286].

    قال الكوافي: إنه الحب والعشق.

    وقال مكحول: العزبة والغلمة. كما نقله ابن كثير رحمه الله في تفسيره .

    الإعلام الفاسد

    رابعاً: الإعلام الفاسد يثير هذا الحب الفاسد :-

    فتلك المناظر الفاتنة سواء من خلال القنوات الشيطانية، أو المجلات الإبليسية التي تظهر الحب وكأنه علاقة شريفة، ونزيهة وعفيفة، وأن الحياة بلا عشيق لا قيمة لها، فالإعلام الفاحش بمسلسلاته، وأفلامه، وقنواته المطلية بالأغاني الماجنة، هذه الأفلام التي ربَّت بعض النفوس على هذا الحب الشيطاني، خصوصاً أن بعض الناس جعل الممثل والممثلة قدوته في قوله وفعله، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

    ومَن هُم ضحايا هذه المثيرات؟

    إنهم الفتيات والفتيان، بل حتى وصل الحال للكبار.

    هذا أب جالسٌ مع أبنائه وزوجته وهم يشاهدون الشاشة، فمرت ممثلة بكامل زينتها، وما كان من ذلكم الأب الذي لَمْ يستحِ من خالقه تعالى، وبوجود زوجته، وأبنائه، إلا أن قال: انتظريني .. انتظريني ..! سوف آتيك؛ حتى أراكِ على الطبيعة، ما أحقر المجاهرين بمعاصيهم حتى أمام أبنائهم! أولئك: كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19].

    وهذه إحدى ضحايا الإعلام؛ يقول أحد الإخوة: خرجتُ من بيتي في رمضان الماضي مع نهاية العصر وقرب المغرب، وإذا بي أرى ولداً وبنتاً أعمارهم بين الخمس والست سنوات وهما يفعلان ما لا يرضي الله تعالى.

    تقول إحدى المشرفات على إحدى الروضات: أثناء تجوالي في ممرات المدرسة أحسستُ بشيءٍ غريب في دورات المياه، دخلتُ لأستطلع الأمر فوجدتُ طفلاً عمره خمس سنوات قد خلع ملابسه تماماً، ويحاول خلع ملابس زميله الأصغر منه، والذي كان مستسلماً ولم يبدِ أي ممانعة من ذلك.

    فانظر -يا أخي المسلم! وأنتِ يا أختي المسلمة!- إلى أي شيء قد وصل حال تأثير الإعلام على الصغار، فإذا كان هذا حال الصغار، فما ظننا جميعاً بحال الكبار؟!

    هل تعلم يا أخي الغالي! وهل تعلمين أنت يا أختي الغالية! أن (500) قناةٍ فضائية ما بين عربية وأسيوية وأوروبية تنشر الرذيلة وتحارب الفضيلة، وأن قناة lbc اللبنانية عليها من الله ما تستحق، والتي يمتلكها الحزب الماروني النصراني المتعصب يقول مديرها: نعم، استخدمنا الجنس، وهدفنا الخليج.

    وإن مما يؤلم القلب أن بعض صحف هذه البلاد يعلنون عنها بكل طلاقة، عافانا الله وإياكم.

    الألبسة شبه العارية

    خامساً: من تلك المظاهر التي هي في الحقيقة أعظم إثارة تولدها وتسببها في آنٍ واحد: الألبسة شبه العارية، وما شابهها من أشياء :-

    نعم، إن هذه من الأسباب الكبرى في هذا الموضوع، إن الألبسة شبه العارية والمخصَّرة التي تثير الغرائز حتى توصلها إلى طريق الحب الزائف، تلكم الألبسة الفاتنة المفتونة التي يلبسها الرجال والنساء على حدٍ سواء بلا حياءٍ ولا استحياءٍ، فالمرأة تخرج بعباءة الكتف، والخمار شفاف، مع بروزٍ في العينين، اسمعي، يا من تتخطين الأسوار، يا من تخرجين بجسم مفضوح، كأنه لا يستره شيء! ناهيك عن البنطلون المجسد للجسم، الكاشف للسوءات، والمبدي للعورات.

    فهذا أحد التائبين عندما نصحتُه وقلت له: أما تستحي أن تخلو بامرأة يزيد عمرها على (38) سنة؟!

    عندها قال: والله لأول مرة أفعل في حياتي هذا.

    عمره نحو (24) سنة.

    ثم قال لي: وإني والله لتائب، ثم قال بعدما ألححتُ عليه: ما الذي دعاك لذلك؟! قال: والله هي التي أغرتني بلباسها، وبروز عينيها، وهي بكامل زينتها.

    وهذا شاب آخر كتب يقول: تعلقتُ بأختي حتى فعلتُ معها الفاحشة، عندما كنا نشاهدُ أحد الأفلام الخليعة. ثم أردفَ كلامَه قائلاً: والسبب الأكبر: أن أختي تلبس أمامي لباساً شبه عارٍ، فتفتنني فلم أتمالك نفسي فواقعتها. ثم كرر فقال: هي السبب! هي السبب!

    وإذا أتينا إلى لباس الرجال رأيتَ ما لا يرضي الكريم الوهاب، تركوا اللباس الساتر والفضفاض، فثيابٌ ضيقة لا تدل على الرجولة والفحولة، ناهيك عن لباس (الجينز) سيئ المنظر، فاحش المحيا، شُلَّت يمينُ صانعه، الذي بدأ ينتشر.

    إن مما يؤسف له: أن بعض الشباب الذين فيهم سمات الخير يلبسون هذا أو أولادهم كذلك، ويُحْزِن قلوبَنا وقلوبَ الغيورين أنه يُرَى بعض الفتيات أصحاب خمس سنوات وما فوق إلى العاشرة أو أكثر يلبسن البنطال، ويخرجن في الملاهي وغيرها، وبئست الرعية لرجل يترك بناته على هذه الحال.

    وهذه وقفة فيها عِبْرة وعَبْرة نُدْرِك فيها خطورة تربية الفتيات الصغيرات اللاتي أصبحت الواحدة منهن لا تستحي ولو نُصِحت وقيل لها: لماذا تفعلين ذلك؟!

    في أيام العيد رأيتُ فتيات صغيرات بين الخمس سنوات والست سنوات، ويلبسن لباساً مُنْكراً، ما بقي إلا خيوطٌ معلقة على أكتافهن فقط، ويبيِّن من أجسامهن شيئاً كثيراً، فقلت لهن بأسلوب لطيف: أليس هذا عيباً يا فتيات؟! أليس هذا عيباً يا بنات؟! ثم قلتُ: إن هذا يشبه لباس أهل النار.

    فقالت إحداهن وهي صغيرة بأسلوب كأنها تكلم من هو أصغر منها: هذا ليس بعيب، وليس فيه شيء.

    فقلت: سبحان الله!

    وينشأ ناشئ الفتيان فينا     على ما كان عوده أبوهُ

    فإنما حال والدها إذا مر في الشوارع، والطرقات -كما اعتدنا منه هداه الله،- أن تسمع صوت الغناء يهوي من سيارته.

    فقدان العواطف الأسرية

    سادساً: من الأسباب أيضاً وهو من الأسباب الكبرى: فقدان العواطف الأسرية :-

    تلك العواطف التي لما فقدها الشباب والفتيات انساقوا وراء من يشبع عندهم ذلك، تأمل معي هذا الموقف وحاول وأنت الحكم: معلمة تعلقت بطالبة حتى وصل الحال بها أنها تمر على فصلها لتراها فقط، يقول من حدثني بذلك: والسبب هو فقدان هذه الزوجة الحب من قبل زوجها.

    فأقول: نعم، إن من الأسباب: فقدان العواطف الأسرية، سواء بين الآباء والأبناء، والأزواج والزوجات، مما يسبب الوقوع في ظلمات الحب، حتى صار بعض من ابتلي بهذا الحب الزائف يفضل محبوبه أكثر من زوجته وأولاده، فهل يليق بمن وَخَطَه الشيب أو بلغ من الكبر عتياً، أن يصحب من هو أصغر منه سناً، وربما قدراً وشرفاً بلا مسوغ شرعي كتعليمه وما شابه ذلك من طرق الخير؟

    إن العواطف الأسرية نحتاجها في تربيتنا أيها الأحبة! إن المرأة والبنت والولد متى أُشْبِعَت عندهم هذه الغريزة وأعطوا من العطف والحنان والمودة والمحبة والكرامة نلنا خيراً كثيراً وعظيماً، فبعض الرجال يدخل بيته مقطب الجبين ويخرج كذلك، فمع أولاده حاله غريب! ضربٌ وشتمٌ ولعنٌ وصفعٌ، وأما مع الناس فهو رءوف رحيم ودود كريمٌ، إذا رأى فلاناً من الناس قال: من أنت؟ قال: عبد الله، قال: جعلك الله من عباد الله.. أصلحك الله.. غفر الله لوالديك، وأما أبناؤه فلا ينالون منه العطف ولا الحنان ولا المودة.

    قال لي أحد التائبين: والله لقد انتكستُ مدة خمس سنوات، وقد تربيت في أحضان الصالحين وعدت إلى الله، ولي شهر كامل ولله الحمد والمنة، وأسأل الله الثبات. ثم بدأ يحكي لي ويقول: لَمَّا سمعتُ محاضرتك (الحب الزائف) قلت: لا بد أن آتي إلى بيتك وأحدثك بما عندي من قصصٍ كنت قد عشتها أيام الانتكاس والانحراف، فجاءني من منطقته حتى جاءني إلى بيتي، فأخبرني ببعض المواقف المأساوية، فأذكر لكم طرفاً منها.

    يقول هذا الشاب: لقد كنت صاحباً لأحد المعاكسين، وهذا معاكسٌ أنعم الله عليه بجمالٍ وصوتٍ وحُسْن اللغة، وجمال الأدب وغير ذلك، إنه يسحر الفتيات سحراً، يقول: ذات مرة اتصل على فتاةٍ وعاكسها وأنا أسمع من جهاز الهاتف، وإذا بتلك المرأة -انظر عندما تُفْقَد العواطف ماذا يحدث!- تقول هذه المرأة لهذا الرجل: كلي استعدادٌ لك.. كلي استعدادٌ لك.. كلي استعدادٌ لك، وأنا على كامل التهيؤ، بل أنا مستعدة أن أعطيك راتبي الذي مقداره تسعة آلاف ريال، إن زوجي لا أراه في الأربعين يوماً والشهرين إلا يوماً أو يومين، فانظر ماذا يُنتج فقدان العواطف؟

    كثرة التجمل الزائد عند الشباب والفتيات

    سابعاً: من أسباب الوقوع في الحب الزائف: كثرة التجمُّل الزائد عند الشباب والفتيات :-

    فالبعض ينفق الأموال الطائلة على ملابسه ومراكبه، حتى وصل حال بعض الشباب أنهم يستعملون المساحيق النسائية وبئس تجملٌ يوصِل لهذا.

    1.   

    آثار الحب الزائف

    الوقفة الثالثة: آثار هذا الحب الزائف :-

    فقدان الحب الحقيقي

    أولاً: فقدان الحب الحقيقي :-

    إنه ذلكم الحب الذي يقرِّب إلى الله تعالى ويوصل إليه، ويقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].

    قال صاحب المدارج : ومن أعظم مِنَّة الله على عبده تأهيله لمحبته، ومعرفته، وإرادة وجهه، ومتابعة حديثه، وأصل هذا نورٌ يقذفه الله في قلب العبد، فإذا دار ذلك النور في قلب العبد وذاته أشرقت ذاته، فرأى فيه نفسه، وما أُهِّلت له من الكمالات والمحاسن، فَعَلَت به همته، وقويت عزيمته، وانقشعت عنه ظلمات نفسه وطبعه، فرقيت الروح حينئذٍ بين الهيبة والأنس إلى الحبيب الأول.

    نقِّل فؤادك حيث شئتَ من الهوى     ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ

    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى     وحنينه أبداً لأول منزلِ

    فالمحبة في الله ومن أجل الله هي: تلك المحبة التي لا تكون إلا لله تعالى، فالحب في الله شريان ماء يجري في عروق أهل الإيمان، بالحب تشتاق النفوس للجنة؛ فتضحي بكل غالٍ من أجل الله تعالى، بالحب تعمل النفوس لله دون كللٍ وتوانٍ، وتنفق من أجل الله دون خوف فاقة، بالحب تتصافى النفوس، وتتحد الصفوف، بالحب تقوى كلمة الحق، وتُدْحَض كلمة الباطل، فالحب في الله مباركٌ مادام على طاعة الله وحب لقائه.

    واستمع معي إلى هذا الحديث الذي يبث الروح في القلب ويحرك شجا النفس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله لعباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: مَن هُم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قومٌ تحابوا بروح الله على غير أموالٍ ولا أنساب، وجوههم نور، وهم على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- ثم تلا: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]) رواه ابن أبي الدنيا ، وابن المبارك ، وقال المنذري : رواه أحمد ، وأبو يعلى بإسنادٍ حسن، ورواه غيرهم.

    بينما الحب الزائف نارٌ في قلوب المصابين به.

    فالمحبة في الله محبة عامرة بالخير ما دامت لأجل الله تعالى، فلا تنقطع آثارها، ولا تنعدم ثمرتها حتى بعد انقضاء الكون واضمحلال الحياة.

    فأهل المحبة الحقيقية سعدوا بها في الحياة الدنيا، وفازوا بها في الآخرة: إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه) كما في الصحيح .

    أيها الإخوة والأخوات: ولما فُقِد هذا الحب، أو نقص من القلوب حل مكانه الحب الزائف، فأصبح كالظلام يزيل ضوء النهار، وكالسحاب يحجب على الرائي رؤية الهلال، فمن هجر أوامر الله وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله، فهل هذا محبٌ على جهة الحقيقة؟

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي : المحبة في الله تعالى هي حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذةٌ، ولا نعيمٌ، ولا فلاحٌ، ولا حياةٌ، إلا بها، وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، والأنف إذا فقد شمه، واللسان إذا فقد نطقه، بل فساد القلب إذا خلا من محبة فاطره جل جلاله وبارئه وإلهه الحق، أعظم من فساد البدن إذا خلا من الروح، هذا والأمر لا يصدق به إلا من كان فيه حياة.

    ثم يقول أيضاً في موطن آخر: لا يمكن -تأمل!- أن يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى، وعشق الصور أبداً، بل هما ضدان لا يجتمعان.

    الحب الزائف قد يوصل إلى الكفر بالله تعالى

    ثانياً: الحب الزائف ربما يوصل إلى الكفر بالله تعالى، أو الإعراض عنه، أو تقديم محبة محبوبه على محبة الله تعالى :-

    أليس الله تعالى يخبرنا فيقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]؟!

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا نِدٌّ في المحبة، لا في الخلق والربوبية.

    ويقول صاحب الظلال : كانوا على عهد المخاطَبين بهذا القرآن أحجاراً وأشجاراً، أو نجوماً وكواكب، أو ملائكة وشياطين، وهم في كل عهدٍ من العهود الجاهلية أشياء أو أشخاص.

    نعم، فمن الناس من يطيع محبوبه ولا يطيع الله تعالى، فها أنتم أولاء ربما ترون أدعياء محبة الله، وأحدهم يجلس في الطريق العام أمام الناس، أو ربما يكلم عبر سماعة الهاتف ولا يشهد أحدهم الصلاة مع جماعة المسلمين، بل إن بعض التائبين لَمَّا يحكون صورهم ماذا يقولون؟ بعضهم يقول: والله إن المؤذن ليؤذن لصلاة الفجر وتقام الصلاة وأنا لا أستطيع أن أغلق سماعة الهاتف؛ لكيلا ينقطع عني صوت صاحبي، إنها ابتلاءات.

    تأمل هذه الحادثة: يقول ابن الجوزي رحمه الله في ذم الهوى : يُحكى أن رجلاً مر بباب امرأة نصرانية، فرآها فهويها من وقته، وزاد الأمر به حتى غُلِب على عقله، فحُمِل إلى المارستان وهو: مكان المرْضَى، وكان له صديقٌ يتردد عليه ويترسل بينه وبينها، ثم زاد الأمر به، فقالت أمه لصديقه: إني أجيء إليه ولا يكلمني.

    فقال: تعالي معي. فأتت معه.

    فقال له: إن صاحبتك أرسلت إليك برسالة.

    فقال: كيف؟

    قال: هذه أمك تؤدي رسالتها. فجعلت أمه تحدثه بشيءٍ من الكذب.

    فقال لصاحبه: لقد جاء الأجل وحان الوقت، وما لقيتُ صاحبتي في الدنيا، وأنا أريد أن ألقاها في الآخرة.

    فقال له: كيف تصنع إذاً؟

    قال: أرجع عن دين محمد، وأقول: عيسى ومريم والصليب الأعظم، فقال تلك الكلمات، فمات عليها -عياذاً بالله-.

    فما كان من صديقه إلا أن ذهب إلى تلك المرأة، فوجدها مريضة، فدخل عليها، وجعل يحدثها فقالت: أنا ما لقيت صاحبي في الدنيا، وأريد أن ألقاه في الآخرة، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأنا بريئة من دين النصرانية.

    فقال أبوها للرجل: خذها الآن، فإنها من دينكم. فقام الرجل لتخرج معه تلك المسلمة فقالت شهادة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فماتت على تلك الحال.

    ألم تر أن الحب يستعبد الـفتى     ويدعوه في بعض الأمور إلى الكفرِ

    ***

    تَوَلَّع بالعشق حتى عشقْ     فلما استقل به لم يُطِقْ

    رأى لجة ظنها موجة     فلما تمكن منها غَرِقْ

    أخبرني أحد الإخوة بقصة تدمي القلب، وتذرف لها العين، فلولا أنه ثقة لما صدقها أيُّ واحدٍ منا، يقول: هذا شابٌ تعلق بشابٍ وصار بينهما الحب، حتى إنه من شدة تعلقه بهذا الشاب وعشقه قال: لو خيرني الله تعالى يوم القيامة بين دخول الجنة والنار لاخترتُ لصديقي الجنة ودخلت أنا النار، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

    ولأطلبنكِ في القيامة جاهداً     بين الخلائقِ والعبادُ نشورُ

    فبجنة إن صرتِ أنت بجنة     ولئن حواكِ عذابُها فسعيرُ

    حتى وصل حال بعض المعذبين بهذا الحب أن يقول لمن يحبه: يا حياتي! أو أفديكَ بحياتي!

    أين نحن جميعاً من قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]؟!

    ويزيد الأمر عند المرضى بهذا الحب فيعبر أحدهم؛ فيقول عن نفسه وهو يسطرها عبر الجدران والأوراق: شهيد الحب والغرام، إن الشهادة لله، وليس هناك شهادة للحب والغرام!!: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23] نعم، فمن يهديه من بعد الله؟!

    فإن الإنسان إذا فقد الحب الحقيقي وحل مكانه الحب الزائف، صده عن الله تعالى وعن دينه، فإن هذا الحب يفعل بالعقل والقلب مثلما تفعل الخمرة بشاربها، بل وأعظم من ذلك.

    تقول إحدى المرضى بهذا الحب الزائف وهي تخاطب من اكتوت بحبه وناره: نداءٌ لك أيها الغائب، ففي النهار شمسي أنت، وفي الليل قمري، والله أنت الدنيا وما بعدها ... إلى نهاية قبائحها.

    الحب الزائف يورث الهم والقلق

    ثالثاً: الحب الزائف يورث الهم والقلق :-

    وهذا ابن الجوزي رحمه الله تعالى يحدثنا بذلك في: ذم الهوى ، إذ يقول -بعدما بين ضرر العشق في الآخرة- وأما ضرر العشق في الدنيا فإنه يورثه الهم الدائم، والفكر اللازم، والوسواس، والأرق، وقلة المطعم، وكثرة السهر، ثم يتسلط على الجوارح، فتنشأ الصفرة في البدن.

    وما عاقلٌ في الناس يُحْمَد أمره     ويُذكر إلا وهو في الحب أحمقُ

    ومـا من فتى ذاق بؤس معيشةٍ     من الناس إلا ذاقها حين يعشقُ

    فكم من الناس لا يزال الآن يكتنف آثار أخطائه في الحب التي كان يعيشها في الشباب الأولى في أيام المتوسطة أو الثانوية أو الجامعة، ولعلك تسمع معي بإذن الله تعالى العلاج.

    يقول أحد الإخوة نحسبه من أهل سفينة النجاة -أي: من الذين يدعون إلى الله تعالى- يقول: اتصلت امرأة على إحدى مراكز الهيئة المباركة -نفع الله بها الإسلام والمسلمين، وجعلها الله حفظاً للمسلمين، وجعلها شوكة في نحور العلمانيين- فقالت تلك المرأة: تقدم لخطبتي شاب أريد أن أطمئن عليه، هل عليه بعض الملاحظات أم لا؟ فأخذ مسئول الهيئة يبحث عن اسمه فوجد أن عليه بعض الملاحظات، فلما أخبر المرأة ونصحها بعدم الزواج منه، وشكرها على حرصها وسعيها لسعادتها، بادَرَتْه قائلة: كل هذا ليس بصحيح، وما نعلم عنه إلا كل خير، وما قلتَه خلاف الواقع، فما كان منها إلا أن أغلقت الهاتف، وبعد مدةٍ وتأتينا أخبار بأن تلك الفتاة الآن في مستشفى الصحة النفسية، والسبب في ذلك أنها قد انتُهك عرضها من ذلكم الشاب الخائن الذي لا يريد الزواج والعفة في الحقيقة، مما ولَّد لها هماً وغماً.

    فأقول: يا سبحان الله! كيف طمس هذا الحب المحرم عقول العقلاء عن التفكير حتى أوصلهم لذلك؟!

    الحب الزائف سرعان ما ينقلب عداوة

    رابعاً: الحب الزائف سرعان ما ينقلب عداوة :-

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في: إغاثة اللهفان ، في المجلد الثاني، صفحة (155)، يقول: وأهل المعاصي والفسوق وإن كان بينهم نوع مودة وتَحَابٍ، فإنها تنقلب عداوة وبغضاً، وفي الغالب يتعجل لهم ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وأما في الآخرة فالأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.

    قال إمام الحنفاء لقومه: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [العنكبوت:25].

    انتهاك الأعراض وذهاب الشرف

    خامساً: من أعظم آثار الحب الزائف: انتهاك الأعراض، وذهاب الشرف، وصفعة عارٍ لا ينساها التاريخ :-

    فهذه إحدى ضحايا الحب الزائف: فتاةٌ تكتب مأساتها التي عاشتها وذاقت أثرها بسبب هذا الحب، إذ تقول هذه الفتاة: لا أريد أن تكتبوا مأساتي تحت هذا العنوان: دمعة ندم، بل اكتبوها بعنوان: دموع الندم والحسرة، إنها دموعٌ كثيرة، تجرَّعتُ خلالها آلاماً عديدة، وإهانات، ونظرات، كلها تحتقرني، بسبب ما اقترفته في حق نفسي وأهلي، وقبل هذا وذاك حق ربي.

    إنني فتاة لا تستحق الرحمة أو الشفقة، لقد أسأتُ إلى أسرتي وأهلي جميعاً، لقد جعلتُ أعينهم دوماً إلى الأرض، لا يستطيعون رفعها خجلاً من نظرات الآخرين، كل ذلك بسببي أنا، لقد خنتُ الثقة التي أعطوني إياها، بسبب الهاتف اللعين الذي سبَّب لي الاتصال بذلك الإنسان المجرد من الضمير، الذي أغراني بكلامه المعسول، فلعب بعواطفي وأحاسيسي، حتى أسِيْرَ معه في الطريق السيئ، وبالتدريج أتمادى في علاقتي معه إلى أسوأ منحدر، كل ذلك بسبب الحب الوهمي الذي أعمى عيني عن منحدر الحقيقة، وأدى بي في النهاية إلى فقدان أعز ما تفتخر به الفتاة، ويفخر به أبواها عندما يزفانها إلى الشاب الذي يأتي إلى منزلها بالطريق الحلال، لقد أضعتُ هذا الشرف مع إنسان عديم الشرف، إنسان باع ضميره وإنسانيته بعد أن أخذ مني كل شيء، فتركني أُعاني وأُقاسي بعد لحظاتٍ قصيرة قضيتها معه، لقد تركني في محنة كبيرة بعد أن أصبحتُ حاملاً.

    آن ذاك لم يكن أحدٌ يعلم بمصيبتي سوى الله سبحانه وتعالى، وعندما حاولت البحث عنه، كان يتهرب مني، على عكس ما كان يفعله معي من قبل أن يأخذ ما يريد، لقد مكثتُ في نارٍ وعذابٍ طوال أربعة أشهر، لا يعلم إلا الله ما قاسيته من آلام الحمل الذي أثقل نفسيتي وأتعَبَها.

    كنتُ أفكر كيف أقابل أهلي بهذه المصيبة التي تتحرك في أحشائي؟ فوالدي رجلٌ ضعيف يشقى ويكد من أجلنا، ولا يكاد الراتب يكفيه، ووالدتي امراةٌ عفيفة، وفرت كل شيء لي من أجل أن أتم دراستي لأصل إلى أعلى المراتب، لقد خيبتُ ظنها وأسأت إليها إساءة كبيرة لا تغتفر، ما زلت أتجرع مرارتها حتى الآن.

    إن قلب ذلك الوحش رقَّ لي أخيراً حيث ردَّ على مكالمتي الهاتفية بعد أن طاردتُه عندما عَلِم بحملي، عَرَض علي مساعدتي في الإجهاض وإسقاط الجنين الذي يتحرك داخل أحشائي، كدتُ أجن؛ لأنه لم يفكر أن يتقدم للزواج مني لإصلاح ما أفسد، بل وضعني أمام خيارين.. إما أن يتركني في محنتي، أو أسقط هذا الحمل للنجاة من الفضيحة والعار.

    ولما مرَّت الأيام دون أن يتقدم لخطبتي ذهبتُ إلى الشرطة لأخبرهم بما قد حدث من جانبه، وبعدما بحثوا عنه في كل مكان وجدوه بعد شهرين من بلاغي؛ لأنه أعطاني اسماً غير اسمه الحقيقي؛ لكنه في النهاية وقع في أيدي الشرطة واتضح أنه متزوج، بل ولديه أربعة من الأولاد، عندها وضع في السجن، وعلمتُ أنه متزوج وأدركتُ كم كنت غبية عندما سرتُ وراءه كالعمياء؛ ولكن ماذا يفيد ذلك بعد أن وقعتُ في الهوة السحيقة التي جعلتني أتردى داخلها؟

    لقد ظن أنني ما زلتُ تلك الفتاة التي أعماها كذبه، فأرسل إلي من سجنه امرأة تخبرني بأنني إن أنكرتُ أمام القاضي أنه انتهك عرضي فسوف يتزوجني بعد خروجي من السجن -وهذه مسألة! لا يجوز نكاح الزواني: وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3] نعم، لا يجوز نكاح الزواني إلا أن يتوبوا ويعودوا إلى الله سبحانه وتعالى- لقد ظن أنني ما زلتُ تلك الفتاة، فلما عَرَضَ عرضَه الرخيص رفضتُ عرضَه.

    والآن أكتبُ لكم بعد خروجي من سجن الشرطة إلى سجني الأكبر.

    اسمعي يا فتاة الإسلام ما تقوله هذه الضحية قبل أن تقولي أنتِ كذلك مثلما قالت.

    إنني أخرج من سجن الشرطة إلى سجني الأكبر؛ منزلي، ها أنا قابعة فيه، لا أُكَلِّم أحداً، ولا يراني أحد، بسبب تلك الفضيحة التي سببتُها لأسرتي، فأهدرتُ كرامتها، ولوثتُ سمعتها النقية، لقد أصبح والدي كالشبح يمشي متهالكاً يكاد يسقط من الإعياء، بينما أصبحت أمي ضعيفة تهذي باستمرار، وسجنت نفسها بإرادتها داخل المنزل خشية كلام الناس ونظراتهم، أوَيُلامون؟! لا، لا يُلامون، لقد دُنِّس عرضهم .. لقد دُنِّس شرفهم.

    ثم تَختم رسالتها بقولِها: فاسْمَعن يا أيتها الأخوات! إنني من هذه الغرفة الكئيبة أرسل إليكم بحالي المرير: إنني أبكي ليلاً ونهاراً؛ لعل الله أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، وأطلب منكم الدعاء لي بأن يتوب الله عليَّ، وأن يخفف من آلامي.

    اللهم تب عليها، يا رب العالمين! واجعلها من التائبات، يا أكرم الأكرمين!

    فهل بعد هذه العِبْرة مِن عَبْرة؟! وهل بعد هذه العِبارات مِن عَبَرات؟! إلا لمن كُتِب عليه الشقاء -عياذاً بالله-.

    وهذه ضحية أخرى من ضحايا هذا الحب: تزوَّجَت من ابن عمها، وكان ظالماً لها، أنانياً، قاسياً، لا يعرف الأحاسيس والمشاعر، لا سيما وأنه يتناول المسكرات حتى بدأ يضربها، عندها طلبت الطلاق، فتم ذلك بعدما ظلت معه سبعة أشهر، ففارقته وهي تحمل بجنينٍ منه.

    بعد مدةٍ اختلفت عليها سعادة فراق ذلك الزوج العاتي، وبؤس أسرتها؛ بسبب تعاملهم القاسي، فاتصلَت بإحدى زميلاتها لتخفف همها وتؤانسها في مصيبتها؛ ولكنها لم تتصل بالله تعالى أولاً، عندما اتصلت بإحدى زميلاتها أخطأت في رقم الاتصال دون أن تشعر، فرد عليها شابٌ من أولئك اللاهثين، الذين صار أُنْسهم بالهاتف جالسين، فسألته عن صديقتها؟ فقال: لقد أخطأتِ الاتصال، وأثناء بحثها عن رقم صديقتها، استغل ذلك الشاب هذه الفرصة لمعاودة الاتصال لوجود كاشفٍ للأرقام، ولعلنا نتساءل: لماذا أعاد هذا الاتصال؟! إن من أكبر أسباب الفتنة أن بعض الفتيات والنساء -هداهن الله- إذا اتصلت بإحدى زميلاتها تتصل بصوتٍ ناعم بصوتٍ متهدج، لذلك نصيحتي لكِ يا أيتها المرأة! إياكِ أن تجعلي أسلوب الكلام مع زميلاتك بالمباشرة أو مع الزوج هو أسلوبك في الهاتف، بل اجعلي صوتك عالياً، وتكلمي بكل قوةٍ وصلابة، حتى لا تصابين بالانخداع.

    ويا للمصيبة الكبرى! بدأ يستغلها ويخادعها بكثرة اتصالاته، ويخبرها بقصص كاذبة عن بعض ما وجده في حياته من المآسي، خصوصاً أنه طلق زوجته.

    ويا للمصيبة الكبرى! رقَّ قلب الفتاة له، خصوصاً أن مشكلته الكاذبة وافقت مشكلتها، فمع دوام الاتصال أخبرته عن مآسيها، وهو يتظاهر لها بالبكاء والألم على حالها.

    ومع مرور الأيام وتتابع المكالمات تحولت تلك الكلمات القائمة على بث الأحزان والآهات، إلى كلمات الحب والغرام والوداد والمحبة، وفي ذات يومٍ أخبرها بأنه يرغب في نكاحها، خصوصاً أنها المرأة التي كان ينتظرها منذ زمن، طلب أن يراها وتحقق ذلك، قويت العلاقة بعد ذلك، حتى كانت تعطيه بعض حليها لكي يقضي بعض ديونه -فانظر إلى المغفلة ماذا تفعل؟!- وكانت ترد كل من جاء لخطبتها، وكلها أمل في تقدم ذلك الشيطان لخطبتها، حتى وَلَدَت وسمت ولدها باسمه -باسم العشيق، والحبيب- وبعد مدة اتصل بها وبين عزيمته على الإتيان إليها لخطبتها، خصوصاً أنه توفر لديه المهر، وطلب أن يراها ليذهب إلى السوق ويشتري لها فستاناً وخاتماً، فوافقت المغفلة على الفور، ولما ذهب عَرَضَ عليها الفستان، وتم ذلك، ثم ذهب إلى شقة السكن المنتظرة، ولما ذهب طلب منها أن تجرب ذلك الفستان، وتحت الخلوة المحرمة والنظرة الشيطانية المتجهة بقصد العار، وما ظنك باثنين الشيطان ثالثهما؟! وماذا يُتَصَوَّر أن يقع بينهما؟ حتى كانت ساعة انسلاخ الإيمان وعصيان الرحمن، لقد فَجَرَ بتلك العفيفة، لقد فَجَرَ بتلك المغفلة وسلبها العفة والنزاهة واكتوت بنار العذاب، عندها استيقظت من سبات الغفلة، صَرَخَت وبَكَت؛ ولكن لا فائدة ولا جدوى، طلبت إرجاعها إلى بيتها، وهي تتجرع المرارة والألم، وهو يمنيها ويواعدها الخميس تلو الخميس، بل وهي ترقب الهلال تلو الهلال، ولكنها لم تر بدراً؛ فضلاً عن رؤيتها هلالاً.

    بدأت تتصل به وهو يتهرب منها، حتى ردَّ عليها ذات مرة بنبرة حادة غاضبة: اسمعيها مني بكل وضوح! لا يمكن أن تكون امرأة مثلك زوجة لي أبداً؛ لأني لا يمكن أن أثق فيها قط، وأرجوك أن يكون هذا آخر اتصال بيننا.

    صُعِقت وهي تسمع هذا الكلام منه، لقد سقط القناع، وانكشف المستور، وظهرت المخبآت وبانت الفضائح، نعم؛ لأن هذه بعض آثار الحب الزائف -عياذاً بالله-.

    ظلت شهراً ونصفاً وهي طريحة الفراش من هول الصدمة وشدة الموقف، بدأت تكره الحياة، بل كرهت ولدها الصغير؛ لأنه يذكرها بذلك الغادر، فلما تماثلت للشفاء أحست براحة.

    وفي ذات يومٍ أصيبت بدوارٍ وغثيان عندها سقطت مغمى عليها، حملها أبوها إلى المستوصف تم إجراء الفحوصات، جاء الخبر مثل الصاعقة للوالد، إنهم يهنئونه: ابنتك حامل! أظلمت الدنيا في عيني الأب، اضطرب تفكيره، عقدت الدهشة لسانه، لم يدر ما يقول، ولا كيف يتصرف، ولكنه طلب من الطبيبة ألا تخبر البنت بذلك.

    وما كاد الأب أن يصل إلى البيت وهو يحمل ناراً في قلبه حتى خلا بها في الغرفة لوحدهما، وعندها أخبرها الخبر الذي لم يستطع أن يتحمله قلبُه بضع دقائق، فصُدِمت وهي تسمع والدها يخبرها بالخبر، اختلطت أوراقها برأسها، توقف لسانُها عن الكلام، احتقن الدم في رأسها، انخرطت في بكاءٍ مرير، أصابها الذهول والاندِّهاش، لم تفق من ذلك كله إلا حين ضربها أبوها وصاح بها قائلاً: كيف حملتِ يا فاجرة؟! كيف حملتِ يا فاجرة؟! أخبريني بكل الحقيقة؟ أخبريني كيف حملت؟!

    فأخبرته الخبر، وكيف كانت علاقتها، لم يتمالك الأب نفسه وهو يسمع الكلام، والأحداث، والتفاصيل من ابنته التي خانت وباعت عرضها للشيطان، انهال عليها ضرباً وركلاً وصفعاً وهي تصرخ وتبكي وتستغيث، وتتوسل إليه أن يسامحها، أفلتت من قبضة أبيها أسرعت تركض باتجاه باب الغرفة لتهرب منه، جن جنون الأب لذلك، تناول -بغير شعور منه- تحفة حديدية كانت بجواره ورماها بها، فأصابتها في مؤخرة الرأس، سقطت على الفور مغمى عليها، أخذت الدماء تسيل من رأسها، توافق ذلك مع دخول أخيها إلى المنزل، فرآها ملقاةً على الأرض والدماء تنزف من رأسها، فأسرع بنقلها إلى المستشفى، وهناك تم إجراء بعض الإسعافات الأولية لها، ثم جرى عرضها على الطبيبة المختصة، فجاءت المفاجأة المذهلة! لقد أصيبت بتهتكٍ شديدٍ في الأعصاب البصرية المتصلة بمركز الإبصار الموجود في الدماغ، مما جعلها تفقد البصر تماماً، وأما الجنين الذي في بطنها فقد مات متأثراً بالضربات التي تلقتها على بطنها.

    بقيت في المستشفى عشرة أيام، ثم خرجت منه وهي عمياء، لا ترى شيئاً، وبيدها عصا تدلها على الطريق، ظلت في بيتها جثةً ملقاةً على سريرها، فاحتوتها الهموم من كل جانب، وأحاطت بها الأحزان من كل صوب، لقد خسرت كل شيء، فخسرت والدها، وخسرت ولدها الصغير الذي طالما تحرك في أحشائها، لا سيما أن ولدها الأول مات إثر حادثٍ وقع له.

    تزداد لوعة قلبها عندما تتذكر قول أبيها وهو يقول لها دائماً: اللهم اجعلني أدفنها في التراب بيدي؛ اللهم اجعلني أدفنها في التراب بيدي؛ لأدفن معها الخزي والعار.

    كَفَلها أخوها، بعد ذلك ومع مرور الأيام بدأت تتغير معاملتُه لها، حتى فهمت الهدف من وراء ذلك، طلبت من أخيها أن يلحقها بأحد دور رعاية العجزة والمسنين وذوي العاهات الدائمة؛ لتقضي هناك ما تبقى من عمرها؛ حيث ستجد هناك من يقوم على خدمتها، ورعاية شئونها.

    وقالت صاحبتها: وهي في كل صلاةٍ تدعو وتقول: اللهم انتقم لي من ذلك الفاجر -وتسمي هاتك عرضها- اللهم انتقم لي من ذلك الفاجر، يا حي يا جبار!

    وفي ذات مرة سألتها زميلتها التي تقيم معها في نفس الغرفة قائلة: من هذا الذي تدعين عليه عقب كل صلاة؟

    فأجابت بصوتٍ متهدج تخنقه العَبْرة والأسى: إنه صاحب الحب الزائف.. إنه وهم العشق والغرام.. إنه فتى الأحلام المنتظر.. إنه ذئب من ذئاب الحب، خدع مئات الفتيات الباحثات عن السعادة.

    فقالت لها صاحبتها: وما فعل بك؟

    قالت: لقد ضيع شرفي وعفافي، وشبابي، وعمري، دمر صحتي، ومستقبلي، وآمالي، وسمعتي. ثم ختمت كلماتها فقالت:

    لقد حطم الحب حياتي.

    انتهت بتصرفٍ من: سراب الحب.

    كـل محبوب سوى الله سَرَفْ     وهمومٌ وغمومٌ وأسفْ

    كل محبوب فمنه لي خلفْ     ما خلا الرحمن ما منه خلفْ

    إن للحب دلالاتٍ إذا     ظهرت من صاحب الحب عُرِفْ

    إذاً: هذه يا أختاه بعض نتائج الحب الزائف المؤلمة والبائسة، فهلا تأملتِ ذلك أختاه؟ هلا تأملت ذلك؟

    إنها الحرب النفسية والحياة البائسة لكل من أولج نفسه في دروب الرذيلة، وكم من فتاة وقعت في مثل هذا، وكانت نهايتها الانتحار بنفسها، أو فعلها لجريمة قتل لصاحب الحب الزائف، ثم إحراقه بالنار!

    وهذه ضحية أخرى: فتاةٌ تعلقت بشاب وجرها إلى الرذيلة، ثم تركها ملوثة بالعار، ظلت تبحث عنه فوجدته، حتى بدأت تخادعه بحبه وحب لقائه، فتم اللقاء في تلك الشقة المظلمة بالمعاصي، طلبت السهر على الخمر؛ لكي تحلو السهرة، فلما سَكِر وغُطِّي عقلُه طَعَنَتْه عدة طعنات؛ لكي تمحو نار قلبها، فلما مات نقلته إلى السطح فأراقت عليه بنزيناً، فأحرقته بالنار، تريد أن تحرقه، لتبعد عنها كل ما كانت تراه منه.

    فها هي تقدم نصيحتها بعدما ذاقت مرارتها، وهي خلف قضبان السجن، إذ تقول تلك الفتاة: ابتليتُ بهذا الحب الزائف، هذه هي مأساتي المروعة، وتلك هي قصتي الدامية، وتلك هي نهايتي المؤلمة، سطرتها لتكون عبرة وعظةً لكل فتاةٍ مسكينة مخدوعة، تبحث عن الحنان والسعادة، وتنشد الزواج والاستقرار الأسري، والطمأنينة النفسية عن طريق المكالمات الهاتفية، أو بواسطة التسكع في الأسواق والاختلاط بالرجال، أو عبر -شبكة السوء- الإنترنت، لأقول لها: لقد أخطأتِ الطريق -أختاه- فلا تستمري في الخطأ.

    ثم قالت بنبرة حزينةٍ: أختاه أفيقي قبل فوات الأوان، وتيقظي قبل أن تفقدي عرضك، وأسرتك، وسمعتك، ومستقبلك، وشبابك، واحذري، ثم احذري ذئاب الحب، فالرجال عجينة واحدة، فاحذري أن تكوني أنتِ الضحية القادمة، والسعيد من وُعِظَ بغيره.

    وإذا انتقلنا قليلاً لمجموعة الشباب لنرى مدى تأثير هذا الحب الزائف في حياتهم رأينا العجائب!

    شباب في أعمار الزهور عَمَّروا السجون، وأتوا بالعار لأسرهم، والسليم من سلَّمه الله، فمن الأمور المحزنة في ذلك انتشار الغرائز الجنسية، وثوران الشهوة عند الشباب، حتى صار بعض من لا دين عنده رهين فاحشة عمل قوم لوط، وانتشر في بعض الأوساط الشذوذ الجنسي، فصار البعض يلبس لباس النساء، ويضع ما تضع النساء، حتى يُزَوَّجَ بعضُهم من بعض ليفعلوا الفُحْش والعار، عصمنا الله وإياكم من كل سوء.

    فهذه ضحية من ضحايا الحب الزائف: هذا شاب يعيش في أسرة محافظة عفيفة؛ ولكنها غافلة، تعرف على بعض الشباب -أصحاب الأفلام وضياع الأعمار، وهاجري المساجد- فوقع في الحب الزائف لبعض الأشخاص، حتى أوقع في شراك عمل الفاحشة.

    وحدثني من أثق بحديثه: أن شاباً تعلق بشاب حتى أصيب بمرض الحب الزائف، فجاءه صديقه الثعلب فقال: إني أطلبك طلباً.

    قال: وما طلبك؟

    قال: أن تمكنني من نفسكَ -عياذاً بالله-.

    وما كان من الآخر إلا أن طاوعه، حتى صار هذا حالهم، حتى أصيبا بمرضٍ في أعينهما مثل الحشرات الصغيرة، ولم يتعظا بذلك، واستشرى الأمر بصاحب الهوى أن يستغل فرصة الاتصال على صديقه حتى تداخَلَ مع أخته، فتمكن الصديق الأول من أخت صديقه، وفعل معها العار دون علمٍ من صديقه..!! فتأمل إلى أي حدٍ قد وصل تأثير هذا الحب الشيطاني، ومَن وقع في ضحاياه.

    وهذه ضحية أخرى: شابٌ تعلق ببعض أقاربه؛ ولكنهم كانوا عقارب، استغلوه وجعلوه إمَّعة، يسيرونه كيفما شاءوا، خصوصاً عندما امتلكوه بإعطائه سيارة، حتى طلبوا منه فعل الفاحشة -عياذاً بالله تعالى- وهددوه ببعض الصور وإبلاغ أبيه بها إن لم يفعل، فجاءني وهو مضطرب الحال، فقلت له: اصبر! فإنك صاحب حقٍ وهم أهل باطلٍ وأصحاب هوى ورفقاء شيطان، والله يقول: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] صبَّرتُه وقلت: اعلم بأن الله سيحفظك ما دمت نادماً، وتذكَّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لـابن عباس رضي الله عنهما، عندما قال له: (احفظ الله يحفظك).

    وهذه قصة لمثل هذا وغيره لمن هُدِّد بالصور، والأفلام، لمن هُدِّد بالأشرطة والتسجيل، لنقول له: التجئ إلى الله تعالى، واعلم أن الله خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] .

    هذا شابٌ هَدَّد فتاةً بإبلاغ أبيها بالصور، وكذلك زوجِها الذي تقدم لخطبتها، فظلت الفتاة في رُعْبٍ وخوفٍ؛ خصوصاً أنه يهددها ويقول: إذا لم تمكنيني من نفسك فسأفضحك، وأقدِّم الصور لأهلك، فتقول الفتاة: فأصبحتُ في حيرة من أمري، وتوجهتُ إلى الله عزَّ وجلَّ أدعوه بإخلاص أن يخلصني من هذا الرجل، وبعد زواجي بيومين علمتُ أنه أراد الذهاب إلى زوجي ومعه الصور التي كنتُ أتراسل بها معه فترة طغيان الهوى على الإيمان، وفي ذهابه إلى مقر عمل زوجي وقع له حادث فاحتَرَقَت السيارة ومن فيها، وتوفي هو على إثر ذلك، عندها تأملتُ قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] فلا إله إلا الله! كم يعين سبحانه التائبين بعد أوبتهم!

    ولا أنسى تلك القصة التي حدثني بها أحد طلاب العلم: أنه أرسلت إليه فتاةٌ قصتَها بعد صلاة التراويح، وتقول: إنها كانت تكلم إحدى صديقاتها عبر سماعة الهاتف لتتدارس معها القرآن، فسمعها أخو الفتاة، فعشقها، حتى جلس يسجل صوتها وهي تقرأ القرآن، عند ذلك تقدم لخطبتها فرَفَضَت بإصرار بسبب أنه ليس ذا دين، وبعد ذلك هددها بإعطاء الشريط المسجَّل لأهلها، وأنها كانت تحادثه.

    يقول الشيخ: فقلت لها: اصبري والتجئي إلى الله تعالى الذي يكشف الكرب والبلاء، ويزيل الهم والعناء، فالتجأَتْ إلى الله بصدق وإخلاص ودعاء، خصوصاً في ساعات السحر، تقول الفتاة: فجلستُ أقوم الليل، ولا أنسى في الدعاء أن الله يكفيني من هذه المصيبة، وخلال مدة وجيزة تأتي صديقتُها فتقول لها: يا فلانة! سامحي أخي، واعفي عنه.

    فقالت: ما الذي حصل؟ لم أؤذِه بشيء، ولم أفعل له شيئاً.

    قالت الأخت: لقد أصيب بحادثٍ في هذا اليوم وكاد يموت، فقرر الأطباء أنه سوف يكون مقعداً إلى أن يشاء الله، بل وحالته خطيرة.

    فقالت: لم أؤذِه بشيء، بل هو الذي آذاني.

    عندها قالت: سوف يعطيكِ الشريط المسجل.

    يقول الشيخ: فكتبت إلي رسالتها، وهي تحمد الله تعالى أن الله قد حماها.

    أن القلب يصبح أسيراً للمحبوب

    سادساً: أيها الإخوة والأخوات: ومن آثار هذا الحب الزائف: أن يصبح القلب أسيراً لمن أحبه :-

    حتى ربما يقلبه في يده كتقلب العصفور في يد الصغير.

    وتتعجب من شابٍ صغير حين يُسَيِّر شاباً كبيراً! والسبب هو الحب الزائف، بل لا يستطيع حراكاً حتى يصبح كالخاتم في الإصبع مع الذل والإهانة.

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: عَيْشُ العاشق عَيْشُ الأسير الموثوق.

    طليقٌ برأي العين وهو أسيرُ     عليلٌ على قطب الهلال يدورُ

    وميتاً يُرى في صورة الحي غادياً     .......................

    يطوف حول البيت، يقف عند الباب ساعة، وساعتين، وثلاث ساعات، لا يتململ، ولا يمل ولا يكل، كله بسبب الحب، وزوجته لو تأخرت خمس دقائق لأقام الدنيا وأقعدها، وأمه لو تأخرت خمس دقائق لأقام الدنيا وأقعدها، بينما ينتظر عند سماعة الهاتف ساعتين وثلاث ساعات لا يمل ولا يكل، إنه الحب، إنه الحب الزائف.

    يمضي غادياً.

    وميتاً يُرى...............     وليس له حتى النشور نشورُ

    وكذلك كثرة عذاب القلب، وضيق النَّفس مع التحسر.

    فما في الأرض أشقى من محبٍ     وإن وجد الهوى حلو المذاقِ

    تراه باكياً في كل حينٍ     مخافةَ فُرْقة أو لاشتياقِ

    فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم     ويبكي إن دنَوا حذر الفراقِ

    فتسخُن عينه عند الفراقِ     وتسخُن عينه عند التلاقي

    وقوع الشباب المراهقين في الاستمناء باليد

    سابعاً: من آثار الحب الزائف الكبرى: وقوع الشباب المراهقين في الاستمناء باليد :-

    أليس الله تعالى يقول واصفاً المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَـغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِـكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7].

    قال ابن كثير رحمه الله: فكلمة (وراء) تشمل كل شيء سوى مباشرة الزوجات، وملْك اليمين، فيدخل فيها الزنا، واللواط، أو السحاق، والاستمناء، ولذلك استدل بها الإمام الشافعي رضي الله عنه، على تحريم الاستمناء باليد.

    يقول القرطبي رحمه الله تعالى: أجمعت عامة العلماء على تحريمه -أي: الاستمناء-.

    وقال بعض العلماء: إنه كالفاعل بنفسه، وهي معصية أحدثها الشيطان، وأجراها بين الناس، ولو كان الدليل على جوازها؛ لكان ذوو المروءة يعرضون عنها لدناءتها.

    ضياع الأموال وإهدارها بين المحبين

    ثامناً: من آثار الحب الزائف: ضياع الأموال وإهدارها بين المحبين :-

    يقول لي أحدهم: صحبتُ شاباً أصغر مني سناً، فتعلق به قلبي تعلقاً شديداً، حتى وقعتُ في الفاحشة -عياذاً بالله تعالى- على جهة الاستمرار، وإنما والله نذكرُ هذه الأخبار من باب العظة والاعتبار، لا نذكرها -أيها الأحبة- كما يظن الظانون أننا نعين على نشر الفاحشة، لا والله، إنما من باب الاعتبار والعظة، وما يذكره هؤلاء الناس إلا كما ذكرها ماعز عن نفسه، وذكرتها الغامدية عن نفسها، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37].

    يقول هذا الشاب: حتى بدأتُ أضيع الصلوات -وهذا شابٌ أعرفه، لا يفوت فرضاً في المسجد، ومن الصالحين أحسبه، واللهُ حسيبه- يقول: بدأتُ أضيع الصلوات، وأسافر للمحرمات في بعض الأحيان كل أسبوع، ثم قال: لقد عرفتُ دائي فأريد علاجي، فقلت له: أنت موظف منذ سنوات ولله الحمد، فلماذا لا تتزوج، ووالدك وإخوانك يعينونك بإذن الله؟!

    فرد عليَّ بصوتٍ مشوب بحزن: لقد خسرتُ ما يقرُبُ من ستين ألف ريال، خلال هذه المدة القصيرة من مصاحبة هذا الشاب وغيره.

    وقصته طويلة، يرويها لي وقلبي يتفطر، وكلامي في التوجيه يتقطع، وتخنقني العبرة، وأنا أبيِّن له وأرشده؛ ولكن جزاه الله عز وجل خيراً على حسن ظنه.

    ثم تأمل معي -أخي- السؤال العظيم عندما نقف أمام الله سبحانه وتعالى، عندما يسألنا الله يوم القيامة: مالُك أين أنفقته؟ فماذا سوف يكون الجواب؟! في هذا الحب المحرم؟! في الهدايا، والأعطيات، والهبات؟! فيومٌ ساعةٌَ، وآخرُ طقمُ أقلامٍ وعشاءٌ في مطعم هنا وهناك، حتى وصل الحال ببعضهم أنه يعطي محبوبه مصروفاً شهرياً، وآخر كتب سيارته باسم من يحبه عياذاً -بالله تعالى-.

    انظر ماذا يفعل الحب بهؤلاء المجانين! نعم، إنهم مجانين مع أن عقولهم عقول أصحاء، وأمورٌ والله لا داعي لذكرها لَمْ يُرَدْ بها وجه الله تعالى، لا مانع من الهدايا، والأعطيات، ولا مانع من العشاء؛ ولكن أن يكون على جهة الإفراط! فبعض الشباب حتى في مجال الدعوة والصحوة يقول: أنا أعشِّي، وأفعل، من أجل الكرم، ومن أجل الدعوة.

    نقول له: مهلاً! رويداً! فماذا يبقى لك نهاية الشهر؛ وما هي النتيجة في ذلك؟

    حتى وصل الأمر بعشاق الصور وتجميعها وشرائها إلى حالة عجيبة، فلقد رأيتُ طالباً مهموماً بسبب فقدان محفظته، فقلت له: لماذا تحزن عليها؟ وهل فيها مال؟

    قال: لا يهمني المال! ولكن فيها -تأمَّلْ!- صورة اشتريتها أنا وزميلي بثلاثمائة ريال. شاب في أول ثانوي يقول هذا الكلام!

    العقوق وكثرة الأمراض وفقدان الراحة

    وهذه بعض الآثار أذكرها إجمالاً:

    - العقوق، وتنوُّع أشكاله :-

    بل بعضهم يهجر والديه، وكم من فتاةٍ تبرأ منها أهلها بسبب ذلك!

    - فشلُ الحياة الزوجية، وشيوعُ الطلاق، وكثرةُ العنوسة في المجتمع.

    مما يسبب أيضاً تفكك الأسرة.

    - كثرةُ الأمراض بأنواعها، مع جرائم القتل، وفُشُوِّ الجريمة في المجتمع :-

    كذلك الأمراض العضوية كالهربز، والسيلان، والإيدز، وغيرها، فمتى كنا نسمع أن مرض البروستاتا؛ ذلك العضو الذي جعله الله هُوَّةً محصلةً في السائل المنوي، لا يصاب بها إلا أصحاب الستين وما فوق ذلك بسبب الشيخوخة، سأَلْنا بعضَ الأطباء وبعضَ الصيادلة، وإذا بشبابٍ في أعمار الزهور يتعاطون حبوباً بسبب تضخم البروستاتا عندهم، ومن أسباب تضخمها وشناعتها هو: التعامل بالفواحش، أجارنا الله وإياكم.

    يقول علي رضي الله عنه: [الذكر مثل الضرع، إن حَلَبْتَه دَرَّ، وإن تَرَكْتَه قََرَّ].

    أخيراً: فقدان الراحة، وكثرة عذاب الروح :-

    خصوصاً مع الأمراض العضوية.

    1.   

    طرق علاج الحب الزائف

    أيها الأحبة: لعلنا نأتي إلى نهاية المطاف في هذا اللقاء، وهو: بعض الطرق لعلاج هذا الحب الزائف :-

    سواء لِمَنْ وقع في شراك هذا الحب ويريد بإذن الله تعالى الخلاص منه، أو يكون حصناً لِمَنْ يريد الاعتصام من هذا الشر.

    الخوف من الله تعالى حقيقة الخوف

    أولاً: الخوف من الله تعالى حقيقة الخوف :-

    فإنه من أعظم العلاج كما قال الجنيد رحمه الله تعالى: الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس.

    وقال الفضيل : من خاف الله دله الخوف على كل خير.

    فالخائف من الله تعالى لا يلج أبواب المعاصي، ولا يعمُر قلبه ويمكِّن فيه غير الباري سبحانه وتعالى؛ لذلك الخوف سراج في القلب، وما فارق الخوف قلباً إلا حَزِن وأقبل عليه الظلام والظلمات، فكم مِمَّن مات في أحضان هذه الشهوات، ودروب الغوايات!

    والخوف علامة الأبرار يقول الله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].

    قال مجاهد : [هو الذي إذا هم بمعصية ذكر مقام الله تعالى عليه فيها، فانتهى].

    قال الحسن: [ما خافه إلا مؤمن، ولا أَمِنه إلا منافق] فما أجمل أن يعيش المؤمن والمؤمنة الخوف من الله تعالى! وكلنا خطاءون؛ ولكن الخطأ الاستمرار على الخطأ.

    يا غادياً في غفلة ورائحا     إلى متى تستحسن القبائحا؟!

    وكـم إلى كم لا تخاف موقفاً     يستنطق الله به الجوارحا؟!

    وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَـامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْـسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] فإن يوماً تُنْشَر فيه الصحائف لَيَوْمٌ عظيم!

    تأمل قـول يوسف عليه السلام عندما استشعر عـظمة الله تعالى: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23].

    العفة واتباع منهج الاستعفاف

    العفة .. العفة ..! فإنها السلاح ضد كل شيطانٍ وشيطانة، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إن للعفة لذة أعظم من لذة الوطر؛ لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس، ثم تعقبها اللذة، أما قضاء الوطر فبالضد من ذلك.

    إذا ما هممنا صدَّنا وازعُ التقى     فولَّى على أعقابه الهمُّ خاسئا

    والعفيف يقول دائماً:

    كم قد خلوتُ بمن أهوى فيمنعني     منه الحياءُ وخوفُ الله والحذرُ

    العفة تُرجع البصر خاسئاً وهو حسير.

    فالعفيف يغض بصره عن الحرام، وكذلك العفيفة؛ لأنهم يتأملون قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31] فأول الحب الزائف: النظر، وهو: سهم إبليس المسموم، وما قامت العلاقات واستعظم فحشُها إلا بالنظر.

    فهذا نداء لكل فتاةٍ تحب الله ورسوله: الحجاب .. الحجاب ..! يا فتاة الإسلام، فإنه حجابك من النار، التبرج نار، وعذاب، ونكال، وهلاك، فمن تبرجتْ وهتكتْ ستر الله تعالى وخالفتْ أمره، فماذا تنتظر من الحب الزائف؟! إخوانها الذين يأتونها على أثرها.

    أختاه! تأملي قول الله تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].

    يقول صاحب عودة الحجاب : والآن نستطيع أن نجزم بحقيقة لا مراء فيها وهي: أنك إذا وقفت على جريمة فيها نُهِش العرض وذُبِح العفاف، وأُهْدِر الشرف، ثم فَتَّشْتَ في الخطوط الأولى التي نَسَجَت هذه الجريمة وسَهَّلَت سبيلها، فإنك حتماً ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة بين الرجال والنساء، ومن خلال هذه الثغرة دخل الشيطان، وصدق الله العظيم إذ قال: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ [النساء:27] يريد المغنون، يريد أصحاب الأفلام، والممثلون والراقصون أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27].

    نعم يا فتاة الإسلام! نعم أيها الشباب!

    أختاه! صوني عرضك وتقربي لربك، وإياك والانخداع وراء كل رذيلة! خصوصاً بمن يظهر لك هذا الحب، وكأنه مشاعر طاهرة، تمسكي بالدين، واقتدي بـعائشة، وفاطمة، وأم سلمة، وغيرهن من الخيرات العفيفات.

    أختاه! أفيقي، قفي مع نفسك وقفة تأمل فيها عبرة وعظة: كيف الموقف ليلة الزواج عندما يعلم زوجك أنك لست بكراً؟! يا لَلْهول! ويا لَلْمصيبة يا فتاة الإسلام! عندما تكون ليلة الزواج، وأنت تعلمين أنك لست بعفيفة، ولست بنزيهة! إنه بئس العار! إنه بئس العار! إنه بئس العار!

    ها هو ابن القيم رحمه الله في الداء والدواء يصف لنا دواء هذا المرض بإيجازٍ فيقول: ودواء هذا -أي: الحب الزائف- الرديء: الاستعانة بمقلب القلوب، وصدق اللجوء إليه، والاشتغال بذكره، والتعوذ بحبه وقربه، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق، واللذة التي تفوته به، فتَرَتَّب عليه فوات أعظم محبوب، وحصول أعظم مكروه، فإذا أقدمت نفسُك على هذا -أي: على هذا الحب وأمثاله- وآثَرَتْه فليكبر على نفسه -مَن أقدمت نفسُه على مثل هذا- فليكبر على نفسه تكبيرة الجنازة، وليعلم أن البلاء قد أحاط به.

    أيها الإخوة والأخوات: لنسأل الله دائماً العصمة من الوقوع، وإياكم والشماتة! إياك يا سامعاً حديثي من الشماتة! إياك من الشماتة! اسألوا الله العصمة، أليس الله يقول عن يوسف عليه السلام: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:33-34]؟!

    فيا أختاه! أنتِ أمل الأمة، ومربية أجيالها، وقائدة مسيرتها، أنتِ التي كرمك الإسلام، وأعظمَ مكانتك، إن مجتمع الكفار مجتمع صار يجعل المرأة تجارة بسيطة، تُباع وتشترى، بل صارت فنادقَ تجارِ الأعراض، فهل تريدين -يا فتاة الإسلام- أن تكوني سلعة في أيديهم؟!

    أختاه! العرض أمانة فلا تخونيه، والدين أمانة فلا تهمليه، وعليك بالاعتصام بربك فإنه يحفظ من حفظه، وأبشري بالجنة إذا امتثلتِ أمره، واعلمي أن حجابك هو جنتك ونارك، وقرارك في بيتك سعادتك وفلاحك.

    أختاه! احذري الهاتف، ومداخل الشيطان التي تلج كثيراً عن طريقه، إن الهاتف طريقٌ موصل إلى الفريسة، اعلمي أن الذي يدخل البيوت من أبوابها هو الرجل العفيف، والذي يدخل البيوت من ظهورها هو الشيطان اللعين، واعلمي أن هذا الحب كالسراب بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39]، فإن هذا الحب لا يورث إلا هتك الأعراض، وذهاب الشرف، وقبل ذلك عصيان الله تعالى.

    تربية الآباء للأبناء التربية الصالحة

    هذا نداء للآباء والأمهات: إلى متى الغفلة أيها الآباء؟!

    إلى متى الغفلة أيتها الأمهات؟!

    إلى متى الغفلة عن الأبناء والبنات؛ يذهبون ويرجعون بلا رقيبٍ ولا حسيب، حتى وصل الحال ببعض الفتيات أنهن بعد خروجهن من الكلية أو الجامعة يذهبن إلى مطعمٍ ويتغدين هناك في قسم العائلات، وهو قسم النساء بالأخص؟!

    أيها الأب! هل تريد تخليد ذكرك بعد الموت؟! ذكراً عطراً، طيباً مباركاً؟!

    عليك بفلذات الأكباد، لا تسلمهم للهوى، والشيطان، والحب الزائف، أعطوهم -أيها الآباء- من الاهتمام والعناية مع المحبة والإخاء ما يعصمهم عن الذهاب إلى هذه الرذائل، والعجب كل العجب ممن أفسد أولاده بنفسه بسبب الترف اللعين الذي يثير كل شيء! ويؤهل لكل شيء؛ جوَّال! شبكات إنترنت! سيارات جديدة! يولي -مع شبكات الإنترنت- وجهته حيثما شاء، دون رقيبٍ أو حسيب، فينشأ لنا جيلٌ فاسدٌ مولعٌ بهذا الحب.

    أيها الأب! إن الله سائلك يوم القيامة، سائلك الله يوم القيامة عن رعيتك، أحفظتهم أم ضيعتهم؟! بذلت وسعك لإصلاحهم أم لا؟! هل كنت لهم قدوة يرون فيك الخير ويقتدون بك فيه أم ماذا؟!: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت).

    الحذر من الحب الزائف وهتك المحارم

    وأنت أيها الشاب! احذر هذا الحب! لا تنخدع مع المخدوعين، إياك أن تكون ممن يلعب بالمشاعر، ويهتك المحارم، عجباً منك وأنت تقرأ قول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] وتقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم وأبو داوُد والنسائي.

    يا هاتكاً ستر الـرجال وقاطعاً     سبل المودة عشت غير مُكَرَّمِ

    من يزن في بيت بألفَي درهـمٍ     في بيته يُزْنَى بغير الدرهمِ

    قبل أيام في محاضرة الحب الزائف في جدة كتب لي أحدهم يقول: أحكي لك قصةً كنت أعيشها مع صاحبي:

    أحد زملائي تواعد مع صاحبه على سهراتهم الليلية، فقال صاحبه: أنا علي الليلة الفريسة، فلما تواعدوا، ولم يعلم الطرف الآخر من سوف تأتي، يقول: فلما جلس الرجل وجاء الأول بالفتاة في إحدى الشقق المفروشة، ذهبَتْ تُعِدُّ الشاي وتتزين لهم، والرجل الآخر جالس في صالة الشقة، وإذا بها لما دخلت زوجة الرجل الآخر، يقول: صُدِم من ذلك الموقف، وصُدِمَت المرأة وهي ترى زوجها، لم يتكلم بكلمة واحدة، إنما تمالَك شيئاً واحداً ألا وهو الخروج من ذلك المجلس، فلما خرج طلقها، ولما طلقها وعَلِمَت عن نفسها، فما كان منها إلا أن أحرقت نفسها -عياذاً بالله تعالى- فماتت بعدما قتلت نفسها.

    إذاً: أيها الشاب! أيها الرجل! احذر الزنا وطرقه، فإنه هلاك، ولو حدثت لك طرقه وتوفرت لديك سبله، فلا تكن ممن ولج أبواب الخنا، ولو وصل الحال إلى أن النساء الفاجرات يطلبنك، ولو طرقن بابك.

    فالزنا حرام، مهما تنوعت أساليبه، وتذكر قصة العفيف يوسف عليه السلام، الذي تعرض لفتنةٍ قَلَّ من ينجو منها إلا من عصمه الله تعالى، لقد توفر ليوسف ثلاثة عشر داعياً للزنا، ومع ذلك أبى وأعرض:

    فهو رجل، والرجل بطبعه الميل إلى المرأة.

    وكان شاباً، وحِدَّتُه أقوى.

    وكان أعزب، ولا سَرِيَّة تكسر قوة الشهوة.

    وكان في بلاد غربة، والغريب تنتابه الشهوة أكثر.

    وكانت المرأة ذات منصبٍ، وجمال، وغير ممتنعة، ولا أبية.

    وأنها طلبَتْ، وراودَتْ، وبذلت الجهد.

    وأنه في دارها، وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى إن لم يطاوعها مِن أذاها، فاجتمع داعيا الرغبة والرهبة.

    وكان لا يخشى أن تنم عليه، ولا أحد من جهتها.

    وقد غلقت الأبواب، وغيبت الرقباء.

    وكان أيضاً مملوكاً عندها في الدار، فيدخل ويخرج، وبهذا يحدث في القلب حديث الأنس.

    وأنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال، وهم: النسوة؛ ولكنه استعان بالله تعالى وهو خير الحافظين.

    كذلك توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوعُ إكراه.

    والثالث عشر وهو شرها، ونارها: أن الزوج لم يظهر من الغَيْرة والنخوة ما يفرق بينهما، ويبعد كلاً منهما عن صاحبه.

    تأمل يا أخي! إذا كان يوسف قد توفر له ثلاثة عشر سبباً وداعياً إلى الزنا، ومع ذلك عصمه الله تعالى! فماذا يقول بعض الشباب عندما يقول: اتصلَتْ بي.. كلمتْني.. نظرَتْ إليَّ.. كتبَتْ إليَّ.. إنها السبب.. حتى جاء أحدهم إلى أحد المشايخ عندنا في المنطقة، أحد حفاظ كتاب الله تعالى، وقصةٌ والله فيها عِبْرة وعَبْرة، جاء إلى الشيخ وقال: يا شيخ، لقد نسيتُ القرآن كله كاملاً، لا أتذكر آية من القرآن.

    قال: ما هو السبب؟

    قال: إنني أعرف مشكلتي.

    قال: ما هي مشكلتك؟

    قال: تعلق قلبي بفتاةٍ بسبب اتصال بالخطأ ذات مرة، فجلستُ أستمر معها بالاتصال، يقول: لا أرى حراماً، ولا أسمع حراماً، إنما أنا صاحب قرآن، إنما هي معصيتي هذه، يقول: ولما أصبحتُ هذا اليوم نسيتُ القرآن كله.

    تأمل أخي! إنها مشكلة عارمة، فهل يرضى عاقل ذو دين الزنا لأمه، أو أخته، أو لزوجته، أو لبنته؟!

    إذاً: أيها الغالي! فالناس لا يرضونه، ولقد حرم الله الفاحشةَ، وعَمَلَ قومِ لوط خصوصاً، فقال الله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف:80-81].

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: [إن اللوطي إذا مات من غير توبة، فإنه يمسخ في قبره خنزيراً] -والعياذ بالله-، وهذا من آثار الحب الزائف.

    قال ابن عباس : [إن الرجل ليأتي الرجل فتضج الأرض من تحتهما، والسماء من فوقهما، والبيت، والسقف، كلهم يقولون: أي رب، ائذن لنا أن ينطبق بعضنا على بعض، فنجعلهم نكالاً ومعتبراً، فيقول سبحانه وتعالى: وَسِعَهُم حلمي، ولن يفوتوني].

    اهتمام المربين بالطلاب ومتابعتهم

    هذه رسالة لكل مربٍ ومربية: أن يكونوا قدوة صالحة ناصحة، نعم، على المربين والمربيات أن ينظروا بعين التربية، فإذا رأى الطلاب في الصف الدراسي بوضعٍ معين لا بد أن يكون مربياً ينصح ويوجه، وبعض الناس يقول: لا بد من الحرج في هذا الموضوع!

    أقول: لا حرج في هذا الموضوع، فإن الأفلام، والمسلسلات، والخلاعة قد عم نارها -والعياذ بالله- فإلى متى بعض المربين يقول: لا، لا بد من المحافظة، فإن هذا موضوع حساس، لا يا أخي! علِّم وجِّه، فإن القرآن قد ذكره وقد بيَّنه الله سبحانه وتعالى، وبيِّنه رسوله.

    وعلى المربين أن يكونوا قدوة صالحة لأصحاب المكتبات، وأصحاب الجلسات، وطلاب العلم، حتى في حلقات القرآن، حتى في دروس العلم، ينبغي على كل من يقوم بذلك أن ينظر للطلاب والحاضرين نظرة عبرة، فكم تقع علاقات! وكم تقع صداقات! وغيرها! وبعض المربين غافلٌ ساهٍ لا يعلم كيف التأثير!

    نهاية الحب الزائف إلى انقطاع

    لنعلم ختاماً أن هذا الحب سرعان ما ينقطع، أسألكم جميعاً وأسأل نفسي: كم خالطتم من إنسان؟! وأنتِ أيتها المرأة يا من تسمعين حديثي: كم خالطتي من فتاة؟! كم خالطتي من إنسان أعطيتِه كلَّ ما في قلبك؟! أين هو الآن؟! أين علاقته؟! أين صداقته؟! سرعان ما انقطعت، وعاديتِ أحب الناس إليكِ من أجل هذا! أين هو الآن؟!

    روى الحاكم في المستدرك ، وصحـحه ووافـقه الذهبي والبيهقي في الشُّعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا محمد! عِشْ ما شئتَ فإنك ميتٌ، وأحبب من شئتَ فإنك مفارقه -نعم، أخي- واعمل ما شئتَ -أيها المعاكس! أيتها المعاكسة! أيها الشاب! أيتها الفتاة! يا أهل المحبة!-اعمل ما شئتَ فإنك مجزي به، وكما تدين تدان، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس).

    فهذه نهاية الحياة؛ موت، ونهاية الحب فراق، ونهاية العمل مجازاة.

    قال ابن القيم : والعشق مبادئه سهلة حلوة، وأوسطه همٌ يشغل القلب، وسقمُ آخرِه عَطبٌ وقتلٌ إن لم تتداركه عناية من الله عز وجل: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29] كم امتنع شبابٌ من الاستقامة بسبب الحب الزائف؟

    يقول السعدي رحمه الله: حين يعض الظالم على يديه تأسفاً وتحسراً وحزناً وأسفاً يقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] أي: حبيباً مصافياً، عاديتُ أنصحَ الناس لي، وأبرَّهم بي، وأرفقَهم بي، وواليتُ أعدى عدوٍ لي، الذي لم تفدني ولايته إلا الشقاء والخسارة، والخزي والبوار.

    فالتوبة .. التوبة ..! فهي العلاج الأكبر الناجع لكل حب، التوبة فرصة كريمة يستطيع بها الفرد أن يجدد روحه المعنوية، ويريح بها نفسه من كابوس الذنوب والخطايا، فيستحيل بها إنساناً آخر، يؤمل في المغفرة والقبول، ويوم فَقَدَت الإنسانيةُ هذه الواحات النفسية، استحالت الحياة لسعة من الخوف والقلق.

    هذا أحدهم كتب يقول: إن لي قريباً ابتلي بحب فتاة، وقد أتيتُ به معي في هذه المحاضرة. وإني والله أدعو هذا الشاب إلى التوبة، أدعوه لكي يتوب من معاشرة هذه الفتاة، ومعاكستها، والذهاب معها، والإتيان معها، قال الله تعالى أيها الشاب وغيرك: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـئَاتِهِمْ حَـسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70] فالتوبة بابها مفتوح لمن أراد أن ينجو من هذا الضمير السيئ.

    نعم، أيها المحب! أيها الشاب! أيتها الفتاة! من أراد النجاة فعليه بباب التوبة، واللهِ التوبة هي المصير، الذي يعين الإنسان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً [الفرقان:70] يَعِدُ الله التائبين المؤمنين أن يبدل ما عملوا من سيئات قبل التوبة حسنات، بعدما تضاف إلى حسناتهم الجديدة: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] وهذا فيض عطاءٍ من الله، ولا مقابل له من عمل العبد إلا أنه اهتدى، ورجع إلى الله تعالى، فباب التوبة دائماً مفتوح، يدخل منه كل من استيقظ ضميره، وأراد العودة والمآب، لا يُصَدُّ عنه قاصد، ولا يغلق في وجهه لاجئ؛ ولكن قُمْ في السَّحَر، والدُّجى.

    قم في الدجى يا أيها المتعبدُ     حتى متى فوق الأسِرَّة ترقدُ؟!

    قُمْ وادعُ مولاك الذي خلق الدجى     والصبحَ وامضِ قد دعاكَ المسجدُ

    واستغفر الله العظيم بذلة     واطلب رضاه فإنه لا يحقِدُ

    واندم على ما فات واندب ما مضى     بالأمس واذكر ما يجيء به الغدُ

    واضرع وقل يا رب عفوك إنني     من دون عفوك ليس لي ما يَعْضُدُ

    أسفاً على عمري الذي ضيعتُه     تحت الذنوب وأنت فوقي ترصُدُ

    يا رب! قـد ثَقُلَتْ عليَّ كبائرٌ     بإزاء عيني لم تزل تترددُ

    يا رب! إن أُبْعِدْتُ عنك فإن لي     طمعاً برحمتك التي لا تَبْعُدُ

    يا رب! هب لي توبةً أقضي بها     ديناً عليَّ به جلالك يشهدُ

    أنت الخبير بحال عبدك إنه     بسلاسل الوزر الثقيل مقيدُ

    أنت المجيب لـكل داعٍ يلتجي     أنت المجير لكل من يستنجدُ

    ***

    من أي بحرٍ غير بحرك نستقي؟!     ولأي بابٍ غير بابك نلتجي

    نعم، نعم، لا مانع من إعلان الحب، أن تقول لإنسان: إني والله أحبك في الله، كما أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لـأسامة : (والله إني لأحبك) وأعلنها للأنصار فقال: (لا يحبهم إلا مؤمن) نعم، لذلك احذروا الحب! وطرقه، ووسائله، وجميع أساليبه،اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن،اللهم احفظ عوراتنا، وآمِن روعاتنا، وأصلح فتياتنا وشبابنا،اللهم اعصمنا من الحب الزائف، وجنبنا طرق الفساد إنك على كل شيء قدير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755968833