إسلام ويب

آداب قضاء الحاجة [1، 2]للشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من كمال الشريعة الإسلامية وإتمامها أن الله سبحانه وتعالى بين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كل شيء، فما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، وإن من الآداب السامية التي لا توجد في أي شرعة أو ملة، ما علمنا رسولنا عليه الصلاة والسلام من كيفية قضاء الحاجة وآدابها، وما يجوز لنا فيها وما لا يجوز، وقد ذكر الشيخ آداب قضاء الحاجة في هذه الرسالة الطيبة المباركة، مستدلاً على ذلك بالأحاديث وأقوال أهل العلم.

    1.   

    كمال الشريعة.. والأدب في الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    نتحدث في هذه الليلة وفي هذه السلسلة؛ سلسلة الآداب الشرعية المجموعة الثانية عن أدب يدل على كمال هذه الشريعة وحسنها، وأنها لم تترك شيئاً إلا وأوردت فيه آداباً وأحكاماً ليدل ذلك على قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فالكمال والجمال في هذه الشريعة من سماتها، والحمد لله على نعمته.

    ومن عظمة هذه الشريعة المباركة أنها ما تركت خيراً في قليل ولا كثير إلا أمرت به ودلت عليه، ولا شراً في قليل ولا كثير إلا حذرت منه ونهت عنه؛ فكانت كاملة حسنة من جميع الوجوه، وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدين، حتى قال أحدهم لـسلمان الفارسي رضي الله عنه: (قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، فقال سلمان: أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول...) الحديث. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وهو في صحيح مسلم وغيره.

    وقضاء الحاجة: هذا الاسم من الأدلة على الأدب في الشريعة، فإنه ذكر كنايةً عن خروج البول والبراز، ولا شك أن هذا الاسم -قضاء الحاجة- ألطف وأحسن وأجمل، والأدب في مثل هذا واضح في القرآن والسنة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43] فلم يسم الخارج باسمه البشع، وإنما كنى عنه بهذه العبارة فقال: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43] والغائط: هو المطمئن من الأرض.. المكان النازل من الأرض.. مستوى هابط من الأرض، فقد كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوه رغبة في التستر، فكني به عما يخرج من السبيلين.

    ولذلك فإنه لا فحش ولا بذاءة في هذه الشريعة بخلاف ما يستعمله كثير من الناس في ألفاظهم ومجالسهم من أنواع البذاءات والفحش، فنقول: حتى هذه العملية وهي خروج هذه النجاسات سميت بهذه الأسماء من باب الأدب، وقيل: قضاء الحاجة، مع أن الحاجات كثيرة، لكن صار علماً أو رمزاً على إخراج النجاسة من السبيلين.

    وقد ورد في هذه الشريعة عدة آداب وأحكام لهذا الأمر، ومن ذاك:

    1.   

    عدم استقبال القبلة

    أولاً: عدم استقبال قبلة الصلاة عند البول والغائط، والقبلة: هي جهة الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام، فإن من احترام المسلمين لقبلتهم، وتعظيمهم شعائر الله ألا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها ببول أو غائط، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها).

    أما بالنسبة للخلاء، أو الصحراء، والفضاء، والمكان المفتوح، فإنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها ببول ولا غائط، لكن قد حصل خلاف في البنيان، هل يجوز استقبال القبلة أو استدبارها في البنيان؟

    فذهب بعض العلماء إلى ذلك، وقالوا: بأن النهي خاص بالأماكن المكشوفة والمفتوحة كالفضاء والصحراء، وأما في البنيان فلا.

    وقال بعضهم: النهي عام، وفرق بعضهم بين البول والغائط... إلى آخر ذلك من الأقوال المشهورة والمعروفة في هذا الموضوع، ولذلك الأحسن للإنسان -وهذه من الأمور المهمة- الذي يريد أن يصمم بيتاً أن ينتبه حتى يكون المكان المعد للجلوس لقضاء الحاجة في بيته ليس إلى جهة القبلة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في المدينة : (شرقوا أو غربوا) ونحن نقول في هذا المكان: اتجهوا شمالاً أو جنوباً، بحسب الموقع: أين أنت من مكة ؟

    وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم من مراعاتهم لهذا لما دخلوا بلاد فارس والشام والفتوحات وجدوا المراحيض إلى جهة مكة فقال بعضهم: [ فكنا ننحرف ونستغفر الله ]. فلو أنه أراد أن يحتاط حتى في البنيان يمكن أن ينحرف ويستغفر الله.

    1.   

    ألا يمسك ذكره بيمينه حال البول

    ومن الآداب كذلك: ألا يمس ذكره بيمينه وهو يبول، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه) رواه البخاري ، وحيث أن اليد اليمنى تجعل للأمور الحسنة والطيبة فليس من المناسب إذاً أن يكون هذا المس باليمنى، ولو احتاج إليه فإنه يكون عند الحاجة باليسرى.

    1.   

    ألا يستنجي بيمينه

    ثالثاً: ألا يزيل النجاسة بيمينه، ليس فقط ألا يمس الموضع أو العورة باليمنى، ولكن لا يزيل النجاسة باليمنى، بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يستنجي بيمينه) رواه البخاري . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه) رواه البخاري ، ولما روت حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه واستياكه وأخذه وعطائه، ويجعل شماله لما سوى ذلك) رواه الإمام أحمد رحمه الله، وهو حديث صحيح، وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه، ليستنجي بشماله).

    1.   

    الجلوس عند قضاء الحاجة

    رابعاً: والسنة أن يقضي حاجته جالساً وألا يقضيها واقفاً، وأما البول فإن الأصل في فعله عليه الصلاة والسلام والأكثر والأشهر هو أنه كان عليه الصلاة والسلام يقعد عند قضاء حاجته، وأما بالنسبة للوقوف عند البول فإن هناك بعض الأحاديث والآثار التي وردت فيه، أما بالنسبة لنهي صريح مرفوع عن البول قائماً فلا دليل له، وقد جاء عن ابن مسعود : [من الجفاء أن تبول وأنت قائم] وكان سعد بن إبراهيم من السلف لا يجيز شهادة من بال قائماً، وحديث عائشة : (من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً). قال الترمذي : هذا أصح شيء في الباب.

    وقد رويت الرخصة في البول قائماً عن عمر وعلي و ابن عمر و زيد وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة ، وروى حذيفة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) رواه البخاري . أتى سباطة قوم، أي: موضع رمي القمامة.

    ولعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتبيين الجواز، ولم يفعله إلا مرة واحدة، ويحتمل أن يكون في موضع لم يتمكن من الجلوس فيه، وقيل: فعل ذلك لعلة كانت بمأبضه؛ والمأبض: باطن الركبة من كل حيوان، فكان هناك جرح أو علة فما استطاع أن ينثني فبال قائماً، ولكن هذا الحديث الذي أشاروا إليه في قضية المأبض حديث ضعيف ليس بصحيح، فقد رواه الخطابي في معالم السنن ، والحاكم والبيهقي ، ولكن هناك من هو أعلى من الخطابي ، لأن كتاب المعالم للخطابي من الشروح، وقد أورد فيه سنده ولكن عند العزو يعزى إلى مثل: الحاكم والبيهقي، وفي هذا الحديث رجل يقال له: حماد ؛ وهو ضعيف، والحديث قد ضعفه الدار قطني و البيهقي وأقر ذلك ابن حجر.

    أما رواية ابن مسعود : [من الجفاء أن تبول قائماً] فإن الترمذي قد رواه في سننه ، وعلقه أحمد شاكر فقال: وهذا الأثر معلق بدون إسناد، وقال المباركفوري : لم أقف على من وصفه، وقد تتبع الشيخ: ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل طرقه وجمعها، فقال في رواية ابن مسعود : [أربع من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه وليس بين يديه شيء يستره، ومسح الرجل التراب عن وجهه وهو في صلاته، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبه في قوله] يقول الألباني : هذا صحيح عن ابن مسعود موقوفاً، وقد رواه ابن أبي شيبة ، وأما مرفوعاً: [ثلاث من الجفاء...] فإن هذا الحديث ضعيف ومنكر، ولا يثبت مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: قال بعضهم: إن العلة في بوله عليه الصلاة والسلام قائماً -ما دام أنه قد ثبت في البخاري أنه بال مرةً قائماً- لعدم التمكن من البول، وقيل: ليبين الجواز.

    ولا شك أن العلة ما دامت أنها لم تثبت فبقي أنه يريد أن يبين الجواز، أو لم يتمكن من الجلوس في موضع القمامة.

    الخلاصة: لا بأس عند الحاجة أن يبول الشخص قائماً بشرط: أن يأمن عود رشاش البول عليه، وأن يأمن تلويث ملابسه، فإذا أمن تلويث الملابس والجسم فلا بأس أن يبول قائماً، لكن الأفضل البول قاعداً، لماذا؟

    أولاً: لأنه أستر.

    ثانياً: لأنه آمن من ارتداد رشاش البول عليه وتلويث بدنه وثيابه. فلذلك الأفضل البول قاعداً.

    1.   

    ألا يرفع ثوبه إلا بعد الدنو من الأرض

    خامساً: من آداب إرادة قضاء الحاجة: أن لا يرفع ثوبه إلا بعد أن يدنو من الأرض، وقد ورد عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض). رواه الترمذي وهو حديث صحيح.

    وإذا كان في مرحاض ونحوه فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين الناظرين، فما يفعله بعض الكفرة ومن قلدهم من أبناء المسلمين من التبول وقوفاً في بعض المحلات المكشوفة داخل بعض المراحيض العامة مما هو موجود في المطارات وغيرها هو أمر منافٍ للأدب والحشمة والحياء والأخلاق الفاضلة، وتقشعر منه أبدان أصحاب الفطر السليمة، والعقول الصحيحة، وهو أمر منكر شرعاً وحرام، إذ كيف يكشف الشخص عن عورته أمام الناس الغادي منهم والرائح التي جعلها الله بين رجليه ستراً لها، وأمر بتغطيتها، واستقر أمر تغطيتها عند جميع عقلاء البشر؟! ثم إنه من الخطأ أصلاً أن تبنى المرافق بهذا الشكل المشين الذي يرى مستعملوها فيها بعضهم بعضاً وهم يبولون متخلفين في ذلك عن البهائم التي من عادتها الاستتار عند التبول والتغوط.

    1.   

    الاستتار عن أعين الناس

    سادساً: أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة بالبعد إذا لم يكن ثمة مراحيض تغلق أبوابها. (وقد كان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً أو حائش نخلٍ).

    والهدف: هو المرتفع من الأرض، وحائش النخل: هو البستان، وإذا كان الإنسان في الفضاء كأن يخرج الإنسان -مثلاً- إلى الساحل أو الشاطئ فيريد أن يقضي حاجته، وليس هناك لا حائش نخل، ولا مرتفع والأرض مستوية، فماذا يفعل؟

    إذا كان عنده شيء يتوارى خلفه كسيارة ونحوها فعل ذلك، وإلا فينبغي له أن يبعد عن أعين الناظرين؛ وذلك بأن يمشي إلى مكان بعيد عن الناس، لما روى المغيرة بن شعبة قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب). أي: ذهب بعيداً، رواه الترمذي ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

    وعن عبد الرحمن بن أبي قرادن قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء، وكان إذا أراد الحاجة أبعد). رواه النسائي وهو حديث صحيح.

    1.   

    الاهتمام بإزالة النجاسة

    سابعاً: من آداب قضاء الحاجة أيضاً: الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة، لقوله صلى الله عليه وسلم محذراً من التساهل في التطهر من البول: (أكثر عذاب القبر من البول). رواه ابن ماجة ، وهو حديث صحيح.

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة).

    1.   

    أن يوتر بثلاث مسحات أو أكثر

    ثامناً: من آداب قضاء الحاجة أيضاً: أن يكون مسح النجاسة ثلاثاً فما فوق، وأن يكون وتراً، بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير، فإذا لم تكف ثلاث فخمس مسحات أو سبع أو تسع، لما جاء عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل مقعدته ثلاثاً، قال ابن عمر : فعلناه فوجدناه دواءً وطهوراً). حديث صحيح، رواه ابن ماجة رحمه الله.

    ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً). رواه الإمام أحمد ، وحسنه الألباني في: صحيح الجامع إذن يقطع على وترٍ.

    1.   

    ألا يستجمر بروث أو عظم

    تاسعاً: من الآداب أيضاً: ألا يستعمل العظم ولا الروث في الاستجمار؛ والاستجمار: هو إزالة النجاسة بالمسح، والاستنجاء: هو إزالة النجاسة بالغسل. ولا يستعمل العظم ولا الروث للاستجمار وإنما يستعمل الحجارة والمناديل ونحو ذلك، لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ قال: أنا أبو هريرة ، قال: أبغني أحجاراً أستجمر بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى إذا وضعتها بجنبه ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت فقلت: ما بال العظم والروثة؟! قال: هما من طعام الجن). رواه البخاري رحمه الله تعالى.

    1.   

    ألا يتخلى في طريق الناس أو ظلهم

    عاشراً: من آداب قضاء الحاجة كذلك: ألا يبول في طريق الناس، ولا في ظل يستظل به؛ لأن في ذلك إيذاء للمسلمين، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم). رواه أبو داود ، وفي رواية: (اتقوا الملاعن). والملاعن مواضع اللعن، جمع ملعنة، مثل: مقبرة، ومجزرة، موضع القبر وموضع الجزر.

    وأما اللعانان في رواية مسلم: فهما صاحبا اللعن، أي: الذين يلعنهما الناس كثيراً. وفي رواية أبي داود : ( اللاعنين ). معناه: الأمران الجالبان للعن، لأن من فعلهما لعنه الناس في العادة، فإذا جاء واحد يجلس في الظل فرأى نجاسة فإنه يلعن من فعلها، أو مسافر نزل على الطريق فرأى شجرة مثمرة تحتها نجاسة.

    إذاً الأماكن التي يستريح فيها الناس لو فعل فيها مثل هذا لعنه الناس، فلما صار سبباً في اللعن أضيف الفعل إليهما. وقد يكون اللاعن بمعنى: الملعون على تقدير: اتقوا الملعون فاعلهما.

    ما المقصود بموارد الماء؟ أي طرق الماء، واحدها مورد، وأما الظل فهو مستظل الناس الذي يدخلونه مقيلاً وملتقى ويقعدون تحته، وليس كل ظل يمنع قضاء الحاجة تحته، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يستتر بحائط نخل، وللحائط ظل بلا شك، ولكن المقصود: الأماكن التي يجلس فيها الناس في الظل، وهناك ظلال لا يجلسون فيها، فالمقصود: الظلال التي يستظل الناس فيها ويجلسون فيها.

    وكذلك قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التغوط في قارعة الطريق، فقال: (إياكم والتعريس على قارعة الطريق والصلاة عليها فإنها مأوى الحيات والسباع، وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن).

    إذاً: ليس على الطريق وليس في مكان نزول الناس، ولا على الرصيف، ولا في الظل الذي يوجد فيه الناس، ولا تحت الأشجار المثمرة حيث يقعد الناس، ولا في موارد الماء التي يستقي منها الناس.

    وما هو العامل المشترك في هذه كلها؟

    الجواب: الأماكن التي للناس فيها فائدة.

    1.   

    ألا يسلم على من يقضي حاجته ولا يرد السلام

    حادي عشر: من آداب قضاء الحاجة: ألا يسلم على من يقضي حاجته، ولا يرد السلام وهو في مكان قضاء الحاجة، أما بالنسبة لعدم التسليم فقد جاء عن جابر بن عبد الله أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم عليَّ، فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك ) رواه ابن ماجة ، وهو حديث صحيح.

    1.   

    ألا يبول في الماء الدائم ولا يتغوط في الماء الجاري

    ثاني عشر: من آداب قضاء الحاجة: أنه لا يجوز البول في الماء الدائم (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الراكد). متفق عليه، ولأن الماء إذا كان قليلاً تنجس به، وإن كان الماء كثيراً فربما تغير بتكرار البول فيه هذا، بالنسبة للماء الراكد.

    وأما الماء الجاري فلا يجوز التغوط فيه؛ لأنه يؤذي من يمر به، فإن قال قائل: فالبول فيه؟

    إن بال فيه وهو كثير بحيث لا يؤثر فيه البول فلا بأس؛ لأن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الراكد بالنهي عن البول فيه دليلٌ على أن الجاري بخلافه، وبناءً على ذلك فلو بال في البحر فلا حرج عليه، فهذا لا ينجسه شيء ولا يؤذي أحداً، لكن لا يتغوط على الساحل، أو في المكان الذي يدخل فيه الناس للبحر يمشون، بل إنه يبعد ويحذر لنفسه ويقضي حاجته.

    والنهي عن البول في الماء الراكد الأصل فيه أنه للتحريم، وقد ذهب إلى ذلك عدد من أهل العلم وحرموا التغوط في الماء القليل أو الكثير الراكد، أو الجاري؛ لأنه يقذره ويمنع الناس من الانتفاع به؛ وهذا مذهب الحنابلة.

    وإذا قلنا ذلك: فمن باب أولى أن قضاء الحاجة في المسجد حرام؛ لأنه لا بد من صيانتها وتنزيهها وتكريمها لأنها أماكن للعبادة والدليل حديث الأعرابي المعروف.

    وقد ذكر ابن الحاج رحمه الله في كتابه: المدخل للبدع ، من بدع الاحتفال بالإسراء والمعراج ونحو ذلك، قال: احتشادهم الساعات الطوال في المساجد مع النساء وربما إذا احتاجوا إلى قضاء الحاجة قضاها بعضهم في المسجد في الخلف. طبعاً: هذا من المنكرات الكبيرة.

    وقد ذكر بعضهم مسألة قضاء الحاجة بالكنيسة وبيع اليهود، فقالوا: إذا كان هذا يؤدي إلى أن يفعلوه في مساجدنا انتقاماً من مسلم فعله عندهم فلا يفعلوا ذلك، كما أننا نهينا أن نسب آلهة الكفار لئلا يسبوا الله عدواً بغير علم، وأيضاً من جهلهم إذا سببنا آلهتهم يسبون الله عز وجل.

    1.   

    أن يرتاد لبوله موضعاً رخواً

    ثالث عشر: من آداب قضاء الحاجة: أنه يستحب أن يرتاد لبوله موضعاً رخواً لئلا يصيبه رشاش البول، وقد ورد في ذلك حديث رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتبول فأتى دمثاً في أصل حائط فبال، ثم قال: (إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله). يتخير مكاناً مناسباً، وهذا إن كان ضعيفاً فإن المعنى صحيح؛ وهو أن الإنسان إذا أراد أن يبول فلا يبل على شيء صلب؛ لئلا يرتد عليه، بل يأتي إلى مكانٍ رخوٍ لئلا يرتد عليه، وبعض الأحيان تجد سطح الأرض خشن صلب لكن إذا ضربته برجلك ظهر التراب الذي تحته فتحول إلى موضع رخوٍ فيمكن أن نعالجه وهكذا.

    1.   

    ألا يبول في مستحمه

    رابع عشر: من آداب قضاء الحاجة: أن على الإنسان ألا يبول في مستحمه، وقد ورد في ذلك حديث عند أبي داود وابن ماجة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه). وفي رواية: (لا يبولن أحدكم في مستحمه). وهذا حديث صحيح، فما معنى المستحم؟ وما المقصود بهذا الحديث؟

    أما بالنسبة للمستحم، فقد قال الخطابي رحمه الله: المستحم هو المغتسل، وهو مشقق من الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به.

    قال النووي رحمه الله: واتفق أصحابنا أن المستحب ألا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة لئلا يترشش عليه وهذا في غير الأخلية المعدة، أو المتخذة لذلك؛ أما المتخذ لذلك كالمرحاض فلا بأس فيه؛ لأنه لا يترشش عليه، ولأن في الخروج منه إلى غيره مشقة.

    وقال بعض العلماء: ألا يستنجي بالماء في موضعه.

    إذاً: هم قالوا: إذا تبول في مكان، أو تغوط في مكان يزحف قليلاً حتى إذا صب الماء أثناء الاستنجاء لا يصيبه من النجاسة التي صارت في الأرض مثلاً، وإذا أراد أن يغسل عورته، أو يغسل مكان قضاء الحاجة لا تصيب النجاسة المجتمعة في الأرض يده مثلاً، فالمقصود من كل القضية: ألا يرتد عليه شيء من النجاسة، واتقاء الوسواس؛ لأنه قد ورد عند أبي داود : (ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوسواس منه). فإذا كان لا يرتد فلا بأس بذلك، وينبغي أن تجعل أماكن قضاء الحاجة في المراحيض بحيث تحقق هذا الغرض؛ وهو عدم ارتداد النجاسة على الذي يقضي الحاجة.

    وهنا سؤال قد طرحه بعض الإخوان فيما سبق وتوجهنا به إلى الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، يقول السؤال: هل التبول في حوض الاستحمام -البانيو- أثناء الاستحمام يدخل في حديث النهي عن البول في المستحم؟ أم لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل؟

    الجواب: لا. لا يدخل لأنه إذا بال فسوف يصب عليه الماء ثم يزول البول، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه، ولو قدر أن الإنسان حضره التبول أثناء الاستحمام يتوقف عن الاستحمام حتى يبول ويريق عليه الماء، فإذا كان يوجد أي وسيلة للوسوسة فيجتنب الإنسان ما يؤدي إلى الوسوسة.

    وقد ذكر بعض الفقهاء الاعتماد في التبول على الرجل اليسرى، وقالوا: ويعتمد في حال جلوسه على الرجل اليسرى كما قال ابن قدامة في المغني لما روى سراقة بن مالك قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى). رواه الطبراني في المعجم ، يقول ابن قدامة معللاً: ولأنه أسهل لخروج الخارج. لكن هذا الحديث إذا كان ضعيفاً ماذا نفعل؟

    ننظر في المعنى، وقد قال النووي رحمه الله في المجموع : هذا الحديث ضعيف رواه البيهقي عن رجل عن أبيه عن سراقة قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى). قال: وهذا الأدب مستحب عند أصحابنا، واحتجوا فيه بما ذكره المصنف، وقد بينا أن الحديث لا يحتج به فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث, والله أعلم.

    المعنى الذي ذكروه قد يكون نتيجة تجربة، والحديث الآن ضعيف قالوا: إنه إذا استند على الرجل اليسرى ومال على الجانب الأيسر صار أسهل لخروج النجاسة، وقد ذكر ابن قدامة -هذا الكلام كما قلنا- أنه أسهل، وكذلك ذكر بعضهم هذه القضية، وعلل ذلك بأن المعدة في الجانب الأيسر فيكون الاتكاء على اليسار أسهل في الخروج وخصوصاً الغائط، لكن على أية حال المسألة كما رأينا ما دام حديثها ضعيفاً فهي على راحة الإنسان، إذا وجد أنه في قضاء الحاجة أكثر راحة له فالحمد لله يفعل ذلك، والمقصود: اتباع ما يسهل عند قضاء الحاجة، أن يكون الخروج سهلاً؛ لأنه أحياناً إذا خرج بتعسف آذى الشخص، وهناك أناس يصابون بآفات عظيمة جراء قضية التعسف عند قضاء الحاجة، وعدم اتباع الوسيلة الميسرة في ذلك، أو الوضع الميسر في ذلك.

    1.   

    أن يذكر الله قبل أن يدخل الخلاء

    خامس عشر: من آداب قضاء الحاجة: ذكر الله عز وجل قبل أن يدخل الخلاء، فماذا يقول قبل أن يدخل؟

    قال صلى الله عليه وسلم: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: باسم الله).. (وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الكنيف قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وكان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك).

    فأما بالنسبة للبسملة فقد عرفنا فائدتها، فيأتي بها الإنسان في أي موضع، أو في أي عمل، والسنة أن يأتي بها قبل الشروع في أي عمل، وهنا فائدتها أنها تمنع الجن من النظر إلى عورات الآدميين؛ لأنه لا بد أن يكشف العورة عند قضاء الحاجة. والمراحيض ومواضع النجاسات من الأماكن التي يغشاها الجن، فإذا كانوا يغشون هذه الأماكن والإنسان سوف يدخلها فإنه يحتاج إلى التسمية لكي يستتر منهم: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] وقوله: (أعوذ بك من الخبث والخبائث) لو قلت: الخبْث فإنه مصدر معروف، أما الخُبُث والخبائث فالمقصود: ذكران الشياطين وإناثهم، جمع خبيث وخبيثة: خُبُث وخبائث.

    فإذاً: الشياطين لهم ذكور وإناث، وقد يكون في هذا المكان من هذا الجنس أو من هذا الجنس، إذن يستعيذوا من شرهم أيضاً؛ لأنهم قد يكون لهم شر بحيث أنهم يغشون هذه الأماكن يخيفون، أو يصرعون، أو يدخلون ونحو ذلك، فقول هذا الدعاء يفيد في معالجتهم أو كف شرهم وأذاهم.

    وعند الخروج يقول: (غفرانك) ما علاقة (غفرانك) بالخروج؟

    قال بعض العلماء: الوجه في سؤال المغفرة أنه جرى منه عليه الصلاة والسلام على عادته إذ كان من دأبه الاستغفار في حركاته وسكناته وتقلباته حتى إنه ليعد له في المجلس الواحد مائة مرة، وإنه لما كان خروج الأخبثين -هذه ملاحظة ذكرها بعضهم- بسبب خطيئة آدم، يعني: عندما كان آدم عليه السلام في الجنة لم تكن هناك نجاسة تخرج فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [الأعراف:22] وصارت هذه المعصية سبب الهبوط إلى الأرض وصار غائط وبول.

    فيذكر العبد نفسه بهذا الاستغفار ما حدث بسبب الخطيئة، وأن العبد لا يخلو من الخطيئة حينئذٍ، وأن هناك ارتباطاً بين الخطيئة التي حدثت وبين خروج النجاسة من الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحمد لله الذي أذهب عني أذاه وأذاقني لذته) وفي رواية: (وأذهب عني مشقته). ما هو الأذى؟ هذا الذي يخرج من الإنسان، والمشقة الحاصلة بسبب مكثك، فخروج الغائط نعمة تستوجب الشكر، والإنسان يهمل ويقصر فيذكر نفسه بالدعاء والمغفرة: (غفرانك) غفرانك على التقصير، غفرانك من كل شيء، فهو يسأل الله سبحانه وتعالى المغفرة أو يطلب منه المغفرة، وقد تكون هذه الأماكن مدعاة أيضاً للوقوع فيما يحرم من التذكير بأمور السوء ونحو ذلك.

    1.   

    اتقاء اتجاه الريح

    سادس عشر: ذكر بعضهم من آداب قضاء الحاجة اتقاء مهابَّ الريح، الأماكن التي لها منفذ يدخل الهواء من موضع ويخرج من موضع مخافة أن يرتد بوله عليه؛ وهذا يعود إلى المسألة المذكورة في قضية عدم الارتداد والرشاش، فإذا كان يريد أن يقضي حاجته في الفضاء -كالصحراء- وأراد أن يبول، إذا كان الهواء قوياً وهو يبول في اتجاه هبوب الهواء سيرجع عليه وعلى ثيابه، فإذا جعل نفسه في الاتجاه المعاكس عند ذلك تذهب النجاسة أو هذا البول مع الريح ولا يرتد عليه، فمن ذكرها أراد مراعاة هذا المعنى.

    1.   

    أن يلبس حذاءه حتى لا تتنجس رجلاه وألا يطيل في الخلاء

    سابع عشر من آداب قضاء الحاجة: أن يلبس حذاءه لئلا تتنجس رجلاه؛ وهذا أيضاً معناه واضح.

    وذكر ابن قدامة -أيضاً- رحمه الله: ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة؛ لأن ذلك يضره، وقيل: يورث الباسور، وقيل: يدمي الكبد، وعلى أية حال إذا كان التطويل له أضرار طبية مرجعه إلى الأطباء، لكن هناك علة واضحة: قضية الوسوسة، وقضية إيذاء المنتظرين، وقضية منع ما تسول به نفسه من فعل أي معصية، فالتطويل في المراحيض ليس بمحمود، وكثير من الناس يصابون بالوسوسة من جراء هذا التطويل، فإنه يجلس ويغسل ويغسل ويعيد ويتنحنح ويقفز ويفعل أشياء وحركات عجيبة ويحتشي وليس هذا في الشرع على الإطلاق.

    إذاً هذا التطويل مفتاح لباب الوسوسة، وفيه إيذاء للمنتظرين وخصوصاً في المراحيض العامة بل حتى في بعض البيوت، وكذلك عدم التطويل فيه قطع للنفس عما يمكن أن توسوس به أو تسول من المعاصي.

    1.   

    اجتناب ذكر الله

    ثامن عشر: من آداب قضاء الحاجة: اجتناب ذكر الله في هذا الموضع، ومما يدل عليه حديث الامتناع عن رد السلام المتقدم؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم رد السلام على الرجل الذي سلم عليه فإنه يكون قد ذكر اسم الله في الخلاء، وهذا يمنع؛ لأن ذكر الله ينزه أن يكون في مواضع النجاسات وأثناء هذه الحال، فلا يذكر الله تعالى إلا بقلبه، وأما أن يذكر بلسانه فلا، وكذلك إذا عطس حمد الله في قلبه، وإذا سلم عليه أحد فلا يرد عليه السلام.

    إن قال قائل: إذا ذهبت إلى الخلاء في الصحراء، فالمكان الذي سوف أقضي فيه الحاجة هو المكان الذي ستكون فيه النجاسة ...إلخ، إذاً لن أقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فذكر ابن دقيق العيد رحمه الله في الإحكام : التفريق بين الموضع المعد لقضاء الحاجة وبين الموضع غير المعد لقضاء الحاجة، فقال: إذا كان الموضع معداً لقضاء الحاجة أصلاً فلا يذكر الله فيه، فهذا نهينا عن ذكر الله فيه، وأما إذا كان الموضع ليس معداً لقضاء الحاجة -كالصحراء- فأنت الآن تريد أن تقضي حاجتك، فهل يسمى المكان قبل أن تقضي فيه حاجتك مرحاضاً؟ لا. إذاً لا بأس أن تذكر الله فيه، ثم تنزل لقضاء الحاجة، وبذلك يزول الإشكال، والله أعلم.

    أما مسألة الكلام في الخلاء: فقد ذهب جمهور العلماء إلى ترك الكلام في الخلاء وعدوه من الآداب.

    وأورد بعضهم حديث أبي سعيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك). الحديث هذا رواه أبو داود، لكنه ضعيف، لكن من جهة المعنى: فإن أمور قضاء الحاجة مبنية على الستر، والكلام ينافي الستر، وكذلك أمور قضاء الحاجة أن الإنسان يقضي حاجته ثم يخرج وليس هذا مكان أحاديث، وكذلك فإن الكلام -أيضاً- ربما أدى إلى مسألة الإطالة، ثم إن هذا مكان قذر ومكان تأنف منه النفوس الطيبة، فكيف يجعل مكان حديث واستئناس ومبادلة بالكلام مع غيره؟ لكن لو احتاج كرجل طرق الباب يريد أن يتأكد هل يوجد أحد أم لا، فتنحنح الشخص الذي في داخل دورة المياه فلا بأس. وكذلك قالوا: لو كان كلامه سينقذ أعمى من الوقوع في بئر ... ونحو ذلك للحاجة فلا بأس أن يتكلم في الخلاء للحاجة، أو أراد مثلاً أن يناوله شيئاً من منشفة أو غيرها وهو لا يتمكن من الخروج، أو نفذ الماء أو أي شيء من الأشياء التي لها حاجة، فإذا صار الكلام لحاجة فلا بأس أن يتكلم.

    1.   

    وضع ما معه من ذكر الله قبل دخوله الخلاء

    تاسع عشر: من آداب قضاء الحاجة: وضع ما معه من ذكر الله قبل دخوله ما لم يخش عليه، فإذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر لله تعالى استحب له أن يضعه، وأما بالنسبة لحديث أنس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه). الذي رواه ابن ماجة وأبو داود ، فقد قال أبو داود : هذا حديث منكر، وقيل: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه؛ لأن فيه محمداً رسول الله ثلاثة أسطر؛ يعني: محمد في سطر، ورسول في سطر، ولفظ الجلالة (الله) في سطر، وإذا أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس، قال أحمد رحمه الله: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء.

    وقال عكرمة : اقلبه هكذا في باطن كفك واقبض عليه. ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين ، وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم: أرجو ألا يكون به بأس. لأن اسم من ضرب الدراهم وصك النقود كان لا يخلو من مثل: المستعصم بالله، والمتوكل على الله، وما شابه ذلك، فهو لا يخلو من وجود لفظ الجلالة، فماذا نفعل عند ذلك؟

    لو قلنا: ضع المال خارج دورة المياه لسرق، وسرقة النقود أو ضياعها مفسدة كبيرة، فالشرع لا يأمر بأن تضع نقودك إذا كنت تخشى عليها، وكذلك ما مع الإنسان في المحفظة وغيرها مما قد يكون فيه ذكر لله عز وجل من الإثباتات والأوراق فإنه إذا لم يجد مكاناً مأموناً وضعها معه داخل الجيب وهي ليست مفتوحة.

    وكذلك ورد في أسنى المطالب: ويكره عند قضاء الحاجة حمل المكتوب للقرآن، يقول: قلت: الوجه تحريم اصطحاب المصحف ونحوه من غير الضرورة؛ لأنه يحمله مع الحدث ويعرضه للأذى ولما فيه من عدم توقير القرآن، ويحمل كلامهم على ما لم يحرم على المحدث حمله كالدراهم والخاتم وما تعم به البلوى.

    إذاً ينتبه الإخوان الذين يحملون المصاحف ألا يدخلوا بها إلى الخلاء، بل يضعوها في خانة.

    لكن لو أنه نسيه ودخل فتذكر قبل الشروع في قضاء الحاجة فإنه يخرج ويتركه في مكانٍ خارج الخلاء وإذا لم يتذكر إلا بعد شروعه فإنه قطع حاجته فيه أذى وضرر عليه، فلذلك لو أنه أبقاه في جيبه وأسرع بالخروج فليس له مندوحة، أو قد لا يكون له طريقة أخرى فلعله إن شاء الله لا يأثم؛ لأنه لم يكن متعمداً إدخال المصحف، ثم إنه قد يضره أن يقطع حاجته ويخرج.

    1.   

    تقديم اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج

    عشرون: من آداب قضاء الحاجة: تقديم اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج، ويرفق ذلك بالأذكار كما تقدم، قال أحمد رحمه الله: يقول إذا دخل الخلاء: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وما دخلت قط المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره.

    وسبب إرفاق التسمية بالاستعاذة -باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث- أنه يمتنع الجن عن رؤية العورة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: باسم الله.. وإذا خرج قال: غفرانك) كما تقدم، وفي رواية: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني). وهذا الإذهاب للأذى نعمة من الله عز وجل، ولذلك فإن المصاب بالانقباض وحصر البول يتعذب عذاباً شديداً، ولذلك يقول: الحمد لله؛ لأنها نعمة؛ لأن تيسير خروج الخارج نعمة، ولذلك فإن بعض الناس في المستشفيات تعمل لهم إجراءات صعبة لتيسير خروج البول وما شابه ذلك لأجل عدم القدرة، ولو احتبس في بطنه تضرر ضرراً عظيماً.

    ولذلك ربما يناسب الذكر أمر من الأمور التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمريض وغيره عند الحاجة، وهو البول في القدح أو الإناء، فقد جاء عند أبي داود والنسائي وابن ماجة عن حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة ؛ كلها أسماء مصغرة، عن أمها -وهي أميمة بنت رقيقة- قالت : (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير-وفي رواية: تحت سريره- يبول فيه بالليل). والعيدان قال في شرح الحديث: النخل الطوال المتجردة من السعة من أعلاه إلى أسفله، وجاء أيضاً عند الشيخين: (أنه دعي بالطست ليبول فيها). ولكن هذا وقع في حال المرض.

    إذاً في حال المرض إذا لم يمكن المريض من الذهاب إلى دورة المياه فقد ورد في الحديث ما يفيد البول في إناء ونحو ذلك، وكذلك ذكروا أنه لو اشتدت الريح ولم يأمن من ارتداد البول عليه بال في إناء -ونحو ذلك- ضيق الفتحة حتى يرميه بعد ذلك.

    إذاً فإذا دعت الحاجة لا بأس بالبول في الإناء ونحوه.

    وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه، لقد دعا بالطست يبول فيها فانخنس فمات وما أشعر به). حديث صحيح رواه النسائي رحمه الله والترمذي في الشمائل والبخاري ومسلم بمعناه.

    1.   

    عدم جواز قضاء الحاجة في المقابر

    حادي وعشرون من الآداب والأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة: عدم جواز قضاء الحاجة في المقابر لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق). رواه ابن ماجة ، وصححه الألباني في: إرواء الغليل ، والمقصود بقوله: ( أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق ). أنهما في القبح سيان، سواء قضى الحاجة وسط السوق والناس ينظرون؛ وهي قبيحة جداً أو قضى الحاجة في المقبرة حتى لو لم يره أحد فهما في القبح سيان، وهذا من حرمة الأموات، وبعض الناس إذا مشى ولم يجد مكاناً يقضي فيه حاجته تسور المقبرة وقضى فيها حاجته. فهذه فعلة شنيعة.

    وقد نبه ابن الحاج رحمه الله في كتاب المدخل على طائفة من الذين يسكنون القبور في مصر ويقضون الحاجات فيها، وأن ذلك إيذاء للأموات فلا يجوز، وقال أيضاً: إن بعض أهل الأموات يبيتون عند الميت بجانب قبره أياماً، يبيتون ليلة وليلتين وثلاثاً قال: وإذا حضرت أحدهم قضى حاجته في المكان؛ فإن من البدع البيات عند القبور، يزعمون أن ذلك إيناس للميت، وهم ما يفعلون إلا الإيذاء والبدعة، الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دفن الميت انصرف هو وأصحابه ولم يبت عند قبر حمزة ولا عند غيره، ولا يؤنس الإنسان في قبره إلا عمله الصالح.

    1.   

    أن يقدم قضاء الحاجة على الصلاة

    ومن الآداب كذلك المتعلقة بقضاء الحاجة: أنه يقدم قضاء الحاجة على الصلاة إذا حضرته حاجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان).

    لماذا؟ لأنها تشغل قلبه، ويعجل عن إكمال صلاته، وقد يفقد الطمأنينة فيجمع بين أمرين: العجلة وعدم الإكمال، والشغل عن الإقبال على ربه وعلى صلاته، ولذلك فإنه عليه الصلاة والسلام أمر المسلم إذا أقيمت الصلاة وحضرته حاجته أن يبدأ بقضاء الحاجة ولو فاتت صلاة الجماعة.

    وقد طبق ذلك عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه، فإنه قد ورد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عروة : أن عبد الله بن الأرقم كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوماً فذهب إلى حاجته ثم رجع، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة). فلأجل أن يتفرغ للصلاة ويخلو بالإقبال عليها أمر بذلك.

    وينبغي أيضاً: الإشارة إلى أن الحاجة أنواع ومراتب فهناك شيءٌ خفيف لا يشغل عن الصلاة ولا يعجله عنها فإذا حصل ذلك وصلى جازت صلاته، وإن وجد من ذلك ما يشغله ويعجله حتى ولو كان داخل الصلاة فإنه ينصرف سواءً كان إماماً أو مأموماً لكي يتفرغ ولا يصلي بدون خشوع.. فإن لم ينصرف وتمادى في صلاته وبه من الحقن -محتقن ومحصور- ما يعجله ويشغله فقد قال مالك رحمه الله: أحب إليَّ أن يعيد في الوقت وبعده.

    وقال أبو حنيفة والشافعي : إن فعل فبئس ما صنع ولا إعادة عليه.

    إذاً: لو صلى وهو حاقن فما حكم صلاته؟

    الجواب: إذا لم يخل بركن الطمأنينة فصلاته صحيحة مع الكراهة وينقص من أجره لمخالفته للحديث، وأما إذا كانت الحاجة التي حضرته شديدة جداً بحيث صار يستعجل في الصلاة جداً فإنه عند ذلك تبطل صلاته؛ لأنه فقد شرط الطمأنينة، وقد جاء عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: [لا يصلين وهو ضامٌ بين وركيه]. وهذه الصلاة المقصود بها الصلاة في حال الحقن الذي يبلغ المصلي أن يضم وركيه من شدة حقنه؛ هذا معنى كلام عمر .

    الخلاصة: أن ما يجده الإنسان على ثلاثة أضرب:

    أن يكون خفيفاً؛ فهذا يصلي به ولا يقطع.

    والثاني: أن يكون ضاماً بين وركيه؛ فهذا يقطع فإن تمادى صحت صلاته ويستحب له الإعادة في الوقت على قول بعض العلماء كـمالك رحمه الله.

    والثالث: أن يشغله ويعجله عن استيفائها بحيث يفقد الطمأنينة؛ فهذا صلاته باطلة، ويجب عليه أن يقطع وجوباً.

    1.   

    جواز خروج المعتكف لقضاء الحاجة

    ومن الأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة أيضاً: أنه يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لأجل الحاجة؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يخرج إليَّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان).

    1.   

    عدم التضييق على الناس في أماكن نزولهم

    ومن الآداب لقضاء الحاجة: عدم التضييق على الناس في مواضع نزولهم، جاء في ذلك قصة عن سهل بن معاذ قال: غزوت مع عبد الله بن عبد الملك بن مروان في ولاية عبد الملك الصائفة؛ والصائفة: كانت اسماً للجيش الذي يخرج في الصيف .. فكان بعض الخلفاء ينظم الصوائف والشواتي، يعني: فرق الجيش التي تخرج في الصيف والشتاء.

    قال: فنزلنا على حصن سنان فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق. فأكمل القصة في نهيهم عن ذلك، فكل من نزل بموضع فهو أحق به، كما جاء في حديث: (منى مناخ من سبق). ولما نقول: أحق به، يعني: أحق به وبما حوله بحيث يبقى له مربط فرسه، ومكان طبخه، وموضع قضاء حاجته، فلو جاء واحد ونزل مثلاً على البحر هل يجوز للإنسان أن يأتي وينزل بجانبه مباشرة بحيث لا يبقى مكان له لطهيه ولا قضاء حاجته؟

    الجواب: هذا إيذاء، ولذلك إذا رأيت ناساً نازلين أو عائلة أو نحو ذلك فلا يأت وتنزل بجانبهم مباشرة.

    ومعنى: تضييق المنزل الوارد في الحديث: أن ينزل بالقرب من نزول أخيه المسلم فيضيق عليه في المرافق أو الأشياء التي يحتاج إليها في ذلك المكان، ويكون هذا المكان كالحريم؛ والحريم هو: المكان الذي له حرمة حول الشخص إذا نزل، ومعنى: قطعوا الطريق: النزول على الممر على وجه يتأذى به المارة، فبعض الناس -حتى في الحج- ينزل على الطريق فيسده حتى يتأذى المارة، فهناك نزول على الطريق لا يؤذي المارة، وهناك نزول على الطريق يؤذي المارة فإذا كان الطريق واسعاً فقد يكون النزول على جانبه لا يؤذي المارة، لكن إذا كان الطريق ضيقاً فإنه لو نزل على الطريق فإنه يؤذي المارة فلا يجوز ذلك.

    1.   

    ترك الاستئذان لقضاء الحاجة في البيوت الخربة

    ومن آداب قضاء الحاجة: عدم وجوب الاستئذان لقضاء الحاجة في البيوت الخربة، وقد تقدم معنا في آداب الاستئذان: أن البيوت منها ما تكون مسكونة -لها ساكن- ومنها ما لا يكون لها ساكن، ومنها الخرابات التي تقضى فيها الحاجات كالبول والغائط، فهذا ليس على الإنسان جناح أن يدخلها دون استئذان، قد يريد الإنسان خارج البلد قضاء حاجة فيأتي إلى مكان مهدم يريد أن يستتر به لقضاء الحاجة، فلا يلزم هناك استئذان حيث أنه لا أحد حتى يستأذنه، وليس هذا مكاناً يجب الاستئذان عند دخوله.

    وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور:29] معنى: متاع لكم ليس المقصود بالضرورة أن يكون لك عفش فيها، قال: منفعة لكم بدفع الحر أو البرد أو قضاء الحاجة من بول أو غائط .. كما أورد ذلك صاحب بدائع الصنائع الكاساني الحنفي رحمه الله.

    1.   

    ترك الوسوسة

    ومن آداب قضاء الحاجة كذلك كما تقدم: عدم الوسوسة، ويدخل في ذلك إيجاب أشياء لم تجب في الشرع كالاستنجاء من خروج الريح، فإن بعض العامة يعتقد أنه لا بد من الاستنجاء عند خروج الريح، وليس على من نام أو خرجت منه ريح الاستنجاء، وليس في هذا خلاف.

    قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : قال أبو عبد الله : ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسول الله، إنما عليه الوضوء.

    وإيجاب ما لا يجب حرام، وكذلك فإن الريح لا جرم لها يعلق، فلماذا يستنجي؟

    تنبيه: أورد بعضهم في آداب قضاء الحاجة: عدم استقبال النيرين: الشمس والقمر، واستدلوا على ذلك بحديث، وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما كان فيه أنها تلعنه إذا استقبلها -الشمس أو القمر- وهذا ضعيف بل باطل، ولذلك لا حرج في استقبال الشمس أو القمر، فإذا انضاف إلى ذلك ما قاله بعضهم في الكواكب فأين يذهب الإنسان في قضاء الحاجة؟

    إذاً القبلة لا استدبار ولا استقبال، والشمس لا، والقمر لا، والكواكب لا.

    إذاً هذا يحتاج إلى أن يدخل نفقاً أو يخرج من هذه الأرض، فهذا كله من التكلف، ومن الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة أو الموضوعة.

    1.   

    بلُّ اليد قبل غسل النجاسة

    ومن آداب قضاء الحاجة: بلُّ اليد قبل غسل النجاسة؛ وهذه ذكروها في الآداب بالتجربة؛ لأنها إذا باشرت النجاسة وهي يابسة تعلقت بها النجاسة وصارت الرائحة في اليد قوية، فإذا غسل يده أولاً ثم غسل النجاسة وقعت النجاسة على شيءٍ مبتل فلا تنتقل إليها الرائحة كانتقالها إلى اليد اليابسة.

    1.   

    غسل اليدين بعد الاستنجاء بتراب ونحوه

    وكذلك من الآداب: غسل اليد بعد الاستنجاء بتراب أو رمل أو نحوه مما يقلع الرائحة كالصابون، وإذا كان في البر واستنجى من خروج الغائط مثلاً غسل يده بعد الماء بترابٍ ونحوه.

    1.   

    تفريج الفخذين عند البول

    من آداب قضاء الحاجة: التفريج بين الفخذين عند البول، حتى لا يصيب البول عند خروجه الرِجْل.

    1.   

    الاسترخاء حتى يخرج ما بقي من النجاسة

    وكذلك من آداب قضاء الحاجة: الاسترخاء قليلاً، والاسترخاء ضد الانكماش والانقباض، قالوا: لأنه أقرب إلى إزالة النجاسة؛ لأن في المحل -يعني: مكان الخروج والمثانة- انقباضات فربما تبقى بقية بعد التبول، فإذا أنهى البول استرخى قليلاً حتى لو بقي شيءٌ فأنه يخرج.

    1.   

    ستر الرأس وتغطيته

    ذكروا من آداب قضاء الحاجة: ستر الرأس وتغطيته، وأوردوا في ذلك حديثاً عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: [استحيوا من الله إذا خلوتم، إني لأذهب إلى حاجتي في الخلاء متقنعاً بردائي حياءً من ربي].

    فقالوا: إن هذا لأجل كمال الحياء؛ ولأن قضاء الحاجة يكون في ستر ويكون بمكان لا يراه، فمن كمال الأدب أن يفعله ولكن ليس في ذلك وجوب، حتى هذا إن صح عن أبي بكر رضي الله عنه فإنه يحمل على كمال حيائه رضي الله عنه، وقالوا: لأن قضاء الحاجة مبني على الستر والمبالغة فيه، حتى إنه يغطي رأسه ولكن ليس في هذا وجوب.

    1.   

    عدم البول في الشقوق والجحور

    ومن آداب قضاء الحاجة التي ذكرها أهل العلم: عدم البول في الشقوق والجحور؛ أما بالنسبة للبول في الشقوق والجحور فإنهم ذكروا له علتين: إحداهما: حتى لا تخرج عليه الهوام فتؤذيه، فقد يكون فيه عقرب أو حية وما شابه ذلك من هوام الأرض التي تدخل في الجحور؛ فإذا بال في الجحر ربما خرج عليه ما يؤذيه.

    ما هو الفرق بين الجحر والشق أو السرب؟

    السرب والشق يكون بالطول والجحر مستدير.

    والعلة الثانية: أن الجحور قد تكون من بيوت الجن، وذكروا في ذلك قصة: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام في آخر عمره، ذهب ليقضي حاجته فبال في جحر فوجد مخضراً ملقىً ميتاً، وسمع قائلاً يقول:

    نحن قتلنا سيد الـ     أوسسعد بن عباده

    ورميناه بسهمين     فلم نخطي فؤاده

    ولكن ليس في هذا جزم أن الجحور بيوت الجن، فقد يكون فيها وقد لا يكون فيها، وهذه القصة الله أعلم بثبوتها، ولذلك الإنسان على أية حال لا يتعمد البول في الجحر؛ لأن هناك احتمالاً أن يكون فيه إيذاء لمن فيها بغض النظر عمن فيها.

    ثانياً: أنه قد يخرج عليه شيء فيؤذيه هو.

    فإذاً حتى لا يؤذي ولا يؤذى.

    وقد قال بعضهم كلاماً لطيفاً علل فيه أن الجن يحبون النجاسات، فلماذا لا نبول في الجحر حيث إنهم أصلاً يحبون النجاسات؟

    فقال رداً على ذلك: إذا كان الشياطين يحبون النجاسات ويكونون في المراحيض وبيوت الخلاء والحشوش ونحو ذلك، وإذا دخلنا نستعيذ بالله منهم فإنه ليس معنى ذلك أنهم يحبون التلطخ بها، يقول: ألا ترى أنك تحب العسل ولكن لا تحب أن تتلطخ به.

    1.   

    آداب قضاء الحاجة من كتاب المدخل لابن الحاج

    وختاماً للموضوع: فقد ذكر ابن الحاج رحمه الله وهو: محمد بن محمد العبدلي المالكي آداب قضاء الحاجة مجموعة في كتابه: المدخل ، جمع فيه نحواً من تسعة وسبعين أدباً، فنحن نمر عليها إن شاء الله، ولكن بعض هذه الآداب قد لا يكون عليها دليل فنتجاوزه.

    يقول رحمه الله:

    فصل: في الاستبراء وكيفية النية فيه، يقول: وقد تقدم على أن الأفعال على قسمين: واجب، ومندوب، وقد ذكر علماؤنا رحمة الله عليهم آداب التصرف في ذلك كله، وهي تنوف على سبعين خصلة يحتاج من قام إلى قضاء حاجته أن يتأدب بها، وهي كلها ماشية على قانون الاتباع: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]:

    الأولى: الإبعاد حتى لا يرى له شخص ولا يسمع له صوت، فإن القصد من الإبعاد ليس فقط ألا يرى، ولكن أيضاً حتى لا يسمع منه صوت عند قضاء الحاجة، من باب الأدب أيضاً.

    الثانية: الاستعداد قبل الدخول بيسير من الماء والأحجار؛ لأن بعض الناس لا يستعد، ربما يدخل دورة المياه ثم يكتشف أن الماء مقطوع فيتورط، فإذا دخل الخلاء يتأكد هل يوجد فيه ماء، وإن لم يوجد أدخل معه ماءً أو أدخل معه مناديل للاستجمار.

    الثالثة: أن يقدم الشمال وأن يؤخر اليمين.

    الرابعة: إذا خرج فليقدم اليمين أولاً ويؤخر الشمال.

    الخامسة: أن يتعوذ التعوذ الوارد في ذلك عند الدخول، وهو أن يقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث النجس الرجس من الشيطان الرجيم.

    السادسة: ألا يستقبل القبلة إذ ذاك.

    السابعة: ألا يستدبرها إلا في المنازل المبنية، فلا بأس في الاستقبال والاستدبار ما لم يكن في سطح فأجيز وكره، يعني: بعضهم قال: إذا كان المكان مكشوفاً. وقيل: هل هو إكرام للملائكة؟ لكن ما دام أنه ما ثبت فيه شيء فلا داعي لتكليف الإنسان نفسه، وأي فرق بين السطح المكشوف وبين الخلاء والفضاء والصحراء؟ إذا قلنا: لا بد من سطح مكشوف هذا بالنسبة لاستقبال القبلة، يعني: الفرق يظهر بين الصحراء والسطح في قضية الاستقبال، أما في عدم الاستقبال ليس هناك فرق، إذا لم يستقبل سواءً كان في صحراء أو في سطح نفس الشيء، لكن في قضية الاستقبال والاستدبار في البنيان بعضهم كره، يعني: أجاز استقبال جهة الكعبة واستدبارها داخل البنيان، لكن قالوا: ليس في سطح، ثم قالوا: هل هو لأجل القبلة؟ أو لأجل الملائكة؟

    الثامنة: ألا يستقبل الشمس والقمر بعورته؛ وهذا ليس بشيء كما تقدم وليس عليه دليل.

    التاسعة: أن يستتر عند التبرز.

    العاشرة: أن يتوقى مسالك الطرق.

    الحادية عشرة: أن يتوقى مهاب الرياح، ونبه إلى نوع من المراحيض كانت موجودة في ذلك الوقت تدخل فيها تيارات الهواء الشديدة جداً بحيث إنه لا يسلم من الرشاش أن يرجع إليه.

    الثانية عشرة: أن يتوقى ما علا من الأرض؛ لأنه إذا كان في مكان مرتفع كان عرضة لأن يراه الناس.

    الثالثة عشرة: أن يبالغ في أكثر ما يجد من الأرض انخفاضاً، ومنه سمي الغائط غائطاً، فالغائط في لغة العرب: هو المكان المنخفض من الأرض، فكان أحدهم إذا ذهب إلى قضاء حاجته ذهب للغائط: أي المكان المنخفض من الأرض، ثم كثر استعماله حتى سمي الخارج بالموضع. فقيل: سمي الخارج غائطاً باسم الموضع الذي كان يغشى لأجل قضاء الحاجة والتغوط.

    الرابعة عشرة: ألا يقعد حتى يلتفت يميناً وشمالاً، وهذا: لأجل أنه قد يكون حوله شيء من الهوام فلا يفاجئ به، فيلتفت يميناً وشمالاً قبل أن يقضي حاجته، فإنه قد يكون هناك شيء يستدعي البعد عن هذا المكان.

    الخامسة عشرة: ألا يكشف ثوبه حتى يدنو من الأرض.

    السادسة عشرة: إذا قعد لا يلتفت يميناً وشمالاً.

    السابعة عشرة: ألا يمس ذكره بيمينه.

    الثامنة عشرة: ألا ينظر إلى عورته؛ وهذا من باب الأدب، لكن ليس محرماً.

    التاسعة عشرة: ألا ينظر إلى ما يخرج منه إلا لضرورة لا بد منها؛ وهذا شيء تستقذره النفس وتكرهه، فلماذا يأتي بما تستقذره النفس ويشينها؟!

    العشرون: أن يغطي رأسه، وقد تقدم الكلام عنه.

    الحادية والعشرون: ترك الكلام بالكلية ذكراً كان أو غيره، ولا بأس أن يستعيذ عند الارتياع، ويجب الكلام إذا اضطر إلى ذلك في أمر يقع مثل: حريق، أو أعمى يقع، أو دابة ينبه غيره عليها، ومشى بها ذلك.

    الثانية والعشرون: ألا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد، فإذا سلم عليه أحد فلا يرد عليه.

    كيفية قضاء الحاجة

    الثالثة والعشرون وما بعدها: إقامة عرقوب الرجل اليمنى على صدرها وأن يستوطئ اليسرى، وأن يتوكأ على ركبته اليسرى وذكرنا في هذا حديثاً ضعيفاً لكن قالوا: هو أعون على الخروج أن يتكئ على الرجل اليسرى ويرفع اليمنى قليلاً.

    وذكر بعضهم: من أجل المعدة، وأن المعدة كالإناء، وهو أنك إذا أرقته على جنب صار أسهل، وعلى أية حال: ربما أن بعضكم يرى في بعض البيوت القديمة، أو الحمامات العربية أنهم يجعلون الجزء الأيسر من المقعد أوطأ قليلاً من الأيمن لأجل هذا المعنى، وهذه كما قلنا قضية تجربة وطب، إذا كان ثبت هذا فيفعله الإنسان من باب أنه أيسر له.

    السادسة والعشرون: يكره البول من موضع عالٍ إلى أسفل خوفاً من الريح أن ترده عليه.

    السابعة والعشرون: يكره أن يبول في المواضع المنحدرة إذا كان هو من أسفل؛ لأن بوله يرجع عليه.

    الثامنة والعشرون: البول قائماً المشهور الجواز وتقدم الكلام عليه.

    التاسعة والعشرون: يبتدئ بغسل قبله قبل دبره، يعني: عند الاستنجاء وإزالة النجاسة يبدأ بالقبل أولاً لئلا يتطاير عليه شيء من النجاسة عند غسل الدبر؛ لأنه قد يحتاج في غسل الدبر إلى تمرير يده فتحتك بمكان خروج البول فتتنجس اليد، فإذا طهر القبل أولاً ثم حرك يده فإنها تمر على مكان نظيف.

    وعلى أية حال هذا من الآداب.

    قال: وأما إذا كان البول يتأخر بخروجه، ويخرج على شكل قطرات أخر غسل القبل.

    الثلاثون: يغسل يده بالتراب مع الماء عند الفراغ فهو أنظف.

    الحادية والثلاثون: يستجمر وتراً.

    الثانية والثلاثون: ألا يستنجي في موضع قضاء الحاجة كما قلنا؛ لأنه إذا قضى الحاجة -الغائط مثلاً- ويريد أن يستنجي في مكانه لربما لامس القذر الذي في الأرض، طبعاً هذا في غير المراحيض والكراسي أو مكان قضاء الحاجة، فإن هذا ثابت لا حاجة أصلاً لأن يذهب إلى اليمين أو الشمال، ولكن إذا قضى حاجته في مثل صحراء أو أرض أو فلاة فليذهب عن هذا المكان قليلاً ويغسل.

    سد مكان البول برفق

    الثالثة والثلاثون: سد مكان خروج البول برفق؛ لأن استعمال الشدة ربما يؤدي إلى سلسل البول، ولذلك ترى بعض الموسوسين يستخدمون وسائل غير مشروعة، مثل: العصر والدلك بشدة والنتر والنحنحة وربما القفز وغير ذلك، والمسألة لا تحتاج إلى هذا، بل سلت برفق إذا خشي أن يكون فيه شيء، وإلا فإنه لا يمسه أصلاً إلا في الغسل باليسرى.

    الرابعة والثلاثون: تفريج ما بين الفخذين لئلا يتطاير عليه شيء من البول.

    الخامسة والثلاثون: ألا يعبث بيده.

    ثم قال: وقراءة الذكر (الحمد لله الذي سوغنيه طيباً وأخرجه عني خبيثاً) وهذا إذا ثبت.

    أن يجمع بين الأحجار والماء فهو أحسن وأطيب، ويجوز الاقتصار على المناديل وغيرها في الاستجمار ولو كان يوجد ماء، وإذا لم يوجد ماء يجوز الاقتصار على الاستجمار، ويجوز ثلاث مسحات فأكثر بحسب الحاجة وتراً، وإذا كان بالحجارة اختار ثلاثة أحجار، وإذا كان حجراً له ثلاثة أوجه جاز أن يستعمله.

    قال: إذا أراد أن يستنجي يغسل يده اليسرى قبل أن يباشر النجاسة لئلا تعلق فيها الرائحة.

    وذكر من الآداب: إذا استنجى بالماء أن يكون الإناء في يده اليمنى ليسكب به الماء ويده اليسرى على المحل يعقبه ويواصل صب الماء.

    والآن من طبيعة الحال توجد هذه الآلات في المراحيض ودورات المياه فهي بمثابة الإناء الذي يسكب منه.

    الثانية والأربعون: ألا يتغوط تحت شجرة مثمرة.

    الثالثة والأربعون: ألا يتغوط في ماء راكد.

    الرابعة والأربعون: ألا يفعل ذلك على شاطئ النهر، وكما قلنا: على شاطئ البحر والناس يدخلون ويخرجون.

    الخامسة والأربعون: ألا يفعله تحت ظل حائط، فإن كل هذه من الملاعن.

    السادسة والأربعون: أن يتجنب البول في كوةٍ من الأرض إذا لاقاها لأجل الإيذاء.

    السابعة والأربعون: أن يتجنب بيع اليهود.

    الثامنة والأربعون: أن يتجنب كنائس النصارى سداً للذريعة؛ لئلا يفعلوا ذلك في مساجدنا كما نهينا عن سب الآلهة المدعوة من دون الله لئلا يسبوا الله عز وجل.

    ونحن نذكر أن أبرهة قام بغزو الكعبة؛ لأن بعض العرب ذهبوا إلى القليس التي بناها في اليمن ولطخوها بالنجاسات فثارت حفيظته.

    كراهية البول في الأواني النفيسة

    التاسعة والأربعون: يكره البول في الأواني النفيسة للسرف، أما أواني الذهب والفضة فإنه يمنع اتخاذها واستعمالها أصلاً، فكان يوجد بعض الأغنياء أو الملوك وغيرهم الذين يستعملون أواني الذهب والفضة في قضاء الحاجة.

    الخمسون: يكره البول في مخازن الغلة؛ المخازن التي يخزن فيها القمح والطعام وغير ذلك، قالوا: ولو كانت فارغة؛ لأنه لو أتي بطعام بعده ليوضع في المخزن فربما انتقل إليه شيء من النجاسة الموجودة في الأرض.

    عدم إدخال الإصبع في الدبر

    الحذر من إدخال الإصبع في الدبر، قال: فإنه من فعل شرار الناس، وهذه مسألة أيضاً من الأدب، ذكرها في قضية درجة البطء في خروج الخارج، قال: فرب شخص يحصل له التنظيف عند انقطاع البول عنه، فبمجرد أن ينقطع ولا يخرج شيء يغسل، وآخر لا يحصل له ذلك إلا بعد أن يقوم ويقعد، يعني: ربما يحتاج شخص آخر إلى الاسترخاء ليخرج، وآخر يحتاج أن يقوم ثم يقعد، إذا قام حضره بول إضافي غير الذي خرج منه فيقعد ليخرج ما بقي، قال: وذلك راجع إلى اختلاف أحوال الناس في أمزجتهم ومآكلهم واختلاف الأزمنة عليهم، فليس الشيخ كالشاب؛ لأنه معروف أن كبير السن يسترخي معه المكان فتكثر عنده الحاجة لدخول دورة المياه عدة مرات، أما الشاب فيكون الموضع عندهم مستمسك، وليس من أكل البطيخ كمن أكل الجبن؛ لأن البطيخ يسبب شيئاً من الإسهال، والجبن يسبب شيئاً من الانقباض أو القبض، وليس الحر كالبرد. المهم أنه ذكر اختلاف المآكل والأجواء، واختلاف أسنان الناس، فهذه كلها أسباب في قضية التأخر أو البطء في الخارج، وبالتالي على الإنسان أن ينتظر حتى يغسل كل شيء فيصلي وهو طاهر.

    وليس معنى هذا أن الإنسان يقعد في دورة المياه ساعات، فإن بعض الناس عندهم وسوسة عجيبة، كما ذكر ابن القيم رحمه الله حيث قال: وربما قفز درجات السلم، ينـزل على سلم متتابعاً ثم يعود لأجل أن يفرغ ما في جعبته بظنه، وربما احتشى وآذى نفسه، وأدخل أشياء في الداخل، وأنت لست مطالباً في الشريعة بتنظيف ما في الداخل، بل أنت مطالب بتنظيف المخرج فقط، وأصلاً مهما نظفت في الداخل فإن هذا موجود ومستودع داخل الإنسان، فالمطلوب هو تنظيف المخرج فقط، وليس ما بالداخل، فأنت لست مسئولاً عما في الداخل.

    وبعض الناس يقول: انتظر ربما يخرج شيء، وآفة الموسوسين كلمة: ربما، إني وجدت بالنظر في أحوال الموسوسين أن آفتهم آفة عظيمة فيقول: ربما يمكن خرج شيء، يمكن يخرج شيء بعد قليل، فهذه القضية الدقيقة عند الموسوسين، أنت مكلف بما صار الآن ولست بمكلف بما يمكن أن يحدث، وتعمل لذلك احتياطات وتضيع الأوقات والجماعات والصلاة، وصرح بعضهم أنه يضيع الصلاة عن وقتها كله من بعد الظهر إلى العصر؛ وهذه من المصائب العظيمة، نسأل الله العافية؛ لأن قضية الوسوسة مرض خطير جداً. فالإنسان مكلف بما يخرج، وليس بما يمكن.. احتمال.. شعرت.. إني أشعر.

    ثم أيضاً: لو أن الإنسان يخرج منه البول متتابعاً ولا يستطيع التحكم في خروجه، فما هو الحكم؟

    أنه يغسل ويتوضأ ويخرج وليس بمكلف بما خرج منه بعد ذلك، يتوضأ بعد دخول الوقت ويصلي، وإن وضع شيئاً كمناديل مثلاً أو شيئاً لئلا تنتشر النجاسة فقط. ولو كان يخرج متتابعاً فإنه يخرج ولا يتحكم به إطلاقاً.

    عدم كشف العورة أمام الناس

    قال: إذا قام للاستبراء فلا يخرج بين الناس ويمسك عورته بيده فإن ذلك تشويه ومثلة، قال: ويكره له أن يشتغل بغير ما هو فيه لئلا يتأخر خروج الحدث، والمقصود: الإسراع في الخروج من ذلك المحل بذلك وردت السنة.

    بعض الناس يطيلون في الحمامات، والآن المراحيض تبنى في البيوت واسعة وعلى أنوار يعني: أصبح مجلساً في الحقيقة، ولذلك بعضهم في قضاء الحاجة يقرءون الجرائد، يجلس على كرسي الحمام يقرأ الجرائد، مع أنه مكان حضور الشياطين ومكان النجاسات، وينبغي على الإنسان أن يخرج منه بأسرع وقت وليس أن يجعله متكأً ومقيلاً ومكاناً للكيف والراحة والاسترخاء والاستمتاع. والآن الحضارة المدنية الحديثة حولت الحمامات إلى أماكن متعة، مع أنها أماكن حضور الشياطين، فيجب أن ينفر الإنسان المسلم من المكث فيها، فيقضي حاجته ويخرج.

    قال الإمام أبو عبد الله القرشي رحمه الله: إذا أراد الله بعبد خيراً يسر له الطهارة. هذه -حقيقة- عبارة بليغة، أما إذا أريد به شراً فإن الطهارة تتعقد عنده وتصبح إجراءات صعبة وطويلة حتى تصبح عذاباً، فإن الموسوس يعذب نفسه.

    ألا يستجمر بحائط المسجد ولا في حائط مملوك

    السابعة والخمسون: لا يستجمر بحائط المسجد لحرمته، ولا في حائط مملوك لغيره؛ لأنه تصرف في ملك الغير، وحتى قال: لا يفعل في حائط نفسه، يعني: الحيطان المبنية من اللبن والطين ومن غيره.

    أولاً: إذا كان في مسجد أو كان في ملك الغير فلا يجوز، ولو كان له هو فربما نزل عليه المطر أو الماء وصار تحته نجاسة، قالوا: ربما كان في الحائط حيوان فيتأذى به وقد رأيت عياناً -هذا يقوله ابن الحاج رحمه الله- بعض الناس استجمر في حائط فلسعته عقرب على رأس ذكره، ورأى من ذلك شدة عظيمة.

    ألا يستجمر بفحم ونحوه

    التاسعة والخمسون: لا يستجمر بفحم لأنه يلوث المحل، ولا بعظم لأنه لا ينقي، ويتعلق به حظ الغير، ما هو حظ الغير في العظم؟

    زاد إخواننا المؤمنين الجن. ولا بزجاج لأنه لا ينقي وهو مؤذٍ، ولا بروث لأنه لا يثبت عند الدعك ويتفتت، وهو زاد لدواب مؤمني الجن كما ورد في الحديث، وعظم الذبيحة التي ذكر اسم الله عليها زاد لمؤمني الجن، ينقلب في أيديهم لحماً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

    ألا يستجمر بمائع

    قال: ولا يستجمر بمائع لأنه يلطخ المحل ويزيده تلويثاً، ولا يستجمر بطعام لحرمته ولا بذهب أو فضة أو زبرجد أو ياقوت لإضاعة المال، ولا بثوب حرير ولا بثوب رفيع يعني: عالي القيمة من غير الحرير؛ لأن ذلك كله سرف، ويستجمر بما عدا ما ذكر، وقد حد علماؤنا رحمة الله عليهم لهذا حداً يجمع كل ما تقدم من آلات الاستجمار ينبغي الاعتناء به، أي: بهذا الضابط، فقالوا: يجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منقٍ خلاعٍ للأثر غير مؤذٍ ليس بذي حرمة ولا سرف ولا يتعلق به حق الغير. وهو ضابط جيد.

    الاعتبار بما يخرج منه وكيف كان يأكله طيباً

    وأخيراً: التفكر والاعتبار في قضاء الحاجة بخروج عملية النجاسة، وقد ذكر في ذلك كلاماً نفيساً جداً، قال رحمه الله: وينبغي له إذا خرج منه خارجٌ أن يعتبر إذ ذاك في الخارج وفي نتنه وقذره فإن نفسه تعاف منه، ويعلم ويتحقق أنه لا بد أن يرجع هو نفسه كذلك، سواء بسواء. كيف يرجع ويتحول الإنسان هو نفسه إلى مخلفات وخارج؟

    يكون ذلك إذا أكلته الديدان ورمته من جوفها قذراً منتناً، ويعلم أن ثم قوماً لا ينتنون في قبورهم ولا تتعدى عليهم الأرض ولا يتغيرون؛ وهم الأنبياء، وكذلك أولياء الله والعلماء والشهداء قد يكون لهم شيء من هذه الميزة، وقد تحفظ قصة عن شخص لم يتغير مثلما حصل لوالد جابر، حيث إنه دفن وبعد سنين حفروا قبره فضربت المسحاة أذنه فنفر الدم منها.

    إذاً: بعض العلماء والأولياء والشهداء قد يحصل لهم من الكرامات ألا تتغير أجسادهم بعد الدفن، ولا تأكله الديدان.

    قال: فيتفكر في هذا وتكون همته سامية لبلوغ هذه المراتب، قال: وذلك تنبيه من الله سبحانه وتعالى لنا حتى يعلم كل واحد منا ما هو صائر إليه وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة:269] فمن كان له لبٌّ نظر إلى أوله فوجده نطفة، ونظر إلى آخره فوجد أنه تأكله الديدان وترميه، وإلى وسطه -يعني: أوله الحياة وآخره الموت- يجد ما يراه في كل يوم مما يحمل ويخرج منه: يعني: هو حامل النجاسة في بطنه، أوله نطفة وآخره الديدان حيث يصير إليها وتتخلص منه قذراً، وبين ذلك يكون حاملاً للنجاسة وتكون في جوفه.

    قال: أي نفس تشمخ وتتكبر -وهي بهذه الحال- فهذا الاعتبار.

    وكذلك ينبغي في قضاء الحاجة: أن يتفكر في الطعام الذي أكله حيث كان طيب المذاق، شهياً للنفوس لا يشترى إلا بالمال بعد التعب، فليتفكر ما يصير إليه هذا المال، وقد سلبت طهارته، وذهب عزه، وصار منتناً قذراً يتحامى عنه، لماذا؟

    لأنه اختلط بنا، الطعام لما اختلط بنا أنتن وصار نجساً وقذراً، فنقل عن ابن عطية رحمه الله في التفسير حين تكلم عن قول الله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] ذهب أبي بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد إلى أن المراد إذا صار رجيعاً، فليتفكر الإنسان ويعتبر أن الطعام يتحول إلى ماذا؟

    وهكذا عاقبة الدنيا، وقد جاء في الحديث الصحيح: أن الإنسان يعتبر بالدنيا: (إنما ضرب طعام ابن آدم مثلاً للدنيا، فلينظر إليه إن قزحه وملحه فلينظر إلى ما يصير) وأشهى طعام يكون في النهاية جيفة. هكذا الدنيا.

    قال: ثم إنه لم نجد هذا الطعام وحده؛ الطعام إذا خالطنا صار بعد ذلك قاذورات، بل كل ما نباشره إن لبسنا ثوباً جديداً فعن قليل يتوسخ وعن قليل يتمزق، وإن مسسنا طيباً فعن قليل تذهب رائحته، وهكذا.. قال: فالمؤمن يعتبر ويأخذ نفسه بالأدب من وجهين:

    أولاً: الهرب من خلطة من لا ينفعه في دينه؛ لأنه يخاف على نفسه من آثار هذه الخلطة، يقول: الطعام لما اختلط بنا ولامسنا ودخل فينا ماذا صار؟ وكذلك لو خالط قرين السوء الذي يكذب في دينه فيكون أوسخ من هذا.

    ثانياً: أن يكون إذا خالطه أحد من إخوانه المسلمين ممن ينتفع به في دينه أو ينفعه فليحذر من أن يغير أحداً منهم بسبب خلطته، يعني: يحذر هو أن يتغير من قرين السوء، ويحذر أن يغير غيره، فهذان وجهان عظيمان.

    نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الأدب والفقه وحسن الخاتمة، وصلى الله على نبينا.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767032194