إسلام ويب

الأحداث في الخليجللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل قدر لهذه الأمة أن تمر بفترات من القوة والضعف، وأهم معيار يتوقف عليه حال الأمة هو قربها وبعدها من المنهج الإلهي الذي شرعه الله لها. والأمة الإسلامية هذه الأيام تمر بفترة ضعف وتفرق قلّما مرت بمثيل لها من قبل، وخير شاهد على هذا الحال الأحداث الأخيرة التي تمر بها منطقة الخليج، والتي أدت بالبعض إلى الاستعانة بأعداء الإسلام، وفتح المجال لهم للإقامة في جزيرة العرب مستدلين بأدلة يحملونها على غير ما تحتمل. فجاء أعداء الله من الأمريكان ومن عاونهم مستغلين هذه الفرصة ليكون لهم موطئ قدم في أرض التوحيد متعللين بأنهم جاءوا ينصرون الضعيف على من اعتدى عليه، بالرغم من أن الأحداث التاريخية والوقائع أثبتت أن الأمريكان كانوا يخططون لغزو الجزيرة منذ سنين، منتظرين الفرصة المواتية لإحكام قبضتهم على ثروات الأمة. فعلى الأمة الإسلامية التنبه لما يحاك لها، وعلى المسلمين أن يصدقوا الرجعة إلى الله، والتضرع إليه ليكشف عنهم الضر الذي لحق بهم.

    1.   

    مرتكزات أحداث الخليج

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعــد:

    فسوف نتحدث بالتفصيل عن القضايا التي تتركز فيها هذه المشكلة الكبرى، وهي تتركز في عدة قضايا، كل قضية منها تحتاج إلى محاضرة، فموضوع: (حزب البعث والموقف منه) يحتاج إلى محاضرة أو أكثر، وموضوع: (موالاة اليهود والنصارى والموقف -أيضاً- من أمريكا) يحتاج إلى محاضرة، وموضوع: (موقفنا نحن من أنفسنا، وموقفنا مع ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) يحتاج إلى محاضرة أو أكثر، وموضوع: (تصوراتنا عن مستقبل هذه الأمة، وما يمكن أن تكون) أيضاً يحتاج إلى شرح بالتفصيل؛ لأن لها تصورات مؤكدة، لا توقعات، وهي بطبيعة الحال اجتهادات واحتمالات على ما يُرى من هذا الواقع، فكل منها يحتاج إلى تفصيل أكثر.

    وأول ما يجب أن أذكره في هذه القضية هو: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يقدِّر في هذا الكون إلا ما هو خير، وإن كان هناك ضرر أو شر لأناس مؤمنين أو كافرين، ففي الجملة الشر ليس إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فما يقع منه عز وجل هو خير بإذن الله، لكن يجب علينا أن نعتبر ونتعظ ونستفيد من الأحداث، لتكون خيراً لنا من جميع الوجوه، فإن اشتملت على ضرر فإن الأمور بمجرياتها.

    ونحن الآن في أيام المشكلة، ولا نتصور أن ما حدث هو مشكلة تحل في أسبوع، أو أسبوعين، أو شهراً، أو شهرين، فهذه مشكلة ستطول، ونهايتها لا يعلمها إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يمكن أن تنتهي في أيام معدودة.

    فإن الغرب قد بدأ يتكالب، ويأتي من كل جهة، وبعض أساطيله إلى الآن لم تتحرك، وبعضها تحرك منذ أيام، ويحتاج إلى شهرين حتى يصل، ثم بعد وصول هذا الأسطول ماذا سيكون؟ الله تعالى أعلم.

    فالأمر سيطول، وليست هذه المشكلة خارجة بأي شكل من الأشكال عن مشكلتنا الأساسية.

    1.   

    مشكلة الأمة الأساسية

    نحن أمة الإسلام؛ ما مدى قربنا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟

    وما مدى تمسكنا بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟

    فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يسلط علينا أعداءنا إن عصيناه، وسوف ينصرنا ويؤيدنا ويجعل الدولة لنا على أعدائنا إن تمسكنا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه قاعدة في جميع العصور، وفي جميع مراحل التاريخ.

    فقد جاءت موجة التتار، وجاءت موجة الصليبيين في مراحلها الأولى، ثم جاءت الصليبية في شكل الاستعمار،ثم جاءت هذه الصليبية الجديدة، فهذه المعركة التي نعيشها الآن هي معركة صليبية، فالبعث صليبـي، والغرب صليبـي، والقضية كلها صليبية.

    فيجب أن تكون لدينا القاعدة الإيمانية التي لا يجوز أن نتركها بأي شكل من الأشكال، فإن من سنن الله في الأمم وفي المجتمعات؛ إذا عصوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وخالفوا أمره أنه يجب أن يتضرعوا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    والآن مرّ علينا أسبوعان أو أكثر، وأمة القرآن والإيمان والإسلام، التي جعل الله لها في كل مشكلة وأمر وكل ضائقة ونازلة حلاً في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    فالحل موجود، وقد تكلم عنه الكثير من دعاة الحقبة الأولى، إلى الآن لم نجد أي إشارة واضحة إلى أننا -فعلاً- بحثنا عن الحل في كتاب الله عز وجل، وأننا امتثلنا الحل الذي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    1.   

    قسوة القلب

    يقول الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] فقد أصبحت قلوبنا فيها قسوة عجيبة، ويدل على ذلك أنه لما أشيع عن الغازات الكيماوية وتأثيرها على الأحياء ثار الرعب والهلع في نفوس الناس، وأنا لا أتكلم عنها على سبيل التخويف منها، مع أن هذه الغازات هي سامة فعلاً، لكنها ليست هي القضية.

    لكن القضية هي: لماذا يُنشر مثل هذا الكلام الذي ليس له أصل ولا تصريح رسمي؟

    ولماذا يقال للناس خذوا أقنعة أو احتاطوا؟

    والمهم أن مصدره وقائله غير مؤكد وغير معروف.

    ومع ذلك خاف الناس وذعروا، وبدأ كل إنسان يفكر جدياً: ماذا أصنع؟

    وهل منطقتنا بعيدة عن الأحداث أم قريبة؟

    وإذا وصل الغاز ماذا أفعل؟

    سبحان الله!! القرآن كلام الله رب العالمين يحدثنا عن عذاب جهنم، وعن دخان جهنم، فأين هذه الغازات من دخان جهنم، نعوذ بالله من عذاب جهنم؟

    أين هم من قوله تعالى: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات:30]؟

    وأين هم من قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41] فهذا كلام رب العالمين وهو حق وصدق.

    وقد ذكر الله تعالى أسباباً للعذاب، ومنها: المعاصي والذنوب، فهل اتخذنا وقاية من هذه الذنوب والمعاصي؟

    وهل فكرنا في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً [مريم:71]؟

    فكل إنسان واردها، وكل إنسان سيعبر الجسر المنصوب فوق جهنم كما أخبر الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فهل أعددنا وقاية من عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

    وهل نخاف من الله عز وجل، كما أصابنا الخوف والهلع والذعر من البشر، حتى قلنا: ماذا نتخذ من وقاية لتلافي وقوع الغازات السامة أو غيرها؟!

    ونتسائل: لماذا أُصبنا بهذه النكبة؟

    ولماذا حلّت بنا هذه المصيبة؟!

    والجواب معروف، وهو أنه لم نعد نخاف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم نعد نخاف من وقوع وعيده وعذابه.

    ولم نعد نستمع إلى آيات القرآن وما فيها من وعد أو وعيد، وإن استمعنا فإننا نستمع إليه وقلوبنا غافلة إلا من رحم ربك، وننتظر متى نكف عن الغناء واللهو والطرب؟!

    ومتى سينتهي الربا؟!

    وهل انتهى التبرج واللهو في الأسواق والملاهي والمنتزهات..؟

    لم يحدث شيء من ذلك: هل أعيدت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع لها اعتبارها؛ لعل الله أن يرحمنا، ويدفع عنا العذاب؟!

    وهل أعدنا وضع مدارس تحفيظ القرآن إلى وضعها الطبيعي؟!

    وغير ذلك كثير.

    وأين الرقابة الإعلامية؟!

    فهناك الكثير من الصحف والمجلات الكويتية المخلة،فيا ترى هل هذه الصحف والمجلات عوقبت على فسادها وإلحادها وكفرها الذي كنا نتحدث عنه في أكثر الأسابيع؟!

    إننا لم نفعل شيئاً من هذا، وحالنا كما هو: الذي لا يصلي؛ لا يصلي قبل الأحداث وبعدها، والذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر لم يتغير حاله إلا من رحم الله، فليس هناك اعتبار ولا اتعاظ ولا تضرع ولا رجوع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى!!

    فمن الذي حاسب نفسه وقال: كان عملنا حراماً فلنبتعد عنه أو كان هذا الشيء واجباً ولم نفعله، فيجب أن نفعله؟

    لم يحدث شيء من هذا... إذاً ماذا نتوقع؟!

    كيف ندفع العذاب؟

    قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76] ويقول الله: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [سبأ:34] ويقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:96-97] وهذا ما حصل في الكويت -والعياذ بالله - أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] فأين الضراعة التي ذكرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

    فلا والله! ما تضرعنا! ولا استكنا! ولا تبنا! ولا أنبنا! وحالنا كما هو، فكيف تأتينا السكينة؟!

    وكيف يأتينا الأمان والارتياح؟!

    1.   

    هل ننتظر النصر من اليهود والنصارى؟!

    عندما قيل: إن الغرب والكفار سوف يدفعون عنا عذاب الله؛ سُررنا وفرحنا بذلك، نسأل الله العفو والعافية.

    أمة التوحيد التي تقول في كل ركعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هذا هو حالها وهذا هو شأنها في وقت الشدة! أنها لا تلجأ إلى الله ولا تتوب ولا تتضرع! وإنما تلجأ إلى الكفار، وتجعل ثقتها لهم!

    فإلى هذا الحد وصل بنا الأمر من ضعف العقيدة! ففي كل وقت نقول: العقيدة... والعقيـدة... فأية عقيدة هذه! إن لم تكن واقعاً وسلوكاً فإن العقيدة مجرد كلام.

    فأين العقيدة الصحيحة؟!

    وهل من العقيدة أن نأمن ونطمئن إلى الكفار؟!

    وهل نظن أن الكفار سينصروننا؟

    وهل ننسى وعد الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]؟

    فمن هم هؤلاء المؤمنون الذين يدافع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنهم؟!

    وقد قال بعد ذلك: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39] إلى أن قال بعد ذلك: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] وهؤلاء هم الذين يدافع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنهم، وهؤلاء هم الذين ينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنحن إنما ينصرنا الله، وليس الكفار هم الذين ينصروننا!

    وهذا الكلام ليس من حيث ضرورة الواقع، أو غير ذلك، بل هو من حيث التوجه القلبي، فإن هذه المسألة مشكلة خطيرة، وأرجو من كل مسلم أن يقرأ كتاب الله.

    فالمشكلة والخطورة ليست أننا قد نقول: استعانتنا بالكفار أتجوز للضرورة أم لا تجوز؟

    فليست هذه هي القضية؛ لأننا يمكن أن نبحث هذه المسألة أو أن نفعل هذا العمل وقلوبنا مطمئنة بالإيمان، وبالثقة والتوكل على الله، ويكون هذا سبباً من الأسباب.

    ولكن ليست هذه هي المشكلة، بل المشكلـة في أن القلوب انصرفت إلى غير الله من الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.

    فقد تعلقت الآمال بهم في سلامتنا وفي نجاتنا والعياذ بالله.

    وأنا أريد أن نتناول القضية من جانبها الإيماني، ومن جانبها القلبي الإذعاني، وننبه إخواننا وأنفسنا وأهلنا، وأي شخص آخر، إلى أن عذاب الله قد يأتينا في أشكال لا نعلمها، وهذا إنما هو نذير فقط. ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31] فأين نحن من التوكل؟!

    وأين الدعاة والخطباء والعلماء لإيقاظ الناس إلى هذه المسألة المهمة؟!

    وقبل أن نبحث الأسباب، وقبل أن ننظر في واقعنا، يجب أن نبحث عن هذه القضية من جذورها، وهناك إشارة وردت في بيان مجلس القضاء الأعلى إلى وجوب الاستغفار والتوبة.. لكن إذا نظرنا إلى وسائل الإعلام. وإلى البيانات الصادرة، فإننا لا نجد فيها هذا التذكير، مع أنه هو الأصل، وفيه النجاة، وهو الذي امتن علينا به الله، فالله رحيم رءوف بنا عندما نقع في أي مشكلة.

    وعندما دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة منتصراً، دخلها في ذلة لله، واستكانة له، مطأطئ الرأس، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حال الاستكانة والذل لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو منتصر، ونحن في حالة الخوف والذعر والهلع ومع ذلك لم نتضرع ولم نستكن ولم نندب، بل على العكس من ذلك، تعلقنا بالمخلوقين الذين هم أعداء لنا، وعداوتهم لا تنتهي إلى قيام الساعة، فهذا هو العدو الحقيقي الذي لا يمكن أن ينصرنا؛ لأن هذا هو خبر الله عز وجل، وخبر من لا ينطق عن الهوى، الصادق المصدوق، كما ورد في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بـالأعماق) فهناك تكون الملحمة والمعركة، وهي كما بينها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستنتهي لصالح المسلمين حتى لا نخاف ولا نيأس، لكن أين المسلمون؟!

    إن حالات الذل تمر بالأمة كما تمر بها حالات القوة، وأيضاً حالات الخذلان تمر بها كما تمر بها حالات التوفيق إذا اتقت ورجعت إلى الله.

    وكنا في محاضرة: (مستقبل العالم الإسلامي في ظل الوفاق الدولي) ثم محاضرة: (الحروب الصليبية)، من هذا المنطلق كنا نتوقع ونعلم -دون معرفة التفاصيل- أن هذا الميثاق سيؤدي إلى أن الغرب سيتكتل، ويتكالب علينا، وأنه سيأتي إلى هذه المنطقة، لكن الله تعالى أعلم، كيف سيأتي، المهم أنه سيأتي.

    فهل هذه الفرصة أتاحها لهم حزب البعث الصليبي، وقدمها لهم على طبق من ذهب؟!

    أم هل رتبوها مع بعضهم البعض؟

    أم أنها جاءت فرصة فاهتبلوها؟ هذا لا يهم.

    استعدادات أمريكا لغزو الخليج العربي

    لكن المهم أن أمريكا من عام (1980م - 1400هـ) وهي تعد العدة وتدرب الجيوش، فأكثر من مائتين وخمسين ألف جندي أمريكي يتدربون في صحراء نيفادا وهي صحراء قاحلة في وسط أمريكا أجواؤها مشابهة لأجواء الصحراء العربية.

    والمعركة الآن يسمونها معركة درع الصحراء، فهم يتدربون هناك على الإنزال في الخليج، وآخر خبر نذكركم به، عندما حدث الإنزال في بنما، وقيل: إن من أهدافه الاستراتيجية هو التمرين والتعود على الإنزال في الخليج، وهذه العملية ليس لها سوى أربعة أشهر، فالأمر مهم ووارد، ولقد جاءوا من كل حدب وصوب، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى: (تتداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما يتداعى الأكلة إلى قصعتها).

    فمن كل أفق، ومن كل المناطق جاءوا إلينا، بحجة أنهم يحموننا، ومما نُشر أنه من مائتين وخمسين ألف جندي ما لا يقل عن ثلاثين ألف امرأة! برتبة ضابط ونقيب ورقيب، فهؤلاء بنسائهم جاءوا ليحموا أبناء خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبناء الأنصار الذين فتحوا فارس والروم بعدد أقل من عددنا اليوم! وبعدة أقل من عدتنا اليوم!!

    ولو كنا كما أمر الله متقين لله، وقائمين على أمر الله، فوالله سوف نفتح العالم بما عندنا من عدة، وقوة، والله لم يكلفنا مالا نطيق: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

    بعض وسائل دفع الأعداء عنا

    إن أسوأ ما يمكن أن يقع -وهذا واقع- هو أن يتكالب علينا أعداؤنا ولا نستطيع أن ندفعهم، ماذا نفعل؟

    إن بين أيدينا سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنة الخلفاء الراشدين، وعندنا عدة وسائل منها: إعطاؤهم شيئاً من المال، كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه أراد أن يعطي الأحزاب لما تكالبوا عليه من ثمر المدينة.

    ويمكن -أيضاً- أن نساومهم على شيء من الأرض. فهناك وسائل وبدائل، فلم يجعلنا الله تعالى في ضيق وحرج، إما هذا أو هذا، كما يظن بعض الناس، حيث يقولون في المجالس: لا ينفع شيء، إما الموت أو التعلق بالغرب -عياذاً بالله- فمن قال لك هذا؟!

    ومن قال: أنه ليس هناك إلا هذان البديلان ولا ثالث لهما؟

    فلو فكرنا وتأملنا لوجدنا أن هناك أكثر من عشرة بدائل، نستطيع أن ندفع الشر بها بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    ما هي مشكلتنا؟

    والمشكلة في الأساس: هي مشكلتنا مع الله رب العالمين، حيث أننا لم نصطلح مع الله، بل نحاربه! فلذلك غضب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا، وأرسل علينا هؤلاء، وهو الذي أرسل على بني إسرائيل الفرس -بختنصر وجيشه- يقول تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فالفسق والفجور والطغيان والترف الذي كنا نعيشه، هل يمكن لأي عاقل أو ناظر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصدق أن يستمر هذا الأمر إلى الأبد، مع عدم وجود توبة ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر؟

    إن هذا لا يمكن، بل سوف نهلك وفينا الصالحون إذا كثر الخبث، كما أخبر عن ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان المفروض أننا ننظر إلى كل هذه الأمور من خلال كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن نحمد الله على هذه الأحداث فهي عبرة لنا لكي نتعظ.

    وهل تظنون أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -وقد أخبرنا عن نفسه، وعن رحمته بالمؤمنين، وما أعده لهم، وما يبشرهم به- أنه يظلم الكفار أو المؤمنين؟

    إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44] فهل يظلمنا الله وقد دفعنا لـصدام حسين الملايين والمليارات طوال عشر سنوات، ثم ترتد أموالنا علينا؟

    لا والله! لا يظلمنا، لكننا تعلقنا بالأسباب المادية. فلو أننا كنا مستقيمين على أمر الله، فلا ننفق إلا حيث أمر الله أن ننفق، ولا نمنع إلا من أمر الله أن نمنع، وإذا أنفقنا فللدعوة إلى الله، وفي سبيل الله خالصة لوجهه، فلو فعلنا ذلك -والله- لنصرنا الله ولأذل أمريكا، ولأتى بها راكعة ذليلة، وقد أذلها من هو أضعف شأناً منا، فقد أذلها أمام كوبا وغيرها، فهي المضطرة إلينا. فإذا اتقينا الله كفانا الله شرها، وبالمثل إذا خفنا من الله أخافها الله منا، وإذا لم نخف من الله أخافنا الله من كل شيء، وأصابنا بالرعب والذل والهوان.

    فقضيتنا ومشكلتنا نحن المسلمين هي: موتنا ونحن على ماذا؟

    وبماذا نلقاه؟

    فكلنا سنموت، أصحاب الكمامات سيموتون، وغيرهم سيموتون، ولو كنا في بروج مشيدة. فالقضية ليست قضية نظرة مادية، لكن عندنا قضايا أساسية مذكورة في كتاب ربنا، فإذا تبنا وتضرعنا ولجأنا إلى الله؛ فإن الله يسلط على عدونا جنداً من عنده يدفعهم عنا. وقد دفع عنا شرورهم وهم أعظم ما يكونون ونحن أضعف ما نكون. واقرءوا التاريخ، فقبل ستين أو سبعين سنة، كانت بريطانيا العظمى لا تغيب الشمس عن مملكتها، وكانت أكثر بطشاً من أمريكا اليوم، وكانت كل شعوب العالم ترهبها، وتخافها، فممن كانت بريطانيا تخاف؟

    الشيء الذي كانت تخاف منه بريطانيا

    إن أكثر ما كانت بريطانيا تخاف في المنطقة كلها هو من الإخوان الوهابيين -كما يسمونهم الإنجليز- فهذه مشكلتهم، وقد كان هؤلاء الإخوان يعيشون في الصحراء، وليس عندهم استراتيجيات، ولكن كان الإنجليز يخافون منهم خوفاً شديداً.

    ومن الوثائق المنشورة حتى تعرفوا كيف يكون حالنا لو كنا مع الله! أنه كان هناك مقيم سياسي في البحرين كلف من قبل المندوب السامي في العراق أن يكتب شيئاً عن الإخوان -يريدون أن يعرفوا ماهية هؤلاء الإخوان- فكتب -والوثيقة محفوظة، وموجودة- يقول: أنا بنفسي ذهبت إلى شرق البحرين ورأيت: الإخوان أنهم كذا، وصفتهم كذا، ووجوههم صفتها كذا، وتعاملهم في السوق من أفضل التعامل، فهو يكتب عنهم ويحسبون لهم ألف حساب.

    وسألوا أحدهم: كيف يمكن القضاء على الإخوان؟

    فقال: إذا أرادت بريطانيا أن تقضي على الإخوان، فعليها أن تخصص خمسين ألف جندي بريطاني، ولكنهم سيموتون جميعاً تحت شمس الصحراء المحرقة.

    وكان أخطر شيء وأهم شيء تخافه بريطانيا هو أن يهاجم الإخوان الحدود العراقية، فكانت بريطانيا العظمى تخاف من هؤلاء الإخوان!!

    وعندما وصلت جيوش الإخوان إلى بحرة، حيث أنه لم تفتح جدة، وكانوا قد دخلوا مكة ثم تقدموا إلى بحرة من أجل أن يفتحوا جدة، فجاء وزير الخارجية من العراق، ووقع معهم اتفاقية بحرة، وهي تتضمن عدم الاعتداء على الحدود العراقية، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى كان اليهود ومعهم الإنجليز الذين وجدوا في فلسطين يخشون أن يهاجم الإخوان العصابات اليهودية، لأنهم علموا قوتهم، فلو جاء هؤلاء الإخوان إلى فلسطين فإنهم سيقضون على اليهود قضاء مبرماً، وبالفعل في عام (1928م) وصل الإخوان إلى عمَّان، وارتعب الإنجليز رعباً شديداً، وقالوا: إذا أخذ الإخوان الأردن، فسيتقدمون إلى فلسطين وسيقضون على اليهود.

    وهم لم يكن لديهم أكثر من البنادق العادية، حتى أنهم في أحد المعارك أرادوا أن يتقدموا، والإنجليز كانوا يملكون طائرات تقذف ناراً، فقالوا: كيف نتقدم.. سيضربوننا؟

    فقال لهم قادتهم: هذه الطائرات فوق الله أم الله فوقها؟

    -انظروا كيف الإيمان- قالوا: الله فوقها! قالوا: إذاً توكلنا على الله.

    فتأتي الطائرات، وتُصد بالبنادق العادية، وانهزم جيش الصليب الذي كان يملك الطائرات، ودخلوا إلى جدة، ثم تقدموا منها حتى أخذوا العقبة، ولم يكن عدتهم إلا الإيمان بالله تعالى والثقة به؛ فكان العالم يخاف منهم ويرهبهم، ونحن اليوم لدينا الطيران وقوة كثيرة ولكن الذنوب والمعاصي أثقلت كاهلنا.

    فأين الإيمان بالله وقوة التوكل عليه؟!

    وإن وجد ذلك عندنا -فوالله- لخاف منا الغرب والشرق بأسره.

    وهل تظنون أن الغرب والشرق عندما يجتمع ويتكالب ويأتي إلى هذه المنطقة، أن هذا من أجلنا أو من أجل سواد عيوننا؟

    والله ما يريد الكفار لنا خيراً أبداً، وإن جاءت الغازات السامة فهي علينا، والموت لنا نحن المسلمين.

    الأهداف الغربية لغزو الخليج

    إن أغراض الغرب في مجيئه إلينا كثيرة، فمنها: البترول، ولكن قبل البترول هناك الغرض الأساسي وهو إذلال هذه الأمة، وضرب الصحوة الإسلامية، وقد نشر في (11) من ذي القعدة على لسان أحد المسئولين في الإدارة الأمريكية، ما معناه: هل تتخوفون من قوة العراق الضاربة في المنطقة؟

    فكانت الإجابة: لا، لأن العراق يشكل أكبر قوة في المنطقة لضرب الصحوة الإسلامية التي أخوف ما نخاف، وهذا الخبر قد نشر سابقاً.

    ووزير الخارجية البريطاني يقال له: كيف موقفكم مع العراق طوال السنوات الماضية؟

    وما هو موقفكم الآن؟

    قال: إن موقفنا مع العراق -سابقاً- كان المساندة له، فهذا أمر حتمي؛ لأنه كان يحارب الأصولية الإيرانية، ثم قال: وأكثر ما يزعجنا الآن هو أن تتحالف القومية مع الأصولية الإسلامية ضد موقفنا لتأييد صدام، فهو يقول: عندما كان صدام يحارب الأصولية في إيران وقفنا معه وساندناه، وعندما وقفت الأصولية مع صدام حاربنا صدام وهذا كلام واضح.

    فالهدف الغربي هو: إذلال الأمة الإسلامية، وضرب الصحوة الإسلامية، واستنزاف المنطقة؛ لأنها منطقة مهيأة لأن تقود العالم، فـروسيا الآن قد أصبحت تابعاً لأمريكا، وأساطيلها جزء من القوات التي دعت إليها أمريكا، وكلهم ضدنا نحن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] فالشاهد: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] فهل جاءت أمريكا لتحمي الكويت رحمةً بها؟!

    إن الغرب كلهم ليس فيهم رحمة على أحد إلا على الإنسان الأوروبي فقط، فهل سمعنا أن هناك مشكلة حدود بين أي دول أوروبية؟

    لم نسمع بذلك؛ وبعد العام القادم، ستكون أوروبا دولة واحدة، إذاً الأساطيل والحشود لمن؟

    وهذه المليارات التي تنفق على التسليح.. لمن؟!

    إن كل ذلك من أجل مواجهتنا، وقد جاءتهم هذه الفرصة، أو أنهم خططوا لها، المهم أنهم بدءوا يتوافدون، وسيتوافدون علينا لهذا الغرض.

    فـأمريكا من أجل هذا الحدث البسيط أرغمت أسبانيا، واليونان، وتركيا على استخدام القواعد التي في أرضها، وأخذت منهم صلاحيات واسعة في ذلك، واحتلت وطوقت المحيط الهندي، وبحر العرب والبحر الأبيض المتوسط، والمنطقة بكاملها ابتُلعت من أجل الكويت، فهم أناس يخططون للمدى البعيد.

    ونحن لا نقول هذا من أجل الإخافة، فوالله إننا كما نؤمن أن الشمس ستشرق غداً -بإذن الله- نؤمن أن النصر لهذه الأمة -بإذن الله- لكن لمن؟

    وعلى يد من؟

    نحن نحتاج إلى معرفة هذه الأمور الأساسية.

    1.   

    من أجل مواجهة الغرب

    يجب أن نذكر الناس ونربطهم بالله، وأن نقول لهم: ارجعوا إلى القرآن، واعمروا المساجد، وكفوا عن التبرج والاختلاط في الأسواق ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وتوبوا إلى الله، وغيروا ما بأنفسكم فيغير الله ما بكم: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11] وإذا غيرتم؛ ستجدون أن الله يُذهب صدام بانقلاب عسكري أو بأي شيء، فيجب أن نبدأ بالتغيير من الآن.

    فالملحمة مع الروم لن تكون سهلة، ولن تكون يوماً وسنة، وسنتين، بل إنها ملحمة ومعركة طويلة، وهي تحتاج أول ما تحتاج إلى أمة مؤمنة صابرة متقية: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120] فأول شيء نعمله أن نصطلح مع الله، فنلغي الربا، ونلغي الزنا الباطن المتمثل في الفاحشة، والزنا الظاهر المتمثل في التبرج والسفور؛ ونلغي الغناء والرشوة والغيبة والنميمة والحسد والبغضاء بيننا نحن المسلمين.

    ونلغي كل نظام يخالف شريعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بحيث كل الأمور يكون الحكم فيها لكتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونراجع أنفسنا:

    ماذا أذنبنا؟

    وماذا أخطأنا؟

    وماذا فعلنا؟

    ونتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم بعد ذلك نعد العدة ما استطعنا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

    فنعد لهم ما استطعنا، وسينصرنا الله عز وجل، فلا شك أن الروم والغرب هم أعداؤنا إلى قيام الساعة -كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلنعد لهم العدة، ونعلم أنهم لا بد أن يواجهونا يوماً ما، ثم نجعل جميع موازيننا وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا أعطينا نعطي لله، وإذا منعنا نمنع لله، وإذا غضبنا نغضب لله، وإذا رضينا نرضى لله.

    ونخشى لو حلّت هذه القضية أن نعود أصدقاء نحن وهؤلاء المرتدون؛ فيجب أن نعاملهم كما أمر الله أن نعامل الكفار، ويجب أن تكون موالاتنا ومعاداتنا في الله ولذات الله، فهذه العقيدة يجب أن نتمسك بها، فإن متنا نموت ونحن متمسكون بها، وقد عملنا ما استطعنا، وأعددنا ما استطعنا، وإن عشنا فالنصر لنا -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وتأكدوا بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف ينصرنا.

    وإن لم يكن النصر في جيلنا هذا الذي هو جيل المعاصي، فسيكون في جيل آخر، يأتي به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الجيل الذي سيتربى بعيداً عن العقد النفسية.

    وعندما جاءت الحملة الصليبية الأولى ودخلوا أنطاكية، كان عددهم خمسة الآف فقط، لكن الأمة كانت مشغولة بالشهوات، وقد فرقتها العصبيات والفرق والطوائف الضالة، وكان أغلى شيء في تلك الأيام هو المطربات، وأغلى سلعة في السوق كانت الجارية المغنية، حيث وصلت أسعارهن إلى عشرة الآف دينار، وإلى مائة ألف دينار، وكان أهم شيء عندهم هو الطرب واللهو واللعب.

    وكانوا أمة كبيرة جداً، ومواردها هائلة، ثم بعد ذلك خمسة آلآف من الصليبيين يذلونها؛ والحملة الثالثة كانت ثلاثمائة ألف صليبي من جميع دول أوروبا جاءوا وهُزموا بعد خمسين سنة تقريباً؛ لأنه ظهر جيل مؤمن بالله لا يعرف ذلك الفسق والهبوط واللهو الذي كان عند أولئك.

    1.   

    نصيحة للمسلمين

    ونقول نصيحة للمسلمين خاصتهم وعامتهم، نوجهها من هذا المكان، نسأل الله عز وجل أن تبلغ إلى كل من ينفعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها: إن الحرب هي أولاً مع أنفسنا، والصلح أولاً مع الله؛ فنحارب هذه النفس وهذه الشهوات، وهذه النفس الأمارة بالسوء، ونصطلح مع الله ونتوب إليه، ونعيد لأهل الدعوة قيمتهم واعتبارهم.

    فنعيد لرجال الهيئات قيمتهم واعتبارهم، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمته، ولكل أمر من أمور ديننا: الحق، والخير، والفضيلة نعيد لها قيمتها واعتبارها، ونكف عن كل المعاصي، غيروا وانظروا ماذا ستكون النتيجة! والله ليغيرن الله هذا الحال، ويكون هذا نصراً عظيماً جداً نفتخر به مدى الأزمان، ونظل نقول: الحمد لله الذي جعل هذه المشكلة سبباً لتغيير أحوالنا.

    فإذا بقينا على حالنا، نتعلق بالأسباب المادية، ونسينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واستمر صاحب الغناء في غنائه، وصاحب المنكر في منكره، ومحلات السياحة في فسادها، ومحلات الخياطة والتعري في عملها، وتارك الصلاة ظل تاركاً لها، والذي يريد تغيير تسجيلات الغناء إلى تسجيلات إسلامية يمنع، والذي يريد أن يتوب لا يجد من يشجعه، فإذا بقينا هكذا؛ فالعذاب قادم، ونعوذ بالله أن يعذبنا، ولكن نسأل الله ونتضرع إليه ألا يؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، وأنه إذا وقعت العقوبة والفتنة، أن يتوفانا غير مفتونين.

    فيجب أن نتوب؛ لنلقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن على توبة وإيمان، فواجبنا عظيم وكبير ولا يستهان به، ولا تقل: ماذا أفعل؟

    فأنت تعظ، وهذا يخطب، وهذا يعقد المجالس ليذكر الناس بالله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] فإذا أعرضنا، وعصينا؛ لا بد أن يصيبنا النقص: نقص في الوظائف والعملة والأرزاق.

    نذكر الناس ونعظهم ونعظ أنفسنا قبلهم، ونقول كلمة الحق التي سيحاسبنا الله تعالى عليها، لماذا لا نقولها وفيها الخير لنا وللأمة؟

    وأقول: علينا ألا ننام هذه الأيام، وألا نهنأ بأكل ولا شرب، ليس ذلك لأننا نخاف من الموت، أو لأن هؤلاء سينتصرون، لا والله، لكن لأننا سنسأل عن العلم الذي لم ننشره، والدليل الذي لم نبلّغه، وعن الحق الذي لم نصرّح به ولم نقل إلا بعضه، وربما لم نقل شيئاً منه، فلو تحرك العلماء والقضاة والمسئولون كل بحسب مسئوليته، نحو التضرع والتوبة والإنابة والاستغفار لكان أفضل وأخير لنا، أما بدون ذلك فالمسألة ستكون مجرد مهاترات.

    توقعات حول الأزمة

    وأنا أتوقع -والله أعلم- أنه لن تكون هناك ضربة قريبة، لا من هذا ولا من هذا، وإنما سيكون الحصار والإنهاك، فهذا يعزز مواقعه، وهذا يعزز مواقعه، فالبعثيون يحكمون قبضتهم على الكويت، والغربيون يحكمون قبضتهم على المنطقة بأكملها؛ وبعد ذلك سوف يأتي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالفرج من عنده.

    ولن ينبع الأمل والفرج إلا من هذا الشباب الطيب المؤمن، إن اتقى الله وعرف واجبه في هذه الأحداث، وبدأ بالمرحلة الأساسية الأولى التي ذكرناها في الأسبوع الماضي، ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية، ثم الثالثة، حتى لو استمر الحال مائة سنة أو مائتي سنة، فلا بد من يوم يتواجه فيه المؤمنون مع هؤلاء الكافرين.

    وفي ظل هذه الظروف الحالية نحن نحتاج إلى القاعدة الأولى؛ لأن عليها يبنى كل شيء، وتجاوزها إلى أي شيء آخر خطأ، ولا يصح أن يقرّ بأي حال من الأحوال، ومن أراد الأدلة فما ذكرنا يكفي.

    1.   

    شبهات وردود

    وهناك مشكلة أخرى خطيرة جداً، وحقيقةً أنه لا يمكن أن نسكت عنها، وهي الاستدلال بأدلة غير صحيحة، ولا تؤدي إلى المطلوب، ونحن نقول هذا دفاعاً عن ديننا، بغض النظر عن رأينا في أي حدث من الأحداث، وذلك لكي لا يُفترى على الله أو يُكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكي لا يقال على الله غير الحق. فهنالك من تكلم واستدل لبعض الأمور، فأخطأ الاستدلال، فيجب أن نبين خطأه، فنقول:-

    الاستدلال بقصة عبد الله بن أريقط

    أولاً: الاستدلال بحديث عبد الله بن أريقط، وهو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان به واتخذه دليلاً إلى المدينة، وهذا من باب استئجار الكافر، أليس البيع والشراء مع الكفار جائز أم لا؟

    طبعاً جائز، والكل متفق على هذا، وهل الشركة مع الكفار تجوز؟

    على القول الصحيح أنها لا تجوز؛ لأن الشركة مشاعر مشتركة: الرأي واحد، والأمنيات واحدة، فلا تجوز الشركة.

    أما الاستئجار: فإن كان استئجار عين أو استئجار منفعة معينة، فهذا جائز؛ لأنه ليس كالشركة، وهو أقرب للبيع لكنه بيع مؤقت، فلا يجوز الاستدلال بهذا الحديث في غير موضعه الصحيح.

    الاستدلال بالمعاهدة التي عقدها النبي مع اليهود

    الأمر الآخر: هو المعاهدة التي عقدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع اليهود في المدينة، فسكان المدينة الأصليون هم اليهود والأوس والخزرج، فمن الأمور الجديدة على المدينة مجيئ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمهاجرون، إذ أنهم كانوا في نظر أهل المدينة كأنهم محتلون، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب المعاهدة، ومن ضمن ما كتب: أن الأمر في المدينة كلها مرجعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -هذا شيء مهم جداً- وإذا داهم المدينة عدو، فإن الدفاع عنها يكون من قبل الجميع، فهل من المعقول أن يتصدى الأنصار والمهاجرون للعدو، واليهود لا يعملون شيئاً، وهم أهل البلد الأصليون؟

    ليس هذا معقولاً! فهذه القضية هي مسألة تختلف تماماً.

    وشيء آخر وهو: هل استعان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمشركين في أي معركة من معاركه؟

    لا لم يستغن أبداً؛ وقد جاء في بيان هيئة كبار العلماء أن الأمر يرجع إلى الضرورة؛ وهذا صحيح أن الأمر يرجع إلى الضرورة، ولكن الضرورة لها أحكام ولها تفصيل، وهذا ليس موضوعنا، لكن موضوعنا هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستعن بمشرك في أي حرب، بل في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: (أسلمت، قال: لا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع فإنا لا نستعين بمشرك) وهذا حديث صحيح، أما ما نسب إليه -مما ذكره الشافعي رحمه الله- أنه استعان ببعض يهود خيبر، فهذا الحديث غير صحيح، ولم يستعن بهم، وإنما استعملهم في الأرض.

    الاستدلال بقصة الدروع المستعارة

    السؤال: هل استعار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دروعاً من الكفار؟

    الجواب:

    أولاً: الحديث الصحيح في سنن النسائي وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من يعلى بن أمية، ويعلى بن أمية صحابي جليل مسلم، لكن ورد في روايات موجودة في السنن والمسند وغيره من الكتب أنه استعار من صفوان بن أمية وهو مشرك، لكن الصحيح أنه استعار من يعلى بن أمية وليس من صفوان بن أمية، فهذا شيء.

    ثانياً: وعلى فرض صحة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار دروعاً، فإن ذلك أمر طبيعي؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكم الجزيرة العربية، وهو قائد الأمة، وجيشه اثنا عشر ألف. فالجيش المسلم يمكنه أن يستعير أو يشتري السلاح من تجار الكفار، وهذا ليس فيه شيء! وليس هنالك إشكال في هذا! لكن هل هذا من باب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان بالكفار، وحاربوا معه كفاراً آخرين؟!

    الجواب: لا. ونقول هذا براءة للذمة، لأنه مهما كانت الظروف والضغط النفسي علينا؛ فلا يجوز أن نبرر لأنفسنا أي عمل بدليل غير صحيح، فلا يصح أن نستدل به في وقت الضرورة. مثلاً: الميتة ليس هناك دليلٌ أن أكلها حلال، لكن في حالة الضرورة تأكل الميتة، ومتى تكون الضرورة؟

    وهل هي ضرورة؟

    فهذا شيء آخر، فالاستدلال بدليل ضعيف أو موضوع أو غير صحيح؛ لا يجوز.

    1.   

    حكم الاستعانة بالكفار في القتال

    والعلماء قد ذكروا أنه: إذا كنا في عهد مع عدو، وكنا نأمن غائلتهم، وأردنا أن نحارب عدواً آخر، وأمكننا أن نغلب كل منهما على حدة، في هذه الحالة يجوز أن نستعين بالعدو الذي بيننا وبينه عهد.

    مثلاً: أردنا أن نحارب الفرس، ففرح الروم بذلك، فعرضوا مساعدتهم، فإذا كنا قادرين على التغلب عليهم جميعاً؛ ففي هذه الحالة يمكن أن نستعين بالروم على الفرس.

    فهذه الحالة ذكرها الفقهاء، وقالوا: إنه بالإمكان الاستعانة للقضاء على عدو آخر، والأمر المهم أننا مهما كانت الظروف والأمور، يجب أن نتقي الله، إذا قلنا: قال الله، أو قال رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو هذا من الدين، أو هذا يجوز، أوهذا لا يجوز، فإنه يجب أن نقف عند كلام العلماء.

    ومن العجيب أننا نجد أنهم يخيفوننا، ويقولون: إن المطاوعة سوف يموتون؛ لأن الكمامات الواقية لا يمكن استخدامها مع اللحية، وهذا الكلام تكلم به مسئول في الحاخامية اليهودية -المقر الديني لليهود بإسرائيل- وقالوا: يجب أن تصطحبوا معكم مقصات؛ لأنه في حالة وضع القناع سيكون الأمر صعب مع اللحية.

    وأقولها بكل أسف: إسرائيل سكانها كما يقال: ما يقارب أربعة أو خمسة ملايين، وهي مستعدة أن تجند مليون جندي خلال أربع وعشرين ساعة، فالجيش جاهز، والاحتياط جاهز، والكمامات جاهزة، وكل شيء جاهز، فهي أمة تعيش الحرب مع أن الانتفاضة تؤرقها من الداخل، ومع أن اقتصادها منهك ومنهار من الداخل، ومع أن مجتمعها متفكك ومكون من عدة جنسيات، ولديهم مشاكل كثيرة؛ لكنها مستعدة في خلال أربع وعشرين ساعة أن يكون لديها ما يقارب المليون جندي جاهزين لأية حرب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754717447