إسلام ويب

الصبر على الابتلاءللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ حفظه الله عن أمور مهمة تتعلق بالصبر، وحاجة الناس إليه، وعلى وجه الخصوص الدعاة إلى الله، وذلك لما يقابلهم من عقبات تحتاج إلى الصبر، ثم بين ما يترتب على الصبر من الثواب الجزيل، مستعرضاً بعض النماذج من صبر الدعاة الأوائل، مبيناً أنه لابد من الابتلاء وعليه فلابد من الصبر، فهو حيلة من لا حيلة له، وهو أساس النصر، وكلما زادت مسئولية الانسان صار الصبر في حقه أولى وأحرى.

    1.   

    أهمية الصبر وفضله

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك محمد سيد الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    وبعــد:

    أتحدث إليكم أيها الإخوة وأنتم -ولله الحمد- رجال الحسبة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الرجال القائمون على الفريضة التي تركتها الأمة، وغفلت عنها ونسيتها، فاعتراها ما اعتراها من الذل والضعف والهوان، وفيكم بعد الله سبحانه وتعالى، وبعد توفيقه وتأييده الأمل -إن شاء الله- بإعادة هذه الأمة -مع من ييسر الله ويوفقه للتعاون على البر والتقوى- إلى رشدها، وإعادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي به قِوام حياتها، والذي هو سِر أفضليتها على العالمين.

    والحمد لله أنكم تقومون بهذا العمل أيضاً في بلد الله الحرام، وهذا جهاد على جهاد في هذا البلد الذي شرفه الله تعالى وعظمه، وقال في حقه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] فإذا كان هذا عقاب الذي يريد فقط؛ فكيف بالفاعل؟!

    وأنتم تحولون -ولله الحمد- دون فعل الموبقات والمجاهرة بالمنكرات في بلد الله الحرام، وهذا وإن كان واجباً على كل مسلم، لكنكم تضطلعون به رغم قلة الإمكانيات والجهود... ففي هذا -إن شاء الله- غبطةٌ لكم من إخوانكم الذين يغبطونكم على هذا العمل الجليل، وفيه تذكير لكم أيضاً بواجب الاحتساب لله تعالى، والإخلاص لوجهه الكريم، لتنالوا بذلك أجركم كاملاً غير منقوص.

    فنحن نشكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي هيأ لنا مثل هذا اللقاء، ونشكر -كذلك بعده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذين كانوا السبب في هذا الاجتماع الطيب المبارك سواء في رئاسة الهيئات، فضيلة نائب الرئيس العام، أو في مكة فضيلة الشيخ الفراج، أو المسئولون في هذه الجامعة، الذين حرصوا على إقامة هذه الدورة، وحياكم الله جميعاً، وأسأل الله العظيم الجليل لي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.

    الموضوع عن الصبر والكلام يطول فيه جداً كما قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأرضاه: إن الله ما عظَّم شيئاً في كتابه كما عظَّم الصبر، فقد ذكره في أكثر من تسعين موضعا.

    فضل الصابرين ودرجاتهم

    وأما فضل الصابرين ودرجات الصابرين فمنها: ما ذكره الله من مضاعفة الأجر لهم كما في قوله: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [القصص:54].

    ومنها: ما ذكر من توفيتهم أجرهم بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

    ومنها: بيان وذكر معيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، ومنها ما ذكره عز وجل في الاستعانة بالصبر على ما يواجه الإنسان، كما في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) [البقرة:45] وكما في قوله تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل:96] وكما في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود:11] وكما في الوصية به كما في قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    فلا يتم للإنسان حقيقة اليقين والإيمان إلا بالصبر، هذا في حق كل مسلم، وفي حق كل مؤمن، ولكن عندما نتحدث عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يكون الكلام أخص من ذلك، وتكون الحاجة إلى الصبر أعظم من ذلك.

    حاجة الدعاة إلى الصبر

    لعل فيما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في وصية لقمان لابنه: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] إنَّ التعقيب بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيه إشارة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو أحوج من غيره إلى الصبر؛ وأن كل من دعا إلى الله وآمن بالله لابد أن يبتلى وأن يمتحن، ولا بد أن يعادى كما قال سبحانه: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2] أي لا يمكن ذلك، ويقول الله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا الفرقان:31].

    فكل نبي وكل صاحب دعوة له أعداء من المجرمين، وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر له أعداء من المجرمين، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يُصادم الناس في رغباتهم، وفي شهواتهم، وفي مطامعهم، وفي مآربهم وملذاتهم؛ والناس يتهافتون عليها كما مثَّل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بأنهم يتهافتون في النار كما يتهافت الفراش والذباب، ولكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {فأنا آخذ بحجزكم عن النار} وهذا العمل لا يقوم به من بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا العلماء والدعاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، لأن الناس يتهافتون على ما يضرهم.

    فلو أبيح الزنا -عياذاً بالله- لتهافتوا عليه كما يتهافت الذباب على القاذورات، ولو أبيحت الخمرة؛ لشربها أكثر من ترى من الناس، ولو أبيح أي نوع من أنواع الفساد؛ لرأيتهم يتهافتون عليه، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [الأنعام:116].

    وأما إذا اجتمعت مع هذه الشهوة والرغبة شهوات أخرى؛ كأن يكون الرجل ذا منصب، أو كأن يكون ذا مال وجاه عند الناس؛ فإن ردّه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون أكبر، فيستعظم ويستفظع أن رجلاً في مرتبة كذا ينتقد عليه وهو صاحب الرتبة والمرتبة والجاه والسلطان ويقول له: اتق الله، فهذا حال من أخبر الله تعالى عنهم بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] نعوذ بالله من ذلك، ولكن هذا أصبح حال أكثر الناس الآن.

    فإذا كان هذا في زمن كثر فيه الفساد , واشتدت غربة الدين -كما ترون- وضعف فيه سلطان أهل الحق، وأصبحوا لا يخلو حالهم من قلة أو ذلة، فإن الأمر يكون أشد، وإن الصبر يكون أحوج ما يكون له العبد ما تحتمله هذه الكلمة من أنواع الصبر.

    الصبر على أذى النفس والأهل

    نعم. الصبر على أذى النفس، وعلى هوى هذه النفس الأمارة بالسوء والتي تقول لك: يا عبد الله. الناس مرتاحون, الناس لا يعادون خلق الله, الناس يأكلون ويشربون، الناس في وظائف مرفهة منعمة, الناس في أجور عالية, وأنت في هذا المجال، ماذا تقصد، وما فائدتك؟

    فهذه سهوة لا بد أن تردها وأن تقمعها, وأن تقول لها: أيتها النفس: اخسئي ولا تتكلمي؛ فإنني أعمل عمل الأنبياء.

    وهذا العمل لو لم نتقاض عليه أي أجر فإن رسل الله الكرام قالوا لقومهم -كما ذكر سبحانه-: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:164] ولكن ما جاء من عند الله فهو خير.

    ولاشك عند من يُقَدر حال الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أن أولى ما ينفق عليه ومن أحق الناس بالعطاء الجزيل هم رجال الحسبة؛ لكن إذا لم يحصل ذلك فهنا لا بد من الصبر.

    والصبر يكون كذلك مع الأهل: لأن بعض الناس قد يصبر وقد يقاوم نفسه، ولكنه قد ينهزم أمام أهله -الزوجة أو الزوجات أو الأبناء- الذين يقولون: لقد أضعتنا، فالليل في دوريات، والنهار في دوامين، لم لا تفعل كذا أو تأتي بكذا؟

    إذاً: نحن ماذا؟

    دعك من هذا العمل، اترك هذا العمل، أرحنا منه، وافتح محلاً... إلخ. وهذا من الفتنة والابتلاء، فقد ابتلى الله سبحانه تعالى نوحاً عليه السلام بامرأته وابنه, وابتلى لوطاً بامرأته, وابتلى إبراهيم بأبيه، فلا نستغرب هذا، فقد ابتلي به كل الأنبياء. فلابد من الصبر على ابتلاء الأهل وعلى ما يقولونه، وكذلك يكون الصبر على الابتلاء الحاصل في العمل نفسه.

    ابتلاء هذه الأمة بالفرقة والاختلاف

    إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كرم هذه الأمة، فهي أمة مكرمة مفضلة؛ لكنها لابد أن تأخذ عقوبتها إذا عصت الله، وإن كانت عقوبتها أخف من غيرها، تكريماً لها وتشريفاً لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستجابة لدعائه، {لمَّا قال سبحانه: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] فقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك، فقال الله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتان أَهْوَنُ -أَوْ قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَيْسَر} رواه البخاري والترمذي وأحمد.

    وعن عامر بن سعد عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا} رواه مسلم وأحمد.

    أي: أعطاه ألا يهلك أمته بعذاب من فوقهم، ولا من تحت أرجلهم؛ ومنعه مشكلة الفرقة والاختلاف في الرأي، وفي الاجتهادات.

    أقول: بالنسبة للعمل: فأنت ترى أن إنكار المنكر يكون بهذه الطريقة، ورئيسك المباشر قد يرى غير ذلك، والرئيس الذي أعلى منه قد يرى خلاف ذلك، فالمفتش له رأي، والرئيس العام -أحياناً- يكون له رأي... وهكذا، وأنتم كلكم ليس لكم غرض إلا إنكار المنكر، لكن الفرقة تدب، ثم يجعلها الشيطان مشكلة، ثم يجعلها أحزاباً وخصومات... وأحرص ما يحرص عليه الشيطان: أن يوقع الفتنة والعداوة بين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر, وبين العلماء وبين الدعاة, وهذا هو مكسب الشيطان.

    إن الشيطان لا يريد أن يوقع العداوة بين من يشربون الخمر -مع أن شرب الخمر من ضروراته حصول العداوة- أو من يلعبون القمار والميسر... إلخ.

    لكن الشيطان أحرص ما يكون على هذه الحالقة؛ كما جاء عن الزبير بن العوام قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ} رواه الترمذي وأحمد، فالفرقة والخصومة والنزاعات بين الإخوة العاملين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة كبيرة جداً؛ فلو تخلص الإنسان من مشكلة النفس وهواها وهوى جنسها، ومشكلة الأهل؛ فقل أن يسلم من مشكلة العمل وسيره والخلافات فيه.

    1.   

    عقبات تقتحم الصبر

    إننا لو اتفقنا نحن في العمل - في المركز أو في الإدارة أو في الرئاسة- كلنا على منكر ما واتحدنا وأردنا الخير وكانت المسألة واضحة ولا تحتاج إلى نقاش ولا إلى خلاف؛ لوجدنا العداوة من غيرنا، وصاحب الشهوة أو صاحب المنكر يأتيك ويجلب عليك كل عداوة، وتأتيك العداوة من الشرطة، وأحياناً تأتيك من الإمارة مثلاً.

    فأقول: من نذر نفسه في هذا العمل فليتوقع العداوة من كل أحد؛ توقع أن يأتيك أمر بالنقل أو بالفصل أو بالطرد أو بأي شكل من الأشكال، وما ذنبك إلا أنك قلت لأحدهم: اتق الله، أو غضبت عليه وهو على منكر أو جرم يجب على كل مسلم أن ينكره عليه، وليس عليك أنت -فقط- الذي وظفت أصلاً لهذا العمل، وستحاسب لو قصرت فيه.

    إذاً: فهي مشكلة: إن قمتم بواجبكم حوسبتم، وقيل: أنتم عملتم وأسأتم، أو يقال: شككتم الناس في أهاليهم -هذا إذا قبض على أحدٍ وكان مستوراً فانفضح بأن كان عنده مصنع خمر مثلاً- أما إذا لم تعملوا شيئاً قالوا: لا يخافون الله، يأخذون الراتب دون عمل، يتكلمون ويشربون القهوة، ثم بعد هذا يأخذون الراتب آخر الشهر.

    إذاً: ماذا نعمل؟

    إن عملنا نلام بلاحق، وإن سكتنا نلام على ذلك! فأقول يا إخوان: هذا لا بد منه، وما دام لا بد منه فلا حيلة لكم إلا الصبر، فقد أرشدنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى ذلك، وأن أي أمر لا حيلة لنا فيه فالحيلة معه الصبر، فإن الصبر حيلة من لا حيلة له؛ ولهذا إذا قدر الله تعالى على أي إنسان مصيبة -نسأل الله أن يحفظنا وإياكم - فوقعت وانتهى الأمر؛ فلا حيلة له إلا الصبر، ومتى يكون الصبر؟

    عند الصدمة الأولى، وأما بعد ذلك فكل الناس تسلو كما تسلو البهائم؛ لكن المؤمن يصبر ويحتسب عند الصدمة الأولى؟

    لأن الأمر قد انتهى، فمات من مات وحصل ما حصل وانتهى فماذا بقي من حيلة؟

    بقي الصبر والاحتساب عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكل هذه العقبات يجدها الداعية ويجدها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في طريقه أينما اتجه.

    ابتلاء الدعاة في الوقت الحاضر

    إنّ الشيطان إذا جاء وقال لصاحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا كان الأمر كذلك فانسحب من هذا الميدان، فماذا يكون الحال؟

    وهل هذا حل؟

    لا. هذا ليس حلاً، فهنا الخطر، وهنا تكون الفتنة لأهل الشر والفسق والفجور، وما أجرأهم على ارتكاب المحرمات؛ إلا أنهم رأوا أنه كلما برز عنصر طيب في الهيئات سرعان ما ينسحب أو ينتقل، فيكون ذلك فتنة لأهل الفساد، ويكون أيضاً إسقاطاً وخوراً في عزيمة المجتهدين الراغبين في داخل الجهاز، ويكون أيضاً تثبيطاً وتخذيلاً لمن يريد أن يلتحق بهذا الجهاز، وهو يرى أن أهل الخير وأهل الفضل يتركونه.

    ثم أهم من ذلك: أن هذا الإنسان يأثم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه آثر الراحة وآثر السلامة؛ أي أنه باختصارلم ينجح في الابتلاء، والله تعالى يقول: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] أي: أنه لا بد من الفتنة، ولا بد من الابتلاء، فهذه سنة ربانية حتى قال بعض العلماء: "إن من لم يؤذَ ويبتلى ويتحمل الأذى، فإن إيمانه لا يعد إيماناً في الحقيقة" فهو مسلم -إن شاء الله- وعلى خير، إن مات قبل الابتلاء؛ لكن إذا حصل الابتلاء؛ فهنا يكون المحك، إما أن يصبر فيرتقى إيمانه ويكون مؤمنا حقاً على تفاوت في الدرجات بين المؤمنين؛ وإما أن يخفق في الابتلاء فيفقد إيمانه -نسأل الله العفو والعافية- وكفى به حرمان.

    ولا خيار للإنسان، فنحن عبيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، خلقنا وسيرنا واستعبدنا بأن نقيم هذا الدين, وأن ندعو إليه دون اختيار لنا في ذلك أبداً، وأي انحراف أو خروج منا على هذا الابتلاء، أو محاولة في الابتعاد عن هذا الابتلاء فإن ذلك علينا لا لنا.

    1.   

    نماذج الصابرين قدوة

    الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] أي: أن كل من اتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو داعٍ إلى الله، وهو آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر؛ ولهذا كان الصحابة الكرام جميعاً آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وأول وأعظم من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم أعظم أكابر الصحابة في الإيمان والتقوى، كـأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

    عمر يأمر بالمعروف ينهى عن المنكر

    عندما تتفكر كيف كان عمر رضي الله عنه يذهب في الليل ليسمع، ويرى، ويتفقد، وإذا امرأة تقول: "كيف السبيل إلى خمر فأشربها" تغزلت في رجل بشعر وهي نائمة، ولا تظن أن أحداً يسمعها فتقول:

    ألا سـبيل إلى خمر فأشربها      أو كيف السبيل إلى نصر بن حجاج

    فسمع عمر رضي الله تعالى عنه هذا الكلام، وفي اليوم الثاني سأل عمر: من نصر بن حجاج؟

    قيل: هو رجل فيه جمال وتُعجَب به من ضُعْف إيمانها, فأمر بأن ينفى من المدينة إلى الكوفة.

    سبحان الله! وأما اليوم فما يعرض في وسائل الإعلام من مثيرات الشهوات أضعاف أضعاف هذا الشعر! وذاك في عصر الإيمان والنور، ونحن في القرن الخامس عشر.

    فهكذا كانوا هم أعظم القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل كانوا يبدءون بأنفسهم.

    دخل عمر رضي الله تعالى عنه يوماً إلى سوق الإبل يتفقد ويستطلع أحوال الناس، إن رأى ضعيفاً أو عاجزاً أعطاه، وإن رأى محروماً أعطاه، وإن رأى منكراً غيَّره، فما رأى منكراً -والحمد لله- فبلد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله الصحابة ليس فيهم منكر؛ لكن لفت نظره ذلك اليوم أن إبلاً أسمن من غيرها، ففكر! كيف ذلك وكل الإبل ترعى سواء من المدينة؟!

    فسأل لمن هذه الإبل؟

    قالوا: هذه لـعبد الله بن عمر ثم جيء بـعبد الله بن عمر وسأله عمر: [لِمَ يا عبد الله بن عمر هذه الإبل أسمن من غيرها؟ قال: والله يا أمير المؤمنين إن هذه الإبل اشتريتها من مالي، ورعيتها مع المسلمين، واسترعيت لها رعاةً من المسلمين، وهأنذا أريد أن أبيعها فقال عمر: لا. كان الناس يقولون: اسقِ إبل ابن أمير المؤمنين, أورد إبل ابن أمير المؤمنين؛ فلأنك ابن عمر شربت إبلك أكثر، ورعت أكثر، فكانت أسمن من غيرها، لا يا عبد الله: لك رأس مالك, والربح في بيت مال المسلمين قال: سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين].

    فماذا يصنع عبد الله بن عمر أو غيره مع عمر رضي الله تعالى عنه؟!

    انظروا إلى الحساسية، وكيف بدأ بنفسه في إنكار المنكر، والتعاون على البر والتقوى، ولهذا نصرهم الله ووفقهم.

    عاقبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    كان الواحد منهم يذهب إلى الجهاد، وقد يصل إلى أطراف الأندلس أو إلى السند وهو مطمئن، فلن يضيع أهله؛ لأنه لا توجد مغريات أو مثيرات تجعلهم يرتكبون الفواحش -والعياذ بالله- ولن يضيع أبناؤه فالناس في خير وإلى خير والحمد لله، وكل مسلم يستشعر ويحس بمسئوليته نحو الجميع.

    ولذلك لما جاء رسول كسرى إلى المدينة متطلعاً يريد أن يرى قصور المدينة- وقد جاء من عند الإيوان -البيت الأبيض- وكأنه يسأل: أين البيت الأبيض عند عمر؟

    لكن عمر لما هز الدنيا كلها ما كان ليكون له بيت أبيض في المدينة، فدخل الرسول وإذا به لم يرَ إلا بيوتاً عادية جداً, أين أمير المؤمنين، أين عمر؟

    قالوا: ابحث عنه في المسجد، فذهب ووجده وحده نائماً في ظل الشجرة، متوسداً حجراً, فما صدَّق أنه عمر! أهذا عمر الذي أرهب كسرى وقيصر؟

    فلماذا أوقع الله هيبته في قلوب العالمين يا معشر المؤمنين؟

    إنه لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    فأولئك عملوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكان حقاً عليه أن ينصرهم، قال تعالى: ومن أوفى بعهده من الله [التوبة:111] فنصرهم ورفعهم على العالمين، فوالله ما خسروا شيئاً، بل إنهم ربحوا الربح الأكبر، ولنفترض أنهم جمعوا أموال الدنيا فقد جاء بعدهم مَنْ جمعها، ولكن أين هي؟

    أبو الدرداء رضي الله عنه كان يقول: [[يا أهل دمشق، يا أهل دمشق :، مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون... يا أهل دمشق، إنه قد بلغنا أن عاداً قد بنوا لَبنة من ذهب ولَبنة من فضة، فمن منكم يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟]] لن يدفعها أحد، فأين عاد؟ ذهبت وانتهت.

    وكذلك الآن ونحن بعد قرون، لو عُرض على أحد أن يشتري تركة أكبر إنسان ثري في العالم اليوم وبنوكه بدرهمين، فلن يشتريها أحد لأنها ذهبت، ولكنه عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موقوف يحاسب على كل صغيرة وكبيرة.

    1.   

    أهمية الصبر للداعية

    إن هذه الشعيرة العظمى، كلما أحييناها في الأمة أحياها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلنصبر على ذلك, ولنحتسب عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كل ما يصبنا من الأذى؛ وكل ما نلاقيه من محن، وكل ما يعترضنا من فتن، ولنفترض أسوأ الأحوال دائماً، ولنفترض أننا في بيئة لا تقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    إننا في خير لأننا نستطيع أن ندعو؛ وذلك أننا إذا ما قارنا أنفسنا بغيرنا؛ فسنجد أنه لا يوجد في هذا العالم دولة فيها هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا هذه البلاد، وأسوأ من ذلك أنه في تلك البلاد يعذب الإنسان، ويمتحن ويؤذى ويتابع وتكتب عليه التقارير؛ لأنه شوهد وضبط وهو يصلي الفجر عدة أيام في مسجد ما، وهذه مصيبة كبيرة جداً، فالواحد منا إذا رأى كثرة الشر والفساد والمعوقات والأعداء عليه أن يقول: أنا بخير بالنسبة إلى ذلك المسكين الذي توبع لأنه صلى، فأنا على الأقل أستطيع أن أقول: أيها الناس: صلوا.

    فهذا الركن العظيم وهذه الشعيرة العظيمة عليكم أن تحافظوا عليها، فلا ينظر أحدنا إلى كثرة الشر؛ بل يقارن نفسه بمن هو دونه، فينظر إلى من هو أقل منه أمراً ونهياً عن المنكر فيحمد الله أنه في فسحة، وأنه يستطيع ذلك.

    إذاً: فالإنسان في مثل هذه الأمور يصبِّر نفسه، ويعزيها، ويسليها، ولا شك أن العاقبة للمتقين، طال الزمان أو قصر، فالله تعالى يقول: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [الأنبياء:105].

    فلا أحد كان يظن أيام الدولة العثمانية -وهي تحكم العالم شرقاً وغرباً حتى وصلت إلى بولندا- أن هذا الشيخ المسكين محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- الذي كان يذهب إلى الناس وإلى أهالي القرية وكلهم يطردونه وكان رجلاً وحيداً أن يكون له هذا الذكر الحسن.

    فيقبله محمد بن سعود -رحمة الله عليه- ويتحالف معه في تلك المملكة وكانت كلها قرية الدرعية فقط، فما هي بالنسبة للدولة العثمانية أو بالنسبة لـنابليون وللعالم الذي كان بعد ذلك في أوروبا؟

    ولكنها لما بدأت بالتوحيد الخالص لله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مدها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأظهرها ونشرها، وأبقى له -كما ترون- الذكر الحسن في العالمين إلى هذا اليوم، وهذا فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وعادةً يكون انبلاج الفجر عند اشتداد الظلمة, فإذا رأيت الحق يحارب فاستبشر بأن النصر قريب؛ وإذا دارت المعركة بين الحق والباطل بوضوح فاعلم أن النصر قريب؛ لأن الحق هو دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وهو مُتكفِّل به, ولن يُضيع عباده الصالحين أبدا, لكن المشكلة أنهم يأتون من قبل أنفسهم ومن تقصيرهم وتخاذلهم، فإن فعلوا ذلك فقد قال تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] أي: أنه سيأتي بغيرهم.

    المهم: أن هذا الدين سيقوم, إن لم يقم على يديك فعلى يدي غيرك, وإن لم يُقَم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على يد الهيئات؛ فسيخرج الله من أبناء المترفين وأبناء المجرمين من يقيمه، فتجد الأب يوزع الخمر والمخدرات، وابنه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.

    فهذا دين الله ولا يستطيع أحد أن يسده أبداً، وسيخرج الله له من يقيم الحجة على العالمين، لكن هذه فترات ابتلاء وامتحان لا بد أن تمر.

    صبر الدعاة هو من عزم الأمور

    كما ابتلي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهل أحد أكرم أو أمنَّ على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأحظى عند الله من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

    فقد حوصر في الشعب هو وبنو هاشم، إلى درجة أنهم أكلوا أوراق الشجر من الجوع، وكان ذلك لما كتبت الصحيفة التي تعاقدت قريش فيها على الكفر -والعياذ بالله- وعلى القطيعة؛ فكان لابد من الابتلاء.

    وماذا كان يوم أحد؟

    وكم كان يوم الأحزاب من الفتن والأهوال التي زلزلت قلوب المؤمنين؟

    ولكن في النهاية كان النصر المبين والحمد لله.

    فالصبر هو أساس النصر حتى عند من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وقد سُئل الفارس الجاهلي المشهور عنترة بن شداد، فقيل له: كيف تغلب الخصوم إذا بارزتهم؟

    قال: كلما قالت نفسي: فر واهرب سيقتلك، قلت لها: اصبري قليلاً لعله يفر قبلي، وما أزال بها حتى يفر؛ سبحان الله! هكذا الإنسان كلما آتاه الله ابتلاء فليصبر قليلاً لعل الله أن يكفيه شره، ولعله هو الذي يذهب؛ وبهذه الطريقة يحصل النصر والله تعالى يقول: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186] أي: أن الصبر والتقوى من عزم الأمور، وأهل العزائم معدودون، لكن هؤلاء الأفراد المعدودون هم الذي يعيدون المسيرة كلها؛ لأن هذا الفرد يضع العلامة على الطريق، وهو مثل الذي يتقدم تحت وابل من الرصاص من الأعداء لكي يضع علامة على الطريق ويموت، ثم يأتي الآخر ويضع علامة حتى يمشي عليها الناس، فهذا هو الابتلاء الذي يلاقيه الدعاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؛ لأنهم يرسمون طريق العودة لهذه الأمة كلها، فإذا تحول الناس إلى الخير، برز النفاق، فالذي كان وقت الشدة لا يعرفك ولا تعرفه، بل وتخلى عنك، إذا أظهرك الله ومكنّ لك جاءك يقول: أتذكر يوم ساعدتك؟

    أتذكر كيف أعنتك يوم احتجتني؟

    وهكذا حتى في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان النفاق على هذه الصورة، وهو كذلك في كل زمن.

    والمؤمنون يصبرون في أول الأمر حين يمتحنون ويؤذون, وقد لا يرون شيئاً من النصر؛ فهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه، الفتى الذي كان مترفاً في مكة ذهب إلى المدينة ودعا الأنصار إلى الله, فأسلموا حتى ما بقى بيت في المدينة إلا ودخله الإسلام وقُرئَ فيه القرآن، يُقتل يوم أحد رضي الله عنه، فيأتي الصحابة الكرام وليس له إلا رداءً إن غُطي به رأسه بدت رجلاه, وإن غطيت به رجلاه بدا رأسه، ومات ولم ير شيئاً من النصر؛ لكن الذين عاشوا من بعده كـعتبة بن غزوان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وأمثالهم، فهؤلاء رأوا كيف أظهرهم الله على كسرى وقيصر وفتحوا العالم؛ لكن من مات في بداية الطريق لم يرَ شيئاً من ذلك ولا أدركه؛ هؤلاء غبطوا ذلك المتقدم، وقالوا: "نخشى أن تكون حسناتنا عجلت إلينا" فخافوا من أن ما أدركوه من الخير ومن النعمة، أن تكون حسناتهم عُجلت إليهم، أما مصعب وعبد الله بن رواحة وأمثالهم رضي الله عنهم فإنهم ماتوا قبل أن تفتح هذه البلاد، وقبل أن تكون تلك النعم.

    وتشتد الحاجة إلى الصبر كلما كانت الأمة في انحراف، وتحتاج لمن يؤسس لها الخير، ولا أرى أن الأمر قد يحتاج إلى أن أُذكَّر بواقع هذه الأمة الآن، فإنه شيء معرف.

    1.   

    مستهدفون .. لماذا وما الحل؟!

    نحن في هذا البلد نعاني من شيء آخر، رغم ما عندنا من بقايا الخير ومن استجابة في الناس وهي: أننا بلد مستهدف، وما أظن أن أمة في العالم مستهدفة محاربة بشكل واضح من العالم مثلنا رغم أننا لم نؤذ أحداً، وتسمعون ما يثار وما يقال، حتى لو كان عندنا خبر واضح مثل الشمس فلا يمكن أن يروه إلا مزوراً، أو يزيدوا فيه أو ينقصوا، أو يربطوه بشيءٍ لا حقيقة له، حتى من أكرمناهم وأعطيناهم لا يمكن أن يقولوا: جزاهم الله خيراً، أو يسكتوا عن اللوم، وهذا يجعلنا نفكر: لماذا نحن مستهدفون؟

    هذا السؤال مهم يصرح به المسئولون والمثقفون والدعاة والذين يقرءون الصحف العالمية ويسمعون الإذاعات العالمية، من الناس من يقول: إن ذلك بسبب الثروة، مع أن هناك من دول العالم من هي أثرى منا، قد يكون عندنا خير كثير، لكن ذلك لا يعد شيئاً وبالنسبة لغيرنا، فإذا قارنت بثروة أمريكا أو اليابان أو ألمانيا الغربية فلا تكاد تصدق مما عندهم من ثروة! وكوننا فتح الله علينا من المال فإنه لا تزال مناطق كثيرة جداً في بلادنا بحاجة إلى بعض الأمور الأساسية من طرق ومستشفيات ومدارس...إلخ. فالقضية ليست قضية المال.

    ورغم أننا أتينا بهم إلى بلادنا وهذا لا يجوز شرعاً، لأن جزيرة العرب لا يجوز أن يجتمع فيها دينان كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفتى بذلك العلماء والحمد لله لكن أقول: مع ذلك أخذوا من الثروة وما سكتوا.

    وإن قيل: بسبب الأمن، والأمن نعمة عظيمة نحسد عليها، لكن الأمن ما جاءنا من أجهزة الإنذار الإلكترونية المعلقة في كل بيت، ولا يوجد عندما في البيوت مثل هذا، بل عندما ملكنا الكمبيوتر أصبح واقعنا الأمني أقل منه قبل أربعين سنة.

    إذاً: الأمن له سر وهو نتيجة لشيء آخر تميزنا به هو: هذا الدين، وهذا الإسلام، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] يريدون منا أن نبني كنائس في بلادنا، يريدون أن يدخلوا اليهودية والنصرانية، بل يريدون يجعلوا منا شيوعيين ماركسيين، أو أي ملة من الملل، المهم: لا يريدوننا أن نبقى مسلمين, فكـل الحروب مهما اختلفت ومها تنوعت المعارك فهي كلها من أجل هذه العقيدة، من أجل هذا الإيمان، وبالذات أنها -ولله الحمد- عقيدة نقية سلفية صحيحة، هذا هو السبب، ولذلك فالمحافظة على هذه العقيدة، وذب المنكرات التي تحيط بها من البدع والضلالات هو أوجب الواجبات، أي: أن حماية بيضة الدين وأصل الدين هو المحافظة على هذه العقيدة، والإيمان هو أوجب واجب على كل أحد في هذه البلاد، لأن هذا هو السبب، ولذلك نحن مستهدفون، وهناك أخبار كثيرة مفزعة نقرءوها، فلو ربينا الشباب هنا تربية سليمة ما حدثت مثل هذه الأمور.

    منذ فترة أربعة عشر نفراً من السعوديين قتلوا في شاطىء في بانكوك، في شواطىء الفساد، كم هم الذين أتت من مانيلا جنائزهم، لولا أنها في جرائدنا نحن لقلنا: إنها من هؤلاء الحاقدين المعتدين، وهذا يدلنا على الخواء الذي نعيشه، لما هذا التهافت على الخارج، ما الذي في الخارج؟

    نحن الذين العالم كله يغبطنا -كما يقولون- من أجل المال، من أجل الأمن... فلماذا نحن نتهافت إليه، نسافر إليه؟

    إن الشهوة الرخيصة الشهوة الدنسة تجعلنا نذهب إليه، ثم إذا ذهب الإنسان إلى هناك هل يرجع إلينا يقول: اتقوا الله، هل يرجع يقول: رأيت المنكرات رأيت الإجرام رأيت ورأيت...؟

    أبداً. مهما رأى فإنما يتحدث، بل إن بعضهم قد لا يرجع أصلاً، وبعضهم يسرق ويذهب، ثم يرجع إلى هنا وهو يقول: إنها بلاد الحرية، أيُّ حرية هذه وقد سلبوك كل شيء؟

    لأن الشهوة إذا قادت الإنسان أذهبت عقله ودينه -نسأل الله العفو والعافية- ولذلك فإن حرب مقاومة هذه الشهوة أول ما تبدأ فإنما تبدأ بتأسيس الإيمان والعقيدة الصحيحة ومحاربة البدع، ومحاربة الضلالات، وبناء التقوى وخوف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قلوب الناس، والقبض على المجرمين وملاحقتهم وترصدهم في أماكن وجودهم هذا أمر وعمل لا بد منه، لا شك في ذلك، وبه قوام حياة المجتمع وأمنه.

    السبب الحقيقي للاستهداف

    إذاً: الأمن له سر، وهو نتيجة لشيء آخر تميزنا به هو هذا الدين (الإسلام) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] يريدون منا أن نبني كنائس في بلادنا، يريدون أن يدخلوا اليهودية والنصرانية يريدون أن يجعلونا شيوعيين ماركسسين أو أي ملة من الملل، المهم لا يريدون أن نبقى مسلمين, فكـل الحروب مهما اختلفت ومها تنوعت كلها من أجل هذه العقيدة، من أجل هذا الإيمان، وبالذات لأنها عقيدة نقية سلفية صحيحة، هذا هو السبب.

    ولذلك فالمحافظة على هذه العقيدة، وذب المنكرات التي تحيط بها من البدع والضلالات هو أوجب الواجبات، أي أن حماية بيضة الدين -وأصل الدين هو المحافظة على هذه العقيدة- هو أوجب واجب على كل أحد في هذه البلاد، لأن هذا هو السبب، ولذلك نحن مستهدفون.

    وهناك أخبار مفزعة نقرؤها، فلو ربينا الشباب تربية سليمة ما حدثت مثل هذه الأمور، فقد قرأنا أنه أربعة عشر نفراً من السعوديين قتلوا في شاطىء من شواطئ الفساد بانكوك.

    كم هم الذين أتت جوائزهم من مانلا؟

    ولولا أنها نشرت في جرائدنا لقلنا إنها إشاعات من الحاقدين المعتدين، وهذا يدل على الخواء الذي نعيشه، والتهافت على الخارج، من أجل الشهوة، إذا كان العالم يغبطنا -كما يقولون- من أجل المال.. من أجل الأمن.. فلماذا نحن نتهافت عليهم؟

    من أجل الشهوة الرخيصة الدنسة؟

    ثم إن بعضهم لا يرجع أصلاً، وبعضهم يسرق وينهب، لكن يرجع هنا ويقول: رجعت من بلاد الحرية؛ لأن الشهوة إذا قادت الإنسان أعمت بصيرته وأذهبت عقله ودينه -نسأل الله العفو والعافية- ولذلك حرب مقاومة الشهوة أول ما تبدأ بتأسيس الإيمان والعقيدة الصحيحة ومحاربة البدع، والضلالات، وبناء التقوى وخوف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قلوب الناس، والقبض على المجرمين وملاحقتهم ورصدهم في مظان تواجدهم، وهذا أمر لا بد منه، وبه قوام حياة المجتمع وأمنه.

    أهمية العقيدة الصحيحة وإحياء رسالة المسجد

    لا بد من الوقاية بتربية الناس على العقيدة الصحيحة والتقوى وخوف الله، والرغبة في الآخرة، والزجر عن الشهوات من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروئة، ومن خلال خطب الجمعة، ومن إحياء المدارسة في المساجد، وأن يعود للمسجد قيمته حتى يرتبط الإنسان إذا تاب بالمسجد، وبعض الناس إذا تاب لا يدري إلى أين يذهب، إذا أتى إلى المسجد يجد أهله منشغلين بطلابهم، وإذا أتى إلى الهيئة وجدهم مشغولين أيضاً، فلا يدري أين يذهب، ولا يجد من يدله إلى الطريق الصحيح! لا بأس أن تعطيه شريطاً، لكن مع ذلك اربطه بالمسجد، وقل له: اذهب إلى المسجد وصل، واسمع ذكر الله، وتعلم كتاب الله، وإن كنت محتاجاً فأهل الخير سيعطونك من فضل الله تبارك وتعالى، المسجد كله خير، كله بركة، كله نور، فلما جعلناه للصلاة فقط انتهى أثره في حياة الناس، لقد كان المسجد في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة هو مقر الشورى، هو مقر القضاء، هو مقر العلم، مقر الفتيا، وكذا كان في عهد أبي بكر وعمر، أما نحن الآن فمقرنا المقاهي والملاهي والملاعب التي نضيع فيها الساعات الطوال، والمسجد ليس له إلا تلك اللحظات؛ وهذا لمن يأتي إليه!

    أكثر المشاكل تحتاج إلى صبر وتعاون

    أقول أولاً وآخراً: اصبروا واحتسبوا، وأخلصوا العمل لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واعلموا أن كل من يدعو إلى الله عز وجل، وكل من يُعلم الناس كتاب الله، وكل من يدعوهم إلى الخير فهو معكم، وإنما خطؤنا وتقصيرنا هو من أنفسنا، فإننا لا نتزاور، ولا نتعارف، ولا نتعاون، ولا يشدُّ بعضنا من أزر بعض، واعلموا أن بعض الأمور قد تستعصي على عضو الهيئة بينما يستطيع أن يحلها إنسان آخر بطريقة أخرى لما له من معرفة في الشرطة، أو في الإمارة، أو في أي إدارة أخرى، فتحل القضية، ويكسب الأجر العظيم، وتكون الشفاعة الحسنة التي يؤجر عليها صاحبها.

    إننا قد لا نشعر بمشكلات بعضنا البعض، المحاكم لا ندري ما يدور فيها، فهم متخمون بالادعاءات والمشاكل، وهيئات التمييز تقول: لا نقدر أن نغطي أعمالنا لكثرة ما لدينا من مصائب، المدرس يقول: نحن جداولنا مزدحمة، تحضير في الليل وتدريس بالنهار؛ فهذه الأعمال جعلت كل واحد منا في وادٍ، بينما لو وجد شيء من التنسيق وبذل بعض المجهود لاستطعنا أن نحقق الشيء الكثير بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا يلقي كلمة، وهذا موعظة، وهذا يطرح مشكلته على إخوانه فيجد عندهم الحل.

    وأضرب لكم مثالاً من واقع المحكمة، باعتبارها محكمة شرعية وهي أقرب شيء للهيئة، وما تراه أنت منكراً لا شك أن القاضي يراه منكراً، أقول: أنا أعلم ما تعاني الهيئات من المحاكم المستعجلة لكن ذلك، لعدم وجود تنسيق ولقاءات خارج الدوام فيما بيننا، حتى نأتي على هذه المشاكل، ولكن كل واحد منا يعمل بدون أخذ مشورة من الآخر، وبعض القضاة يريد أن يطبق شروط الفقهاء -عشرة شروط أو أكثر- في القرن الثاني أو الثالث.

    فمثلاً: لا يعزره لعدم وجود الشروط، أو يقول: قد وبخت الجاني، وهذا غير لائق.

    أحد القضاة يأتيني وهو من خريجي الجامعة يقول: أتاني شخص قد شرب الخمر اثني عشر مرة، فلما قلت له: الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إذا شرب الرابعة فاقتلوه)، قال: القضاء الأعلى لم يفعل ذلك، إذاً: لا بد أن نضع عقوبة رادعة لشرب الخمر لأنه انتشر، ومثل الخمر الخلوة، التي لا يبقى بعدها إلا الفاحشة الكبرى -الزنا- التي يحذر منها حتى الغرب الإباحي، فهذه لا يكفي فيها التوبيخ والزجر كما فُعل مع من شرب الخمر.

    أقول: لا أريد أن أتكلم في هذه المشاكل لذاتها، لكن أقول: هذا من ضعف التعاون والتنسيق بين المسئولين في الهيئة -ولا تؤاخذوني في ذلك- وبين المسئولين في المحاكم المستعجلة، وبين المسئولين أيضاً والدعاة، وبين كل ما يهتم بهذا الدين، لو كان هناك شيء من التعاون لكان غيرك يستطيع أن يفعل ما لا تفعل أنت، يرفع إلى الجهات العليا ما لا تستطيع أن ترفع، فأنت قد تتهم أنك تتكلم عن شيء لأن لك غرضاً في نفسك، لكن عندما يأتي الأمر من غيرك ممن له قدرة فإنها تصلح الأمور؛ لكن أقول: ما زلنا نتهاون حتى أصبح رجل الهيئة كأنه خصم، وهذا خطأ، فرجل الهيئة محتسب، والمحتسب لا يؤاخذ؛ إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران، هذا دين الله عز وجل وهذا شرع الله قديماً، وحتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه هذه فتواه بذلك ومعممة على جميع المحاكم وجميع الهيئات، وما أشاعه الكذابون والمجرمون أن الحسبة أوقفوا حركة المرور، وطلبوا من كل واحد مع امرأة أن يخرج الصك أنها زوجته فهذا تشويه، وهذا الأمر لم يسبق أن حدث، لكن الإرجاف، والإشاعة والكذب تجعلهم يهولون هذه القضايا، ولنفترض أنه حصل واشتبهت الحسبة في أحدهم وسئل: هذه زوجتك أم لا؟

    فلا حرج في ذلك، فهم مترددون بين الأجر والأجرين، لكن إذا اتهم المحتسب وظهر أنه يقصد أمر آخر فهنا يفصل عن العمل، ويبحث عن أناس غيره من الطيبين، لكن المهم أن يعمل جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الرجل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر محتسب وليس خصماً، لا أمام المدعي العام، ولا أمام المحكمة، فلا يقال: ادعى رجل الهيئة وأجابه المدعى عليه فلان بن فلان، ويصل الأمر إلى أن يضرب رجل الهيئة والكل ينظر.

    ولا أقول هذا لإثارة هذه المشاكل، بل أقول: لتصبروا عليها، لأننا في زمن الصبر وإن لم نصبر فلن نفوز، بل هذا الصبر وهذا الابتلاء أساس الفوز، وأساس النصر، وهو أول طريق الخير، وأنا أقول هذا على سبيل التفاؤل لا على سبيل التيئيس، أقول: وهذا دليل على أن الفجر قريب -بإذن الله- والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيسخر لدينه من يقوم به، وسوف يخرج من أصلاب المجرمين من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

    والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لنا عبر في الأمم الأخرى، نحن الآن نشكوا من التبرج في الأسواق، والعالم من حولنا بدأ يعطينا عبراً، المرأة في الدول الغربية بدأت تطالب بالعودة إلى البيت، في مصر أكثر دولة إسلامية ركز عليها الاستعمار لإفساد جيلها، الفتيات بدأن بالتحجب، ولا يوجد علماء ولا دعاة ولا هيئات تدعمهم، بدأن يتحجبن من ذات أنفسهن في الجامعة، في عدن الشيوعية يخرج البنات من طالبات الثانوية في مظاهرات للمطالبة بالفصل بين الطلاب والطالبات، في الجزائر مليون امرأة تخرج للمطالبة بمنع الرياضة في مدارس البنات، ومنع الاختلاط، وعودة الحجاب.

    بدأت تعود الأمة لدينها في كل بلد وهي لا تعرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممن يجب عليه أن يقوم به، استبدل الله بهم قوماً آخرين ثم لم يكونوا أمثالهم، فقاموا بهذا الدين، لكن ما علينا إلا الصبر، هذا الأمر قد يستمر مائة أو مائتين سنة، وذلك لا يهمنا، الذي يهمنا هو أن نجتهد ونصبر، وأن كل ما اشتدت الظلمة نرتقب الفجر.

    1.   

    الأسئلــة

    غلبة الدَّين وقهر الرجال

    السؤال: غلبة الدين، وقهر الرجال، نريد منكم شرحاً كافٍ له، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: غلبة الدَّين وقهر الرجال هذان هما اللذان استعاذ منهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونستعيذ بالله منها جميعاً، هذا أشد ما يمكن أن يصاب به الإنسان، الهم والحزن: (أعوذ بك من الهم والحزن، وغلبة الدَّين وقهر الرجال) أما الهم فهو لما يستقبله الإنسان من أمره، ولا يدري كيف سيواجهه، والحزن لما فات من أمر، فهو حزين على شيء قد وقع، كخير فات، أو شر نزل أو غير ذلك، وغلبة الدَّين ليس هناك أشد منه، ويقال: إن لقمان الحكيم قال في وصاياه: '' وحملت الأثقال كلها فما وجدت شيئاً أثقل من الدين '' فلا أشد من الدين، ولا أسوأ على قلوب الرجال الشرفاء؛ أهل النبالة والكرامة من أن يأتيه صاحب الدَّين وهو بين الناس أو وحده ثم يقول: متى تعطيني؟

    وليس أي دين، ولكن غلبة الدَّين، وإذا كان الإنسان من أهل الكرم والخير والفضل فإنه يورط أكثر، لا يقدر أن يترك بيته، ولا يقدر أن يترك التزاماته، فنسأل الله أن يعيذنا وإياكم من ذلك.

    وقهر الرجال: لأن الظلم مر، من أَمَر الأشياء الظلم والقهر، كأن يواجهك شخص ويقهرك ويظلمك بشيء واضح لك كالعيان، ولكنك مقهور لا تستطيع أن تتصرف تجاهه، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من ذلك.

    الشدة والرفق في الدعوة

    السؤال: هل يستخدم الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القوة مع الناس أم يستخدم الرفق؟

    الجواب: نعم. هذه مشكلة، وأنا أتعجب من بعض الناس حين يأتي يتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكثر من مرة في مجالس كذا يقولون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق، فعندما تقول: صلوا، فإنهم ينفرون منك، ولكن حين تقول: جزاك الله خيراً، أو الله يهديك وتكلمه بالرفق فإنه يأتي إلى المسجد.

    قلت لأحدهم: إذا كان المركز -مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فيه ثلاثة أعضاء أو أربعة أو خمسة، وهم في حي سعته خمسة كيلو متر مربع أو عشرة، وفي كل سوق أكثر من مائة دكان، وهذه الصلاة التي فرضها الله على كل مسلم، ويرتفع الأذان بها في كل أفق، والأطفال الصغار والعجائز كل واحد يعرف وجوبها، ثم يحتاج كل فرد إلى مداراة ورفق، وإلى أن يتكرر له ذلك كل مرة، فكم تتوقع أن يصلي في المسجد؟

    وكيف تتوقع أن يكون الرد؟

    لا أقول: إنه لا بد أن نكون جفاة؛ لكن علينا ألا نحمِّل الإنسان ما لا يطيق، وهنا يأتي واجب على كل إنسان، هذا السوق له إدارة تقوم عليه، ومن المفروض على هذه الإدارة أن تأمر الناس بإغلاق الدكاكين بدون حضور الهيئة أو أن تمر الهيئة فتأخذ المتخلف، لا. لابد أن نقول للناس: صلوا، المتسوق الذي يذهب إلى السوق واجب علينا جميعاً أن نقول له: صل وأن نحركه للصلاة، وبهذا نكون قد خففنا من الضغط على الهيئة، وصاحب الهيئة واجبه أن يرى الناس فيه الحزم.

    فمن أسباب المشكلة، أن الإنسان يؤخذ عليه العهد مرتين أو ثلاثاً وبعدها لا يكون له سلطة، أول ما يدخل يقول: تقسم بالله، ثم يتعهد ولا يبالي لأنه يعرف أنه لا يوجد عندنا غير هذا الدفتر، لو كان يعرف أن هناك حساباً وأن هناك مسئولية لاهتم، كما يهتم بالإقامة، إذا ضيعت الصلاة فلا مشكلة، فأصبحت الإقامة أغلى من الصلاة، وقد صرنا الآن كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وقد أخبرنا بكل فتنة-: { يقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده! وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان } رجل كريم وفيه خير وفيه...، لكن لا يصلي، فأي خير في هذا الذي لا يصلي؟ هذا ليس فيه ذرة من الخير، الذي لا يصلي لا يكون عنده ذرة من إيمان.

    لقد استهنا بأمر الصلاة، وعمر رضي الله عنه لما طعنه المجوسي في المحراب، وسقط مغمياً عليه والدم ينزف منه؛ أفاق وهو في هذه الحالة، وقال: أصلى المسلمون؟

    لأنه كان الإمام، فأهم قضية فكر فيها عمر هل صلّى المسلمون؟

    هذه القضية الأساسية، نقول: لما تهاونا بأمر الصلاة وأصبحت مسألة شكلية لم يعد يعبأ الناس بمرور عضو الهيئة؛ لأننا تركنا واجبنا نحن، أقول: هذا كالدوريات المنتشرة في الأسواق والتي تركت واجبها، وعندما تقول له: لماذا لا تأمر الناس أن يصلوا؟

    يقول: لا نريد أن تكون هناك مشاكل، نحن مختصون بالنواحي الأمنية فقط، نقول: ماذا يخسر العسكري لو أمر الناس بالصلاة؟

    هل يؤثر ذلك على عملهم وهم منتشرون في كل مكان؟

    لا يؤثر، ولن يخسروا شيئاً، بل هذا فيه تعاون مع أعضاء الهيئة، أما بهذا الشكل فقد أصبحنا أضحوكة أمام الناس، فإذا مر عضو الهيئة من أمامهم قالوا: انتهى الأمر، ويعود كل شخص إلى عمله من بيع وشراء وكأنه لم يحدث شيء، لأنه يعلم أنه لن يعود إليه، ولا يوجد من يأمره وينهاه، فنحن بهذا عرضنا ديننا للسخرية، وهذه السخرية لا تختص برجال الهيئة فالذي يتكلم لا يتكلم في الهيئة وحدها بل يتكلم في المجتمع كله، وفي الأمة كلها.

    أقول لرجال الهيئة: اتقوا الله ما استطتعتم، عليكم أن تبذلوا جهدكم، وعليكم أن تأخذوا اثنين أو ثلاثة منهم أو أكثر ليكونوا عبرة للآخرين، على رئيس الهيئة أو مسئوليها أن يزجرهم أو يسجنهم أو يحولهم إلى المحكمة بشكل يسمع به الآخرين؛ ومع هذا فالواجب على الدوريات وعلى المتسوقين، وإدارة السوق إذا كان للسوق إدارة، وعلى كل إنسان، ومن ذلك الدعاة أن يأتوا فيقولون: هذا الحي الصلاة فيه قليلة، إذاً لا بد من عمل محاضرة في هذا الحي وفي هذا المسجد عن أهمية الصلاة حتى تقوم الحجة، ولعل غافلاً يسمع ذكر الله، ولعله إذا رأى الناس يصلون أن تتحرك همته ويصلي مع الناس.

    التعاون مع الهيئات

    السؤال: ما سبب عدم زياراتكم لرجال وأعضاء الهيئة؟

    الجواب: من الأشياء التي نحتاج إليها أننا نجلس دائماً أو نتزاور أو نتلاقى، أنا لا أكتمكم أني ما كنت أدرك بعض ما يدور خاصة في الهيئات، أقول: هذا من الخطأ لأنهم قائمون بجبهة، وهم يقومون بأعمال كثيرة، لكن يمكن أن نذهب مثلاً إلى الأمن العام ونرى كيف يعملون، والمفروض أن نعرف حال بعضنا البعض، لكن لما قرأتُ نظام الهيئات الذي صدر فيه الأمر الملكي وجدت فيه ثلاثة أيام توقيف أو خمس عشرة جلدة، العضو يقوم بالدعوة إلى الله وغير ذلك، فلما أتيت أسأله فإذا بهذا الأمر ما نُفذ، مع أنه منصوص عليه.

    حريـة الفكـر

    السؤال: ما نصيحتكم حول ما يقال من حرية الفكر، وتطبيق الأمر الصادر؟

    الجواب: أما من يقول: حرية الرأي، فليس عندنا هنا حرية للكفر، ليس عندنا حرية لترك الصلاة، ولكن عندنا حرية إسلامية -والحمد لله- فالإنسان لا يؤخذ بظلم، فلا يحاكم إلا في محكمة شرعية، وهذه هي الحرية التي يفتقدها الذي العالم كله ولا يستطيع أن يجدها؛ لأن أحكامه وضعية وشرائعها وضعية، أما نحن -والحمد لله- فعندنا شرع الله، فالحرية الحقيقة للأمة هي طاعة الله، ووجود إنسان لا يصلي وهو مصر على ذلك مع عدم وجود السلطة والقوة الرادعة بيد رجل الهيئة هذا خطأ، ولا شك أن هذا يجب التنبه إليه من قبل الجميع، كل بحسب موقعه.

    مشكلة دوام الهيئة

    السؤال: إن هناك مشكلات حيث إنه يوجد دوامين على فترتين، ولا توجد فرصة لزيارة الأقرباء أو الأصدقاء فما توجيهكم؟

    الجواب: موضوع الدوامين نحن ذكرنا أن الصبر والاحتساب لا بد منه، وأنا معكم أنه لو كان رجل ضعيف مثلي ما قدر على دوامين، لكن -الحمد لله- أن الله جعل فيها من هم أكفأ وأقدر وأصبر، فاصبروا واحتسبوا الأجر، ولا شك أن هذا أيضاً يستدعي من المسئولين دراسة الوضع، وإمكانية تكثير الوظائف وتكثير العدد، بحيث تكون نوبات، فيتاح للإنسان أن يعود مريضاً، أو يزور قريبا، أو يقوم ببعض شئونه، وهذه لا شك أنها تؤثر على عمله، لأن الإنسان لا يمكن أن يكون جثة بلا روح، ولا يصح هذا، ولكن يأتي وهو راغب، ولديه الإمكانية والاستعداد النفسي، أما إذا جاء وهو مشدود فإنه لا ينفع ولا يعمل، وربما أدى ذلك إلى التسيب ولا سيما إن لم تكن هناك رقابة، خاصة مع ضعف الحوافز المادية.

    الوقت الضائع

    السؤال: ما هي نصيحتكم لمضيعي الأوقات وعدم الاستفادة منها في طلب العلم؟

    الجواب: علينا أن نستغل فرصة فراغ وقتنا بين أوقات الصلاة -وأي فراغ عموماً- فنأتي بكتاب ونقرأ كل يوم صفحة أو بابا أو حديثاً أو حديثين فتقوى بذلك إيماننا، وتعرفنا بالله عز وجل، وتفقهنا في ديننا، وتجعلنا نقدم على هذا العمل ونحن مخلصون محتسبون.

    إن هذا العلم نور سواء كان من كتاب الله أم من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى لو ابتدءنا بالأصول الثلاثة، ثم ترقينا منها إلى كتابالتوحيد ثم إلى فتح المجيد، هذا في الحقيقة يزيدنا علماً وإيماناً؛ لأن هذا كلام الله ورسوله، وأيضاً يجعل الإنسان إذا دعا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يدعو على علم وعلى بصيرة وخير، وأقل شيء أنه خير من كثير من اللغو الذي قد نقع فيه كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] وهذا حال أكثر نجوانا وحديثنا، إن لم يكن فيما يضرنا فهو فيما لا ينفعنا إلا من كانت الآخرة نصب عينيه.

    أقول: نريد الإخوة في المراكز إن كان قد برز منهم في العلم شخص فليعلم الآخرين أو يستفيدون منه، إن كانوا اثنين فليتعاونا، إن كان كلهم كذلك فليتعاونوا.

    ثم خارج المركز أيضاً لا بد من ذلك، والوسائل -والحمد لله- كثرت هذه الأيام، بما منَّ الله تبارك وتعالى به مثل إذاعة القرآن، ومثل الأشرطة، والكتيبات، ثم الكتب، وكل ذلك أيضاً موجود ومتيسر، وكذلك في غير وقت الدوام يمكن حضور حلقات العلم ومجالس الذكر وندوات الخير في المسجد الحرام وفي أي مسجد، فهذه كلها من عوامل تقوية الإيمان، وزيادة العلم، والزاد الذي نتزود إليه في طريق الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    المكاره في الدعوة

    السؤال: ما توجيهكم ونصيحتكم لرجال الهيئة الذين تواجههم مشاكل مع رجال الشرطة؟

    الجواب: أصل المشكلة هي أننا نريد عملاً بلا سلبيات أو أخطاء وهذا مستحيل، لا يمكن أن يوجد عمل إلا وفيه أخطاء، بل نقول: لا دعوة ولا عمل إلا بما تكره النفس، وأصل القضية أن أحد العسكر ذهب وتشاجر مع صاحب محل؛ لأنه قال له: صل، فقالوا: إذاً هذا يسبب مشاكل، فإن العسكري ليس له دخل، بل يكون فقط مع العضو ولا يقول للناس صلوا، وهذا ليس بحل، بل إن كان الخطأ من هذا العسكري وتكلم بكلام لا يليق، أو أساء عوقب وحده، ويستمر الباقون في الدعوة، وإن كان الخطأ من صاحب الدكان أو التاجر حوسب وقيل له: أنت تستحق أكثر لأنك رفعت صوتك على إنسان وهو يأمرك بالمعروف وينهاك عن المنكر وذلك عمله الرسمي، لكن للأسف بناءاً علىقضية مثل هذه نقفل الباب كله! وبعد هذا فإن الناس لن يقروا شيئاً من الخير! إذا واحد علم أنك ستداهم مصنع الخمر؛ فهل تتوقع أن يقال لك: تفضل، هذه القوارير، وهذه البراميل؟

    إن هذا لا يمكن أن يكون ولا بد من التعرض لشيء من الابتلاء، فإذا قلنا: ما دام يحدث بعض المكاره فلا ننهى عن المنكر، وهكذا كل منكر لا بد أن نتعرض في إزالته لبعض المكاره، فإذا تركنا المنكر لأجل ذلك انتشر الفساد، والمسألة من الناحية الشرعية واضحة جداً فإن (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ويراعى مقادر المصلحة والمفسدة، فنعمل على تحقيق المصلحة العظمى ودرء المفسدة الكبرى وأما الصغرى فتلقى كأن لا وجود لها، أما إذا أردنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسير إلا على مصلحة (100%) ولا يوجد مفسدة متوقعة فلن نعمل شيئاً.

    وهناك شيء أهم من ذلك، وهو: أنه يجب التنسيق مع عضو الهيئة، فإنه يسيء إلى الهيئة ويسيء إلى عملها وسمعتها ويكون هو نفسه متضايقاً من الأمر بالمعروف، هو نفسه لا تهمه الصلاة، بل لا يهمهم أن يمشي معك ليدعو الناس إلى الصلاة، ثم بعد هذا كيف يؤمن على امرأة إذا وقفت عنده أو صبي أو مال؟

    نعم يمكن أن يقولوا: هذا يحدث في الشرطة والمجرم مجرم في أي مكان، والذي لا يخاف الله فهو كذلك في أي مكان؛ لكن الهيئة سمعتها غير سمعة بقية الأجهزة، بل لو وقعت بعض المشاكل في الشرطة فلا أحد يعرف عنها شيئاً ولا أحد يلومها على ذلك، أما الهيئة فالنقطة البسيطة تملئ الآفاق.

    وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755962342