إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [59]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أخبر الله تعالى في أوائل سورة الغاشية عن أهوال يوم القيامة، وعن ذلة وجوه الكفار وشدة عذابهم في نار جهنم، وخبث طعامهم وشرابهم، وهذا فيه عبرة لمن يتدبر الآيات .. هذا ما تحدث عنه الشيخ رحمه الله، ثم أجاب عن الأسئلة.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الغاشية

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات المعتادة في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو آخر خميس من شهر ذي الحجة عام (1414هـ)، وهو اليوم التاسع والعشرون منه، نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم عامنا بالمغفرة والعفو والرضوان.

    نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة الغاشية .. يقول الله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]والبسملة آية من كتاب الله مستقلة، ليست من السورة التي بعدها، بل آية مستقلة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول الفاتحة هو: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2].

    تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية)

    يقول الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] الخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم وإما لكل من يصح خطابه، وهذا يأتي في القرآن كثيراً؛ يوجه الله الخطاب ويكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح خطابه، إلا أنه أحياناً يتعين أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، مثل قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] فهذا لا يمكن إلا أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم، وكقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] هذا لا يمكن إلا للرسول صلى الله عليه وسلم.

    وأحياناً يترجح العموم، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] فهذا أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وآخره: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] فهو عام.

    فقوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ يجوز أن يكون الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم وحده وأمته تبعٌ له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابهم، والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعظم هذا الحديث عن الغاشية.

    حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [ أي: نبؤها، والغاشية: هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، والمراد هنا يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].

    تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ خاشعة...)

    ثم قسّم الله سبحانه وتعالى هذا اليوم إلى قسمين فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:2-3] و(خاشعة) أي: ذليلة، كما قال الله تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى:45].

    عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ عاملة عملاً يحصل به النصب وهو التعب. قال العلماء: وذلك أنهم يُكلَّفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم -والعياذ بالله- كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة؛ لأنه عمل عذاب وعقاب -نسأل الله العافية- وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:104] وذلك لأن الله قيد هذا بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ [الغاشية:2] يوم إذا أتت الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة.

    إذاً: فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.

    تفسير قوله تعالى: (تصلى ناراً حامية)

    قال تعالى: تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:4] أي: تدخل في نار شديدة الحرارة التي بلغت من شدة حموها أنها فضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، أي: أن نار الدنيا كلها بما فيها من أشد ما يكون من الحرارة أهون من نار جهنم بتسعة وستين جزءاً.

    ويدلك على شدة حرارتها أن هذه الشمس حرارتها تصل إلينا مع بعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواء باردة غاية البرودة تصل إلينا هذه الحرارة التي تدركونها ولاسيما في أيام الصيف، فالنار -أعاذنا الله وإياكم منها- نار حامية شديدة الحرارة.

    تفسير قوله تعالى: (تسقى من عين آنية)

    قال تعالى: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [الغاشية:5-6] لما بين لنا مكانهم -والعياذ بالله- وأنهم في نار جهنم الحامية؛ بين طعامهم وشرابهم فقال: تُسْقَى أي: الوجوه مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشربهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة أو كلما عطشوا سُقوا.. لا. إنما يؤتون بهذا الشراب كلما اشتد عطشهم -والعياذ بالله- واستغاثوا، كما قال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ [الكهف:29] هذا الماء إذا قرب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] إذاً: لا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً؛ لا ظاهراً بالبرودة فيبرد الوجوه، ولا باطناً بالرِّي، ولكنهم -والعياذ بالله- يغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ .

    فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار؟ فالجواب: إن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، فلو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليست الشمس تدنو يوم القيامة من رءوس الناس على قدر ميل؟ والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شياً، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.

    وأيضاً: يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد؛ منهم من هو في ظلمةٍ شديدة، ومنهم من هو في نور يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد:12] يحشرون في مكان واحد ويعرقون، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد.

    إذاً: أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا، فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا:

    أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا.

    ثانياً: إن الله على كل شيءٍ قدير.

    ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار، كما قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80] الشجر الأخضر إذا ضرب بعضه ببعض أو ضرب بالزند انقدح وخرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير.

    فهم يسقون من عين آنية في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (ليس لهم طعام إلا من ضريع ...)

    أما طعامهم فقال تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:6-7] (الضريع) قالوا: إنه شجر ذو شوك عظيم، إذا يبس لا ترعاه البهائم، وإن كان أخضر رعته الإبل، وهو يسمى عندنا (الشبرق)، فأهل النار -والعياذ بالله- في نار جهنم ليس لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، بل يختلف عنه اختلافاً عظيماً، ولهذا قال: لا يُسْمِنُ [الغاشية:7] ولا ينفع الأبدان في ظاهرها وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:7] فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه؛ ليس فيه إلا الشوك والتجرع العظيم، والمرارة والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئاً.

    ثم ذكر الله عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:8]، ونستكمل شرح بقية الآيات -إن شاء الله- في اللقاء القادم، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يرزقنا وإياكم دار القرار، إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    أدلة عدم كفر تارك أركان الإسلام عدا الشهادتين والصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما هي الأدلة على أن تارك أركان الإسلام عدا الشهادتين والصلاة تهواناً أو كسلاً لا يكفر، مثل ترك الزكاة والصوم والحج؟ نرجو ذكر الأدلة مع الرد على أدلة المعارضين وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: أركان الإسلام خمسة كما هو معروف: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فمن ترك الركن الأول فهو كافر بالإجماع، أي أن من أنكر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك. وأما ترك ما سوى الشهادتين فإن أنكر فرضيته وهو قد عاش بين المسلمين فهو أيضاً كافر، ومن أقر بالفرضية ولكن تركه تهاوناً فهذا موضع خلاف بين العلماء.

    فمنهم من قال: كل الأركان الأربعة إذا تركها الإنسان تهاوناً كفر. وهذا رواية عن الأمام أحمد رحمه الله.

    ومنهم من قال: لا يكفر بأي واحدة منها، أي: من الأربع.

    ومنهم من قال: إن ترك الصلاة تهاوناً كفر، وأما غيرها فلا يكفر، وهذا القول هو الوسط، وهو الذي تؤيده الأدلة.

    ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى قرن الزكاة بالصلاة في مواضع كثيرة من القرآن، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وقد دل الدليل على أن تاركها لا يكفر، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، وهذا يدل على أن تارك الزكاة الباخل بها لا يكفر، ووجه الدلالة أنه يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولو كان يكفر لم يكن له سبيل إلى الجنة، فإذا كان لا يكفر بترك الزكاة فما دونها من باب أولى.

    وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة]، والكفر يطلق أحياناً على غير الكفر الأكبر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت).

    حكم بذل العوض في الألعاب

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم في إقامة الدورات الرياضية في كرة القدم، بحيث إن كل فريق يدفع مبلغاً وقدره -على سبيل المثال- سبعمائة ريال، والمبلغ عبارة عن خمسمائة ريال اشتراك ومائتين تأمين، ترد إلى كل فريق بعد انتهاء الدورة، علماً بأن الخمسمائة ريال المتبقية تصرف على شراء الجوائز التي يتم توزيعها على الفائزين في المراكز الثلاثة الأولى، وكذلك على الحكام، وما يترتب عليه من تسوية الملعب وخلافه؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: الذي نرى أن بذل العوض في الألعاب في جوازه نظر، وذلك أن هذه الألعاب تباح إن لم يكن فيها شيء محرم، ككشف العورة والتلهي عن الصلاة والسب والشتم فيما بين اللاعبين، فإن تضمنت هذا فهي حرام، فإن لم يكن فيها محرم فهي من الأمور المباحة ولا شيء فيها، ولكن كونها بعوض يدفع من الجميع ثم يكون للغالب، هذا لا يحل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) (لا سبق) أي: لا عوض (إلا في نصل أو خف أو حافر). ويعني بالنصل: السهام، والخف: الإبل، والحافر: الخيل. واستثنيت هذه الأمور لما فيها من المعونة على الجهاد في سبيل الله.

    وأما أخذ العوض في ما سوى ذلك فإنه حرام، إلا أن بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية قال: إنه لا بأس بأخذ الرهان في مسائل العلوم الشرعية؛ لأن العلوم الشرعية نوع من الجهاد في سبيل الله، إذ إن الجهاد في سبيل الله يشمل الجهاد بالسلاح والجهاد بالعلم.

    فما ذُكر في السؤال نرى أنه لا يجوز، أما إذا جاء إنسان من خارج، وأراد أن يتبرع بشيء للسابق منهم فأرجو ألا يكون فيه بأس، على أن في نفسي على بذل العوض على هذه الألعاب نظراً.

    طلب الدعاء ممن ترجى إجابته

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم طلب المسلم الدعاء ممن يتوسم فيه الخير، ويكون ذاهباً إلى الحج أو سفر أو غيره، فيطلب منه الدعاء له بظهر الغيب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على أويس، وحث الصحابة رضوان الله عليهم على طلب الدعاء منه؟ وهل كره شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك وخص الحديث بـأويس؟ أفيدونا وفقكم الله.

    الجواب: طلب الدعاء من الرجل الذي ترجى إجابته؛ إما لصلاحه أو لكونه يذهب إلى أماكن ترجى فيها إجابة الدعاء كالسفر والحج والعمرة وما أشبه ذلك هو في الأصل لا بأس به، لكن إذا كان يخشى منه محذور؛ كما لو يخشى اتكال الطالب على دعاء المطلوب، وأن يكون دائماً متكلاً على غيره في ما يدعو به ربه، أو يخشى من أن يُعجب المطلوب بنفسه، ويظن أنه وصل إلى حد يُطلب منه الدعاء فيلحقه الغرور، فهذا يمنع لاشتماله على محذور.

    وأما إذا لم يشتمل على محذور فالأصل فيه الجواز، لكن مع ذلك نقول: إنه لا ينبغي؛ لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يوصي بعضهم بعضاً بالدعاء، وأما ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمر: (لا تنسنا يا أخي! من صالح دعائك) فإنه ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأما سؤال بعض الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، فمن المعلوم أنه لا أحد يصل إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد طلب منه عكاشة بن محصن أن يدعو له فيجعله من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال: (أنت منهم) ودخل رجل يسأله أن يسأل الله الغيث لهم فسأل.

    وأما إيصاء النبي للصحابة أن يطلبوا من أويس القرني أن يدعو لهم فهذا لا شك أنه خاص به، وإلا فمن المعلوم أن أويساً ليس مثل أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ، ولا غيرهم من الصحابة، ومع ذلك لم يوصِ أحداً من الصحابة أن يَطلب من أحدهم أن يدعو لهم.

    وخلاصة الجواب أن نقول: إنه لا بأس بطلب الدعاء ممن ترجى إجابته، بشرط ألا يتضمن ذلك محذوراً، ومع هذا فإن تركه أفضل وأولى.

    عدد تكبيرات صلاة الجنازة

    السؤال: ورد في صحيح مسلم أن التكبيرات على الجنازة تكون أربع تكبيرات، وورد غير هذا العدد، فكيف الجمع بين الوارد في ذلك؟

    الجواب: أكثر ما كبره النبي صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربع تكبيرات فقط، لكن ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم كبر خمساً؛ كما في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وكذلك روي عنه الست إلى السبع، ولهذا قال العلماء: لا بأس بالزيادة على الأربع إلى سبع.

    والأفضل للإنسان أن يأخذ بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تارة وتارة: تارةً أربعاً، وتارة خمساً، وتارة ستاً، وتارةً سبعاً، كما جاءت به السنة، لكن الأكثر الأربع، واعلم أن كل شيء وردت به السنة على وجوه متنوعة فالأفضل أن تأخذ بهذا تارة وبهذا أخرى.

    إطلاق صفة التردد لله عز وجل

    السؤال: فضيلة الشيخ ورد في حديث: (من عادى لي ولياً) في نهاية الحديث يقول الله عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) فهل في هذا إثبات صفة التردد لله عز وجل؟ أو كيف التوفيق في هذا الأمر؟ وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز؛ لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: (ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن)، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل الرحمة بهذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: (يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد منه)، وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد؛ إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه؛ أي: هل يقدر أو لا يقدر، أما الرب عز وجل فلا.

    الاستنابة في الطواف والسعي

    السؤال: فضيلة الشيخ: رجل حج مع زوجته مفرداً، ولم تستطع زوجته أن تطوف طواف الحج، فطاف عنها وذهب إلى بلده، فما الحكم؟

    الجواب: أقول: من المعلوم أنه لا تصح الاستنابة في الطواف والسعي، وغاية ما ورد هو الاستنابة في رمي الجمرات، والذي يجب على هذه المرأة أن تعود الآن إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة، وتسعى إن لم تكن قد سعت، وإن أتت بعمرة كاملة ثم أتت بما بقي من حجها فهو أحسن، حتى لا تدخل إلى مكة إلا وهي محرمة، وإن شق عليها ذلك فلا حرج أن تدخل مكة وتطوف طواف الإفاضة وترجع.

    أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا

    السؤال: فضيلة الشيخ .. ذكرت في الآية أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، ومثلت مثل الضريع، فهو شجر ولكنه ليس كشجر الدنيا، وجاء في غير موضع من الأحاديث أن الرمضاء أو الحر الشديد من فيح جهنم، فكيف نوجه هذا الأمر؟

    الجواب: توجيهها سهل؛ لأن قوله: (من فيح جهنم) لا يعني أنها هي جهنم، فقوله: من فيحها، أي: من حرارتها، والإنسان إذا كان حول النار أصابه من حرها، لكن الحر الذي يصيبه من النار عند قربه منها ليس كالحر الذي يصيبه لو دخل فيها.

    حكم العمل في المؤسسات التي تتعامل مع البنوك الربوية

    السؤال: هناك شخص يعمل وكيلاً لمؤسسات ومديرها شخص آخر وكان يعمل مع هذه المؤسسات لمدة طويلة، وخلال هذه المدة تبين أن المؤسسات أصبح رأس مالها بالملايين، ولكن تبين له فيما بعد أن المؤسسة كانت توقع صفقات مع البنوك، وحقيقة العلم أن المؤسسة عندها أموال وأرصدة بالملايين عند الدولة أكثر من الأموال التي أخذتها من البنك ولكن لم تصرف، وبمجرد أنها أخذت من البنك حتى ما سلمت تتأخر، وإذا تأخر مشروع يفرض عليها باليوم غرامات معينة كما هو متعارف عليه بالتعاقد مع الدولة، وبعدها تبين أن إحدى المؤسسات متعاملة مع البنك، وأن رواتبها ومشاريعها تمشي على هذا؛ لأن المؤسسة الآن واقفة ليس لديها سيولة مالية للشركات الأخرى، كالذي يعمل في مجال المقاولات الأخرى والكهرباء والسباكة ...إلخ، فتبين أنها تستلف من البنك أو توقع عقوداً مع البنك، فما حكم العمل في هذه المؤسسة؟ علماً أن الموظف هذا يعمل لدى المدير والمدير يرأسه في جميع المؤسسات الثلاث، وجميع المؤسسات المالك لها غير المدير، وإحدى المؤسسات يملكها نفس المدير هذا.

    الجواب: هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟

    السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ!

    الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوزر الشركة على نفسها.

    إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا.

    ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا.

    حكم صلاة الفجر قبل دخول الوقت وثوقاً بالمؤذن

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة جماعة من المسلمين يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ليس تعمداً، ولكن تصديقاً لمن لا يعرف تبيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهم يثقون في هذا الرجل؟

    الجواب: ما داموا واثقين منه ويعرفون أن هذا الرجل عنده علم بدخول الوقت فلا شيء عليهم؛ لأنهم لم يتبين لهم أنهم صلوا قبل الوقت، فإذا لم يتبينوا أخذوا بقول هذا الرجل الذي يثقون فيه ولا حرج.

    لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ما دام شاكاً؛ فلا يصلي حتى يغلب على ظنه أو يتيقن، وعليه أن ينبه الجماعة على ذلك، يشير عليهم ويقول: انتظروا خمس دقائق أو عشر دقائق أو ربع ساعة خيراً من كونه يتقدم بدقيقة واحدة.

    حكم صلاة المسافر خلف المقيم

    السؤال: فضيلة الشيخ! دخلت مسجداً وكنت في سفر، وهذا المسجد في المدينة وليس على طريق السفر، ودخلت وهم في الركعة الرابعة والأخيرة فصليت معهم ركعة، ثم قمت للركعة الثانية وكانت صلاة العصر فقصرت الصلاة، رغم أنهم أتموا قبلي، فما الحكم؟

    الجواب: الأصل في المدينة أن الذين يصلون فيها يصلون أربعاً، أي: يتمون الصلاة، فهو مفرط، فيجب عليه الآن أن يعيد الصلاة أربعاً، وتكون صلاته الأولى نفلاً.

    واجبنا نحو استقدام الكفار إلى جزيرة العرب

    السؤال: فضيلة الشيخ: في الآونة الأخيرة كثر استقدام الكفار إلى جزيرة العرب ، فما واجبنا تجاههم وتجاه من يستقدمهم؟

    الجواب: هذه الظاهرة التي ذكرت وهي: كثرة استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين في الجزيرة العربية لا شك أنها ظاهرة تنذر بالخطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث وحذر مما سيحصل في المستقبل قيل: (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث) وكثرة الخبث تشمل معنيين:

    المعنى الأول: أن يكثر الخبث من أهل الجزيرة، فيعملون بالمعاصي.

    والثاني: أن يكثر الخبث ممن يرد إلى الجزيرة ويفد إليها، ولا أبين وأظهر من هؤلاء الجحافل العظيمة التي تأتي إلى الجزيرة العربية من الكفار.

    والذي يزيد الإنسان حزناً أنهم كفار معروفون بالعداوة للمسلمين، وإيذاء المسلمين في بلادهم، بل ومحاربتهم وقتلهم، فيأخذون هؤلاء في أجورهم من الدراهم ما يستعينون بها على قتال إخواننا المسلمين في بلادهم، وهذا أمرٌ يجب أولاً على الحكومة التنبه له، والعمالة المسلمة في البلاد الإسلامية كثيرة، فـباكستان مملوءة بالمسلمين، وإندونيسيا مملوءة بالمسلمين، وكذلك بعض دول أفريقيا، لكن مع الأسف إننا في غفلة عن هذا.

    ثم إننا سمعنا من بعض السفهاء أنه يقول: اختر غير المسلم لئلا ينقطع الشغل بذهابه إلى الصلاة، أو بصيامه رمضان، أو بطلب العمرة، أو بطلب الحج، أو ما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا الذي ينهج هذا المنهج لا شك أنه على خطر عظيم، وأن نهجه هذا يستلزم كراهته للإسلام، وإلا فإن المسلم الحق المؤمن يفرح بكثرة المسلمين، وكثرة من يقوم بشعائر الإسلام.

    والمهم أنني معك في أن هذه الظاهرة ظاهرة خطيرة جداً جداً، ويجب علينا أن نناصح إخواننا ونقول: عندكم مسلمون، اذهبوا إليهم، فعندهم -والحمد لله- من القدرة الشيء الكثير، ثم إن هؤلاء الكفار الذين يأتون، يأتي بعضهم لعمل كل إنسان يستطيعه؛ تجده يأتي خادماً أو يأتي منظف أسواق في البلديات أو ما أشبه ذلك، وهذا كل أحد يطيقه، ليس هذا اختصاصاً لا يعرفه إلا الكفار حتى تقول: نحن معذورون إذا أتينا بهم، فلهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يحرصوا على ألا يأتوا إلا بالمسلمين سواء كان خادماً كخادم البيت، أو خارج البيت، والمتصل بالبيت أشد وأشد؛ إذا أتي بإنسان ليس بمسلم، والواجب علينا التناصح فيما بيننا وأن نقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فأتِ بإخوانك المؤمنين، ودع عنك هؤلاء.

    حكم قتل الحشرات بالجهاز الكهربائي

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم الجهاز الكهربائي الذي يعلق بالمطاعم ويقتل الذباب والبعوض والحشرات؟

    الجواب: نرى أنه لا بأس به، وأن هذا ليس من باب التعذيب بالنار؛ لأنه حسب ما نعرف عنه أن الحشرة تموت بالصعق الكهربائي، ويدل لهذا أنك لو أتيت بورقة وألصقتها بهذا الجهاز لم تحترق، مما يدل على أن ذلك ليس من باب الاحتراق لكن من باب الصعق، كما أن البشر لو مس سلك الكهرباء مكشوفاً لهلك بدون احتراق.

    حكم الشك في مسائل العبادة

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم من حج مع رفقائه وهو جاهل بمناسك الحج والعمرة، وبعد ما قضى حجه ومضى على ذلك مدة عرف مناسك الحج والعمرة، وشك في السعي، فما الحكم؟

    الجواب: الذي نرى أنه إذا شك الإنسان في أنه طاف أو سعى أو رمى مع طول المدة، فإنه لا يلتفت لهذا الشك؛ وذلك لأن النسيان يرد كثيراً على الإنسان، فليطرح الشك وليبعده عن قلبه؛ لأن الإنسان إذا طرأت عليه الشكوك وكثرت عليه تذبذب في حياته وتعب، ولحقه الوسواس في طهارته وصلاته، بل وفي أهله، فالذي أرى أن يعرض عن هذا الشك ويتلهى عنه.

    إلا إذا تيقن فحينئذ يُفتى بما يقتضيه الحال، وأما إذا كان مجرد شك: هل سعى أم لم يسع، فالأصل أنه سعى، وأن هؤلاء الرفقة سيسعون وسيسعى معهم، فأرى أن يتلهى عن ذلك ولا يخطر على باله، والأصل السلامة.

    ولهذا قال العلماء قاعدة ينبغي أن نفهمها وهي: أن الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر ما لم يتيقن. فمثلاً: لو سلمت من الصلاة ثم بعد السلام شككت: هل صليت ثلاثاً أو أربعاً؟ فلا تلتفت إلى هذا الشك، إلا إذا تيقنت أنك صليت ثلاثاً فحينئذ تأتي بما يلزمك في هذه المسألة.

    ضوابط المبيت بمنى وحكم السكن خارجه

    السؤال: فضيلة الشيخ: شخص حج وسكن خارج منى ، ما هي الضوابط للمبيت في منى؟

    الجواب: إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فلينزل حيث انتهت الخيام، أما إذا كان يجد مكاناً فإن الواجب أن يبيت فيها، والضابط في المبيت: أن يكون في منى معظم الليل -أي: أكثر الليل- لكن من نزل من منى -مثلاً- لطواف الإفاضة في أول الليل، ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا شيء عليه.

    جواز الجمع والقصر للمسافر

    السؤال: أعمل في قرية تبعد (200) كيلو عن مكان سكني، وأرجع الخميس والجمعة إلى مدينتي، ويوم الأربعاء بعد الحصة الخامسة أصلي الظهر وأجمع العصر معه؛ لأنه يؤذن العصر وأنا في الطريق، وأقصر أيضاً، فهل هذا العمل صحيحاً؟

    الجواب: أنتم الآن مسافرون لا شك، ما دامت القرية تبعد عن مدينتكم (200) كيلو وأنكم تبقون من السبت إلى الأربعاء فأنتم مسافرون من حين أن تخرجوا من بلادكم إلى أن ترجعوا إليها، لكم القصر ولكم الإتمام، ولكم الجمع ولكم الإفراد، لكن إذا كنتم في البلد يجب عليكم أن تصلوا مع الجماعة، فإذا فاتت عليكم الجماعة فلكم أن تقصروا.

    قول الصحابي وحجيته

    السؤال: فضيلة الشيخ: بعض الناس قد يستدل للحكم على مسألة معينة بقول صحابي أو فعله أو فتواه، ويكون في السنّة دليل أشمل وأقوى وأوضح من فعل الصحابي، ويحتج على ذلك بأن ذلك من اتباع سنّة الخلفاء الراشدين وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعها. فهل يعتبر فعل الصحابي سنة من سنة الخلفاء الراشدين أم لا؟

    الجواب: أولاً -بارك الله فيك- العلماء مختلفون هل قول الصحابي حجة أم لا؟ فمن العلماء من قال: لا حجة إلا في ما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] وقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فلم يذكر طرفاً ثالثاً، فقول الصحابي كقول غيره ليس بحجة، لكن لا شك أن الصحابة أقرب إلى الصواب ممن بعدهم.

    ومنهم من قال: إن قول الصحابي حجة إذا كان من أهل العلم والفقه؛ لأنك كما تعرف إذا جاء أعرابي عند النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ثم رجع إلى إبله فهو صحابي، لكن قد يكون جاهلاً في كثير من مسائل العلم، أما إذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين بالفقه فإن قوله حجة بشرطين:

    الشرط الأول: ألا يخالف قول الله ورسوله؛ فإن خالف قول الله ورسوله وجب طرحه والأخذ بما قال الله ورسوله.

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يوشك أن تنـزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر !!]، وقال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] أي: عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] قال الإمام أحمد : أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك؛ لعله إذا رد بعض قول الرسول أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، نسأل الله العافية.

    الشرط الثاني: ألا يخالف قول صحابي آخر؛ فإن خالف قول صحابي آخر وجب النظر في الراجح؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى بالقبول من الآخر، ولكن ننظر في الراجح، فإذا كان أحد المختلفين أدنى من الآخر في الفقه في دين الله قدم الأعلم، وهو مقتضى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فقدم أولاً سنته؛ لأن سنته صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء.

    مثال ذلك: ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه إذا كان في حج أو عمرة قبض على لحيته وقص ما زاد عن القبضة، فهذا في ظاهره مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وفروا اللحى وحفوا الشوارب)، ففعل ابن عمر هنا لا يحتج به على عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن قول الرسول مقدم على فعل ابن عمر ، ثم إن ابن عمر كان يفعله إذا حج أو اعتمر لا مطلقاً، فبعض الناس يقول: إذا جاء نص عن الرسول عام وفعل صحابي فإنه يخصص هذا النص العام بفعل الصحابي. ولكن هذا ليس بصحيح، بل إن بعض العلماء قال: إن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يخصص عموم قوله، وممن ذهب إلى هذا الأخير: الشوكاني رحمه الله، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)، هذا الحديث عام في الصحراء والبنيان، وحديث ابن عمر : (رقيت يوماً على بيت حفصة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، وهو يقتضي أنه لا بأس باستدبار الكعبة إذا كان الإنسان في البنيان، فمن العلماء من قال: العبرة بعموم اللفظ: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) وفعل الرسول هذا لا يخصص العام؛ لاحتمال أن يكون هذا خاصاً به، وأن له عذراً، أو أنه نسي أو ما أشبه ذلك.

    المهم أن هذه القاعدة -أيضاً- وهي أن بعض العلماء يقول: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخصص قوله، فيقدم عموم قوله على خصوص فعله للاحتمالات التي ذكرناها، ولكن الصحيح أن فعله صلى الله عليه وسلم يخصص قوله؛ لأن الكل سنة، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله وفعله وإقراره، أما فعل غيره فلا يخصص قوله.

    التفصيل في مسألة القيام

    السؤال: فضيلة الشيخ أحسن الله إليك .. نريد التفصيل في مسألة القيام عند الدخول أو عند السلام؟ وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جيداً حول هذا الموضوع، وخلاصته أنه يقال: قام للرجل، وقام إلى الرجل، وقام على الرجل. فأما القيام إلى الرجل فهو من السنّة، إذا كان الرجل الذي قمت إليه أهلاً لذلك، مثل لو دخل إنسان له فضل في علمه أو دينه أو ماله، ثم قمت لتتلقاه فهذا من السنّة، ولهذا لما جاء سعد بن معاذ رضي الله عنه وقد حكّمه النبي صلى الله عليه وسلم في اليهود وأقبل قال: (قوموا إلى سيدكم)، ولأن هذا من الإكرام لذوي الفضل، وإكرام ذوي الفضل من محاسن الأعمال والآداب.

    والثاني: القيام على الرجل، وهذا منهي عنه، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم على ملوكها) حتى في الصلاة، إذا صلى الإمام جالساً فإن من وراءه يصلون جلوساً؛ لئلا يشبهوا الأعاجم في قيامها على ملوكها، فمثلاً لو كان الإمام لا يستطيع أن يصلي قائماً فصلى قاعداً، فعلى المأمومين الذين خلفه أن يصلوا قعوداً وإن كانوا قادرين على القيام، حتى لا يكونوا متشبهين بالأعاجم في القيام على ملوكهم.

    ويستثنى من ذلك ما إذا كان في القيام على الرجل مصلحة، كإغاظة الكفار فلا بأس، بل قد يكون من الأمور المطلوبة، مثل قيام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفاوض رسول قريش في صلح الحديبية ، فإن المغيرة بن شعبة كان قائماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف؛ لأن في هذا إغاظة للمشركين، ولهذا كان الصحابة في ذلك الوقت يفعلون معه شيئاً لا يفعلونه في غيره؛ كان الرسول إذا تنخم النخامة استقبلوها بأيديهم ودلكوا بها وجوههم وصدورهم، كل هذا إغاظةً لقريش، ولهذا أثرت على رسول قريش لما رجع إلى قومه قال: يا قوم! دخلت على الملوك؛ كسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحداً يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمداً .. فالمهم أن القيام على الرجل منهيٌ عنه إلا إذا كان في ذلك مصلحة دينية.

    القسم الثالث: القيام للرجل، وصورته أن يدخل رجل علينا فنقوم له تكريماً، فهذا لا بأس به، لكن الأولى تركه؛ لأن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره أن يقوم أصحابه له، ولهذا كان الرسول يدخل ولا يقومون له وهو أشرف البشر عليه الصلاة والسلام، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ولو عند الباب، لكنه إذا جلس في مكان كان ذلك المكان صدر المجلس.

    فالخلاصة: أن القيام على ثلاثة أقسام:

    الأول: القيام للرجل.

    الثاني: القيام على الرجل.

    الثالث: القيام إلى الرجل. وفيها الأحكام المذكورة آنفاً.

    حكم الرهان في المسائل الشرعية

    السؤال: فضيلة الشيخ: بعض الطلاب في مذاكرة العلم يقولون: من يخطئ في مسألةٍ يكون مطالباً بشراء كتاب -مثلاً- لمن أصاب فيها، فهل هذا حلال؟

    الجواب: هذه مسابقة، ويرى شيخ الإسلام أنه لا بأس بالمسابقة الشرعية، وقد علل ذلك -رحمه الله- موضحاً أن الجهاد يكون إما بالعلم، وأما بالسلاح، واستدل كذلك بما ذكر عن أبي بكر رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:1-4] فالفرس هم الذين غلبوا الروم، والروم نصارى من أهل الكتاب، والفرس مجوس ليس لهم كتاب، قال الله تعالى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4-5] لأن المؤمنين يحبون انتصار النصارى على الفرس؛ لأن النصارى أهل كتاب فهم أقرب إلى الصواب من المجوس، وقريش تحب أن ينتصر المجوس على الروم؛ لأن المجوس مشركون، فقالت قريش: لا يمكن للروم أن تغلب الفرس؛ لأن الفرس أقوى منهم، وهم لا يؤمنون بالقرآن، فراهنهم أبو بكر على شيء من الإبل إلى مدة سبع سنين، فمضت السنون السبع ولم يحدث شيء، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زد في الأجل سنتين وزد في الرهان) لأن كلمة (في بضع سنين) من ثلاث إلى تسع، فأمره أن يحتاط فيزيد في الأجل ويزيد في العوض، ففعل أبو بكر ، فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على الفرس.

    ومن هذه المسألة استدل شيخ الإسلام على جواز الرهان في مسائل العلم الشرعي.

    حكم صلاة المنفرد خلف الصف

    السؤال: ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف، هل تصح أم تبطل؟

    الجواب: قال الأئمة الأربعة: الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد في رواية عنه: إن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة، سواء تم الصف أم لم يتم، وقالوا: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) كقوله: (لا صلاة بحضرة طعام) وأن المعنى: لا صلاة كاملة، لكن هناك رواية عن أحمد أن الصلاة لا تصح لمنفرد خلف الصف بكل حال، عكس الرواية التي وافق فيها الأئمة الثلاثة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ؛ أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح بأي حال من الأحوال حتى ولو تم الصف.

    وتوسط شيخ الإسلام رحمه الله فقال: إن كان الصف تاماً فإنها تصح صلاة المنفرد خلفه؛ لأنه الآن عاجز عن المصافة لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] وإن كان الصف لم يتم فلا يصح أن يصلي خلف الصف منفرداً لعدم العذر، وهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام هو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو الذي نراه صواباً: أنه إذا كان الصف تاماً فصلِ وحدك، ولا تجذب أحداً، ولا تتقدم للصلاة مع الإمام. هذا هو القول الصحيح الذي نراه أقرب إلى السنة من القول بالبطلان مطلقاً أو بالصحة مطلقاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755906721