إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [62]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة تفسير أول آيات من سورة الفجر مع بيان الأيمان الواردة فيها والحكمة من القسم بها، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة في اللقاء.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الفجر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو المجلس الثاني والستون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهذا يوم الخميس هو الحادي والعشرون من شهر المحرم عام (1415هـ)، وكان من عادتنا أن نتكلم بما يسر الله سبحانه وتعالى من تفسير القرآن الكريم الذي ابتدأناه بسورة النبأ، وقد انتهينا إلى سورة الفجر.

    تفسير قوله تعالى: (والفجر)

    فنقول وبالله نقول: قال الله سبحانه وتعالى: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [الفجر:1-4] كل هذه أيمان: بالفجر، وليال عشر، والشفع، والوتر، والليل إذا يسر. خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها.

    الأول: الفجر؛ والفجر: هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، فأحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا: الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه:

    الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء، ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق فيكون عرضاً، يمتد من الشمال إلى الجنوب.

    الوجه الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة؛ يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول.

    الوجه الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة.

    هذه ثلاثة فروق أفقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك؛ لأن الأنوار تحجب هذه العلامات.

    - وأقسم الله بالفجر؛ لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع.

    - وأقسم الله به؛ لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ [القصص:71].

    - وأقسم الله بالفجر؛ لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل إمساك الصائم؛ فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً، أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما: دخول وقت الصلاة، أي: أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حال الصوم، لماذا؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل؛ لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل، ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثم ندعوكم أيها الإخوة! إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني: العناية بدخول وقت صلاة الفجر؛ لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر، وهذا غلط؛ لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ومتى يكون حضور الصلاة؟ إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح، ويجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.

    تفسير قوله تعالى: (وليال عشر)

    قوله تعالى: وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2] قيل: المراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي؛ لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام ويراد بها الليالي، وقيل: المراد بالليالي العشر، ليالي العشر الأخيرة من رمضان.

    أما على القول الأول الذين يقولون: المراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة؛ فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة، قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).

    وأما الذين قالوا: إن المراد بالليالي العشر هي ليالي عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وليست الأيام. وقالوا: إن ليالي العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها إنها خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] وقال إنها: مُبَارَكَةٍ [الدخان:3] وقال: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4] وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني، وهو أن الليالي هي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها؛ ولأن فيها ليلة القدر؛ ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي.

    تفسير قوله تعالى: (والشفع والوتر)

    وأما قوله: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3] فقيل: إن المراد به كل الخلق إما شفع وإما وتر، والله عز وجل يقول: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] والعبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر، كل ما كان مشروعاً من شفع ووتر.

    وقيل: المراد بالشفع: الخلق كلهم؛ والمراد بالوتر: الله عز وجل.

    واعلم أن قوله: (والوتر) فيه قراءتان صحيحتان وهما: (والوِتر والوَتر) يعني: لو قلت: (والشفع والوِتر) صح، ولو قلت: (والشفع والوَتر) صح أيضاً، فقالوا: إن الشبه والخلق؛ لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين، قال تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] (والوَتر أو الوِتر) هو الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر) وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، هذه القاعدة في علم التفسير، أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً.

    تفسير قوله تعالى: (والليل إذا يسر)

    قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [الفجر:4] أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسر، والسري هو: السير في الليل، والليل يسير، يبدأ من المغرب وينتهي بطلوع الفجر، فهو يمشي زمناً ولا يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات، كصلاة المغرب والعشاء، وقيام الليل، والوتر، وغير ذلك؛ ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: (من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل: إنه وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد، ويدعو الله سبحانه وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة، لعله يوافق ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.

    1.   

    الأسئلة

    وقت سنة الفجر

    السؤال: فضيلة الشيخ: هل ركعتي الفجر مثل صلاة الفجر في اشتراط دخول الوقت أم لا؟

    الجواب: سنة الفجر لا تكون إلا بعد طلوع الفجر، وسنة الظهر الأولى أيضاً لا تكون إلا بعد أذان الظهر.

    تسوية الصفوف في الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ هل المراد بقول الإمام: (استووا واعتدلوا) يعني: استقامة الصف واعتداله، أم أنه متضمن لسد الفرجات وإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب؟ وما صحة الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لتسون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) هذه المسألة أصبحت بين تفريط وإفراط، فنرجو التوضيح والله يحفظكم؟

    الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن على الإمام مسئولية وهي تسوية الصفوف، بأمر الناس بذلك، وإذا لم يمتثلوا تقدم هو بنفسه إلى من تأخر عن الصف أو تقدم ليعدله؛ لأن نبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يسوي الصفوف كأنما يسوي بها القداح، وكان يمر بالصف يمسح المناكب والصدور، ويأمرهم بالاستواء، ولا أدري هل الناس يعملونها اليوم أم لا؟ بل إن رأى الناس إماماً يفعل هذا ربما صرخوا به، ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، والمهم أن على الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف، فيلتفت يميناً ويستقبل الناس بوجهه، ويلتفت يساراً ويقول: استووا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، تراصوا، سدوا الخلل، كل هذه الكلمات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام بعد أن عقل الناس عنه تسوية الصفوف، وصاروا يسوونها، فرأى رجلاً بادياً صدره - متقدماً بعض الشيء- فقال: (عباد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) وهو حديث صحيح، وفيه وعيد.

    ومخالفة الله بين الوجوه قيل فيها معنيان:

    المعنى الأول: إما أن الله يدير وجه الإنسان فيكون وجهه إلى كتفه -والعياذ بالله.

    المعنى الثاني: أن المراد ليخالفن الله بين وجهات نظركم فتفترق القلوب وتختلف، لقوله: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) وأياً كان الأمر سواءً لي الرقبة حتى يكون الوجه إلى جانب البدن، أو أن المراد اختلاف القلوب، كلها وعيد شديد، وهذا يدل على أنه يجب على الإمام أن يعتني بتسوية الصف، لكن لو التفت ووجد الصف مستقيماً بالتراص والتساوي في المكان هل يقول: استووا أم لا يقول؟ الظاهر لي أنه لا يقولها، يعني: مثلاً لو كان وراءه رجلان فقط والتفت وإذا بهما متساويان متراصان وعلى الوجه المطلوب فلا حاجة إلى أن يقول: استووا؛ لأن هذه الكلمة لها معناها، وليست كلمة عابرة، فالإمام إذا قال: استووا ورآهم لم يستووا يجب أن يعيد القول وألا يكبر إلا وقد استوت الصفوف.

    ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكذلك عثمان لما كثر الناس جعل وكيلاً يمر بالصفوف يسويها، حتى إذا جاء وقال: إنها استوت كبر.

    كل هذا يدل على عناية الشرع بتسوية الصف، فإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين:

    الأمر الأول: التسوية.

    الأمر الثاني: سد الفرج والخلل؛ لأنك إذا فتحت بينك وبين الذي بجوارك فرجة جاءت الشياطين ودخلت من هذه الفرج ولبست على الناس صلاتهم.

    التفصيل في الإنكار على الولاة علناً

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف ، ويستشهد بحديث أبي سعيد الخدري في إنكاره على مروان بن الحكم حينما قدم الخطبة على الصلاة، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم) وبحديث (سيد الشهداء رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فهل هذا كلام صحيح؟ وكيف الجمع بين هذه الآثار الصحيحة وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية) نرجو التفصيل في هذه المسألة، حيث أن كثير من شباب الصحوة يجهل الحكم الصحيح في هذه المسألة، وبخاصة أن هناك من الدعاة من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف ، مما يجعل الشباب يثور ويظن أن عدم الإنكار علناً دليل المداهنة في الدين وغير ذلك، ولما لهذه المسألة من خطورة، نرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا السؤال مهم، وجوابه أهم منه في الواقع، ولا شك أن إنكار المنكر واجب على كل قادر عليه، لقول الله تبارك وتعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:104-105] واللام في قوله: (ولتكن) لام الأمر، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم) أي: كما لعن بني إسرائيل الذين قال الله عنهم: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79].

    ولكن يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها مجال، ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علناً يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علناً، وإذا رأينا أن الإنكار علناً لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سراً، وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علناً فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سراً فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير.

    وأقول لكم: إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانباً، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك، ونحن نضرب لكم أمثالاً حتى يتضح الأمر للحاضرين وللسامعين:

    مثلاً: الخوارج والمعتزلة رأوا النصوص التي فيها الوعيد على بعض الذنوب الكبيرة فأخذوا بهذه النصوص، ونسوا نصوص الوعد التي تفتح باب الرجاء، -فمثلاً- قالوا: إذا قتل الإنسان مؤمناً عمداً فإنه يكون كافراً -على رأي الخوارج -مباح الدم مخلداً في النار، وعلى رأي المعتزلة يقولون: إذا قتله خرج من الإسلام لكن لا يدخل في الكفر؛ لأننا لا نستطيع أن نجزم بأنه كافر، فنقول: خرج من الإسلام وكان في منزله بين الإسلام وبين الكفر، ولكنه مخلد في النار، ثم أهملوا آيات الوعد وأحاديث الوعد الدالة على أن الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من الإيمان.

    ثم قابلهم آخرون وقالوا: الإنسان مهما عمل من المعاصي التي دون الكفر فإنه مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار أبداً، وقالوا: إن قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ... [النساء:93] هذه في الكافر إذا قتل مؤمناً، الآن لماذا ضل هؤلاء وهؤلاء؟ لأنهم أخذوا بجانب واحد من النصوص.

    كذلك -مثلاً- في صفات الله عز وجل تجد أن بعض الناس قال: إن الله عز وجل لا يمكن أن يجيء بنفسه، ولا يمكن أن ينزل إلى السماء الدنيا، وليس له وجه، وليس له يدان، لماذا؟ قالوا: لأن الله قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] قالوا: وأنت إذا أثبت هذه الأمور مثَّلت الله.

    وقابلهم أناس آخرون فقالوا: إن الله تعالى أثبت لنفسه وجهاً، وأثبت له يدين، وأثبت أنه ينزل، وأنه يجيء، فوجهه كوجوهنا، ويده كأيدينا، ونزوله كنزولنا، ومجيئه كمجيئنا؛ لأننا لا نعقل من المجيء واليد والوجه إلا ما نشاهد، والله خاطبنا بما يمكن إدراكه، فيكون مجيء الله ووجه الله ويد الله ونزول الله مثل ما يثبت لنا.

    إذاً: هؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف، وكلهم ضالون؛ لأن كل واحد أخذ بجانب، فنحن نقول: إن الله تعالى له وجه وله يدان ويجيء وينزل لكن ليس كأيدينا وكوجوهنا وحاشاه من ذلك عز وجل؛ لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].

    كذلك أيضاً في مسألة مناصحة الولاة، من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد، ومنهم من يقول: لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل، ونحن نقول: النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، فيكون الإنكار معلناً عند المصلحة، والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، لا يزول به الشر ولا يحل به الخير.

    وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبداً، حتى إمام المسجد، هل يرضي جميع المصلين؟ لا. بعضهم يقول: تبكر! وبعضهم يقول: تطول! وبعضهم يقول: تقصر! وفي الشتاء يتنازعون والذي يصلي في الشمس والذي يصلي في الظلال لا يحصل الاتفاق، فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره (وجعل من الحبة قبة) وثارت الفتنة، وما ضر الناس إلا مثل هذا الأمر!

    الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش الشام، وعندما تصالح علي مع جيش الشام حقناً لدماء المسلمين صاروا ضده، وقالوا: أنت كافر. كفروا علي بن أبي طالب -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن رعاع الناس وغوغاء الناس لا يمكن ضبطهم أبداً، وإعلان النكير على ولاة الأمور يستغله هؤلاء الغوغاء ليصلوا إلى مآربهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريش بينهم) بين من؟ بين سكان الجزيرة، يحرش بينهم حتى تؤدي المسائل إلى القتل ويلاقي الإنسان أخاه في الإسلام وربما أخاه في النسب أو ابن عمه أو صهره فيقتله على أي شيء؟ ولا على شيء.

    فالحاصل أننا نقول: يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا ما عاقبته، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فاجعل هذا ميزاناً لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق.

    ألفاظ محظورة في حق الله والرسول

    السؤال: فضيلة الشيخ اشتهر في الفترة الأخيرة بين الشباب لغز أو ما يسمونه باللغز وهو: ما هو الشيء الذي لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو الشيء الذي لم يره الله سبحانه وتعالى ولم يسمع به؟ ويقصدون بالذي لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم رسولٌ مثله، والذي لم يره الله سبحانه وتعالى ولم يسمع به: الشبيه والمثيل والنظير، وتعلمون أن هذا سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى، فما حكم ذلك؟ أفيدونا وفقكم الله.

    الجواب: أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الشيء أو لم يسمع به فهذا حاصل لكل بشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، يدخل بيته والبرمة على النار فلا يدري ما الذي فيها وهو بيته، والبرمة: مثل القدر، فإنه دخل ذات يوم على أهله فدعا بطعام، وكان قد رأى البرمة على النار وفيها لحم تصدق به على بريرة ، وهي عتيقة لـعائشة رضي الله عنها عندها، وقد علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة، فقالوا: (لحم تصدق به على بريرة ، فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية) أنا أضرب هذا مثلاً للدلالة لكون الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.

    وكان معه أبو هريرة ذات يوم فانخنس منه وذهب يغتسل، ثم رجع فقال له: (أين كنت؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أكون معك على غير طهارة. قال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) فانظر: تغيب عنه أبو هريرة وهو لا يعلم، فالرسول قد لا يسمع بالشيء، وقد لا يرى الشيء، لكن قولنا: في جانب الله عز وجل لم يسمع به الله ولم يره فهذا سوء أدب عظيم مع الله، ويخشى على من ألقى هذا السؤال فضل به من يضل من الناس أن يبوء بالإثم والعياذ بالله.

    وجانب الرب عز وجل يجب أن يعظم ويهاب، يجب ألا تتكلم في جانب الله عز وجل بما يوهم نقصاً لا من قريب ولا من بعيد؛ لأن الله تعالى قال: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60] كل وصف كمال فأعلاه لله عز وجل، كيف تقول: إن الله لم يسمع به ولم يره؟ فالحذر الحذر من مثل هذه التعبيرات، والحذر الحذر من الكلام في جانب الرب عز وجل إلا بما جاء في الكتاب والسنة.

    يجب أن نتأدب كما تأدب الصحابة رضي الله عنهم، كانت الآيات تنـزل في صفات الله وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم في صفات الله، لا يوردون أسئلة ولا إشكالات، يأخذونها بالرضا والتسليم والقبول، ويعلمون أن الله تعالى فوق ما يتصوره الإنسان: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

    رفع الصوت بالذكر دبر الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله: جاءت السنة بمشروعية رفع الذكر بعد الصلاة، فهل المقصود هو الذكر المباشر لانقضاء الصلاة، مثل: (اللهم أنت السلام) ونحوه أو أنه يعم جميع الذكر من التسبيح والتهليل والتكبير؟

    الجواب: يعم الجميع، يعم كل ذكر مشروع بعد الصلاة: الاستغفار، وقول: (اللهم أنت السلام) والتسبيح، والتهليل، وقد ألف -أظنه الشيخ/ سليمان بن سحمان رحمه الله- رسالة وقال: من فرق بين التهليل والتسبيح فقد ابتدع، وأنه لا فرق بين هذا وهذا، وهذا هو الصحيح، لكن إذا كان هناك شخص يصلي إلى جانبك وقد فاته شيء من الصلاة وخفت إذا رفعت صوتك أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على الصحابة وهم يصلون ويجهرون بالقراءة ويشوش بعضهم على بعض فنهاهم أن يرفع الرجل صوته فيشوش على أخيه.

    وأما إذا لم يكن هناك تشويش فالمشروع هو رفع الصوت.

    السائل: ألا يحصل تشويش إذا رفعوا أصواتهم؟

    الشيخ: إذا كانوا كلهم ما فاتهم شيء من الصلاة وكانوا يذكرون الله جميعاً لا يحصل تشويش أبداً، كما أنهم يقرءون القرآن قبل الصلاة، كلهم يرفع صوته فلا يحصل تشويش.

    السائل: والإمام عندما يرفع صوته؟

    الشيخ: نقول: إذا رفع صوته وهم يسمعون ليرفعوا أصواتهم مثله، وسبب التشويش أن بعض الناس يكره هذا بقلبه تعرف أن القلب إذا اشتغل يتشوش، لكن لو كانوا مطمئنين بهذا وقد قبلته نفوسهم قبولاً تاماً لم يحصل تشويش إطلاقاً.

    السائل: لكن السنة أن يجهر به!

    الشيخ: السنة أن يجهر،ولكن إذا كان إماماً فينبغي أن يبلغ المأمومين قبل ذلك، ويقول: يا إخوان! السنة هي الجهر.

    إنكار المنكرات الشائعة

    السؤال: فضيلة الشيخ! من الذي يقرر أن ينكر علني لمنكرات معروفة في المجتمع هم العلماء أم هم الدعاة؟

    الجواب: مسألة التقرير وهو أن يتكلم عن الإنكار على الولاة وليس على المنكرات الشائعة، أي: -مثلاً- عندنا الآن منكرات شائعة مثل الربا والميسر، والتأمينات الآن الموجودة عندنا أكثرها من الميسر، والغريب أن الناس أخذوها بالقبول، ولا تكاد تجد أحداً ينكرها مع أن الله قرنها بالخمر والأنصاب والأزلام، ولكن الناس -سبحان الله- لا تجد أحداً ينكرها، تؤمن على سيارتك أو على بيتك، تسلم دراهم ولا تدري هل تخسر أكثر أم أقل، وهذا هو الميسر.

    فأقول: أما المنكرات الشائعة فأنكرها، لكن كلامنا على الإنكار على الحاكم مثل أن يقوم الإنسان -مثلاً- في المسجد ويقول: الدولة ظلمت..الدولة فعلت، فيتكلم في نفس الحكام، وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائباً؛ لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم.

    وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً.

    الفرق أنه إذا كان حاضراً أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره، وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن إذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة، والذي ورد عن السلف كله في مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم أن الإنسان لو وقف يتكلم في شخص من الناس وليس من ولاة الأمور وذكره في غيبته، فسوف يقال: هذه غيبة، إذا كان فيك خير فصارحه وقابله.

    السائل: بعض الناس يستغل المنكرات الشائعة فينكرها بطريقة يربط بينها وبين كأن لولاة الأمر دخلاً في هذا، بحيث يفيد السامع أن ولاة الأمر هم السبب في هذا، فهذا أيضاً ولو أنه منكر شائع ويحذر من استغلاله ضد هذا الأمر؟

    الشيخ: لا. ليس هكذا، أنا أريد مثلاً أن أقول للناس: اجتنبوا الربا، ويأتي ويقول: هذه بيوت الربا معلنة ورافعة البناء ، فلا يقول هكذا، يعني: هذا إنكار ظني على الولاة ، لكن يقول : تجنبوا الربا والربا محرم وإن كثر بين الناس ، الميسر حرام وإن أقر وما أشبه ذلك.

    الحيلة على المحرم تجعله أشد تحريماً

    السؤال: رجل قال له أحد معارفه: أريد أن أبيعك هذه المزرعة ثم تبيعها على ابني الأكبر حتى يستقدم عمالاً، فلما فعل هذا الوسيط تبين له أن هذا القريب أراد أن يهب هذه المزرعة دون أبنائه الآخرين، أي: احتال عليه، فماذا على هذا الرجل الوسيط علماً بأن لديه مصلحة عند هذا الرجل؟

    الجواب: لا يجوز للإنسان إذا علم أن شخصاً ما يتوصل بمعاملته إلى محرم أن يعامله؛ لأنه إذا عامله صار من باب التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه، لكن لماذا لا يكون عند هذا الرجل الشجاعة فيبيعها على ابنه مباشرة دون واسطة، وهو إذا باع على ابنه بالثمن الموافق للسوق؛ فإن ذلك لا بأس به وإن كان دون أبنائه، مثلاً: لو أن إنساناً عنده سيارة وله أبناء متعددون وأراد أن يبيع السيارة بثمنها الذي هو ثمنها في السوق على أحد الأبناء فلا بأس به.

    وأما البيع الصوري فلا يجوز؛ لأن الحيلة على المحرم تجعل المحرم أخبث.

    أما الوسيط فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن ينصح الرجل الذي طلب منه أن يكون وسيطاً ويخوفه من الله عز وجل.

    الإعذار من الكفر إذا كان متأولاً

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك من يقول بأن قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] على أن هناك شركاً يغفره الله، ومثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث الرجل الذي قال لأبنائه: (إذا أنا مت فحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البحر ونصفي في البر، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني). فقالوا: إن هذا كافر مشرك وغفر الله له باجتهاده، فما تعليقكم جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: نقول بارك الله فيك: إن الإنسان إذا فعل الشيء بتأويل وهو مؤمن بمضمون ما فعل فإنه لا يكفر، فهذا الرجل لو نظرنا إلى ظاهر عمله لقلنا: هذا الرجل شاك في قدرة الله، فليس هناك إشراك إنما فيه تنقص لله، ظن أنهم إذا فعلوا به هكذا لم يقدر الله عليه، فهو شك في القدرة ولم ينكرها صراحة، لكن ظن أن الله لا يقدر عليه. لماذا فعل هذا؟ خوفاً من الله، إذاً هو مؤمن بالله، لكن تأول فأخطأ، والله عز وجل يغفر الخطأ لمن تأول، كل إنسان يفعل الشيء بتأويل، فإن الله تعالى يغفر له ولا يؤاخذه به؛ لأنه لو آخذه بشيء فعله متأولاً لكان هذا من تحميل النفوس ما لا تستطيع، والله تعالى قد نفى ذلك، فقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ألم تر أن الصحابة لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) بعد غزوة الأحزاب، وخرجوا فأدركتهم الصلاة، فبعضهم صلى في الطريق، وبعضهم لم يصل إلا بعد المغرب في بني قريظة، هؤلاء أخروا الصلاة عن وقتها، لكنهم متأولون، ولذلك لم يعنفهم الرسول عليه الصلاة والسلام.

    وعمار بن ياسر أصابته جنابة وهو في السفر، وجعل يتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، يظن أن هذا هو الواجب فيمن كانت عليه جنابة وليس عنده ماء، وعلمه الرسول، فالمهم أن هذا الرجل كان متأولاً.

    وهذا أحد الأدلة التي استدل بها شيخ الإسلام رحمه الله على أن الإنسان يعذر بالكفر إذا كان جاهلاً أو متأولاً.

    حكم الامتناع عن الإنجاب خوفاً من إصابة الأولاد بالمرض

    السؤال: فضيلة الشيخ! غفر الله لك رجل تزوج وأنجب عدة أطفال، ثم تبين له أن أحد أقارب زوجته فيه برص، هل يجوز له أن يتوقف عن الإنجاب خشية من هذا المرض، علماً بأن أطفاله كلهم سالمون؟

    الجواب: هذا من جهله، لو أراد أن يتوقف عن الإنجاب؛ لأن بعض أقارب الزوجة فيهم برص كان هذا لا شك من سفهه ومن سوء ظنه بالله عز وجل؛ لأننا نشاهد أناساً فيهم هذا المرض ولهم أولاد في سلامة منه، ونشاهد أناساً لا نعلم أن فيهم برص ولهم أولاد أصيبوا بهذا، فلا ينبغي للإنسان أن يتشاءم، بل يعتمد ويتوكل على الله ولينجب، وبهذه المناسبة أود أن أبين لكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أن تكثر الأمة؛ ولذلك قال: (تزوجوا الودود الولود) وقال: (إن الله ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وإنما الذي أوتيته وحيٌ أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) انظر كيف يتمنى الرسول صلى الله عليه وسلم لكثرة الأمة، ونحن مع الأسف نقول: وقف النسل، نظم النسل! فأنا أقول: أكثر النسل والله تعالى يتولى رزقهم، كما قال تعالى: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151] فقل لهذا الأخ: استمر في الإنجاب ولا تتوقف، ولن يرى بأساً إن شاء الله.

    السلام على المسلم الذي لا يرد السلام

    السؤال: فضيلة الشيخ! أثابكم الله ما قولكم في رجل تسلم عليه ولا يرد عليك السلام، وبعد مناصحته لم ينته، فهل تسلم عليه؟

    الجواب: أقول: سلم عليه وإن لم يرد عليك؛ لأن الإنسان مأمور بأن يسلم على أخيه المسلم، وإذا سلمت حصلت الأجر وباء هو بالإثم، ويدل لهذا أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل) أي: استمر كأنما تسفهم المل، والمل هو: الرماد الحار، أو هو التراب الحار، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوم بصلة الرحم وإن كانوا هم يقطعونها، فكذلك أنت سلم وإن كان هو لا يرد، وربما مع التكرار يخجل ويراجع نفسه ويقول : لماذا لا أرد عليه السلام؟!

    السائل: وإذا كان يظن أن هذا من الدين؟

    الجواب: إذا كان يهجرك ويظن أن هذا دين فأنت قلت: إنك تنصحه ولكنه لم ينته.

    التكرار في سجود التلاوة

    السؤال: فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك سجود التلاوة، هل كلما قرأ القرآن وكلما مر بسجدة من سجود التلاوة هل يجب عليه أن يسجد أم يكون أسوة للعلماء إذا فسر الآية فيها سورة السجدة مثلاً لا يسجد؟

    الجواب: أولاً: سؤالك في قولك هل عليه أن يسجد، نقول: ليس عليه أن يسجد، سواء تكررت الآيات أو لم تتكرر، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ في إحدى الجمع آية فيها سجدة وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، وإذا تكررت الآيات؛ فإن كان الإنسان يكرر ويتحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ -مثلاً- في سورة الحج فسجد في السجدة الأولى وأتت السجدة الثانية فليسجد، وإن كان الفصل ليس طويلاً، هذا هو التفصيل في مسألة التكرار في السجود.

    حكم القراءة الجماعية للقرآن

    السؤال: فضيلة الشيخ! بارك الله فيكم! ما حكم قراءة القرآن جماعة من بعض الناس، فإذا أنكرنا عليهم قالوا: هذا ييسر لنا من جانب أننا نحفظ القرآن. فما قولكم في هذا بارك الله فيكم؟

    الجواب: أما من جهة قراءة القرآن بصوت واحد من أجل التحفظ أو التعلم فلا بأس به.

    وأما إذا كان من أجل التعبد فلا، والفرق بينهما: أن الأول قد يحتاج الناس إليه للتعلم فصار جائزاً، أما الثاني فلا؛ لأن الإنسان يستطيع أن يتعبد بتلاوة القرآن وإن لم يكن معه أحد، ومثل ذلك أيضاً من أراد أن يتحفظ على الشريط كما يفعله بعض الحفظة، يستمع إلى الشريط ويتابعه، فلا بأس به ولا حرج فيه.

    حكم زكاة الحلي

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل في الذهب المعد للزينة زكاة، وإن كانت المرأة لا تجد إلا أن تبيع بعضه لكي تؤدي الزكاة؟

    الجواب: الصحيح من أقوال العلماء والراجح عندي أن الزكاة واجبة في الحلي إذا بلغ النصاب وهو (85) جراماً، فإذا بلغ هذا وجبت زكاته، فإن كان لديها مال فأدت منه فلا بأس، وإن أدى عنها زوجها أو أحد من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن هذا ولا هذا فإنها تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، قد يقول بعض الناس: لو عملنا بهذا لانتهى حليها ولم يبق عندها شيء. فنقول: هذا غير صحيح، لماذا؟ لأنه إذا نقص عن النصاب ولو شيئاً يسيراً لم تجب الزكاة، وحينئذ لا بد أن يكون عندها شيء تتحلى به، فالقول الراجح في هذه المسألة أن الزكاة واجبة في كل حلي من ذهب أو فضة، سواء كان يلبس أو يعار أو يؤجر.

    أسماء الله الحسنى

    السؤال: فضيلة الشيخ! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر) فهل هذا اسم من أسماء الله أم صفة من صفاته؟

    الجواب: يحتمل أن يكون اسماً من أسماء الله، ويحتمل ألا يكون؛ لأن بعض العلماء ذكر قاعدة، قال: ما جاء معرفاً بأل فهو من أسماء الله، وما لم يأت معرفاً فهو صفة من صفات الله، وبعض العلماء يقول: كل صفة من صفات الله وصف الرسول بها ربه فإنها اسم وعلى هذا يتنزل الجواب؛ إن قلنا بأن أسماء الله هي المقرونة بأل، فالوتر لا أعلمه جاء مقروناً بأل، وإن قلنا: كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له الرسول سواء بأل أو بغير أل فهو اسم، قلنا: إن الوتر من أسماء الله..والله أعلم.

    تعظيم كتاب الله

    السؤال: فضيلة الشيخ! أكثر المصلين في المساجد إذا أراد أن يتلو القرآن تناول المصحف بيده اليسرى، وقد رأيت أحد المشايخ يفعل ذلك مراراً، فهل في ذلك حرج أم لا؟

    الجواب: الذي أرى أن من تمام تعظيم المصحف أن تتناوله بيدك اليمنى، وأن تضعه في مكانه بيدك اليمنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعجبه التيامن في جميع شئونه؛ ولأنه أمر أن نأخذ بأيماننا وأن نعطي بأيماننا، والعلماء رحمهم الله قالوا: اليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه، فالذي يريد أن يتناول شيئاً خبيثاً أو نجساً فباليسرى.

    وأما المصحف فلا شك أن من تعظيمه أن تتناوله باليمنى أخذاً ورداً وإعطاءً، ولو أنك إذا رأيت أحداً يفعل هذا تقول له: يا أخي! لو أنك تريد أن تعطي رجلاً حاجة، أو تتناول منه حاجة، فأي اليدين تقدم؟ سيقول لك: أقدم اليمنى. إذاً: كلام الله أحق أن يعظم.

    حكم الذكر الجماعي أدبار الصلوات

    السؤال: فضيلة الشيخ! قلتم: إنه يجوز أن يرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، ولكن إن أدى هذا إلى أن يكون الذكر جماعياً بين المصلين فهل يجوز؟

    الجواب: أنا في الواقع لم أقل: يجوز! بل قلت: إنه من السنة، يعني: الأفضل، فإنه من السنة ولا شك.

    وأما أداء هذا الذكر جماعة فهذا بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك، كلُّ يذكر على نفسه لكنهم يجهرون.

    الأذان في السفر

    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا كنا في سفر وفات وقت الأذان، فهل لنا أن نؤذن للصلاة؟ فبعض الشباب يقول: إذا خرج وقت الأذان فلا تؤذن، فما رأيك يا شيخ؟

    الجواب: إذا كنتم تسمعون الأذان فلا حاجة أن تؤذنوا، وإن كنتم لا تسمعون وجب عليكم أن تؤذنوا، ولكم أن تؤذنوا متى أردتم الصلاة ولو كان في أثناء الوقت.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756039296