إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [213]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لأهل العلم وحملته منـزلة عظيمة في الإسلام، لا ينالونها إلا بضوابط، فإن حاملو العلم كان لزاماً عليهم أن يقوموا بحقه .. من العمل به، والدعوة إليه، والحرص على التزود منه. وبعد هذه الاستهلالة عن العلم والعلماء، أوردت هذه المادة الكثير من الفتاوى العامة والفوائد والإجابات القيمة عن أسئلة الحاضرين.

    1.   

    فضل العلم وواجبات حامليه

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثالث عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس, وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر جماد الأولى عام (1420هـ).

    نفتتح هذا اللقاء بما ينبغي أن نفتتح به هذا العام الدراسي, هذا العام الدراسي يستقبل فيه الناس الأعمال الدراسية, من السنة الابتدائية إلى الدراسات العليا, والذي ينبغي استقباله به هو أولاً إخلاص النية لله عز وجل, بأن ينوي الإنسان بطلبه للعلم رضوان الله عز وجل وامتثال أمره؛ لأن الله أمر بالعلم ورغب فيه فقال عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] وقال الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] والتحريض على الشيء يستلزم الأمر به, ولا شك أن هذه الشريعة الإسلامية قامت بالعلم والعمل.

    طلب العلم والجهاد في سبيل الله

    وجعل الله سبحانه وتعالى العلم معادلاً للجهاد في سبيله، فقال سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] فبين الله عز وجل أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا للجهاد في سبيل الله كلهم, وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحد كفرض الصلوات مثلاً, بل لابد أن يكون كل جهة من الشريعة الإسلامية لها أهلها القائمون بها, قال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) من كل فرقة طائفة لا كل فرقة أيضاً من الفرق في القبائل أو البلدان طائفة ليتفقهوا في الدين, أي: القاعدون, لأن معنى الآية: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) وقعد طائفة, ليتفقهوا -أي: القاعدون- في الدين, (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

    فإذا علمت أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله فاعلم أنه جهاد في سبيل الله, وفي بعض الأحيان لا يمكن الجهاد إلا بالعلم, فالمنافقون مثلاً لا يمكن جهادهم بالسلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استؤُذِن في قتلهم أبى, وقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولأن النفاق مستور, ونحن مأمورون بأن نعامل الناس بما يظهر من حالهم في الدنيا أما في الآخرة فأمرهم إلى الله, فالمنافق -مثلاً- لا يمكن جهاده بالسلاح بل بالعلم والمجادلة بالتي هي أحسن, والتخويف وما أشبه ذلك.

    أهمية العمل بالعلم

    ثانياً: أن يكون طالب العلب متحلياً بما علمه من العلم, فهو أول مسئول عن تطبيق علمه؛ لأن العلم إما لك وإما عليك, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) وليس هناك شيء وسط لا لك ولا عليك بل هو إما لك إن عملت به, وإما عليك إن لم تعمل به, فأنت الآن إذا كنت طالب علم كحامل سلاح, إما أن يكون عليك أن تصوبه إلى صدرك, وإما أن يكون لك تدافع به.

    فيجب على طالب العلم إذا علم شيئاً من مسائل الدين أن يكون أول عامل به إن كان أمراً فعله, وإن كان نهياً اجتبنه؛ ولأن الإنسان إذا عمل بعلمه بارك الله له في العمل, وحفظه عليه, وزاده منه, كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] ولأن طالب العلم إذا عمل بعلمه وثق الناس به, وصار أسوة للمسلمين في مقاله وفعاله, وما أكثر الذين يقتدون بالعالم في فعله أكثر من قوله, وما أكثر الذين ينتقدون العالم أكثر وأكثر إذا رأوه لا يطبق علمه, فإنهم يقولون: لو كان هذا صادقاً في العلم لكان هو أول من يعمل به, فعليك -أخي- بالعمل بما علمت حتى يبارك الله لك في علمك, وينفع الله بك أكثر.

    أهمية الدعوة إلى الله

    وينبغي لطالب العلم أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, بل يجب أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, لأن الله تعالى إذا علمك علماً فقد أخذ عليك ميثاقاً أن تبينه وتدعو إلى الله به, قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187], ورجل لا يدعو الناس بعلمه كتابه خير منه, لأن الكتاب قد ينتفع به في المستقبل, وأما هذا الذي لا يدعو فإنه حجر غير نافع, فالواجب على كل من آتاه الله علماً أن يبلغه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) لا تقل أنا ما وصلت إلى حد الاجتهاد, متى علمت المسألة وتيقنتها فعلم الناس إياها, وبلغهم إياها, ولا تحقر نفسك، فإنك إذا علمت شخصاً وانتفع، وعلمه آخر وانتفع، صار لك مثل أجورهم, فالدال على الخير كفاعل الخير.

    ولكن في هذا الحال يجب التثبت من العلم؛ لأن بعض الناس يدعو وهو يظن أنه عالم وليس بعالم, فالواجب أن تتثبت إما من عالم تثق به وإما إذا كان عندك ملكة تستطيع أن تفهم المسائل من الكتب فافعل, وينبغي لطالب العلم أن يحرص على نشر علمه في كل مناسبة, في المجالس, في المجتمعات, في الصحف والمجلات, في المطويات والرسائل, المهم أن ينشر علمه ما استطاع؛ لأنه إذا فعل ذلك كسب خيراً كثيراً, وصار خيره أفضل من خير التاجر الذي يبذل المال ليلاً ونهاراً لمن ينتفع به, والعلم ليس له مئونة في نشره وبيانه, ولا ينقص في بذله بل يزيد كما قيل في العلم:

    يزيد بكثرة الإنفاق منه     وينقص إن به كفاً قبضتَ

    أهمية تقييد العلم

    وينبغي لطالب العلم أن يقيد ما علمه, خصوصاً القواعد والضوابط والمسائل النادرة لئلا تفوته, فكثيراً ما يستحضر الإنسان مسألة نادرة ليست قريبة يدركها الإنسان بأدنى تأمل, ثم يعتمد على حفظه ويقول: هذه إن شاء الله لا أنساها, فينساها سريعاً, فقيد المسائل خصوصاً النادرة أو القواعد أو الضوابط حتى يكون لديك رصيد, وقد قيل: (قيدوا العلم بالكتابة) وقيل:

    العلم صيد والكتابة قيده     قيد صيودك بالحبال الواثقة

    فمن الحماقة أن تصيد غزالـة     وتتركها بين الخلائق طالقة

    أهمية احترام المعلم

    وينبغي لطالب العلم أن يحترم معلمه, وأن يجعله في منزلة الأب, فإن الأب إذا كان يغذيك بما يقوم به البدن, فهذا يغذيك بما يقوم به الإيمان والعمل, فاحترم المعلم بقدر المستطاع, واحترام المعلم يؤدي إلى الإنتاج؛ لأن المعلم إذا رأى من تلاميذه أنهم يحترمونه احترمهم, وزاد في إنتاجه وفي تعليمه إياهم, لكن إذا كان الأمر بالعكس انعكس الأمر, بمعنى أنه إذا رأى الأستاذ من تلاميذه أنهم لا يحترمونه لم يحترمهم, ولم يحرص على منفعتهم, بل كان يعلمهم وهو كاره لمقابلتهم, فاحترم المعلم, وإذا أخطأ وتيقنت خطأه فلا تقم أمام التلاميذ ترد عليه, لأن هذا غير لائق وهذا يوجد انتقاص المعلم، والطلاب إذا انتقصوا المعلم لم ينتفعوا منه, بل بإمكانك أن تتركه حتى يخرج من مكان الدرس ثم تكلمه بهدوء وتبين له ما رأيته من خطأ, فقد تكون أنت المخطئ, فإذا حصل التفاهم فلابد من الوصول إلى الحق مع حسن النية, فإذا رجع الأستاذ عن خطئه في المقابلة التالية فهذا هو المطلوب، وإن لم يرجع فحينذٍ لك العذر أن تقوم وتورد إشكالاً لا تعليماً بمعنى لا تقوم كأنك معلم له, تقول: يا أستاذ! أخطأت! مثلاً, لكن تورد إشكالاً فتقول: لو قال قائل كذا وكذا.. حتى يتم الأمر على الوجه المطلوب مع احترام المعلم.

    أسأل الله تعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة وأن يرزقنا العمل بما علمنا مع الإخلاص والمتابعة إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    حكم العمل لنيل الأجر الدنيوي والأخروي من الطاعة

    السؤال: جاءت أدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك نوعاً من الطاعات إذا فعلها الإنسان يؤجر عليها في الدنيا والآخرة, مثل: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) وكذلك أيضاً: (ما نقص مال من صدقة) كذلك: (صلة الرحم وبر الوالدين تطيل في العمر وتكثر الرزق) فهل الإنسان إذا فعل هذه الطاعة لكي يكثر ماله ويطيل في عمره يؤجر في الآخرة؟

    الجواب: نعم هذا سؤال مهم, الشريعة الإسلامية والحمد لله جاء فيها حوافز دينية ودنيوية, لأن الله تعالى علم نقص العبد واحتياجه إلى ما يشجعه, ونقص العبد واحتياجه إلى ما يردعه, فجاءت الأعمال الصالحة يذكر فيها ثواب الآخرة وثواب الدنيا, تشجيعاً للمرء لأن المرء محتاج لهذا في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:201-202] فلا حرج على الإنسان أن يعمل العمل الصالح ملاحظاً ما رتب عليه من ثواب الدنيا, ولا ينقص أجره شيئاً؛ لأنه لو كان هذا ينقص العبد شيئاً ما ذكره الله ورسوله, لكن هذه من باب الحوافز, ثم ما يحصل للقلب من الطاعات جدير بأن يشجع الإنسان عليها, كذلك بالعكس النواهي, جاءت الحدود والتعزيرات حتى يرتدع الناس عما فيه الحد, فالزنا حده للبكر أن يجلد مائة جلدة ويطرد من البلد لمدة سنة, وفي الثيب أن يرجم, الإنسان ربما يكون عنده ضعف إيمان ولا يردع عن الزنا إلا مثل هذه العقوبات, فهذه من حكمة الشرع, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في بعض غزواته: (من قتل قتيلاً فله سلبه) أي: ما معه من سلاح وثياب وغيرها.

    الأرض هي مركز الكون

    شالسؤال: مادة الجغرافيا التي تدرس أذكر أن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حولها, هل هذا موافق لما هو موجود في القرآن؟

    الجواب: هذا الذي في القرآن, أن الأرض هي المركز والشمس تدور عليها, الدليل قول الله تبارك وتعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17] فأضاف الله الطلوع والغروب إلى الشمس, وأضاف إليها التزاور والقرض, وقال الله عز وجل: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس:38] فظاهر القرآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض, ويجب علينا أن نأخذ بهذا الظاهر, لأن الذي يتكلم بهذا هو الخالق عز وجل, وهو أعلم بخلقه من غيره, ولا يمكن أن نكذب هذا ونلجأ إلى قول العصريين أن الأرض هي التي تدور, وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار, إلا إذا علمنا علماً يقينياً أن هذا هو الواقع فحينئذٍ نؤول الآيات عن ظاهرها إلى ما يوافق هذا الواقع, أما مجرد قولهم فإنا نقابل قولهم بقول الله عز وجل الخالق, ونقول: الأرض هي المركز والشمس تدور عليها, والقمر يدور عليها, والنجوم تدور عليها, وليس هذا هو الموجود في كتب الفلكيين المتأخرين, المعروف عنهم أن الأرض هي التي تدور وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار, ولكن هذا غير مسلَّم إلا إذا علمناه كما نعلم ثيابنا التي علينا, لأنه لا يمكن أن نخالف ظاهر القرآن والسنة لكلام أي إنسان, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأبي ذر وقد غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب وتسجد تحت العرش فتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت) هذا صريح بأن الشمس هي التي تغيب وهي التي تذهب فما بالنا ندع هذا؟ إذا كان يوم القيامة والإنسان واقف بين يدي الله وكان عقيدته على خلاف ذلك ما حجته عند الله؟ قول فلان وفلان ليس بحجة.

    فالواجب علينا أن نأخذ بظاهر القرآن والسنة في هذا الأمر, إلا إذا علمنا علم اليقين كما نعلم ثيابنا التي علينا بأن الأرض هي التي تدور وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار فحينئذٍ نسلم, ثم لنا الفسحة أن نؤول الكتاب والسنة لما يوافق الواقع, لأن القرآن والسنة لا يخالفان الواقع.

    بين طلب العلم ومخالطة الناس

    السؤال: كان من طريقة علماء السلف رضوان الله عليهم البارزين أنهم كانوا يعاملون العامة ويصبرون على أذاهم في سبيل التأثير عليهم, ومحاولة دعوتهم إلى الصراط المستقيم, ألا ترى أنه ينبغي لطالب العلم كذلك الدخول في أوساط الناس ومعاملتهم بالحسنى, والصبر على أذاهم, وقضاء حوائجهم, والشفاعة لهم؛ لأن بعض طلبة العلم -يا شيخ- يترفع عن ذلك بدعوى أن هذا قد يشغله عن طلب العلم, والدخول في أوساط الناس بدعوى أنهم مقصرون, ولديهم بعض التقصير في بعض السنن أو بعض الواجبات يجعله يترفع عنها, فكيف يجمع بين هذا الأمر؟

    الجواب: لا شك أن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم, لكن إذا كانوا يشغلونه عما هو أهم, فالقواعد الشرعية تقتضي أن نبدأ بالأهم فالأهم, والإنسان لو بقي يتلقى كلما يطلب الناس منه لانشغل حتى عن الصلوات, في وقتنا الحاضر ما أكثر الذي يتكففون يطلبون المال, وما أكثر الذين يطلبون الشفاعة, ولو فتح الإنسان الباب للناس في هذا الأمر لانشغل حتى عن الفريضة, لكن تارة وتارة, ويفرق بين الشيء الملح والشيء غير الملح, فيجب التفريق.

    ثم أيضاً إذا رأى الإنسان من مخالطة الناس أنهم يمتهنونه ولا يهابون قوله ولا توجيهه فليختصر, لأن بعض الناس إذا خالط الناس وصار يضحك معهم ويمزح معهم ويجعل نفسه كواحد منهم لا يهابوه ولا يأخذون بقوله, لكن قد يكون مع أناس ينزل إلى هذه المرتبة لأنه يعرف قدره في نفوسهم حتى لو خالطهم هذا الاختلاط ومع الآخرين لا يمكن أن يخالطهم هذا الاختلاط, والإنسان طبيب نفسه.

    رؤية الله في المنام

    السؤال: هل يرى الله في المنام؟

    الجواب: إن الله سبحانه وتعالى يعلم بما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم, فالقرآن كلام الله كأنما يخاطبك الله به, كما قال عز وجل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء:174] هذا يكفيك عن رؤية الله, ورؤية الله في الدنيا يقظة لا تمكن, حتى موسى عليه الصلاة والسلام وهو من أولي العزم من الرسل لما سأل الله الرؤية, قال الله له: لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] أي: لا يمكن أن تصبر على رؤيته, ثم ضرب له مثلاً فقال: انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً [الأعراف:143] صار الجبل كالرمل حينئذٍ خر موسى صعقاً, وعلم أنه ليس بإمكانه أن يرى الله عز وجل.

    أما رؤيته في المنام فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام كما في حديث اختصام الملأ الأعلى, أما غير الرسول فذكر عن الإمام أحمد أنه رأى ربه والله أعلم هل يصح هذا أم لا يصح؟ لكن نحن لسنا في حاجة في الهداية إلى رؤية الله عز وجل, حاجتنا أن نقرأ كلامه ونعمل بما فيه, وكأنما يخاطبنا, ولهذا ذكر الله أنه أنزل الكتاب على محمد وأنزله إلينا أيضاً حتى نعمل به, ولا تشغل نفسك بهذه الأمور, فإنك لن تصل إلى نتيجة مرضية, عليك بالكتاب والسنة والعمل بما فيهما.

    ضرورة تحديد أجر الأجير

    السؤال: رجل بنى بيتاً بتسعمائة ألف ريال ولكن لم يكتمل البناء, والمالك ليس معه مال, فعرض المالك البيت في السوق ولم يُبَعْ, فأتوا أناس آخرون وعرضوا مبلغاً إضافياً لتكملة البناء, واشترطوا على تكملة البناء في بيعه يتناصفون الربح مع المالك, هل يجوز؟

    الجواب: لا يجوز هذا لأنه مجهول, لابد أن يتفقوا على تكميل البيت بشيء معين, وإذا اتفقوا على شيء معين انتهى الموضوع, والربح يكون للمالك.

    السائل: يعني المالك يشرط عليهم (5%) من الربح؟

    الشيخ: أبداً يقول المالك كملوا ما بقي مثلاً بعشرة آلاف أو عشرين ألف مقطوع.

    السائل: يعني يدفعون فرضاً مائة ألف تكملة ويقول لهم: لكم عشرة آلاف زيادة؟

    الشيخ: يتفق مع هذا الشخص أن يكمل البناء بعشرة آلاف أو بمائة ألف أو بمليون, بعد التكملة تعطونه أجرته وانتهى.

    كسب الحجام خبيث وليس حراماً

    السؤال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كسب الحجام خبيث) وفي المقابل في الحديث الآخر أنه أعطى الحجام أجره, فكيف الجمع بين هذا الحديثين؟

    الجواب: ثبت عنه أنه سمى البصل والكراث ونحوها خبيثاً, هو حلال أم حرام؟ حلال, هذا مثله, خبيث أي: كسب رديء, فلا ينبغي للحجام أن يأخذ أجرة, وإن أخذ فبقدر العمل فقط بدون ربح, ولكنه ليس حراماً, ولهذا احتج ابن عباس رضي الله عنهما بإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم أجر الحجام على أنه حلال, فقال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراماً ما أعطاه, والخبث يكون له معاني كثيرة, قال الله عز وجل: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267] ما المراد بالخبيث؟ الخبيث الرديء, ليس كل خبيث حراماً, قد يكون مراد الخبيث الرديء, أو الذي يكرهه الناس مثلاً.

    حكم تقبيل المصحف

    السؤال: ما حكم تقبيل المصحف, ومع توجيه ما يروى عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقبلونه ويضعونه على صدورهم؟

    الجواب: لا أظنه يصح عن الصحابة, هذا بدعة محدثة أخيراً, والصواب أنها بدعة وأنه لا يقبل, ولا شيء من الجمادات يقبل إلا شيء واحد وهو الحجر الأسود, وغيره لا يقبل, احترام المصحف حقيقة بألا تمسه إلا على طهارة, وأن تعمل بما فيه, تصديقاً للأخبار وامتثالاً لأوامره واجتناباً لنواهيه.

    طلب العلم لأجل الدنيا شرك أصغر

    السؤال: الآن يقال عن بعض أهل العلم: إذا أراد إنسان بعلمه ابتغاء الدنيا فقط لا يريد الآخرة فهذا شرك, فهل المقصود بالشرك الشرك الأصغر أم الشرك الأكبر؟

    الجواب: شرك أصغر, ولهذا جعلوا على من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة, أما علوم الدنيا فلا بأس كالهندسة والصناعة وما أشبه ذلك, لكن علم الشريعة لا تنوِ به إلا حفظ الشريعة.

    خطورة البحث في الغيبيات

    السؤال: ورد في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قابل الأنبياء في السماء في حديث المعراج وهذا بعد موتهم إلا عيسى, فهل نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته في السماء الآن بمنزلته, لأن بعض أهل العلم يرى بضعف حديث أن الأرض حرمت (إن تأكل أجساد الأنبياء) فما رأيكم؟

    الجواب: رأينا أن نقف في أمور الغيب على ما جاء به النص ولا نبحث, وهذا من التعمق والتنطع, البحث في أمور الغيب غلط عظيم, فالرسول عليه الصلاة والسلام قابل الأنبياء في السموات وسلم عليهم وردوا عليه السلام ورحبوا به, وصلى بهم أيضاً في بيت المقدس, وأخبر أن الأرض حرم الله عليها أن تأكل أجساد الأنبياء فنقف على هذا, فأما جسد الرسول عليه الصلاة والسلام فلا شك أنه في الأرض وكذلك أجساد الأنبياء, وأما أرواحهم فالله عز وجل قال في الشهداء بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] والأنبياء أفضل من الشهداء, لكن مع ذلك نسكت كما سكت الله ورسوله.

    وإياك في أمور في الغيب أن تحاول أن تتقدم ولو خطوة واحدة على ما جاء به النص! لا في هذا الأمر ولا في أسماء الله وصفاته, لأن الزلة عظيمة, والصحابة رضي الله عنهم أشد منا حرصاً على العلم, وعندهم من هو أعلم منا الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لا يسألونه عن مثل هذه الأمور, أنت عليك بما يختص بك, ما الذي يجب عليه اعتقاده, ما الذي يجب عليه فعله من طهارة وصلاة وزكاة وغيرها.

    أنا لم أجد طمأنينة أكثر من الوقوف على ما ورد في أمور الغيب, ولا نبحث وراءها.

    صورة بيع العربون وحكمه

    السؤال: ما صورة بيع العربون؟ وما حكمه؟

    الجواب: أن أقول اشتريت منك هذا التلفون بعشرة ريالات, هذه ريالان إن تم البيع فهو أول الثمن ويبقى ثمانية ريالات, وإن لم يتم البيع فالريالان لك, هذا جائز وفيه مصلحة, لأن البائع إذا ردت عليه السلعة سوف تنقص عند الناس لا سيما إذا علموا بذلك, فكون الريالين لي تكميلاً لما ينقص, والمشتري أيضاً يكون في حل كونه يخسر ريالين ولا يخسر عشرة، والعربون جائز.

    حكم لحوم أهل الكتاب

    السؤال: لقد أفتيت سابقاً فيما يتعلق باللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب بالجواز, فهل يجوز قياساً على ذلك أكل لحوم أهل الكتاب حتى في بلادهم, علماً بأنهم لا يذبحون بالذبح الشرعي؟

    الجواب: الله عز وجل قال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] وسكت, فما يعتقدونه طعاماً ولم يحرم بعينه فهو حلال ولا تسأل, إلا ما علمت يقيناً أنه حرام, فمثلاً الخنزير لا نأكله لأنه حرام بعينه, الظأن والمعز نأكلها إلا إذا علمنا أن هذه الشاة نفسها ذبحت على غير الطريقة الإسلامية, على أن بعض العلماء السابقين واللاحقين يقولون: حتى ولو خنقوها خنقاً وهم يعتقدونها حلالاً فهي حلال لك, لأن الله قال: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) فما اعتقدوه طعاماً فهو حلال لنا, لكننا لا نرى هذا.

    نرى أنه لابد من انهار الدم وذكر اسم الله عليه, إلا أننا إذا أتانا ممن تحل ذبيحته ليس علينا -بل ولا لنا- أن نسأل كيف ذبحتموه؟ وهل سميتم الله عليه؟ والدليل حديث عائشة عند البخاري قالت: (إن قوماً قالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوه) وهذه إشارة من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا ينبغي السؤال, عليك بفعل نفسك أنت، سم وكل.

    تملك المال الحرام لكسبه بطريق الإرث مباح

    السؤال: إذا ورث إنسان مالاً من شخص وكان يعلم أن جزء من هذا المال مثلاً عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أنه ربا صريح محرم, والباقي لا يعلم عنه أو مختلط, فماذا يفعل بالربا الصريح المحرم؟

    الجواب: لا بأس به هو حل له, لأنه ملكه بطريق مباح وهو إرث, إلا إذا علمت أن هذا مال فلان, وأن الميت غصبه فحينئذٍ لا يحل لك, وأما إذا كان محرماً لكسبه كالربا وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به.

    حكم وقوع الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد

    السؤال: تحديد محل النزاع في مسألة الطلاق الثلاث بكلمة واحدة, هل هو المقصود به أن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً أو أن يكون أنتِ طالق .. طالق .. طالق؟!

    الجواب: هذه المسألة لا يمكن أن نفتي بها هكذا, إذا وقعت عليك قضية معينة فاستفت.

    -السؤال يا شيخ من ناحية التعليم أنا أريد أن أتعلم؟

    -لا, لأن الذي عندك الآن طلبة علم وعوام, اسمح لي أن أقول هكذا, وهذه المسائل الدقيقة لا يفتى بها علناً, يعني بعض العلماء كانوا يفتون بها سراً, حتى المجد ابن تيمية رحمه الله جد شيخ الإسلام كان يفتي أن الثلاث واحدة لكن سراً, فالمسائل العظيمة هذه لا يطلق الباب هكذا! ألم تعلم الآن لما فتح الباب بأن الطلاق قد يقع موقع اليمين صار العالم الآن لا تبالي, كل الذي يقول: إن ذهبتِ إلى فلانة، فأنتِ طالق مع أن المسألة تافهة, مع أن الأئمة الأربعة كلهم وجمهور الأمة على أن هذا طلاق ولو قصد اليمين, فالآن تجرأ الناس, يعني أنا أكاد أقول: إني أفتي بأن الطلاق الثلاث واقع, لأني رأيت الناس تتايعوا فيه, وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أوقعه إلا حين كثر في الناس, ففي هذه المسائل لا يفتح الباب هكذا, إذا كان لك مناقشة فبيني وبينك إن شاء الله.

    حكم إطالة الكم

    السؤال: طول الكم هل يدخل في الإسبال؟

    الجواب: لكن هذا الكم هل هو إلى الكف أم إلى الأصابع؟

    كل هذا جائز إلا إذا فعل الإنسان خيلاء, فنقول: يحرم من أجل الخيلاء.

    معاملة أهل الكتاب المعاصرين كمعاملة السابقين

    السؤال: بالنسبة لليهود والنصارى الموجودين الآن، هل يعتبرون من أهل الكتاب أم أنهم انقرضوا ما بقي إلا قليل منهم؟

    الجواب: هم الآن يدينون بدين النصارى, واليهود يدينون بدين اليهود ويتعصبون له.

    هل كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه في عهد الرسول؟ هل كان النصارى يقولون: إن الله ثالث ثلاثة؟ هل كفرهم الله بهذا؟ هل السورة التي فيها: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] هي التي فيها: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]؟ هل كان هذا خافياً على الله؟

    الحمد لله فهمت الجواب الآن.

    حكم التسمي بـ(أبرار، شيرين، نسرين...)

    السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في بعض الأسماء والتي قد تكون مأخوذة من بعض آيات القرآن الكريم مثل آلاء وأنفال و(إسراء) و(معارج) و(أبرار) و(طه) و(يس) وكذلك الأسماء التي مثل (شيرين) و(نسرين) هل هي جائزة؟

    الجواب: على كل حال بالنسبة للرجال (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن, وأصدقها حارث وهمام) والأسماء والحمد لله كثيرة ولا إشكال, أما ما جاء في القرآن فما كان خاصاً بالقرآن فلا يسمى به مثل: (بيان)، (موعظة) وما أشبه ذلك, وما لم يكن خاصاً بالقرآن فإنه لا بأس بالتسمية به إلا إذا كان فيه تزكية, فـ(أبرار) مثلاً لا يسمى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم (برة) وهي واحدة فكيف الأبرار؟! لكن (أفنان) و(أغصان) و(آلاء) و(أنفال) ما فيها شيء.

    السائل: بالنسبة لشيرين؟

    الشيخ: لا أعرف شيرين, ما الذي يدل عليه ما معناه؟

    السائل: يطلق على آلهة الفرس.

    الشيخ: إذاً: آلهة الفرس! لا يحل؛ تسمية الأشخاص بما فيه الشرك لا يجوز.

    اغتسال أحد الزوجين بفضل الآخر

    السؤال: في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة: فضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً) والحديث الثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة) كيف الجمع بينهما؟

    الجواب: الأول نهي إرشاد يعني ينبغي للرجل مع زوجته ألا ينفرد بالغسل وهي بالغسل, والأفضل أن يغتسلا جميعاً في إناء واحد وفي مكان واحد هذا معنى الحديث, وليس نهياً للتحريم بل ولا للكراهه لكنه نهي إرشاد بدل من أنك تغتسل في إناء والزوجة في إناء اجتمعا, وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد, تختلف أيديهما فيه, حتى تقول: دع لي! دع لي! وهذا أيضاً مما يؤدي إلى قوة المحبة والرابطة بين الزوجين.

    أما اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة فلأنها سبقته, ولم يصادف وقت اغتسالها بوقت اغتساله, فاغتسل بعدها, وعلى هذا يتبين ضعف ما ذهب إليه الفقهاء من أن الرجل لا يغتسل بما خلت به المرأة لطهارة واجبة, بل نقول يغتسل ولا حرج.

    صرف الفوائد الربوية في المشاريع الخيرية

    السؤال: بعض الطلاب المبتعثين في الخارج عندهم إشاعة أن هناك فتوى تجيز أخذ الفوائد الربوية من البنوك في الخارج, واستثمارها في الجمعيات الخيرية, سواء في الخارج أو في الداخل, السبب هو أن بعض البنوك تستغل هذه الفوائد في توزيعها للجمعيات سواء نصرانية أو يهودية أو في أعمال ضد الإسلام, فالإشكالية الآن أن هناك بعضهم يصدق هذه الإشاعات على أنها فتاوى صدرت من علماء أو من طلاب علم معروفين, رأيك يا سماحة الشيخ؟

    الجواب: لا استحسان مع النص, ولا قبول لفتوى تخالف الكتاب والسنة, فالقرآن الكريم يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279], وفي السنة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع: (ربا الجاهلية موضوع -أي: الربا الذي كان في الجاهلية موضوع- وأول رباً أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب ) فوضع الربا الذي كان في الجاهلية قبل أن يحرم في الإسلام وأهدره, فكيف يمكن أن نستحسن مع هذا النص, أخذ هذا الشيء وصرفه في مصالح خيرية هذا لا يجوز, وكيف يقابل الإنسان ربه يوم القيامة وهو يقول كذا, وأنت تقول: نأخذه استحساناً, هذه أنا أرى أنها فتوى خاطئة ممنوعة.

    وأما قولهم أن هؤلاء يجعلونها في أشياء ضد المسلمين فكل مالهم من أولها لآخرها يريدون بها ضد المسلمين, إذاً لا تبايعهم ولا تشاريهم, إذا اشتريت منهم سلعة وزعمت أنهم يتخذونها من المسلمين فالربح الذي تعطيهم سيجعلونه ضد المسلمين ولا فرق, ثم هذا الربا هل هو كسب مالك؟ لأن مالك ربما يجعلونه ويتجرون به ويخسر, فليس من نماء ملكك, إنما هو رباً يضعونه هم بأنفسهم, فإذا كان كذلك فأنت ليس منك التفريط, وليس منك معونة على المسلمين, لأنه بكل سهولة تقول: هذا ليس ربحاً مالياً, أنا لا أدري ما الذي تصرفوا به أكسبوا أم خسروا.

    فالمهم -يا أخي! والكلام للجميع- لا تستحسنوا شيئاً نهى الله ورسوله عنه, وأنت إذا تركت هذا فقد كسبت أشياء كثيرة:

    1- علم هؤلاء الكفار أنك مسلم حقاً؛ لأنهم كفار -ولا سيما علماؤهم- يعلمون أن الربا محرم, محرم في التوراة والإنجيل وفي الإسلام, فإذا تركت هذا علموا أنك مؤمن حقاً وأنك لن تقدم الدنيا على الآخرة.

    2- إذا تركت هذا ولا سيما إذا كان ملايين أوجب للمسلمين أن يكوِّنوا بنوكاً إسلامية, وينفردوا بمعاملاتهم كما سمعنا اليوم في الإذاعة في لندن أن المسلمين في إنجلترا يطالبون ببنوك إسلامية وأن الحكومة تدرس هذا الطلب, أما كوننا ننساب مع الناس ونستحسن بعقولنا ما منعه الشرع هذا خطأ, هذا من جنس ما استحسن المعطلة معطلة الأسماء والصفات من الأشاعرة وغيرهم استحسنوا أن ينكروا من صفات الله ما يثبته الله لنفسه, لحجة أن العقل ينكرها, عليك بكتاب الله وسنة رسوله, وهما المتبوعان لا التابعان.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التمسك بدينه والوفاة عليه, إنه على كل شيء قدير, وإلى هنا انتهى المجلس, والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755966504