إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (137)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    أدلة ترجيح الشيخ لكفر تارك الصلاة تهاوناً

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: نعود في بداية لقائنا إلى رسالة الأخ المعلم السوداني من اليمن (ق. ع. س.) عرضنا معظم أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة له سؤال يقول: سمعت في البرنامج أن تارك الصلاة تهاوناً كافراً كفراً مخرجاً من الملة، ولكن الشافعية يقولون في كتاب النفحات الصمدية: إنه -أي: تارك الصلاة- يستتاب ويقتل ويصلى عليه ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين، فما رأي سماحتكم وجزاكم الله خير الجزاء؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد علم أن ترك الصلاة تهاوناً من أكبر الكبائر ومن أعظم الجرائم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام والركن الأعظم بعد الشهادتين فلهذا صار تركها من أقبح القبائح ومن أكبر الكبائر.

    واختلف العلماء رحمة الله عليهم في حكم تاركها هل يكون كافراً كفراً أكبر، أو يكون حكمه حكم أهل الكبائر؟ على قولين لأهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكون كافراً كفراً أصغر كما ذكره السائل عن الشافعية وهكذا عن المالكية والحنفية وبعض الحنابلة، وقالوا: إن ما ورد في تكفيره يحمل على أنه كفر دون كفر، وتعلقوا بالأحاديث الدالة على أن من مات على التوحيد وترك الشرك فله الجنة، وهذا موحد مات على توحيد الله فلا يكون كافراً كفراً أكبر.

    أما إذا جحد وجوبها قال: إنها غير واجبة، فهذا قد أجمع العلماء على كفره إذا اعتقد أنها غير واجبة وقال: أنها لا تجب من شاء صلى ومن شاء ترك، فهذا قد أجمع علماء المسلمين على أنه كافر كفراً أكبر عند الشافعية والحنبلية والمالكية والحنفية وغيرهم من أهل العلم وإنما الخلاف فيما إذا تركها تهاوناً فقط وهو يؤمن بوجوبها.

    وقال بعض أهل العلم: إنه يكون كافراً كفراً أكبر وهو المنقول عن الصحابة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ثبت من حديث عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. ومعلوم أنهم يرون أن الطعن في الأنساب والنياحة على الميت نوع من الكفر، والبراءة من الأنساب نوع من الكفر لكنه كفر أصغر، فعلم أن مراده بذلك أن ترك الصلاة كفر أكبر ليس من جنس ما ورد في النصوص تسميته كفراً وهو كفر أصغر.

    واحتجوا أيضاً بما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأئمة الذين يتركون بعض ما أوجب الله ويتعاطون بعض ما حرم الله سأله السائل عن قتالهم قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وفي اللفظ الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواح).

    فدل ذلك على أن ترك الصلاة كفر بواح فيه أدلة أخرى، وهذا هو القول الصواب وإن كان القائلون به أقل من القائلين بأنه كفر أصغر، لكن العبرة بالأدلة لا بكثرة الناس، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].

    فالأدلة الشرعية قائمة على أن تركها كفر أكبر ولو كان ذلك تهاوناً من غير جحد للوجوب.

    وأما ما يتعلق بالموت على التوحيد فيقال: إن من ترك الصلاة ما يكون مات على التوحيد بل يكون مات على الكفر، قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) والصلاة من حقها.

    ويدل على هذا قوله في الحديث الآخر في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)، ويقول جل وعلا عن أهل النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46].

    فذكر من موجبات دخولهم النار تركهم الصلاة، نسأل الله العافية، فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء الحذر من ترك الصلاة تهاوناً أو جحداً لوجوبها، ومن جحد وجوبها كفر إجماعاً ومن تركها تهاوناً وتساهلاً بها كفر في أصح قولي العلماء، فالواجب الحذر، نسأل الله للمسلمين العافية والسلامة.

    المقدم: إذاً ما قيل في البرنامج هو الصحيح وهو الراجح؟

    الشيخ: نعم، هو الصواب.

    المقدم: بارك الله فيكم. سماحة الشيخ بالنسبة للمتأولين عن علم أو عن غير علم كقولهم مثلاً: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، بعضهم مثلاً نوقش في موضوع الصلاة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما)، أرجو من سماحة الشيخ توجيه الناس في فهم النصوص وكيف يجب عليهم تجاه النصوص التي فيها مثل هذه القواعد.

    الشيخ: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهما إذا اجتنب الكبائر)، هكذا جاء الحديث: (إذا اجتنب الكبائر)وترك الصلاة من أكبر الكبائر حتى على القول بأنها ليس تركها كفراً أكبر فتركها من أكبر الكبائر.

    وفي لفظ آخر قال: (ما لم تغش الكبائر) فمن أتى الكبائر لم تكفر عنه الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الجمعة ولا غير ذلك، ولهذا قال جمهور أهل العلم: إن أداء الفرائض وترك الكبائر يكفر السيئات الصغائر، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال جل وعلا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني: الصغائر وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، فإذا سمعت النصوص التي فيها ذكر تكفير السيئات ببعض الأعمال الصالحة فاعرف أن هذا بشرط اجتناب الكبائر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، وقوله: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، يعني: إذا ترك المعاصي ترك الكبائر، ولهذا قال: (لم يرفث ولم يفسق)، وهكذا قوله: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، المبرور ليس معه إصرار على الكبائر، وهكذا بقية الأعمال التي يعلق فيها الرسول صلى الله عليه وسلم تكفير السيئات بالعمل الصالح يعني: عند اجتناب الكبائر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إن صوم يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده)، يعني: عند اجتناب الكبائر، هكذا قوله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء (إنه يكفر السنة التي قبله) يعني: عند اجتناب الكبائر؛ لقوله سبحانه وتعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر)، (إذا اجتنب الكبائر)، (ما اجتنبت الكبائر) ألفاظ جاءت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ذكر الوضوء عليه الصلاة والسلام وأن من توضأ نحو وضوئه صلى الله عليه وسلم غفر له قال: (ما لم تصب المقتلة) قال العلماء: والمقتلة هي الكبيرة يعني عند اجتناب الكبائر، نسأل الله السلامة والعافية.

    1.   

    ذكر أخطر الكبائر

    المقدم: جزاكم الله خيراً. هذه الكبائر التي لا يكفرها إلا الإقلاع عنها حبذا لو تكرمتم بذكر بعض منها وأخطرها سماحة الشيخ؟

    الشيخ: هذه المعاصي العظيمة الكبيرة، المعاصي العظيمة التي جاء فيها الوعيد إما بغضب أو لعنة أو نار أو جاء فيها حد في الدنيا كالسرقة، والزنا، وشرب المسكر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والقتل للنفس بغير حق، وأشباه ذلك مما جاءت فيه النصوص بالوعيد إما بغضب من الله على فاعله أو لعنة أو وعيد من نار أو حد في الدنيا كحد السرقة والزنا ونحو ذلك، هذه الكبائر في أرجح أقوال أهل العلم أن الكبيرة ما كان فيه حد في الدنيا أو جاء فيه وعيد بنار أو غضب أو لعن.

    وقال بعض أهل العلم: يلحق بذلك المعاصي التي ينفى الإيمان عن صاحبها، أو يتبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تلحق بالكبائر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة) يعني: عند المصيبة، الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة عند موت أبيها أو أخيها، والحالقة: التي تحلق شعرها أو تنتفه، والشاقة: التي تشق ثوبها.

    وفي اللفظ الآخر: (ليس منا من شق الجيوب أو ضرب الخدود أو دعا بدعوى الجاهلية)، فهذا يدل على أن هذه من الكبائر عند جمع من أهل العلم لأجل هذا الوعيد (ليس منا) (أنا بريء). ونفي الإيمان مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه) يعني: ظلمه وعدوانه، وما أشبه ذلك من النصوص.

    هذا يقول بعض أهل العلم: إنها أيضاً تلحق بالكبائر، إذا نفي الإيمان عن صاحبه أو تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم أو قال فيه: (ليس منا)، فيلحق بالذنوب التي فيها اللعنة أو الغضب أو الوعيد بالنار أو فيها الحد؛ حد السرقة وحد الزنا وحد القذف ونحو ذلك. نعم.

    المقدم: بارك الله فيكم، لا أدري عن السحر عن الغيبة عن النميمة سماحة الشيخ هل تلحق بالكبائر أو لا؟

    الشيخ: السحر كفر أكبر؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بالشرك بعبادة الجن ودعوتهم من دون الله، ولهذا قال سبحانه في السحر عن الملكين: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] فجعلوا تعليم السحر وتعلمه كفر نسأل الله العافية، وقال في هذه الآيات سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ [البقرة:102] يعني: السحر مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:102] أي: من حظ ولا نصيب، وقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:103]، فدل على أنه ضد الإيمان وضد التقوى نسأل الله العافية.

    فالسحر يتوصل إليه بعبادة الشياطين عبادة الجن من دون الله، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور ونحو ذلك، فلهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سحر فقد أشرك)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اجتنبوا السبع الموبقات. قلنا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري و مسلم في الصحيحين.

    فجعل السحر قرين الشرك وقدمه على القتل؛ لأنه ضرب من الشرك وعبادة للجن من دون الله والتقرب إليهم مما يريدون منه من دعاء أو استغاثة أو ذبح أو نذر حتى يعلموه بعض الشيء، وهو من طريق الشياطين كما قال سبحانه: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] فجعل تعليمهم الناس السحر كفراً وضلالاً نسأل الله العافية.

    وكذلك الغيبة والنميمة من الكبائر لما جاء فيهما من الوعيد، والغيبة: ذكر الإنسان أخاه بما يكره؛ بخيل.. جبان.. شرس الأخلاق.. كذا كذا وكذا، والنميمة: نقل الكلام الذي يسبب الفتنة من شخص إلى شخص، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، كأن يقول: سمعت فلاناً يقول فيكم كذا أنكم بخلاء أنكم جبناء، أو يقول لزيد: سمعت فلاناً يقول فيك: إنك زناء أنك خبيث أنك جبان أنك تتبع مواقف التهم أنك .. يعني: يأتي بأشياء تسبب الفتنة بينه وبين المنقول عنه، هذه هي النميمة، والله يقول سبحانه: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11]، ويقول الله جل وعلا: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة قال: (ذكرك أخاك بما يكره. قيل: يا رسول الله! إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته)، فصار المغتاب على شر إن صدق فهو مغتاب وإن كذب فهو باهت.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي رجالاً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هؤلاء الذي يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)، فهذا يدل على شدة الوعيد في هذا وأنها من الكبائر، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمام) متفق على صحته، فدل ذلك على أن النميمة والغيبة من الكبائر نسأل الله العافية.

    1.   

    الموقف من المنشورات المشتملة على الأحاديث المكذوبة والموضوعة

    السؤال: هنا رسالة باعثها أخونا: تركي أحمد عبد الكريم بانة من الرياض، أخونا بعث بورقة مطبوعة كتب عليها ما يلي:

    بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] ذكرى للنساء عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يبكي بكاءً شديداً، فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله! ما الذي يبكيك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا علي ! ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أمتي في عذاب شديد فأنكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن، رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها، ورأيت امرأة معلقة بلسانها والحميم يصب في حلقها، ورأيت امرأة معلقة بثدييها، ورأيت امرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها، ورأيت امرأة قد شدت رجلاها إلى يديها وقد سلط عليها الحيات والعقارب، ورأيت امرأة صماء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ رأسها من منخرها).

    ويستمر هذا سماحة الشيخ في سرد هذه الأشياء ويسأل عن صحة ما في هذا المنشور؟

    الجواب: كل هذا معروف ويتداوله الناس وهو باطل، كله مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ليس له أصل، هذا من الموضوعات، مما كذبه الكذابون ولا صحة له عن علي ولا عن غير علي ، بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكثيراً ما يكذبون على علي أحاديث كثيرة، فينبغي لمن وقع في يده شيء من هذا أن يتلفه وينبه الناس عليه أنه كذب، نعم، نسأل الله السلامة، نسأل الله العافية.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، خطر المنشورات يعود مرة بعد مرة سماحة الشيخ؟

    الشيخ: نعم، لا شك إنه خطر المنشورات ويجب على المسلمين التنبه لها، وأن لا يغتروا بالمنشورات حتى يعرضوها على أهل العلم المعروفين بالاستقامة والعلم الصحيح.

    المقدم: لعل أيضاً الجهات المسئولة لها دور في هذا سماحة الشيخ؟

    الشيخ: لا شك، يجب على ولاة الأمور الأمراء وعلى وزير الداخلية وعلى وزير الأوقاف أن يهتم بهذا الأمر، وأن يعنوا بهذا الأمر حتى ينبهوا الناس ويمنعوا الناس، وهكذا العلماء وهكذا المحاكم، وهكذا الهيئات، كل هؤلاء مشتركون في هذه الأمور، يجب عليهم أن يتنبهوا لهذه الأمور وأن ينبهوا الناس على هذه الأشياء التي توزع أو تنشر أو تلصق وهي باطلة، نسأل الله السلامة.

    المقدم: بارك الله فيك. لعل المخاطر لا تخفى ومن الحسن أن يذكر بها هنا سماحة الشيخ ولاسيما الخطر على الأمن والخطر على الأوطان، والخطر على أفكار الناس وعقائدهم، بارك الله فيكم.

    الشيخ: يجب على المسئولين بلا شك أن يتنبهوا لهذا، ولاسيما الهيئات وفقهم الله والأمراء والقضاة والعلماء في كل مكان، وعلى المسئولين في الداخلية إلى غير ذلك مما يحصل به التعاون ضد هذه النشرات الباطلة.

    1.   

    حكم صلاة الإمام بالمأمومين إذا كان به جرح

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من سوريا وباعثها أحد الإخوة من هناك يقول: (أ.ع.هـ) أخونا يقول: ما حكم من صلى بالناس جماعة وفيه جرح؟

    الجواب: إذا كان الجرح عليه شيء من الجبائر يمسح عليه، أو تيمم عنه؛ لأن عليه جبيرة وتوضأ الوضوء الشرعي ثم تيمم عن محل الجرح فصلاته صحيحة والحمد لله ولا يضر ذلك، النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه وقد أصابه ما أصابه يوم أحد عليه الصلاة السلام من الجراحات، وهو إمامهم عليه الصلاة والسلام، عالجها وصلى بهم عليه الصلاة والسلام، وهكذا جحش شقه في المدينة وسقط عن دابته وجلس في بيته مدة وهو يصلي بأصحابه عليه الصلاة والسلام فلا حرج في ذلك.

    وإذا كان عليه ضماد يمسح عليه وإن كان مكشوفاً لا يستطاع جعل ضماداً عليه ولا جبيرة فإنه يتوضأ وضوء الصلاة ثم يتيمم بالنية عن محل الجرح.

    فإذا كان ينزف يجعل عليه شيء يمسكه يعني يعالج حتى يمسك، وإذا كان ماشي فالأولى به أن لا يؤمن الناس إذا كان يمشي ما وجد حيلة لا جبيرة ولا شيء يمسك الدم هو مثل صاحب السلس، فالأحوط له أن لا يؤم الناس إذا كان جرحه يمشي، أما إذا كان واقفاً عليه جبيرة أو عليه ضماد، أو ليس عليه شيء لكنه واقف فإنه يتيمم عنه إذا كان ما عليه شيء، وإذا كان عليه جبيرة مسح عليه وكفى عن التيمم.

    المقدم: على افتراض أن أخانا صلى بالناس وجرحه ينزف وليس عليه جبيرة، فما حكم صلاته؟

    الشيخ: الصلاة على الراجح صحيحة ولا يلزمهم الإعادة، والحمد لله.

    المقدم: بالنسبة للإمام والمأمومين؟

    الشيخ: نعم.

    المقدم: بارك الله فيكم.

    الشيخ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    1.   

    حكم من تيمم بدلاً عن الغسل لشدة البرد

    السؤال: من احتاج إلى الغسل ولكنه لم يستطع لشدة البرد ولعدم وجود وسيلة لتسخين الماء، فهل يتيمم لصلاة الفجر؟ ومن فعل ذلك فما الحكم؟

    الجواب: إذا كان في محل لا يستطيع فيه تدفئة الماء وليس هناك كن يستكن به للغسل بالماء الدافي وخاف على نفسه فإنه يصلي بالتيمم، ولا حرج عليه لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، وقد ثبت (أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان في غزوة السلاسل أصابته جنابة وكان في ليلة باردة شديدة البرد فلم يغتسل بل توضأ وتيمم وصلى بالناس، وسأله النبي صلى الله عليه وسلم بعدما قدم من الغزوة فقال: يا رسول الله! فإني خفت على نفسي وتأولت قوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له شيء ولم يأمره بالإعادة عليه الصلاة والسلام) فدل ذلك على أنه عذر شرعي. نعم.

    1.   

    كيفية التعامل مع زوجة مفرطة في طاعة ربها وطاعة زوجها

    السؤال: أخونا يقول: إنه مبتلى بزوجة غير صالحة إلا أنها ابنة عمه ويتيمة أيضاً، وهي غير طائعة لربها -كما يقول- وبالتالي غير مطيعة له، ويرجو من سماحة الشيخ التوجيه، هل يخرجها أو يصبر عليها؟ وبم توجهونه لو تكرمتم؟

    الجواب: أولاً: ينظر في شأنها من جهة عدم طاعتها لربها إن كانت لا تصلي فترك الصلاة كفر على أرجح قولي العلماء كما تقدم، وإن كانت لا تجحد وجوبها، فمثل هذه لا ينبغي له أن يعاشرها ولا يتصل بها حتى تتوب إلى الله وترجع عن كفرها وتقيم الصلاة، أما إن كانت مسائل أخرى تفعلها من بعض المعاصي كالغيبة أو بعض التساهل في الحجاب، أو ما أشبه ذلك من المعاصي فإنه يفعل ما هو الأصلح، فإذا رأى الصبر عليها ونصيحتها وتأديبها ولو بالضرب المناسب الذي لا يجرح ولا يكسر، ضرب يؤدبها ويؤلمها ولكن لا يضرها ضرراً كبيراً فمثلما قال الله جل وعلا: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] فالمؤمن يؤدب زوجته إذا لم تستقم بالوعظ والتذكير ولا بالهجر فله تأديبها التأديب المناسب الذي لا يضرها ولكن يؤلمها بعض الألم ويخيفها حتى تستقيم على أمر الله، أو يخبر والدها إن كان لها والد أو أخاها إن كان لها أخ جيد حتى يقوم بنصيحتها أو تأديبها ومساعدة زوجها عليها.

    المقدم: يقول: إنها يتيمة سماحة الشيخ؟

    الشيخ: ولو أنها يتيمة، اليتم لا يمنع من تأديبها ونصيحتها، واليتيم يؤدب إذا أخطأ يؤدب ويضرب إذا ترك الصلاة وهو ابن عشر ضرب، وإذا أساء الأدب ضرب حتى يتمرن على الخير وحتى يعتاد الخير ولو أنه يتيم، بعض الناس يحسب أن اليتيم لا يؤدب ولا يضرب، لا، اليتيم يضرب إذا دعت الحاجة إلى ضربه ويؤدب ويسجن حتى يستقيم وحتى يتأدب الآداب الشرعية، وإلا خرج كلاً على الناس وضرراً على الناس فاسداً ضائعاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. نعم.

    المقدم: إذاً يرى سماحة الشيخ أنه يناقش هذه البنت في موضوع الصلاة إن كانت جاحدة لوجوبها أو متساهلة أو متهاونة ومن ثم يبدأ في عشرتها من جديد؟

    الشيخ: ينظر أولاً في مسألة الصلاة، إذا كانت لا تصلي يعلمها أن ترك الصلاة كفر وأنها لا تستقيم له زوجة وهي تترك الصلاة، والواجب فراقها إلا أن تتوب، فإن تابت فالحمد لله وإلا اعتزلها حتى تتوب إلى الله، وإذا كانت فقيرة أنفق عليها إن كان يستطيع أو سعى لها في الإنفاق عليها لفقرها لعل الله يهديها بذلك، ولعلها ترجع إلى الصواب، فإن أصرت رفع أمرها إلى ولاة الأمور تستتاب فإن تابت وإلا قتلت؛ لأن من ترك الصلاة ولم يتب يقتل، نسأل الله السلامة، وإن كانت المسألة معاصٍ أخرى غير ترك الصلاة دون ذلك فالمعاصي تعالج بالأدب تأديبها يؤدبها الزوج أو أبوها أو أخوها ومع النصيحة مع الوعظ والتذكير حتى تستقيم إن شاء الله، مع الإحسان إليها بالنفقة. نعم.

    المقدم: بارك الله فيكم. إذاً باب المناقشة مفتوح والحالة هذه؟

    الشيخ: نعم.

    المقدم: جزاكم الله خيراً. سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    من الإذاعة الخارجية سجلها لكم أخونا: يحيى عبد الله إبراهيم ، شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755945540