إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (519)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    معنى قوله تعالى: (على شفا جرف هار...)

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة الأحباب .. أيها الإخوة المستمعون الكرام! هذا لقاء طيب مبارك يجمعنا بسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء في برنامج نور على الدرب.

    مع مطلع هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ، فأهلاً ومرحباً سماحة الشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: سماحة الشيخ! على بركة الله نبدأ هذا اللقاء بسؤال من السائل محمد سعيد يستفسر عن معنى قوله تعالى: عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:109]، يقول: ما هو الذي ينهار به في هذا الجرف، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه الآية يفسرها ما قبلها، يقول جل وعلا: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:107-109]، يبين سبحانه وتعالى ما فعله المنافقون من تعمير مسجد للضرار، كان المنافقون بنوا بيتاً سموه مسجداً وقالوا: إنه لذوي الحاجة في الليلة الشاتية والمطيرة، وكان هذا عند عزمه صلى الله عليه وسلم على التوجه إلى تبوك، وطلبوا منه أن يصلي فيه، فقال: (نحن على سفر ولكن إذا رجعنا صلينا فيه إن شاء الله) فلما رجع ودنا من المدينة جاء خبره من السماء أنه مسجد ضرار، وأنه فعله المنافقون مضارة لمسجد قباء، وقال الله له فيه: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [التوبة:108]، وهو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء خير من هذا المسجد الذي أسسوه على البلاء والفساد والقصد الفاسد، وكانوا يقولون: إنه يأتي أبو عامر الفاسق - إنسان كان يقال له: الراهب، يريدون أنه ينزل فيه ويكون حرباً للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.

    فأطلع الله جل وعلا نبيه على مقصدهم الخبيث ونهاه أن يقوم فيه، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108]، ثم قال سبحانه: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ [التوبة:109]، كمسجد قباء ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108]، ثم قال سبحانه: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:109]، يعني: كهؤلاء الذين أسسوا هذا البناء وهو سبب لسقوطهم في جهنم، المقصود: وعيدهم هم، وليس المقصود البينان، المقصود: أنهم أسسوا عملهم الخبيث على شفا جرف هار، فإن هذا الذي أسسوه وهو قصدهم أن يأتي أبو عامر الفاسق ويحارب النبي صلى الله عليه وسلم ويحارب المسلمين أن هذا أساس خبيث .. أساس باطل .. أساس يقود أهله إلى أن يهوي بهم في جهنم، نسأل الله العافية.

    1.   

    حكم البكاء على الميت

    السؤال: السائلة (م. س. المالكي ) تقول: ما حكم البكاء على الميت بعد موته دون شق الجيوب أو التلفظ بالمحرمات ولكن بكاء الحزن والخشوع، هل يعذب هذا الميت بهذا البكاء في قبره، نرجو تفسير ذلك مأجورين؟

    الجواب: البكاء الممنوع هو النياحة .. رفع الصوت وشق الثوب ولطم الخد، هذا هو الممنوع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية) ويقول صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة) الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، والحالقة: تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه، هذا هو الذي ممنوع، أما دمع العين والبكاء بدمع العين هذا ليس به بأس، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما مات ابنه إبراهيم : (العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه عليه الصلاة والسلام).

    فالمحرم هو رفع الصوت باللسان وهو النياحة، أما البكاء العادي من دون رفع الصوت فلا بأس به.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )

    السؤال: السائلة الذي رمزت لاسمها (م. س. المالكي ) تقول: أستفسر عن الآية الكريمة: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]؟

    الجواب: المقصود: أن الله جل وعلا يحث عباده على النظر في مخلوقاته لما فيها من العبر والدلائل على قدرته العظيمة وأنه رب العالمين وأنه المستحق للعبادة، ولهذا يقول: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]، هذه الإبل التي جعلها الله للناس متاعاً يحملون عليها أثقالهم، ويأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها، ويوقدون من بعرها، ويستمتعون بجلودها، لهم فيها منافع عظيمة، لهم فيها منافع كثيرة، وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [المؤمنون:22]، كما قال جل وعلا: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:5-7].

    فهي آية، مخلوق عظيم فيه منافع كثيرة، الله يقول: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]، ينظرون ما فيها من المنافع العظيمة والعبر في خلقتها وفي منافعها.

    وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ [الغاشية:19]، هذه الجبال العظيمة وما فيها من الآيات والعبر، كلها من آياته العظيمة التي خلقها لعباده ليعتبروا، وهكذا السماءكيف رفعت هذه السماء فوقنا وزينها الله بالنجوم.. بالشمس والقمر، وهكذا الأرض: كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:20]، بسطها لعباده، فهذه آيات أربع، إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:18]، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ [الغاشية:19]، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:20]، وهكذا غيرها من البحار والأنهار والأشجار والشمس والقمر واختلاف الليل والنهار وغيره، كله آيات، كما قال جل وعلا: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، الله المستعان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم )

    السؤال: أيضاً تستفسر عن الآية الكريمة: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، تقول: ما المقصود بالصلاة هنا؟

    الجواب: المقصود: الدعاء، أن يدعو لهم، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103]، يعني: يأخذ الصدقة منهم ويدعو لهم بالتوفيق والرحمة والخلف الجزيل، هذا معنى ( صل عليهم )، يعني: يدعو لهم بالبركة: بارك الله لكم، أثابكم الله، تقبل الله منكم، زادكم الله من فضله، وما أشبه ذلك.

    1.   

    حكم الصيام عن الميت

    السؤال: تقول في آخر أسئلتها: إذاً هل يجوز الصلاة والصيام عن الميت؟

    الجواب: يصام عنه إذا كان عليه دين، إذا كان عليه رمضان أو نذور يصام عنه، أو كفارات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يعني: قريبه، يعني: صوماً واجباً مثل رمضان، مرض وما صام ثم عافاه الله وتساهل ومات يصام عنه، أو الحائض -كذلك- أفطرت في رمضان أو النفساء ثم تساهلت وماتت قبل أن تقضي يقضى عنها، وهكذا كفارة الظهار وكفارة الجماع في رمضان وكفارة القتل، إذا مات وعليه صيام صام عنه وليه، هذا هو المشروع.

    أما رمضان نفسه فإن كان معذوراً فلا، مثل: أفطر في رمضان مريض ولكن مات في مرضه، ما يقضى عنه شيء؛ لأنه معذور مات في مرضه، والتطوع لا يتطوع عنه أحد، لا يصوم أحد عنه تطوعاً، إنما يصوم عنه إذا كان عليه واجب عليه قضاؤه فلم يقضه وتساهل فيستحب لأوليائه من الورثة أن يقضوا عنه، ولو جماعة كل واحد يصوم بعض الأيام وأما الكفارة فلابد أن يصومها واحد؛ لأنها متتابعة، يصوم كفارة القتل شهرين متتابعين، أو كفارة الجماع في رمضان شهرين متتابعين لمن عجز عن الرقبة، أو كفارة القتل لمن عجز عن الرقبة شهران، هذه يصومها واحد؛ لأنها متتابعة، يستحب لأقربائه أن يصومها منهم واحد.

    1.   

    الحكمة من الوضوء من أكل لحم الجزور

    السؤال: بعد ذلك ننتقل إلى القصيم والسائل: (أ. أ) يقول: سماحة الشيخ! ما الحكمة من أننا نتوضأ إذا أكلنا لحم الجزور عن بقية الأغنام جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الله أعلم، المشهور عند العلماء أنها تعبدية أمرنا الله بها تعبداً فعلينا أن نمتثل أمر الله سبحانه وتعالى ولو لم نعلم الحكمة، المشهور عند أهل العلم أن هذا تعبد لا نعلم الحكمة فيه، والله جل وعلا هو الحكيم العليم في كل ما يأمر به وينهى عنه سبحانه وتعالى وإن لم نعرف الحكمة، علينا أن نعمل بما أمرنا جل وعلا وإن لم نعرف الحكمة.

    1.   

    حكم الزواج بالكتابية

    السؤال: سماحة الشيخ بعد ذلك ننتقل إلى الأردن والسائل محمود محمد يقول في هذا السؤال: هل يحل للرجل المسلم أن يتزوج من امرأة مشركة كتابية يهودية كانت أو نصرانية، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: يجوز الزواج من اليهودية والنصرانية -أهل الكتاب- إذا كانت محصنة عفيفة، معروفة بالعفة وحرة؛ لقول الله جل وعلا في سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5]، فإذا كانت محصنة عفيفة وتزوجها الرجل العفيف فلا بأس، ولكن كونه يتزوج من المسلمات أولى وأبعد وأحوط عن الشر، كونه يأخذ مسلمة أسلم ؛ لأنها قد تضر أولادها وقد تدعوهم إلى دينها الباطل، فكونه يتزوج مسلمة حنيفية -يعني: على دين الإسلام- أولى من تزوجه بكتابية وإن كانت مباحة.

    1.   

    حكم صلاة الجماعة

    السؤال: السائل من الأردن له سؤال ثاني يقول: هل علي إثم إذا لم أصل الصلاة المكتوبة في المسجد، علماً بأنني لا أسمع النداء إلا بمكبرات الصوت، أي: أن المسافة بيني وبين المسجد هي كيلو متر واحد تقريباً، وأنا أجد مشقة في المحافظة على حضور الصلوات الخمس في المسجد، هذا السائل من الأردن، تفضل؟

    الجواب: الواجب على من سمع النداء أن يجيب المؤذن وأن يصلي مع الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، قيل لـابن عباس : ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض) وجاءه رجل أعمى فقال: (يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) فهذا أعمى ليس له قائد ومع هذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيب إذا كان يسمع النداء بالصوت العالي دون المكبرات.

    أما إذا كان لا يسمع النداء إلا بمكبر فهو معذور، إذا صلى في بيته أو صلى مع جيرانه في بيت أحدهم حتى يوجد عندهم مسجد يكون صوت المؤذن مسموعاً بدون مكبر، أما إذا كان لا يسمع إلا بالمكبر فهو بعيد إذا شق عليه الذهاب، لكن إن تجشم المشقة وصبر وذهب بالسيارة أو على رجليه فهذا خير عظيم وفضل كبير، لكن لا يلزمه إذا كان فيه مشقة، إذا كان بعيداً لا يسمع صوت المؤذن إلا بمكبر فلا يلزمه، لكن إذا تجشم المشقة وصبر وأحب المشاركة في الخير فهذا خير عظيم.

    في الصحيح: (أن رجلاً كان أبعد الناس عن المسجد، وكان يأتي إلى المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حافياً، فقال له بعض الناس: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء أو في الليلة الظلماء، فقال الرجل: إني أحب أن يكتب الله لي أثر خطاي ذاهباً وراجعاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن الله قد جمع له ذلك كله، جمع له أثر خطاه ذاهباً وراجعا) وكان بعيداً لكن صبر على التعب حرصاً على الأجر، لكن من كان لا يتحمل ويشق عليه ذلك فلا بأس أن يصلي في بيته أو مع جماعة له إن كان عنده جماعة يصلي هو وإياهم في بيت أحدهم.

    وإن استطاعوا أن يعمروا مسجداً وجب عليهم أن يعمروه ويصلوا فيه فيما بينهم في حارتهم؛ لأن بناء المساجد أمر واجب على المسلمين مع القدرة.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    المقدم: يقول هذا السائل -يا سماحة الشيخ- من الأردن له فقرة أخرى تتبع الفقرة الأولى، يقول: نصلي في البيت أحياناً الصلاة المكتوبة أنا وإخواني ووالدي وإخوتي، ولكننا نصليها كل واحد لوحده ولا نصليها مع إمام واحد منا على شكل جماعة، هل علينا إثم في ذلك إذا تركنا الجماعة في نفس البيت؟

    الشيخ: نعم. لا يجوز لكم ذلك، الواجب أن تصلوا جماعة، صلاة الجماعة واجبة وأداؤها في المسجد واجب، فالواجب عليكم أن تصلوا جماعة، إذا لم يتيسر الصلاة في المسجد وجب أن تصلوا جماعة يؤمكم أقرؤكم وأحسنكم، وإن استطعتم أن تذهبوا للمسجد وجب عليكم الذهاب إلى المسجد إذا كنتم تسمعون النداء، يجب الذهاب إلى المسجد والصلاة مع المسلمين لما تقدم من الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها -يعني: الصلاة في الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق.

    فالواجب على المؤمن أن يصلي مع الجماعة وأن يحرص ولا يصلي في البيت إلا إذا بعد فلا يسمع النداء فلا بأس، ولكن يجتهد في أن يقيم هو وجيرانه مسجداً حولهم حتى يصلوا فيه، يلزمهم إذا قدروا أن يقيموا مسجداً حولهم ويصلوا فيه.

    1.   

    حكم مصافحة المرأة الأجنبية الكبيرة في السن

    السؤال: في آخر أسئلته يقول هذا السائل: هل يجوز مصافحة المرأة الأجنبية الكبيرة في السن والتي لا ترجو نكاحاً؟

    الجواب: لا تجوز مصافحة النساء، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا أصافح النساء)، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما مست يد رسول الله يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام، عليه الصلاة والسلام، فلا تجوز مصافحة النساء ولو عجائز، حسماً لمادة الفتنة وحذراً من الشر.

    1.   

    اختلاف العلماء في نقض الوضوء بالرعاف

    السؤال: هل نزيف الدم من الأنف وبشكل متكرر يبطل الوضوء حيث إنه ينزف أحياناً خلال الوضوء نفسه، فهل أعيده من جديد، أفيدونا سماحة الشيخ؟

    الجواب: إذا كان قليلاً يعفى عنه، وإن كان كثيراً فالأحوط إعادة الوضوء، وأما إن كان قليلاً فيعفى عنه، والحمد لله؛ لأن في نقض الوضوء بالرعاف الكثير خلاف بين العلماء، فإذا كثر الدم فالأحوط أن تعيد الوضوء إذا وقف الدم، وأما إن كان قليلاً تمسحه ويعفى عنه.

    1.   

    مصير والد ووالدة النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: ننتقل بعد ذلك إلى رسالة بعث بها السائل رضا متولي مصري ومقيم بالرياض، يقول: سمعنا بأن والد ووالدة الرسول صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم على ملة قريش، وذكر : (بأن الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن الله ليستغفر لهم، فلم يأذن له، فبكى وأبكى من حوله)، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟

    الجواب: نعم، النبي صلى الله عليه وسلم: (استأذن أن يستغفر لعمه أبي طالب فلم يأذن له، واستأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له)، ولما سئل عن رجل مات في الجاهلية قال: (إنه في النار، فلما رأى ما في وجه الرجل قال: إن أبي وأباك في النار) وهذا محمول عند أهل العلم على أنهم بلغتهم الدعوة، بلغتهم دعوة إبراهيم، فالذين ماتوا في الجاهلية وقد بلغتهم دعوة إبراهيم قد قامت عليهم الحجة إذا ماتوا على الكفر بالله، فهم من أهل النار، أما الذين ما بلغتهم الدعوة ولا عرفوا شيئاً فهذا أمرهم إلى الله، يعتبرون من أهل الفترة وأمرهم إلى الله، يمتحنون يوم القيامة فمن نجح دخل الجنة ومن عصى دخل النار، أما من بلغته الدعوة في حياته-دعوة إبراهيم -قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم فهذا قد قامت عليه الحجة.

    وعلى هذا يحمل ما جرى في حق أمه وأبيه كونه استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، وقال في أبيه: (إن أبي وأباك في النار) محمول على أنهم بلغتهم الدعوة، وأما أبو طالب فقد بلغته الدعوة، ودعاه ابن أخيه محمد عليه الصلاة والسلام واجتهد، ودعاه في مرضه فأبى وأصر على الكفر نعوذ بالله من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فأنزل الله في ذلك قوله جل وعلامَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، فدل على أن من مات على الكفر بالله فإنه من أصحاب الجحيم نعوذ بالله.

    1.   

    حكم رد قارئ القرآن للسلام

    السؤال: بعد ذلك ننتقل إلى رسالة بعث بها السائل الذي رمز لاسمه بـ (ن. ر. م) مصري ومقيم في خميس مشيط له مجموعة من الأسئلة، يبدأ هذه الرسالة بالسؤال الأول يقول: إذا دخل الشخص إلى المسجد وقال لشخص آخر يقرأ القرآن: السلام عليكم، فهل يرد الذي يقرأ القرآن السلام أم لا يرد؟

    الجواب: الواجب عليه أن يرد، يقطع القراءة ويرد السلام، أما إذا كان في الصلاة فيرد بالإشارة بيده، أما إذا كان في قراءة فقط وليس في الصلاة فإنه يقطع القراءة ويرد، يقول: وعليكم السلام.

    1.   

    حكم وضع اليد على الفم أثناء التثاؤب في الصلاة

    السؤال: يقول هذا السائل أيضاً: أثناء الصلاة إذا تثاءب شخص فهل يضع يده على فمه، وهل تعتبر هذه حركة زائدة في الصلاة؟

    الجواب: لا حرج في هذا؛ لأنه مأمور بذلك، إذا تثاءب في الصلاة يضع يده على فيه، ولا يفغره، يجتهد في أن لا يفغره ولكن يضع يده على فيه؛ لأن الرسول أمر بهذا عليه الصلاة والسلام، وهذا يعم التثاؤب في الصلاة وفي خارج الصلاة.

    1.   

    مواقيت الإحرام

    السؤال: أنا مصري ومقيم في خميس مشيط، وإن شاء الله أريد أن أؤدي فريضة الحج هذا العام، أريد أن أعرف من أي مكان يتم الإحرام للحج؟

    الجواب: إذا جئت من طريق الطائف فتحرم من السيل، وادي قرن، وإن جئت من طريق الجبل فتحرم من يلملم ميقات أهل اليمن، هذا هو المشروع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت الخمسة: ذي الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق، قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) فإذا جئت من طريق الطائف تحرم من السيل، أو من طريق اليمن تحرم من يلملم ميقات أهل اليمن، إذا بدأت بالمدينة تحرم من ميقات المدينة.

    1.   

    حكم أخذ زيادة عن الصداق في الخلع

    السؤال: بعد ذلك ننتقل إلى رسالة السائل محمد محمدي جميل مقيم بالمدينة النبوية يقول في هذا السؤال: هل يجوز أخذ الزيادة في الخلع على ما آتاها من الصداق، وما الدليل على ما تجيبونه جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأفضل أن لا يأخذ زيادة، هذا هو الأفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لامرأة ثابت بن قيس : (تدفعين له الحديقة؟ -الذي أصدقها إياها- قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) وجاء في بعض الروايات: (ولا تزدد) لكن في إسنادها نظر، وقال قوم من أهل العلم: إنه يجوز الزيادة؛ لعموم قوله: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، فنفى الجناح فيما افتدت به، يعم مهرها ويعم ما كان أزيد، لكن الأفضل له والأحوط أن لا يأخذ إلا ما دفع إليها أو أقل، هذا هو الأحوط والأفضل خروجاً من الخلاف.

    1.   

    حكم ذبح أكثر من شاة في الوليمة

    السؤال: يقول هذا السائل: هل يجوز ذبح أكثر من شاة واحدة في الوليمة، وما معنى حرف (لو) في الحديث: (أولم ولو بشاة) هذا الحديث متفق عليه، هل هي للتكثير أم للتقليل؟

    الجواب: الحديث فيه: (أولم ولو بشاة) قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الرحمن بن عوف ، وهي للتقليل، يعني: ولو كان المولم به شاة، هذا يدل على أن الأفضل الأكثر شاتين، ثلاث، أربع حتى يكون الجمع أكثر من الذين يستفيدون من هذا الزواج ومن وليمة الزواج، وحتى يكون إعلانه أكثر وأظهر.

    1.   

    الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

    السؤال: بعد ذلك ننتقل إلى رسالة وصلت من السائل (ي. أ. م) يقول: سماحة الشيخ! ما هي الأوقات التي نهي عنها في الصلاة، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأوقات خمسة التي نهي فيها عن الصلاة: بعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس، وبعد اصفرارها إلى أن تغيب، هذان وقتان، والثالث: عند وقوفها وسط النهار حتى تميل إلى المغرب وهو وقت قصير، والرابع: بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والخامس: بعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، هذه خمسة، ويجوز اختصارها إلى ثلاثة فيقال: من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذان اثنان، والثالث: عند وقوفها قبيل الظهر حتى تزول وهو وقت قليل عند توسطها السماء قبل أن تميل.

    1.   

    حكم تأدية صلاة الجمعة في غير مسجد القرية

    السؤال: بعد ذلك ننتقل إلى رسالة هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ (ص. ع. ش) السؤال هو: إنني وبعض الأشخاص نذهب يوم الجمعة إلى أداء صلاة الجمعة في مسجد جامع في قرى مجاورة بالرغم من وجود مسجد جامع لدينا وبه خطيب فهل يجب أن يصلي الشخص في الجامع الموجود في قريته، أم أنه يصلي الجمعة في أي جامع آخر، والسلام عليكم؟

    الجواب: لا حرج على المسلم أن يصلي في أي جامع، ولاسيما إذا كان الجامع الذي يقصده خطبة صاحبه أحسن وأنفع، أو صلاته أرشد، أو جماعته أكثر، لا بأس إذا ترك المسجد الذي حوله لمصلحة شرعية، وإن صلى في المسجد الذي قربه فلا بأس والحمد لله، لكن إذا ترك المسجد الأقرب لمصلحة شرعية من أجل كثرة الخطا، أو من أجل أن خطيب ذلك المسجد أكثر فائدة، أو صلاته أكمل أو لأسباب أخرى فلا بأس.

    أما إذا ترك المسجد القريب على وجه يشق على أهله تركه لهم أو يوجب أنهم يتهمونه بأنه غير راضي عن الإمام أو يتهمون الإمام فينبغي أن يدفع عن نفسه الشيء الذي يخشى منه فيصلي مع هذا تارة ومع هذا تارة حتى لا تكون هناك شكوك وأوهام، وإذا كان إمام المسجد الذي حوله طيب ولا شبهة فيه يصلي معه بعض الأحيان حتى لا يظن أنه ظن به السوء أو أنه لا يصلح.

    المقصود: إذا كانت صلاته في المسجد البعيد لا يترتب عليها شيء من المضار فلا بأس، ولاسيما إذا كان تجاوزه هذا المسجد قد يسبب ظناً بإمامه وأنه ليس أهلاً للإمامة، فينبغي له أن يصلي فيه بعض الأحيان حتى تزول هذه الشكوك.

    1.   

    الحكم على حديث: ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة )

    السؤال: هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ (ي. أ. م) يقول: من هو راوي هذا الحديث، وما صحة هذا الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا الحديث رواه مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وعن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه مسلم في الصحيح، وفي مسند أحمد والسنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة بن حصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وهذا وعيد عظيم يدل على كفر تارك الصلاة، نسأل الله العافية ولو لم يجحد وجوبها، أما إن جحد وجوبها كفر عند الجميع، إن جحد وجوبها وقال: إن الصلاة ليست بواجبة. صار كافراً عند الجميع، نسأل الله العافية، لكن لو قال: نعم. هي واجبة ولكنه يتخلف ولا يصلي فالصحيح: أنه يكون كافراً بذلك؛ لهذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه، نسأل الله العافية.

    المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم المسلمين.

    أيها الإخوة الأحباب .. أيها الإخوة المستمعون الكرام! أجاب عن أسئلتكم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، شكر الله لسماحته على ما بين لنا في هذا اللقاء الطيب المبارك.

    في الختام تقبلوا تحيات الزملاء معي في الإذاعة الخارجية زميلي فهد العثمان من هندسة الصوت الزميل سعد عبد العزيز خميس إلى الملتقى إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755800954