وبعد:
فيقول الله سبحانه: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
[الذاريات:24-28].
يستخرج العلماء من هذه الآيات كثيراً من آداب الضيافة، وكذلك عند تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
[هود:69-70].
فيتعرض المفسرون عند هذه الآيات لآداب الضيافة ولأحكامها.
يقول الله سبحانه: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
[الذاريات:24]، من العلماء من قال: إن (هل) هنا بمعنى: قد، ومنهم من قال: إن (هل) على بابها وأشير بها للتنبيه، فعلى الأول: (قد) أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، ومن هم ضيف إبراهيم عليه السلام؟
هم الملائكة الذين تمثلوا له في صورة بشر أثناء ذهابهم إلى مدائن قوم لوط لتدميرها ولإنزال العذاب عليها، فمروا مسلّمين عليه ومخبرين له بما سيحدث لهذه القرى من عذاب، كما قال سبحانه: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ
[هود:74]، فلما علم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ما سيحدث، بدأ يجادل أو يدافع عن قومه أو يطلب التمهل في إنزال العقوبات على قوم لوط على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
الشاهد: إن الملائكة تصورت في صورة رجال، وتصور الملائكة في صورة رجال وارد في جملة آيات وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن تأتي الملائكة في صورة البشر، قال الله سبحانه وتعالى في شأن مريم: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
[مريم:17]، وكذلك هنا الملائكة تشكلت في صورة بشر، ولما ذهبوا إلى لوط أيضاً تشكلوا له في صورة بشر.
وقال عمر رضي الله عنه: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد) ، وفي آخر الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
وكذلك كان جبريل يتمثل للرسول صلى الله عليه وسلم بصورة دحية الكلبي ، وكذلك الثلاثة نفر: الأقرع والأبرص والأعمى، الذين ابتلاهم الله سبحانه وتعالى، فتمثل لهم الملك في صورة رجل ليبتليهم، وقد تمثلت بعض الملائكة في صورة بشر في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصل تشكل الملائكة في صورة البشر وارد وجائز كما في هذه النصوص.
يقول الله سبحانه: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ
[الذاريات:24-25]، أي: أنكم بالنسبة لنا مجهولون لا نعرفكم.
وبالنسبة لسؤال الشخص للداخلين عليه -من أنتم؟ ومن أي البلاد- له أدلته في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث وفد عبد القيس لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (من القوم أو من الوفد؟ قالوا: وفد عبد القيس يا رسول الله، قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد)، (ولما جاءت
إذاً: يجوز السؤال عن الشخص القادم أو عن الشخص المستخبر، ولا مطعن في هذا ولا لوم على السائل.
قوله: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ) راغ: من الروغان، وهو التسلل خفية، فلم يقل لهم: ماذا تريدون أن تأكلوا؟ ولم يعرض عليهم أتريدون كذا أو كذا ... فيزهد الضيف في الطعام، إنما تسلل عليه الصلاة والسلام في خفية وسرعة، وهو المفهوم من قوله تعالى: (فَرَاغَ) من الروغان، تركهم وفي خفة وسرعة دخل على أهله صلى الله عليه وسلم.
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
[الذاريات:26]، ومن كلمة (راغ) -أي: تسلل في خفة وسرعة- أخذ العلماء شيئين:
الأول: عدم إحراج الضيف وسؤاله عن الطعام الذي يأكله أو الشراب الذي يشربه.
الثاني: في إحضار ما عندك للضيف حتى لا يمل من المجلس ويضجر ويخرج من البيت.
قال تعالى: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ
[الذاريات:26]، المراد بالأهل هنا: الزوجة، ومنه: قوله تعالى:
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ
[آل عمران:121]، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من عند عائشة .
ومنه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت من أهلي إلا خيراً)، يريد عائشة وقد يطلق أحياناً على ما هو أعم من الزوجة؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بـالحسن والحسين وفاطمة وعلي ووضع عليهم كساءً وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، فالأهل: قد تطلق على الزوجة، وقد تطلق الأهل: على الأبناء والأقارب، وقد تطلق على ما هو أعم من ذلك. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
[الأحزاب:33]، المعني بالأهل هنا: أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل بيته صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
[الذاريات:26]، أما قوله: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ) أنه أتى بالطعام من عند الأهل والزوجة المساعدة في ضيافة الضيف، وقد قال العلماء في معنى قوله تعالى:
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ
[هود:71]، أي: قائمة على خدمة الأضياف، وكان هذا حال النسوة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كن يخدمن الأضياف، وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم عرساً في ليلة عرسها وكانت هي التي تخدم الأضياف، وكانت قد نقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمرات من الليل.
وكذلك أم سليم كانت تضيف أضياف أبي طلحة، لما ذهب إليها الأضياف الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك امرأة جابر كانت تضيف أضياف زوجها، فأخذ من هذه النصوص مع قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ
[هود:71]، أي: قائمة بخدمة الأضياف، أنه يستحب للزوجة أن تعين زوجها على إكرام أضيافه.
فَجَاءَ بِعِجْلٍ
[الذاريات:26]، كثير من أهل العلم يقولون: إن المراد بالعجل هنا من البقر، إن كان كذلك فهو مخالف لما جاء في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن البقر وفيه: (لحومها داء وألبانها دواء وشفاء)، وقد روي عن رسول الله حديث بهذا اللفظ في شأن البقر : (لحومها داء وألبانها دواء وشفاء)، وهذا الحديث ضعيف الإسناد، ولبعض فقراته شواهد ألا وهي: (ألبانها دواء وشفاء) أما لفظة لحومها داء فإسنادها تالف ضعيف جداً، إضافة إلى ذلك فمعناه أيضاً باطل منكر.
فإن الله سبحانه وتعالى أنزل لنا من الأنعام ثمانية أزواج -أي: حلالاً طيبة لنا- وفصلت هذه الثمانية أزواج بقوله تعالى: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
[الأنعام:143]، وبقوله تعالى:
وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ
[الأنعام:144]، ومن البقر -أي: الثور والبقرة- فإذا كان الله سبحانه قد أنزلها لنا حلالاً مع ما أنزل، فالله سبحانه وتعالى يحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث، وثبت كذلك في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر)، وثبت أيضاً في حديث الجمعة: (من راح في الساعة الثانية يوم الجمعة فكأنما قرب بقرة) ففي كل هذه النصوص ما يدل على تضعيف معنى: (لحومها داء)، فضلاً عن ذلك فلا شاهد لهذه الفقرة من الحديث فإسنادها تالف ساقط.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيما رجل نزل بقوم فلم يقروه فحق له أن يأخذ منهم بقدر قراه) أي: بقدر ضيافته، ولا يخفى عليكم أن خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أوصى ولده إسماعيل أن يغير عتبة بابه، -يطلق امرأته-، ومن أسباب هذا التغيير، عدم احتفائها بالأضياف وعدم إكرامهم للأضياف، وقد ورد عن الخليل صلى الله عليه وسلم: أنه أول من أضاف الأضياف، وبالغ في إكرامهم وتأسيس أصول ضيافتهم، وهذا حفيده يوسف صلى الله عليه وسلم يقول لإخوته: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ
[يوسف:59]، أي: وأنا خير من أنزل الأضياف منازلهم وخير من أكرم الأضياف.
وها هو لوط عليه السلام يقف مغتماً مهتماً لما سيصيب الأضياف من مكروه، بل ويفديهم ببناته ويقول لقومه: هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
[الحجر:71] ويقول أيضاً:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ
[هود:78]، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله سائل فيقول: (يا رسول الله!! إنا ننزل بأقوام فلا يقدمون لنا ما ينبغي للضيف، فقال: إذا نزلتم بقوم فلم يقدموا لكم ما ينبغي للضيف فخذوا منهم بقدر قراكم)، أي: بقدر ضيافتكم، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
بل إن من العلماء من وضع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) في كتاب المظالم اعتقاداً، إلى أن الشخص الذي لا يكرم ضيفه قد يكون ظالماً، لأنه بخس الضيف حقه.
أما حديث: (نهينا عن التكلف للضيف)، على فرض ثبوته فهو منزل على معنىً معين وهو ما إذا كنت ستستدين ديناً كبيراً ترهق عن سداده فلا تفعل حينئذ، فـ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
[البقرة:286].. و
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا
[الطلاق:7]، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد ثبت أن سلمان رضي الله عنه قال لـأبي الدرداء : (إن لزورك عليك حقاً -أي: إن لضيفك عليك حقاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق
يقول الله سبحانه: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
[الذاريات:26]، وفي الآية الأخرى:
جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
[هود:69]، والحنيذ: هو المشوي، فأخذ العلماء منه أدباً يتعلق بالضيافة: وهو أن على أهل البيت أن يتقنوا الطبخ الذي يقدمونه للضيف، فلا تأت المرأة -مثلاً- بلحم نيئ -غير ناضج- تقدمه للضيف، حتى يأكل قطعة أو لا يكاد يأكل ويترك لها الباقي، فتنضجه هي بعد أن ينصرف فإبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، بل جاء بعجل حنيذ وهو العجل الذي شوي شياً وأنضج إنضاجاً، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ
[الذاريات:26-27] من قوله تعالى: (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) أخذ العلماء فقهاً آخر من فقه الضيافة ألا وهو: أن صاحب البيت نفسه يستحب له أن يباشر خدمة الأضياف بنفسه، ولا يجعل الخدم فقط هم الذين يتولون تقديم الطعام، فإن مباشرة صاحب البيت تقديم الطعام بنفسه للأضياف تفهمهم مدى حفاوته واهتمامه بهم، وإن كان المؤدى واحد، لكن حسن الاستقبال مع القيام على الخدمة كل ذلك يشعر الأضياف باهتمام صاحب البيت بهم، وهذا ينعكس بمودة ومحبة في قلب الضيف، لأن المضيف جمع له بين الحسنيين حسن الضيافة، وحسن البشاشة والاستقبال والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة، وقال: لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط)، ثم تقديم الطعام الذي هو نوع من الواجب عليك كما قال بعض العلماء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
أما إذا كان الضيف لا يأكل بالكلية؛ فلك أن تسأل لماذا لا تأكل؟ فلعله أن يكون مثلاً صائماً أو مريضاً ولا يشتهي إلا نوعاً من الطعام غير موجود، أو لعله يرغب في طعام غير هذا الطعام تستطيع أن تأتي به، فلهذا فقه يقتضيه مقام الضيافة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فالشاهد: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً
[هود:70]، ففيه إثبات الخوف الجبلي، والخوف الجبلي يرد حتى على الفضلاء وأهل الصلاح، فالخليل إبراهيم عليه السلام أوجس خيفة في نفسه من هؤلاء الأضياف، وفي موسى عليه السلام يقول الله:
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى
[طه:67]، وكذلك قال موسى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ
[الشعراء:21]، وكذلك قال الله سبحانه وتعالى:
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ
[الأنفال:26].
فالخوف الجبلي الذي يتوارد على أبناء آدم لا يخدش في دينهم وتقواهم، وإن كان ينبغي لهم أن يقاوموا أنفسهم في هذا الخوف لعموم قوله تعالى: َفلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[آل عمران:175].
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ
[الذاريات:28]، على الضيف أيضاً: أن يطمئن صاحب البيت ولا يدخل عليه الرعب والإزعاج بل عليه أن يطمئنه ويذهب عنه الروع.
قال تعالى: (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ).
الغلام يطلق على الصغير تأسيساً، ويطلق على الكبير مجازاً كما قال علي فيما روي عنه:
أنا الغلام القرشي المؤتمن أبو حسين فاعلمن والحسن
وكما قالت ليلى الأخيلية تصف الحجاج الثقفي :
إذا حل الحجاج أرضـاً مريضة تتبع أقصى دائهـا فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القنـاة سقاها
وكما قال صفوان بن المعطل السلمي لـحسان بن ثابت لما قذفه ورماه قال:
تلق ذباب السف عني فإنني غلام إذا ما هجيت لست بشاعر
وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
[الذاريات:28].
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا
[الذاريات:29] أي: ضربت وجهها وليس المقصود بالصك هو اللطم الذي يفعل عند المصائب، فهو منهي عنه كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)، إنما هو ضرب للوجه على سبيل التعجب، كما قاله كثير من المفسرين.
َفصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ
[الذاريات:29].
من العلماء من أخذ فقهاً للرؤى من هذه الآية، قال: إذا رأت امرأة لا تلد رؤيا أنها لطمت وجهها فلا تؤلها على التأويل المكروه، ولكن تؤلها بأنها ستبشر بغلام كما بشرت سارة عليها السلام بغلام عليم (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ).
قال الله في شأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى
[هود:74] بالغلام
يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ
[هود:74-75]، والحليم: هو الذي يتأنى ولا يبادر في إنزال العقوبات على الناس، فإبراهيم لما أخبرته الملائكة أنهم متجهون إلى المؤتفكات -مدائن قوم لوط- لتدميرها، بدأ يجادل عن قوم لوط ويطلب المهلة لهم، كما قال تعالى:
يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا
[هود:74-76] أعرض عن هذا الجدل،
إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ
[هود:76]، فلا معنى للمناقشة والجدل، فليقف الجدل ولتقف المناقشات التي ليس وراءها كبير طائل وكبير جدوى، وكذلك قال الملك لمريم عليها السلام لما قالت:
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا
[مريم:20] قال الملك:
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا
[مريم:21]، فلا معنى للجدل بعد أن قضى الله سبحانه وتعالى الأمر، وكذلك قال ربنا سبحانه وتعالى لزكريا صلى الله عليه وسلم:
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا
[مريم:9]، فلا معنى للجدل ولا للكلام إذا لم يكن من وراء الجدل كبير فائدة ولا كبير طائل.
قال الله سبحانه وتعالى: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ
[الذاريات:28-30].
(قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ) أي: ما شأنكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ)؟ لماذا أتيتم إلى هنا؟ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ
[الذاريات:32]، أي: نحن مررنا بك في طريقنا إلى قوم مجرمون
إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ
[الذاريات:32-34]، مسومة أي: معلمة.
قد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في جملة مواطن:
يقول سبحانه: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
[الفتح:25]، نحن ما سلطناكم على المشركين عام الفتح لوجود رجال مؤمنين ونساء مؤمنات في أوساط الكفار، فإذا شننتم الغارات على الكفار قتلتم إخوانكم المؤمنين وقتلتم أخواتكم المؤمنات فأصابتكم منهم معرة -مضرة أو إثم- بغير علم، ولكن تمهلنا وتم صلح الحديبية حتى يخرج أهل الإيمان وحتى يتميز الكفار ومن ثم تأتي الضربات عليهم،
وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
[الفتح:25]، وكذلك في هذه الآية
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[الذاريات:35-36]، وفي المقابل فيجوز شن الغارات على البلاد وإن كان فيها قوم صلحين إذا كثر فيهم الخبث كما في قول الله سبحانه وتعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ
[النساء:27-99]، وقد نزلت هذه الآيات في قوم من أهل الإسلام كانوا مستضعفين أجبروا على الخروج مع أهل الشرك لقتال المسلمين، فكان المسلم يرمي فيصيب أخاه فيقول: قتلنا إخواننا ويحزن لذلك أشد الحزن، فأنزل الله الآية: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ) في شأن هؤلاء الذين خرجوا مع الكفار يكثرون سوادهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، قالت عائشة : يا رسول الله! يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم، قال: نعم إذا كثر الخبث)، وفي رواية أخرى: (يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم)، وقد ورد أيضاً في الباب حديث: (الرجل الصالح الذي كان في بلدة ولكنه كان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر فقيل للملائكة: به فابدءوا)، لكنه لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالحاصل بعد إيراد هذه النصوص يتضح لنا أن المقامات تختلف، فإذا كان المقام مقام غزو وأزمته بأيدي أهل الإيمان فلهم أن يتمهلوا في شن الغارات على الكفار، حتى يُخرجوا أهل الإيمان، وإن كان المقام مقام آخر وسيحدث أذىً لأهل الإسلام من وجود هذه الفئة المتعالية التي تمترست بالمسلمين فيجوز حينئذ اختيار أخف الأضرار، وقد صدرت فتوى في هذا الصدد من الأزهر أثناء الحروب مع اليهود لما احتل اليهود جزيرة بمصر يقال لها جزيرة شدوان، وكان بها بعض المسلمين، فنزلت قوات اليهود بها فصدرت فتاوى آنذاك من الأزهر بضرب الجزيرة بمن فيها من المسلمين والقوات اليهودية، ومثل هذه الفتاوى صدرت حينما احتل الإرتيريون جزيرة باليمن وغلب عليها أهل الصليب، فصدرت فتاوى بأن تضرب الجزيرة بمن فيها من المسلمين الذين تترس بهم، ففي المسألة فقه يختلف بحسب المقام والله أعلم.
قال الله سبحانه: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[الذاريات:35]، وهذا وإن كان على المستوى المتسع فهو على المستوى الضيق كذلك، كأن يكون هناك شخص صالح في وسط أقوام أهل شر وفساد، فهل يلقى القبض عليهم جميعاً وهو معهم أو يحاول إبعاده منهم ثم إنزال العقوبات على الآخرين؟
قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[الذاريات:35-36]، وهو بيت لوط صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد أسلم مع لوط صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا عتاة، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يسلم معه أحد إلا لوط عليه الصلاة والسلام، ولوط ذهب إلى بلاد الأردن يدعو إلى الله فيها، وما آمن به أحد صلى الله عليه وسلم إلا أهل بيته، أما الآخرون فكانوا من الفضاضة والغلظة والقذارة بمكان كبير.
القول الأول: هو الجماعة والعشيرة والجند والقوم.
القول الثاني: الوجه. أي: الإعراض بالوجه.
(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي: لا يخلو أمرك يا موسى من أحد شيئين: إما أنك ساحر وإما أنك مجنون، وهكذا قال أهل الكفر دائماً للأنبياء، كما قال سبحانه: إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
[الذاريات:52-53].
قال تعالى: فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ
[الذاريات:40]، أي: طرحناهم مهملين لذكرهم، (فَنَبَذْنَاهُمْ) فالنبذ: الطرح والإلقاء بإهمال،
فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
[الذاريات:40]، (في اليم). أي: في البحر. (وهو مليم)، أي: وقد صب عليه اللوم.
هي ريح الدبور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور)، ووصفت بالدبور؛ لأنه لا خير فيها على الإطلاق، لا تلد أي نوع من أنواع الخير.
والرياح على أقسام ثمانية ذكرها المفسرون في تفاسيرهم، وأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ
[الحجر:22]، هناك رياح لواقح تلقح، أما هذه فريح عقيم لا فائدة فيها ولا خير،
إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ
[الذاريات:41-42] أي: كالعظام المتفتتة البالية.
من العلماء من قال: إن الحين هو: وفاتهم، ومن العلماء من قال: إن الحين بعد ثلاثة أيام؛ لأنهم لما عقروا الناقة قال لهم نبي الله صالح: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
[هود:65]، فمن العلماء من حمل الحين على الثلاثة الأيام التي وعدوا بها من نبيهم صالح إذ قال:
تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
[هود:65]، ومنهم من قال: إن الحين: هو انتهاء الأجل، والأمر في ذلك كله قريب.
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ
[الذاريات:44-45].
بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
[الذاريات:53] أي: قد تجاوزوا الحد في الظلم والافتراء والكذب،
فَتَوَلَّ عَنْهُم
[الذاريات:54] أي: أعرض عنهم.
فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ
[الذاريات:54] أي: لا لوم عليك إذا أعرضت عنهم.
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
[الذاريات:55] للذكرى فقه على الإجمال، فإذا كان الذي أمامك إن ذكر بالله يتمادى في غيه ويسب الله ويسب الدين، فالله لا يحب الفساد، وحمل بعض أهل العلم قوله تعالى:
إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى
[الأعلى:9] أي: حيث تنفع الذكرى، فإذا ظننت ظناً راجحاً أن التذكير سيؤدي إلى مفسدة أعظم فالأولى ألا تذكر، كأن يكون هناك شخص منفعل إذا ذكر بالله من الممكن أن يشتم الله سبحانه وتعالى، فحينئذ لا تعين الشيطان عليه، ولكن محل التذكرة حيث يتوقع أن تنفع، أما إذا لم يتوقع أن تنفع ولم يتوقع مفسدة كذلك، فالأصل أن الأمر بالتذكير هو المتعين، والله سبحانه أعلم.
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
[الذاريات:57-58].
قال بعض العلماء: (المتين): الشديد، وقال آخرون: القوي.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ
[الذاريات:59] والذنوب بالفتحة معناه: الدلو العظيمة، ومنه: (ألقوا على بوله ذنوباً من ماء) فالذنوب: الدلو الكبير والقدر العظيم.
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا): أي: نصيباً كبيراً من العذاب يصب فوقهم (ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) أي: لهم ذنوباً من العذاب، أي: نصيباً من العذاب كنصيب أصحابهم الذين سلفوا.
فَلا يَسْتَعْجِلُونِ
[الذاريات:59].
قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
[الذاريات:60]، فإن قيل: وهل الكفار كانوا يستعجلون العذاب؟ فالإجابة بنعم. فقد قالوا:
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ
[ص:16]، وقالوا:
اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
[الأنفال:32].
عافانا الله وإياكم من العذاب وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجواب: لا، ثدي المرأة ليس عورة مع المحارم، بل للمحرم أن يرى من محرمه ثديها، كأن تكون مرضعة واشتهى طفلها أن يرضع فلا بأس بأن تبرز ثديها أمام محارمها.
الجواب: المسألة فيها قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن عليه أن يأتي بركعة جديدة على رأي من قال: إن من لم يقرأ بفاتحة الكتاب لا تحسب له ركعة، وهو الإمام البخاري .
والقول الثاني: أن صلاته صحيحة، اعتماداً على حديث أبي بكرة لما أدرك النبي صلى الله عليه وسلم راكعاً فقال له الرسول: (زادك الله حرصاً ولا تعد).
الجواب: محلات الأثاث -الموبيليا- هي عروض تجارة، فيخرجون زكاتها كما تخرج زكاة عروض التجارة، بأن تُقوَّم على رأس الحول ويخرج إن شاء من أعيانها على رأي لبعض الأئمة، فمثلاً إذا كانت عنده أربعين غرفة نوم، فله أن يخرج الزكاة من نفس وذلك الأثاث الذي يبيعه، وهو رأي قوي لبعض العلماء، وله استدلالاته من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام على عهده كان يخرج زكاة البر براً، وزكاة الذهب ذهباً، والفضة فضة، فأجروا هذه على نفس المجرى والله أعلم، وإما أن يقيمها على أنها عروض تجارة ويقدر السعر تقديراً ويخرج على أساس السعر. والله أعلم.
الجواب: إن الذي يتطاول على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الزندقة أقرب منه إلى الإسلام والعياذ بالله، وقد نهى رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (لا تسبوا أصحابي) فهذه وصيته عليه الصلاة والسلام لنا جميعاً، (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، بل وربنا سبحانه يقول: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
[الفتح:29]، والنصوص في فضائل الصحابة لا تحصى، فمثلاً: أكثر الصحابة حملاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام هو عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول عنه أبو هريرة : ما سبقني أحد في حفظ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام إلا ما كان من ابن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب، فكيف يقف شخص -يتقلد رأي المعتزلة الشراذم الذين خالفوا نهج أهل السنة- ويطعن في عبد الله بن عمرو بن العاص الذي لا ذنب له نعلمه رضي الله عنه، بل كان في الحرب التي دارت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما معتزلاً للفتنة، مع أن أباه شارك في حرب تلك الفتنة، بل عبد الله بن عمرو كان يجابه والده، ولما قُتل عمار بن ياسر جهر بحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي قال فيه: (تقتلك -يقصد
ويأتي في زماننا قوم لا علم لهم بكتاب الله ولا علم لهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يوقرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتكلمون في صحابي جليل مثل عبد الله بن عمرو بن العاص الذي نقل لنا أغلب سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيرى أحدهم القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ففي الحقيقة لا ندري كيف نجيب؟ فلا نقول إلا: سبحانك هذا بهتان عظيم، ولا ندري من أين نبدأ وإلى أين ننتهي مع هؤلاء الأقوام؟
وصلى الله وسلم على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر