إسلام ويب

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على كتاب وليمة لأعشاب البحرللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتن كقطع الليل المظلم في آخر الزمان، وأخبر أنه يتقارب الزمان، وينقص العلم والعمل، ويكثر القتل، وتضيع الأمانة، فيتبع رءوس الزيغ والضلال كل ناعق ملحد، وما من زمن إلا والذي بعده شر منه، فيتجمع المنافقون والملحدون ومن باع دينه بعرض من الدنيا لمحاربة دين الله بالقوة تارة، وبالشبهات تارة، وبهدم أصول الدين تارة، وهذا هو دأب الأعداء في كل زمن وحين.

    1.   

    الفتن المظلمة في عصرنا

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة الكرام! قد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستكون فتن)، وفي رواية: (فتناً كقطع الليل المظلم يُصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا).

    فبيّن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن المرء يتحول ويتقلب عدة مرات في يومه وليله، فتارة يكون مؤمناً، وتارة يكون كافراً، لم يقل: فاسقاً، وإنما ذلك اتباعاً لشهواته واتباعاً لملذاته وإيثاره الدنيا على الآخرة، وإيثاره الفانية على الباقية، أمر يجعله يتحول من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان إذا راجع نفسه، ولكنه يُختم له بالكفر.

    والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ألا إن القرآن والسلطان سيفترقان)، وهذا من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، أن السلطان في واد والقرآن في واد آخر، وإننا قد بلغنا في زمان حارب فيه السلطان وأعوانه كتاب الله عز وجل، ليس فقط رضي بأن يكون في واد والقرآن في واد آخر، بل سعى سعياً حثيثاً بالليل والنهار هو وأعوانه على أن يضربوا القرآن في الصميم وفي مقتل، وهيهات هيهات فإنه دين الله عز وجل، وإنه كلام الله عز وجل الباقي الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فمهما سعى السلطان وأعوانه لتحريف آية واحدة أو لترك العمل بآية من كتاب الله عز وجل فهيهات هيهات أن يبلغ مراده، وإن الله تبارك وتعالى بيده أن يرسل صاعقة من السماء أو يمطر حجارة من السماء فتهلك الأمة صالحها وفاسدها، ثم يبعث الناس جميعاً على نياتهم وأعمالهم. (ألا إن السلطان والقرآن سيفترقان)، ثم بيّن العلاج: (فدوروا مع القرآن حيث دار).

    إن الأمة الآن تمر بفتن تتلاطم كموج البحر، فما تكاد فتنة تذهب إلا وتتبعها أختها ثم أختها ثم أختها، وتُعرض هذه الفتن جميعاً على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فمن أُشرب منها واحدة نُكت في قلبه نكتة سوداء حتى يتشرب جميع الفتن، ويُحيط الران الأسود بجميع قلبه، فلا يرى معروفاً ولا يرى منكراً، بل ربما رأى المنكر معروفاً والمعروف منكراً.

    هكذا تظلم الحياة أمامه تماماً حتى لا يعرف الحق من الباطل، ولا يعرف الخير من الشر، ولا يعرف الصالح من الطالح، فحينئذ سيكون تبعاً لكل ناعق، فإذا نعق مصطفى محمود تبعه، وإذا نعق فاروق حسني تبعه، وإذا نعق فلان أو علان -وهم كثرة- تبعهم، والأمر فيهم كما أخبرنا الله تعالى على لسان بني إسرائيل: إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:70].

    فأنا لا أريد أن أعدّد أسماء هؤلاء الكفار الفجرة المجرمين؛ لأنهم كثرة، وإنما أقول: إنهم البقر الذي تشابه علينا في هذا الزمان, وإنه سيهدينا الله تعالى إلى معرفتهم بأعيانهم وذواتهم وأسمائهم، بل ومخططاتهم، ثم يوفقنا لفضحها واحداً تلو الآخر، وإن هذه الطائفة المؤمنة لابد أن تكون قائمة إلى قيام الساعة، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وهم على هذا الحق الذي يعرفونه جيداً، ثم يعرفون المخالفين لهم، فيفضحونهم ويكشفون عوارهم ويهتكون سترهم، وهذا من فضل الله عز وجل ورحمته.

    فاعلموا -أيها الإخوة الكرام- أن مخططات الأعداء كثيرة ومتنوعة، لكن أصولها ظهرت في الزمن الأول وهو زمن النبوة على يد المنافقين، وعلى يد المحاربين للنبي عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، الفتنة إذا نزلت عقوبتها من السماء عمت الناس جميعاً، فلا تكاد ترحم أحداً، ولا يكاد أحد ينجو منها، ويكفيك أنك تُبعث على نيتك وعملك.

    ولذلك قال الله تعالى محذراً المؤمنين من اتباع الفتن: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ، بل تصيب الذي ظلم والذي لم يظلم، فتكون رحمة للذي لم يظلم، وتكون نقمة على الذي ظلم.

    وعن أسماء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا على حوضي أنتظر من يرد عليّ، فأقول: أمتي أمتي، فيذاد بهم عن الحوض) وأنتم تعلمون أن الحوض طوله مسيرة شهر، وعرضه مسيرة شهر، وآنيته اللؤلؤ، وماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، ويسقي النبي عليه الصلاة والسلام أمته بيده الشريفة، وآنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة واحدة لا يظمأ بعدها أبداً، وهذا الحوض مكانه بعد الصراط مباشرة قبل دخول الجنة، يسبق النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الحوض فيقف عليه استقبالاً لأمته، حتى يسقيها بيده الشريفة، فيؤتى بأناس يذاد بهم ويطردون عن الحوض ولا يشربون، فيشفق عليهم الشفيق صلى الله عليه وسلم فيقول: (يا رب! أمتي أمتي، لماذا يُذاد بهم عن الحوض؟ فيسمع النبي عليه الصلاة والسلام صوتاً: إنهم بدّلوا وأحدثوا بعدك)، إنهم ليسوا في الحقيقة من أمتك المؤمنة، إنك -يا محمد- لا تدري ما بدلوا بعدك، فيقول: (سحقاً سحقاً -أي: بعداً بعداً- لمن بدّل بعدي).

    قال ابن أبي مليكة وهو أحد رواة الحديث: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن.

    1.   

    إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع من فتن في آخر الزمان

    وعن أسامة بن زيد قال: (أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة -أي: على مكان مرتفع من الأماكن المرتفعة في المدينة المنورة -فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر)، أي: إني لأرى الفتن تنزل من السماء حتى تتخلل بيوتكم وبين بيوتكم كما يتخلل المطر كل مكان فارغ، فشبّه النبي عليه الصلاة والسلام الفتن في آخر الزمان بالمطر الذي لا يترك مكاناً إلا وعمّه، فتن تأكل الأخضر واليابس، فتن تجعل الحليم حيران لا يدري أين الحق.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، وينقص العلم والعمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله! وما الهرج؟ قال: القتل القتل).

    انظروا إلى هذا الحديث وهو من علامات الساعة الكبرى، قال: (يتقارب الزمان) أرجح أقوال أهل العلم في معنى قوله: (يتقارب الزمان) أي: تُنزع البركة من الوقت، فالليل هو الليل، والنهار هو النهار، والزمان هو الزمان، والساعات هي الساعات، والناظر إلى أحوال سلفنا رضي الله عنهم -بل المتأخرين من السلف- ليجد عجباً عجاباً كيف حصّل هؤلاء العلم، وكم تعلموا وكيف تعلموا؟ ثم كم صنّفوا من العلم مصنفات تعجز عن حملها الإبل، ولم يبلغوا من العمر أربعين عاماً أو خمسين عاماً، والواحد منا قد بلغ السبعين والثمانين وهو لا يزال يلعب في بوله وبرازه، ولا يعرف أحكام الطهارة ولا ما يُنتقض به وضوؤه، ولا يعرف شروط صحة صلاته، ولا يعرف إذا كان صاحب مال كيف يحج؟ وما هي مقادير الزكاة؟ وهذا علم واجب على كل إنسان.

    الشافعي ظهر علمه في الآفاق وانتشر في حياته ولم يبلغ من العمر إلا (54) عاماً، وهكذا كثير من أئمة الدين، وحملة الراية لم يبلغوا نصف قرن من الزمان، مع أننا نعيش ونغط في علمهم وفضلهم حتى قيام الساعة، الواحد منا الآن لو نظر إلى عمر ابن تيمية عليه رحمة الله، ألّف مئات المجلدات من العلم، متى تعلم هذا؟ ومتى كتب؟ مع أنه مشهور بالجهاد أكثر من العلم، ومشهور بحبسه وسجنه أكثر من الجهاد، فكيف تحصّل له كل هذا في عمر قليل؟! والواحد منا ربما يكون الآن قد بلغ ما بلغ ابن تيمية من العمر وهو لا يعرف فروض العين فضلاً عن فروض الكفاية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    قال: (وينقص العلم والعمل) ينقص العلم بموت العلماء أو بضلالهم، ويقل العمل ويقل الإخلاص، ويقل التوجه والإخبات والإنابة لله عز وجل.

    قال: (ويلقى الشح)، مع أن أصول الشح موجودة حتى قبل البعثة، بل الشح أمر فطري مركوز في النفوس والقلوب، وإن كانت العقول السليمة تكرهه، والقلوب المؤمنة تأباه، ولكن أصوله موجودة، فما معنى قوله: (ويلقى الشح) وهو من علامات الساعة؟

    قال العلماء: أن يبخل العالم بعلمه فلا يعلمه أحد، وأن يبخل الصانع بصنعته فلا يعلمها غيره، وأن يبخل كل ذو فن بفنه فيضن به أن يعلمه أفراد الأمة، فإذا مات مات معه العلم حتى تبقى الأمة في نهاية أمرها حثالة الأمم، كما نحن الآن.

    قال: (وتظهر الفتن) أي: التي لم تكن موجودة في زمن النبوة ولا في صدر الخلافة الراشدة.

    قال: (ويكثر الهرج، قيل: وما الهرج يا رسول الله؟!) وهي لغة حبشية: (قال: القتل. القتل) أكد أن الهرج هو القتل، ولم يكن موجوداً في زمنه ولا بعد زمنه بعشرين عاماً أو أقل من ذلك، ثم ظهر القتل في الأمة إلى يومنا هذا.

    وفي رواية قال: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل من السماء، ويرفع فيها العلم إلى السماء، ويكثر فيها الهرج).. إلى آخر الحديث.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم).

    (لا يأتي عليكم زمان) أي: لا يمر عليكم يوم إلا والذي بعده مباشرة أشر منه، وهذا مستمر حتى تلقوا ربكم، فنحن في زمان هو شر بالنسبة إلى الأزمنة السابقة، وهو خير نسبياً بالنسبة إلى الأيام المقبلة، فالأمة في نزول حتى تلقى ربها تبارك وتعالى.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم) القاعد في الفتنة خير من الذي يقوم ويأخذ سيفه ويقحم نفسه في الدخول في هذه الفتنة، فلو قعد عن ذلك لكان أفضل من القائم فيها، قال: (والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرّف إليها استشرفته) أي: من تطّلع إليها برأسه وطل فيها أهلكته: (فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ)، فمن وجد منها ملجأ -أي: مهرباً- فليهرب، أو معاذاً فليعذ به، أي: فليلجأ إليه، وليخبئ نفسه مخافة أن يُقحم في هذه الفتنة.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (يوشك أن يكون خير مال المرء -أو قال: المسلم- غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، يوشك أن يكون أحسن حال المسلم غنيمات يأخذها ويتبع بها قمم الجبال يرعاها؛ ليفر بدينه من الفتن، وهذا يدل على تلاطم الفتن كتلاطم الأمواج، وأنها الفتن التي تموج كموج البحر كما في حديث حذيفة بن اليمان وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

    وعن أنس قال: (سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة)، يعني: ألحوا إلحاحاً شديداً كاد يشق على النبي عليه الصلاة والسلام. قال أنس : (فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، وقال: سلوني، فوالله ما تسألوني عن شيء إلا حدثتكم به في مقامي هذا، فقام رجل وقال: يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة)، ولم يكن هذا الرجل ينسب إليه، بل كان يعلم أن أباه هو فلان، قال: (أبوك حذافة وسل أمك، فذهب الرجل إلى أمه، وقال: أحقيق أن أبي حذافة ؟ قالت: ما بالك يا ولدي؟! قال: إني سألت النبي عليه الصلاة والسلام. قالت: وما الذي حملك أن تسأله؟! إنما ذلك أننا كنا في جاهلية والله يغفر) فأقرت أمه بأن هذا الولد ولد زنا، والنبي عليه الصلاة والسلام قال ذلك في معرض قول الله عز وجل: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101]، ما دام الله تعالى قد سكت عنها، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الحرام ما حرمه الله في كتابه، والحلال ما أحلّه في كتابه، وما سكت عنه فهو عفو) أي: فهو عافية من الله، فلا تسألوا عنه، فقام هذا الرجل، وقال: (يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة ، ثم قام رجل آخر وقال: يا رسول الله! أين أنا؟ قال: أنت في النار، فبكى القوم عن آخرهم، قال أنس : فنظرت يمنة ونظرت يسرة فإذا الناس جميعاً قد وضعوا رءوسهم في ثيابهم يبكون يُسمع بكاؤهم، حتى قال عمر : رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، كفى يا رسول الله! كفى يا رسول الله! وهو يقول: سلوا عما بدا لكم، فلا تسألوا عن شيء إلا حدثتكم به في مقامي هذا حتى قالوا: ليته سكت).

    فتن تموج بالناس موج البحر، وهم في بلادة حس، الفتن تنزل بهم في بيوتهم، بل في قلوبهم، فتسودها، وتجعل الران يحيط بها من كل جانب، فلا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، أي سواد وأي ظلمة بعد هذا كله؟!

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم).

    1.   

    ظهور المنافقين في الأمة

    قال حذيفة رضي الله عنه: (إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، يقول هذا بعد وفاة النبي ولا يزال في وفرة من أصحابه عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: إن المنافقين اليوم أشر من المنافقين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، (فإنهم يومئذ يسرون واليوم يجهرون)، أي أن المنافقين في زمنه عليه الصلاة والسلام كانوا يسرون بالنفاق، والله تعالى يخبر نبيه بهم، وهم اليوم -أي: في زمن حذيفة - يجهرون.

    والعجيب أنهم الآن يجهرون بالكفر البواح ولا يرضون أن يتسموا بالمنافقين، ووضع النقاط على الحروف أنهم في حقيقة أمرهم عند الله وعند المؤمنين هم كفار، لكن يتسترون بثوب جميل؛ ليحسنوا وجههم القبيح.

    لماذا النفاق؟

    لقد آن الأوان أن ينضح كل بئر بما فيه، بل يجد المنافق والكافر الآن على كفره ونفاقه من الأعوان آلاف وآلاف وملايين يتبنونه هنا وهناك، فعلام النفاق إذاً؟ كن صريحاً، لو كنت رجلاً فكن صريحاً.

    وفي رواية: (إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان).

    الإخبار بما سيقع من البأس بين المسلمين

    وقال كعب : (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية -أي: من مكان مرتفع- حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال: سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة)، هذا الدعاء الطويل أنه كان يسأل ويلح على ربه أن يعطيه ثلاثاً، فأذن الله في اثنتين ومنع واحدة، قال: (سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة)، أي: بالقحط والفقر والجوع والجدب (فأعطانيها)، وأنتم تعلمون الآن أن الأمة تغط في النعيم غطاً، وينقصها الحمد على أية حال، والله لو أراد الله عز وجل أن يعاملنا بأعمالنا لقذفنا في النار ولا يبالي، فإن الأمة الآن ليس عندها من المؤهلات ما يدخلها الجنة، غير أن ذلك محض فضل الله عز وجل، أما القلوب فإنها أسود من السواد، والعمل أقل من القليل.

    قال: (وسألت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).

    أي: سأل ربه أن الأمة لا يحارب بعضها البعض، ولا يقتل بعضها البعض، ولا يعادي بعضها البعض، فأبى الله عز وجل أن يعطي ذلك لنبيه، وهذا يدل على أن بأس الأمة بينها الآن.

    إننا في ظل حكم الإنجليز كنا أفضل ملايين المرات من حكمنا بالحديد والنار الآن، لم نر دولة في العالم تُحكم بقانون الطوارئ خمسين عاماً، أي إسلام هذا؟ وأي دين هذا؟ وأي فجور في الادعاء بأن هذا إسلام؟ وأنهم يحبون القرآن ويحبون السنة ويعملون بها؟! عجيب!

    الكلام كثير جداً، لكن إغلاق صدر الإنسان لا يجعله ينطلق؛ لأن الانطلاقة ربما تؤدي إلى الانتحار أو الهلاك.

    وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض -أي: جمعها وأظهرها في رقعة حتى نظر إليها النبي عليه الصلاة والسلام- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أُهلكهم بسنة عامة، وألا أُسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً).

    أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.

    1.   

    كشف سوآت كتاب وليمة لأعشاب البحر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    فهذه فتن تجتمع على القلوب فتفسدها، ويكاد الراشد أن يتبلد إحساسه لتفريطه فيتأثر بهذه الفتن، فلو فتحت كتاباً ككتاب (وليمة لأعشاب البحر) الذي أتوا به مؤخراً على صفحات الجرائد، لو ظهر في زمن الصحابة أو زمن التابعين فقرأه الصحابة والتابعون ماذا كان سيصيبهم؟ أنا أتوقع أنهم لو قرءوه لخروا جميعاً موتى؛ لأن الكتاب يحارب الإسلام والمسلمين، فإن هذا الكتاب فيه من العبارات أن القرآن (خرف) هكذا باللفظ، والحقيقة أن الخرف على أم رأس كاتبه، وناشره ومشجعه، ومن رضي به ومن طبعه في بلده.

    والعجيب أن حيدر حيدر لعنه الله -كاتب الكتاب- يقول: العجب أنني فوجئت بأن وزارة الثقافة المصرية طبعت هذا الكتاب دون علمي، وعلى أية حال شكر الله سعيهم، فإن هذا الكتاب وغيره من الكتب ممنوع من جميع الدول العربية بأسرها؛ لأن كتبي جميعاً تدور على محاور ثلاثة: على السياسة، والجنس، وهتك المقدسات الدينية كلها.

    إن هذا الكاتب يعتز بأنه من أكفر الخلق ويعترف بأنه كافر، فكيف لا نكفره نحن، وإن كفّرناه كنا نحن الإرهابيين والمتخلفين، وكنا نحن الشباب المتهور الذي لم يتعلم ولم يتلق علمه عن طنطاوي الذي يعمل في الإسلام ما لا تعمله أمريكا ولا يعمله الغرب والشرق، أو لم يتلق علمه على يد أحمد عمر هاشم الأستاذ الدكتور في علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قرأ هذه الأحاديث التي سمعتموها الآن قبل أكثر من خمسين عاماً، ولكنه الثمن المدفوع مقدماً الذي يؤهله إلى نار جهنم إن مات على ذلك ولم يتب، وهم يعدون الذي لا يتلقى العلم في الأزهر إنساناً جاهلاً.

    نعم الأزهر خرّج فطاحل وعلماء، لكن جُل من تخرج في الأزهر لا يعرفون شيئاً، خاصة خريجو هذه الأيام الذين يريدون أن يكونوا في جميع المساجد، كي يقطعوا الحبل بينكم وبين دعاتكم؛ وذلك لأن الدعاة يقولون ذلك، فالحداد والنجار والسمكري والمحامي والدكتور والمهندس أناس ما عرفوا طرق العلم الشرعي، وهذا العلم تخصص والتخصص هو في الأزهر، فاذهبوا إلى محاضرة أزهرية الآن وهذه دعوة مني، اذهب إلى الأزهر، وإن كنت أيضاً مدخناً أتحداك أن تصبر على أن تبقى محاضرة كاملة؛ لكثرة ما فيه من دخان وغيره، سواء من الأستاذ أو الطلاب، الكل يدخنون، مع احترامي الشديد جداً لكل من حمل راية التوحيد ورفع راية السنة، وهذا قطع للصلة بين الأمة وبين ربها، وأنتم لا تعلمون هذه الصلة إلا من خلال دعاتكم المخلصين الذين يدعون إلى الله عز وجل بالليل والنهار، أما هؤلاء فإنهم موظفون إن لم يكونوا تجاراً، تاجروا بدينهم وآثروا أن يعيشوا حياة كريمة بزعمهم حتى ولو كان الثمن قذفاً في نار جهنم.

    هذا الذي يدار الآن لابد وأن يكون وراءه فعل عظيم جلل وخطير، ونحن لسنا بأغبياء إلى هذا الحد، فإن انشغل العالم الآن بكتاب يتعرض للذات الإلهية ويقول: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب نسوان). هكذا يقول، وغير ذلك من الكفر البواح، هذا الكتاب بلغ (650) ورقة، ونشر ما في الكتاب من كفر على يد جريدة الأسبوع العلمانية الملحدة، وهذا مخطط لشغل الأمة، ثم نفاجأ بأننا شغلنا بكتاب فيه مخطط ضياع الأمة.

    إن هذه الدولة الأزهرية بدأت تنظم حفلات ترفيهية، ورحلات علمية لجميع المدارس: ابتدائي، إعدادي، ثانوي، جامعات، لماذا؟

    هل هذه الرحلات إلى بلاد الحرمين الشريفين؛ لقضاء العمرة وتأدية المناسك، أو لمبحث علمي وللتعارف على آثار الأمة القائمة؟

    لا، إنما يساقون إلى فلسطين المنكوبة المسلوبة، ويقولون: رحلة ترفيهية إلى دولة إسرائيل، وذلك للقضاء على البقية الباقية، وإن شئت فقل: لإفساد فطر الأطفال، وأننا واليهود والنصارى شيء واحد، وأننا جميعاً بشر، والنصارى كذلك بشر، وأن هؤلاء أصحاب ديانة كما أننا أصحاب ديانة، وكل واحد له نبي يصلي عليه وهكذا، حتى تنشأ الأجيال القادمة وعندها من الميوعة ما ليس عند آبائها، ولا عند أجدادها، وحتى يكون اليهود والنصارى والمسلمون شيئاً واحداً، وتكون الأديان كلها ديناً واحداً، وخليط مخلوطاً ببناء مجمّع الأديان في ديننا، في بلد الأزهر وفي بلد العلم.

    1.   

    كشف سوآت كتاب منشور يبيح للمرأة المسلمة التعدد والزواج بغير المسلم

    وفي كتاب آخر نُشر حديثاً وكذلك نشرته وزارة الثقافة صدر أخيراً يطالب فيه كاتبه بعدم التزام المرأة بفترة العدة، فلو طلقها زوجها اليوم ففي نفس اليوم لها أن تتزوج رجلاً آخر، هذه واحدة، واستباحوا للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم؛ لأنه إنسان مثله مثلها، وربما يكون أطيب منها وأحسن منها، فلا مانع أن يتزوج الكافر المسلمة، لا يهمه قول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، ولا يهم: لا تتزوج المسلمة من كافر، المهم أنها تتعايش في سلم وسلام وأمن وإيمان، وإخاء ومحبة، وهذا السلام!

    واستباحوا للمرأة المسلمة تعدد الأزواج، لكن تعدد الزوجات لا. يقولون: هذا حرب! حرب أن يجدوا الشخص متزوجاً من واحدة أو اثنتين أو ثلاث، ويدعون أن للمرأة الحق في تعدد الأزواج، الأولى دين والثانية كفر يدعون إليه، تصور أن امرأتك تستأذنك في الصباح وتقول: أنا سأذهب إلى زوجي الثاني، وسأعود إليك بعد ثلاثة أيام أو أربعة، فتذهب إلى الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم تضع، ثم تنسب المرأة الولد إلى من شاءت، أو يلحق الولد بمن يشبهه من أزواجها الأربعة! كلام يجعل الواحد يخر ميتاً، لكن قست قلوبنا فنحن لا نتأثر بذلك؛ وذلك لكثرة الفتن ومعرفتنا بها.

    قال: والمساواة في الميراث، لماذا تأخذ البنت نصف الرجل؟ لماذا للذكر مثل حظ الأنثيين؟ هذا كلام لا يصح؟ كلام الله كلام لا يصح؟! بل يصح كلام هؤلاء الكفار الملاحدة العلمانيين، ويقولون: إن هذا هو العدل؟! أي عدل أيها الكلاب؟! أي عدل أيها المجرمون الفجرة؟! يا كفرة يا مجرمون، يا من أفسدتم الأمة ولم تبقوا فيها أخضر ولا يابساً، إن الرجل الذي يتحمل أعباء البيت والإنفاق ويعمل ليل نهار منحه الشرع شيئاً زائداً؛ ليميزه عن المرأة التي تمكث في بيتها ولا تكترث بشيء مما يعنى به الرجل!

    تدعون إلى العدل ومساواة الرجل والمرأة في الميراث؟!

    ثم يقولون: وإن الله ظلم المرأة، بل حتى في الجنة يظلمها؛ فهل قلم يكتب هذا؟ لو ظهر الآن عباد الأوثان الذين حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن يهاجر فإنهم لا يقولون بحرف من هذا نهائياً، فهؤلاء قد بلغوا في الكفر والإلحاد والزندقة ما لم يبلغه أصحاب الفترة.

    ثم يقولون: وما المانع من أن تزني المرأة، فالزنا إنما هو عملية رياضية، كرياضة الجمباز وكرة القدم وكرة السلة، ومصدر الزنا عاطفة جياشة بين الرجل والمرأة.

    هل يقبل هذا أن يقول له غيره: أعطني امرأتك لأزني بها، ربما سيقول: نعم. ويقبل ذلك؛ لأنه كلب ولأنه حمار ونجس وتيس وبليد الحس، بل قد مات قلبه بالكلية، ولو وجد كلباً -لا أقول: رجلاً- أو تيساً أو حماراً جثم على صدر امرأته وزنى بها لربما ضحك واستبشر خيراً.

    إن كثرة البلاء يوجه بعضه بعضاً، فإن هذه الحملة المسعورة تأتينا بالبث المباشر على الهواء، والذين حركوا هذه الحملة هم طائفة روز اليوسف، هؤلاء المجرمون الفجّار الذين بلغوا في النفاق والفساد ما لم يبلغه أبو لهب ولا أبو جهل ، وبلغوا في حربهم وعدائهم للإسلام ما لم يشهده النبي وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، هم الذين حرقوا الأنفس.

    والأزهر في ظل هذه العمائم الحمراء -وإن شئت فقل: السوداء والعمائم البيضاء سودها الله على رءوسهم- ليس في حاجة إلى تحريك؛ لأنهم قد قبضوا الثمن قبل أن يتعينوا، فإنهم يقومون بدورهم على أحسن وجه.

    هل نحن خوارج حقاً؟! أفنكون كذلك ونحن لا ندري؟! بل إننا في كل صباح ومساء نتبرأ من الخوارج ومن فكر الخوارج ومن التطرف ومن التنطّع، بل نهاجم كل فكر منحرف عن هدي النبوة، وندعو إلى السنة والالتزام بالسنة، فأنا لا أدري كيف نكون من الخوارج؟! ربما تكون خارجيتنا تخطط في الخفاء، ربما يكون هذا هو العلة وهذا هو السبب.

    فكيف تنجو الأمة من الهلاك في الدنيا والآخرة، ودعاتها وسادتها وقادتها بهذا الشكل؟!

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755963631