حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية). قال زائدة : قال السائب : يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [ باب في التشديد في ترك الجماعة]، يعني أن الإتيان بالصلاة في جماعة أمر مطلوب، وهو واجب على الرجال، ولا يجوز للرجال أن يصلوا فرادى أو أن يصلوا في بيوتهم، بل عليهم أن يأتوا إلى المساجد ويصلوا جماعة مع المسلمين في مساجدهم، فصلاة الجماعة واجبة، ومن العلماء من قال: إنها شرط. ولكن الصحيح أنها ليست بشرط؛ لأن القول بأنها شرط معناه أنه لو صلى الإنسان وحده لم تصح صلاته، والصحيح أنها تصح صلاته، ولكنه يفوته خير كثير، ويأثم على ترك الواجب.
وقد جاءت أدلة كثيرة تدل على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن من تركها يأثم، وأنه لا يرخص لأحد في تركها إلا من كان معذوراً، كمن كان مريضاً لا يستطيع أن يأتي المسجد فهو معذور؛ لقوله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، أما مع القدرة ومع الصحة والعافية فإنه يتعين على الإنسان أن يصلي مع الجماعة في المسجد، بل لو كان أعمى فإنه لا يُعذر؛ لأن العمى لا يمنع من الذهاب إلى المسجد، وإنما الذي يمنع هو المرض الذي لا يستطيع الإنسان معه أن يذهب إلى المسجد، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم يصيب الواحد منهم المرض فلا ترضى نفسه بأن يصلي في بيته، بل يأتي وهو يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
والترجمة هي: (التشديد في ترك الجماعة)، يعني أن عدم الإتيان للصلاة جماعة أمر خطير وعظيم، وقد ورد فيه وعيد وتحذير وتخويف، هذا هو المقصود بالتشديد في ترك الجماعة، فليس بالأمر الهين أن تترك الجماعة، بل قد جاء ما يدل على عظم هذا الأمر وأهميته، وعلى خطورة تركه.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)، وهذا الحديث يدل على ما ترجم له المصنف من أهمية الجماعة، وخطورة تركها، وأن عدم الإتيان بالصلاة جماعة فيه استحواذ الشيطان على هؤلاء الذين لا يصلون جماعة، سواءٌ أكانوا أهل قرية أم في بادية فإنه يجب عليهم أن يصلوا جماعة، فأهل القرية يصلون جماعة، وأهل البادية الذين هم في بيوت شعر وصوف ويتنقلون من مكان إلى مكان عندما يقطنون ويكونون في مكان يجتمعون لصلاة الجماعة ويصلون جماعة، ولا يصح أن كل واحد يصلي بمفرده، بل إن صلاة الجماعة ما تركت في حال الخوف، حيث جاء الكتاب وجاءت السنة في بيان أن الصلاة تقام جماعة، وأن الإمام يقسم الجيش إلى مجموعتين: مجموعة تصلي أولاً مع الإمام وتكمل لنفسها، ثم تأتي المجموعة الثانية وتصلي مع الإمام آخر صلاته وتكمل لنفسها ثم تسلم.
وهناك أوجه كثيرة جاءت في صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة، وإذا كان في غير جهة القبلة، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على وجوب الجماعة؛ لأنه لو كان أمر الجماعة هيناً لما أتي بها مع شدة الخوف ولا حصل تقسيم الناس إلى مجموعتين.
وقوله: [ (ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة -أي: جماعة- إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ] يعني أن الانفراد أو الشذوذ عن الجماعة والصلاة في حال انفراد هو من استحواذ الشيطان على الإنسان، ومن عمل الشيطان، ومن كيد الشيطان ومن مكر الشيطان بالإنسان، فكما أن الذئب يأكل القاصية المنفردة عن الغنم فكذلك الشيطان يستولي أو يستحوذ على من يشذ وينفرد عن الناس ولا يصلي مع الناس.
وقوله: [ (ما من ثلاثة) ] يعني الذي هو جمع، وأقل الجمع اثنان، ولكن ذكر الثلاثة لأنه أكمل الجمع، وأقل الجمع عند النحويين ثلاثة، وأما عند الفقهاء فاقل الجمع اثنان، وهكذا عند الفرضيين، فأقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم، وكذلك أقل الجمع عند الفرضيين اثنان؛ لقوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] واثنان من الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، والله عز وجل قال: إِخْوَةٌ والذي يحصل به حجبها اثنان وليس ثلاثة.
وقوله: [ قال زائدة : قال السائب : يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة ].
يعني أن السائب فسر قوله: [ (الجماعة) ] بأن المقصود: الصلاة في الجماعة.
هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زائدة ].
هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا السائب بن حبيش ].
السائب بن حبيش مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ].
معدان بن طلحة اليعمري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الدرداء ].
أبو الدرداء هو عويمر رضي الله عنه، صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس) ] أي: تقام الصلاة ويستخلف النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بالناس ثم يذهب ومعه جماعة من أصحابه معهم حزم من حطب إلى أناس لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، يعني: في الوقت الذي هم متلبسون بالمعصية؛ لأن هؤلاء الناس يصلون في بيوتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هم بأن تقام الصلاة ويستخلف رجلاً يصلي بالناس ويذهب بنفسه ومعه جماعة من أصحابه معهم حزم من حطب ليحرق على هؤلاء المتخلفين عن الصلاة بيوتهم، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم يهم بالتحريق وإن لم يفعل، فمجرد الهم بهذه العقوبة الشديدة يدل على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن هؤلاء الذين همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوتهم عليهم حتى يتلفوا وتتلف بيوتهم معناه أنهم ارتكبوا جرماً كبيراً، وارتكبوا خطأً كبيراً يستحقون معه هذه العقوبة، فمجرد همه عليه الصلاة والسلام وإخباره بهذه العقوبة كافٍ في بيان وجوب صلاة الجماعة، مع أن الجماعة جاء في وجوبها أحاديث كثيرة غير هذا الحديث.
وقوله: [ (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) ] يعني أن جرمهم ومصيبتهم أنهم لا يشهدون الصلاة جماعة، وهذا يدلنا على أن البيوت لا يُصلى فيها جماعة ولا فرادى، فلا يقول بعض الناس: نحن نصلي جماعة في البيت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: هل يصلون جماعة أو لا يصلون جماعة في البيوت؟ وإنما قال: [ (لا يشهدون الصلاة) ] أي: سواءٌ صلوا جماعة أو لم يصلوا جماعة؛ لأن المقصود هو إتيان المساجد، والجماعة تقام في المساجد ولا تقام في البيوت، وإلا فلماذا تعمر المساجد؟! ولماذا يؤذن المؤذن ويقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح)؟!
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا أبو معاوية ].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
ما زال الكلام على بعض الأحاديث المتعلقة بالترجمة، وهي: (التشديد في ترك الجماعة)، والتي مقتضاها ومؤداها أن صلاة الجماعة واجبة، وأن من تركها أو من لم يقم بهذا الواجب فإنه آثم ويستحق العقوبة.
وقد مر حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام هم بأن يأمر رجلاً فيؤم الناس، ثم يأمر بحطب فيحطب، ثم يأمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم يخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، وجرمهم الذي استحقوا به هذه العقوبة هو أنهم لا يشهدون الصلاة جماعة، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة.
ومما يدل على وجوبها أن الله عز وجل أمر نبيه بأن يصلي بالناس صلاة الخوف جماعة، وجاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بصفات متعددة، وإذا كانت الجماعة لم تترك في حال الخوف فهذا يدلنا على وجوبها.
ثم إن كون النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بتحريق من تخلف يدل على وجوبها.
وأيضاً: كون النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ابن أم مكتوم وكان أعمى، وطلب منه أن يأذن له أن يصلي في بيته؛ لأن له قائداً لا يلائمه في المجيء إلى المسجد، فقال له عليه الصلاة والسلام: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب)، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يرخص لرجل أعمى فهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة.
والحاصل أنه قد وردت أدلة متعددة تدل على وجوب الجماعة.
ومن العلماء من قال: إنها شرط. ومعنى هذا أن الإنسان لو صلى منفرداً لم تصح صلاته، ولكن هذا غير صحيح؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن صلاته صحيحة، ولكن فاته خير كثير، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) أو (بخمسة وعشرين جزءاً)، فهذا يدلنا على أن صلاته صحيحة، ولكن الذي لم يصل جماعة ترك أمراً واجباً عليه، فيأثم لهذا الترك، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله عقد الترجمة بقوله: [التشديد في ترك الجماعة] يعني أن الأمر ليس بالهين، وأن الأمر خطير وعظيم، وصلاة الجماعة شأنها عظيم، وقد وردت فيها نصوص متعددة تدل على وجوبها.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة) ] يعني أنهم يتخلفون في بيوتهم ويصلون في بيوتهم، ولم يكن هناك مرض يمنعهم، ولم يكن هناك علة تعيقهم يكونون غير متمكنين بسببها من أن يأتوا إلى المساجد.
وهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الطريق السابقة التي فيها همُّ الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الطريق زيادة أن ذلك من غير علة، ومن المعلوم أن هذه الزيادة ومقتضاها لا شك فيه، سواءٌ أتت أو لم تأت؛ لأن المكلف هو الذي يقدر، وأما من كان عاجزاً فمعذور؛ لقول الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، لكن هذا الحديث فيه زيادة إيضاح وبيان أن تخلفهم لم يكن لعذر، وإنما كان كسلاً وخمولاً، وعدم إقدام على هذه الصلاة التي فيها الخير العظيم وفيها الثواب الجزيل، وفي التخلف عنها وفي تركها الإثم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على خطورة ذلك وأنه ليس بالأمر الهين.
وقد قال أحد الرواة لـيزيد بن الأصم : هل عنى الجمعة أو غير الجمعة؟ فقال: إن الذي سمعته من أبي هريرة هو هذا اللفظ، ولم يذكر جمعة ولا غيرها، ولكن عمومه ولفظه يقتضي أن الجمعة وغير الجمعة يجب الإتيان إليها، ويجب حضورها وشهودها، وأن الأمر ليس خاصاً بصلاة دون صلاة، بل الجمع والجماعات كلها يجب حضورها ويجب الذهاب إليها.
ولما سأله قال: [ صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثر ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ] يعني: يروي ذلك، وهذا يفيد التأكد من السماع، وأنه متحقق من السماع، وأنه سمعه بهذا اللفظ المطلق الذي لا يختص بجمعة ولا بغير جمعة، وإنما يشمل الصلوات كلها جمعة وجماعة.
وقوله: [ (صمتا أذناي) ] الأصل أن يقال: صمت أذناي، فيكون الفاعل اسماً ظاهراً، وهنا وقع الجمع بين الاسم الظاهر وبين الضمير، قالوا: وهذا من قبيل ما جاء في القرآن من قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء:3]، ففيه الجمع بين الضمير وبين الاسم الظاهر؛ لأن في قوله: وَأَسَرُّوا ضمير، وفي قوله: الَّذِينَ ظَلَمُوا اسم ظاهر مؤداهما واحد ومقصودهما واحد، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، ففيه الجمع بين الضمير وبين الاسم الظاهر، وهذه هي اللغة المشهورة بقول القائل: (أكلوني البراغيث). فإن فيها الجمع بين الاسم الظاهر وبين الضمير.
النفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو المليح ].
أبو المليح هو الحسن بن عمر -أو عمرو- ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
[ حدثني يزيد بن يزيد ].
هو يزيد بن يزيد الرقي ، مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده، ويحتمل أن يكون يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي ، وهو ثقة.
والاحتمال قائم، ولكن الاحتمال إذا كان بين ثقة وضعيف يؤثر، لكن الحديث لم يأت من هذه الطريق وحدها، بل جاء من طرق ثابتة في الصحيحين وفي غيرها، ومن ذلك حديث أبي هريرة المتقدم الذي هو باللفظ الأول، فهو بمعناه ومقتضاه ومطابق له، وليس في هذا الحديث إلا زيادة كلمة (من غير علة) وهذه الكلمة لو لم تأت فهي مقصودة؛ لأن من كان مريضاً فهو معذور، ولا يُهم بتحريق البيت على من تخلف وهو مريض، وإنما يكون ذلك في حق من كان غير معذور، أما المعذور فله أن يصلي في بيته ولا إثم عليه، بل إن له أجراً مثل الذي كان يحصله وهو صحيح، كما ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).
[ حدثني يزيد بن الأصم ].
يزيد بن الأصم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ قال: سمعت أبا هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فرضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود رحمه الله أثر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهذا الأثر العظيم عن ابن مسعود رضي الله عنه يدل على عظم شأن الجماعة وأهمية صلاة الجماعة وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الاهتمام بصلاة الجماعة والحرص عليها وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليها مع شدة المرض وعدم القدرة على المشي، فكان الواحد منهم يؤتى به يُهادى بين الرجلين، أي: واحد يمسك عضده الأيمن والثاني يمسك عضده الأيسر؛ لأنه لا يستطيع أن يمشي بمفرده، بل يحتاج إلى من يساعده بأن يسنده من جهة اليمين والشمال حتى يأتي إلى المسجد ويقام في الصف.
فكانوا يفعلون ذلك لحرصهم على الأجر الذي يكون في صلاة الجماعة، ولمعرفتهم الأجر العظيم في ذلك، ولهذا كان الواحد منهم يصيبه المرض فلا ترضى نفسه بأن يصلي في بيته مع أنه معذور، ولو صلى في بيته فإنه يؤجر على ما كان يفعل في حال صحته وقبل مرضه من الذهاب إلى المسجد، فالله تعالى يأجره على ذلك كما جاء في الحديث الذي أشرت إليه آنفاً، والذي هو في صحيح البخاري : (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).
ثم بين أن التخلف عن الجماعة من علامات النفاق، وصفة من صفاتهم، حيث قال: [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق] وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه، يعني: اتهمناه بالنفاق.
فهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه يدل دلالة واضحة على عظم شأن الجماعة وأهميتها، وعلى اهتمام الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم بها وحرصهم عليها وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليها مع شدة المرض وعدم القدرة على المشي؛ لأنهم يعلمون الأجر العظيم في ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حق المنافقين: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، فكان الصحابة يعلمون الأجر، ولهذا كانوا يحرصون على أن يحصلوه حتى مع شدة مرضهم.
يقول عبد الله بن مسعود : (حافظوا على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) والمقصود من ذلك: المحافظة على الجماعة، وقوله: (حيث ينادى بهن) يعني: حين يقال: (حي على الصلاة حي على الفلاح) يعني أن المؤذن يقول: هلموا وأقبلوا وتعالوا، فالإنسان يحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فيجيب الداعي ويترك ما وراءه من أي شاغل ويتجه إلى الصلاة ويؤدي الصلاة جماعة مع المسلمين في المساجد؛ لأن المساجد إنما بنيت لذلك، ولم تبن للمباهاة أو للزينة أو لغير ذلك، وإنما بنيت لعبادة الله عز وجل وذكره والصلاة فيها وقراءة القرآن وما إلى ذلك مما هو ذكر لله سبحانه وتعالى.
قوله: [حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى] يعني: الصلوات الخمس والذهاب إلى المساجد لأدائها من سنن الهدى، يعني: من السنن والطرق والمناهج التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود بالسنة الأمر المستحب الذي هو دون الواجب، فإن هذا سنة في اصطلاح الفقهاء؛ لأنهم قسموا الأحكام إلى: واجب، ومندوب، ومحرم، ومكروه، ومباح، فالذي أمر به على سبيل الإلزام هو الواجب، والذي أمر به أمراً غير جازم هو الذي يكون سنة ويكون مستحباً ويكون مندوباً، ولكن السنة تطلق إطلاقاً عاماً، وهو أن كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه وطريقته، وسواءٌ في ذلك ما جاء في القرآن أو ما جاء في السنة؛ لأن كل ذلك يقال له: سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (من رغب عن سنتي فليس مني) يعني: ما جاء به من الحق والهدى.
فالسنة تطلق ويراد بها كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التفاوت في الحكم من حيث الإلزام بالفعل أو الترك أو كون ذلك دون الإلزام، وسواءٌ كان بالفعل أم بالترك، فهذا كله يقال له: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة تطلق أربعة إطلاقات:
الأول: تطلق ويراد بها كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، فذلك كله يقال له: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وكذلك قوله هنا: [من سنن الهدى] لأن المقصود بذلك ما جاء عن رسول الله وما كان عن هدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود من ذلك الأمور المندوبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فالجماعة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها؛ لأن تاركها ترك أمراً واجباً.
الثاني: تطلق ويراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك قول العلماء من محدثين وفقهاء عندما يذكرون مسألة من المسائل: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
الثالث: تطلق السنة ويراد بها ما يقابل البدعة، أي: تطلق على أي عمل على وفق السنة مخالف للبدعة، أو ليس على وفق البدعة.
والإطلاق الرابع: تطلق على المأمور به ليس على سبيل الإلزام، وهذا هو الذي يقال له: المندوب والمستحب والمسنون، فالفقهاء إذا قالوا: يسن كذا، أو يستحب كذا، أو يندب كذا، فكل هذه معناها واحد.
قوله: [ولقد رأيتنا] يعني معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [وما يتخلف عنها إلا منافق]، يعني أنهم لم يكونوا يتخلفون عن الصلاة، بل كانوا يحرصون على الصلاة، وعلامة المنافق أن يتخلف عن الصلاة.
وقوله: [ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف] هذا فيه بيان ما كانوا عليه من الحرص والرغبة الشديدة وتحمل المشقة في سبيل الوصول إلى ذلك؛ لأنهم كانوا يعلمون الأجر العظيم في ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حق المنافقين: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً).
وقوله: [ما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته] أي: ما منكم من أحد إلا وهو يصلي في بيته، والصلاة مشروعة في البيوت، وقد جاءت السنة بالترغيب في الصلاة فيها والحث عليها، بل إن صلاة النافلة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) أي: فإنها لا تصلى في البيت وإنما تصلى في المسجد، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) يعني: لا تجعلوها مثل القبور بأن لا يصلى فيها، بل صلوا فيها، ولذا قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً) يعني أنها لا تعامل البيوت معاملة المقابر التي ليست محلاً للصلاة وليست مكاناً للصلاة، وإنما يجعل لها نصيب من الصلاة، بل إن غير الفرائض أفضل أحوالها أن تؤدى في البيت وأن تكون في البيت.
وقوله: [ولو صليتم في بيوتكم، وتركتم مساجدكم -أي: المساجد التي بنيت للجماعة- لتركتم سنة نبيكم] صلى الله عليه وسلم يعني: لو صليتم في بيوتكم -وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته وله مكان أو أماكن يصلي فيها في بيته- وتركتم مساجدكم التي بنيت للعبادة ولإقامة الجماعة لتركتم سنة نبيكم التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث عليها، بل جاء التشديد في تركها، والترجمة معقودة للتشديد في ترك الجماعة.
وقوله: [ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم] أي أن الإنسان إذا ترك السنة أو ترك السنن جره ذلك الترك إلى ترك آخر، وقد يؤدي ذلك إلى رفض السنة بأكملها، وقد يؤدي ذلك إلى ترك ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو أمر لابد منه ويؤدي تركه إلى الكفر، كترك الصلاة التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تركها كفر، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، وقال: (من تركها فقد كفر)، وذكر الولاة الذين يتولون وهم ظلمة وفيهم فسق فقال له الصحابة: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: (لا ما صلوا)، وهذا يدل على أن عدم الصلاة كفر، وأنهم إذا كانوا لا يصلون، وأنهم تاركون للصلاة فإنهم أتوا الكفر الذي يستحقون به الخروج عليهم، فهذا يدلنا على أن الصلاة المفروضة لازمة، وأن تركها كفر، وأما الجماعة فتركها معصية كبيرة وذنب كبير، ولا يقال له: كفر، وإنما الكفر في ترك الصلاة وعدم الإتيان بها في المسجد ولا في البيت، والعياذ بالله.
هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج حديثه أبو داود .
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المسعودي ].
المسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[ عن علي بن الأقمر ].
علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الأحوص ].
أبو الأحوص هو عوف بن مالك ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن مسعود ].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر) ] يعني: من سمع المؤذن فلم يمنعه من أن يستجيب لدعوته ويأتي إلى المسجد عذر -قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض [ (لم تقبل منه الصلاة التي صلى) ] يعني: التي صلى في بيته؛ لكونه ما أجاب الداعي، والمقصود: أنه لم يحصل له تمام القبول، وإلا فإنه قد جاء ما يدل على أن صلاة من صلى في بيته صحيحة، ولكنه يفوته خير كثير، ويفوته مضاعفة الصلاة التي تحصل لمن صلى جماعة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تفضل صلاة الجماعة صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، أو (بخمسة وعشرين جزءاً) فهذا يدلنا على أن الصلاة تصح وأن الجماعة ليست بشرط.
وبعض أهل الظاهر قال: إنها شرط. ومعنى هذا أنه لو صلى في بيته لا تصح صلاته، وأن صلاته تكون غير صحيحة، ولكن الصحيح أنها تكون صحيحة، وحديث التفضيل بسبع وعشرين درجة أو بخمسة وعشرين جزءاً يدل على صحتها، ولكن مع فوات هذا الخير الكثير، وما جاء من التشديد في ترك الجماعة يدل على أنه يفوته الخير الكثير، وأنه يحصل إثماً بذلك؛ لأنه فعل ما يستحق العقوبة عليه.
والحديث ورد من طريق أخرى بلفظ: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) والمقصود أنه لا صلاة له كاملة، وليس المقصود أن صلاته وجودها كعدمها؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن صلاته تصح، ولكنه يفوته خير كثير وثواب جزيل.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الكوفي الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي جناب ].
هو أبو جناب هو يحيى بن أبي حية ، ضعفوه لكثرة تدليسه، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه .
[ عن مغراء العبدي ].
مغراء العبدي مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .
[ عن عدي بن ثابت ].
عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : روى عن مغراء أبو إسحاق ].
عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن أم مكتوم ويقال له: عبد الله رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة)، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وذلك أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لرجل أعمى في التخلف عن الجماعة فغيره من باب أولى، فهذا الحديث من الأدلة الواضحة الجلية على أن صلاة الجماعة واجبة.
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد بن زيد ].
هو حماد بن زيد بن درهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عاصم بن بهدلة ].
عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي رزين ].
أبو رزين هو مسعود بن مالك ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ابن أم مكتوم ].
ابن أم مكتوم هو عمرو ويقال: عبد الله بن أم مكتوم ، صحابي مشهور، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
قال أبو داود : وكذا رواه القاسم الجرمي عن سفيان ليس في حديثه: (حي هلا) ].
أورد أبو داود حديث عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلي في بيته، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ فحي هلا) ] يعني: فأقبل إذا سمعت النداء.
وقوله: [ (حي على الصلاة حي على الفلاح) ] المقصود بذلك: الأذان، ولكن نص على هاتين الجملتين لأنهما هما المقصودتان في الإعلام وفي طلب الحضور إلى المسجد، وما عدا هاتين الجملتين ذكر لله، فالمقصود من الأذان هو: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، وما سوى ذلك هو ذكر لله عز وجل يسبقه ويلحقه، وإلا فإن المقصود من الأذان هو: (حي الصلاة حي على الفلاح)، ولهذا اقتصر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [ (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟) ] يعني: هل تسمع النداء الذي يقول فيه المنادي: (حي على الصلاة حي على الفلاح؟) قال: نعم، قال: [ (فحي هلا) ] يعني: أجب. وهذا معناه أنه ليس له رخصة، وهو من أوضح الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة.
هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبي ].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا سفيان ].
سفيان هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن عابس ].
عبد الرحمن بن عابس ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أم مكتوم ].
ابن أم مكتوم قد مر ذكره.
وقوله: [ قال أبو داود : كذا رواه القاسم الجرمي ].
هو قاسم بن يزيد الجرمي ، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن سفيان ليس في حديثه: (حي هلا) ].
يعني أن سفيان لم يذكر في حديثه قوله: (حي هلا) لكن لابد من أن يكون فيه شيء آخر يكون جواباً له، أي: أنه أجاب أن له رخصة أو أجاب أنه ليس له رخصة، أو ما إلى ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم إلا بالجواب، فإما أن يكون الجواب (حي هلا)، وإما (أجب)، وإما (ليس لك رخصة)، أو (لا أجد لك رخصة).
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟، قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب في فضل صلاة الجماعة] يعني: بيان عظيم فضلها وعظم أجرها وجزيل الثواب عليها، وقد بين بعض ما ورد من النصوص في بيان فضل الجماعة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا)، وهذا يدل على جواز مثل هذا العمل، وذكر أسماء في صلاة الصبح من أجل حث الناس على الحضور وكون الواحد منهم يحذر من التخلف حتى لا ينادى به حيث لا يكون موجوداً، فهذا الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على جواز مثل ذلك، وهو موجود في بعض البلاد، حيث ينادون بعد صلاة الفجر بأسماء أناس كبار من أهل الحي، وفي ذلك تشجيع وحث على حضور الجماعة وعلى شهود الصلاة.
وقوله: [ (إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين) ] يعني صلاة الفجر والعشاء، وذلك أن هاتين الصلاتين تكتنفان الليل، فهذه في أوله وهذه في آخره، فالأولى التي هي العشاء تأتي بعد أن كدح الناس في أعمالهم في النهار وتعبوا وهم بحاجة إلى الراحة والنوم، ولهذا جاء أن النبي كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها؛ لأن النوم قبلها يؤدي إلى فوات العشاء، والثانية التي هي صلاة الفجر تأتي في الوقت الذي طاب فيه الفراش ولذ فيه النوم، ولهذا جاء في أذان الصبح قول (الصلاة خير من النوم) يعني: هذا الذي لذ وطاب لكم، وأنتم مطمئنون إليه ومرتاحون فيه ما تدعون إليه خير منه.
فهاتان الصلاتان أثقل الصلاة على المنافقين، وقوله: [ (أثقل) ] يعني أن الصلاة كلها ثقيلة عندهم، ولكن هاتين الصلاتين أثقل من غيرهما.
وقوله: [ (ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب) ] قد جاء في حديث أبي هريرة : (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وجاء أيضاً أنه قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناًً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، أي: لو كان هناك لحم يوزع في المسجد لجاء من همه الدنيا وليس همه الآخرة إلى المسجد من أجل أن يحصل الأكل، ومن أجل أن يحصل الطعام.
قوله: [ (ولو حبواً) ] (حبواً) هنا خبر لكان المحذوفة هي واسمها؛ لأن (كان) أحياناً تحذف مع اسمها لدلالة المقام أو السياق على ذلك، والتقدير: ولو كان الإتيان إليهما حبواً. فحذفت (كان) وحذف اسمها وبقي الخبر.
وقوله: (وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة) يعني أن الصف الأول له الفضيلة، والملائكة تصف عند الله عز وجل صفوفاً، فالصف الذي يكون من الملائكة أولاً مثله هذا الصف الذي يكون في المسجد، يعني أن هذا بالنسبة للملائكة والقرب من الله عز وجل، وهذا فيه الحث على المبادرة إلى الصف الأول وتحصيل الفضيلة فيه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضله كما في هذا الحديث، وجاء أيضاً: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه).
وقوله: [ (ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه) ] يعني: لبادرتم ولتنافستم ولأسرعتم إلى الوصول إليه من أجل الظفر به، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني أنه تميزهم القرعة لشدة حرصهم وكونهم وصلوا جميعاً وكل واحد يقول: أنا السابق.
وقوله: [ (وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى) ] وهذا يدل على فضل الجماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا يدلنا على فضل الجماعة، بل وعلى فضل كثرة الجماعة، وأنه كلما كانت الجماعة أكثر فذلك أفضل وأعظم أجراً عند الله عز وجل.
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن أبي بصير ].
عبد الله بن أبي بصير وثقة العجلي ، وأخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
[ عن أبي بن كعب ].
هو أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان بن عفان : [ (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة) ] يعن: أن الإنسان يؤجر على ذلك بأن يكون له قيام نصف ليلة، وهذا يدل على فضل صلاة العشاء في جماعة.
وقوله: [ (ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة) ] يعني أنه إذا صلى العشاء في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، وإذا صلى الفجر في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، وإذا صلاهما في جماعة كان كقيام ليلة، يعني أن من صلى هاتين الصلاتين في جماعة فكأنما صلى المسافة التي بينهما، ويكتب له قيام ليلة، وهذا يدلنا على فضل صلاة الجماعة، بل على فضل هاتين الصلاتين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، وأن من صلاهما في جماعة كان له قيام ليلة، ومن صلى واحدة منهما جماعة كان له كقيام نصف قيام ليلة.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إسحاق بن يوسف ].
إسحاق بن يوسف الأزرق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
سفيان الثوري مر ذكره.
[ عن أبي سهل يعني: عثمان بن حكيم ].
أبو سهل عثمان بن حكيم ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة ].
عبد الرحمن بن أبي عمرة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم : ليست له صحبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عثمان بن عفان ].
عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة فرضي الله تعالى عنه.
الجواب: لا، ليس في محله، بل إذا كان ظل كل شيء مثله وهو متأكد من هذا فهذا الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت العصر.
جاء الخلافة إو كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على قدر؟
الجواب: أظن أنه ليس فيه تشبيه، فموسى جاء إلى الله عز وجل على قدر، وكل شيء بقضاء وقدر، فليس هناك أي تشبيه في هذا.
الجواب: إذا وجد منها الإنزال فعليها قضاء ذلك اليوم، وليس عليها كفارة، وأما إذا كان الذي خرج ليس بإنزال فلا يؤثر، أي: إذا كان الذي خرج لم يخرج بشهوة وبلذة فإن هذا لا يعتبر إنزالاً، وهذا شيء لا يترتب عليه غسل، وإنما هو شيء نجس يغسل ويتوضأ منه، وأما الذي يوجب الغسل فهو خروج الشيء لشهوة، والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر