حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن ثوبان رضي الله عنه قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: يا
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في المسافر يضحي]، أي أن المسافر له أن يضحي كما أن المقيم له أن يضحي، وليست الأضحية مقصورة على المقيم، فالمسافر له أن يضحي في بلده بأن يوصي أهله بأن يذبحوا أضحية في يوم العيد أو أيام التشريق، ويضحي في الطريق حيث أدركه العيد، ولا مانع من ذلك.
فالحاصل أنه إذا حضر العيد فللإنسان أن يضحي سواء كان في بلده أو في غير بلده، وسواء كان مقيماً أو منتقلاً مسافراً، وإنما نص على المسافر؛ لأنه قد يظن أن الإنسان إذا كان مقيماً يضحي وإذا كان مسافراً لا يضحي، فبين أن السنة أن الإنسان يضحي سواء كان مقيماً أو مسافراً.
وقد أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: [ (ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: يا
أي: أنه حصل منه أنه ضحى وكان ذلك في سفر وليس في إقامة.
قوله: [ (يا
قوله: [ (فما زلت أطعمه حتى قدمنا المدينة)]، هذا هو الذي يبين أنه كان مسافراً، وأنه كان يطعمه في الطريق حتى وصل المدينة؛ لأنه كان يصلح الطعام ويقدم الطعام، وكان يطعمه من هذا اللحم الذي هو لحم الشاة حتى قدم المدينة.
فهذا يدل على أن المسافر له أن يضحي، وعلى أن الإنسان له أن يأكل من اللحم ويدخر؛ لأن هذا الذي أكله حتى قدم المدينة مدخر.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ عن حماد بن خالد الخياط ].
وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن معاوية بن صالح ].
معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الزاهرية ].
وهو حدير بن كريب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن جبير بن نفير ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ثوبان ].
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
والذي ينبغي لمن كان في مكة حيث تكثر اللحوم أن يتولى المرء ذلك بنفسه، ويوصل اللحم إلى من يستحقه، أو يعطيه للجهة التي تقوم بذلك، وأما أن يتساهل ويتهاون في إيصال اللحم إلى من يستحقه، فالأولى له أن تكون الأضحية في بلده؛ لأن بلده تكون الحاجة فيه إلى اللحم حاصلة، بخلاف مكة فإن اللحوم تكون كثيرة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: (خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا -قال غير
أورد أبو داود [ باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة] الصبر معناه أنها تحبس للذبح، إما أن تحبس وتجاع حتى تموت، أو أنها تمسك وتتخذ غرضاً يعني هدفاً بحيث يتراماها الناس؛ لأن هذا فيه تعذيب للحيوان وإيذاء له وهو لا يجوز، بل المطلوب أن يحصل الرفق والإحسان في الذبح بحيث تكون الآلة التي يذبح بها حادة، ولهذا بين أنه يحد الشفرة ويريح الذبيحة ولا يعذبها ويعرضها للعذاب.
أورد أبو داود حديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه في ذلك.
قوله: [ (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)]، الإحسان مطلوب في كل شيء، فمن قتل فليحسن القتل، ومن ذبح فليحسن الذبح، بمعنى أنه لا يعذب المقتول ولا يعذب الذبيحة، فالمقتول يراح في القتل، ولا يمثل به، ولا يعذب إلا إذا كان مستحقاً لذلك، كأن يكون الذي يقتل قتل بالتمثيل فإنه يمثل به، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، حيث سملهم وقطع أيديهم وأمر بإلقائهم في الرمضاء يستسقون فلا يسقون؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي، والقتل قصاصاً يمكن أن يكون مثل الهيئة التي حصل بها القتل.
واليهودي الذي رض رأس امرأة بين حجرين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برأسه أن يرض بين حجرين، والمعنى أن يقتل كما قتل، وكذلك جاء ما يدل على جواز القتلة الشديدة في مثل الزاني المحصن فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت؛ لأن هذا جاءت الشريعة به.
فيحسن القتل لمن يكون مستحقاً لذلك، أما من يكون مستحقاً لأن توقع به عقوبة شديدة جاءت الشريعة بتحديدها كالرجم في حق المحصن فإنه يفعل به ذلك، وهذا هو الحكم الذي شرعه الله عز وجل، ولا يأخذ الناس رأفة بالذي حصل منه ذلك الذنب الذي يستحق به هذه العقوبة، بل يطبق في حقه ما شرعه الله عز وجل.
وقوله: [ (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) ]، هذا عام واسع، لكنه ذكر أمثلة لذلك فقال: [ (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)] بمعنى أنه يراح الذي يقتل بحيث لا يعذب ولا يؤذى وهو حي، وكذلك لا يمثل به بعد الموت إلا من يستحق التمثيل كما عرفنا.
قوله: [ (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)]، ثم بين مما فيه إحسان الذبحة بأن يحد الإنسان الشفرة، وهي السكين التي يذبح بها، وذلك بأن يحدها بحديد، أو بحجر، أو بآلة تجعلها حادة، وتجعل الذبح بها مريحاً للذبيحة، ولا يذبحها بآلة كالة ثم يعذبها وهو يذبحها.
وأيضاً لا يذبحها أمام أختها؛ لأن هذا تعذيب.
وهذا الحديث من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا أورد النووي رحمه الله هذا الحديث ضمن الأربعين النووية؛ لأن أحاديث الأربعين النووية هي في الغالب من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد زاد ابن رجب الحنبلي رحمه الله عليها ثمانية أحاديث وكانت اثنين وأربعين، وإنما أطلق عليها أنها الأربعون تغليباً بحذف الكسر، وابن رجب زاد ثمانية أحاديث فصارت خمسين حديثاً، وشرحها بشرح نفيس سماه "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم"، وهو كتاب آثار كما هو شأن الحافظ ابن رجب رحمة الله عليه، فإن شروحه أو أجزاءه الحديثية هي مظنة الآثار عن السلف؛ لأنه ينقل نقولاً كثيرة عن السلف في الآثار المتعلقة بموضوع الحديث الذي يشرحه.
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد الحذاء ].
خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، لُقب بـالحذاء ولم يكن يصنع الأحذية ولا يبيع الأحذية؛ لأن المتبادر إلى الذهن أن من يصنع الأحذية أو يبيعها يقال له (حذاء) مثلما يقال: السمان والزيات للذي يبيع السمن والزيت، وأمثال ذلك.
فالحذاء المتبادر إلى الذهن أنه يصنع الأحذية أو يبيعها وهو ليس كذلك، وإنما كان يجلس عند الحذائين، فنسب هذه النسبة، وقيل: إنه كان يقول للحذاء وهو عنده: احذ على كذا، أي كان يعمل له رسماً ويقول له: احذ على كذا، أي اقطع أو قص الجلد على حذو هذا المقياس أو هذا النموذج، فقيل له: الحذاء، والعلماء يقولون عنها: هذه نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
وهناك ألقاب لبعض المحدثين على غير ما يتبادر إلى الذهن مثل شخص يقال له: الضال وإنما قيل له الضال ؛ لأنه ضل في طريق مكة، وقد يتبادر إلى الذهن أنه من الضلال وأنه وصف مذموم.
وكذلك الفقير يتبادر إلى الذهن أنه من الفقر، وإنما لقب بذلك؛ لأنه كان يشكو فقار ظهره فقيل له: الفقير، نسبة إلى فقار الظهر وليس إلى الفقر، فهذا من قبيل النسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
وخالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي قلابة ].
أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الأشعث ].
وهو شراحيل بن آدة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن شداد بن أوس ].
شداد بن أوس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال غير مسلم يقول: (فأحسنوا القتلة) ].
أي أن مسلماً شيخ أبي داود لم يذكر لفظة [القتلة] وإنما ذكرها غيره.
أي: أوجب أو ألزم، هذا هو معنى الكتابة.
والمقصود بها الكتابة الشرعية وليست الكتابة القدرية؛ لأن الكتابة تأتي بمعنى القدر وبمعنى الشرع، فهناك كتابة شرعية مثل الإرادة الشرعية، وكتابة قدرية مثل الإرادة القدرية، وهنا المقصود بها الكتابة الشرعية مثل قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180]، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، فالمعنى: أوجب.
والألفاظ التي تأتي لمعنى شرعي ولمعنى كوني كثيرة، منها: كتب، ومنها: أذن، ومنها: أمر، ومنها: قضى، ومنها: أراد، وهي ألفاظ عديدة عقد لها ابن القيم باباً في كتابه: شفاء العليل فيما جاء في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، والكتاب مؤلف من ثلاثين باباً كلها تتعلق بالقدر، وكان من جملة الأبواب باب في الألفاظ التي تأتي لمعنى كوني وتأتي لمعنى شرعي، وكان يمثل لكل نوع فيما يتعلق بالقدر وفيما يتعلق بالشرع.
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أنه رأى غلماناً قد نصبوا دجاجة يرمونها، ومعناه أنهم ربطوها وهي حية، وجعلوها هدفاً، كل يرميها حتى يصيب، وهذا لا يجوز لما فيه من تعذيب وإيذاء للحيوان.
قوله: [ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم)، أي أن تحبس للموت، والمقصود بالصبر ما يشمل حبسها حتى تموت، ومثل هذه الهيئة التي ربطت فيها واتخذت غرضاً.
هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ، مر ذكره.
[ عن هشام بن زيد ].
هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
والحديث من الرباعيات عند أبي داود ؛ لأن فيه أربعة بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال في الحاشية: فيه حديث مرفوع عن جابر عند أبي داود وغيره مخرج في الإرواء (1138)، وآخر عند البيهقي (9/285)، وروي عن ابن عمر أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح، وروى عبد الرزاق (8585) بإسناد صحيح عنه أنه كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
الجواب: لعلهم جاءوا من طريق وادي فاطمة حتى دخلوا المدينة دون أن يدخلوا مكة، وعلى كل حال حتى لو جاءوا من قرن المنازل ودخلوا مكة ولم يكن في نيتهم أن يدخلوا معتمرين وإنما يدخلون مارين إلى المدينة ثم يحرموا من المدينة، فلا بأس بذلك، فلهم أن يجلسوا في المدينة ويحرموا منها ما دام أنهم تجاوزوا قرن المنازل ولم يحرموا، إنما المحذور لو أحرموا بعد تجاوز قرن المنازل، أما إذا تجاوزوه غير محرمين ودخلوا مكة على سبيل المرور متجهين إلى المدينة، ثم يحرمون من المدنية فلا بأس بذلك، ولا مانع منه.
الجواب: من أحرم يجب عليه أن يبقى على إحرامه، ولو جاء المدينة ولو ذهب إلى أي جهة، فما دام أنه دخل في النسك يجب عليه البقاء على الإحرام حتى يكمل النسك الذي دخل فيه، وليس له أن يترك إحرامه؛ لأنه سيذهب إلى المدينة وعليه إحرامه، ويستمر على إحرامه حتى يدخل مكة، ويطوف ويسعى ويقصر إذا كان إحرامه بالعمرة.
ومن أحرم من قرن المنازل ثم أحل من إحرامه حتى يحرم من ذي الحليفة بعد العودة من المدينة إلى مكة، يجب عليه أن يرجع إلى إحرامه، وذلك بأن يخلع ثيابه ويرجع إلى إحرامه ويستمر عليه، لأنه من حين دخل في الإحرام تعين عليه البقاء فيه والاستمرار حتى ينهي النسك الذي دخل فيه، فإن كان محرماً بعمرة فإنه يبقى حتى يطوف ويسعى ويقصر، وإن كان محرماً بالحج فالأفضل في حقه أن يحول إحرامه إلى عمرة، وأن يكون متمتعاً بدلاً من أن يكون مفرداً أو قارناً، فإذا وصل إلى مكة وطاف وسعى وقصر تحلل من عمرته.
فالحاصل أن من أحرم من الميقات ولم يدخل مكة وجاء للمدينة، فإنه يتعين عليه البقاء في إحرامه حتى يرجع إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ومن أخطأ وخلع إحرامه ولبس ثيابه، فإنه يتعين عليه أن يرجع إلى إحرامه؛ لأنه لا يزال محرماً.
وإذا كان مع هذا الذي أحل من إحرامه زوجة وجامعها فالأمر في ذلك خطير وليس بالهين، فإذا كان محرماً بعمرة أكمل هذه العمرة الفاسدة وأتى بعمرة ثانية وذبح شاة.
الجواب: فيه خلاف، قيل: إنه هو الله، وقيل: إنه الحي القيوم.
الجواب: الأصل أن تصدر التسمية من الشخص، ولا تكون مجرد تسجيل، فهذا مثل الأذان بالتسجيل، وعلى كل فإنه يؤكل منها.
الجواب: لا أدري هل النهي يقتضي حرمتها أو يقتضي التأثيم فقط.
الجواب: كونه يذبح ذبيحة يفاخر بها جيرانه لا ينبغي، وعليه أن يخلص قصده لله عز وجل ولا يكون عنده رياء ولا يريد بذلك إلا وجه الله سبحانه وتعالى، ولا يريد أي مفاخرة في شاة يذبحها.
أما إذا ذبحها ليفرحهم بأكل اللحم فلا بأس، وقد ذبح أبو بردة بن نيار أضحيته بقصد يشبه هذا.
الجواب: يجوز أكل الذبائح التي تقدم في مناسبات بدعية، ومن كانت بدعته مكفرة لا تؤكل ذبيحته.
الجواب: لا يكفي، ولابد من نطق الإنسان، وإلا لكتب الناس على هذه الآلات وتركوا التسمية!
الجواب: (ما أبين من حي فهو ميت).
الجواب: بالنسبة للصيد لا يحتاج فيه إلى كون الدم كثيراً أو قليلاً، المهم أن يصيده بمحدد وأن يخرج منه الدم، بل الكلب أو الصقر إذا حصل منه أنه جرحه بمخالبه وخرج منه الدم ولو كان يسيراً كفى، أما لو أمسكه وبرك عليه أو ضربه ضرباً بثقله ومات، فإنه يكون ميتة.
الجواب: إذا ذبح الإنسان من أجل بناء بيت جديد، وهو ما يسمونه الوكيرة لا بأس به، فهو لم يذبحه على أنه أضحية، أو على أنه صدقة، وإنما ذبحه بهذه المناسبة، ولا يقال: إنه ليس لله، لأن كل شيء لله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ [الأنعام:162]، لكن الذي دفعه إلى ذلك كونه بنى بيتاً وأراد أن يطعم الناس أو يدل الناس على بيته.
حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في ذبائح أهل الكتاب ] يعني حكمها وأنها حلال للمسلمين.
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، فكتاب اليهود التوراة، وكتاب النصارى الإنجيل، والتوراة أنزلت على موسى، والإنجيل أنزل على عيسى عليهم الصلاة والسلام، فهما كتابان من عند الله، وقد حصل التحريف والتبديل لهما بعد ذلك، وجاء في القرآن أنهم حرفوا وبدلوا وغيروا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.
فهؤلاء هم أهل الكتاب؛ وأهل الكتاب ذبائحهم حلال لنا كما أن نساءهم حلال لنا، فالمسلمون يأكلون ذبائحهم ويتزوجون نساءهم، ولا يجوز أن يتزوج أهل الكتاب من المسلمين.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس في قول الله عز وجل: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، قال: ثم نسخ ونزل وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، والطعام هو الذبائح، كما جاء ذلك مفسراً عن ابن عباس وغيره، وليس المقصود به غير الذبائح مثل البر وغير ذلك من الأطعمة؛ لأن هذه يمكن أن تأتي من أهل الكتاب وغير أهل الكتاب.
فالطعام الذي أحل لنا من أهل الكتاب هو ذبائحهم، بخلاف الوثنيين وعباد الأوثان والمشركين فلا يجوز أكل ذبائحهم، وكذلك لا تحل نساء المشركين من غير أهل الكتاب.
واليهود والنصارى كفار مشركون، ولكن كونهم ينتمون إلى كتاب ويتبعون رسولاً جعل لهم ميزة على غيرهم، وإن كان اتباعهم لرسولهم بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفعهم شيئاً ولا يغنيهم شيئاً؛ لأن الواجب هو اتباع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بالذي جئت به، إلا كان من أصحاب النار). والحديث رواه مسلم في صحيحه.
فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان: أمة دعوة وأمة إجابة، فأمة الدعوة كل أنسي وجني من حين بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وأما أمة الإجابة فهم الذين دخلوا في الدين وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي استجابوا لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فاليهود والنصارى من أمة الدعوة وليسوا من أمة الإجابة إلا إذا دخلوا في الدين الحنيف وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، واستجابوا لشرع الله، وقاموا بالتعبد طبقاً لما جاء في شريعة الله عز وجل، ولهذا فإن الرسول الذي ينتمي إليه اليهود لو كان حياً ما وسعه إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)، والنبي الذي يزعم النصارى أنهم أتباعه هو في السماء، ولكنه ينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام.
وقول ابن عباس رضي الله عنه: [ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، ونسخ ذلك ] أي: فأحل أكل الذبائح وإن لم يعلم أنهم ذكروا اسم الله عليها، أي: فلا نقول: إننا لا نأكل إلا إذا عرفنا أنهم ذكروا اسم الله، أما إن عرفنا أنهم ذكروا اسم غير الله على الذبيحة فلا يجوز الأكل منها، فإذا لم نعلم فإن الأصل أنها حل لنا، ولا يتوقف أكلنا من ذبائحهم على معرفة هل ذكروا الله أم لا، بل نأكل ونسمي، ولا يلزمنا أن نبحث هل ذكروا الله أو لا.
أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج له أبو داود .
[ عن علي بن حسين ].
علي بن حسين بن واقد ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن يزيد النحوي ].
يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود أثراً عن ابن عباس في قوله: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ [الأنعام:121]، أراد بذلك تفسير هذه الآية، وأن الشياطين من الإنس والجن توحي إلى أوليائهم من الإنس، ومما قالوه من الإيحاء: إن ما ذبحه الله عز وجل هو الميتة فلا تأكلوها، وما ذبحتموه أنتم فكلوه!
فيطلقون على الميتة أنها ذبيحة الله، فهذا من وحي الشياطين إلى إخوانهم من شياطين الإنس.
قوله: [ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام:121] ] معناه أنهم يقولون: قولوا لهم: إنكم تأكلون ما تذبحونه ولا تأكلون ما ذبحه الله.
قوله: [ فأنزل الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] ]، يعني إن الميتة هي ما لم يذكر اسم الله عليه، وهذا غير التي لم تذبح فصارت بذلك نجسة لا يجوز الأكل منها إلا للضرورة التي يدفع بها الموت، ويؤكل بقدر الضرورة ولا يزاد على ما فيه إنقاذ النفس.
فالميتة لم يذكر اسم الله عليها، وأيضاً هي نجسة وفيها ضرر، فاجتمع فيها عدة محاذير.
والحاصل أن هذا فيه تفسير لإيحاء الشياطين إلى إخوانهم.
محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسرائيل ].
وهو ابن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سماك ].
سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وقد مر ذكرهما.
وهذا من رواية سماك عن عكرمة وروايته عنه مضطربة لكن له شواهد.
أورد المصنف هذا الأثر وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر اليهود، وقد قدمنا أن السورة مكية، وأن الآية نزلت بمكة فهي تتعلق بالمشركين كما جاء في الأثر السابق، فذكر اليهود هنا منكر ليس بصحيح، وإن كان معنى الحديث دون ذكر اليهود متفقاً مع الروايات الأخرى، فيكون الغلط إنما هو في ذكر اليهود، وأما الباقي فلا غلط فيه؛ لأنه متفق مع النصوص الأخرى ومتفق مع ظاهر القرآن، وهو أن الكلام عن المشركين؛ لأن السورة مكية والخطاب للمسلمين، والخصومة إنما كانت بين المسلمين والكفار من المشركين، وأما اليهود فإنما كان الاتصال بهم بعد الهجرة، ونزول سورة الأنعام إنما كان بمكة.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي، وقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ عن عمران بن عيينة ].
وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، والذين سمعوا منه قبل الاختلاط ليس فيهم عمران بن عيينة ، فيكون الحديث غير صحيح من ناحية ما جاء فيه من ذكر اليهود على سبيل الخصوص، وأما ما يتعلق بموضوعه فهو متفق مع النصوص الأخرى الدالة على إيحاء الشياطين من الجن والإنس إلى إخوانهم شياطين الإنس بحيث يحاجون المسلمين ويقولون: كيف يحل لكم ما قتلتموه، ولا يحل لكم ما قتله الله، أي الميتة؟
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
الجواب: الجهة التي رأيتموها تقتل البهائم بهذه الطريقة، وهي أنهم يضربونها أو يصعقونها ولا يذبحونها فإن ذبائحها تكون ميتة، لكن إذا كانوا يصعقونها بمعنى أنها تخدر حتى يذهب الهيجان والقوة التي فيها ولكنها تبقى على قيد الحياة ثم تذبح، فلا بأس بذلك، أما إذا كان صعقها أو ضربها يحصل به موتها، فإنها تكون ميتة ولا يحل أكلها حتى لو حصلت من مسلم فضلاً عن يهودي ونصراني، فالجهة التي عرفتم منها هذا العمل لا يجوز أن يؤكل منها.
الجواب: إذا كانوا يصعقونها ولا يذبحونها فهي ميتة، لكن ما كل جهة تفعل ذلك، فالجهة التي تفعل هذا لا يجوز أكل ذبائحها، وأما إذا جهل ذلك ولم تعرف كيفية ذبحها، فإنه يحل، لأن الأصل هو الحل حتى يأتي شيء يدل على خلاف الحل، بأن يعلم بأنهم ذبحوا بهذه الطريقة.
وقد يقال: هذا من المشتبهات التي يتورع عنها الإنسان؟
ونقول: مر بنا في الحديث: (ما كرهته فدعه ولا تحرمه على غيرك)، فالأصل هو الحل، وما علم ذبحه بالطريقة الشرعية مقدم على ما جهلت طريقة ذبحه.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن أبي ريحانة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن معاقرة الأعراب).
قال أبو داود : اسم أبي ريحانة : عبد الله بن مطر وغندر أوقفه على ابن عباس ].
أورد أبو داود [ باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب ] والمعاقرة مفاعلة من العقر وهو الذبح والنحر، والمقصود بالمعاقرة المغالبة في العقر، أي أنهم يتبارون ويتغالبون كل واحد يريد أن يكون متفوقاً على غيره بكثرة الذبح.
فالمقصود بالمعاقرة المغالبة والمسابقة والمنافسة في كثرة الذبح، وكان هذا ينبني على عصبية وعلى مغالبة، وكل واحد يريد أن يكون هو الذي فاق غيره في العقر، أي في كثرة الذبائح، هذا هو المقصود من هذه الترجمة.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: [ (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب) ] يعني عن الذبائح التي جاءت بهذه الطريقة، لأنها ذبحت لغير الله أو كأنها مما أهل به لغير الله؛ لأنه ما كان المقصود منها إلا المغالبة والمنافسة، والتفوق على الغير، وهذا هو المقصود من الحديث وهو المقصود من الترجمة.
قوله: [ وغندر أوقفه على ابن عباس ].
غندر هو محمد بن جعفر ، وهو لم يذكر في الإسناد، ولكنه أشار إلى أنه في طريق أخرى أوقفه على ابن عباس ، وهذا الإسناد الذي أورده أبو داود هنا مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن حماد بن مسعدة ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عوف ].
عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي ريحانة ].
وهو عبد الله بن مطر ، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن أبيه عن جده رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! إنا نلقى العدو غداً وليس معنا مدى، أفنذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرن أو أعجل، ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. وتقدم به سرعان من الناس فتعجلوا فأصابوا من الغنائم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الناس، فنصبوا قدوراً، فمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقدور فأمر بها فأكفئت، وقسم بينهم فعدل بعيراً بعشر شياة، وند بعير من إبل القوم، ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا فافعلوا به مثل هذا
أورد أبو داود باباً في الذبيحة في المروة يعني أن الذبيحة تذبح بالمروة، والمروة هي حجارة بيضاء ملساء يكون لها حد فيذبح بها، فالمقصود بالمروة: الحجارة الملساء التي تكسر فيكون لها حد، أو تكون من أصلها فيها حد بحيث إنها تمر على حلق الذبيحة فتقطعها.
وأورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: [ (إنا نلقى العدو غداً وليس معنا مدى) ] أي ليس معنا سكاكين، فالمدى جمع مدية وهي السكين، أي: ليس معنا مدى نذبح بها، فإذا غنمنا شيئاً وأردنا أن نذبحه هل نذبحه بالمروة وشقة العصا؟ يعني العصا التي شقت فصار لها حد.
وقوله: [ (هل نذبح بالمروة) ] هو محل الشاهد للترجمة.
والحجارة الملساء قيل: إنها هي التي تقدح بها النار، فهذا النوع من الحجارة إذا ضرب واحد منها بالثاني حصل قدح نار فيجعلون خرقة أو نحوها عند القدح فيشعلون النار بسبب ذلك.
ولما قال: [ (فهل نذبح بالمروة وشقة العصا؟) ] أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فقال: [ (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ]، أي كل شيء يريق الدم، سواء كان حجراً أو كان عصا أو خشباً حاداً، وليس الأمر مقصوراً على الحديد.
واستثنى من ذلك السن والظفر، وعلل ذلك بأن السن عظم؛ فدل على أن العظام لا يذبح بها، ولعل السبب في ذلك كما قال أهل العلم: إنها طعام الجن؛ وقد جاء أنه لا يستنجى بعظم ولا بروث؛ لأن العظام طعام الجن؛ لأن الله يجعل عليها لحماً فيأكلون منها، والروث علف لدوابهم، فلا يذبح بها؛ لأنها إذا ذبحت لوثت بالدم وهي طعام الجن، فلعل هذا هو السبب الذي من أجله منع الذبح بالعظم.
وكذلك الظفر قال: [ (إنه مدى الحبشة) ] وفي ذلك تشبه بالكفار؛ لأنهم يطيلون الأظفار، ويتخذونها للذبح، وذلك لا يجوز.
وقوله: [ (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل؛ ليس السن والظفر) ]، ذكرنا أنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال بيانه وفصاحته وبلاغته عليه الصلاة والسلام، وهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإنه سئل عن شيء محدد معين فأجاب بما يشمله ويشمل غيره بهذا اللفظ العام.
أي: تقدم سرعان من الناس فأصابوا غنائم وبادروا إلى ذبحها وطبخها، وهذا لا يحل لهم؛ لأن الغنائم تمسك ويحتفظ بها حتى تقسم ويعرف كل نصيبه، فهؤلاء أقدموا على شيء لا يجوز لهم الإقدام عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكفأ القدور ومنعهم من استعمالها عقوبة لهم.
قوله: [ (وقسم بينهم، فعدل بعيراً بعشر شياه) ].
أي: وقسم بينهم الغنائم، وكانت إبلاً وغنماً، فكان يجعل العشر الشياه تعادل بعيراً، ولعل ذلك لكون الشياه فيها نقص أو فيها ضعف، والإبل كانت قوية وكانت سمينة، ومعلوم أن هذه حقوق وقسمة وليست من قبيل الضحايا، ففي الضحايا تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، ولا ينظر لكون الغنم سمينة والبقر ليست كذلك أو العكس، وإنما هذا يجزئ عن كذا وهذا يجزئ عن كذا بصرف النظر عن مقارنة هذا بهذا، لكن قسمة الحقوق لابد فيها من العدل، فكان البعير الواحد يعدل عشراً من الغنم.
ند بعير: شرد وهرب، ولم يكن معهم خيل: أي خيل قوية يلحق بها البعير بحيث يمسك.
قوله: (إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الصيد فما فعل منها هكذا فافعلوا به هكذا) يعني: إذا هرب ولم تتمكنوا من إمساكه وذبحه ذبحاً شرعياً فعاملوه معاملة الصيد، والصيد كما هو معلوم إذا رمي وأصابه السهم حتى خرج منه الدم فإن ذبحه وتذكيته تكون بذلك، فلو أنه وقع وأدرك وفيه حياة قطعت رقبته، وإن مات قبل أن يوصل إليه فإنه يكون حلالاً؛ وهذا يفعل به هكذا حيث لا يقدر عليه، أما إذا قدر عليه فإنه يذبح بأن ينحر في لبته أو يذبح إذا كان مما يذبح، والذبح يكون في الحلق بين الرقبة والرأس، والنحر يكون في اللبة التي في أسفل الرقبة عند ملتقى اليدين للبعير.
قوله: في أوله: [ (أرن أو أعجل) ]
معناه أنه يسرع في الذبح ويكون فيه خفة، فأرن معناه: من الخفة، وأعجل: أسرع بذبحه حتى يحصل إراقة دمه وخروج روحه بسهولة من غير تعذيب.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبي الأحوص ].
أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن مسروق ].
وهو والد سفيان الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عباية بن رفاعة ].
عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
رفاعة بن رافع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن رافع بن خديج ] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث محمد بن صفوان رضي الله تعالى عنه أنه اصطاد أرنبين قال: [ (أصدت أرنبين) ]، أي: اصطدت أرنبين.
قوله: [ (فذبحتهما بمروة) ] أي: بحجر أملس له حد يقطع، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: [ (كلهما) ] فدل ذلك على أن الذبح بالحجارة التي لها حد أو بغير ذلك مما لم يكن عظماً ولا ظفراً سائغ ولا بأس به.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن عبد الواحد بن زياد ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحماد ].
حماد بن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وإذا جاء مسدد يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، وهذا بخلاف حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل الذي يمر بنا كثيراً، فالمراد به حماد بن سلمة ؛ لأن التمييز بين المهملات يكون بالتلاميذ، فـمسدد يروي عن حماد بن زيد وموسى بن إسماعيل يروي عن حماد بن سلمة ، فلهذا يأتي إهمال النسبة اعتماداً على أنه هو الذي عرف أنه من شيوخه.
[ حدثاهم المعنى واحد ].
يعني أن رواية حماد وعبد الواحد معناهما واحد.
وقوله: [ حدثاهم ] .
يعني: هم ومعهم غيرهم.
[ عن عاصم ].
عاصم بن سليمان الأحول ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الشعبي ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد ].
مختلف فيه هل هو محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد ، والأشهر أنه محمد بن صفوان ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
أورد أبو داود حديث رجل من بني حارثة رضي الله عنه أنه كان يرعى لقحة، وهي حديثة العهد بالولادة، فجاءها الموت وليس معه سكين، فأخذ وتداً أي من الخشب يكون طرفه محدداً، فوجأ به في لبتها حتى أهرق دمها ونحرها بذلك الوتد من الخشب، وجاء وسأل النبي عليه الصلاة والسلام فأمره بأكلها، وهذا مثل محمد بن صفوان الذي مر أنه جاء وقد ذبح الأرنبين بمروة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما، فدل على أن الذبح بكل شيء محدد يحصل به الذبح صحيح ما لم يكن سناً أو ظفراً، كما جاء ذلك مبيناً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أورده أبو داود رحمه الله في أول هذا الباب.
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يعقوب ].
يعقوب بن عبد الرحمن القاري الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن زيد بن أسلم ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل من بني حارثة ].
هو صحابي، والمجهول في الصحابة في حكم المعلوم؛ لأن الجهالة فيهم لا تؤثر، وإنما تؤثر فيمن سواهم ومن دونهم من التابعين ومن دون التابعين، وأما الصحابة فإنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم.
أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: [ (إن أحدنا يكون معه الصيد وليس معه سكين، أيذبحه بالمروة وشقة العصا) ] المروة هي الحجر التي لها حد، وشقة العصا يعني بها التي يكون لها حد، وقد سبق في الحديثين السابقين: حديث محمد بن صفوان الذبح بالمروة، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وأجابه بأن يأكلها، وفي الثاني ذكر الوتد وهو من الخشب، وأن رجلاً من بني حارثة نحر اللقحة به واستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يأكلها، وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه أن الواحد يكون في الصيد فلا يكون معه سكين، أينحر بالمروة وشقة العصا؟ فقال: (أمر الدم بما شئت).
قوله: [ (أمر الدم) ] يعني: أسل الدم، ولكن هذا الإطلاق مقيد بما تقدم من الحديث، وهو أنه لا يكون في ذلك عظم ولا يكون في ذلك ظفر، فيكون هذا الإطلاق مقيداً بما مضى من أن الذبح بالعظم لا يسوغ وكذلك الذبح بالظفر.
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سماك بن حرب ].
وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن مري بن قطري ].
وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عدي بن حاتم ].
عدي بن حاتم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر