وفي هذا الدرس تحدث الشيخ عن كيفية تربية الطفل المسلم التربية الإسلامية الصحيحة.
أمَّا بَعْد.. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،،
عنوان هذا الدرس: كيف نربي أطفالنا
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46] الأولاد زينة للحياة، جعلهم الله عز وجل قرة عين للآباء وللأمهات إذا أصلحهم الله، ولذلك وصف الله الصالحين بقوله في دعائهم أنهم يقولون: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] وقال كثير من الصالحين: لا تحلو الحياة إلا بالولد؛ ولذلك جعل صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة التي تلحق الرجل الصالح (ولد صالح يدعو له) -كما في صحيح مسلم - والعقيم في حياته شيء ليس من قبل الله عز وجل؛ فإن الله قد يعوضه خيراً من هذا الولد؛ لكن في سلوته وراحته وفي عزائه وفي حياته، ولذلك كان زكريا يقول: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89] أي: لا تتركني وحيداً بلا ولد وبلا أبناء، ولذلك أرسل الله الملائكة يبشرونه فنادته الملائكة وهو قائم في المحراب يصلي أن الله يبشرك بيحيى، فجعل الله الولد بشارة، وهي من أعظم البشارات لمن أحسن تربية الأولاد، ولكن كيف نربي الأطفال؟ وكيف نحسن تربيتهم؟ وكيف نرضعهم الإيمان والعقيدة الصحيحة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام؟
وكلمتي هذه الليلة للآباء وللأمهات، وإن كان من نصيب أوفر فهو للأم، فأقول لها: يا أمنا! يا رائدة الأجيال! يا صانعة الأبطال! يا مدرسة الجيل.. أرضعي أبنائك عقيدة التوحيد مع اللبن فإن الله سوف يسألك عن أبنائك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولذلك وصف الشعراء الأبناء بأنهم الأكباد التي تمشي على الأرض؛ كما ذكر ذلك ابن الرومي وغيره، هم أكبادنا التي تمشي على الأرض، وهم شجا قلوبنا، وقرة أرواحنا، دخل عمرو بن العاص الداهية أرطبون العرب على معاوية بن أبي سفيان الخليفة وهو في دار الملك، وعند معاوية فتاة صغيرة نجيبة في الأربع أو في الخمس سنوات. قال عمرو بن العاص: [[يا أمير المؤمنين.. ما لك تقرب هذه الفتاة، والله إنهم ليقربون البعيد ويبعدون القريب ويوصمون العار! فغضب
وعند النسائي والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام: {خرج يصلي بالناس صلاة العصر أو الظهر فلما سجد أطال السجود -بأبي هو وأمي- فلما سلم بالناس قالوا: يا رسول الله! أطلت سجدة. قال: إن ابني هذا (قيل:
يقول أحد الناظمين في الشباب والأطفال:
يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة في الشباب |
وهذا البيت لـأبي العتاهية، يقول: روائح الجنة في الأطفال، وأنت إذا قبلتهم كأنك تقبل شيئاً خرج من الجنة، فهم بريئون، طاهرون، مزكون، لا حقد ولا حسد ولا ضغينة {كل مولود يولد على الفطرة} ولد مسلماً، لا علمانياً، ولا يهودياً، ولا شيوعياً، ولا نصرانياً، وإنما حنيفاً مسلماً، حتى يدخل أبوه وأمه عليه الكفر: اليهودية أو النصرانية أو العلمانية.
يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة في الشباب |
يا ليتني ما زلت في الطفولة بنفسي الطاهرة المقبولة |
لم أحمل الحقد ولم أدر الحسد ولم أنافس في الدنيات أحد |
يحب كل المسلمين قلبي وليس في قلبي سواك ربي |
هذا منطق أهل الطفل يوم ينشأ عابداً مخلصاً لله، ولذلك كان الأطفال قرة عين الصالحين، قال الله عز وجل: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن تربيتهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
هنا مسائل:يوم يلد الطفل أمر عليه الصلاة والسلام {أن يؤذن في أذنه اليمنى، وفي لفظ -لكنه ضعيف- وأن يقام في اليسرى} ولـابن القيم كلام جميل في تحفة المودود يقول: أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤذن، ليكون أول ما يطرق قلب الطفل التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فينشأ على حب الله وعلى حب رسول الله، وتغرس في قلبه شجرة الإيمان، ويطرد منه الشيطان؛ لأن الشيطان يفر من الأذان، إذا أذن المؤذن فر الشيطان فهو لا يقبل الأذان ولا يقبل ذكر الله، فالوصية كما ثبت عند أبي داود والترمذي: أن يؤذن في أذنه اليمنى، كما في حديث أبي رافع وابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم {لما ولد لابنته
هذه معالم التوحيد، بيوتنا تبدأ بلا إله إلا الله وتنتهي بلا إله إلا الله، أول ما يقع رأس الطفل في الأرض ينبغي أن يعلم بأنه لا إله إلا الله، ويؤذن في أذنه، ويوم تقبض روحه عليه أن يختم حياته بلا إله إلا الله.
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة}.
أبو زرعة أحد المحدثين الكبار: رؤي في المنام بعد أن توفي: قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: رفعني ربي في عليّين، قالوا: بماذا؟ قال: كتبت بيدي ألف ألف مرة صلى الله عليه وسلم.
لما حضرت أبا زرعة الوفاة، أتى المحدثون وتلاميذه حوله ليذكرونه بحديث لا إله إلا الله عله أن يقولها، قال: فأتوا يتذكرون أول السند فيقولون: عله ينتبه؛ لأنه أصيب بإغماء فكانوا يقولون: حدثنا فلان فأخطئوا في الاسم فاستيقظ -بإذن الله- من غفلته وقال: حدثنا فلان عن فلان قال: حدثنا فلان عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة} ثم توفي.. فهذه هي الكلمة التي ينتهي بها الإنسان من الحياة.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدق الأسماء همام وحارث} هذه من الأسماء التي يطلب من المسلم أن يسمي بها وأحبها عبد الله وعبد الرحمن. أما حديث {أفضل الأسماء ما عبد وحمد} فلا يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، حديث ساقط السند، ولا يصح رفعه إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ومما يجتنب في الأسماء: التعبيد لغير الله مثل: عبد الشمس، أو عبد شمس، أو عبد الكعبة، أو عبد الدار، أو عبد السيارة، أو عبد الفلة فإن هذا لا يجوز وهو محرم، وإنما سموا به أهل الجاهلية فغير صلى الله عليه وسلم ما استطاع أن يغير من أسمائهم.
ومما يستقبح أيضاً الأسماء التي ليس لها معنى مثل: شليويح، وصنيهيد، وعضيدان، وهذه الأسماء التي ليست فعل أمر ولا فعل مضارع ولا ماض ولا اسم ولا حرف، وفيما عندنا من الأسماء غنية -والحمد لله- كأسماء الأنبياء، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {تسموا بأسماء الأنبياء} فأسماء الأنبياء مثل: إبراهيم وموسى وعيسى وزكريا وإدريس ومحمد ونوح عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وأسماء الصحابة مثل: طلحة والزبير وعلي وعثمان.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع |
وحدثنا رجل آخر من الثقات -وهو من منسوبي أصول الدين في الرياض- أن رجلاً من الهند سمى ابنه: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا..!! هو لا يفهم اللغة لكنه أخذ الجملة من القرآن، ولذلك تجد بعض الأسماء أكبر من الجبال على بعض المسمين الذين لا دور لهم في الحياة، كأن يسمى: نور الإسلام وهو عدو الإسلام، أو شمس الدين وهو بغيض الدين، أو صدر الدين، أو نجم الدين، أو شهاب الدين، أو تقي الدين، وهو معرض عن الدين فاجر في الدين مخالف له..! فهذه التزكيات ممنوعة؛ ولذلك {سمع صلى الله عليه وسلم أنهم سموا "برة" فغير اسمها إلى "زينب" وقال: تزكي نفسها؟!} فهذا من أبواب التزكية التي لا تنبغي كذلك.
كأن يسمي ابنته "مصيبة" أو "فتنة" أو "بلية" أو ما يحلق بذلك، أو ما يسمى الأطفال كأن يسمي "الفتان" أو "العاصي" أو "المخالف" أو "الفاجر" ولا يفعل هذا من عنده عقل أو وعي.
وفي ترجمة الحسين بن علي -وكان شاباً صغيراً- أن عمر بن الخطاب تولى الخلافة -ذكرها الذهبي في ترجمة الحسين - فجلس عمر على المنبر ينتظر الأذان ليؤذن ثم يخطب بعد الأذان، فأتى الحسين وكان طفلاً صغيراً، وكان يعهد المنبر لجده صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وقال لـعمر: انزل من على منبر جدي؛ فبكى عمر بن الخطاب حتى دمعت عيناه وقال: صدقت، وهل أنبت الله الشعر في رءوسنا إلا بفضل الله ثم برسالتكم. يقصد: من بيتكم خرجت الرسالة، الحسين بن علي هذا ابنه علي بن الحسين الذي تجاهله هشام بن عبد الملك لما طاف قال: لا أعرف من هذا. قال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البيداء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم |
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا |
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم |
صح عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قدم عليه وفد من بني تميم من نجد، ووفد بني تميم حديثو عهد بالإسلام وكانوا أهل بادية، والجفاء في أهل البادية، تجد الواحد منهم عنده عشرة أبناء ما قبل أحدهم منذ ثلاثين سنة، ما عنده إلا الضرب أما التقبيل والمداعبة والملاعبة فلا يجيد، عنده أبقاس وملاكمة ومرامحة ومناطحة! لأنه في الغالب لا يرى إلا التيس والكلب، ينطح التيس وينبح الكلب، كما قال شاعر المتوكل علي بن الجهم وهو يمدح الخليفة فقال له:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب |
فقام الوزراء يريدون أن يبطحوه أرضاً فقال: دعوه، ما عاش إلا مع هذه البيئة، ردوه عند الرصافة في بغداد سنة، فأنزلوه عند النهر وفي الحديقة وعند البساتين الغناء والرياض الفيحاء، فأتى بعد سنة فاستطلع قصيدته بأجمل بيت يقول فيه:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري |
فالبيئة لها تأثير، والشاهد من هذه القصة: {أن
وقال أهل العلم فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم: {كانت الجارية تأتيه فتأخذ بيده عليه الصلاة والسلام فتذهب به في شوارع المدينة حتى تعيده إلى مكانه عليه الصلاة والسلام...} إلى غير ذلك من القصص التي تنبئ أن من الواجب للطفل ملاعبته؛ لأنه في سن لا يقبل العلم، فلو تلقي عليه محاضرات الدنيا أو علوم الدنيا، فلن يفهم، يريد ملاعبة ومداعبة؛ ولذلك إذا أتيت وأنت متعب تجده يلقي بنفسه عليك، هو ينتظرك وينتظر ابتسامتك ومداعبتك ومزاحك وقد جعله الله سلوة لك، فإن كثيراً من الآباء لا يزيل غمومهم وهمومهم ومتاعب أعمالهم وما يجدونه من نكد في الحياة إلا هؤلاء الأطفال، فحق أن تخصص لهم وقتاً في المداعبة والملاعبة كما فعل عليه الصلاة والسلام.
وكان صلى الله عليه وسلم، كما عند الترمذي {ربما مازح الأطفال فيأخذ بأذن أحدهم، أخذ بأذن
أما الحديث الذي يقال عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً} فلا يصح، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام، ولكن نسب إلى علي بن أبي طالب وأظنه ليس لـعلي، وإنما هو من كلام سفيان الثوري أو أحد علماء السلف، يقول: لاعب ابنك سبعاً أي سبع للملاعبة فقط، وسبع سنوات للتأديب وفيها العصا تتدخل، وسبع سنوات للمصاحبة يكون لك صاحباً يحضر معك المنتديات والدروس ومجامع الخير والحفلات؛ فإذا بلغ الواحدة والعشرين فاتركه فقد بلغ رشده، إن اهتدى فبها ونعمت، وإن ضل فقد سلمت قياده، أصبح ذا فكر وذا بصيرة والله يتولاه.
أحد الناس أتى إلى عالمٍ من العلماء وقال: أشكو إليك، ابني ضربني على وجهي. قال: أعلمته القرآن؟ قال: لا. قال: أعلمته السنة؟ قال: لا. قال: أعلمته آداب العرب؟ قال: لا. قال: ظنك ثوراً فضربك. أي: يستحق؛ لأنه هو المسئول ولذلك لماذا يشكو الإنسان العقوق ويقول: عقني ابني؛ لأنك عققت أباك وما علمت ابنك بر الوالدين.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه |
ولذلك أحد الرجال في أحد البيوت يقول: مرة تأخرت عن الجماعة فصليت في البيت، وكان هذا الرجل من المداومين على المسجد من أهل الروضة ومن أهل الصف الأول، لا تفوته الصلاة أبداً، لكن يوماً من الأيام فاتته الصلاة فصلى في البيت فقام ابنه الصغير وقال: يا أبي.. أأنت امرأة يوم تصلي في البيت أم أنت رجل؟ وهذا سؤال طيب ينبئ على أن الابن مربى على عقيدة سليمة ومبدأ خالد.
والمصاحبة كما ذكر أهل العلم لا تأتي إلا بلين الخلق مع الابن وأن تبجله؛ فإنك إذا أظهرت له الاحترام استحيا من الله عز وجل، فإن بعض الآباء يبكت ابنه ويخزيه ويقطعه ويفضحه بالكلام، فيصبح الابن ميت الإرادة لا يستحي أبداً يفعل ما أراد؛ ولذلك قال المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام |
اسمعوا إلى مقطوعة شعرية من أجمل ما سمعت في الأدب العربي، يقولها أحد الشعراء ذاكراً فيها كيف تربى هو على الفضائل، الرجل هذا اسمه المقنع الكندي مسلم، كان يستدين الدين، ويسد حقوق قرابته وينفق عليهم، فكان قرابته دائماً يعيرونه بالدين ويقولون: أنت دائماً مديون مديون! أنت دائماً ذليل لنا! ليس عندك منعة! قال يعتذر إليهم -يقال هذا من باب غرس الفضائل-
يعيرني بالدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا |
أسد ما قد أضاعوا وضيعوا حقوق أناس ما استطاعوا لها سدا |
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا |
يقول: أنا وإخواني وأبناء عمومتي بيني وبينهم فرق. كيف؟ قال:
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |
يغتابونه وهو لا يغتاب، يذمونه وهو لا يذمهم، يقطعونه وهو يصلهم، يحرمونه ويعطيهم، لا يزورونه ويزورهم، يهينوه ويكرمهم، هذه أخلاق النبوة!
إذا هتكوا عرضي حميت عروضهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا |
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا |
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا |
يقول: أنا إذا نزل الضيف تحولت من حر إلى عبد، هذه أخلاق المؤمن، كان حراً بطلاً، ولكن لما دخل الضيف تحول إلى عبد بحفظ الله ورعايته، يقدم الطعام والشراب والفراش.. هذه أشرف الأخلاق؛ ولذلك قال بعض البلغاء: كن حراً في كل موقف إلا إذا نزل بك الضيف فكن عبداً، أنا حر دائماً إلا في الضيافة فإني عبد للضيف، وهذا من أحسن ما يقال في خدمة الضيف! خاصة للمسلم.
هذه مسائل في تربية وغرس الفضائل في النفوس، ولا تأتي -يا معاشر الأحباب- إلا بأن يكون الأب قدوة لأبنائه، كيف يصدق الابن وأبوه كذاب؟ كيف يصلي الابن وأبوه لا يصلي؟ كيف يفي وأبوه خائن؟ هذا لا يكون، والابن أول ما ينظر ينظر إلى أبيه، ولذلك تجده يتأثر، فإنه تحت السابعة كالبغبغاء يقلد ما تقول تماماً، ولذلك أنطقه على لا إله إلا الله ولا تنطقه -والعياذ بالله- على اللعنة أو على الكلام البذيء الذي يغضب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ومن الرذائل الكلام الفاحش، وتربيته على الغرام والهيام. فلم الكرتون الذي يربى عليه الأطفال المسئولة عنه شركة يهودية إيطالية عالمية تريد أن تربي في الأطفال مسألتين:-
المسألة الأولى: حب الجنس، والمسألة الثانية: حب المال من دون الله. أتظنون أن اليهودية أو الصهيونية العالمية تلقي فلم كرتون على الأطفال فيأخذ أوقاتاً طويلة؟! أتظنون أنهم يصرفون ملايين الدراهم والدنانير ضياعاً وهباءً منثورا؟! لا. هم أذكى من ذلك، ولذلك يربون في الطفل حب الجنس، يأتي فلم الكرتون -وهذا موجود ومشاهد- فيأتون بفتاة من كرتون وبشاب طفل من كرتون فيطارد الفتاة ويقبلها ويغازلها ويعاشقها ويهاويها فينشأ الطفل في الحي على بنت جاره وقريبته يفعل كذلك..! فغرس الرذائل يكون من طريق هذه الأسباب: شريط الغناء، الأغنية الماجنة، المجلة الخليعة، الفيديو المهدم، المسلسلات المتبجحة، المسرحيات الهابطة.. كلها هدم وغرس للفضائح والرذائل في نفس الطفل حتى ينشأ فاجراً لا يؤمن بالله ولا يعرف الإسلام ويتنكر لهذا الدين {كل مولود يولد على الفطرة...}.
ومن الرذائل: تعويده الكسل والخمول والاعتماد على الغير.
لابد أن تنشئه عصامياً بطلاً يعتمد على نفسه حتى في المعيشة، تجد المترف دائما كسولاً تيساً لا يعرف شيئاً ولا يفهم شيئاً.
ثلاث تفسد شباب الإسلام وأطفال المسلمين:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة! |
شاب وما عنده عمل والمال في جيبه.. كيف ينشأ؟ ينشأ لعاباً لاهياً إن لم يتداركه الله برحمته.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة! |
فإذا اجتمع ثلاثة مع عدم الإيمان وفقد القرآن وهجر المساجد وعدم وجود العلم الشرعي والبعد عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ووجود المغريات والفتن والمجلات الخليعة بأنواعها؛ عاش وليس في قلبه روح من الهداية ولا ومضة من النور وأصبح -والعياذ بالله- أشبه بالدابة.. فليتنبه لهذا.
الصاحب الذي تختار لابنك لابد أن يكون ولياً من أولياء الله أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] أما أهل جمع الطوابع والمراسلة وصيد الحمام والدجاج ومطاردة الأرانب وأهل الصفير والنهيق والتفحيط فهذا لا يليق بك أبداً أن تترك ابنك معهم، فهم عصابات سوف يؤدون بابنك وينتقلون به من مرحلة جمع الطوابع والمراسلة وصيد الأرانب والدجاج إلى المخدرات والكأس والمرأة ثم إلى الفجور والإلحاد والعياذ بالله. فحذار حذار من هذه المسألة!! فإنها خطيرة جد خطيرة، لابد أن تعرف مع من ذهب ابنك ومع من جلس ومع من أتى، من رافقك اليوم؟ من اتصل بك اليوم؟ من هو صاحبك؟ من هو جليسك؟
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي |
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] اسمع إلى قول ابن المبارك إمام المسلمين يقول:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم |
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم |
يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه |
وللمرء على المرء دليل حين تلقاه |
فأنت لا تسأل عن الإنسان واسأل عن قرينه ومع من يذهب ثم احكم عليه.
ذكر ابن قتيبة وغيره من العلماء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خرج إلى الصحراء فوجد ابنه عاصم ومولاه أسلم ينشدان، أحدهما أنشد قصيدة في الصحراء فأتى إليهم عمر وهم يرعون إبل الصدقة فقال عمر: من أنشد منكم؟ فخجلا. قال: عزمت عليكم أن تنشدا. فخجلا. قال لابنه: انشد؛ فأنشد، ثم قال للآخر: انشد فأنشد. قال: أنتما كحماري العبادي قيل له أي: حماريك أخس؟ قال: هذا ثم هذا، وهذه منقولة، والشاهد أنه قال العبادي والعبادي هو تاجر من التجار أحمق كان عنده حماران، قيل له: أي حماريك أخس؟ قال: هذا ثم هذا، أي: كلها في الخساسة سواء لكن بعضها درجات فوق بعض، والمقصود: أن الصاحب هذا أعدى من الجرباء، وأنه تلف لمن يصاحب، وإذا استمر الصاحب مع الصاحب سلخه ورده إما من هداية إلى ضلال وإما من ضلال إلى هداية، يقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لأصحابه:
اتخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً خليلاً فإني مبتغ صاحباً مثلي |
يقول: أنا لا أريد من الأصحاب إلا صاحباً مثلي وعلى طريقتي، وقال الشافعي:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة |
وأكـره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة |
العطل الصيفية تذهب كثيراً على أطفالنا وعلى شبابنا بلا برنامج، لا حفظ قرآن، لا في الجماعة الخيرية، لا في المراكز الصيفية، لا مع علماء ولا مع طلبة علم؛ إنما همهم الأكل والشرب، وفي السكك والشوارع، حتى أبناء الكفرة عندهم برامج، وأبناء المسلمين يبقون هكذا..! تنتهي العطلة الصيفية ولا حفظ جزءاً ولا حديثاً، أو طالع باباً أو استفاد فائدة أو تأدب أدباً.. هذا ليس بصحيح يا مسلمون، ولذلك تكثر الإيذاءات من الشباب الفارغين والأطفال المتفلتين، ليس في الإسلام تفلت أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:36-40].
فيا مسلمون.. أوصيكم ونفسي بالاهتمام بأوقات أطفالكم وأولادكم وبناتكم، وأن يكون هناك تحصيل وفائدة ونفع، وإلا فوالله، إنهم سيضيعوا إيمانهم ودينهم ودنياهم، ثم يكونون في ميزان حسراتكم وسيئاتكم يوم العرض الأكبر.
في حديث صح عنه صلى الله عليه وسلم عند أحمد وأبي داود وغيرهم من العلماء أنه قال عليه الصلاة والسلام: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} وهذه آداب ثلاثة:
أولها: في السن السابعة أن تبدأ تأمره بالصلاة لكن لا تضربه، وإذا تخلف عن المسجد لا تعاتبه، وإنما صل معي، فإن أتى فبها ونعمت وإن تخلف فلا تأخذ على يده؛ لأنه في السبع إلى العشر لكن تصطحبه إلى المسجد، أما حديث: {جنبوا صبيانكم مساجدكم} فهذا الحديث ضعيف، ضعفه أئمة مثل: المنذري والبيهقي وابن الجوزي والبوصيري والعسقلاني والإشبيلي والشوكاني والألباني والسخاوي، وقد رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهم من أهل العلم كـابن عدي، ولكنه ضعيف السند لا تقوم به حجة، والذي يستدل بهذا الحديث ليس بمصيب، بل يؤتى بالصبي وقد أتى بهم عليه الصلاة والسلام، لكن إذا أتى منهم تشويش وضجة وصجة فيجنبون، أن يتحول المسجد إلى روضة أطفال فلا، المسجد يحترم ويقدر ويوقر من باب تعظيم شعائر الله عز وجل، فلا بأس أن يؤتى بهم بشرط أن تشترط عليهم السكوت والأدب والسمت الحسن والإنصات.. فليتنبه لهذا.
وأما في السن العاشرة فتضربه على ترك الصلاة ضرباً، العصا لمن عصى والعصا من الجنة، فإذا تخلف وهو في العاشرة وقال: إنه صغير. قل: لا. بل كبير بإذن الله، فاضرب رأسه بالعصا حتى يخرج الشيطان، وحتى يتوب أن يتخلف عن المسجد وتستصحبه أنت، ومن الأدب أن تلاحظه في المسجد هل صلى أم لا، وهل حضر معك الصلاة أم لا، وأن تتفقده في كل صلاة. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يوقظ أبناءه لقيام الليل ويأخذ الدرة ويضرب الأبواب ويقول: رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [القصص:17] ما دام يا رب أنعمت علي بالاستقامة والعون والتأييد، فوالله، لا أكون عوناً للمجرم ولو كان ابني.. هذا هو معنى الآية، وقد قالها موسى عليه السلام.
{وفرقوا بينهم في المضاجع} معنى ذلك: إذا بلغوا العاشرة، وقال بعضهم: إن العطف هذا للأول أي: لأبناء السبع، وقال بعضهم: بل العشر، والعشر آكد ولكن الأحوط السبع، فإذا بلغوا السبع أو أكثر إلى العشر فلا يجوز أن ينام الأطفال الأبناء مع البنات في فراش واحد، ويجوز في غرفة واحدة وفي حجرة واحدة لكن بينهم مسافة. هذا أدب محمد عليه الصلاة والسلام، هذه سنته، ومن لم يفعل ذلك يقع في أخطار لا يتصورها العقل، وفي مآثم وجرائم الله أعلم بها، فليتنبه المسلم لهذه الآداب التي أتى بها صلى الله عليه وسلم.
ومن الأدب: أن تلاحظهم عند النوم، فتذكرهم بالوضوء إن استطاعوا أن يتوضئوا إذا بلغوا العشر، وتذكرهم بأذكار النوم كالمعوذات وسورة الإخلاص وآية الكرسي؛ ليحفظهم الله ويعصمهم من شياطين الإنس والجن، فإن أكثر ما يصاب الصرع ودخول الجان في الأطفال بسبب أنهم لا يذكرون الله، طفل ينام على الأغنية ويستيقظ على الأغنية يدخله اثنا عشر جنياً، في الصباح جان وفي المساء جان؛ لأنه ما عرف الذكر، لا يطرد الشياطين ولا الجن إلا الذكر أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] والعلماء يحذرون من إدمان الغناء أو إدخال آلات الغناء أو ما يشابهها من مجلات خليعة فإنها سبب لدخول الشيطان في البيت، والملائكة لا تدخل البيوت التي فيها هذه الأمور فعلى المسلم أن يتنبه لهذا ليكون على بصيرة.
فما عرفوا التثني في بنات ولا عرفوا التأنث في بنينا |
فلا درب المعالي ضيعوه ولكن العلا صيغت لحونا |
كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا |
وعلمه المروءة كيف تشرى فخالف أن يقيد أو يهونا |
فالمقصود: أنه يمنع الطفل إذا أتى يتكلم بكلام مايع أو يلبس دبلة من ذهب: فتقول له: لا. حرام، أو يسبل ثوبه نقول له: لا. هذا لا يجوز، حتى العرب في الجاهلية كانوا يقصرون ثيابهم، ويقول شاعرهم يمدح أخاه البطل:
كميش الإزار خارج نصف ساقه من اليوم طلاع السعود لأنجد |
يقول: إنه بطل يقتحم المعارك، ومن علامة شجاعته أن ثوبه فوق كعبيه إلى نصف ساقيه، ولا يسبل الثياب إلا من تعرفون، قال عمر بن أبي ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول |
يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا |
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهويناً |
خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا |
تربية على ثلاثة أقسام، وحلق الرأس على ثلاثة أقسام:-
تربية الرأس تربية سنة، وتربية معصية، وتربية عادة مباحة، فمن رباه مع لحيته لكن لا يقصد به السنة ولا يقصد به التشبه قلنا: أنت على كل حال في أمر مباح وهذه عادة، مثلما تفعل بعض القبائل، يربون لحاهم ويربون شعورهم، لكنهم لا يعلمون السنة في تربية الشعر ولا في حلقه فنقول: أنت في عادة وفي أمر مباح.
وتربية معصية: كأن يحلق لحيته ثم يتشبه بالنساء أو بالكافر نقول: أنت في معصية وقد تشبهت بالمرأة وبالكافر.
وتربية سنة: وهي من ربى لحيته وربى شعر رأسه وقال: سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي شعر رأسه قلنا: صدقت وأنت مأجور ومشكور.
وحلق الرأس على ثلاثة أضراب: حلق معصية، وحلق سنة، وحلق عادة. فمن حلقه ليتشبه بـالخوارج الذين قال فيهم أبو بكر لـخالد: [[وسوف تأتي على قوم علامتهم التحليق، يحلقون شعر رءوسهم فاخفقهم بالسيف خفقاً]] فمن تشبه بمثل البهرة الباطنية الذين يحلقون شعر رءوسهم ويتشبه بهم قلنا: هذه معصية وسيئة وجريمة.
ومن حلق رأسه في حج وعمرة كان سنة، وقد دعا صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة.
ومن حلق رأسه لا لأنه يقصد بها شيئاً قلنا: أنت في أمر مباح وفي عادة.. فليتنبه لهذا.
إن المروءة والسماحة والندى لـمحمد بن القاسم بن محمد |
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولد |
وقالوا عن أسامة بن زيد: قاد الجيش لسبع عشرة سنة، وأرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وعمره ما يقارب السابعة عشرة سنة، قال الصحابة لـعمر وكان يدخل عليه ابن عباس، عُمُرابن عباس ثلاث عشرة سنة قالوا: كيف تدخل هذا الطفل وعندنا أطفال مثله؟ لأن عند عمر مجلس عالمي سنوي لا يدخله إلا من الأربعين فما فوق، أهل بدر، أهل بيعة الرضوان، شيوخ الصحابة، نجوم الهدى، أسياد الأمة، ولا يدخله غيرهم لا من الأعراب ولا من الأطفال إلا ابن عباس مستثنى في القائمة وله حق الدخول، فكان يدخل فوجد الصحابة، قال ابن عباس: [[فجمع
أتى وفد العراق يبايع عمر بن عبد العزيز بالخلافة وكان فيهم شاب صغير جالس، فقام الشاب يتحدث فقال: يا أمير المؤمنين! مرت بنا ثلاث سنوات (يقصد: قحط) والأمير الخليفة الملك بيده المال؟ يريد مالاً، والمشايخ جلوس، وعيون القبائل ووجوه العرب جلوس وقام هذا الشاب يتكلم: يا أمير المؤمنين! مرت بنا ثلاث سنوات، أما سنة فأذابت الشحم، وأما سنة فأكلت اللحم، وأما سنة فدقت العظم، وعندك مال الله فأخرج ما لله من خزائن الله على عباد الله. كلام مثل النجوم!! قال عمر بن عبد العزيز: يا بني.. اجلس ففي الناس من هو أولى منك بالحديث. فقال الشاب: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمر بالسن لكان في الناس من هو أولى بالخلافة منك أنت:
تعلم فليس المـرء يولد عالمـاً وليس أخو علم كمن هو جاهل |
وإن كبير القـوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل |
وهذان بيتان أنشدهما عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو قدوة، فإنه تولى أمر المسلمين وعمره ثمانية وثلاثين سنة فقادهم إلى بر الأمان وكان من خيرة عباد الله، رضي الله عنه وأرضاه.
الخنساء النخعية -لا أعني السلمية- كان لها أربعة أبناء، فلما ربتهم على تقوى الله وطاعته ذهبت بهم إلى القادسية في المعركة، ثم لبستهم الأكفان وكانوا شباباً، ثم قالت: يا أبنائي.. والله ما خنت أباكم ولا خدعت خالكم، والله إنكم أبناء رجل واحد، والله، ما ربيتكم إلا لهذا اليوم فإذا حضرت المعركة فيمموا وطيسها، واشغلوا أبطالها، ولا أراكم بعد اليوم إلا في الجنة؛ فأخذوا أكفانهم الأربعة فأتوا المعركة فأوقدوها وأشعلوها من أول النهار، وما أتت صلاة الظهر إلا وهم مذبحون في الأرض، فأتى الخبر إليها فضحكت وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بشهادتهم.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه |
هذه أسرة عربية مسلمة تربت على تقوى الله، يقال: قتل منها ما يقارب ثمانين شهيداً في سبيل الله، وهي إما من بني خندف أو من قبيلة أخرى الله أعلم بها، لكن مدحهم الشاعر العربي قال:
هم القوم يروون المكارم عن أب وجد كريم سيد وابن سيد |
وهزتهم يوم الوغى أريحية كأن شربوا من طعم صهباء صرخد |
ويطربهم صوت الصوارم في الوغى بيوم الوغى لا ما ترى أم معبد |
يقول: لا تطربهم إلا صوت السيوف لا الغناء ولا الأوتار ولا الأصوات الخليعة الماجنة.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحِ من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني |
وقال الأندلسي الآخر يوصي ابنه في طلب العلم:
إذا لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا |
وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا |
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم قرة عين، وأن يثبتنا وإياكم حتى نلقاه.
هذه مسحة بعنوان: كيف نربي أطفالنا؟ وسوف يسألنا الله عن أطفالنا يوم العرض الأكبر، وإنني أعود إلى الأم المسلمة فأقول لها: يا أمة الله! يا مدرسة الأجيال! يا من أنت المسئولة الأولى عن تربية أطفالنا وبناتنا.. اتق الله في أطفالك، واعلمي أنك مدرسة مؤهلة لإخراج الزعماء والعلماء والأدباء
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق |
الأم نبت إن تعاهده الحيا بالري أورق أيما إيراق |
فنسأل الله لنا ولكم السداد والعون والرشاد وأن يثبتنا حتى نلقاه، كما نسأله ثباتاً في الدنيا والآخرة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الجواب: أولاً: شكر الله لك ألفاظك الواضحة النبيلة الطيبة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويظهر من السائل حبه للمصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر مطلوب في حبه صلى الله عليه وسلم، كان الصالحون إذا ذكروه قال الواحد منهم: بأبي هو وأمي، ويقول الآخر: بنفسي. ما أعلم كتاباً في السيرة أحسن ولا أجدى بعد كتاب الله عز وجل، والسنن والصحاح من كتاب زاد المعاد لـابن القيم، فإني أدلكم عليه أن تقتنوه، وقد خرج محققاً في خمسة مجلدات تحقيقاً جميلاً بديعاً في ديباجة رائعة! ما أحسن منها! بتحقيق الأرنؤوط وهو كتاب جيد، وهناك كتاب عصري جيد اسمه الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم.
الجواب: في سنن أبي داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أم ورقة أن تؤم أهل دارها، والحديث صحيح، لكن فيه عموم، ولا ندري هل في أهل دارها رجال أم لا، لكن ورد عند ابن ماجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وقال: {لا يؤمّنَّ أعرابي مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً، ولا امرأة رجلاً} والحديث ضعيف، لكن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} يدل على أنه ليس للمرأة أن تؤم الرجل، ولكن للرجل أن يؤم المرأة مهما يكن، وهذا الصحيح، ولا أعلم -إن شاء الله- إلا هذا الرأي الواضح الراجح، أما حديث أم ورقة فهو عام، وأهل دارها لا ندري أفيهم رجال أم لا.
الجواب: أقول: الطلاء هذا إن كان له سمك ويحجب وصول الماء إلى البشرة فإنه لا يجوز لها، وعليها أن تزيله قبل أن تتوضأ ليصل الماء إلى البشرة فهذا حائل مثل البوية ومثل ما في حكمها من الطلاءات هذه، وأدوات التجميل التي لها سمك فلا بد من إزالتها حتى يصل الماء إلى البشرة، أما لو كان لون فقط وليس له سمك فلا بأس مثل الحناء وما في حكمه فلا بأس به، وأما ما له سمك فلا بد من إزالته فليعلم ذلك.
الجواب: القات على القول الصحيح من كلام أهل العلم أنه محرم لأمور:
أولاً: أنه مفتر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل مفتر حرام} وقد قال شهود العيان ممن عاشوا وذاقوا وجربوا: إن القات يفتر، ومن علامة تفتيره أن من يتناول القات في مناطقهم يتركون صلاة العصر إلى ما بعد صلاة العشاء أو يؤخرون صلاة الظهر إلى ما بعد صلاة المغرب، ويجمعون بين الصلوات وقد ارتكبوا أمراً محرماً، ولولا أنه يفتر ما فعلوا ذلك. وإذا تناوله أحدهم أغلق على نفسه وبقي في بيته يتصور التصورات حتى قال بعضهم لما سألناه: ماذا تتصور؟ قال: يذهب الهم والغم، وهذا علامة أنه حدث في عقله شيء وفي ذهنه شيء وأنه فتر ولا نقول أنه أسكر فالله أعلم لكنه فتره وكل مفتر حرام.
القات يذهب المال؛ فإنه لا يبلغ الغصون البسيطة منه والقليلة ولا تؤخذ إلا بمئات الدراهم والدنانير، وكثير منهم افتقر وأصبح مملقاً وهذا لا يرضاه الله ولا رسوله، وهذا من الضرر، قال عليه الصلاة والسلام: {لا ضرر ولا ضرار} وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] والقات يقيناً من الخبائث المحرمة، وقد نص على تحريمه من علمائنا الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- وله منظومة وقصيدة رنانة طنانة في تحريمه ومقالة منثورة في تحريمه ورد على المهدي من علماء اليمن، وممن نص على تحريمه سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيره من العلماء الأجلاء، فليعلم ذلك فإنه محرم، ومن فعله فقد أساء وتعدى وظلم وأخطأ في حق نفسه.
أما الدخان ففيه فتاوى مكتوبة ومسجلة وتكرر في المحاضرات كثيراً، فيكفي أنه محرم وأنتم تعرفون الحكم.
الجواب: هذا الحديث متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {التقى موسى وآدم} موسى عليه السلام نبي بني إسرائيل وآدم عليه السلام الذي هو أبونا، التقيا، أين التقيا؟ الله أعلم، قال بعضهم: في البرزخ، وقال بعضهم: في السماء، وهو الظاهر، لكن المقصود أنهما التقيا، فالتقى آدم وموسى وكان موسى شجاعاً جريئاً دائماً يحاور ويتكلم، ولذلك كلمه الله تكليماً ولم يكلم أحداً من الناس {فقال موسى لآدم: يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته.. خيبتنا وأخرجتنا من الجنة (يقول له: أكلت من الشجرة فخرجت فخرجنا معك، نحن في حياة المتاعب والذنوب والمعاصي والدموع والآلام والقلق والأرق بسبب أنك خرجت من الجنة) قال آدم: أنت موسى بن عمران الذي كلمك الله تكليماً واصطفاك بكلماته ورسالته وكتب لك التوراة بيده، بكم وجدت أن الله كتب علي الخطيئة؟ قال موسى عليه السلام: وجدتها في التوراة بأربعين سنة. قال: أفتحاجني على شيء قد كتبه الله علي؟} فأتى محمد صلى الله عليه وسلم يتدخل بعد أن انتهى الحوار قال صلى الله عليه وسلم: {فحاج آدم موسى، فحاج آدم موسى، فحاج آدم موسى} أي: فغلب آدم موسى، فغلب آدم موسى، فغلب آدم موسى.
والقدرية يقولون: فحاج آدمَ موسى. أي: يجعلون موسى هو الفاعل وآدم مفعول به، أي: أن الغالب موسى.. وقد كذبوا، حتى يقول بعض العلماء: يجادلون بين موسى وآدم كأنهم يجادلون بين جبري وقدري. جل الله! وهذا لا نستدل به بالقضاء والقدر إلا في مسألتين:
مسألة المصائب: يقول ابن تيمية: نستدل بالقضاء والقدر في المصائب ولا نستدل به في المعايب. يسقط ابنك من قصر ويتكسر تقول: بقضاء وقدر، وتمرض ابنتك فتقول: بقضاء وقدر. لكن يسرق السارق في المعايب لا تقول: قضاء وقدر، ما لك سرقت؟ قال: قضى الله علي أن أسرق. لا يصلي الفجر مع الجماعة فيقال له: ما لك لا تصلي؟ قال: قضى الله علي وكتب ألا أصلي. سرق سارق في عهد عمر فقال: لمَ سرقت؟ قال: كتب الله علي أن أسرق، قال: علي بالسكين. فأتوا بالسكين فقطع يده فقال السارق: لم قطعت يدي وقد كتب الله علي أن أسرق؟ قال: وأنا كتب الله علي أن أقطع يدك..! فلا يستدل بالقضاء في المعايب، ويستدل به في ناحية أخرى إذا تاب الإنسان من الخطيئة وأقلع -وهذا ذكره ابن القيم - إنسان كان مسرفاً على نفسه، شاب كان غاوياً ثم اهتدى، قلنا: ما لك كنت غاوياً تتعاطى المخدرات؟ قال: كتب الله علي ثم تبت. قلنا: صدقت -بعد أن يتوب- أما وهو في الخطأ فلا، فهذا هو معنى الحديث.
الجواب: لأهل العلم رأيان، فقهاء المحدثين يقولون: يقطعها مباشرة؛ للحديث الصحيح عن أبي هريرة عند مسلم وغيره {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة} وبعض العلماء من الحنابلة وغيرهم يقولون: إذا أقيمت الصلاة أتمها خفيفة، وأقول: إذا كان في آخر التحيات أو في آخر الصلاة النافلة فليتمها أما إذا كان في أولها فيقطعها ويبدأ في الفريضة؛ لأن حديث {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة} نص في المسألة، ولا أعلم أن قطع النافلة إذا كان واقفاً له سلام، بعض الناس إذا قطع وهو واقف سلم عن يمينه ويساره، لا أعلم في ذلك دليلاً عنه صلى الله عليه وسلم بل يقطع الصلاة ويدخل في الفريضة.
الجواب: الأصوب والأقرب للسنة أن يصبر حتى ينتهي المؤذن ليتابع المؤذن على أذانه ثم يدعو بالوسيلة ليكسب الأجر ثم لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولا يجلس ولو كان الخطيب يتكلم يوم الجمعة حتى يصلي ركعتين، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث جابر {أن
الجواب: هذه مسألة سهلة يسيرة، والمسألة فيها سعة سواءً باليسرى أو اليمنى، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية يختار في المجلد الواحد والعشرين من فتاويه أن السواك باليسرى، ويقول: هو من باب إزالة الأذى، وإزالة الأذى تكون باليسرى، ويختار النووي أنها باليمنى؛ لأنه من باب التكرم والتطيب والتكرم والتطيب يكون باليد اليمنى، ويقول ابن حجر بين الاثنين: إن كان من إزالة الأذى فباليسرى وإن كان من التطيب فباليمنى، ونحن نقول: لا حرج، المسألة فيها سعة، ولو أنه يظهر من حديث عائشة تقول: {كان صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره -وعند
الجواب: بل بدعة، لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح، ولو أن الكلام في حد ذاته صحيح والمعنى صحيح، والله يقول في سورة عمران قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95] فهو صادق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ووعده صدق، وكلامه صدق، لكن هل ثبتت سنة بعد التلاوة؟ لا. {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} كان يتلو صلى الله عليه وسلم فلا يقولها ولا الصحابة ولا الأئمة ولا السلف فنقف مثلما وقفوا.
الجواب: الحلف بالأمانة شرك، كأن يقول: أمانتك أو أمانتي أو بالأمانة أو والأمانة.. هذا كله لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث حسن عند أبي داود {إن الله ينهاكم أن تحلفوا بالأمانة}.
الجواب: نعم. إذا قصدت به القسم والحلف فهو حلف، وإنما يعرف ذلك بالقرائن، فإن قلت: في ذمتي دين لفلان فليس بقسم وإنما معناه في عهدتي وفي حوزتي وهذا ليس بقسم، أما إن قلت: في ذمتي لأفعلن كذا فهو قسم بغير الله وهو شرك محرم لا يجوز.
الجواب: لـأهل السنة قاعدة في هذه الصفات ونسبتها إلى الله عز وجل: أما ما أطلق الله في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم فنطلقها بهذا القيد، هل الله يستهزئ؟ هل الله يسخر؟ لا يجوز أن نقول بإطلاق: الله يسخر، الله يستهزئ، أو الله ساخر، أو الله مستهزئ.. لا يجوز، لكن يجوز أن نقيدها كأن نقول: الله يستهزئ بمن استهزأ به، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79] فالله يسخر بمن يسخر به بهذا القيد، وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30] فالله يمكر بمن يمكر به هذا قيد وهذه قاعدة عند أهل السنة، وقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا يمل حتى تملوا} فهذا قيد، لكن لما أتت الخيانة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ [الأنفال:71] هل يقول: فخانهم الله؟ لا. الخيانة صفة نقص مهما كانت سواءً كانت إطلاقاً أو قيداً فلا يقال هذا، إنما قال: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71] ولم يقل فخانهم وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71].
إذاً لا يجوز لك أن تقول لمن غشك: غشك الله؛ لأن صفة الغش نقص سواء أطلقت أو قيدت، ولا لمن خانك أن تقول له: خانك الله. لا. هذا محرم سواء بالقيد أو بالإطلاق، لكن لك أن تقول لمن استهزأ: الله يستهزئ بفلان لأنه استهزأ به، أو أن تقول لمن سخر به: الله يسخر به.. وهذا قاعدة.
الجواب: الشاهد هذا هو عبد الله بن سلام من بني إسرائيل وقد أسلم وشهد على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه مكتوب في التوراة فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10] فقد دخل في الدين وآمن، وهو من أهل الجنة.
الجواب: الرجل هذا هو الجد بن قيس، وهو منافق من الأنصار، هو ليس أنصارياً لكنه من الأنصار منافق، يقول للرسول -عليه الصلاة والسلام- وقد خرج إلى تبوك: يا رسول الله! أنا لا أريد أن أخرج إلى تبوك. قال: ولم؟ قال: أنا إذا رأيت بنات بني الأصفر (يعني: بنات الروم) أفتتن ولا أصبر فقال الله عنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49] فهو الجد بن قيس.
الجواب: المقصود بهذا على الصحيح ابن جميل وليس ثعلبة لأن حديث ثعلبة لا يصح فقد ضعفه الأئمة، لكن المقصود بهذه الآية هو ابن جميل لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري لما أرسل عمر لطلب الزكاة فمنع ابن جميل {أما
الجواب: أما في السرية فتقرأ وهو السنة، وأما في الجهرية فلأهل العلم قولان:
ابن تيمية يقول: لا تقرأ في الجهرية لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] ولحديث {قراءة الإمام قراءة لمن خلفه}.
والصحيح أنه يقرأها المسلم في السرية وفي الجهرية المأموم وراء الإمام لأحاديث منها: {صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج خداج} أي: باطلة، وهو حديث صحيح، ولحديث عبادة كذلك {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أو بأم القرآن} وهو حديث صحيح، أما الحديث الذي يستدل به ابن تيمية فهو عند الدارقطني ضعيف ضعفه ابن كثير وغيره، والأحناف يقولون: لا في السرية ولا في الجهرية واستدلوا بالحديث الضعيف.
إذاً فلا بد من الفاتحة للمأموم في الجهرية والسرية، ويكتفي في الجهرية بقراء الفاتحة ليس إلا وعليه أن يستمع القراءة، وأما في السرية فيقرأ الفاتحة وسورة بعدها.
وفي الأخير: نسأل الله أن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت إلى أن نلقاه، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر