يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70].
موضوع هذا الدرس (هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة).
وقد سلف معنا في الأسبوع الماضي (وصف النار من صحيح الأخبار) وعلاقة هذا الموضوع بذاك، أنه لا ينجي المؤمن إلا الأعمال الصالحة، وأعظمها ورأسها وعمودها الصلاة، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، عند البخاري أنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
إذاً كان لزاماً علينا أن نتعلم كيف كان هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، واعلموا أني مستعين بالله في إيراد هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة قولاً وعملاً، على منهج المحدثين لأنهم أصوب الناس، وأعظم علماً وعملاً، وأخلصهم قلوباً، وأصدقهم إيماناً. يقول ابن تيمية عن المناطقة والمحدثين: أما أهل الحديث فهم بمنـزلة صحابة محمد عليه الصلاة والسلام، وأما أهل المنطق وأهل الفلسفة فهم بمنـزلة المنافقين على عهده صلى الله عليه وسلم، وقال غيره كالإمام أحمد: إن لم يكن أهل الحديث هم الطائفة المنصورة فلا أدري من هم.
أهل الحديث همُ أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا |
1- عظم الصلاة وفضلها.
2- صلاة الجماعة.
3- استقبال القبلة.
4- التكبير.
5- وضع اليدين على الصدر.
6- الاستفتاح.
7- قراءة الفاتحة.
8- قراءة ما تيسر بعدها.
9- الركوع.
10- الرفع من الركوع.
11- السجود.
12- الجلوس بين السجدتين.
13- التشهد الأول.
14- جلسة الاستراحة.
15- الإشارة بالسبابة.
16- الدعاء في السجود.
17- الدعاء قبل السلام.
18- السكتات في الصلاة.
19- السلام من الصلاة.
20- الذكر بعد السلام.
21- السنن الرواتب.
نسأل الله السداد والإصابة والإخلاص، وأبرأ إلى الله من الحول والقوة، وأسأله أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وبما نقول.
قال شيخ الإسلام عند شرح هذه الآية في الأجزاء الأخيرة من الفتاوى: أخطأ عامة المفسرين في تفسير هذه الآية إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45] وقال: للصلاة فائدتان ومنفعتان، أحدها: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، والثاني: أن في الصلاة يقام ذكر الله فيها، وذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وبعضهم يقول: ولذكر الله أكبر من كل شيء، لكن لا صلة في الآية ولا مناسبة. وهذا صحيح، وهو من فهمه رحمه الله، أي: أن ذكرك لله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، أي فائدة أن تذكر الله عز وجل في الصلاة أعظم لك أثراً من نفع الصلاة في نهيها عن الفحشاء والمنكر.
يقول: وأما حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً) فحديثٌ باطل لا يصح، بل من صلى وارتكب الفواحش أقرب إلى الله ممن ارتكب الفواحش ولم يصلِّ.
وأما في السنة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلوات الخمس، والعمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين المسلم والكافر ترك الصلاة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
قال ابن تيمية رحمه الله: لم يأتِ عنه صلى الله عليه وسلم تفريقٌ بين من تركها عامداً أو متهاوناً، لأن بعض الفقهاء -كما يدرس في بعض المدارس- يقولون: من تركها تهاوناً فهذا يستتاب، وأما من تركها عامداً فيقتل. والمتهاون عندهم شيء، والعامد شيء، وهذا خطأ، فليس هناك متهاون ولا عامد، من ترك الصلاة فقد كفر، ما نقول: هل تركتها تهاوناً؟ ولا نسأله عن قلبه؟ ما تركها إلا بعد ما كفر بالله العظيم، فنمسح بالسيف على رأسه، هذا هو الصحيح، أما التفريق بين من تركها تهاوناً أو تكاسلاً أو عمداً فليس له أصل، لا من عند الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا الصحابة، ولا أئمة المسلمين، فليعلم ذلك، وإنما هو تقسيمٌ استحدثه بعض الفقهاء.
وجاء عند ابن ماجة والحاكم وأحمد وصححه عبد الحق الإشبيلي وابن تيمية، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر) وجاء عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الأعمى: (أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة) أما حديث (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) فالصحيح عند كثيرٍ من المحدثين أنه موقوفٌ على علي رضي الله عنه وأرضاه. وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين) وفي رواية (بخمسٍ وعشرين).
إذاً: صلاة الجماعة واجبة، يعزر من تركها بلا عذر، يؤخذ على يديه من قبل السلطان والإمام ومن القضاة، ويهجر ولا يزار ولا يجلس معه حتى يصلي في المسجد، وإذا سمعتم فتوى رخيصة تقول: صلاة الجماعة سنة، وللإنسان أن يصلي في بيته، فهذا -والعياذ بالله- بابٌ يفتح للمنافقين. قال ابن مسعود كما في صحيح مسلم: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافقٌ معلوم النفاق]] فكان الصحابة يرون من يتخلف عن صلاة الجماعة منافقاً معلوم النفاق.
وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان. قال سبحانه: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ [التوبة:18]) وهذا الحديث ضعيف، في سنده دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم، وروايته عن أبي الهيثم ضعيفة.
فاستقبال القبلة شرط إلا في صلاة النافلة على الراحلة في السفر، فتستقبل القبلة عند التكبير ثم لا يهمك أين توجهت بك راحلتك.
واستقبال القبلة يسقط إذا اجتهد العبد فصلى إلى غير القبلة، ثم بانَ له أنه صلى إلى غير القبلة، كأن يصلي في ظلمة، أو في صحراء، أو في سفر، لقول عقبة بن عامر: (صلينا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما أصبح الصباح رأينا أنا صلينا إلى غير القبلة، فأنزل الله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] فلم نعد الصلاة) وهذا حديثٌ صحيح.
فاستقبال القبلة وارد مع القدرة، إلا من كان مريضاً لا يستطيع استقبال القبلة فهذا معذور، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
وهذا مخالفٌ للنصوص، وقد نص المحدثون على أنه لا يصح هذا القول، وأنه مجانبٌ للصواب، ولا يجوز الأخذ به، وذلك لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وكان إذا كبر صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال: (الله أكبر) ولم يكن يضم أصابعه أو يفرجها، وإنما كان يجعلها على هيئتها وعادتها.
وأما رفع اليدين، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي حميد (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه) وجاء عند البخاري ومسلم من حديث وائل بن حجر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفعهما إلى فروع أذنيه) فكيف نجمع بينهما؟
قال بعض العلماء: أما أواخر الكفين فعند المنكبين؛ لحديث أبي حميد، وأما أطراف الأصابع فعند فروع الأذنين؛ لحديث وائل بن حجر. فمن جعلها عند فروع الأذنين أجزأه، ومن جعلهما حذو منكبيه أجزأه، ومن رفعهما بين الأذنين والمنكبين أجزأه كذلك.
وهنا مسألة ذكرها ابن قدامة، وهي: هل تكبر مع الرفع؟ أو بعد الرفع؟ أو قبل الرفع؟ أصوبها أن تكبر مع رفع اليدين، وإن رفعت قبل التكبير جاز، وإن رفعت بعد التكبير جاز، ولكن مع التكبير هو الأصوب والأحسن، وهو هديه عليه الصلاة والسلام.
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي منهن قد كنتُ أنصبُ |
فإنك شمسُ والملوك كواكبٌ إذا ظهرت لم يبد منهن كوكبُ |
قال أبو هريرة: (فديتك يا رسول الله بأبي وأمي، ماذا تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) وهذا هو أصح حديث في الاستفتاح، ويستفتح به المحدثون.
ويرى ابن تيمية وابن القيم أن أحسن استفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك؛ لأنه جمع تنزيهاً وتوحيداً وتسبيحاً وتحميداً.
ومن استفتح بهذا أو بذاك فقد أصاب، والأول جاء في الصحيحين، وأما الثاني فقد رواه مسلم بسندٍ منقطع، قاله الدارقطني وغيره، وقد وصله الدار قطني بسندٍ موصول، وهو صحيح.
وجاء عند مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا استفتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرتُ وأنا أول المسلمين) قال أهل العلم: قال عليه الصلاة والسلام وأنا أول المسلمين، لأنه أول المسلمين، وأما نحن فنقول: وأنا من المسلمين.
وقد أورد ابن القيم في زاد المعاد استفتاحات أخرى، لكن هذه ثلاثة استفتاحات، حديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث عمر في مسلم، وحديث علي: (وجهت وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) والرابع أورده ابن القيم في صلاة الليل، قال: (كان يسبح عشراً، ويحمدُ عشراً، ويكبر عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً) إلخ.
ومن صلى بلا استفتاح صحت صلاته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) فالاستعاذة واردة في حديث أبي سعيد الصحيح، وقالوا: النفث هو الشعر، والنفخ هو الكبر، والهمز هو الموتة، أي: الجنون قاله أبو عمر أحد الرواة.
لأهل العلم ثلاثة أقوال: القول الأول: لابد من قراءتها في السرية والجهرية وهو قول جمهور المحدثين.
القول الثاني: تُقرأ في السرية ولا تُقرأ في الجهرية خلف الإمام، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
القول الثالث: يكفيك قراءة الإمام في السرية والجهرية، وهو مذهب الأحناف.
والقول الأول هو الصحيح، أنك تقرأ بها في السرية والجهرية، فلا تسقط عنك الفاتحة على الصحيح، ولو قرأ الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولقوله: (فاقرءوا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
وهل لك أن تقدم بعض السور على بعض؟ كأن تقرأ -مثلاً- في الأولى (عمَّ) وفي الثانية (تبارك)؟ قالوا: هذا من تنكيس القرآن، وقد كرهه الأحناف، والصحيح عند المحدثين أنه جائز، وقد روى البخاري في الصحيح عن عمر أنه قرأ في الركعة الأولى سورة يوسف وقرأ في الثانية سورة يونس، وقد قال البخاري: من عاد إليه وجد ذلك. فهو مجزئ، بشرط أن تكون الأولى أطول من الثانية.
الأول: عند تكبيرة الإحرام.
الثاني: عند الركوع.
الثالث: عند الرفع من الركوع.
لحديث ابن عمر في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه) هذه ثلاثة مواطن.
الموطن الرابع جاء عند أبي داود، وهو عند القيام من التشهد الأول للركعة الثالثة، فهي أربعة مواطن.
والأحناف قالوا برفعٍ واحد وهو عند تكبيرة الإحرام، ولذلك صلى أبو حنيفة إماماً بـابن المبارك المحدث، فكبر أبو حنيفة فكبر ابن المبارك ورفع يديه، فكبر ليركع فرفع ابن المبارك يديه، ولم يرفع أبو حنيفة، فلما سلم قال أبو حنيفة لـابن المبارك: خفتُ أن تطير بجانبي من كثرة ما رفعت يدك. فقال ابن المبارك: لو أردت أن أطير لطرتُ في الأولى.
قال علي بن المديني: شيخ البخاري المحدث الكبير: من لم يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، فقد أزرى بالصحابة.
وقال المروزي: رفع اليدين ثابتٌ عن الأئمة مجمعٌ عليه. وكأن المروزي ما التفت إلى خلاف أبي حنيفة، والأمر ليس مجمعاً عليه؛ لأن أبا حنيفة يقول: الرفع عند تكبيرة الإحرام فقط.
فكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الركوع قال: الله أكبر ثم ركع، فهصر ظهره، كما جاء في حديث أبي حميد في الصحيحين، برأسه عليه الصلاة والسلام، حتى لو وضع إناءٌ من ماء ما سقط منه شيء. وكان يجعل يديه كالقابض على ركبتيه، ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، وورد عند أحمد -وقد ضعفها أحمد - زيادة (وبحمده) والصحيح أنها زيادة صحيحة، فقد صححها بعض المتأخرين.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (سبوحٌ قدوس، رب الملائكة والروح) في الركوع والسجود، وكان يقول في الركوع والسجود كما في الحديث الصحيح عن عائشة: (سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفرلي) يتأول القرآن، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم) وهذا أمر معلوم، لكن لابد أن يتدارس وأن يتفقه فيه، ولعل الله أن ينفع من سمعه، لأن في بعض البيوت من لا يحسن الصلاة، وبعض العجائز تصلي جالسة، وبعض الناس لا يعرف الصلاة إلا تقليداً، من فاتته الصلاة فقد فاته الإسلام.
وهل يقول: سبحان ربي العظيم مرة واحدة؟
قال بعض الفقهاء: يجزئ مرة واحدة، وقال بعضهم: لا يجزئ إلا ثلاثاً. والصحيح أنه يقولها المصلي ما استطاع، أو ما يقارب العشر مرات لحديث حذيفة: (كان يقولها صلى الله عليه وسلم عشر مرات) وصلى أنس وراء عمر بن عبد العزيز، فكان يقول (سبحان ربي العظيم) عشراً، فقال أنس: [[ما صليت وراء أحدٍ أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا]] يعني عمر بن عبد العزيز.
وقد ذكرنا أن من البدع المخالفة قول بعضهم: من قال: (ربنا ولك الحمد والشكر) فاعترض بعض المعترضين وقالوا: سبحان الله! كيف يعترض على أن نقول لله الشكر؟ أما أنعم الله علينا؟! كيف لا نشكر الله؟! ونقول: هذا رجلٌ جاهلٌ عارض الشرعية برأيه، والشريعة لم تأت بالآراء، قال علي رضي الله عنه: [[لو كان الدين بالرأي، لكان باطنٌ الخف أولى بالمسح من ظاهره]] إذاً الدين نقل، الدين من المعصوم صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أقول: صحيح أن الله هو الذي أنعم علينا، والشكر هو لله تعالى، لكن لماذا تأتي بكلمة ما أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم؟ من الذي علمنا السنة إلا محمد عليه الصلاة والسلام!
إذاً قف حيث وقف القوم، وسر حيث ساروا، مع سيد القوم صلى الله عليه وسلم.
أما المأموم فإذا سمع الإمام يقول: (سمع الله لمن حمده) قال: (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يوماً يقولها، فقال: (من قال هذا؟ فقال أحد الصحابة: أنا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتها ابتدرها ثلاثون من الملائكة يكتبونها) وفي بعض الروايات أنها عضلت ببضعة عشر ما استطاعوا رفعها إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ [فاطر:10].
إذا رفع المسلمُ من الركوع فهل يعيد يديه إلى صدره، أم يرسلها، أم ماذا؟ وقد نشر في بعض الصحف الإسلامية والجرائد كلام لعالمين محدثين كبيرين، أحدهما يقول: لا يضم يده اليمنى على اليسرى لأنه مخالف للأصول، ويسميها بدعةً حجازية، والعالم الآخر الجليل يقول: الضم بعد الركوع سنة، وذلك إلحاقاً بهيئة القيام بالفاتحة، لأن لكل هيئةٍ هيئةً منه صلى الله عليه وسلم، فالأقرب أن يجعل اليمنى على اليسرى، وقد أصاب من قال هذا القول الأخير، فالأحسن أن يضم يده اليمنى على اليسرى على صدره، إلحاقاً بهيئة القيام بالفاتحة التي فعلها عليه الصلاة والسلام.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن يديه من الأرض، وجافى يديه عن عضديه، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة، وبعض الناس يجافي ولا يستقبل بيديه ولا رجليه القبلة، وهذا أخطأ، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي حميد: (يستقبل بأطراف أصابعه القبلة) وهو في الصحيحين.
وجاء عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ضع يديك وارفع مرفقيك) أي لا تفترش المرفقين، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل يديه كافتراش السبع. قال الصنعاني في سبل السلام: نهينا عن هيئات، منها: هيئة الغراب، وهو نقر الصلاة كالغراب، ومنها: الالتفات كالتفات الثعلب، ومنها: البروك كبروك البعير، ومنها: تحريك اليدين بعد السلام كأذناب خيلٍ شمس، ومنها: افتراش اليدين كافتراش الكلب أو السبع، فلا يفترشها المسلم، بل يفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال: (سبحان ربي الأعلى وبحمده، رب اغفر لي) ودعا، وربما قال: (سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح) وربما قال: (سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفر لي) وكان يدعو كثيراً في السجود، كما في حديث عائشة عند مسلم، هذه أحواله صلى الله عليه وسلم في السجود التي نقلت إلينا، وقد جاء عند النسائي من حديث أبي ذر الغفاري بسندٍ جيد: (أن
وأيهما أفضل النـزول على الركبتين أم على اليدين؟ يقول: ابن القيم رحمه الله في حديث أبي هريرة، الذي هو حسن على الصحيح ولو أن بعض أهل العلم اتهم السند: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليقدم يديه قبل ركبتيه) قال ابن القيم: في الحديث قلب في قوله: (وليقدم يديه قبل ركبتيه) ولكن قد جاء عند الحاكم من حديث وائل بن حجر، وقد ذكره شعيب الأرنؤوط: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما قدم يديه قبل ركبته) فما موقفنا من ذلك؟ الأصوب أن تقدم الركبتين قبل اليدين، لحديث وائل وغيره من الأحاديث، والأصل في ذلك أن يبدأ الإنسان بالأقرب فالأقرب إلى الأرض، وأما حديث الحاكم فسنده صحيح، وربما فعله صلى الله عليه وسلم مرة من المرات، لكن تقديم اليدين قبل الركبتين فيه نكارة في الهيئة، وليس بصحيح.
إذاً نقول: الصحيح والذي تطمئن إليه النفس هو تقديم الركبتين على اليدين عند النـزول، وهو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام غالباً، أما ما ورد عند الحاكم فهو نادر.
وقول ابن القيم أنه لم يقل به أحد من أهل العلم. غير صحيح بل قال به الأوزاعي والبغوي، وجمٌ غفيرٌ من المحدثين، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقدم يديه قبل ركبتيه. فالخلاف في المسألة مشهور بين العلماء.
خلاصة المسألة: أن الأصوب والأولى تقديم الركبتين، ومن بدأ بيديه فقد أجزأته صلاته، وما ارتكب أمراً محرماً، والمسألة أسهل من ذلك، أن يختلف فيها المحدثون كثيراً، أو يكثر فيها الخلاف، كالجهر بالبسملة، وضم اليدين بعد الركوع، هذه من المسائل التي يتنازع فيها الأئمة، والأمر كما يقول ابن تيمية في أصول الفقه: ما ينبغي أن يعنف على المخالف فيها. فالمسألة أوسع من ذلك.
وبعضهم يقول: اغفر لي ولوالدي والمسلمين أجمعين، هذا لا بأس به لكنه لم يرد في هذا الموضع، وبعضهم يقول: رب اغفر لي، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، هذا الدعاء يكون خارج الصلاة، أما داخل الصلاة فلم يصح إلا حديثان اثنان: حديث ابن عباس وحديث حذيفة.
أما الإشارة بالسبابة، بين السجدتين، فقد قال بها بعض العلماء المتأخرين؛ وذلك إلحاقاً لها بالتشهد.
وقال بعض العلماء من أهل الحديث الأثريين: الإشارة بالسبابة بين السجدتين روايةٌ شاذة، لأن الإشارة بالسبابة عند الدعاء في التشهد، أو عند التشهد في التحيات فقط.
والذي أرى -والله أعلم- أن الإشارة بالسبابة بين السجدتين غير صحيحة، ومن أشار فله ذلك، ولكن السنة أن يمد أصابعه ويستقبل بها القبلة، ويقول: رب اغفر لي.. رب اغفر لي.. رب اغفر لي.. لحديث حذيفة، أو رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، أو واجبرني، لحديث ابن عباس الصحيح.
والبغوي يرى أنها سنة، وقد ذكرها في الجزء الأول من حديث وائل بن حجر وهذا هو الكلام الذي أتى به الألباني وغيره من أهل العلم، لكن قال العلماء: السنة ما نقلت إلا في هذا النقل من حديث وائل، بينما الأحاديث العامة الواردة في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام لم ترد بهذا.
على كل حال أقول: الذي يظهر لي حسب ما راجعتُ وما رأيتُ أن الإشارة بين السجدتين غير صحيحة، وهذا هو الأقرب -إن شاء الله- للأحاديث، كحديث أبي حميد الساعدي، وحديث أبي هريرة، ولكن لا يعنف على من أشار، وكما قال بعض العلماء: إن الإشارة منه صلى الله عليه وسلم عند التشهد، ولا تشهد بين السجدتين.
الأمر الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه في التشهد، وجاء عند الترمذي بسند حسن عن سعد أنه كان يشير في التشهد بأصبعين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحدٌ يا
بعض المحدثين يكتفي بهذا القدر، وبعضهم يرى الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول، والأحسن أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم باختصار، فيقول: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم ينهض.
وفي السنن أنه صلى الله عليه وسلم كان في التشهد الأول مسرعاً مستعجلاً كأنه كان على الرضف، ثم يقوم ناهضاً وكان عليه الصلاة والسلام يشير بأصبعه في التشهد.
وهل يحرك إصبعه عند الإشارة بها في التشهد أو لا يحركها؟
لأهل العلم في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: يشير بها ولا يحركها في التحيات جميعاً.
القول الثاني: يحركها عند التشهد.
القول الثالث: بعضهم يحركها عند الدعاء، والأقرب أنه يحركها عند التشهد لأنها علامة الوحدانية، لحديث سعد أنه كان يشير بالإصبعين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحد يا
وأما قول الفقهاء لا يحركها روايةٌ منكرة، ليست بصحيحة، بل قال المحدثون: يشير بها إذا أراد أن يتشهد ويحركها، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام، وينظر إليها.
والأمر أهون من أن يختلف عليها، فإن البعض قد يعنف على الآخر ويقول: لابد أن تحركها كل التحيات. والأمر أهون من ذلك، وهذه المسائل خلافية لا ينازع ولا يعنف عليها.
وقد سألتُ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذه المسألة، وذلك لأن ابن القيم تحدث عنها بكلام طيب، وهي أن للعلماء فيها ثلاثة أقوال: منهم من قال ببدعيتها، وقد أخطأ، ومنهم من قال: إنها سنة في كل صلاة، ومنهم من قال: تفعل أحياناً.
قال الشيخ ابن باز: تفعل أحياناً. وهذا هو الأقرب، فتفعلها أحياناً، وتتركها أحياناً، ولا تلزم الناس أن يفعلوها. وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينهض للثانية أو الرابعة، جلس جلسةً خفيفة ثم نهض أما من قال ببدعيتها فهو المبتدع، ومن قال: تفعل في كل صلاة، فليس بصحيح ولكن الأقرب والأوسط أن تفعل أحياناً لهذا الحديث، وهو خلاصة جلسة الاستراحة.
وأنا أعرف أن بعض المحدثين يقولون بفعلها دائماً، ونقول لهم: افعلوا ما شئتم.
خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريقُ |
والأمر أوسع من ذلك.
قال بعضهم: لك أن تدعو بما شئت. وهذا هو الصحيح إن شاء الله، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدعُ) قالوا: أعجبه: أي أقربه وأحسنه، ولحديث أبي هريرة في الصحيح (أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام بم يدعو، فقال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، أما دندنتك ودندنة
فأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك، ولو قلنا: إنه لابد أن يقيد بالألفاظ التي أتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأفسدنا صلاة الناس، لأن أكثر الناس يدعون بأدعية من عند أنفسهم لم ترد نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وورد في الحديث الصحيح: أن ذا الخويصرة الأعرابي أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فصلى معه، فلما انتهى من الصلاة وأراد أن يسلم، قال ذو الخويصرة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، ثم سلم، فقال صلى الله عليه وسلم: من الداعي آنفاً؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يعرفه غالباً، لكن لم يكن يتعمد أن يشهر بالناس، بل كان يوري، فقال: أنا يا رسول الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حجرت واسعاً) أي: إن رحمة الله وسعت كل شيء، ثم قام هذا الأعرابي فما لبث أن بال في المسجد!! في قصة طويلة.
فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليه تحجيره للرحمة، ولم ينكر عليه الدعاء من حيث هو، ما قال له: لقد استحدثت دعاءً وإنما قال: تحجرت رحمة الله، وكان السلف يدعون في صلاتهم بأمور لم تأتِ عن الرسول صلى الله عليه وسلم كأن يدعو الإنسان بتسهيل أموره، أو برزقٍ حلالٍ أو مباح على كل حال، فليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدعُ وحولهما ندندن، هذا هو الأصل في المسألة، إلا بقطيعة رحم والعياذ بالله، أو بتعدٍ في الدعاء، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث سعد: (إن أقواماً يعتدون في الدعاء والوضوء) فلا يعتد الإنسان في الدعاء، كقول بعضهم: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة. ولا بقطعية رحم، كأن يقول: اللهم عذب فلاناً من أقاربه، ولا بإثم كأن يقول: اللهم دمر المسلمين، أو افعل بهم، نعوذ بالله من ذلك.
السكتة الثانية: قبل الركوع. فقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: إذا استفتح القراءة قبل أن يقرأ، وقبل أن يركع إذا انتهى من القراءة) قال بعض المحدثين، ومنهم الشيخ الألباني: هذا حديث مضطرب، وبعض المحدثين يحسنه، والأقرب أنه حديثٌ حسن، فالسكتات إذاً سكتتان.
أما السكتة الثالثة التي ناقش عليها الفقهاء، ولم ترد في الحديث، فهي التي ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، وهي بعد أن ينتهي الإمام من قراءة الفاتحة، فيسكت سكتة خفيفة حتى يقرأ المأموم الفاتحة. والصحيح أن هذه ما ورد فيها نص من المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإن سكت الإمام فهو الأقرب، وذلك ليقرأ المأموم سورة الفاتحة، لكني ما أعرف حديثاً صحيحاً ينص على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسكت بعد قوله: ولا الضالين آمين، حتى يقرأ المأموم الفاتحة، ومن يعرف في ذلك دليلاً فليخبرنا به، وليفدنا به لنستفيد جميعاً، إنما المعروف الذي ناقش عليه العلماء هو في بداية الصلاة، وفي نهاية القراءة قبل الركوع، وابن القيم لما قال: لعله يسكت ليقرأ المأموم؛ لم يأت بحديثٍ في ذلك.
وأما السكتة الثانية، التي قبل الركوع وبعد الانتهاء من القراءة، فهي سكتةٌ سهلة لترداد النفس.
وهي زيادةٌ صحيحة ثابتة، قال بها المحدثون.
وربما اكتفى صلى الله عليه وسلم بتسليمةٍ واحدة، لكن الذي أعلم أن ذلك في النوافل وقيام الليل، وقد صلى بعض المشايخ ببعض الناس -كما سمعنا من بعض العلماء- في فريضة، فسلم تسليمةً واحدة ثم سكت، فلاموه، قال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم تسليمة واحدة، لكن الذي نعرفه أن هذا في النافلة، ولا ينبغي التلبيس على الناس في مثل هذه الأمور التي ما عرفوها، وقد قال المحدثون: الواحب تسليمة واحدة، والثانية سنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، عند أبي داود بسندٍ صحيح: (مفتاحها الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) فلا بد من تسليمة وجوباً، والثانية سنة.
وحديث أبي هريرة الصحيح المعروف (وتسبح ثلاثاً وثلاثين، وتكبر ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثين وثلاثين) وأما قوله: (وتكبر أربعاً وثلاثين) فقد جاء عند الترمذي عن علي، لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاطمة الذكر عند النوم. أمَّا بَعْد الصلاة فيقول: لا إله إلا الله، تتمة المائة، أما قراءة آية الكرسي بعد الذكر فقد أوردها ابن القيم، وقد روى النسائي في السنن الكبرى بسندٍ فيه ضعف، عن أبي أمامة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).
قال ابن القيم وقد تكلم عن ضعف الحديث: ورأيت شيخنا ابن تيمية يقرأ آية الكرسي.
وقد سألت سماحة الشيخ الوالد ابن باز، فقال: يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة.
وأما ضعف الحديث فهو من فضائل الأعمال، وقد ذكره ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من الفتاوى، قال الإمام أحمد: إذا أتى الحديث في الحلال والحرام تشددنا، وإذا أتى في الحلال تساهلنا. والتساهل في الحديث الضعيف يكون بثلاثة شروط:
الأول: ألا تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله.
الثاني: ألا يكون شديد الضعف.
الثالث: أن تؤيده قواعد وأصول الإسلام.
فهذا الحديث تؤيده قواعد؛ لأن آية الكرسي من الذكر، ومن فضائل الأعمال، وليس بضعيف شديد الضعف، إن شاء الله.
وقراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] بعد كل صلاة، رواه الطبراني كما أورده ابن حجر في بلوغ المرام، ولكنه حديثٌ ضعيف، ومن قرأها فلا بأس إن شاء الله.
ولو أن محبة ابن تيمية أكثر من ابن حجر!! لماذا؟ أولاً: حب من الله لمنـزلته في الإسلام. الأمر الثاني: أن ابن تيمية سلفي العقيدة، وابن حجر كان يؤول بعض الصفات، ويجب أن ننزل الناس منازلهم، فنترحم على ابن تيمية ونترحم على ابن حجر، ونسأل الله أن يجمعنا بابن تيمية وبـابن حجر في دار الكرامة، لكن الحق -إن شاء الله- في هذه المسألة مع ابن حجر؛لأن الدبر خارج الصلاة، ومن دعا قبل السلام فقد أصاب، ومن دعا بعد السلام فقد أصاب، والمسألة سهلة.
وقد انتقد ابن حجر على ابن تيمية ثلاث مسائل فأصاب فيها:
منها هذه المسألة والمسألة الثانية: يقول ابن تيمية: لم يؤاخِ الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة إلا في المدينة. وقد آخى بين بعضهم في حديثٍ صحيح في مكة.
المسألة الثالثة: قال ابن تيمية: لم يأتِ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنما كان يقول: اللهم صلِّ على محمد يقول: وبارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وإذا قال وعلى آل محمد ما يأتي بالأخرى. قال ابن حجر: بل أتت في الطبراني، وساق الأحاديث بالأسانيد الصحيحة، فصح كلامه. وربما أتى المفضول بشيءٍ أعظم مما يأتي به الفاضل، وذهب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالكمال، وإنما تأتي هذه الأمور من العلماء ليظهر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بها كماله عز وجل.
ولا تتعجبوا أن يختلف بعض طلبة العلم من المبتدئين من أمثالنا والمقصرين، فقد اختلف الأئمة، كالإمام مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة، ولـابن تيمية رسالة اسمها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
وقد اعتذر فيها للأئمة الأربعة لما اختلفوا في بعض المسائل ولغيرهم، وأتى من الأعذار أن بعضهم بلغه الحديث وبعضهم لم يبلغه، وبعضهم يكون الحديث عنده منسوخاً، وبعضهم يكون عنده ثابتاً، وبعضهم يصح عندهم الحديث وبعضهم لا يصح، وبعضهم يفهم غير الفهم الذي فهمه ذاك، وغيرها من الأعذار.
فأقول: قد يكون كثير منكم من يخالف في المسائل التي ذهبت إليها، فلا يعنف أحد على أحد، وله أن يذهب إلى ما رأى وربما يكون قوله هو الأصوب، وقد قيل لـابن تيمية: لماذا لم تؤلف في الفرعيات؟ فقال: الفروع سهلة، وأي رجلٍ عمل بما قاله بعض أهل العلم فقد أصاب. ولكن الأصول هي المهمة، وهي العقائد.
الجواب: أولاً: يا أخي! عليك أن ترى ما هي الحكمة في هذا الرجل، إن كان ما وصلته البينة والدعوة، وما وصلته النصيحة، وما أظهرت له الأحكام، فإني أوصيك أن تبين له، وتدعوه بالتي هي أحسن، فإذا أقمت عليه الحجة وانتكس فاهجره، والرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يهجر أهل المعاصي حتى يرى أنهم وصلتهم البينة، فإذا وصلتهم البينة هجرهم، وإلا فهو ما هجر الكفار في أول الطريق حتى دعاهم إلى الله، فما دام أنك قد دعوته وبينت له، ونصحته ووعظته فأعرض، فأرى أن تهجره ليرتدع، وقد قال ابن تيمية في باب الهجر: المسلم يكون حكيماً في مثل هذه الأمور، فإذا رأى أن الهجر أفضل هجر، وإذا رأى أن التأليف أفضل ألف.
ولذلك بعض المذنبين لم يهجرهم صلى الله عليه وسلم، كمن يكون عنده شوكة وقدرة، فإن بعض الناس الوجهاء إذا هجرته ما يبالي بك، سواء هجرته أو لم تهجره، فلو تحببت إليه وتألفت لنفعته، وبعض المعرضين يخاف إذا هجرته، كأن يكون لك هيمنة أو مكانة عنده، فهذا تهجره، وتعجبني كلمة لـابن تيمية أذكرها كثيراً، يقول: ليس الذكي هو الذي يعرف الخير من الشر، بل الذكي الفطن هو الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
فوصيتي لك إن كنت قد بلغته وأسمعته فتهجره ليرتدع، لكن مع ذلك تتواصل معه بالنصائح والوسائل والأشرطة الإسلامية والكتب، علّ الله أن يهديه.
الجواب: أقول: أنت أديت ما عليك: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] وأرى أن تهجر هذا الزوج، حتى يرتدع، وتهجر هذه الزوجة حتى تقوم بما أمرها الله به ما دام أن زوجها لا يصلي فكيف تبقى معه؟! هي أخطأت وشاركته في الإثم، وكذلك عليك ألا تيئس من روح الله، وأن تدعو لهم، بالهداية، هذا ما أراه في هذه المسألة.
الجواب: أنا أقصد من هذا تشويقاً وتسهيلاً للنفوس، وتغييراً لجو المجلس، فإن كنت مصيباً فالحمد لله، وإن كنت أخطأت فأستغفر الله، وأسأل الله أن يغفر لي ولكم، وقد ورد حديث لـجابر بن سمرة بسند صحيح {أن الصحابة كان يجلسون مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد بعد الفجر، فيتحدثون في أخبار الجاهلية فيضحكون، وهو يتبسم عليه الصلاة والسلام} فأنا لا أرى بأساً بالفكاهة المقتصدة، بشرط ألا يكثر منها وألا تكون كذباً، وألا يكون فيها فحش أو مجون أو بلاء، هذا ما أراه.
وقد خففت منه والحمد لله، بعد ما أرسل لي بعض العلماء وطلبة العلم رسائل في هذا الجانب، ورأينا أنه يؤلف بعض الشباب المعرضين، وكاتب الرسالة قد لا يحتاج إلى تأليف، لكن بعض الناس ما يمكن أن يترك مجلس المسرحية، والمسلسل، والأغنية، والمجلة، وملعب الكرة، والحديقة، ويجلس في مجلسي، وأنا آتيه بجدٍ صارم من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، فجعلنا شيئاً من هذا، وهذا منهج سلكه بعض أهل العلم، فقد سئل عالم في مثل هذا فقال: نظرت إلى الأخذ بالعزائم والرخص، فوجدت أن الأخذ بالرخص لأنها أرفق بالناس، والله المستعان. وأدلكم على كتاب: القصاص والمذكرين، قال ابن الجوزي في آخره: ولا بأس للمذكر والواعظ أن يأتي ببعض الطرائف والنكت ليشوق النفوس. وابن الجوزي ليس برسول، لكنه عالم يؤخذ من كلامه ويرد.
الجواب: ما دام أنك نصحته وأقمت عليه الحجة فأرى أن تهجره، وألا تستجيب دعوته، وألا تزوره إلا لفائدة الدعوة، وألا تستزيره. جارٌ لا يصلي بلا عذر في المسجد، فكيف تؤاخيه وتشاربه وتؤاكله؟! لأن الصلاة في المسجد واجبة، وتركها علامة للنفاق.
الجواب: تخطي الصفوف بدون أن ترى مكاناً ليس بوارد وهو من الإثم، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل يتخطى الصفوف: {اجلس فقد آنيت وآذيت} أي تأخرت وآذيت الناس، لكن قال الحنابلة كما في زاد المستقنع قالوا: إلا أن يجد فرجة لا يصل إليها إلا بأن يتخطى الصفوف فله ذلك، لكن الأحسن يا أخي إن كنت تريد الصف الأول فأتِ مبكراً، أما أن تتخطى الصفوف فلا يجوز لك، لا في الجمعة، ولا في الدروس، ولا في غيرها.
وبعض الناس تجده في الأخير، يدافع ويناطح ويصارع حتى يصل إلى الصف الأول، ليكتسب أجر الصف الأول، وهو قد ضيع من الأجور واكتسب من السيئات ما الله به عليم، وهذا مثل ما تفعل بعض النساء، تذهب مع السائق لتصلي التراويح، فيقال لها: حنانيك، خففي على نفسك، ضيعتِ من الفرائض والواجبات أعظم من هذه النافلة، تخرج متزينةً متجملةً متعطرةً متبرجةً، تخلو بأجنبي، ثم تركب معه في السيارة، وتذهب لتصلي معه صلاة التراويح وهي نافلة!! وقد ورد في السنن {أيما امرأة استعطرت ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا} يعني زانية.
على كل حال، على الإخوة ألا يتخطوا الصفوف، ولا يؤذوا المسلمين، وجلوسهم في الأخير من الرفق بالمسلمين أحسن لهم مع إيذاء المسلمين، ولو كان في الصف الأول.
الجواب: السنة إذا طلع الفجر ألا تصلي إلا ركعتين، فقد جاء في الحديث: {إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر} أورده عبد الرزاق في المصنف، وذكره ابن حجر في بلوغ المرام، فالسنة إذا طلع الفجر ألا تصلي إلا ركعتين ثم الفريضة، أما قول ابن حجر: يصلي ركعتين تحية المسجد، وركعتين سنة. فقد خالف المحدثين في ذلك، وأخذ بالظاهر، وهذا خلاف السنة، فالسنة أن تصلي ركعتين فحسب، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] في الركعة الأولى بعد الفاتحة، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] في الركعة الثانية بعد الفاتحة، هذا هو الصحيح.
الجواب: لأهل العلم قولان:
قالت المالكية: يصليها بعد طلوع الشمس، لحديث الترمذي {من فاتته الركعتان فليصلهما بعد أن تطلع الشمس} وهو حديثٌ ضعيف لا يستدل به، والرأي الصحيح، أن يصليها بعد صلاة الفجر مباشرة، لحديث قيس بن عمر.. ويسمى قيس بن فهد قال: {صليتُ مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولم أصل قبل صلاة الفجر ركعتين، فلما صلَّى قمتُ لأقضي الركعتين، فرآني وقد لاث به الناس، فقال لي: {آلصبح أربعاً؟ قلت: يا رسول الله! إني ما صليت الركعتين قبل الفجر، قال: فنعم إذاً} فأقره على قضائها بعد الفجر. وقد أورد الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل، أن رجلاً من العوام دخل في عهد سعيد بن المسيب إمام التابعين، إلى المسجد بعد أذان الفجر، فكان يصلي ركعتين ويسلم، ثم يزيد ركعتين وهكذا، فقال له سعيد بن المسيب: اتق الله، خالفت السنة. فقال الرجل: لا يعذبني الله لأني أصلي له. يريد أن يعارض برأيه، فقال ابن المسيب: لا يعذبك الله لأنك تصلي، ولكن والله ليعذبنك الله لأنك خالفت السنة!! الأمر ليس مزايدة، ولا مناهبة، الأمر سنة، ركعتان فقط.
الجواب: هذ الأمر يوجد عند بعض الناس الذين في قلوبهم نفاق، وهؤلاء من أهل الشبهات والشهوات، يتهجم على العلماء وطلبة العلم! وقد يصل ببعضهم إن كان يقصد الدين والكتاب والسنة إلى الكفر: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] فمثل هذا يصل به إلى درجة الكفر، إذا استهزأ بالعلماء بسبب أنهم يحملون الشريعة والكتاب والسنة.
وأنا أقول لهؤلاء المستهزئين المستهترين: اتقوا الله، ويلكم من الله: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين [البقرة:14-16].
فوصيتي باحترام العلماء والمشايخ ومعرفة قدرهم، وأنت يا مستهزئ اعلم أنك لا تزال في الحضيض، حتى تعرف قدر العلماء وطلبة العلم، وهم ليسوا بمعصومين، وربما أخطئوا وأذنبوا، فأحسن من ذلك أن تناصحهم أو تكتب إليهم أو تسألهم، ولحوم العلماء مسمومة.
غفر الله لي ولكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر