إسلام ويب

آداب الرسالة في الإسلامللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الرسالة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة، وقد استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته في الدعوة إلى الله.

    لكن لكتابة الرسالة أحكام وآداب، لابد من معرفتها، وفي هذه المادة تعرض لتلك الآداب والأحكام.

    1.   

    حديث رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

    فنسأل الله تعالى أن يجمعنا بكم وبكل مؤمن يريد الله والدار الآخرة في دار الكرامة، فإنه لا جمع في هذه الدار، وإنما هي دار الهم والحزن والغم، وما فيها أنس إلا بمثل هذه الوجوه الصالحة النيرة، وما هناك أنس إلا بسماع قول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أنزل نور مع هذا النور الوهاج الذي أرسله محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا.

    نور الهداية ونور الوحي ونور الرسالة، وكل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يشرق بهذا الدين فهو قلب مغضوب ومسخوط عليه.

    يحدثنا الإمام البخاري فيقول: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلاً، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: "فدعا عليهم صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق".

    هذا الحديث ذكره الإمام البخاري تحت (باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان).

    في هذا الحديث مسائل:

    أولاً: ترجمة بعض الرجال الذين روى لهم البخاري ولا نأخذ رجال السند كله، لأننا أعفينا أنفسنا وأعفيناكم من طول السند، ولكن نذكر بعضهم، وأنتم تعرفون أن المقصد من عرض تراجم السلف الصالح هو التربية، وإثارة الحمية فينا أن نقتدي بآبائنا وأجدادنا الذين سلفوا.

    عبيد الله بن عتبة وطرف من أخباره

    عبيد الله هو أمة من الأمم التي أوجدها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لحفظ العلم، وهو من الفقهاء السبعة من أهل المدينة، بكى من قيام الليل حتى عمي، مر به أحد التلاميذ، قال: يا أبا عتبة أين العينان الجميلتان؟ قال: "ذهب بهما بكاء الأسحار" هو أستاذ عمر بن عبد العزيز، وكلكم يعرف عمر بن عبد العزيز، والذي لا يعرفه فالواجب أن يعرفه من الليلة، لأن اتصال سندنا بـعمر بن عبد العزيز اتصال لا بد منه لمن أراد الله والدار الآخرة، فإن هؤلاء الأئمة جعلهم الله يهدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون.

    فـعمر بن عبد العزيز الذي تقلد أمر الأمة، هو حسنة من حسنات عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فقد كان شيخه في التدريس، وكان عمر شاباً يطلب العلم في المدينة المنورة، لأن أباه عبد العزيز بن مروان الذي كان والي مصر، أرسل ابنه ليتعلم العلم في المدينة، فكان عمر بن عبد العزيز وهو في ريعان الشباب يصلي العصر بحلة -أي: بلباس- ويصلي المغرب بلباس ثانٍ، ويصلي العشاء بلباس ثالث، هكذا لأن حياته وبيئتة سمحت له بذلك، وسنتعرض لموضوع اللباس -إن شاء الله- في صحيح البخاري، ونذكر ما يحمد وما يذم منه، وإنما الأعمال بالنيات.

    سمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن عبد العزيز يتنقص علياً رضي الله عن علي، فاستدعاه، وأجلسه أمامه وهو يحاسبه حساباً عسيراً، فقال عبيد الله: يا عمر بن عبد العزيز! متى سمعت أن الله غضب على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ متى سمعت أن الله غضب على أهل بيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟

    فبكى عمر وانكسر يبكي أمام عبيد الله، وقال: أعاهد الله ثم أعاهدك ألا أعود إلى ذلك، فلما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كانت كلمات أستاذه مغروسة في ذهنه أبد الدهر، يقول وهو يبكي بعد صلاة العشاء في ليلة من الليالي: "والله لوددت أن لي ليلة من ليالي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بالدنيا وما فيها".

    والصحيح أنه تولى الخلافة وعبيد الله ما زال حياً.

    أدرك ستة أشهر من الخلافة، فارتاح أن يتولى تلميذه العالم الإسلامي، فقادهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وقد كان بنو أمية يسبون علياً رضي الله عنه على المنابر، فجعل عمر بن عبد العزيز مكان هذا إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل:90].

    دخل عليه مرزوق مولى علي بن أبي طالب في عيد الفطر، فقال عمر: مولى من أنت؟ قال: فخفض صوته وقال: مولى علي حتى لا يسمع بنو أمية، فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز وقال: ارفع صوتك وقل: مولى علي، وأنا مولى علي، لا تولى الله من لا يتولى علياً! ولا قبل منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً يوم القيامة! ثم قال: لك عندي مائتا درهم، أما مائة فلأنك مولى، وأما المائة الثانية فلأنك مولى علي.

    لأنه استفاده من ذلك الأستاذ العظيم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.

    بكى عبيد الله حتى عمي -كما قلت لكم- وكان يقول الشعر الإسلامي الذي يحرك به القلوب، توفي عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ابن الخليفة وهو شاب، فاجتمع أهل المدينة، قالوا: نريد أن نعزي عمر بن عبد العزيز، قال: أتريدون شعراً أم نثراً؟ قالوا: نريد شعراً:

    باسم الذي أنزلت من عنده السور     الحمد لله أمَّا بَعْد يا عمر

    إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر     فكن على حذر قد ينفع الحذر

    واصبر على القدر المحتوم وارض به     وإن أتاك بما لا تشتهي القدر

    فما صفا لامرئ عيش يسر به     إلا سيتبع يوماً صفوه كدر

    ويقول:

    اتخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً     خليلاً فإني مبتغٍ صاحباً مثلي

    عزيز منالي لا ينال مودتي     من الناس إلا مسلم كامل العقلِ

    ولا يلبث الأخدان أن يتفرقوا     إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل

    توفي وبقي عمله وحديثه، وبقي اسمه يضوع في مساجد المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    أما عبد الله بن عباس فهو الحبر الإمام المعتبر، بحر الأمة وترجمان القرآن، والخاشع المبتهل لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك كان الصحابة يقولون: [[إذا حدثكم البحر فحسبكم بالبحر]] أي: ابن عباس.

    يقول عطاء: "رأيته في الحرم قبل العشاء، ثم مكث يصلي ويبكي حتى الفجر، فوالله لقد خشيت أن تختلف أضلاعه".

    وكان إذا قرأ قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] يبكي حتى يرثي له جلساؤه، وإذا تكلم قال: يوم الخميس، فيذكر موت الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الخميس فيبكي، كان يلبس مما آتاه الله، كان يلبس الحلة بألف دينار؛ ليظهر نعمة الله عز وجل، وليقدر العلم والصالحين، وليستقبل الناس، فرضي الله عنه وأرضاه وأكرم مثواه، وألحقنا به مع المؤمنين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

    عبد الله بن حذافة حامل الرسالة

    أخبر ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلاً، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرينالبحرين هي الأحساء - فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه، فدعا عليهم صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.

    وبعد وصول هذه الرسالة إلى كسرى أرسل كسرى إلى واليه في اليمن، وأمره أن يرسل رجلين يأتيان بمحمد صلى الله عليه وسلم مقيداً، فذهب الرجلان هذان حتى وصلا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ماذا جاء بكما؟ قالا: أتينا نأخذك ونوصلك إلى كسرى.

    بهذه البساطة يأخذون رسول البشرية صلى الله عليه وسلم، ويشاء الله أن يسحب آل كسرى من على كراسيهم، ويداسون بخيول المسلمين بعد أقل من خمسة عشر عاماً من هذه الرسالة، فيقول صلى الله عليه وسلم: {من أمركما بحلق لحاكما؟ قالا: ربنا أمرنا بذلك، قال: فإن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي} ثم مكثا عنده، فقال صلى الله عليه وسلم: {إن ربي قتل ربكم البارحة}.

    فأرخوا من تلك الليلة، فوجدوا أن كسرى قتل في تلك الليلة، وقاتله هو ابنه.

    ومزق الله ملك الأكاسرة بدخول سعد المدائن، فدخل سعد إيوان كسرى وهو يتلو قول الله عز وجل: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين َ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:25-29].

    وهذا الرجل الذي بعثه صلى الله عليه وسلم بالكتاب هو عبد الله بن حذافة، الرجل الدعوب المرح، القرشي المهاجري الكبير، الإمام الأمير، ولاه صلى الله عليه وسلم على بعض السرايا، وكان فيه دعابة لما ودع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله! مرهم أن يطيعوني، فقال صلى الله عليه وسلم: أطيعوه ولا تعصوه، فأخذها فرصة رضي الله عنه، فقال لهم: اجمعوا حطباً، فجمعوه، قال: أشعلوا الحطب، فأشعلوه، قال: ادخلوا في النار! هكذا قال، فتهيبوا، قال: أما قال لكم الرسول صلى الله عليه وسلم: أطيعوني، وهو صلى الله عليه وسلم يريد الطاعة بالمعروف، لا على إطلاقها، قال: فَهَمَّ بعضهم أن يلقي بنفسه في النار، وأحجم بعضهم، فتم أمرهم بالإجماع الأخير أن يعرضوا الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فإن أمرهم بذلك اقتحموا النار، فلما وصلوا المدينة، قالوا: يا رسول الله! أمرنا عبد الله بن حذافة الذي أمرته، فجمعنا حطباً وأشعلنا ناراً وهممنا أن نقع في النار، ولكن قلنا: نعرض الأمر عليك فما عصيناه، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق} ثم قال: {لو دخلوها ما خرجوا منها} وذلك جزاء لهم لأنها معصية، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يريد من الإنسان أن يهلك نفسه، لكن كان عبد الله بن حذافة يمزح.

    كان من مواقفه المشهودة أنه وقع أسيراً في الروم، وكان معه بعض الأسرى، فقال ملك الروم: أخرجوا لي أعقلهم وأذكاهم كي أكلمه فخرج عبد الله بن حذافة فقال له: يا عبد الله! أتريد أن أعطيك نصف ملكي وآبائي وأجدادي وتعود عن ملة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: [[والله لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أعود عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت]] قال: خذوه وألقوه في قدر يغلي، فلما ذهبوا به ووجد بعض الأسارى قد تفسخت لحومهم عن عظامهم، وهي تغلي بهم، بكى رضي الله عنه.

    فأعاده الجنود إلى العظيم، وقالوا: إنه بكى قال: لماذا بكيت؟ قال: [[أبكي على أنه ليس لي إلا نفس واحدة تُعذب؛ فليت لي بعدد شعر رأسي أنفساً تعذب في سبيل الله]] قال: والله لا أطلقك حتى تُقبِّل رأسي، فقبل رأسه وتفل عليه، فأطلقه وأطلق الأسارى معه، فلما وصل عبد الله بن حذافة إلى المدينة، ودخل المسجد، قال عمر: [[حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة]] فاجتمع عليه المسلمون في المسجد يقبلون رأسه، فكان يفر في ميمنة المسجد فيلحقونه إلى الميمنة، فيأخذ الميسرة، فيلحقونه إلى الميسرة ليقبلوا رأسه، فيمزح يقول: تريد يا أمير المؤمنين أن تجعل رأسي من التقبيل أصلع كرأسك؛ لأن عمر رضي الله عنه ليس في رأسه شعر، رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد مات عبد الله شهيداً ورفع الله درجته عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، نسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته.

    1.   

    آداب الرسائل

    وقبل أن ندخل شرح رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، أحب أن أبين آداب الرسالة أو الكتابة في الإسلام.

    البسملة

    ومن أدبها البسملة، أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وأما الحمدلة فليست واردة في الرسائل، بل واردة في الخطب، فمن السنة أن تكتب بسم الله، فتبتدئ بها ولا تبتدئ بالحمدلة، وفي الخطب تبدأ بالحمدلة ولا تبتدئ بالبسملة، والدليل على ذلك أنه ليس في رسائله صلى الله عليه وسلم حمدلة، ولما أرسل إلى هرقل عظيم الروم، قال: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله}.

    كتابة اسم المرسل

    الأمر الثاني: أن تبدأ باسمك أنت، فلو كان اسمك محمد بن علي، فتقول: من محمد بن علي إلى فلان بن فلان، ولا تقل: حضرة جناب المكرم الأخ العزيز الموقر الإمام المجتهد الصائم القائم الزاهد، فهذه الألقاب لا تذكرها حتى تأتي على اسمك أولاً في أول الرسالة، قال ابن عمر: [[إلا الابن فإني أرى أن يقدم أباه في الرسالة]] وكذلك إذا أرسلت إلى عالم كبير، فتقول مثلاً: إلى فلان بن فلان من فلان بن فلان، فأجازه ابن عمر، وذكره ابن حجر وكأنه رجَّح هذا.

    و ابن عمر أراد أن يكتب لـعبد الملك بن مروان، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر، إلى عبد الملك بن مروان، فاجتمع أبناؤه في البيت، وقالوا: لا بد أن تبدأ باسمه هو قبله، لأننا نخاف عليك منه؛ لأنه خليفة، فما زالوا به حتى كتب إلى عبد الملك بن مروان، من عبد الله بن عمر.

    الإيجاز والوضوح

    ومن آداب الرسائل في الإسلام الإيجاز:

    أرسل صلى الله عليه وسلم إلى هرقل رسالة فجعلها في أربعة أسطر، وأما الإسهاب فهو ضياع للوقت، يسأل الإنسان ويريد من أخيه أن يأتي من الرياض أو من جدة، فيكتب له كتيباً صغيراً يصلح أن يكون تأليفاً، يقرؤه في ساعة ونصف، وأخبارنا تسركم، وأمطارنا وأسعارنا، ثم يخبره بأسعار الهيل، وأسعار الموز، وأسعار البيبسي، وما حدث في المنطقة، ومن تزوج، ومن طلق، ومن مات، ومن عاش، فهذه مشغلة وضياع لوقت المسلمين.

    إذا أراد الإنسان أن يكتب رسالة فليكتب أربعة أسطر أو خمسة أسطر وتكفي، يدعو له ولا يدعو عليه، ويختم الرسالة.

    ومن آدابها -أيضاً- كما يقول أهل العلم: الوضوح، أي أن تكون واضحة المعاني والأساليب، فلا يكتب بالإنجليزي ليظهر للناس أنه يفهم الإنجليزي، لأن بعض الناس إذا تكلم معك يتكلم معك بها لتقول: هذا شاب متنورٌ متطور، ويظن أنه فهم وأنه تثقف، ويقول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: المداومة على التحدث بلغة غير لغة العرب، والاسترواح بها من علامات النفاق -نعوذ بالله من ذلك- ولا أجمل ولا أفصح من لغة العرب أبداً.

    الحذر من التصحيف

    ومن آداب الرسائل: رفع التصحيف، والتصحيف ثلاثة أقسام:

    رفع التصحيف بأن توضح الخط حتى لا يتصحف، وإذا كتبت كتيباً صغيراً، أو رسالة، أو مذكرة، أو أردت أن تكتب شيئاً فعليك بتكبير الخط وبتوضيحه؛ لأن الخط الرديء يخونك يوماً ما، تقرؤه بعد فترة من الفترات فلا تفهم الخط، فلذلك يقول الأول في وصف طالب:

    تقول له زيداً فيسمعه عمراً     ويكتبه بكراً ويقرؤه فهرا

    فهو يجمع تصحيف السماع وتصحيف الكتابة وتصحيف الفهم.

    فتملي عليه في الفصل: اكتبْ زيداً، فيسمعه عمراً، ثم يكتبه بكراً، وبعد أن يكتب يفهمه فهراً.

    والتصحيف كما قال أهل العلم من المحدثين على ثلاثة أقسام:

    تصحيف القراءة: أن تقرأ شيئاً ليس بوارد، وأورد منه ابن الجوزي والعسكري والسيوطي أمراً عجيباً، حتى إن بعضهم كان يقرأ حديثاً قدسياً، يقول: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل أي: حديثاً قدسياً فيما يرويه عن ربه، فقرأه محدث من المحدثين هكذا: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه سلم، عن الله، عن رجل، فقال العسكري: من هذا الذي جعل لله شيخاً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي: أنه أوصل السند إلى الله ثم رده إلى رجل، فهذا تصحيف القراءة.

    وأما تصحيف السماع: فهو كما قلت لكم، أن يقول الأستاذ في الفصل: حدثنا أبو هريرة، فيكتب الطالب حدثنا أبو ذر، أو تقول: كان عمر بن الخطاب، فيكتب: كان أبو بكر الصديق، وتقول: خرج إلى السوق، فيكتب دخل المسجد، فهذا تصحيف السماع.

    وأما تصحيف الفهم: فإنه أخطر الأمور، أن يفهم الإنسان عبارة فيصحفها ثم يلقيها على الناس، ووجدنا في كتب التفسير، أموراً عجيبة، وفي بعض التفاسير، ما أورده على سبيل التنبيه: سئل أحد أهل العلم من المصحفين، ما هو اسم أخي يوسف الذي طلبه إلى مصر؟ قال: اسمه نكتل، قالوا: ما هو الدليل؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ [يوسف:63].

    ونكتل: فعل مضارع، أي: نكتال من الحب، لكنه جزمه لأنه جواب الطلب، فسماه باسم أخيه، فقال: أخانا نكتل.

    وأفادني أحد المشايخ أن أحد الأساتذة صحف على نوح عليه السلام، فسمى ابنه عاصم، قال: والدليل على ذلك قول نوح: قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود:43].

    من فوائد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل

    من فوائد الحديث أيضاً:

    الأخذ بكتابة الكاتب وعمل القاضي بها، والشهود، وأخذ الوصاية منها، دل على ذلك كلام أهل العلم، قال الإمام مالك: "أقبل كتابة الصك يقرأ على الناس فيقر".

    وأخذ أهل العلم بذلك، وأورده صاحب المغني في باب القضاء وأدب القضاء، قال: أخذ أهل العلم على أن الكتاب يؤخذ به، والدليل على ذلك أن سليمان عليه السلام كتب إلى بلقيس عظيمة سبأ، فقال: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

    وفي الآية كذلك: البدء بالمرسل، فأخذت بلقيس بكتابته وعرفتها، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر في الصحيح: {ما حق امرئ له شيء يوصي به يبيت إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه} فكان ابن عمر دائماً يكتب وصيته عند رأسه، فمن السنة أن تكتب وصيتك وتجعلها عند رأسك، هذا إذا كان عليك دين أو شيء يحتاج، وإذا لم يحتج الأمر إلى كتابة فأخبر أهلك وتقول: الحمد لله ما علي من الدين إلا خمسون ألفاً، فيحفظونها ويعونها وينقلونها إلى الناس.

    ومن الفوائد آداب الكتابة.

    ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى الله بالرسائل، ويدعوهم بالكلام، ويدعوهم بالخطب، ويدعوهم بالوفود، وإذا لم تجد الرسائل والخطب والوفود، دعاهم بالسيف عليه أفضل الصلاة والسلام، ولذلك لما مزق كسرى رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب سعد بن أبي وقاص في ثلاثين ألفاً إلى القادسية، فمزق ملك هؤلاء تمزيقاً لا يرتقع أبد الدهر.

    حديث سرية عبد الله بن جحش

    يقول البخاري: واحتج بعض أهل البخاري في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث وكتب لأمير السرية، وقال: {لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا} فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومفاد هذه القصة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل رجلاً من الصحابة، فقال: اذهب إلى وادي نخلة، وائتني بخبر قريش، فذهب هذا الرجل، فلما جاع في الطريق عاد بالسرية، ودخل المدينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أرسلتك؟ قال: يا رسول الله! ذهبت فأصابني جوع وظمأ فعدت.

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والله لأرسلن معكم رجلاً يصبر على الجوع والظمأ، أين عبد الله بن جحش؟} القرشي الكبير الخطيب الذي قتل في أحد رضي الله عنه وأرضاه، وهو أول أمير سمي في الإسلام، فأرسله صلى الله عليه وسلم، وكتب له كتاباً، وقال: {لا تقرأ هذا الكتاب إلا بعد يومين، واقرأه على أصحابك ولا تُكره أحداً} أي: بعد أن تقرأ الكتاب لا تكره أحداً على المضي معك، فلما ذهب ليومين يريد وادي نخلة جهة مكة، قرأ الرسالة وفضها، وقرأها على الناس، فعاد رجلان ممن كانا معه، وذهب الجميع معه رضي الله عنه وأرضاه، فلما وصولوا إلى وادي نخلة، عرضت له قافلة لقريش فيها عمرو بن الحضرمي فقتلوه في رجب، وهو من الأشهر الحرم، فقالت قريش: كيف يستبيح محمد القتل في الأشهر الحرم؟

    انظر ما أحسن ورعهم! يخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، ويطردونه، ويبيعون أملاكه، ويفتون بالورع والزهد، يقولون: كيف تقتلون ابن الحضرمي في الأشهر الحرم؟ فأنزل الله عز وجل: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217].

    أي: تخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكفرون بالله، وتبصقون في المسجد الحرام، وتطردون أهل المسجد الحرام، وتستفتون الآن، أتى عندكم الورع؟ عجيب هذه الفتوى وهذا الذكاء، ويشبه هذا قول ابن عمر حين أتاه رجل من أهل العراق في الحج، قال: يا أبا عبد الرحمن ما حكم قتل البعوضة للمحرم؟ قال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: [[قاتلكم الله يا أهل العراق! لطختم أصابعكم بدم الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم بعوضة]] يقتلون الحسين ويسألون عن البعوضة.

    هذا مثل من يحافظ على الإبرة ويُضِّيع الجمل، فلما قتلوه رضوان الله عليهم وأرضاهم وعادوا، كانت معركة بدر بعدها، لأن هذا القتل كان في السنة الثانية، هذا مفاد هذا الحديث، وما هناك شيء يستوجب الإطالة والوقوف عنده، ولكن ننتقل إلى قضايا أخرى تمر بنا في السند.

    1.   

    حديث نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم

    قال البخاري رحمه الله: وعنقتادة عن أنس بن مالك، قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة نقشه محمد رسول الله كأني أنظر إلى بياضه في يده، فقلت: لـقتادة، من قال: نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس.

    الكتابة صفة كمال في غير النبي صلى الله عليه وسلم

    أولاً: في هذا الحديث قضايا:

    الأولى: هل كتب الرسول صلى الله عليه وسلم بيده؟ أو هل يقرأ أو يخط؟

    لأهل العلم في هذا نظرات، والصحيح أنه ما كتب عليه الصلاة والسلام ولا قرأ، وأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] وقال تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].

    فالصحيح عند أهل العلم والجماهير، أنه ما كتب عليه الصلاة والسلام.

    يقول القرطبي: صفة الكتابة صفة كمال في غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي فيه صفة نقص، لوكان يكتب عليه الصلاة والسلام لقالوا: اكتتب هذه الصحف وأتى علينا بصحف. ولذا قالوا: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] كيف يكتتبها صلى الله عليه وسلم وهو لا يكتب؟! والمعجزة فيه أن يكون أمياً، ولذلك يقول جولد زيهر هذا المستشرق الكلب، يقول: ليس العجب أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فإن عيسى وموسى عليهم السلام أنبياء، لكن العجب أن يبقى أربعين سنة في مكة، وليس فيها مدرسة، ولا كلية، ولا جامعة، ولا كتاتيب، ولا عنده شيخ، ثم يظهر بعد الأربعين فإذا هو أعظم مفتٍ في الدنيا، وأعظم خطيب في المعمورة، وأعظم فصيح، وأعظم قائد، وأعظم مربٍّ، وأعظم إداري، وأعظم سائس، هذه هي العظمة، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب لقالوا: أنت اكتتبتها.

    يقول الكفار بعضهم لبعض: الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم الصحف هو مولى آل فلان، كان قيناً يشحذ لهم السيوف (يصقلها) فيذهب صلى الله عليه وسلم يصقل بعض السيوف، قالوا: يذهب إليه يتعلم منه القرآن، عجيب! هذا المولى فارسي، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103].

    قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أمة أمية)

    فالرسول صلى الله عليه وسلم على الصحيح لا يكتب ولا يقرأ، وهو أمي، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} ولذلك علق ابن تيمية في الفتاوى بما يقارب خمسين صفحة على هذا الحديث: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} وقال: نحن لا نتعامل بالحساب ولا بعلم الفلك في مسألة رؤية الهلال، أو مسألة تقدم منازل الهلال، فإذا رأى الناس الهلال أفطرنا أو صمنا.

    أما أن يأتي أهل الهيئة فيقولون: رأيناه في منزلة كذا، بمقياس كذا إلى كذا ليفطر الناس؛ فلا إفطار على مقياسهم، لأنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، إذا شهد الشهود أفطرنا، وإذا شهدوا صمنا، فهذا مفاده (أنَّا أمة أمية).

    دليل أبي الوليد الباجي على أن النبي كان يكتب

    أما الذي أثار أن النبي صلى الله عليه وسلم يكتب فهو أبو الوليد الباجي المالكي الأندلسي، وألف في ذلك كتاباً، وادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب، والسبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في معركة الحديبية يفاوض كفار قريش، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة، تمركز بجيشه العرمرم في الحديبية، فسمعت قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يفتح مكة غصباً، فحلفوا باللات والعزى لا يفتحها، فخرجوا بسيوفهم، وقالوا: قبل أن نخرج نرسل إليه رجلاً يفاوضه، فأرسلوا مكرز بن حفص، فلما أتاه قال صلى الله عليه وسلم: { رجل فاجر} فنزل فما تم الصلح، فأتى الحليس بن علقمة، فقال صلى الله عليه وسلم: {هذا رجل من أناس يعظمون النسك أو الهدي فابعثوا الهدي أمامه} فبعثوا الغنم التي يريد صلى الله عليه وسلم أن يهديها للبيت، فلما رآها ذاك قال: ما كان لهؤلاء أن يُصدون عن البيت وعاد.

    فأرسلوا سهيل بن عمرو خطيب العرب، فوفد عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم، قال: { قد سهل لكم أمركم}.

    وقبل أن يأتي سهيل أرسل الرسول صلى الله عليه مفوضاً، قال لـعمر: يا عمر! قم واذهب إلى هؤلاء النفر ففاوضهم على الصلح، فقال عمر: يا رسول الله! تعلم أني من أعدى قريش إلى قريش، أي: أكره رجل في قريش إلى قريش.

    ولذلك يقول أبو سفيان لما عاد إليه: وجدت محمداً صلى الله عليه وسلم قريباً، وأبا بكر وعلياً، وأما أعدى العدو فهو عمر، والله لو لم يجد إلا الذر ليقاتلكم به لقاتلكم بالذر.

    فقال عمر: يا رسول الله: أنا ليس عندي أسرة تحميني -هو من بني عدي بن كعب- عشيرته تأتي في المرتبة الخامسة أو السادسة بعد بني هاشم، وبني أمية بن عبد شمس، وبعد بني مخزوم، وبني سهم، لكن أرسل عثمان يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: عليَّ بـعثمان فأرسل عثمان.

    فلما وصل عثمان أتاه أخوه أو قريب له، وقال: لا تذهب حتى نغديك، فأكرموه، فلما حبسوه، أتت الشائعة بين المسلمين قالوا: قتل عثمان، فانتفض صلى الله عليه وسلم وغضب، وجمع الناس، وبايعهم على الموت تحت الشجرة، فبايعوه صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] إلا رجلاً واحداً من المنافقين خرج معهم من المدينة في ظاهره أنه مسلم، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبايعه، قال: أما أنا فوالله -يقول للمسلمين- لأن ألقى جملي الأحمر خيرٌ من أن أبايع محمداً، فقال صلى الله عليه وسلم: {كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر} واسمه الجد بن قيس، فذهبوا إليه، فقالوا: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال: ألقى جملي قبل أن يستغفر لي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [المنافقون:5].

    وأتى سهيل بن عمرو فقال صلى الله عليه وسلم: {قد سهل لكم أمركم} فنزل وجلس، وأخرج صلى الله عليه وسلم الصحابة يحضرون المفاوضة، بين الرسول صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو، فأخذ سهيل بن عمرو بلحية رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسها ويفاوضه، فقال المغيرة وكان مدججاً بالسلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم: اترك يدك فوالله لأن مددتها لا تعود إليك أبداً.

    فأخذ سهيل بن عمرو يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل بن عمرو: اكتب بيننا وبينك كتاباً على الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فأتى، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا نعرف بسم الله الرحمن الرحيم، لا نعرف إلا رحمان اليمامة، اكتب باسمك اللهم، ورحمان اليمامة قيل: رئي من الجن.

    وقلت لـرحمان اليمامة عالجنْ     مصابي فإني بالمصاب عليل

    سمته العرب رحماناً، ليس مسيلمة؛ لأن مسيلمة ما أتى إلا متأخراً، فقال صلى الله عليه وسلم لـعلي: { اكتب باسمك اللهم} ثم قال صلى الله عليه وسلم لـعلي، {اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله} فكتب، قال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، قال صلى الله عليه وسلم: {أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله} اكتب يا علي وامح، قال علي: والله لا أمحو اسمك من الصحيفة أبداً، فأخذها صلى الله عليه وسلم، فتفل على الكتابة، ومحاها صلى الله عليه وسلم؛ ثم أعاد الكتاب إلى علي، فقالأبو الوليد الباجي: ما دام أنه صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه، فقد عرف مكان (رسول الله) في الصحيفة، فكيف عرفه وميزه؟ وليس في الحديث أن علياً أشار له، وقال: (هذا رسول الله، وهذا باسمك اللهم) قال ابن حجر: والذهبي وابن تيمية وهو الصحيح: الرجل الأمي من كثرة الكتابة يعرف اسمه، ولذلك بعض الناس الآن يعرف أن اسمه محمد مكتوب، من كثرة ما رأى اسمه، وبعضهم يوقع اسمه وهو لا يقرأ ولا يكتب، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى موقعها من الكلام فمحاها.

    فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا قرأ ولا كتب، وإنما محا ما عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة.

    ترجمة رجال الحديث (قتادة)

    وقتادة وهو قتادة بن دعامة السدوسي، والعجيب في أسماء المحدثين أن أكثرها على السجع، يقولون: إنه ولد أعمى فكان أحفظ أهل الدنيا.

    يقول ابن المبارك: [[ إذا غير الدهر حفظ أحد من الناس فما غير حفظ قتادة]].

    وفد قتادة على سعيد بن المسيب العالم الكبير الزاهد الذي دخله لا يكفيه ولا يكفي أحداً، فجلس عنده ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام قال سعيد بن المسيب: متى تخرج يا أعمى من بيتي فقد أنهكت مالي؟

    لأن سعيد بن المسيب ليس عنده دخل ولا راتب، عنده قطعة من الخبز، وقليل من الزيت، وقليل من العدس، فكان دائماً إذا أتى الصبوح وإذا قتادة جالس، يأتي الغداء وإذا قتادة على المائدة، وكذلك العشاء، فقال: متى تخرج يا أعمى فقد أنهكت مالي؟ قال سعيد بن المسيب: ما رأيت أحفظ منه، سمعت له سورة البقرة فوالله ما أخطأ في حرف، وكان يقول: إذا نزلت السوق وضعت أصابعي في أذني حتى لا أسمع شيئاً فأحفظه.

    ومن حفظه أمسكه عمران بن حطان الخارجي في السوق، وهو شاعر من الخوارج، وهو الذي يقول في مدح ابن ملجم الذي قتل علياً:

    يا ضربة من تقي ما أراد بها     إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً

    إني لأذكره يوماً فأحسبه     بين البرية أوفى الناس ميزانا

    فَرُدَّ عليه:

    يا ضربة من شقي ما أراد بها     إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا

    إني لأذكره يوماً فأحسبه     من شر خلق عباد الله ميزاناً

    وكان عمران بن حطان من أشعر العرب، فأمسك قتادة في السوق، فقال: احفظ مني يا أعمى بيتين لا تنساهما أبداً، قال: قل، قال:

    أرى أشقياء الناس لا يسأمونها     على أنهم فيها عراة وجُوَّع

    أراها وإن كانت تسر فإنها     سحابة صيف عن قريب تقشع

    أي: الدنيا.

    وللعلم فإن قتادة مدلس، إذا عنعن فانتبه له، إلا عند البخاري فإن البخاري يعرف من أين تؤكل الكتف، فلا يأتي بأحاديث مدلسة، لكن إذا قال (عن) في غير الصحيحين فانتبه للرجل فإنه يدلس، قد يكون بينه وبين هذا الرجل اثنين فيقول عنه، مثل أن ألقاك مثلاً فأروي عنك أحاديث، وبعد فترة آتي بأحاديث عن رجال عنك، وأقول: عن فلان، فيتوهمون أني رويته عنك، هذا هو التدليس.

    1.   

    حديث اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً

    عن أنس بن مالك، قال: (كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، أو أراد أن يكتب فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة، نقشه: محمد رسول الله، كأني أنظر إلى بياضه في يده، فقلت لـقتادة: من قال لك: نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس).

    محل لبس الخاتم وحكم لبسه

    أولاً هناك مسائل:

    أين يلبس الخاتم؟ الصحيح عن أهل العلم من المحققين كـابن القيم وغيره، أن الأحاديث في لبسه باليمنى وباليسرى صحيحة، فلك أن تلبسه في يسراك ولك أن تلبسه في يمناك، وصحت أحاديث اللبس في اليمنى، وصحت أحاديث اللبس في اليسرى، وأورد ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم حديثاً فيه زيادة، وصححه، هو ولا جدال في تصحيحه، وكفى به حفظاً وعلماً وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {نهى أن يلبس الخاتم إلا لذي سلطان} أي: السلطان له أن يلبس الخاتم، أما غيره فمنهي عنه.

    وحمل هذا النهي على الكراهة، والصحيح أنه قد لبسه كثير من الصحابة وليس عندهم سلطان، لبسه أنس، ولبسه البراء، ولبسه الحسن والحسين، وغيرهم من الصحابة والتابعين، فما أظن أن في ذلك حسبما قال أهل العلم إلا الكراهة إن صحت الزيادة التي أتى بها ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم.

    أما خاتم الذهب فحرام على الرجال، وتدخل في الحرمة دبلة الذهب؛ لحديث علي في المسند، وعند أبي داود بأسانيد صحيحة، قال: {أخذ صلى الله عليه وسلم قطعة من ذهب وقطعة من حرير ووقف على المنبر، فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثهم} فالذهب والحرير حرام على رجال أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما خصه الدليل، وبعض أهل العلم -وهي رواية عن الشافعية- على أنه يجوز للصبيان، والصحيح أنه لا يجوز للصبيان، وتجوز منه سن الذهب، فقد اتخذ عثمان رضي الله عنه ذهباً شد به أسنانه، وكذلك عبد الرحمن بن عوف، وكثير من التابعين.

    وقد اتخذ ابن عرفجة أنفاً من ذهب، والتداوي بالذهب في الجسم واردٌ للضرورة ولا شيء فيه إن شاء الله، كعملية الأنف، أو عملية الرجل.

    أما في غيرها كالحلية والزينة فإنه حرام لا يستخدم للرجال، ولا يلبس، فإن الله حرمها في الدنيا على الرجال، وأحلها في الآخرة لهم، ومن تقلَّد دبلة من ذهب فكأنما تقلد جمرة من نار، وهي محرمة باتفاق جمهور أهل العلم وخاصة منهم المحدثين، من نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.

    لبس خاتم الحديد

    أما خاتم الحديد فالظاهر من كلام أهل العلم والذي دلت عليه الأحاديث أنه حرام كذلك، رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً عليه خاتم من حديد، قال: {ما لي أرى عليك حلية أهل النار} فألقاه الرجل، وهذا الحديث في سنن أبي داود بسند مقبول، فقال أهل الظاهر: هذا لفظ يفيد بمفهومه التحريم، فيحرم أخذ دبلة، أو حلقة، أو خاتماً من حديد.

    لكن الذين جوزوه -وهم طائفة قليلة من أهل العلم- استدلوا بحديث سهل بن سعد في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتاه الرجل يخطب المرأة قال: {التمس ولو خاتماً من حديد} فقالوا: مادام أنه قال: خاتماً من حديد، فيكون مباحاً؛ لأنه لا يجعل المحرم مهراً، والصحيح أن هذا ليس بنص، ولا يفيد بمنطوقه أنه حكم في المسألة، لأنها قد تلبسه أو تبيعه، أو أنه جائز للمرأة وليس بجائز للرجل، فليس حكماً في هذا موطن النزاع، فيبقى على التحريم.

    وأما خاتم الفضة فجائز ووارد، ومباح، وهو الذي لبسه صلى الله عليه وسلم.

    نقش الخاتم بآية أو ذكر لله

    ومن نقش خاتمه بآية أو كلام فيه ذكر الله عز وجل، فلا يدخل به الحمام، لحديث معاذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم {كان إذا أراد أن يدخل الحمام خلع خاتمه} رواه أبو داود، وهذا الحديث معلول، قيل سبب العلة: أن الزهري لم يلق معاذاً.

    وقيل: فيه راوٍ ضعيف فالحديث لا يصح، ويرى الإمام أحمد أن يجعل فص الخاتم في جهة الكف إذا كان فيه شيء مكتوب، وأن يقبض إذا دخلت الخلاء، ذكره صاحب المغني وغيره من أهل العلم، وورد فيه حديث هو أحسن سنداً من ذاك الحديث الذي فيه خلع الخاتم، فإن خلعه فلا بأس به على فرض صحة الحديث وللتأدب عند دخول الخلاء، وإن وضع الفص داخل كفه فلا بأس بذلك إن شاء الله.

    ونقش الرسول صلى الله عليه وسلم على خاتمه (محمد) في سطر، و(رسول) في سطر، و(الله) في سطر، وكان يختم رسائله صلى الله عليه وسلم بذلك، ويبعثها إلى الناس فيقبلونها؛ لأنها من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلك أن تنقش على خاتمك آية أو حديثاً كما فعل بعض أهل العلم، ولا شيء في ذلك، والعجيب أن عمران بن الحصين كان نقش خاتمه صورة أسد كما يقول صاحب سير أعلام النبلاء: وبعضكم يتساءل: كيف يضع صورة أسد على الخاتم؟ والصحيح أن هذا من الصور الممتهنة التي لا تضر إن شاء الله فيها.

    لأن عائشة تقول كما في صحيح البخاري: {كان لي نمرقة فيه صور، فهتكه صلى الله عليه وسلم فجعلناه وسادتين يتكئ عليها صلى الله عليه وسلم} فإذا كانت الصورة مما يمتهن كالخاتم أو كالوسادة أو البطانية أو ما يقاربها، فالظاهر أنه لا شيء فيها، وتعودون إلى قصة عمران فإنه فعل ذلك.

    والعجيب أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث معه، فلما مات أخذه أبو بكر وجعله في يده الشريفة.

    فلما مات أبو بكر، أخذه عمر وتقلده، تشريفاً وتكريماً وتوقيراً، فلما مات عمر أخذه عثمان وجعله في يده، وبقي ست سنوات من حياته، فوقف عند بئر أريس فسقط منه الخاتم في البئر، فأمر بنزح بئر أريس فنزح الماء فما وجدوه أبداً، فبكى عثمان وقال: الله المستعان! فبدأت المشاكل والفتن من ذلك اليوم، حتى انتهت بقتله، وارتفع السيف في المسلمين، وتقلد كثير من الصحابة خواتيم في أيديهم للسنة، وتشريفاً لهم، ومن باب الجمال، ولا شيء فيه إن شاء الله.

    1.   

    شرح حديث أبي واقد الليثي وما يستفاد منه

    ثم قال البخاري: باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلَقة -بفتح اللام وسكونها- جلس فيها.

    عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهم فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفه، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فاوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه).

    هؤلاء ثلاثة نفر دخلوا والرسول صلى الله عليه وسلم عنده حلقة في المسجد، فأما أحدهم فذهب معرضاً وهو الأخير في الترتيب، وأما الثاني فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها، وأما الثالث فما وجد مكاناً فاستحيا أن يذهب، واستحيا أن يزاحم فجلس خلف المجلس، ولما انتهى صلى الله عليه وسلم من حديثه وقد لمح الثلاثة، قال: (أما ذاك فاوى إلى الله فآواه الله إليه -أي: رحمه وأدخله في كنفه وفي رحمته وبره- وأما الثاني فاستحيا من الله عز وجل -ثم استحيا من الناس أن يزاحم- فجلس حيث انتهى به المجلس، وأما الثالث -فغلب عليه مزاجه المريض فأعرض، فأعرض الله عنه) هذا هو مفاد الحديث أو جملة ما في الحديث.

    أما سند هذا الحديث فيكفينا فيه النجم العلم مالك بن أنس الذي لا يسأل عن مثله، مالك الذي يقول صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    قال عبد الرزاق: أرى أنه مالك بن أنس، رفعه الله بتقواه وبعلمه وبزهده وبورعه، وقد مر معنا في مناسبات وتحدثنا عنه.

    وأما الحديث ففيه قضايا:

    السلام على الجالسين في درس ونحوه

    الأولى: يقول ابن حجر: لماذا لم يُسَلَّم الثلاثة؟

    لماذا لم يذكر الراوي أن الثلاثة دخلوا المسجد ما سلموا؟

    لأنه يقول: دخل ثلاثة والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، وما ذكر التسليم، ويعتذر لهم بثلاثة أعذار:

    إما أنهم سلموا ولم ينقل، وإما أنهم استحيوا ورأوا ألا يقطعوا على الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث، فما سلموا استحياءً، وإما أنهم لم يعرفوا الحكم، أي: لم يعرفوا الحكم في أنه ينبغي ويسن أن يسلم على من في المجلس فما سلموا، وحكم هذه المسألة أنه لا بد أن يسلم على من في المجلس، فإذا أتيت وفي المجلس علم، أو في فصل، أو حلقة دراسية، أوحلقة ذكر ووعظ، فسلم عليهم بلا شك.

    لأن الأدلة دلت على أن السلام سنة، منها: الحديث الذي رواه أهل السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: { سألت بلالاً كيف كنتم تسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وكيف كان يرد عليكم؟

    قال: كنا إذا سلمنا عليه بسط يده -هكذا- رداً علينا} وسند هذا صحيح، ودل عليه حديث خباب كما عند الحاكم، وأصله في صحيح مسلم، من حديث صهيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم عليه رد، قالوا: كان يرد إما بالسبابة هكذا، وإما بالكف هكذا في الصلاة.

    ولا يعترض معترض بحديث ابن مسعود الصحيح، أنه يقول: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرد علينا، فلما قدمنا من الحبشة سلمنا عليه فمارد علينا، ثم قال: {إن في الصلاة لشغلاً} وهذا الحديث صحيح، ومعناه: أننا كنا نسلم عليه فنقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: وعليكم السلام ورحمة الله وهو في الصلاة، فنسخ هذا الحكم، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الصلاة لشغلا} وبقيت الإشارة، ولذلك جاء في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: {قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يصلون، فلما دخلت في الصف، سمعت رجلاً عطس في آخر المسجد، فقلت: يرحمك الله، فسبح الناس، فعطس ثانية، فقلت: يرحمك الله، فقالوا: سبحان الله! قلت: مالكم ويل أمي؟ فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً ألطف ولا أرحم ولا أحلم منه! فما كفرني، ولا كهرني -كفرني: قطب في وجهي وعبس، وكهرني: أي: انتهرني- وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن}.

    قال أهل العلم: فأما الكلام في الصلاة فهو على ثلاثة أظرف:

    من تكلم عامداً بطلت صلاته، ومن تكلم ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، كأن يأتي إنسان من البادية لا يعرف الحكم، فأتى في المسجد وتكلم، وقال: كيف حالك يا شيخ وهو يصلي معه الظهر؟! فلا شيء عليه إن كان جاهلاً أو ناسياً.

    وكذلك إذا تفكر في دينه، فرأى أنه عليه خمسة عشر ألفاً، فقال: الحمد لله! اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، فلا شيء عليه، أما رد السلام فيكون بالإشارة، ومن باب أولى أن يسلم على أهل الحلقات في حلقاتهم، وأهل الدروس في دروسهم، وللمعلم أن يرد السلام، وله أن يكتفي برد الناس، لأنه يكفي -كما في الصحيح- أن يرد عليهم واحد ويسلم عليهم واحد.

    تحية المسجد وأحكامها

    الأمر الثاني الذي يتساءل عنه أهل العلم في هذا الحديث: لماذا لم يذكر الراوي تحية المسجد؟

    قال القاضي عياض المالكي رحمه الله: الوقت وقت كراهة فما صلوا تحية المسجد، وهذا فيه احتمال، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، وليس للقاضي عياض دليل قاطع على هذه المسألة فلا يقبل؛ لأنه يريد أن يستدل بهذا الحديث على المذهب المالكي؛ لأن المالكية يقولون: إذا دخل بعد العصر أو بعد الفجر في المسجد فلا يصل التحية وليجلس.

    والصحيح أنه يُعتذر لهم بثلاثة أعذار:

    الأول: أنها ربما لم تكن قد شرعت -قاله ابن حجر - فجلسوا.

    والأمر الثاني: أنهم يمكن أنهم صلوا ركعتين فما ذكرها الراوي لاشتهارها بين الناس.

    والأمر الثالث: ربما لم يكونوا على وضوء، دخلوا المسجد وليسوا على وضوء، ولك أن تدخل المسجد على غير وضوء، ولك أن تدخل -إذا أردت أن تجلس في المسجد أو تذاكر من غير أن تقرأ القرآن أو تصلي- لك أن تدخل على غير وضوء، لأن في سنن أبي داود بسند حسن، قال صلى الله عليه وسلم: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب}.

    فلما منع صلى الله عليه وسلم من دخول الحائض والجنب المسجد، دل على أن غيرهم لهم ذلك، فمن انتقض وضوءه فله أن يدخل المسجد، وكان ابن عمر -كما في الصحيح-: ينام في المسجد.

    ومن نام في المسجد فقد يحدث وهو نائم، وينتقض وضوءه، فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يدخل وهو منتقض وضوءه لا أن يكون عليه جنابة، فصاحب الجنابة لا يدخل المسجد إلا عابر سبيل، يدخل من هذا الباب، ويخرج من الباب الآخر، أما أن تدخل وتجلس وأنت جنب فليس لك ذلك.

    وقد أورد صاحب المغني رأياً وهو: أن الجنب يتوضأ وله بعد ذلك أن يجلس في المسجد، والصحيح الأول كما قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] فيعبر ولا يجلس، وكذلك الحائض من النساء، وسوف يمر معنا باب الحيض، لندرك عظمة الإسلام في حياة المرأة، وكيف عاش الإسلام معها، وكيف لبَّى طلبات المرأة، وكيف حل مشكلات المرأة، وكيف اعتنى بها، ورفع قيمتها؟!

    فالحائض والنفساء من النساء لا يقربن المساجد، وإنما يعتزلن المساجد، ولهن أن يحضرن مجالس العلم إذا كانت في غير المسجد، فتجلس ولو كانت حائضاً أو جنباً، لحديث أم عطية أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر العواتق وذوات الخدور أن يحضرن صلاة العيد ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى؛ للبركة وللمنفعة من حضور مجالس العلم، هذه قضية دخول المسجد بلا وضوء.

    والصحيح أن ركعتي تحية المسجد سنة مؤكدة، ولا بد من أدائها، لحديث أبي قتادة في الصحيحين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وسواء كان في وقت نهي أو في غير وقت نهي؛ لأن هذا حديث خاص، وأما الحديث العام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس} فهو عام في الأوقات، يخصصه حديث ذوات الأسباب، كأن نمت عن صلاة فتصليها متى ذكرتها، ولو بعد الفجر أو بعد العصر، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]}.

    فالذي يدخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو كان الخطيب يخطب يوم الجمعة، لحديث جابر الصحيح، قال: {دخل سليك الغطفاني والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فجلس، فقال: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين -وفي رواية-: وأوجز فيهما، أو خفف فيهما} فأقامه صلى الله عليه وسلم في الخطبة، فمن باب أولى أن يصلي القادم الداخل في أي وقت، وإن دخل والناس في فريضة فيكفيه دخول الفريضة، وإن دخل والناس يصلون على جنازة فيكفيه صلاة الجنازة. وإن دخل والوقت ضيق ولا يتسع له أن يصلي ثم يدخل مع الإمام في صلاة الجمعة، فلينتظر ويدخل معه في الصلاة، هذا ما يتعلق بذكر تحية المسجد في الحديث.

    كيفية الجلوس في مجالس العلم

    القضية الثالثة: استحباب التحلق: من السنة في مجالس العلم أن تكون حلقة، أي: دائرة، لكن إذا كان هناك كلفة على الناس، أو لم يتسع المكان فلا بأس أن يجلسوا صفوفاً، لأنه ثبت أن الصحابة جلسوا مع النبي حلقاً، وثبت أنهم جلسوا صفوفاً، وثبت أنهم جلسوا وبعضهم ولى بظهره إلى القبلة.

    بل بعض الصحابة كان في عهد أبي بكر وعمر، يسمع الخطبة وظهره إلى جهة القبلة، فإذا قامت الصلاة استقبل القبلة فليس في الأمر شيء، فهذا إن شاء الله وارد، لكن أورده ابن حجر فأحببت أن أنبه عليه.

    والقضية الرابعة: يقول صلى الله عليه وسلم: { فاستحيا فاستحيا الله منه} فيه إثبات صفة الحياء لله عز وجل، وصرفها ابن حجر عن ظاهرها لأنه أشعري في الصفات كما يظهر، ولذلك تجدون سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يتعقبه في الصفات في الحاشية.

    يقول ابن حجر: استحيا الله منه أي: رحمه ولم يعاقبه، فأوَّل الصفة، والصحيح أننا نثبت صفة الحياء لله عز وجل كما تليق بجلاله لا نشبه ولا نمثل ولا نكيف، لأن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً [البقرة:26] فلما نفى الاستحياء عن نفسه في ضرب المثل عن البعوضة، دل على أنه تعالى يستحيي من أشياء أخرى.

    فعلم بمفهوم المخالفة أنه يستحيي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ورد حديث سلمان في السنن بسند حسن، قال: يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يستحيي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا} الله عز وجل الذي خلق السماوات والأرض وخلقنا وخلق الناس أجمعين يستحيي منك أيها العبد الضعيف أن يرد يديك صفراً بلا عطاء منه.

    لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه     من جود كفيك ما علمتني الطلبا

    يقول أهل العلم: في هذا الحديث فضل سد الفرجة، ووصل الصفوف، لأن هذا الأول رأى فرجة فدخل فيها، فدل على فضل من عمل هذا العمل، وهو أحسن الثلاثة عند الله عز وجل قال النبي: {أوى فآواه الله} وآوى الأولى تنطق: بالمد، وبالقصر، والأرجح أنها بالقصر لقوله تعالى: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ [الكهف:16] وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50] فلكم المد ولكم القصر، والقصر أولى.

    ورد حديث في سد الفرجة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله} وهو صحيح، واعلموا أن من أتى والصفوف قد اكتملت فإنه لا يجر رجلاً من الصف، والحديث الذي فيه ذلك حديث باطل، فيه السري بن إسماعيل وهو متروك، يقول الناظم:

    و الطبراني قد روى جر الرجل     فيه السري ضعفوا ما قد نقل

    فهو متروك ولا يصح أن يستشهد به.

    فلك أحد الحلول الثلاثة: إما أن تدخل مع الإمام، وإما أن تراص الصفوف مراصة، فتدخل فيها وتصلها، وإما أن تنتظر قليلاً؛ فإذا لم يأت أحد فتصل وصلاتك صحيحة، ولا شيء فيها إن شاء الله، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وهذا هو الموافق لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

    1.   

    الأسئلة

    الجلوس وسط الحلْقة

    سؤال يقول: من جلس في وسط الحلقة هل هو ملعون؟

    الجواب: نعم، إذا تحلقت الحلقة وجلس وسطهم فهو ملعون، وقد صح الحديث عن حذيفة أن رجلاً جلس في وسط الحلقة، قال: {قم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس في وسط الحلق} والحديث صحيح.

    حرمة الذهب والحرير على الرجال

    السؤال: ما حكم أقلام الذهب؟

    الجواب: أقلام الذهب يحرم استعمالها؛ لأنها من باب الزينة، واستعمالها يدخل فيما نهى عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: {حرام على ذكور أمتي} فأطلق التحريم، ولم يقيده إلا في حديث حذيفة وأم سلمة في الشرب والأكل، فعلم أن الأقلام والأزرار والساعات وما يدخل في حكمها، إذا كانت من ذهب فهي حرام على الرجال، وتدخل في الوعيد الشديد الذي ورد في حق من استعمل الذهب، فليعلم هذا بارك الله فيكم.

    أما الحرير: فيجوز للحاجة، لأني قلت لكم: الذهب يجوز للحاجة، وكذلك الحرير، فمن كان فيه حكة في جسمه، وقال أهل الطب: عليه ألا يلبس إلا الحرير، فله أن يلبس حريراً.

    ويجوز مقدار إصبعين وثلاث إلى أربع أصابع مطلقاً، ويجوز أن يكون في حاشية اللباس القليلة من إصبعين أو أقل من الحرير.

    أما غير ذلك فلا يجوز فإنه محرم على الرجال حلال للنساء.

    والسبب في حله للنساء وحرمته على الرجال؛ أن الزوجة مطلوب منها التجمل في بيت زوجها؛ لأن من أدب الإسلام للمرأة أن تكون جميلة في بيتها، وألا تستصحب الجمال إذا خرجت من بيتها، بل عليها أن تخرج في ثياب بيتها ومنزلها التي لا تجلب النظر، وتتحجب وتحتشم، ولا تتطيب في طريقها لئلا تفتن الناس.

    زينة المرأة وضوابطها

    السؤال: هل المرأة التي تلبس الزينة ملعونة؟ وهل يجب عليها أن تتعلم العلم؟ وما مقدار ما تحتاجه من العلم؟

    الجواب: هناك آثار تدل على أن من تطيبت بقصد الفتنة فإنها ملعونة -نسأل الله العافية- فعلى المسلمة أن تنتبه لهذا الأمر، إذا خرجت من بيتها، لأن الزينة إنما هي للزوج، أما للأجانب فلا، فإن فعلت فقد انتهكت حرمات الله عز وجل، وتعدت حدود الله، ولو كان أخا الزوج؛ لأن أخا الزوج اشتهر عند الناس أنه من أهل البيت، أي: أن له الحق في أن ينظر لأنه أمين، والحقيقة أنه هو الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} لأنه قد يتسبب في مشاكل وفتن عظيمة، فالواجب عليه ألا ينظر إلى امرأة أخيه، ولا تنظر إليه أبداً.

    وهذه حالات تحدث في المجتمع كثيرة، وتسمعون عنها.

    فإذا اضطر الشاب أن يسكن مع أخيه أو مع إخوانه في بيت، وعندهم زوجات، فلتكن له غرفة واحدة، ويؤتى بأكله فيها، ولا يرى زوجة أخيه، ولا زوجات إخوانه، ولا يرونه أبداً؛ لأن هذا يحرم عليه.

    إن السلامة من سلمى وجارتها     ألا تمر على حال بواديها

    ويجب على المرأة وجوباً أن تتعلم من العلم ما ينفعها، من أمر دينها بادئ ذي بدء، لأنه لا يطلب منها أن تفتي المسلمين، يطلب منها أن تتعلم الصلاة، وما يتعلق بالصلاة، وحق الزوج، وما يجب عليها تجاه بيتها وأطفالها، فإذا تعلمت ذلك واتقت الله فهي المؤمنة الصالحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها} فهذه هي المرأة التي يرفع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ميزانها يوم القيامة، وهي التي تربي الرجال.

    فالأم مدرسة إن أعددتها     أعددت شعباً طيب الأعراق

    وللمرأة أن تحضر مجالس العلم، والذكر، وتستفيد كما كانت النساء في عهده صلى الله عليه وسلم، فقد حضرن مجالس العلم، وخصص لهن يوماً من أيامه المباركة هو يوم الإثنين، يلتقي بهن فيجدهن وهو المعصوم، وربما ما زحنه من حسن خلقه وكن عنده في يوم من الأيام وكن يرفعن أصواتهن، فأتى عمر فلما سمع النساءُ عمر، ابتدرن الحجاب، وكدن يتكسرن في الطريق من مخافة عمر، فقال عمر: يا عدوات أنفسكن الرسول صلى الله عليه وسلم معكن لا تهبنه وتهبنني، ظن عمر أنها من منزلته رضي الله عنه، فخرجت امرأة عاقلة رشيدة منهن، فقالت: {أنت أفظ وأغلظ من رسول الله والرسول صلى الله عليه وسلم رحيم رءوف بالمؤمنين} أو كما قالت.

    فكان صلى الله عليه وسلم يجلس معهن، فمن واجب المرأة أن تحضر وأن تحرص على ما ينفعها.

    وأحسن ما أرشد المرأة إليه (برنامج نور على الدرب) لأن فيه الفقه في الدين، وفيه تعليم للمرأة، وأن تحرص على العلم الذي ينفعها في حياتها، فإننا لا نطلب من المرأة أن تكون مهندسة ولا طيارة، ولا جندية، ولا تظنوا أن الإسلام ينتقص المرأة، أو يحرم المرأة حقها حين يمنعها من الاختلاط، نحن في الإسلام نكرم المرأة، ونعظم المرأة، ونشرف المرأة، فنقول: تبقين في بيتك شريفة موقرة، تربين أبناءك ولك كل الحقوق كاملة.

    أما أن تصارع المجتمع، وتبقى سكرتيرة على المكتب، وتستقبل وتودع، فليس في الإسلام هذا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} أن ترأس مكتباً أو أن تكون مسئولة، فليست بمفلحة لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذين تتولاهم المرأة هم أنقص منها حظاً ونصيباً، ولذلك ألقى السباعي محاضرة في مصر، فقال: إن الإسلام وفىَّ المرأة حقها، فقامت امرأة مصرية، فقالت: كيف وفّى الإسلام حقها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إنهن ناقصات عقل ودين}.

    قال السباعي وكان سريع البديهة ذكياً: نعم يقول صلى الله عليه وسلم: {إنهن ناقصات عقلٌ ودين} وهذا في نساء الصحابة، أما أنتن فلا عقل ولا دين، فقامت أخرى، وقالت: كيف لا تلطفون بنا في محاضراتكم؟

    وكانت هذه المرأة لما قامت كانت سمينة، وقامت من آخر الحفل، وقالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {رفقاً يا أنجشه بالقوارير}؟ فقال السباعي: نعم! يقول: رفقاً بالقوارير، ولم يقل: رفقاً بالبراميل.

    نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يرشدنا لما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل أعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يأخذ بأيدينا وأيديكم لما يحب ويرضى، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا في الدارين، وأن يفقهنا في دين وميراث محمد صلى الله عليه وسلم.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718728

    عدد مرات الحفظ

    766017160