إسلام ويب

وصية ابن تيميةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شيخ الإسلام ابن تيميه هو أحد العلماء الذين بذلوا أنفسهم لخدمة هذا الدين، ولإعلاء كلمته على جميع الأديان، فقد قام بنشر العلم بين المسلمين، وقد تخرج على يديه الكثير من العلماء الذين خدموا الدين بكتبهم ومؤلفاتهم العديدة، فمنهم ابن القيم وابن كثير والذهبي وغيرهم من العلماء ممن تعلموا على يديه، وقد كان المفتي الأول في زمانه والمرجع لكثير من العلماء، وقد كتب له أحد علماء المغرب رسالة يطلب فيها أن يوصيه بما فيه صلاح دينه ودنياه، وأن يدله على كتاب يعتمد عليه في علم الحديث، وأن يدله على أفضل الأعمال بعد الواجبات، وأن يرشده إلى أفضل المكاسب، فكتب له وصية جامعة، وفي هذا الدرس شرح لهذه الوصية.

    1.   

    التعريف بشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض صفاته

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أمَّا بَعْد:

    فعنوان هذه المحاضرة، وصية ابن تيمية:

    شيخ الإسلام، ابن تيمية يشاركنا جلستنا هذه الليلة، ويتحفكم بهدية. أبو العباس ابن تيمية البطل المجاهد الزاهد العابد، العلامة النحرير، الكاتب العبقري.

    ابن تيمية يهدي لكم هدية، ويوصي كل مسلمٍ في هذه الليلة، وصية ولسان حال ابن تيمية يقول:

    أما والذي شق القلوب وأوجد الـ     ـمحبة فيها حيث لا تتصرم

    وحمّلها جُهد المُحب وإنه     ليضعف عن حمل القميص ويألمُ

    لأنتم على بعد الديار وقربها     أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ

    من هو ابن تيمية؟

    بين يدي الآن المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، التي شريناها وما قرأناها، إلا القليل.

    الفتاوى التي فيها ما هو أغلى من الدنيا، وأغلى من الذهب والفضة.

    فيها المنهج الرباني، والفهم السلفي الصحيح للعقيدة، وفهم الكتاب والسنة.

    في المجلد العاشر في الصفحة (653) يسأله سائلٌ عن مسألة ويجيب عليه ابن تيمية، لكن قبل أن أذكر السؤال، وأذكر وصية ابن تيمية، أقف دقائق مع شيخ الإسلام.

    أنا لن أترجم له فقد ترجم له الأئمة، والذين ترجموا له من العلماء وصنفوا فيه أكثر من ستين عالماً، وشيخ الإسلام مجدد، حتى إن بعضهم تجاوز القنطرة فقال: ابن تيمية ليس مجدد مائة سنة، بل مجدد ألف سنة.

    تقدم شاعراً فيهم خطيباً     ولولاه لما ركبوا وراءه

    أحد المستشرقين يقول: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض -يعني: ديناميت- فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن.

    والديناميت كتب حياة، ليست الثقافة السخيفة، أو الكتابات الميتة،كتابات البيع والشراء، عليها حقوق الطبع محفوظة، وليس فيها حفظ ولا فهم، ولا وعي ولا شيء يستفاد منه، ولكن من أراد أن ينظر إلى الإبداع والروعة، وإلى العبقرية، والإشراق، وإلى الفهم، فليطالع كتب ابن تيمية.

    يقول ابن القيم: كان شيخنا يكتب في اليوم كراريس.

    ماذا يفعل ابن تيمية؟

    يصلي الفجر ثم يجلس في مصلاه يقرأ ويردد سورة الفاتحة حتى يرتفع النهار، ثم يلتفت إلى تلاميذه ويقول: "هذه غدوتي -يعني: فطوره، غدوته الروحية- ولولاها لسقطت قواي، ثم يأخذ القلم، فيمتشقه ويسله فيكتب مما أعطاه الله بدون مرجع ولا شيء، مرجعه ما أعطاه الله في رأسه، يطالع في الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير ثم لا يعجبه ما كتب المفسرون، يقول: فأمرغ وجهي في التراب وأبكي وأقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.

    فيعلمه معلم إبراهيم، ويفهمه مفهم سليمان، فيأتي بعلم ما سمع به الأولون ولا الآخرون.

    كان يلوي رجلاً على رجل، ويكتب كراريس في يوم، كتب التدمرية، من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقررت علينا في أصول الدين فرسب كثيرٌ منا، لأن اسمها التدمرية تدمر كل شيء بأمر ربها، كتبها في ساعة، ودرست في سنة، وشرحها الأساتذة والدكاترة، وامتحن فيها، ومع ذلك ما أفلح الكثير، وما فهمها الكثير، ابن تيمية كان متصلاً بالله، ليس عنده أحد.

    دخل الإسكندرية والسيوف مصلتة في الشارع، يريدون ذبحه، قالوا: يا ابن تيمية خفف، عُد عن أقوالك، لأنه كان يهاجم المبتدعة القرامطة والباطنية والرافضة والملاحدة والذين خالفوا السياسة الشرعية، ويقولون: كلهم أعداؤك يريدون ذبحك، فيتبسم ويقول: تهددوني بالناس، والله كأنهم الذباب، وينفخ في كفه.

    لأنه اتصل بالله عز وجل، ولذلك كان قوي الإرادة.

    وابن دقيق العيد عالم القرن السادس، لما رأى ابن تيمية يتدفق من العلم، قال: رأيته يغلق عينيه ويتكلم، فلما فتح عينيه وسلم عليه ابن دقيق العيد، قال له: والله ما أرى أن الله يخلق مثلك، فغضب ابن تيمية من هذه الكلمة، لكن ابن دقيق العيد رأى شيئاً أذهله، رأى رجلاً يتفجر بالعلم، يجلس مع علماء الأصول، وعلماء النحو، والتوحيد، والمنطق، والفقه، والفرائض، فيشبع كلاً من علمه، وما أتى له رجلاً ينافسه إلا غلبه، وذلك بالحجة والبرهان.

    كان خطيباً ومفتياً، وواعظاً وزاهداً، ومجاهداً.

    من صفات شيخ الإسلام ابن تيمية

    أخذ السيف يوم وقعة شقحب، وهكذا هم علماء أهل السنة أتى التتار يزحفون كالجبال على العالم الإسلامي، فلما وصلوا إلى مشارف دمشق، خرج ابن تيمية خطيباً في الناس فجمعهم في دمشق في رمضان، وأخذ كوباً من الماء أمام الناس، وقال: يا أيها الناس! أنا مفطرٌ فأفطروا، فأفطر الناس، وقال: خذوا السلاح، فأخذوا السلاح، ودخل على السلطان، وقال: انزل قاتل: قال: السلطان أخاف أن يغلبني التتار -والتتار قد اجتاح العالم الإسلامي، وجاءوا من الصين مثل الجراد، ومن سيبريا لا يمرون بشيء إلا اقتلعوه وأزالوه، أخذوا مكتبة دار الحكمة ودمروها في النهر ومشوا بالفرسان والخيول على الكتب داخل النهر، دخلوا البيوت فجعلوها قاعاً صفصفاً- قال السلطان: لا أستطيع، قال: والله لتنصرن، قال: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، قال: واستل سيف السلطان من يده وقال: أنت حامي شريعة محمد عليه الصلاة والسلام انزل وقُد الناس، فأنزله، وأخذ ابن تيمية يقرأ سورة الأنفال والناس يبكون من قراءته، ووقف في المعركة عليه الثياب البيض، وهو آخذ بسيفه، فكان يضرب به فتتطاير شظايا السيف وتتكسر على رءوس التتار.

    وكان من أقوى الناس جسماً، السبب: كثرة الذكر وكثرة الاتصال بالله عز وجل، معه وجبة في اليوم هذا إن لم يكن صائماً. يقولون: إنه كان يأكل رغيفاً من الخبز وخيارة، وربما أكل اللحم في الأسبوع مرة، لكن ذكره هو الذي قوّاه بإذن الله، ولكن نحن ما فعلت لنا الكبسات..؟! لا شيء.

    عددنا اليوم مليار والحمد لله، وإسرائيل ثلاثة ملايين وقد لعبت بنا شرقاً وغرباً حتى إننا نراها في المنام.

    خرج ابن تيمية وقال: لنـنـتصرن وحضر معركة شقحب وانتصر المسلمون بإذن الله.

    وكان ابن تيمية عابداً في الليل، يقول: أما الليل فقد جعلته لربي، ينام بعد العشاء قليلاً ثم يقوم يصلي إلى الفجر.

    وكان وجهه عليه نور.

    ولم يتزوج ابن تيمية لكن الله يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].

    حتى لا يأتينا شاب اليوم ويقول: أنا لا أتزوج لأن ابن تيمية لم يتزوج، نقول له: إن الله أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يرسل ابن تيمية، وابن تيمية من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، ولابد أن ننظر في ذاك.

    وقد ورد أن الإمام أحمد قال لأحد الشباب: لماذا لا تتزوج؟ قال: ما تزوج إبراهيم بن أدهم، قال: أوه!! وقعنا في بنيات الطريق!! الله يقول: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] وعلى كل حال، الله أعلم بالسبب.

    وميراث ابن تيمية هي كتبه، وقد ألف أكثر من ثلاثمائة مصنف، كل مصنف يشترى بالدماء، ولو كتب بالدم أو بماء الذهب ما أنصفه لأن كتبه مثل الذهب الإبريز، ولذلك يهاجمه النبهاني والنبهاني هذا أعمى القلب والبصر، صوفي ضال، يقول: أما كتب ابن القيم وابن تيمية فلم يرزقها الله القبول، ولا انتشرت في الأرض. فتصدى له محمود الألوسي، وقال: أفكتبك وكتب أشياخك هي التي رزقت القبول، لا والله، لقد رزقت كتب ابن تيمية وابن القيم القبول في الدنيا، وإنها كالعسل المصفى، والذهب الإبريز، أما كتبك وكتب أشياخك فتصلح أحذية للناس. ومخالٍ يوضع فيها الشعير للحمير.

    أما هذه الكتب فنورٌ على نور، وقد جابت العالم، والآن في أمريكا تترجم فتاوى ابن تيمية، ووالله كما أخبرنا علماؤهم أنهم ذهلوا منها في الاجتماع والتربية، كيف يتكلم هذا في الاجتماع؟ من الذي فتح عليه إلا الله الواحد الأحد.

    هو الفتاح. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] كانت يديه دائماً مرفوعة إلى السماء يسأل الواحد الأحد.

    دخل على ابن قطلوبك فقال ابن قطلوبك: يا ابن تيمية! يقول الناس: إنك تريد ملكنا، قال: هيه ملكك!!، والله ما ملكك وملك آبائك يساوي عندي فلساً واحداً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض.

    وترجمة ابن تيمية طويلة جداً وهو عظيمٌ عظيم.. يقول المزي -من زملائه وتتلمذ عليه-: ما أعرف قبله بأربعمائة سنة مثله، ونحن نقول ما جاء من عهد ابن تيمية وقد توفي عام (728) إلى الآن مثله، واقرءوا التاريخ إن شئتم، ولا نغالي في الرجال، لكن نحب هذا الرجل حباً عجيباً.

    ونسأل الله أن يرينا وجهه في الجنة، وأن يجمعنا به في دار كرامته، إنه على كل شيءٍ قدير.

    1.   

    وصية شيخ الإسلام ابن تيمية

    جاء عالمٌ من علماء المغرب -حاجاً- يريد البيت، فمرَّ على دمشق؛ لأنه يسمع بـابن تيمية، وابن تيمية ذكره في أسبانيا وفي بلاد الإسلام، فوصل هذا العالم، والعلماء يقولون: كان العلماء إذا وصلوا إلى ابن تيمية أصبحوا تلاميذه

    فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ      إذا ظهرت لم يبدُ منهن كوكبُ

    فوصل هذا العالم، فلما رأى ابن تيمية كتب له سؤالاً يقول فيه: الشيخ الإمام بقية السلف وقدوة الخلف، أعلم من لقيت بباد المشرق والمغرب -ونقول له: حتى لو ذهبت الشمال، أو الجنوب فلن تجد مثله، ولا القارات الخمس- قال الذهبي فيما ينقل عنه: كان أبوه نجماً في العلم -يعني مثل النجم- وكان جده قمراً، أما ابن تيمية فكان شمساً: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12].

    ذاك نجم وهذا قمر، وهذا شمس، وإذا أتت الشمس، ذهب القمر والنجم.

    قال السائل: أن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني ودنياي، ويرشدني إلى كتابٍ يكون عليه اعتمادي، في علم الحديث، وينبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات، ويبين لي أرجح المكاسب. -علمني بمكسب يكون منه رزقي ودخلي، لأن الإسلام جمع بين الدين والدنيا، علمني هل أكون نجاراً أو خشاباً، أو مزارعاً، أو بائعاً، ما هي أفضل المكاسب يا شيخ الإسلام - ويقول: كل ذلك على قصد الإيماء والاختصار.

    يقول: انتبه يا ابن تيمية! لا تسهو من قلمك، فتملأ لنا الصفحات وتكتب مجلداً في هذه الوصية؛ لأن ابن تيمية إذا نسي نفسه ذكر من العلم الكثير وكتب في المسألة الواحدة مجلداً كاملاً.

    وقد أتاه يهودي بثمانية أبيات ينتقد فيها الشريعة وكان ذلك بعد صلاة الظهر، فقرأ ابن تيمية الأبيات، ثم لف الورقة وجعلها في جيبه، ثم أخرج دفتراً كبيراً وكتب فيه مائتين وأربعين بيتاً، وهي موجودة.

    يقول الذهبي: كانت عين ابن تيمية كاللسانين الناطقين من الذكاء والعبقرية، حتى يقول شاعر اليمن في ابن تيمية:

    وقاد ذهنٍ إذا سالت قريحته     يكاد يُخشى عليه من تلهُبِهِ

    فيقول السائل: يا ابن تيمية اختصر لنا في الإجابة، فالرجل مسافر وعالم ويريد أن يعود، فاكتب كلاماً بسيطاً قال: "والله تعالى يحفظه" -يعني يحفظ ابن تيمية - "والسلام الكريم عليه ورحمة الله وبركاته" فأجاب ابن تيمية فقال:

    "الحمد لله رب العالمين" -لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ورد عنه أنه قال: (كلُ أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أبتر) وفي لفظٍ: (بذكر الله) وفي لفظٍ: (باسم الله) وقد ضعفت بعض الروايات لكن في مجموعها تصل إلى درجة الحسن، فهو دائماً يستفتح بحمد الواحد الأحد، وهي مناسبة جيدة، فإنه يحمد الله على نعمة العلم والفهم، ونعمة الفقه في الدين.

    ومن هديه عليه الصلاة والسلام في الخطب -كما مر معنا- أنه كان يستفتحها بالحمد لله، والرسائل بالبسملة، فكأن ابن تيمية يخطب الآن بقلمه فيقول الحمد لله رب العالمين، ويقف ويضع نقطة.

    أما الوصية: فسوف يفصلها شيخ الإسلام كما وردت في السؤال يقول:

    الوصية الأولى: أوصني لصلاح ديني ودنياي.

    الوصية الثانية: أرشدني إلى كتاب أقرأ فيه، يكون عليه اعتمادي في علم الحديث.

    الوصية الثالثة: نبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات.

    الوصية الرابعة: أرشدني إلى أفضل المكاسب التي أستغلها في كسب رزقي، أو ما يدر علي الخير من المكاسب.

    تقوى الله.. وأهميتها

    قال: الحمد لله رب العالمين، أما الوصية، فما أعلم وصيةٍ أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها، قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] هذه وصية الله، التي أوصى الله بها في كتابه، وأوصى بها الرسول عليه الصلاة والسلام في سنته، فلا وصية لله أعظم من وصيته بالتقوى، أن اتقوا الله، وهي وصيته للأولين والآخرين.

    قال ابن القيم في كتاب الفوائد: قال سليمان عليه السلام: تعلمنا مما تعلم الناس، ومما لم يتعلم الناس، فما وجدنا كتقوى الله، فإذا أردت أن توصي حبيبك أو ابنك أو جارك، فأوصه بتقوى الله.

    وما هي تقوى الله؟ علماء أهل السنة يعرفونها:

    يقول طلق بن حبيب: تقوى الله، هي: أن تعمل الحسنة على نورٍ من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك السيئة على نورٍ من الله، تخشى عقاب الله.

    ويقول ابن تيمية: تقوى الله هي: العمل بالمأمور وترك المحذور.

    ويقول علي بن أبي طالب: تقوى الله: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

    الخوف من الجليل: الذي لا أجل منه، فمن لم يخف الله فليس بمتق، والعمل بالتنزيل: بالكتاب والسنة، والرضا بالقليل: من الدنيا، والاستعداد ليوم الرحيل.

    وعرفها بعض علماء أهل السنة فقالوا: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.

    ثم قال ابن تيمية: "ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن ".

    معاذ بن جبل علامة الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل} وفي حديثٍ سعد: {يأتي معاذ أمام العلماء يوم القيامة برتوة} برمية حجر، يعني يمشي معاذ أمام العلماء برمية حجر، وتوفي معاذ وعمره اثنتان وثلاثون سنة فقط، وكل هذا العلم في اثنتين وثلاثين سنة، وهو مجاهدٌ وزاهدٌ وعابد، وداعية اليمن، كان يحبه عليه الصلاة والسلام كثيراً، صلى معه العصر فلما خرج من صلاة العصر، أخذ الحبيب عليه الصلاة والسلام أصابعه فأشبكها في أصابع معاذ وقال: {يا معاذ! والله إني لأحبك -ما أحسن الكلمة تصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بك العصر، ثم يمسك بيدك ويقول والله إني لأحبك- قال معاذ: والله إني لأحبك يا رسول الله! قال عليه الصلاة والسلام: يا معاذ! لا تدع في دبر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} وهذا الحديث صحيح، رواه أبو داود وغيره، كان يحبه عليه الصلاة والسلام كثيراً، ولو أنه أخذ عليه بعض المواقف. مثل تطويله بالناس عندما صلى بهم في صلاة العشاء بسورة البقرة، والأنصار كانوا أهل عمل، يحرثون من الصباح إلى المساء، لا يقيلون ولا يرتاحون.

    {وأتى رجل كدَّ على جمله يسقي نخله إلى صلاة المغرب، فلما دخل في صلاة العشاء، ومعاذ مرتاح يطلب العلم يحضر الدروس ويقرأ، فظن أن مستوى الناس مثله، فبدأ يقرا في سورة البقرة، وانتظر الرجل، وانتظر وانتظر وفي الأخير قطع الصلاة وصلى أربع ركعات، وذهب إلى البيت، قال معاذ: أين فلان؟ قالوا: ترك الصلاة وصلى وحده. قال: منافق} ولما سمع الرجل أراد أن تكون المسألة خفيفة، لكن ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الصباح، وأخبره، وقال: معاذ طول بنا حتى تركنا صلاة الجماعة، فدعاه صلى الله عليه وسلم وغضب عليه وقال: { أفتانٌ أنت يا معاذ! أفتانٌ أنت يا معاذ..!!} قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من صلى منكم بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف والكبير وذا الحاجة}.

    والتخفيف هنا نسبي، لأن في سنن أبي داود بسندٍ صحيح عن عمرو بن سلمة، قال: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً} يعني اقتد بالضعيف من الناس، ولا تنظر إلى الشباب ففي الناس شيوخ معك في الصلاة، ومن الناس من عنده حاجة ووراءه ضيوف، وارتباطات، وفي الناس طفل صغير، وفيهم مريض، لكن هذا التخفيف نسبي.

    فلا يجعلها تخفيفاً، حتى كأنها التمارين الرياضية فلا تستطيع أن تلحقه، في الركوع ولا في السجود، فهذا ليس بصحيح، بل الوسط هو السنة.

    قال شيخ الإسلام، وهو يعرض وصيته، ووصى بها: يعني تقوى الله وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن، وكان مبعث معاذ إلى اليمن في التاسعة، وقيل في العاشرة، بعد غزوة تبوك، بعثه عليه الصلاة والسلام معلماً وقال: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب -واسمعوا يا دعاة الإسلام إلى منهج الدعوة- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وفي لفظٍ: {وإياك وكرائم أموالهم} والحديث متفقٌ عليه، لكن الشاهد هنا، قوله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ: {اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} هذا الحديث حسن، رواه الترمذي وغيره، وابن تيمية يفيض في هذا، وقد خرج عن الإجابة قليلاً، وقد قال له السائل أوجز واختصر، ومع ذلك أوجز واختصر، ولكن نسي، أحياناً يتعرض لمسألة فيكتب فيها خمسين صفحة!!

    وكلها علمٌ منقح ليس فيها إنشاء، ولا كلام ملفف، كلها علم مؤصل مبني على قواعد، فلذلك أسهب قليلاً بقلمه، ثم انطلق يتكلم عن الوصايا.

    ثم قال: أما بيان جمعها -يعني جمع هذه الوصية- اتقِ الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.

    والعبد عليه حقان، حقٌ لله تبارك وتعالى، وحقٌ للناس.

    والحق الذي لله، كأنه يقصر فيه، فقال: {اتقِ الله حيثما كنت} وقوله: {حيثما كنت} أي: في أي مكان، في السر والعلن، فإنك تحتاج لتقوى الله، أحوج من الماء البارد، أو من الهواء، والذي لا يتقي الله يصيبه الخذلان كثيراً، وتضل أموره، حتى أنه ما تعكر أمرٌ ولا عسر ولا منع رزقٌ ولا جفت عينٌ ولا قسى قلبٌ إلا بالمعصية، أحد السلف يقول: أنظر كل يوم في المرآة هل أسود وجهي من الخطايا أم لا؟ وهو من التابعين الكبار.

    ويقول أبو سليمان الداراني: والله إني أعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وامرأتي. حتى الدابة ما توافقك، بل الحذاء إذا ما ركب لك فكأنه من الذنوب والخطايا!!

    فإنها تقلقل حال العبد، واضطراب حال العبد من قلة تقواه لله عز وجل.

    قال: "فيمكن أن يقصر في التقوى، ومن منا معصوم، فالمتكلم والسامع أهل ذنبٍ وخطيئة.

    من ذا الذي ما ساء قط     ومن له الحسنى فقط

    ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها     كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

    قال شيخ الإسلام، وهو يعرض وصيته رضي الله عنه وأرضاه، ووصى به: يعني هذه تقوى الله وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن، كان مبعث معاذ إلى اليمن في التاسعة، وقيل في العاشرة، بعد غزوة تبوك، بعثه عليه الصلاة والسلام معلماً وقال: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم -اسمعوا يا دعاة الإسلام اسمعوا إلى منهج الدعوة- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وفي لفظٍ: {وإياك وكرائم أموالهم} والحديث متفقٌ عليه، لكن الشاهد هنا، قوله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ: {اتقِ الله حيث ما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} هذا الحديث حسن، رواه الترمذي وغيره، وابن تيمية يفيض في هذا، وقد خرج عن الإجابة قليلاً، يعني نسي الوصية وقد قال له السائل أوجز واختصر، مع ذلك أوجز واختصر، ولكن نسي، أحياناً يتعرض لمسألة فيكتب فيها خمسين صفحة!!

    كلها علمٌ منقح ليس فيها إنشاء، ولا كلام ملفف، الإسلام دين عدالة، ودين قوة، ودين تآخي ودين كرم، لا، كلها علم مؤصل مبني، فلذلك أسهب قليلاً بقلمه، نسي نفسه، ثم انطلق يتكلم عن الوصايا.

    ثم قال: أما بيان جمعها -يعني جمع هذه الوصية- اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن، والعبد عليه حقان، حقٌ لله تبارك وتعالى، وحقٌ للناس.

    والحق الذي لله، كأن يقصر فيه، فقال: {اتقِ الله حيثما كنت} وقوله: {حيثما كنت} في أي مكان، في السر والعلن، فإنك تحتاج لتقوى الله، أحوج من الماء البارد، أو من الهواء، والذي لا يتقي الله يصيبه الخذلان كثيراً، وتظل أموره، حتى ما تعكر أمرٌ ولا تمشكلَ أمرٌ ولا منع رزقٌ ولا جفت عينٌ ولا قسى قلبٌ إلا بالمعصية، أحد السلف يقول: أنظر كل يوم في المرآة هل وجهي أسود من الخطايا أم لا؟ وهو من التابعين الكبار.

    ويقول أبو سليمان الداراني: والله إني أعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخلق امرأتي. حتى الدابة ما توافقك، بل الحذاء إذا ما ركب لك فكأنه من الذنوب والخطايا!!

    يعني تقلقل واضطراب حال العبد من قلة تقواه لله عز وجل، قال: فيمكن أن يقصر في التقوى، ومن منا معصوم، فالمتكلم والسامع أهل ذنبٍ وخطيئة:

    من ذا الذي ما ساء قط     ومن له الحسنى فقط

    ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها     كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

    معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين

    وعند مسلم في الصحيح مرفوعاً: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم} وعند الترمذي بسندٍ حسن: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} كلنا أهل خطيئة، ومن أقسم أنه ما أذنب فقد كذب وافترى على الله؛ لأن ابن تيمية يقول: والذنب كالحتم على العبد، مكتوب عليه أن يذنب، لكن يستغفر ويعود إلى الله، فلما علم عليه الصلاة والسلام، أن العبد سوف يخطئ لا محالة، قال: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} إذا فعلت سيئة فافعل حسنة قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].

    وسبب نزول هذه الآية كما في الصحيح، أن رجلاً من الأنصار، نظر إلى امرأة -مجرد نظر- فذهب يبكي ويولول إلى محمد صلى الله عليه وسلم، انظر إلى الأبطال، وانظر إلى من عرفوا طريقهم إلى الله، أخطأ خطأً فشكى حاله إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو مستعد أن يتحمل أي شيء من أجل التطهر من هذه السيئة إما النظرة أو القبلة، ولو ذهبت نفسه من أجل ذلك.

    والمرأة تزني وتأتي إلى محمد عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح فتقول: طهرني فترجم بالحجارة حتى تموت وتغمس في أنهار الجنة.

    وماعز يقول: طهرني يا رسول الله! فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد ألا يعترف، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يفضح الناس، يقول كما عند الحاكم بسندٍ حسن: {يا أيها الناس! من ابتلى منكم بهذه القاذورات فليستتر بستر الله} فمن السنة أنك إذا ابتليت ببلاء فاستتر وتب إلى الله، فأتى ماعز من أمامه فاعترف بالزنا، فولى الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه لا يريد أن يفضح الناس، ويقول: {ادرأوا الحدود بالشبهات} وهو حديث حسن، فأتى ماعز من على اليمين فكلمه، فمال الرسول صلى الله عليه وسلم عن اليسار برأسه، فأتى من يساره فكلمه.

    فقال في الرابعة: {أبك جنون؟ قال: لا، قال: استنهكوه -يعني شموه هل هو سكران قد شرب خمراً؟- قالوا: ما به بأس، قال: هل أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، فقال: صلى الله عليه وسلم رأيته في الجنة} أو كما قال، إلى غيرها من القصص.

    {وجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو قال: قبلت امرأة فماذا عليَّ؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا أدري ما هي الكفارة} والرسول عليه الصلاة والسلام قال في حياته، لا أدري ثلاث مرات، يقول: {لا أدري تبعٌ نبيٌ أو لا} والحديث صحيح، {ولا أدري هل هو ذو القرنين أو لا} {وهل الحدود كفارات أم لا} ثلاث لا أدري، وصححها كثير من علماء السلف وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني وهو من المتأخرين، قال علي بن أبي طالب: [[من فاتته لا أدري أصيبت مقاتله]] وقالوا: من أجاب الناس على كل سؤال فهو مجنون.

    ولا أدري نصف العلم، فعليك بلا أدري إذا لم تعرف، وما عليك من غضب الناس، فإذا سئلت في مجلس، أو في مجمع، وأنت لا تعرف فقل: لا أدري، اسألوا العلماء.

    فهنا الشاهد قال صلى الله عليه وسلم: لا أدري..!! فأنزل الله عليه بعد ساعات: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فدعا الرجل وتلا عليه هذه الآية وهذه فتوى، قال له: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] قيل: صلاة الفرائض، وقيل: تنفل في أول الليل وفي آخره، قال: علي هذه -يا رسول الله- خاصة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {بل لأمتي إلى يوم القيامة}.

    بشرى لنا معشر الإسلام إنا لنا     من العناية ركناً غير منهدمِ

    لما دعا الله داعينا لطاعته      بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ

    جئنا متأخرين في آخر الزمن.. ولكن أول من يدخل الجنة من الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {سمع موسى يوم أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام، بأجور الأمة المحمدية، فقال: يا رب! اجعلني من أمة محمد -منافسة في الخير لما رأى الأجور- قال يا ليتني من أمة محمد} والحديث صحيح.

    وصح عند النسائي وأحمد، أن عمر وجد ورقة صفراء في مدراسٍ لليهود -عليهم غضب الله؛ فهم ممن خالف شرع الله فاستبشر بها؛ لأن العرب أمة أمية، ليس عندهم أقلام، ولا مكتبات، ولا صحف، ولا جرائد ولا مجلات، ولا أشرطة، أمة من الصحراء: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ [الجمعة:2].

    وفي الحديث: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} فاستبشر بها عمر فقال: سأعطيها الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: خذ يا رسول الله! ورقة من التوراة وجدتها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه، حتى كأن حب الرمان فقئ في وجهه من الغضب، ونظر إلى عمر وقال: {أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! أمتهوكون؟ -يعني: متساقطون في الشريعة- وقيل: أفي شكٍ أنت!! والذي نفسي بيده! لو كان موسى حياً، لما وسعه إلا اتباعي، أما أتيتُ بها بيضاء} يعني: لا نحتاج إلى شرائع من الثقافات ولا إلى علم من غير الكتاب والسنة، وقد فصلا كل شيء من لا إله إلا الله، إلى إماطة الأذى عن الطريق. وكيفية الاستنشاق والاستجمار، والمضمضة، وكيف تعفي لحيتك، وتأخذ شاربك، وتقلم أظفارك، وتحلق عانتك وإبطك، وبعدها نقول: نريد ثقافة حتى نتوسع في العلوم...!!

    هذه شريعته عليه الصلاة والسلام، والشاهد أنه لابد للعبد أن يذنب، ولكن الحسنات يذهبن السيئات؟

    الخلق الحسن

    قال ابن تيمية: "وحق لعباده" ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {وخالق الناس بخلقٍ حسن} فما تعريف الخلق الحسن؟ قال الإمام أحمد: الخلق الحسن: ألا تغضب، والصحيح أنه لابد للإنسان أن يغضب لأنه لا يوجد أحد لا يغضب.

    يقول الشافعي: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، يعني إنسان تنتهك محارم الله أمام عينيه، ولا يغضب بل هو حليم ما شاء الله، ويتبسم، ويقول: أعطانا الله حلماً، فنقول: بل هذه بلادة وغباوة، وإذا لم تغضب في هذا الوضع فمتى تغضب؟!

    والغضب ما يطلب إلا هنا، لكن لو أن أحداً أخطأ عليه بخطأ واحد، فهل ترى من حلمه شيئاً؟! وبعضهم كثير الغضب، يشتعل، فلو قلت له كلمة غضب سريعاً، حتى قال عليه الصلاة والسلام -في الصحيح- لـأبي ذر، وقيل لغيره لما قال له: أوصني {لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب} فالغضب هذا من أبواب الشيطان في دخوله على العبد.

    والخلق الحسن، قالوا: وجهٌ طليق، وكلامٌ سهل. وقالوا: هو بذل الندى وكف الأذى. وقالوا: هو أن تعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك.

    وهذا يروى في حديث عنه عليه الصلاة والسلام، لكن في سنده نظر: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} وقد طبقه عليه الصلاة والسلام في حياته، فوصل من قطعه، وعفا عمن ظلمه، وأعطى من حرمه. وأما في الحديث الصحيح، فيقول عليه الصلاة والسلام في البخاري: {ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها} أما أنك تصل من وصلك فما فعلت شيئاً، أنت مكافئ بالحساب، وبعضهم يقول: لم يصلنا فلان فلا نصله، ولم يزرنا فلا نزوره ولم يعزمنا فلا نعزمه، وما أدانني قبل أربع سنوات، والله لا أدينه، وما شهد لي شهادة زور، والله لا أشهد له شهادة زور، ولكن لو شهد له شهادة زور، لشهد له شهادة زور.

    إذاً أيها المسلمون، هذا جماع الخلق الحسن، قال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

    فما هو الخلق العظيم؟ قال مجاهد: [[الدين العظيم]] ومن العجيب أن هذا خلقه صلى الله عليه وسلم في الدين والمعاملة والاعتقاد، والأحوال والصفات.

    مكفرات الذنوب

    ثم قال ابن تيمية واستطرد في الجواب وأسهب، لكني آخذ رءوس الجمل، ولب الإجابة بلفظه إن شاء الله.

    قال: "وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، فإنه أبلغ في المحو، والذنوب يزول موجبها بأشياء"

    أي: يقول: ينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، مثل ماذا؟

    مثل إنسان كان يستمع الغناء، فكيف يكون المكفر له إذا تاب؟ أن يكثر من سماع القرآن والأشرطة الإسلامية، وإنسان كان ينظر إلى الحرام فعليه أن يكثر النظر في المصحف! وإنسان كان يجالس البطالين والعاطلين والفجرة فعليه أن يكثر من مجالسة الصالحين، هذا مقصود ابن تيمية، فإنها أبلغ في المحو وتزول بإذن الله الواحد الأحد.

    قال: والذنوب يزيل موجبها بأشياء -وقد عدها في عشرة مواطن، وألقيتها في درس اسمه (مكفرات الذنوب العشرة) وقد ذكر العشرة المكفرات- قال أحدها التوبة: فإن التوبة كما صح عند مسلم: {تجب ما قبلها} فإن الله عز وجل يغفر ذنوب العبد إذا تاب وأناب ولو كانت ذنوبه ملء السماء والأرض، لكن إذا صدق في التوبة وأخلص، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] وقال: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    ولكن من أصر على صغيرة فهي كبيرة، ويخشى عليه، ولذلك ورد عن بعض الشعراء أنهم أصروا على الصغائر، وقد لامَ كثيرٌ من العلماء مجنون ليلى الذي يقول في بيتٍ له:

    أتوبُ إليك يا رحمن مما     جنت نفسي فقد كثرت ذنوبي

    وأما من هوى ليلى وتركي     زيارتها فإني لا أتوبُ

    أستغفر الله! يقول: كل شيء أتوب منه، إلا ليلى هذه، فقالوا: إن كان ثبت عنه ما يقول، فهو من الذين أصروا على الذنب وهم يعلمون، ولا ينبغي للعبد أن يصر على ذنب، وتجد بعضهم يصر على صغيرة من الصغائر، تناصحه فيقول: لا أستطيع تركها، وهذا هو الإصرار بعينه، والذي يُخشى على العبد هو أن تأتيه المنية وقلبه معقودٌ على الذنب والخطيئة، فيهلك والعياذ بالله!

    قال: والثاني مما يمحو الذنوب والخطايا: الاستغفار، وإن كان من غير توبة، فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال.

    فانظر ما أحسن الكلام! إنه كلام محسوب، وكلامٌ عجيب، لا يأتي به إلا مثل ابن تيمية يقول: قد ينفع الاستغفار بلا توبة، لإنه دعاء، وقد يغفر الله لك ولو لم تتب، لكن بقولك: أستغفر الله.. والاستغفار له فوائد ثلاث:

    الأولى: ألا يقدم الله هلاكك في الدنيا، يقول جعفر الصادق: لو نزلت صاعقةٌ من السماء؛ لأصابت كل عبدٍ إلا المستغفر، لأن الله يقول: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].

    الثاني: أنها متاع حسن في الجسم والولد، قال سبحانه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90].

    الثالث: أنها زيادة في المال والولد، قال نوحٌ عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] هذه فائدة الاستغفار.

    قالوا: لـخالد بن معدان الزاهد العالم الكبير، كم تستغفر في اليوم؟ قال: مائة ألف إن لم تخطئ الأصابع، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي رواية: {مائة مرة}.

    الثالث: من المكفرات التي تكفر الذنوب: الأعمال الصالحة: فوضوءك، وصلاتك، وذكرك لله واستغفارك، ودعاؤك، وحضورك مجالس العلم، واستفادتك من طلبة العلم، وحبك للصالحين، ودعاؤك بالسحر، وقيامك لليل، وصدقتك، كلها كفارة، ولن يهلك على الله إلا هالك، لأن أبواب الخير عدة الأنفاس، ولكن من يعمل؟ ثم مضى في المكفرات حتى أتى إلى كفارة المجامع في رمضان، والمظاهر، والمرتكب لبعض محظورات الحج، أو التارك لبعض واجباته، وذكر أنواع الكفارات، وهي أربعة أجناس: هديٌ وعتقٌ وصدقةٌ وصيام، ثم أسهب في هذه الأمور.

    والسائل لا يريد هذا.

    لكن يقول ابن القيم: لام بعض الناس شيخنا أنه يسهب في الجواب، ولكنه يريد نفع السائل، بهذا العلم، لأن السائل قد تخفى عليه أمور، فيريد ابن تيمية أن ينفعه، وهذا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام.

    عند الخمسة، ومالك والشافعي وابن أبي شيبة، بسندٍ صحيح: أن سائلاً أتى فقال: {يا رسول الله! إنا نركب البحر، وليس معنا إلا الماء القليل، فإن توضئنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟! فأجابه عليه الصلاة والسلام وقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته}.

    هل يستطيع أحد أن يجيبك بمثل هذه الكلمة: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، عرفها بمعرفتين، واختصرها في ثلث سطر، وبعضهم شرحها في مجلد، والله عز وجل ذكر مثل ذلك في القرآن، يقول سبحانه: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ [البقرة:189] أهل قريش يقولون: يا محمد! كيف يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر ثم يصغر! هذا أسئلة تافهة مثل أسئلة الأطفال وليست أسئلة عقلاء، فهل تنتظر من القرآن أن يقول: يكبر الهلال، لأن الله يكبره ثم يصغر لأن الله يصغره، لا، بل أجاب بجواب الحكيم عند أهل البلاغة، وجواب الحكيم عند أهل البلاغة أن يسمع السؤال، فيجيبه بجوابٍ لسؤالٍ آخر قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ [البقرة:189] يعني كيف يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر ثم يصغر، فقال: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] يقول: لماذا لم يسألوا. ما الفائدة من الهلال؟ ولماذا يسألون عن كبر الهلال وصغره؟!

    فـابن تيمية استطرد ليفيد السائل، لكن نحن في عجالة وفي درس موجه للناس، فنريد أن نأخذ الجمل التي على السؤال نفسه، لنربطه بالعنوان إن شاء الله.

    قال: "وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك -ومر هذا بالسلام والإكرام والدعاء له، والاستغفار والثناء عليه والزيارة له- وتعطي من حرمك -من التعليم والمنفعة والمال- وتعفو عمن ظلمك في مالٍ أو دمٍ أو عرض، وبعض هذا واجبٌ وبعضه مستحب".

    وهذا قليلاً ما يطبق في المجتمع، ولا يطبقه في المجتمع إلا واحد في الألف، أما بقية الناس فبالمقاصة، يقولون: من نكد علينا؛ نكدنا عليه، ومن سبنا سببناه، ومن قاتلنا قاتلناه، ومن أخذ مالنا أخذنا ماله، وهذا ليس هو الأفضل، بل الأفضل: أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وقد فعلها محمد عليه الصلاة والسلام.

    و ابن تيمية نفسه فعل ذلك، وقد ذكروا عنه أنه بشر بموت أحد حساده لما توفي فدمعت عينا شيخ الإسلام، وقال: تبشروني بموت مسلم! قوموا بنا نعزي أهله، ثم ذهبوا إلى أهل ذاك العدو لـابن تيمية فعزوا أهله، فبكى أطفال ذلك العدو لما رأوا ابن تيمية، وقال: أنا أبوكم بعد أبيكم..!!

    وهذا هو تطبيق الإسلام قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] ويذكر ابن كثير وأمثاله -استطراداً- على هذه الآية، أن هارون الرشيد، كان عنده مولى يصب عليه الماء، وكان الماء حاراً، فصب عليه الماء، فسقط الإناء بحرارته من يد الرجل، على هارون الرشيد -الذي يعرفه الناس شرقاً وغرباً، فقد كان يملك ثلاثة أرباع البلاد الإسلامية ويجبى إليه الخراج، حتى إنه وقف على قصره في بغداد، ورأى سحابة فقال: امطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني، إن ذهبت إلى المغرب فـالمغرب في دولته، وإن ذهبت إلى الهند، فـالهند في دولته، فكلها في دولته فاذهبي حيث شئت فإن زكاة الحبوب والثمار الذي نبت بسببك سوف يأتيني إن شاء الله، هذا هارون الرشيد - فعندما سقط عليه الإناء وهو حار التفت مغضباً إلى غلامه، فقال الغلام: والكاظمين الغيظ، قال: قد كظمته قال: والعافين عن الناس، قال: عفوت عنك، قال: والله يحب المحسنين، قال: أعتقتك لوجه الله.

    وهذه مواقف جيدة من سيرهم الطيبة، فهم لمعٌ في الإسلام، وهم أهل دين واستقامة، ولو أن فيهم بعض الأمور، لكن على كل حال.

    هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا     أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

    أفضل الأعمال

    قال ابن تيمية: وأما ما سألت عنه، من أفضل الأعمال -وبدأ يجيب عن الفقرة الثانية، بعد صفحات - قال: "وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض، فإنه يختلف باختلاف الناس، وصدق رحمه الله، فإن بعض الناس يناسبهم الذكر، وبعضهم الصيام، وبعضهم الجهاد، وبعضهم الإنفاق في سبيل الله، وبعضهم التعليم، وبعضهم نفع الناس، إلى غير ذلك من الأعمال، ولذلك لابد أن تعرف مستويات الناس، وترشد كل إنسان لما يصلح نفسه، كما فعل عليه الصلاة والسلام. عندما جاءه عبد الله بن بسر -كما في سنن الترمذي بسند صحيح- عبد الله شيحٌ كبير عمره فوق السبعين، فقال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فدلني على شيءٍ أتشبث به -وقد جاء بعصاه متوكئاً عليها، منحني الظهر، أبيض اللحية والرأس، فماذا تتوقع أن يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام؟ يقول: عليك بقيام الليل، وهل هذا يقوم الليل، أو عليك بالجهاد في أفغانستان لا- قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} هذا هو جوابه، فإذا رأيت الشيوخ الكبار، والعاجزين والمرضى فقل لهم: عليكم بذكر الله.

    {جاءه غيلان الثقفي -وكان قوي البنية- وكان عنده تسع نسوة، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعاً، وأن يطلق سائرهن، فقال: دلني على عمل؟ قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} لأن هذا فارس، يذبح القوم وهو بطل، يستحق هذا المستوى، وجاءه عليه الصلاة والسلام أبو أمامة فلما رآه قال: {عليك بالصيام} وجاؤه أبو ذر، قال: {أوصني قال: لا تغضب}.

    لأن أبا ذر يغضب، رضي الله عنه وأرضاه وكانت فيه حده.

    وجاءه رجلٌ من أهل اليمن فقال له صلى الله عليه وسلم: {أعندك من والديك أحد قال: أمي في اليمن، قال: ماذا تريد؟ قال: أريد الجهاد في سبيل الله. قال: ففيها فجاهد} وأصل الرواية في الصحيحين بلفظ:: {ففيهما فجاهد} وعند النسائي: {أمسك رجلها فإن الجنة عند رجلها} أيترك والدته تموت جوعاً وعرياً في البيت ويذهب يقاتل!! هذا ليس بصحيح، ولذلك لابد للمسئول إذا سئل أن يسأل عن حال السائل.

    والآن إذا أتيت إلى تاجر، عنده ملايين في البنوك، أتخاطبه بقيام الليل، قيام الليل من أسهل الأمور عند التجار، وهم يريدون أن يسمعوا دائماً الحديث في قيام الليل، لكن لا يريد كثير منهم أن يسمع ذكر الربا، والصدقة، وسيرة عثمان، وابن عوف، وكيف أنفقوا، وكيف أعطوا، ولا تأتي في سيرة النوافل الأخرى إلا عرضة.

    وإذا جلست مع طالب علم فقير فلا تكلمه عن الإنفاق؛ لأنه ليس عنده إلا ثوبه الذي عليه، فمن أين ينفق؟! لكن كلمه في بذل العلم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة:159] أعطه من هذه الأمور، وإذا أتيت إلى السلطان وجلست معه في المجلس، فلا تتكلم عن البيع والشراء!! وتكلم عن العدل، وسيرة داود عليه السلام، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسليمان عليه السلام وعمر بن الخطاب:

    البس لكل حالةٍ لبوسها     إما نعيمها وإما بؤسها

    هذا هو المطلوب.

    قال: "يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم" لأن الذي يناسبني قد لا يناسبك، فأنت موظف وأنا طالب، أو أنت تاجر، وأنا مزارع، فيختلف باختلاف الناس، "فلا يمكن فيه جوابٌ جامعٌ مفصلٌ لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره، أن ملازمة ذكر الله عز وجل دائماً هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة" يقول: شبه إجماع بين أهل العلم أن أفضل نافلة بعد الفرائض ذكر الله عز وجل، وهذا قدر مشترك يشترك فيه الناس جميعاً، من تاجر ومسئول وموظف ومزارع وطالب وأستاذ، فكلهم يشتركون في هذه المسألة.

    ولا أفضل من الذكر، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، من حديث أبي الدرداء، أنه قال: {ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والورق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله}.

    وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم أنه قال: {سيروا هذا جَمَدَانْ} وهو الجبل الذي مر عليه عليه الصلاة والسلام، وكان أمامه، فلما رأى جمدان هذا الجبل العظيم، قال للصحابة: {سيروا هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}.

    هذا أسبق من يسبق، وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند البخاري من حديث أبي موسى، أنه قال: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، كمثل الحي والميت} الذي لا يذكر الله ميت، تراه في المجالس ثلاث ساعات أو أربع لا تتحرك شفته يذكر الله لأنه ميت! والذي يذكر الله حي، وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: {لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس} وفي لفظٍ: {أو غربت}.

    وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه -وهذا الحديث عند الترمذي بسندٍ صحيح، وصححه الأئمة- قال: {من قال: سبحان الله العظيم وبحمده؛ غرست له نخلةٌ في الجنة}.

    وللفائدة -يا أيها الإخوة- أذكركم ببعض الأحاديث أقدمها هدية لكم، وهي صحيحة، كلها على شرط الصحة، لا أذكر حديثاً إلا صحيحاً، وإن ذكرتُ حديثاً في سنده شيء بينته إن شاء الله.

    صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {سورة تبارك المانعة من عذاب القبر} وعند أحمد بسندٍ صحيح، {ثلاثون آية -هي سورة تبارك- شفعت لرجلٍ حتى دخل الجنة} وهي تنجي من عذاب القبر، فأوصيكم بقراءة سورة تبارك مرة في اليوم والليلة.

    وصح عنه عليه الصلاة والسلام، عند الحاكم والدارقطني أنه قال: {من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له نورٌ إلى الجمعة الثانية} وفي روايةٍ عند الحاكم صحيحة أنه قال: {أضيء له نورٌ إلى البيت العتيق} وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن حبان والطبراني والنسائي في السنن الكبرى أنه قال: {من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، عشر مرات، بني له بيتٌ في الجنة} فهذه من الأحاديث التي أقدمها لكم في هذه الليلة، وسوف تكون مجالاً للحديث إن شاء الله في الدروس المقبلة.

    والشاهد أن ابن تيمية يرى أن الذكر -وهو شبه إجماع- أفضل الأعمال، وأنا أوصيكم بالذكر، وأن تسبح الله وتحمده، وأنت في المجلس وفي السيارة والطائرة، والمكتب، علَّ الله أن يرفع درجتك في الجنة.

    وهناك حديث في سنده ضعف، عند الترمذي: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما عرج به مر بإبراهيم، قال إبراهيم عليه السلام: يا محمد! أقرء أمتك مني السلام -عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والرسل- وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر}.

    والمطلوب من المسلم أن يحيي بيته بهذه الأذكار، وأن يدخل القرآن والدعوة ويدخل الإيمان بيته، وأن يخرج كل ما يعرضه لغضب الله، وعذاب الله، ليكون بيته من بيوت أهل الإيمان، وأهل الاستقامة.

    أرجح المكاسب

    ثم مضى ابن تيمية يتكلم إلى أن قال: "وأما أرجح المكاسب -هذه الفقرة الثالثة- أما أرجح المكاسب" أيها الإخوة! ورد عند الحاكم والبزار بسندٍ صحيح عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأرضاه {أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أطيب الكسب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور} واختلف أهل العلم في أشرف المكاسب، فقال بعضهم: الزراعة، وهذا القول للشافعية، وبعضهم قال: التجارة، فإن تسعة أعشار الرزق من التجارة، وبعضهم قال: بل من عمل اليد، لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ما أكل أحد أفضل ممن يأكل من كد يده، وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده}. فقد كان داود عليه السلام حداداً، يحد، ويصنع السروج، حتى قال كعب بن زيد في قصيدته، كان ينسج دروعاً:

    شم العرانين أبطال لبوسهم          من نسج داود في الهيجا سرابيلُ

    قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10] يقولون: كان الحديد بيد داود -بقدرة الواحد الأحد- مثل العجين، يأتي بالحديد الفولاذ فيلفه كالعجين، يفعل به ما أراد وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ:10-11] ما معنى "وقدر في السرد؟" قالوا: اجعل المسمار على قدر الحلقة، لأنه يجعل المسامير في الحلق، يقول: لا تكبر المسمار فلا يدخل في الحلقة، ولا تصغره فتقضمه الحلقة وينكسر.

    وكان آل داود عددهم ستة وثلاثون ألفاً، كلهم لا يأكلون إلا من كسب أيديهم، داود كان ملك الدنيا، وأكثر ملك الدنيا له، لكن لا يأكل إلا من كسب يده، من الحدادة، وكان زكريا عليه السلام نجاراً، وكان إدريس خياطاً، يقولون: كان إدريس لا يدخل الإبرة ويخرجها إلا يقول أربع كلمات، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، حتى قال له الله: {يا إدريس أما تدري لماذا رفعتك مكاناً علياً؟ -لأن الله يقول: وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً [مريم:57]- قال: ما أدري يا رب! قال: يرتفع إليَّ من عملك كل يوم، مثل نصف أعمال أهل الدنيا، من كثرة الذكر} وهو جالس يخيط ويقول: سبحان الله.. فترتفع أعماله، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] وقال الحافظ ابن حجر: وأرجح المكاسب وأحسنها هو الجهاد في سبيل الله والغنائم، وأكثر رزق الرسول عليه الصلاة والسلام من الغنائم في سبيل الله، وأكثر ميزانيته في الدولة الإسلامية من الجهاد في سبيل الله، وعند أحمد بسندٍ صحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال: {بعثتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم} حديثٌ صحيح، والشاهد {وجعل رزقي تحت ظل رمحي}.

    فالجهاد أشرف ما يمكن أن تكسبه، ولكن يقول ابن تيمية: "أما أرجح المكاسب فالتوكل على الله" ما شاء الله، جاء بجواب لأهل القلوب، يقول: "التوكل على الله، فإنه يرزق من يشاء سبحانه" مثل ابن تيمية كان فقيراً ليس عنده مرتب، ولا إعاشه، ولا سيارة، ولا بيت، ليس عنده إلا غرفة في طرف المسجد فيها مكتبته، وعنده ثوبان، إذا اتسخ أحد الأثواب غسله وغير بالثوب الثاني، وطول يومه وهو في الجهاد والدعوة، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخطابة والإفتاء، وإقامة الحدود وقمع أهل البدع والمشركين، فلذلك قال: التوكل على الله، والثقة بكفايته، يقول تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ [العنكبوت:17] لا يرزق إلا الله.

    قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: رأى أحد العباد عصفوراً يقبل بقطعة لحم كل يوم، ويدخل بها في نخلة، قال: فعجبت، لأن العصفور في العادة لا يعشعش في النخل!! قال: فتسلقت النخلة، فرأيت فيها حيةً عمياء، فإذا اقترب العصفور، أحدث لها صوتاً، يخبرها به لأنها عمياء -أعطاها إنذار مبكر أنه اقترب- فتفتح فمها، فيضع اللحم في فمها ويعود، فمن الذي علم العصفور أن يعطي الحية إلا الواحد الأحد.. حية عمياء في رأس نخلة، سخر لها عصفوراً يأتي برزقها: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

    ودل النملة أن تدخر قوت الشتاء في الصيف، فتجدها في الصيف لها مخازن في بيتها، تكدس ولا تأكل من هذه المخازن، ومملكة النمل مثل مملكة النحل، لها عاملات وملكة وشغالات، هذه الشغالات مهمتها نقل الحبوب يقولون: وخوفاً من أن تنبت الحبة، علمها الله الذي علم كل شيءٍ خلقه ثم هداه أن تخرم الحبة، فتحدث خرماً في وسط الحبة فلا تنبت، ولذلك حب النمل لا ينبت أبداً، فلو أخرجته من جحرها وذريت به الأرض فإنه لا ينبت، لأنه أصبح غير صالح للإنبات، بل للإدخار.

    وللفائدة يذكر ابن القيم في كتاب مفتاح دار السعادة: أن نملةً كانت تخرج مع النمل تأخذ رزقها فرأت رجل الجرادة مرمية في الأرض، فأخذت تسحب رجل الجرادة فما استطاعت، فذهبت -وهذا من كلام ابن القيم والعهدة عليه- فذهبت إلى بيتها وأخبرت الشغالات ليعاوننَّها فجاء النمل وكان هناك رجل جالس يتدبر في خلق الله، فأخذ رجل الجرادة، فأتوا فبحثوا في المنطقة فلم يجدوا رجل الجرادة، فعادوا، فلما عادوا وقفت هي، فرد رجل الجرادة، فأتت تزعزعها فما استطاعت، فذهبت فأخبرت الشغالات فرفع الرجل الجرادة، فذهبوا ووقفت فردها، فزعزعتها فما استطاعت، فذهبت فأعطتهم خبراً، فأتوا فرفع رجل الجرادة، فاجتمعوا عليها جميعاً فقطعوها قطعةً قطعة، لأنها كذبت ثلاث مرات، وهذه القصة في مفتاح دار السعادة راجعوها إن شئتم وهي لـابن القيم رفع الله منزلته، والله يقول: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].

    يقول الزمخشري: لله دره من جواب! من صاحب الجواب هذا؟ إنه موسى رد بها على أحد الطغاة، يقول: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:49-50] يقول: أنت يا ضعيف! يا خسيس! يا مجرم! تعطي كل شيءٍ خلقه، وتهدي!!! ولذلك سيد قطب نسي نفسه عند قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:1-3].

    وأتى ينقل من كتب كريسي موريسون وغيره، عن أمور عجيبة لا أحب أن أطيل فيها، وللإنسان أن يراجعها في المجلد السادس في الظلال، عند هذه السورة.

    يقول ابن تيمية: "وأما أرجح المكاسب فالتوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به" لكن يا أيها الإخوة وقد نُبه كثيراً، أن بعض الناس يفعل مثل توكل الصوفية، يأخذون لفائف ولا يغتسلون ولا يبحثون ولا يطلبون الرزق ويجلسون في المسجد، ويقولون: الرزاق هو الله، هذه حطمها عمر بن الخطاب، لأنها أسطورة كاذبة.

    [[دخل عمر رضي الله عنه -والقصة مشهورة- المسجد فوجد شباباً يتعبدون وعمر ليل نهار وهو يبحث ويرتب الجيش للجهاد، ويعدل بين الناس، ويقيم الموازين، ويصلي ويحكم بين الناس، ويفض في النزاع، فقال للشباب: من أنتم؟ قالوا: عبادٌ نعبد الله، قال: من أين يأتيكم الرزق.؟ قالوا: الله يرزقنا. قال: أدري أن الله يرزق لكن من الذي يقدم لكم الطعام والشراب؟ قالوا: جيرانٌ لنا ومحسنون، قال: انتظروا -لم تكن عصاه معه، وكانت قريبة في البيت، فذهب وهي جاهزة عند الباب- فذهب إلى الدرة فأخذها -سلم الله الدرة- فأخرجها وأتى -يظنون أنه سوف يأتي بكبسة رضي الله عنه- فلما دخل أغلق باب المسجد، ثم نزل عليهم ضرباً، وقال: اخرجوا إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]] أما أن تتكدس المساجد بعشرات من أهل العطالة والبطالة، ومئات الشباب، وتبقى الورش والمكاتب والوظائف والمصانع والمزارع والمتاجر والدكاكين فوضى، فهذا لا يصلح؟ ولذلك بعض الآباء يشكون يقول أحدهم: ابني صالح، مع زملائه يزورهم في الله، لكن الدكان ليس فيه أحد، وعندي مزرعة، وسيارة، ومقاضٍ وعندي أبناء وبنات يريدون المدرسة لا يوصلهم، ولا يجلس في الدكان، ولا يساعدني في المزرعة، يعبد الله فقط.

    ونقول: ليست هذه عبادة، أن تزور زملاءك بعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد الصبح..!! بل هذا ضياع للوقت فاجلس مع أبيك، واستقم معه، وعاونه، واجعل لحضور الدروس وقتاً، ولمعاونة والدك وقتاً، فالإسلام لا يعترف بالبطالة.

    قال: "وأرجح المكاسب التوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به -ثم أتى بالحديث-: { يا عبادي! كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم}.

    ثم نأتي إلى الفقرة الرابعة:

    ما يعتمد من الكتب في العلوم

    قال شيخ الإسلام وهو يواصل وصيته وجوابه على سؤال السائل، في الفقرة الرابعة عن كتاب مفيد في علم الحديث، وفي العلوم الشرعية، "وأما ما تعتمد عليه من الكتب في العلوم فهذا بابٌ واسع، وهو أيضاً يختلف باختلاف الناس في البلاد" فقد يتيسر له في البلاد من العمل أو من طريقه ومذهبه ما لا يتيسر له في بلدٍ آخر، "لكن جماع الخير أن يستعين العبد بربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في تلقي العلم الموروث عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام"، وأقول: العلم صراحةً هو علم الكتاب والسنة الذي تنجو به في الآخرة، ولكن للإنسان أن يكون له حدٌ أدنى من هذا العلم، ينفع به نفسه، ولا يعذر معتذرٌ بتخصصه أو بعمله، فلا بد أن يأخذ ما تقوم به عبادته، ليلقى الله وقد عبده على بصيرة.

    قال: "وأما وصف الكتب والمصنفين فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسره الله"، يقول: ربما سمعت في أثناء الدروس منا ما يسره الله، وما في الكتب المصنفة المبوبة مثل كتاب محمد بن إسماعيل البخاري -لله دره، وما أحسن ذاك الكتاب- لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم، ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم إذ لابد من معرفة أحاديث أخر" فلابد أن تطلع على السنن، والمسانيد، وخاصةً مسند الإمام أحمد الذي جمع الستة إلا القليل وزاد، وهو كتابٌ عظيم، وبحرٌ واسع، ودرٌ وجوهر.

    قال: "ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم، إذ لابد من معرفة أحاديث أخر، وكلام أهل العلم وأهل الفقه في الأمور التي يختص بها بعض العلماء، وقد أوعبت الأمة -يعني أكثرت في كل فنٍ من فنون العلم إيعاباً- فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً" بعض الناس عنده مكتبة في بيته ملء المجلس، ولا يصلي الفجر جماعة، وبعضهم عنده مكتبة، ويعصي والديه، وبعضهم عنده مكتبة ويرتكب الكبائر: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176].

    وليس العلم بالكثرة، لكن العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، فرأس العلم خشية الله، ومن قام بأمور الإسلام فهو العالم، قال: ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً، القرآن وهو القرآن قال الله عز وجل: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً [فصلت:44] يقول: المنافق إذا قرأ القرآن يزداد عمى، مثل الناظر الأعشى إذا نظر إلى الشمس، لا تستطيع عيونه أن تثبت في الشمس، لكن صاحب البصيرة، يزيده الله بالكتب وسماع الأشرطة، والجلوس في مجالس أهل الفضل والعلم والمحاضرات والدروس بصيرة ونوراً ويزيده أجراً ومثوبة.

    ويا أيها الإخوة! أنا أدري أن مثل هذه المجامع العامة، قد يقول قائل: لو جلست في بيتي وقرأت بنفسي، ولخصتُ وخرجت وحققت لكان أنفع لي، فأقول: قد يكون هذا، لكنك لن تنال الأجور إلا بالجلوس في هذه المجالس بغض النظر عن هذه الفائدة المباشرة.

    أولاً: يذكرك الله فيمن عنده.

    ثانياً: يباهي بك ملائكته.

    ثالثاً: تغشاك السكينة، وتحفك الرحمة، وتنزل عليك الملائكة.

    رابعاً: في آخر المجلس، يقول الله لمن جلس على ذكره: {قوموا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم}.

    وأنا أطلب من الإخوة الكرام.. وأنا أعرف أنكم صفوة الناس، والجالسون أمامي هم الزبدة من المجتمع، والله يحفظ العباد والبلاد بكم وبأمثالكم، فأقول لكل أخٍ يريد الله والدار الآخرة، إذا أراد حضور محاضرة، أو درس، لأي طالبٍ أو داعية أن يأخذ معه أخاً آخر، فقط أن يدعوه في محاضرة واحدة لأنه قد يستقيم منهجه ويهتدي، ويكفي الأخ أن يحضر وينظر إلى هذه الوجوه، وهذا الجمع، فيتحول مسار حياته، وبعض الشباب كان مدمن مخدرات، وأخذه بعض الشباب، وحضروا به بعض المحاضرات واهتدى، وأصبح عبداً لله، فكل واحد عليه أن يأتي بواحد فقط وتذكروا دائماً: {لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم}.

    يعني أدعه إلى درس أو محاضرة، ثم أدعه إلى العشاء عندك، تكون هذه ضريبة إن استطعت ذلك، وإن لم تستطع، فالله المستعان: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَه [البقرة:286].

    قال: ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي لبيد الأنصاري: {أوليس التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟} هذا الحديث عند أحمد بسندٍ صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام {نظر في السماء وقال: هذا أوان قبض العلم} قال أبو لبيد الأنصاري: {يا رسول الله! كيف يقبض العلم؟!! والله لنقرئن القرآن أبناءنا، وليقرئنه أبناؤنا أبناءهم، قال: ثكلتك أمك يا زياد! كنتُ أظنك أفقه رجل من أهل المدينة، هذه التوراة، وهذا الإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا نفعتهم..؟!} يعني ما نفعتهم زيادة الكتب، إذا لم تكن بعملٍ صالح، بل إنها لا تكون إلا خيبة وحيرة وضلالاً، وحسابهم على الله.

    لقد زرت كثيراً من الإخوة، وعند كل واحد منهم مكتبة في بيته، لكنه لا يقرأ إلا اليسير منها، أو ما يستطيع أن يلم بالكثير بها، وهي تبقى معطلة، كأنها مختوم عليها، وابن تيمية يجعل رصد الكتب وتخزينها بلا استفادة من كتمان العلم.

    افتتحت عندنا مكتبة في المسجد هنا طولها ستة عشر متراً في أربعة تأخذ مئات الكتب والمجلدات، وقلت للناس: من كانت عنده كتب فليوقفها باسمه، وإذا احتاجها في أي يوم فليخرجها، وهي لا تخرج من المكتبة، لكن يستفيد منها شباب الإسلام الذين يدرسون في الصيف، وكلما قرأوا حرفاً كان لك أجر، وكنت أنت المنفق، وكان ميراثاً لك: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له} هذه وصية ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه، ورحمه الله، وجمعنا به في دار الكرامة، وهي من أعظم الوصايا، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه.

    1.   

    الأسئلة

    الطريقة المثلى للتخلص من المعاصي

    السؤال: أنا أشرب الدخان، وأحلق لحيتي، وأنا في حرج، وأنا أبكي الليل والنهار، غلبني الشيطان، أرى الشاب الملتزم لكن لا أستطيع أن أنتصر على شيطاني، وعندي جلساء سوء، وتأتيني حالات من الهم والغم وأقدم والله على الانتحار أحياناً، فدلوني على الطريق، أنقذوا ابنكم المسكين، وادع لي بالشفاء؟

    الجواب: أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يهديك سواء السبيل، وأن يمن عليك بتوبة نصوح، وأن يرسل عليك من شآبيب الرحمة والرضوان ما يمسي في قلبك ويدلك على الصراط المستقيم، وأن يحبب إليك الإيمان، وأن يزينه في قلبك وفي قلب كل مسلم، وأسأل الله أن يثبتك على الحق حتى تلقاه.

    أما ما سألت عن شرب الدخان فهو محرم، وقد نص أهل العلم على تحريمه، وحلق اللحية أدهى وأمر، وهي من الأمور الخطيرة، بل هي من الكبائر عند أهل السنة، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربى لحيته، وأنه قال: {خالفوا المجوس، اعفوا اللحى، وقصوا الشوارب} وغيرها من الألفاظ الصحيحة، وأما قولك: يصيبك همٌ وغم، فأوصيك بأمور:

    أولها: المحافظة على الصلوات الخمس جماعة، ثم أكثر من ذكر الله، وعليك بالقرآن والدعاء وإذا استطعت أن تشرب من ماء زمزم فاشرب وادع الله أن يريح قلبك، وأن يوسع صدرك، ثم أدعوك أن تهجر جلساء السوء، فهؤلاء أعداء الأنبياء والرسل، وهم المجرمون الذين أفسدوا شباب الإسلام، وأدعوك لحضور المحاضرات والدروس والسماع، لأن السكينة تغشى أهلها، وقد يأتيك حظك من نفحات الواحد الأحد، فتخرج وقد انغسل قلبك من أدران السوء ومن الشبهات والواردات، وإن كان لك والدة ووالد، فاسألهم الدعاء لك بالسحر، وفي أدبار الصلوات، ونحن دعونا لك بما فيه الكفاية هذه الليلة، وأما الانتحار فاعلم أن هذا لا يفعله مسلم، وأن من فعل ذلك أدخله الله النار، فمن انتحر أصبح خالداً مخلداً في النار، ولا ينتحر إلا أعداء الله، إلا الذين لا يعرفون الكتاب والسنة، ولا يعرفون المسجد، ولا ينتحر إلا الذي لا يعرف القرآن، ولا الهداية التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام.

    فعد إلى الله، وعليك أن تفكر في أمرك، واعلم أنها حياة ستون أو سبعون سنة ثم تنتهي بك إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، أو نار تلظى، فأنقد نفسك قبل أن يأتيك اليقين، وفقنا الله وإياك.

    صلاة التسابيح

    السؤال: صلاة التسابيح يسأل عنها، يقول: إني ذكرت في الركعة خمسة وستين تسبيحة؟

    الجواب: والصحيح أنها خمسة وسبعون، ولذلك هو لما حسبها في أربع ركعات، وجد أنها مائتين وستين، لأنه حسب على خمسة وستين، وأقول هي خمسة وسبعون في كل ركعة، لأن خمسة وسبعين ضرب أربعة يساوي ثلاثمائة، والحمد لله، وهذا أمر معلوم لا يختلف فيه أهل العلم، وأنت لك أن تجمع وأن تسأل من أردت من أهل العلم.

    صلاة النوافل

    السؤال: يسأل عن النوافل التي أوصيه بها وأدله على بعضها؟

    الجواب: أقول: عليك بالنوافل التي صحت عنه عليه الصلاة والسلام، مثل العشر النوافل التي ذكرها عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر: {ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر} بالإضافة إلى ركعتي الضحى إلى أربع إلى ست، إلى ثمان، والوتر قبل النوم، وإن استطعت في آخر الليل فهو أحسن وأفضل وأجمل، وتلاوة القرآن بكثرة، وذكر الله، والصدقة والإنفاق وبذل الدعوة والنصيحة، كلها من أعظم ما يقربك إلى الله عز وجل.

    حكم رسم أو تصوير المناظر الطبيعية

    السؤال: ماذا ترون في المناظر الطبيعية سواء كانت مرسومة، أو مصورة، بالصور الفوتوغرافية؟

    الجواب: المناظر الطبيعية مثل الشجر، والجبال، والسهول، والأودية، الأمور التي ليس فيها أرواح لا بأس بها، لك أن تنظر إليها، ولك أن تعلقها، وأنت بالخيار، ليس فيها بأس إن شاء الله، بل قد تدلك على عظمة الواحد الأحد.

    وقد سمعت عالماً من العلماء يقول: نظرت إلى منظر خضرة وماء وشجر فبكيت، والحقيقة أنها تذكر بقدرة الواحد الأحد، وإذا أردت أن تتذكر قدرة الله، فانزل إلى إحدى الحدائق وانظر إلى الزهر: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [قّ:7].

    وانظر إلى الشجر، وإلى الريح، والسحاب، والجبال والوهاد، وإلى النجم، وإلى كل شيء:

    وفي كل شيءٍ له آيةٌ      تدل أنه واحدُ

    فيا عجباً كيف يعصى الإله      أم كيف يجحده الجاحد

    الإسراف

    السؤال: أشكو أن قرابتي أهل إسراف، في ولائمهم، وفي عزائمهم، وأنا يظهر لي من فعل والدي وإخواني أنهم يريدون الرياء والسمعة -والعياذ بالله- فهم لا يرضون إلا بكثير من الذبائح، والأرز، وكثير من الفواكه، فلا أدري ماذا أفعل معهم؟

    الجواب: أيها الإخوة! الإسراف أصبح ظاهرة، وأصبحت أكثر عزائم الناس من أجل الرياء والسمعة، والتمادح والعياذ بالله! والله يقول: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] ويقول تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء:26-27].

    يموت ألوف من المسلمين جوعاً، وكثير من الناس يموتون شبعاً، فلا أدري ماذا يقول هؤلاء لربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة؟ أحدهم يقدم من الولائم والذبائح، ما لا يعلمه إلا الله فيعرضها للناس، فلا يأكلون إلا عشر معشار ما قدم لهم، فماذا يفعل في النهاية؟ يصبها في الزبالة، فهؤلاء محاسبون عند الله، وهؤلاء لو اتقوا الله، ما ضيفوا من أجل الرياء والسمعة، يقول عليه الصلاة والسلام: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم كريم -كان ينفق مثل بعض الناس، يحب مسألة الرياء والسمعة، حتى يتمادح الناس به، مثل حاتم الطائي - فيقول الله: أما أعطيتك المال؟ قال: بلى يا رب! قال: فماذا فعلت فيه؟ قال: أطعمت الجائع وكسوت العاري، فيقول الله: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ويقول الله: إنما فعلت، ليقال: كريم، وقد قيل خذوه إلى النار} فيسحب على وجهه إلى النار، لقمةٌ أو وجبة قد تدخل صاحبها إلى النار لكن اذبح على قدر الحضور، وما عليك من أحد، ومن تكلم فليتكلم، ومن سب فليسب:

    فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌ     وليتك ترضى والأنامُ غضابُ

    إذا صح منك الود فالكل هينٌ     وكل الذي فوق التراب ترابُ

    وهذا لا يعني أن تجعل العزومة على مقدار الضيوف للناس، ولا تبقي لأهلك شيئاً، لا، بل لابد أن تبقي لأهلك شيئاً.

    ولابد أن يشعر الضيف أنك قدمت له شيئاً، أما أن تأتي وقد رزقك الله النعم والخيرات، والله يريد أن يرى أثر نعمته، فتغدي ضيفك تميزاً، وتقول: هذا فضل الله ونعمه والناس يموتون جوعاً في أفريقيا، فكل وسم الله! هذا صحيح لكنه ليس في أفريقيا ولا في أفغانستان، فأطعمه لحماً ورزاً وإداماً وكثف من الخير الذي يكفي الناس، لا يزيد عن حاجتهم ولا ينقص، أما أن يكون الإنسان بخيلاً فلا، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67].

    اقتصد في كل أمرٍ جيدٍ     فكلا الأمرين إن زاد قتل

    إن زاد قتل، وإن نقص قتل فعليك بالوسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143].

    بر الوالدين

    السؤال: أمي عصبية المزاج، لا أدري ماذا أفعل بها، كلما بررتها سبتني ودعت عليّ، وأنا أتقرب إليها بكل خير، ولكنها تغضب وتشتعل بسرعة؟

    الجواب: نسأل الله أولاً أن يلين قلبها لك، وأن يهديها سواء السبيل، وأنت إذا علم الله أنك أوفيت معها وبررتها فلا يؤاخذك، ولو دعت عليك، فإن دعاءها ليس بصحيح، ما دام أنك بار بها، وتخدمها وتقوم بطاعتها، ثم هي تدعو عليك، فالله يعلم أنك صادق، فعليك أن تصدق الله فيها، وأن تحترمها، مهما فعلت بك، ولو ضربتك على وجهك ضرباً، أن تقابلها بالتقبيل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:23-24].

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756000180