إسلام ويب

تفسير سورة الحج [36-38]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جعل الله تعالى البدن من الإبل والبقر من شعائره التي تقدم قربات في المناسك، وجعل فيها الخير الكثير في الدنيا والآخرة، فخيرها في الدنيا: أنها ينتفع بها، وتتخذ للبيع والشراء والتجارة وغير ذلك. وخيرها في الآخرة: أنها وسيلة للقرب من الله تعالى، وفي ذلك الأجر الوفير عند الله تعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ...)

    قال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36].

    البدن جمع بدنة، والبدنة: الإبل والبقر، وفي هدايا الحج أكثرها ثواباً: أكثرها لحماً وغنى للفقير والمحتاج والعائلة، قال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج:36] أي: من مناسك الحج ومن أوامر الله وطاعته في أوقات الحج، وعند الصدقات والنفقات والضحية في عيد الأضحى.

    وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج:36] أي: جعلها الله قربات في المناسك وهدايا في الذبائح، وقد جعل صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة وفي رواية: عن عشرة، بدنة إبل أو بدنة بقر، فالإبل البدنة الواحدة عن سبعة، بمعنى: أن يجتمع على شرائها ونحرها سبعة من الحجاج وتصح عنهم، كما جاء في الحديث وهو صحيح، وهدايا الحج أكثرها ثواباً: أكثرها لحماً، وأعلاها ثمناً، وفي ضحايا عيد الأضحى أكثرها أجراً: أطيبها لحماً أي: الضأن، والضأن يضحى بها الرأس عن واحد.

    قال تعالى: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ [الحج:36] أي: لكم في جعل البدن ضحايا وهدايا وقربات إلى الله في أوقات الحج خير، وخيرها أنكم أولاً تتقربون بها إلى الله، فيعطيكم من الأجر والثواب، ويحفظ لكم ذلك في صحائفكم، وتجدونه عند الله يوم القيامة مكتوباً في الصحائف، ولكم فيها خير في دنياكم في تداولها وبيعها وشرائها والانتفاع بها قبل أن تصل إلى البيت العتيق، وسمي العتيق لعتاقته؛ لأنه أول بيت بني في الأرض، وقد بني أيام آدم، وأما إبراهيم فإن الله ألهمه بأن يتبوأ مكانه، ويبحث عن متبوأ الكعبة، ووجده بعد أن حفر عن الأساس.

    وقد سئل صلى الله عليه وسلم: (أي بيت بني أولاً؟ قال: بيت الله الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى)، فك الله حصاره وأعاده للمسلمين.

    وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ [الحج:36] ففيها من خير الدنيا، فتستفيدون من حليبها، ومن شعورها وأوبارها، ومن إنتاجها وتكاثرها بيعاً وشراءً وفائدة، وتركبون ظهورها، ولكم فيها خير في الآخرة: بأن الله أمركم بنحرها وبذبحها، ولكم في ذلك الأجر والثواب، يحفظ لكم في الآخرة، فتنالون به الرحمة والأجر والثواب؛ نتيجة الطاعة والتقرب إلى الله بامتثال أمره.

    قال تعالى: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] أي: عند نحرها أو ذبحها اذكروا اسم الله عليها صواف، وهي جمع صافة.

    والإبل تنحر بأن تعقل يدها اليسرى وتقام واقفة على رجلين ويد واحدة، واليد اليسرى مربوطة، ويقف ناحرها من جهة اليمين وينحرها من جهة اليسار.

    قال تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] أي: اذكروا اسم الله وألزموا الصفة بأن يكون على قوائمها الثلاث لتنحر، وقولوا عند النحر: بسم الله، اللهم منك وإليك، الله أكبر، عني وعن أهلي، الله أكبر عن فلان، كما كان يقول عليه الصلاة والسلام، فقد كان ينحر تارة عن نفسه وعن أهله، فيقول في النحرة الأولى: (بسم الله، اللهم منك وإليك، الله أكبر، عن محمد وأمة محمد ممن لم يضح أو لم ينحر).

    قال تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] أي: على البدن وهي مقيدة، وهي بمعنى صواف، وقرأ صوافي، أي: صافية خالصة لله، لا يراد بها التعاظم على الناس، ولا المراءاة، وإنما قربة إلى الله.

    قال تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، ومما يدل على أن معناها معقولة الرجلين واليد الواحدة قوله تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ، أي: سقطت، فهي إن نحرت وهي واقفة تكون النتيجة أنها تسقط، وعندما تسقط وتهدأ تموت، ولا يجوز الأكل منها إلا بعد موتها.

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، فمن تمام الإحسان ألا تقطع أوصالاً ما لم تمت البتة، وإذا كانت لا تزال تتحرك فلا، وما قطع منها وهي حية فهو ميتة.

    وكانوا في الجاهلية يأتون إلى الإبل ويقطعون من سنامها شحماً، ومن بعض أعضائها لحماً، ثم يعالجونها لتشفى، ويأكلون ذلك المقطوع؛ لأنهم يرون نحر البدنة كلها أكثر من طاقتهم، ويريدون أن يقروا الضيف، فيأخذون من البدنة وهي حية جزءاً من سنامها أو جزءاً من لحمها، فذاك يعتبر ميتة، والميتة لا تجوز بحال، وأكلها أكل للنجاسة، وأكل للميتة التي لم يحل الله أكلها.

    قال تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36] أي: إذا سقطت عن جنوبها، ولا تسقط إلا وقد تم موتها، فتتحرك قليلاً ثم تموت، وتربط يدها اليسرى؛ لأنها لو نحرت وهي مطلقة الأيدي والأرجل لتحركت إلى أن تموت وقد تؤذي وتبطش بالحاضرين.

    قال تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36] القانع هو من يقنع، وهو المحتاج الفقير الذي لا يسأل، قال تعالى: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]، ولكنه يعرف من هيئته ومن لباسه أنه في حاجة، فالقانع من يقنع بأي شيء ولا يسأل، فإذا أعطيته القليل شكر، وإذا أعطيته الكثير شكر ولا يسأل.

    والمعتر: هو الذي يعتريه ويتعرض لصدقته وقد يسأل.

    فقال تعالى: (فكلوا منها) أي: كلوا منها أنتم، وأطعموا منها القانع، أي: ابحثوا عن الفقراء الذين لا يسألونكم ولا يأتونكم، والذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وليسوا كذلك، وإنما العفة تركت الناس يظنون أنهم أغنياء وليسوا في حاجة، والمعتر من يعتريه، وقد فسر بعض اللغويين المعنى معكوساً، فقال: القانع هو: الذي يسأل، والمعتر هو: الذي يقنع، والمادة لا تظهر هكذا، فالقانع: المقتنع، من القناعة، والمعتر: الذي يعتريه، والذي يأتيك وأنت تذبح فيسألك أو يتعرض لك، فقسمها ثلاثاً؛ حتى تأكل منها أنت ويأكل منها من ليس بسائل من المحتاجين، ويأكل منها الفقير المدقع.

    حكم تقسيم الهدي والأضحية

    ومن هنا اختلف الفقهاء في حكم تقسيمها، فقال الظاهرية والمالكية والحنفية: يجب أن يؤكل منها؛ لأن الله قال: فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36]، وقال قبل ذلك: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، وأكد هنا هذا فقال: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، أي: لوها أنتم وأطعموا القانع الذي لا يأتيكم، وقد يكون قريباً أو جاراً فقيراً وليس الفقر ظاهراً عليه، ولكنك تعلم من حاله وتسمع منه أنه محتاج ولكنه لا يسأل، فهذا أحوج لصدقتك وهديتك من الذي يتعرض لك، والمعتر: الفقير الذي يعتريك ويتعرض لصدقتك، فقالوا: تقسم أثلاثاً: ثلثاً لك ولأهلك، وثلثاً لجيرانك ولأقاربك، وثلثاً للصدقة، وقال البعض: لا تحديد في ذلك، كل منها أي شيء، وأعط الأقارب صلة، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نحر البدن في حجة الوداع أمر علياً أن يقطع من كل بدنة قطة لحم فأكل من هذه القطع، وشرب من مرقها، وتصدق وأعطى الباقي، وماذا عسى أن يكون أكل من هذا اللحم قطعة أو قطعتين أو ثلاثاً؟ وأين هذه الثلاث من مائة بدنة! وماذا عسى أن يكون شرب من المرق: كأساً أو كأسين؟! ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أكل من هديه ومن ضحيته.

    ثم قال تعالى: كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36] أي: كما جعلناها لكم مآكل في لحومها، ومشارب في ألبانها، وملابس في صوفها وأوبارها، ومراكب في ظهورها كذلك ذللناها وسخرناها لكم وجعلناها ذليلة، فتجد القطار ذي 100 والـ 200 من البدن يقودها رجل واحد، ولو أن جملاً واحداً هجم على مجموعة من الرجال لقهرهم وأذلهم، وقد يجن أحياناً فلا يقدر عليه إلا بأن يضرب بالرصاص، أو ينحر في لبته، ولكن الله ذللها وسخرها لنا ملكاً ومراكب، وسخرها لنا لننتزع منها ما نلبسه.

    وهكذا جعلت مذللة ليستفيد منها الإنسان، ويقول الله: إنه كما سخرها للذبائح والأكل فقد سخرها لنا كذلك للاستعمال، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36] أي: لعلكم تشكرون نعم الله الظاهرة والباطنة وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].

    حكم أضحية العيد

    وقد اختلف في الضحية يوم العيد هل هي واجبة أو سنة؟

    فقال الشافعية والحنابلة: هي سنة، وقال المالكية والحنفية: هي واجبة على من ملك نصاباً، وقالوا: وما كانت أطيب لحماً كانت أكثر أجراً وثواباً في الضحية يوم العيد، وما كان ضحايا وهديا في الحج فما كان أكثرها لحماً وأغلاها ثمناً فهي أكثر أجراً؛ لأنه ينتفع منها أكبر مجموعة ممكنة من المقيمين والبادين الآتين للحج، والنبي عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين أو كان يضحي في العيد بكبشين، وكان يقول في الأول: (بسم الله، اللهم منك وإليك، عن محمد وأمة محمد ممن لم يضح)، ثم يذبح الثاني ويقول: (بسم الله، اللهم منك وإليك، عن محمد وآل محمد).

    وقال الشافعية والحنابلة: قد ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته التي لم تضح، فلم تبق الضحية واجبة، وأصبحت سنة على من يريدها.

    والظاهرية قالوا: المطلوب دم، ولذلك فهم يجيزون حتى ذبح الديك، ويعدون من ضحى بالديك فقد ضحى، ومن جعل الديك للعقيقة فقد عق، والكثير من أهل الشام يضحون بالديك، ويجعلون للعقيقة كذلك الديك، والمذكور في الشريعة بالنص ليس إراقة الدم فقط، بل مذكور الأنعام، والأنعام: الإبل والبقر والغنم، وليس من جملتها الديك والطير.

    ومن حجة الشافعية: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضحية فقال: (من استطاع أن يضحي فليضح).

    والمالكية والحنفية حددوه بمن يملك النصاب، والنصاب عشر دنانير، فكيف بما نملكه لباساً وأثاثاً! وقد يكون الإنسان لا يملك إلا لباسه وأثاثه، فلا يطالب ببيعهما إن لم يملك النصاب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها...)

    قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:37].

    كانوا في الجاهلية يضحون ويقدمون الهدي، ويأتون بالدم فيلطخون به الكعبة ويوسخونها، ويقتطعون من البدن ومن الضحايا لحوماً ويعلقونها على الكعبة؛ يزعمون بذلك القربى إلى الله باللحوم والدماء، فقال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا [الحج:37] أي: لا يصل ذلك إلى الله، والله لا يريد لحماً ولا دماً، وهو غني عن ذلك، ولا يليق ذلك بألوهيته، ولكن يناله التقوى منكم، ومعنى التقوى: الامتثال، والامتثال هنا هو الأمر بهذه الهدايا منه لنأكل نحن منها، فيأكل منها القانع والمعتر والبائس الفقير.

    والذي ينال الله منها جل جلاله هو تقوانا، والتقوى: الطاعة، وفعل ما أمر الله به، فيفعل طاقته واستطاعته وترك منهياته البتة، والضابط في ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا).

    فالتقوى: امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وأما اللحوم فهي لكم، فكلوا منها، وليأكل الفقراء والأقارب والمحتاج والذي تظنه غنياً باستعفافه، والبائس الفقير، ومن يسال.

    قال تعالى: كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:37] أي: سخرها لكم ذبائح ومناحر؛ لتأكلوا منها، ويأكل منها البائس الفقير والمعتر والقانع، وسخرها لكم مراكب وملابس ومشارب وإنتاجاً، ومما ينتفع به من هذه الأنعام من كونها ضحايا وهدايا.

    لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [الحج:37] فنقول: الحمد لله على هدايته، والحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، ولا نعمة أكثر من الإسلام، وكفى بها نعمة! وكما علمنا الله أن نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:43]، فرسل الله قد جاءت بالحق، ودعت إليه، وأمرت به، وأرسلت به.

    قال تعالى: وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:37] الإحسان: الطاعة والإتيان بها كما أمر الله بفرائضها وأركانها وواجباتها وسننها، وترك المنهيات فيها، والمحسن: المطيع، مع الإخلاص واليقين، وعدم الإساءة في عمله لا بمنّ ولا بمراءاة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا ...)

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].

    يقول جل جلاله عن المؤمنين وقد أمروا بالجهاد: قوموا بما فرض الله عليكم، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة، وقد تكفل الله بالدفاع عن المؤمنين وبأن ينصرهم ويسخر لهم من يدافع عنهم، وقد يدافع عنهم الملائكة كما في غزوات النبي عليه الصلاة والسلام وخاصة غزوة بدر، فقد حضر الملائكة مؤيدين رسول الله صلى الله عليه وسلم ورافديه وناصريه بأمر الله، وقال المشركون الذين أسروا: رأينا خيلاً بيضاً بين السماء والأرض.

    وقال أحد المسلمين: رفعت السيف لأضرب عنق فلان وإذا بي أرى رقبته وقد دحرجت بين رجليه، ما أنا الذي قطعتها، وهكذا أدرك الصحابة مهاجرين وأنصاراً أنه كان هناك من يناصرهم ويدافع عنهم ويقاتل دونهم.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، وقرأ يدفع، والمعنى واحد، ودفع الله عن المؤمنين لها أشكال كما يريد الله، فقد يكون ذلك ريحاً عاصفاً تنفر الكفار وتدعوهم إلى الخوف والهرب، كما حصل في غزوة الأحزاب عندما جاءت ريح عاصف زعزعت ركن الأعداء المحاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وهو خلف الخندق وهم بعيدين عنه، وقد يكون الدفع وباءً منتشراً في صفوف الأعداء، وقد يكون ملائكة، والله يدافع عن المؤمنين بما شاء وكيف شاء جل جلاله، والأمر كما قال الله: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، وإذا كان الله لا يحب شيئاً فهو حرام، فهو لا يحب كل خوان، أي: كثير الخيانة، والخيانة جريمة وكبيرة من الكبائر، وخوان صيغة مبالغة لفعال، أي: كثير الخيانة، فهو خائن في طاعة ربه، إما لأنه مشرك كافر لم يعط الحق لأهله، ولم يذكر الله خالقه ويعبده وهو المعطي والرازق، ولم يؤد الحقوق لأهلها، فلطالما خان ربه وخان عباده وخان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اؤتمن على أمانة خانها، أو على حديث نشره وأذاعه وتلاعب بما فيه، أو على عرض هتكه، أو على مال أكله، فهو خوان مع ربه ومع الناس، والله يبغض هذا ولا يحبه.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38] الكفور: الجاحد كثير الجحود، فهو جاحد لنعم الله، ولوحدانيته وللنعم التي أنعم بها عليه من الرب جل جلاله، وجاحد لإفضال الناس، فإذا أحسنوا إليه جحد إحسانهم، وإذا أعطوه جحد عطاءهم، وإذا أكرموه جحد إكرامهم، وهكذا تجده كافراً جحوداً مع الله ومع الناس، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لم يشكر الناس لا يشكر الله)، ونحن قد أمرنا أن نشكر الله أصالة، والحمد والشكر هو لله، وأن نشكر من أتانا خير الله وإكرامه على يده، وقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لا يشكر الله)، فمن لم يشكر الوسائل والوسائط لا يشكر من أتاه ذلك على يده.

    وأما أن تقول له: هذا كان بلا فضل منك، والله هو الذي سخرك، فهذا حق، ولكن لا بد أن تشكر الواسطة (من لم يشكر الناس لا يشكر الله).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756400350