إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. حسن أبو الأشبال الزهيري
  5. شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
  6. شرح كتاب الإبانة - إعلام النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ركوب طريق الأمم قبلهم، وتحذيره إياهم ذلك

شرح كتاب الإبانة - إعلام النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ركوب طريق الأمم قبلهم، وتحذيره إياهم ذلكللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستتبع سنن الأمم التي قبلها من اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة؛ وذلك حين تبتعد الأمة عن المنهج القويم، وتفقد هويتها وشخصيتها، فتبحث عما يكملها عند غيرها من أمم الكفر، فلا تجد عندهم إلا الضلالة والبعد عن الله، فتتبع خطاهم في طريق لا يزيدها إلا بعداً وانغماساً في ظلمات التيه والغواية.

    1.   

    باب إعلام النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ركوب طريق الأمم قبلهم، وتحذيره إياهم ذلك

    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    مع درس جديد من كتاب الإبانة لـابن بطة ، وهو: باب إعلام النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ركوب طريق الأمم قبلهم، وتحذيره إياهم ذلك.

    في أدلة هذا الباب يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة -وهي أمة الخير- لابد أنها تنحرف عن سلوك طريق الخير وتركب طريق الشر، وطريق الشر إنما هو في التزام غير هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وهو هدي الأمم السابقة وأخلاقها، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما أطلعه ربه على أن هذه الأمة لابد أن تنحرف عن المسار الطبيعي الذي خلقت له، حذر أمته من هذا البلاء العظيم، ومن فقدان هويتها؛ لأن لكل أمة هوية، فإذا فقدت أمة من الأمم هويتها فإنها تنسلخ من هديها تماماً وتذوب في بقية المجتمعات، حتى تتشبه ببقية هذه المجتمعات التي تخلقت بأخلاقها، أو سلكت سبلها واستنت بسننها.

    ولأجل هذا صرح النبي عليه الصلاة والسلام بخطورة ذلك، وأن ذلك تمييع للشخصية الإسلامية، وبالتالي هو ذوبان للمجتمع المسلم في بقية مجتمعات الكفر والضلال.

    حديث شداد بن أوس: (ليحملن شرار هذه الأمة على سنن ..)

    ولما كان هذا أخطر أمر وأعظم وباء يمكن أن ينزل في المجتمع المسلم بأسره؛ حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث، ففي حديث [شداد بن أوس أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة)] يعني: لتتبعن سنن من كان قبلكم. أي: هديهم وأخلاقهم وطريقتهم في كل شيء مهما دق وجل، فإنكم تبحثون عنه وتنقبون عنه وتعملون به، وتتركون سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر زائد عن البدع، أي: هو فوق البدع بدرجات، فالتخلق بأخلاق الأمم السابقة لابد أنها أمم الكفر؛ لأنه ليس هناك أمة مسلمة على وجه الأرض بعد مبعث النبي عليه الصلاة والسلام إلا أتباع النبي عليه الصلاة والسلام، فكونه قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) أي: من الكفار.

    وفي رواية: (فارس والروم يا رسول الله؟! قال: ومن الناس إلا هم؟) يعني: هؤلاء الذين تقلدونهم أنتم، أما فارس فقد أسلموا على عوج، وأما الروم فأسلموا ثم خرجوا، حتى صارت الروم الآن دار كفر بعد أن كانت دار إسلام أو شبه دار إسلام لإسلام معظم أهلها في وقت من الأوقات، ولكنها رجعت دار كفر، كما كانت تركيا كذلك دار إسلام في يوم من الأيام، ولكنها بسقوط الخلافة العثمانية التي اتخذت تركيا مقراً لها ثم سقطت سنة (1924م)، ورجعت مرة أخرى تركيا دار كفر بعد أن كانت دار إسلام.

    فالصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: (لتتبعن سنن الناس حذو القذة بالقذة، قالوا: يا رسول الله! فارس والروم؟)؛ لأن هاتين الدولتين أعظم مملكتين في زمنه عليه الصلاة والسلام، قوة فارس وقوة الروم، وكانوا يقولون: هما قوتان لا تغلبان، والنبي عليه الصلاة والسلام، بل القرآن الكريم ذكر بأن هذه القوى قوى هشة لا تثبت أمام جحافل الإيمان وقد كان هذا غير مرة.

    فهنا لا أقول: فارس والروم الآن؛ لأن الروم الآن صارت ضعيفة أمام القوى العظمى، فقد كنا كذلك نقول: أعظم قوتين في العالم هم الروس والأمريكان، فسقطت الروس، وانشقت إلى دويلات كثيرة بعضها أضعف من بعض، حتى كاد زعيم الروس الأعظم أن يبحث عن عمل يتكسب منه قوت يومه.

    وما هذا إلا لتعلموا أن الأمور كلها تجري بمقادير الله عز وجل، وأن الله تعالى يذل من يشاء ويعز من يشاء، فهذه الدولة التي لم يكن أحد يتصور أنها تنهزم أو تضعف في يوم من الأيام، إذا بها تكون أمة ذليلة في ركاب أمريكا، ولا تزال القوة باقية في أمريكا، لكنها قوة تستند إلى الكفر كذلك، وتعتمد على الضلال، بل تقبل بالكفر والضلال والانحراف عن منهج الله سبيلاً لها، وأسطولاً لها، وسنة الله تبارك وتعالى الكونية أبت أن تكتب البقاء والنصر المؤبد لأمثال هؤلاء.

    فأمريكا في قبضة الله عز وجل، إذا شاء الله تعالى أن يذلها أذلها، في وقت لا يمكن لأحد أن يذكرها ولو بزلزال أو بركان، وهذا بإذن الله عز وجل، كما أن كل شيء بيده سبحانه وتعالى.

    فهذه القوة أنا أعتقد أنها قابلة للانهيار في أي وقت من الأوقات، كما أن من زار هذه البلاد أو هذه الولايات، ورأى ما فيها من فساد، علم يقيناً أن عمر أمريكا الافتراضي أوشك على الانتهاء.

    لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: إذا انهارت أمريكا كما انهارت روسيا من قبلها، بل وانهارت أوروبا كلها، فما هي الأمة القوية، وبأي شيء تتقوى؟ هل هي أمة الإسلام؟ أم تنهض أمم الكفر مرة أخرى؟

    الجواب: أن كل أمة رسمت لها الدساتير لتقوى بها، وقد قويت وقامت، وبين أيدينا دستور لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكننا فرطنا فيه، ومعذرة إذا عبرت عن القرآن والسنة بالدستور وهو اللفظ الدارج وإن كنت لا أحبه.

    فهنا الأمة الإسلامية ملكت مقومات الحضارة، ومقومات السيادة والريادة، ولكنها تخلت إما بفعلها وإما رغماً عنها؛ ولذلك ترى الآن المسلمين حكاماً ومحكومين على السواء يأبون ويرفضون أن يحكموا وأن يساقوا بأحكام الشرع، ليس هذا في الحكام فحسب، وما دامت الدفة في صالحك فإنك تقبل الإسلام على العين والرأس، وإذا كان الإسلام حاكماً عليك فإنك تهرب منه مهما طالت حياتك، ومهما طال انتظارك للدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية المزعومة.

    ولذلك وقع في الأمة من البلاء والفساد ما لا يمكن لعاقل أن يتصور معه تمكين هذه الأمة في يوم من الأيام، والله تعالى وعدنا، وقبل أن يعد شرط علينا: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ونصر الله تعالى بالتزام شرعه، وما دمنا أبعد الناس عن شرع الله فلن ننتصر، فاليهود والنصارى درسوا كتاب الله تعالى، ودرسوا سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلما علموا أنه المنهج القويم الذي من تمسك به قام وثبتت أقدامه في الأرض، عملوا بالدين الإسلامي في الوقت الذي تخلينا نحن فيه عن دين الإسلام.

    ولذلك هم الآن رواد لنا، وكثير من المسلمين يعتبرون اليهود والنصارى -وإن شئت فقل بلاد الغرب- القدوة والأسوة والمثل الأعلى، بل يعتبرها كعبته وقبلته، وينظر إليها فيقلدها في الأخلاق وفي السلوك، وربما في العقائد، كذلك في طريقة البناء وفي طريقة المشي واللباس.. وغير ذلك، فترى الشباب -خاصة في الجامعات- إنما تصبو أعينهم، وتتوجه أفئدتهم وقلوبهم إلى تقليد الغرب في كل شيء، فلا تكاد تميز بين المسلم وبين الكافر إذا مشيا في طريق معاً.

    وهذا فقدان لهوية الأمة الإسلامية على العموم، كما أنه فقدان للشخصية الإسلامية لكل فرد على حدة.

    فهل يتصور في أمة ملكت مقومات الحياة الكريمة السعيدة، ولكنها ألقتها خلف ظهرها؛ أن تقوم وأن تسود وأن تكون صاحبة الريادة في العالم؟ لا يتصور ذلك قط، إلا أن ترجع إلى مقوماتها فتتمسك بها.

    ومقومات أي أمة دستور، وعندنا دستور السماء، كما أن من مقومات أي أمة عدد من الناس يحمل هذا الدستور، وكما يقولون: أعداد المسلمين شيء مهول، فليس أكثر منها أمة، وكذلك عندهم من مقومات حياتهم وسعادتهم أرض تحملهم، وعندنا من الأرض غير المعمورة أضعاف الأرض المعمرة مئات المرات.

    فالشاهد من الكلام: أن عندنا مقومات الحياة، وبإمكاننا أن نكون أقوى أمة على وجه الأرض، ونظل بهذه القوة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لكننا تخلينا وفرطنا في ذلك كله، بل وجعلنا الله تعالى أهون الناظرين إلينا، فلابد أن نكون كذلك أهون الخلق على الله عز وجل، حتى صرنا أهون الخلق على اليهود والنصارى، وداسونا بنعالهم وأقدامهم.

    حديث أبي واقد: (اجعل لنا ذات أنواط ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو واقد الليثي : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين -أي: ناحية حنين- ومررنا بالسدر -شجرة- فقلت: يا رسول الله! اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها)].

    ينوطون: أي يعلقون أسلحتهم على شجرة، فلما مروا بشجرة قالوا: يا رسول الله! اتخذ هذه لنا ذات أنواط، يعني: ائذن لنا أن نتخذ هذه الشجرة لتعليق سيوفنا عليها، وهذا أمر مباح؛ لكنهم قالوا: (كما للكافرين ذات أنواط)، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يقطع العلاقة كلية بما هو خاص بأخلاق اليهود والنصارى.

    قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الله أكبر! هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138] إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم)] يعني: هدي الذين من قبلكم وأخلاقهم.

    انظر إلى طلب الصحابة رضي الله عنهم، أن تكون لهم شجرة يعلقون عليها سيوفهم، وهذا أمر مباح، لكنهم لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما كان للكافرين، أي: تشبهاً بهم ولو في الأمر المباح قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الله أكبر! ) وهو تكبير استنكار عليهم.. إنكم تقولون نفس مقولة بني إسرائيل لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138].

    فالتشبه بالكافرين ربما أدى بكم في نهاية الأمر وتقادم العهد والزمان إلى أن تقولوا لأمرائكم وعلمائكم: اجعلوا لنا إلهاً كما كان لبني إسرائيل إلهاً.

    حديث أبي سعيد: (لتتبعن سنن بني إسرائيل...)

    قال: [وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن بني إسرائيل شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو كان الرجل من بني إسرائيل دخل جحر ضب لتبعتموه)].

    فبنو إسرائيل كانوا أصحاب حضارة في ذلك الوقت، ودائماً الإنسان يتطلع إلى الحضارة ويظن أنها التقدم، لكن الحضارة الحقة والتقدم المتين هو التمسك بشرع الله وحبل الله، والاعتقاد بكتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.. هذا هو التقدم حقاً؛ لأن الغاية من التقدم هي السعادة في الدارين، ولا سعادة إلا في دين الله عز وجل والتمسك به، والاعتصام بحبله المتين.

    هب أن واحداً حاز على أعظم التقنيات، ولكنه كان كافراً ومات بعد هذه الاختراعات التي سعد بها غيره، فماذا له عند الله عز وجل يوم القيامة وقد مات على كفره؟ ليس له إلا النار.

    فقد شقي في حياته الدنيا ليسعد غيره، أما في الآخرة فليس هو من أهل الجنة، بل هو من المخلدين في نار جهنم.

    وأصل التقدم الحضاري والرقي الفكري والاجتماعي أن يؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة، فأي شيء لا يؤدي إلى هذا الغرض لا يكون تقدماً في حقيقة الأمر، وإنما يراه تقدماً من لا بصر له ولا بصيرة، ويرى أننا متخلفون، ولذلك تجد كثيراً من الكتاب والصحفيين.. وغيرهم من المفتونين بما عليه أوروبا الآن وأمريكا من تقدم تكنولوجي متعلق بالحياة الدنيا، وسيزول هذا التقدم كله قبل قيام الساعة حتى يرجع الناس إلى الإبل والحمير، وإلى القتال بالعصي والسيوف والنبال، لابد أن تفنى هذه الحضارة، ويرجع العالم كله إلى ما كان عليه وقت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.

    إذاً: لا يبقى إلا السعادة الحقة، وهي التمسك بالكتاب والسنة، هذا هو البحث الحقيقي عن مرضاة الله عز وجل.

    هذا يذكرني برجل كل همه أن يتزوج امرأة جميلة مهما كانت أخلاقها وسلوكها وديانتها، المهم أن تكون جميلة، وهذا الجمال يوماً ما لابد أنه سيزول، فإذا كان سوء الخلق باقياً وسوء المعتقد باقياً، وكل صفات المرأة باقية فإنه يزول جمالها، وهو الذي كنت تبحث عنه، فإذا كنت من الآن تبحث عن هذا التقدم فاعلم أنه زائل، وسيبقى لك شرار الصفات، وهي التخلق بأخلاق هؤلاء، وبحثك عن تقليدهم في كل كبير وصغير، في النقير والقطمير؛ حتى تذوب في أخلاقهم وفي سلوكهم وفي معتقدهم، وإذا بهم ينسلخون منك ويتبرءون منك يوم القيامة كما يتبرأ الشيطان من أتباعه؛ ولذلك كانت السعادة الحقة في التزام شرع نبينا عليه الصلاة والسلام.

    حديث أبي هريرة: (لتأخذن أمتي بأخذ الأمم والقرون قبلها ...)

    قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتأخذن أمتي بأخذ الأمم والقرون قبلها، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قيل: يا رسول الله! كما فعلت فارس والروم؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: ومن الناس إلا أولئك؟)].

    شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله يعلق على هذا الحديث فيقول: هذا خبر، أي: هذا خبر عن أمر مستقبل سيقع في الأمة، فلو أنك أتيت مثلاً وقلت لابنك: يا بني! أنت الآن ذاهب لتصلي الجمعة، فليس هناك داع لأن تلبس البدلة والكرفتة والبنطلون، وإنما يستحب لك في مثل هذا اليوم أن تلبس الثوب الأبيض، يقول: أنا أستحي من زملائي، وأستحي من المجتمع، وهذا الذي تعودت عليه، ويبدأ يناقشك واحدة واحدة، حتى يعتقد في المستقبل أن ما يلبسه أفضل مما يلبسه غيره. وهذا كلام خطير؛ لأنه يؤدي إلى ما هو أخطر منه؛ لكن ربما تهون هذه القضية أمام تخلقه بأخلاق غير المسلمين في الباطن، والشكل له تأثير في الجوهر، فالجندي الذي يلبس بدلة الجندية يشعر بالفتوة والشهامة والقوة، وكذلك الذي يتشبه بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام في ظاهره يحجبه هذا الظاهر عن كثير من المعاصي.

    فإذا أراد أحد أن ينطلق بلا لوم في المعاصي حلق لحيته وغيَّر من منظره ومن زيه؛ لأنه يعلم أن الناس لا يدعونه بهذا الشكل، ولو تشكل بأشكال أخرى غير الشكل المطلوب لما لامه الناس، تصوروا لو أني في مثل حالتي هذه دخلت السينما، من الذي يأمرني وينهاني؟ الذي داخل السينما كلهم سينظرون إلي نظراً مزرياً، فيأتي إلي شخص ويقول لي: حرام عليك، اتق الله، ويذكرني بالله وهو معي في نفس المجلس؛ لأن منظري وشكلي لا يتناسب مع هذا، في الوقت الذي استجاز هو لنفسه أن يبقى في هذا المكان، وربما اصطحب معه عشيقته، لكن مجرد دخولي أنا السينما أمر منكر، أما بقاؤه هو في السينما أو في النادي أو غير ذلك ومعه عشيقته -والله أعلم بالمفاسد التي تتم بعد ذلك من شرب الخمر والسكر أمر لا ينكر على عامة الناس؛ لأنهم لم يعلنوا راية الالتزام، فكأنه أبيح لهم ما حرم على غيرهم، وهذا وضع طبيعي في الناس.

    ولذلك فإن الشكل له تأثير في القلب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، مع أن تسوية الصفوف أمر ظاهري، فما علاقة هذا الظاهر بالقلب؟ وجرب هذا بنفسك، لو أنك تعودت وفعلت ذلك تديناً وعبادة، ووضعت قدماً جوار قدم من يقف بجوارك، فكلما وضعت قدمك بقدمه ضم إليه قدمه، هل سيتغير قلبك عليه؟ نعم يتغير؛ لأنه لم يعنك على طاعة من الطاعات، ولم يلتزم سنة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام، فلابد أن تخرج من الصلاة وأنت لا ترغب أن تنظر إلى وجهه، وهذا يدل على أن الإسلام كل لا يتجزأ، وإن كان هو على شكل درجات ومراتب، ولكن في نهاية الأمر كل هذه الدرجات والمراتب داخلة في حد الإسلام، وفي حد الإيمان.

    قال: قال ابن تيمية: هذا خبر تصديقاً لقول الله تعالى: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا [التوبة:69]، ولهذا شواهد في الصحاح والحسان، وهذا أمر قد يسري في المنتسبين إلى الدين من الخاصة، كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة ، فإن كثيراً من أحوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى العلم، وكثيراً من أحوال النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى الدين، كما يبصر ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم أنزله على أحوال الناس، يعني: تكون أنت عالماً بالدين الذي أنت عليه، فإذا علمت دين الإسلام وما هو المراد منه، وما هو المطلوب منك تجاه هذا الدين، ثم أسقطت ما عندك من علم على واقع الناس؛ لوجدت أن الناس في واد وأن الدين في واد آخر، هكذا أراد شيخ الإسلام أن يقول.

    قال: وإذا كان الأمر كذلك، فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وكان ميتاً فأحياه الله وجعل له نوراً يمشي به في الناس؛ لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية، وطرفي الأمتين: المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، فيرى أنه قد ابتلي ببعض ذلك، والصادق مع نفسه يتوقف مع نفسه في كل قول وفعل ونية وغير ذلك، ويفهم الإسلام أولاً، ثم لابد هو مع هذا العلم سيجد أنه قد تخلق أو تشبه ببعض أخلاق اليهود والنصارى، وهذا أمر يجعل كل واحد منا يكون حريصاً على نفسه، يراقبها ويعاتبها ويلومها ويوبخها على كل مخالفة انحرف بها عن سلوك الشرع القويم.

    وانظروا إلى قوله: (لتتبعن سنن بني إسرائيل شبراً بشبر، وذراعاً بذراع)، فهذا تشبيه المراد منه ملازمة التشبه بهم؛ لقوله: (شبراً بشبر) يعني: يمشي خلف اليهود خطوة بخطوة، أو يمشي المسلم خلف اليهودي حتى في طريقة المشي، إذا رفع رجله رفع رجله مثله ووضعها في أثر قدم اليهودي.

    قال: (وذراعاً بذراع حتى إذا دخلوا جحر ضب) أي: مع ضيقه، لكن اليهودي لو دخله لكان المسلم أحرص الناس على أن يدخله سلوكاً لسبيل اليهودي.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتأخذن أمتي بأخذ الأمم والقرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع قيل: يا رسول الله! كما فعلت فارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا هم؟).

    حديث حذيفة: (لتركبن سنن بني إسرائيل ...)

    قال: [وقال حذيفة]، وما أدراكم ما حذيفة ؟! أدرى الناس بالفتن في زمانه، عالم بأخبارها، كما أنه خبير بالمنافقين في زمنه، وكانت له اهتمامات خاصة بهذا الجانب، لكن شتان بين ما كان يهتم به حذيفة من الفتن وما يهتم به بعض طلاب العلم الآن من الفتن، فهذا باب وذاك باب آخر، أما حذيفة فكان حريصاً على أشراط الساعة، والفتن التي تكون بين يدي الساعة، يحددها ويصف لها الدواء، أما بعض طلاب العلم الآن فالفتنة خامدة أو مخمودة، ومع هذا هو أحرص الناس على إنشائها وإشعال نارها حتى تستفحل وتكبر ولا يكون لها دواء، ثم هو حينئذ يستريح.

    قال: [قال حذيفة : لتركبن سنن بني إسرائيل، حذو القذة بالقذة، وحذو الشبر بالشبر، حتى لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا فعله رجل من هذه الأمة، فقال له رجل: قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير فهل يكون فينا هذا؟ قال حذيفة : وهذه الأمة سيكون فيها قردة وخنازير].

    قال: [وعن حذيفة قال: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، وليصلين النساء وهن حيض، ولينقضن الإسلام عروة عروة، ولتركبن طريق من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، وحذو القذة بالقذة، لا تخطئون طريقهم ولا يخطأ بكم].

    1.   

    تعليق ابن بطة على أحاديث الإعلام بأمر الفتن

    قال: [قال ابن بطة رحمه الله: فلو أن رجلاً عاقلاً أمعن النظر اليوم في الإسلام وأهله، لعلم أن أمور الناس تمضي كلها على سنن أهل الكتابين وطريقتهم، وعلى سنة كسرى وقيصر، وعلى ما كانت عليه الجاهلية، فما من طبقة من الناس وما من صنف منهم، إلا وهم في سائر أمورهم مخالفون لشرائع الإسلام وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، مضاهون فيما يفعل أهل الكتابين والجاهلية قبلهم، فإن صرف بصره إلى السلطنة وأهلها وحاشيتها، ومن لاذ بها من حكامهم وعمالهم، وجد الأمر كله فيهم بالضد مما أمروا به، ونصبوا له، في أفعالهم وأحكامهم وزيهم ولباسهم، وكذلك في سائر الناس بعدهم من التجار والسوقة، وأبناء الدنيا وطالبيها من الزراع والصناع والأجراء والفقراء والقراء والعلماء.. إلا من عصمه الله.

    ومتى فكرت في ذلك وجدت الأمر كما أخبرتك في المصائب والأفراح، وفي الزي واللباس والآنية والأبنية والمساكن والخدام والمراكب والولائم والأعراس والمجالس والفرش والمآكل والمشارب وكل ذلك، فيجري خلاف السنة والكتاب بالضد مما أمر به المسلمون وندب إليه المؤمنون].

    ومما يدل على ذلك أن الذين يصنفون مصنفات في كيفية العمارة القديمة تجد البيت نفسه مكشوفاً تماماً، ففي هذا الوقت وأنت تمشي في الشارع تجد الحرمات مكشوفة، وعندما تدخل منزلاً فيه حديقة، تجد أن أول شيء يقابلك من الباب المطبخ، وكان المطبخ من قبل بجوار غرفة الاستئذان، لكن في هذا الوقت أصبح المطبخ وغرفة الاستئذان شيئاً واحداً، فإذا دخل الضيف خرجت المرأة بأحدث زيها وأجمل زينتها من أجل أن تعمل للضيف كوب شاي، ولا سبيل لها إلا أن تمر فتسلم وتصافح، وربما جلست للمسامرة والمؤانسة، ثم انطلقت إلى مكان إعداد الشاي وغيره، حتى في المباني في داخل البيوت قد تشبهنا بالكافرين.

    قال: [وكذلك من باع واشترى، وملك واقتنى، واستأجر وزرع وزارع، فمن طلب السلامة لدينه في وقتنا هذا مع الناس عدمها].

    أريد أن أقول شيئاً: هل تستطيع أن تأتي لي بعمل في هذا الوقت لا شبهة فيه؟ أو هل يعمل أحد منكم عملاً لا شبهة فيه؟ الجواب: لا أحد، وهذا من البلاء العظيم الذي حل بالأمة، وكأن الأمة لابد أن تأكل الحرام رغم أنفها، بل حتى الذي يخرج بالسلامة لا يتمكن من ذلك.

    قال: [ومن أحب أن يلتمس معيشة على حكم الكتاب والسنة فقدها، وكثر خصماؤه وأعداؤه ومخالفوه ومبغضوه فيها، فالله المستعان، فما أشد تعذر السلامة في الدين في هذا الزمان، فطرقات الحق خالية مقفرة موحشة، قد عدم سالكوها واندفنت محاجها، وتهدمت صواياها -أي: علاماتها وأعلامها- وفقد أدلاؤها -جمع دليل- وهداتها، قد وقفت شياطين الإنس والجن على فجاجها وسبلها تتخطف الناس عنها، فالله المستعان، فليس يعرف هذا الأمر ويهمه إلا رجل عاقل مميز قد أدبه العلم، وشرح الله صدره بالإيمان]، أما غير ذلك فلا.

    ولذلك دائماً نقول: طلب العلم نجاة من الهلاك، فالسبيل الوحيد لمن أراد أن ينجو مما حل بالعالم من خراب وفساد وضلال هو طلب العلم؛ لأنه العاصم بأمر الله.

    فطلب العلم نجاة من كل هلكة، فمن أراد أن ينجو وأن يرتفع بأنفه، ويعلو بنفسه على واقع العالم المر الباطل فليتعلم العلم، وبغيره لا يمكن لك أن تنجو من البلاء الذي نزل بالكون.

    1.   

    إنكار الصحابة تغير الناس في لزوم السنة من بعدهم

    أثر عبد الله بن بسر: (... لو نشروا من القبور ما عرفوكم ...)

    قال: [وعن زيد بن ضمير الرحبي قال: سألت عبد الله بن بسر وهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: كيف حالنا من حال من كان قبلنا؟] هذا ابن ضمير من التابعين كأنه يقول: اعقد لنا مقارنة بين حالنا نحن في زمن التابعين وبين حال من قبلنا؟

    قال: [قال عبد الله بن بسر : سبحان الله! لو نشروا من القبور ما عرفوكم، إلا أن يجدوكم قياماً تصلون].

    يعني: لو أن الصحابة بعثوا من قبورهم فنظروا في وجوه التابعين وفي بلاد المسلمين، ما عرفوا أن هؤلاء مسلمون، ولا عرفوا أن هذه البلاد إسلامية، إلا في وقت صلاة الجماعة؛ لأنه لا يصلي على هذا النحو إلا المسلمون، فلو لم يناد الإمام أو المؤذن بالصلاة، ودخل الناس المسجد، لا يكاد الصاحب أن يعرف المسلمين إلا بهذه الشعيرة.

    أثر أنس: (ما من شيء كنت أعرفه على عهد النبي إلا قد أصبحت له منكراً)

    قال: [وعن أنس قال: ما من شيء كنت أعرفه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد أصبحت له منكراً]، كل ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام أدركه أنس ، فرأى الأخلاق والصفات التي لم يجد منها شيئاً في زمن التابعين؛ ولذلك كان يبكي كثيراً على هذا؛ لأنه أنكر أخلاق التابعين.

    قال: [إلا أني أرى شهادتكم هذه ثابتة]، يعني: تقولون: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهكذا كان يقول الصحابة رضي الله عنهم، فأنتم تشابهونهم في أصل الشهادة، لكنكم لا تعملون مقتضى هذه الشهادة كما كان يعمل بمقتضاها صحابة النبي عليه الصلاة والسلام.

    قال: [فقيل له: يا أبا حمزة ! فالصلاة؟ قال: قد فعل فيها ما رأيتم]. يعني: قد انحرفتم عن هديه عليه الصلاة والسلام وعن سنته فيما يتعلق بالصلاة، وربما يكون أنس بن مالك أبو حمزة رضي الله عنه أشار إلى رفع الخشوع منها، والخشوع يا إخواني وإن كان عملاً قلبياً إلا أن القرائن الظاهرة تدل عليه، هب أن رجلاً دخل في صلاة فنقرها نقر الغراب، لا يكاد يتم فيها فاتحة الكتاب، ولا يكاد يستوي ظهره حتى يسبح ثلاثاً ولا حتى واحدة، فهذه كلها قرائن تدل على أن هذا الإنسان لم يصل صلاة صحيحة، فضلاً عن أن يكون خشع في صلاته؛ ولذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً أن يعيد الصلاة مرة أخرى، قال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) لما وجده ينقر صلاته، حتى اعتذر إلى النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لا يحسن أكثر من ذلك، فعلمه النبي عليه الصلاة والسلام كيفية الصلاة، وأذكار الصلاة، والحديث فيها طويل، وهو المعروف عند أصحاب الحديث بحديث المسيء صلاته.

    قال: [وقال الزهري : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، قلت: ما يبكيك؟ قال: ما أعرف شيئاً مما كنا عليه إلا هذه الصلاة وقد ضيعت].

    إذا كانت هذه المقولة من أنس بن مالك فلا غرابة أن يقول أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: دخلت مائة مسجد وصليت فيها ونظرت إلى أهلها، فما وجدت واحداً يصلي صلاة كصلاة رسول صلى الله عليه وسلم. بلاء عظيم جداً نزل بالأمة في زمن التابعين، فما بالكم بهذا الزمان؟!

    أثر أبي الدرداء: (والله ما أعرف فيهم من أمر محمد ...)

    قال: [وعن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان. قلت له: ما أغضبك؟ قال: والله ما أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعاً]، أي: هذا المظهر الوحيد من مظاهر الإسلام: أن صلاة الجماعة لا تزال قائمة، أما بقية شعائر وشرائع الإسلام فالناس عنها في غفلة، الناس في واد وشرعهم في واد آخر.

    قال: [وعن ابن عباس : أنه كان يتمثل بهذا البيت:

    فما الناس بالناس الذين عهدتهم]، يعني: ليس هؤلاء هم الناس الذين عشنا في أكنافهم. قال:

    [فما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت تعرف]

    1.   

    تعليق ابن بطة على ما ورد عن الصحابة من إنكار تغير الناس في لزوم السنة

    قال ابن بطة: [هذا يا إخواني -رحمنا الله وإياكم- قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن بسر ، وأنس بن مالك، وأبي الدرداء ، وابن عباس، ومن تركت أكثر ممن ذكرت، فيا ليت شعري! كيف حال المؤمن في هذا الزمان؟ وأي عيش له مع أهله، وهو لو عاد عليلاً -يعني: لو زار مريضاً- لعاين عنده وفي منزله وما أعده هو وأهله للعلة والمرض من صنوف البدع ومخالفة السنن، والمضاهاة للفرس والروم وأهل الجاهلية ما لا يجوز له معه عيادة المرضى؟] يقول: حتى المريض العليل عنده من البدع والمخالفات والبلايا المخالفة للكتاب والسنة ما يجعل العائد له يرجع ولا يعوده، مع أن المريض دائماً هو في أمس الحاجة إلى أن يتقرب إلى الله عز وجل، وهكذا حال الإنسان دائماً يلجأ إلى الله تعالى في وقت ضره، ويعصي حين يدفع عنه الضر.

    قال: [وكذلك إن شهد جنازة، وكذلك إن شهد إملاك رجل مسلم]، تصور أنك ذاهب لاتباع جنازة، فبين كل فترة وأخرى تسمع من يقول: وحدوه، فلا يصلح هذا، وهذا ليس من السنة، وليس من الهدي.

    كما أنك تجد مشايخ ودعاة وعلماء يشتغلون فقط بالدعاء الجماعي والتأمين الجماعي، وهذا ليس من هديه عليه الصلاة والسلام، فلم يثبت قط أنه دعا على المقابر جماعة، وإنما كان يقول: (ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل)، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام مجاب الدعوة، فلو أن الدعاء على هذا النحو مشروع لكان هو أولى بالدعاء من أصحاب التأمين، ولكنه أمر كل واحد أن يدعو حتى لا يحرم نفسه الدعاء، إذ إن الدعاء من أعظم العبادات، بل هو أصل العبادة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، فحينئذ لو سكت الناس جميعاً ودعا واحد وأمن الناس، فكأن الداعي للميت واحد فقط، ولو انفرد كل إنسان قدر أن تنحر جزور وتسلخ ويوزع لحمها -وهذا لا يكون إلا في ساعة من الزمان- لانتفع بها الميت في قبره، وكان هؤلاء جميعاً شفعاء يومئذ، ولو أنك أنكرت وقلت: يا إخواني! كل واحد يدعو في نفسه للميت لقالوا: نتبعك أنت أم فلاناً وفلاناً، وهؤلاء ليسوا من أهل البدع، بل هم من أهل السنة، أو يقولون: هؤلاء مشايخكم ودعاتكم وعلماؤكم يفعلون هذا! ونقول: هذا فيه مخالفة للشرع، لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، إنما وعظ مرة عليه الصلاة والسلام، والموعظة تختلف عن الدعاء، الموعظة تذكير للمؤمن بمآله، وأنه لا يبعد أن يكون في نفس اليوم في نفس المكان وفي نفس المقبرة، فالموعظة تختلف عن الدعاء، فلا بأس بالموعظة على المقابر، على أن لا يكون هذا ديدناً حتى لا يدخل في حد البدع، أما الدعاء بالإفراد فإنه مسنون مع كل دفن.

    قال: [وكذلك إن شهد له وليمة، وكذلك إن خرج يريد الحج، عاين في هذه المواطن ما ينكره ويكربه، ويسوءه في نفسه وفي المسلمين ويغمه]، في كل مناحي العبادات والعادات تجد انحرافاً عن الشرع، فإذا أردت أن تضع الأمر نصابه قوبلت بالإنكار والردود والملامة، وربما الاعتداء والضرب والشتائم، لا يمكن أبداً لهذه الأمة أن تفيق إلا أن ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها.

    قال: [فإذا كانت مطالب الحق قد صارت بواطل، ومحاسن المسلمين قد صارت مفاضح، فماذا عسى أن تكون أفعالهم في الأمور التي نطوي عن ذكرها؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون ما أعظم مصائب المسلمين في الدين وأقل في ذلك المفكرين!].

    وقال: [أنشدني شيخ من أهل العلم بالبصرة في جامعها:

    الطرق شتى وطرق الحق مفردة والسالكون طريق الحق آحاد

    لا يطلبون ولا تبدو مآثرهم فهم على مهل يمشون قصاد

    والناس في غفلة عما يراد بهم فكلهم عن طريق الحق حواد]

    يعني: يحيدون عن طريق الحق.

    قال: [غمر الناس يا إخواني! البلاء، وانغلقت طرق السلامة والنجاء، ومات العلماء والنصحاء، وفقد الأمناء، وصار الناس داء ليس يبريه الدواء.

    نسأل الله التوفيق والعصمة والسداد].

    قال: [قال عبد الله رضي الله عنه: يأتي على الناس زمان يمتلئ فيه جوف كل امرئ شراً، حتى يجري الشر ولا يجد مفصلاً ولا يجد جوفاً يلج فيه]. أي: يدخل الشر في كل مكان من بدنه -عياذاً بالله- حتى يبحث عن مدخل وعن جوف فلا يجد؛ لأن البدن كله بجميع أجزائه امتلأ شراً، وامتلأ فساداً وضلالاً.

    قال: [لا جعلنا الله وإياكم من أهل الشر، ولا جعل لأهل الشر علينا سبيلاً.

    وقال أبو الدرداء : لو أن رجلاً كان يعلم الإسلام وأهمه]، أي: كان يعيش هم الإسلام ويهمه ما يقع بالمسلمين من بلاء وانحراف عن الطريق والصراط، [ثم تفقده اليوم ما عرف منه شيئاً].

    سوكل هذا يحتاج إلى دراسة العلم دارسة متأنية حتى يعلم حقيقة الإسلام، وحقيقة كونه مسلماً، ثم إذا وقف على حقيقة الإسلام فأنزلها على واقع المسلمين اليوم لعلم أن البون شاسع جداً بين المسلمين وبين الإسلام، فهل من رجعة إلى الله عز وجل؟ وهل من توبة إلى الله عز وجل؟

    1.   

    نداء للعودة إلى الإسلام وإلى التمسك بتعاليمه وشرعه

    ولا سبيل إلى التمكين والنصر، والسيادة على الأمم كلها إلا بالتمسك بدين الله عز وجل وحبله المتين وكتابه القويم: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] هل هناك دستور في الأرض كلها يهدي للتي هي أقوم؟ كنا من قبل نقول: هذه الدساتير الوضعية لا تصلح إلا في أرض نبتت فيها هذه القوانين، فلا يصح أن تحكم بلاد المسلمين بقانون فرنسا، ولا بقانون انجلترا، ولا بقانون أمريكا؛ لأن هذه القوانين لا تناسب الفطرة كما قلنا من قبل، وكنا من قبل ندرس هذا الكلام ونلقنه حتى غيرنا هذا المعتقد، وعلمنا أنه لا يصلح فرنسا ولا أمريكا ولا أوروبا ولا العالم كله إلا الإسلام، حتى هذه القوانين التي نبتت في أراض كفرية لا تصلح لهذه الأرض، ولا تصلح لنفس الأراضي، إنما يصلح للعالم كله بره وجوه وبحره الإسلام وتعاليم الإسلام، وبغير الإسلام الناس كلهم في حيرة وضلال كافرهم ومؤمنهم.

    فلابد من العودة إلى الإسلام حتى إذا تمسكنا بتعاليمه وشرعه تميزت شخصياتنا، وبالتالي تميز مجتمعنا فكان مجتمعاً له سمات، وله الخصال والصفات التي يتميز بها عن غيره من بقية المجتمعات، أما بهذا الوضع فلا يمكن إطلاقاً، ونحن دائماً نقول هذا الكلام وندندن حوله، ونتمنى لو أننا انتبهنا إليه، لكن القضية -يا إخواني- أن بعضكم يتصور باعتباره أتى إلى المسجد، وصلى صلاة الفرض وزكى وحج واعتمر أنه قد أدى ما عليه، وليس هذا هو دين الله عز وجل؛ ولذلك علماؤنا كثيراً ما يقولون: من وقف على حقيقة الإسلام علم أنه في واد والإسلام في واد آخر.

    إذاً: الذي يصلي ويصوم ويزكي ويحج لم يعلم بعد حقيقة الإسلام؛ لأن الإسلام أعمق من ذلك بكثير، وهذا أشبه بإنسان لا فهم له، لكنه إذا سمع النداء ذهب إلى المسجد، وإذا أتى رمضان أخرج زكاة ماله؛ لأنها قد وجبت، وإذا أتى موسم الحج انطلق إلى المسجد الحرام، لكنه لا يعرف من الدين أكثر من ذلك، وليس في حياته طفرات ولا نقلات، فإذا دعوته إلى الالتزام وفهم المعاني الحقيقية للشرع يقول: أنا الحمد لله حياتي جيدة، هل تدعوني للصلاة؟ أنا أصلي، للصيام؟ أنا أصوم، للزكاة؟ أزكي، وأنا في كل سنة أحج، لكنه يقع في عظائم الأمور ويقع في المنكرات والبوائق؛ لأنه لم يتعلم الحلال والحرام، ولم يتعلم المعاني اللطيفة.

    يا إخواني! كتاب الزمخشري وكتاب الزركشي في التفسير رغم اعتزالهما إلا أن الواحد منهم يدندن على مواطن الجمال في كلام الله عز وجل، وأنا لا أنصح بكثرة القراءة فيها حتى لا يقع المرء في سوء المعتقد الذي في هذين الكتابين، وإنما الذي يميز بين الغث والسمين في هذا الباب فيستحب له ينظر حتى يعلو ويزداد إيمانه بمعرفة المعاني الدقيقة، والأسرار النفيسة لكلام الله عز وجل من واقع هذا الكلام، أو من واقع هذه التفاسير.

    يأتي مدرس لغة عربية -لا أقول مفسراً- فيفسر الآية لطلاب المدرسة تفسيراً جديداً، فيظهر ما في هذه الآية من إعجاز أو بيان أو فصاحة أو بلاغة يعجز عنها أي إنسان، فإذا ظهر وجه الإعجاز ازددت حباً وشوقاً إلى الاطلاع في كتاب الله عز وجل بالليل والنهار، أما الإنسان الذي يقرأ القرآن من أوله إلى آخره لا يكاد يميز، ولا يعرف حلاله ولا حرامه، فهذا إنسان لم يشعر بعد بجمال الشريعة، ولا بحلاوة الدين، وحلاوة كلام رب العالمين، وكذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

    الواحد منا ربما أخذ صحيح البخاري ليرويه، وسرده سرداً فيقرأ كل يوم مائة صفحة أو مائتين، يقرأ في هاتين المائتين خمسمائة حديث، فيقرأ البخاري في أسبوع واحد، لكنه لم يتوقف عند كل حديث ليعلم ما المراد من هذا الحديث، وما هو المطلوب منه، إنما كان غرضه سرد القراءة، كمن يحرص أن يختم القرآن كل ثلاث، فهو لا يتذوق العلم إلا أن يكون قد ذاق حلاوة القرآن من قبل، وعلم أسرار القرآن، فإنه يتذكر حلاوة القرآن طيلة قراءته وسرده للآيات، أما إذا كان لا علاقة له بهذا، ولا ماضي له في أن يبرك عند ركب أهل العلم فيتعلم تمام السنة؛ فإنه لا يظفر بجمال الدين ولا بحلاوة الشريعة، وكم من حديث حفظناه وقرأناه، وإذا سئلنا عنه سردناه، لكننا لا ندري المراد منه، حتى إذا وقعنا في بلاء، وبصرنا طفل من أطفال المسلمين بسؤال عن قوله عليه الصلاة والسلام كيت وكيت وكيت، حينئذ نشعر جداً بحلاوة السنة، وأن فيها النجاة، والتمسك بها عصمة من كل بلاء.

    ولعلي ذكرت لكم من قبل قصة وقعت في قريتي: أن رجلاً كان يبني بيتاً، وآخر كان يبني في مقابله بيتاً له، واختلفا على الطريق، وكانا أول من بنى في هذا الشارع، فجاء من يحدد سعة الشارع، فإذا بهما يختلفان، هذا لا يريد أن يترك، وذاك لا يريد أن يترك، فألهمنا الله عز وجل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعاً).

    فقلت لهم: يا إخواني! أنتم مستعدون أن تتحاكموا إلى شرع الله وإلى كلام النبي عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: نعم. فقلت لهم: صح أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعاً) قالوا: قبلنا، فذهبوا وأتوا بمن يقيس الشارع وقسمه سبعاً، والآن يسمون الشارع هذا في بلدنا (مصر الجديدة) مع أنها قرية، وهو أوسع شارع وأرخص شارع، والناس يسكنون هناك في راحة تامة، والسعر في هذا المكان مرتفع جداً؛ وذلك لأن هذا المكان مميز، فقد كانت الأرض كلها زراعية، وأصبحت الآن كلها مبان، فأوسع شارع في البلد كله هذا الشارع.

    فالالتجاء والتحاكم إلى شرع الله رحمة عظيمة جداً بالخلق، حتى في مثل هذه الأمور التي نراها تافهة، لكنها عادت بالنفع العظيم على الناس كلهم في البلد، وفي هذا الحي على جهة الخصوص.

    أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم دلالة النصراني على مكان يؤدي فيه حفل زفاف

    السؤال: نصراني يسأل عن مكان معين؛ لكي يدعو أحد أقرانه إلى حضور حفل زفاف بالكنيسة، فهل أدله؟

    الجواب: نحن ننصح السائل إذا كان موجوداً بيننا أن يسلم وجهه وقلبه لله عز وجل، وإذا لم يكن متزوجاً فنحن بإذن الله تعالى نسعى له في تزويجه بمسلمة بعد إسلامه وإيمانه، كما أننا نذكر هذا النصراني أنه ليس على دين؛ لأنه لا دين بحق إلا دين الإسلام، فإن يسلم يؤته الله تعالى أجره مرتين، وإن يكفر فالنار مثواه، أما كنيسة فإننا لا نحكم بالدلالة عليها، إنما نحكم بالدلالة على بيوت الله عز وجل، وأما الكنائس والبيع فليست من بيوت الله عز وجل، بل هي بيوت كفر وضرار.

    بيان عقوبة من تطلب الطلاق من زوجها من غير حق

    السؤال: امرأة طلبت الطلاق ثم رجعت في طلبها، فهل يتحقق فيها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام في الحرمان من الجنة؟

    الجواب: كأن هذه المرأة لما طلبت الطلاق طلبته بغير حق، و(أيما امرأة طلبت الطلاق من زوجها من غير ما بأس، فالجنة عليها حرام) كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، أما كونها تابت عن هذا الطلب ورجعت واعتذرت إلى زوجها، فإن الله تبارك وتعالى يتوب على من تاب.

    حكم من نذر نذراً ولم يوف به

    السؤال: شخص نذر نذراً ولم يوف به، ماذا عليه من الإثم إذا لم ينو فعله بعد ذلك؟

    الجواب: النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) فإذا كان هذا نذر طاعة فيجب على الناذر أن يوفي بما نذر به، وإذا فرط فيه مع القدرة عليه فإنه آثم إثماً عظيماً عند الله عز وجل، أما إذا كان غير قادر على إنفاذ نذره أو أنه لا يملك ما يوفي به ندره، فإن ذلك في ذمته حتى يتيسر له، فإذا لم يتيسر فلا حرج عليه، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.

    حكم من أخرج كفارة يمين قبل الحلف ثم حلف على شيء آخر

    السؤال: دفعت كفارة يمين ثم علمت أنه ليس علي فيه كفارة، ثم مضى زمن وجاءت علي كفارة يمين؛ فهل هذه تجزئ؟

    الجواب: لا.

    حكم أخذ مال فيه شبهة وحكم بيع الملابس الضيقة للمتبرجات

    السؤال: أخي يبيع لتاجر مستلزمات الخمار والحجاب والنقاب، وأغراض النساء الداخلية، وفي نفس المحل يبيع شرابات الموضة القصيرة الشفافة، والبلوزات الضيقة، وهذه البلوزات الضيقة يبيعها للمتبرجات الغير منتقبات، وسيعطيني مبلغاً مقداره خمسمائة جنيه مساعدة منه في شراء غرض أثاث في زواجي، فهل نقوده هذه حلال أم حرام؟ وهل آخذها رغم احتياجي لها؟

    الجواب: على أية حال هذا المبلغ هنيئاً مريئاً لك؛ لأن غاية الأمر أن مال أخيك فيه شبهة، والمال المشتبه حلاله وحرامه إذا غلب عليه الحل فهو حلال، وباب الورع مفتوح، فإذا أراد أحد أن يتورع عن التعامل بالمال الذي فيه شبهة فهذا بلا شك أولى، وأنا أنصح السائلة إذا كانت حاجتها ماسة إلى ضرورات النكاح فلا بأس أن تأخذ من المال، أما إذا أخذت هذا المال لشراء كماليات لا قيمة لها فالأولى ترك ذلك، كما أنصح أخاها -وهو محل السؤال- أن يلتزم بما لا شبهة فيه، وألا يبيع ما يمكن أن تتبرج به النساء؛ لأن الله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

    بيع هذه الملابس الشفافة أو المخالفة للشرع إذا خرجت بها المرأة في الشارع فلا شك أن ذلك حرام، ولذلك في مثل هذه القضايا ينبغي على البائع أن يستر هذه الملابس التي تتبرج بها النساء في الشوارع، أن يسترها في مكان ولا يبديها إلا لأهلها المستحقين لها إذا طلبوها، أو أنه لا بأس أن يعرضها عرضاً، فلو ذهب أخ مثلاً بزوجته عند رجل يبيع هذه الملابس، فلا بأس أن يقول البائع: عندي ملابس داخلية، وعندي فساتين.. وغير ذلك، ويطلعه على ما عنده، أما إذا أتت امرأة على أحدث موضة فالمعلوم أنها إذا سألت عن شيء من ذلك أو أخذته شراء فإنها ستلبسه وتخالط به نفس الرجل في الغد، وتخالط به الناس جميعاً في الشوارع، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أيما امرأة خرجت من بيتها مستعطرة فكأنما استشرفها الشيطان) وفي رواية الترمذي : (فإنما هي كذا وكذا يقول أبو هريرة : يعني: زانية)، هذا بمجرد أن المرأة وضعت عطراً أو ما يقوم مقام العطر كالمكياج والبترة وغير ذلك مما له رائحة أو لون يلفت الأنظار، فحينئذ يحرم على هذا البائع أن يبيع لأمثال هذه المرأة شيئاً من ذلك.

    حكم الخطأ في قراءة الفاتحة في الصلاة

    السؤال: هل اللحن في الفاتحة يبطل الصلاة بتغيير الحركات بدون قصد، وإذا قرأ المأموم الفاتحة خطأ أو كان بها لحن فهل تجزئ عنه قراءة الإمام، وإذا أخطأ الإمام في حركات الفاتحة فهل صلاة المأمومين باطلة؟

    الجواب: اللحن الجلي خاصة في فاتحة الكتاب يبطل الصلاة، قولاً واحداً بين أهل العلم لا أعلم في ذلك خلافاً.

    فلو قال الإمام: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمتُ عليهم، غير المغضوب عليهم؛ فهذا لحن جلي، وهذا اللحن تتغير به المعاني، وتبطل به الصلاة، ولا سبيل إلى صحة الصلاة على هذا النحو خاصة، وإن أخطأ أعاد الصلاة بمجرد الخطأ، أو إذا كان هناك من يصحح له في داخل الصلاة، فإذا تمت الصلاة على هذا النحو وجب إعادتها على الإمام والمأموم، أما إذا كان المأموم جاهلاً لا يحسن فاتحة الكتاب فيجب عليه أن يتعلم، ويعفى عن جهله وخطئه بالقراءة بها طيلة فترة تعليمه، فإذا تعلم وأخطأ ولحن لحناً جلياً في فاتحة الكتاب وجب عليه أن يعيد الصلاة.

    حكم تقبيل الرجل من عقد عليها قبل البناء بها

    السؤال: هل يجوز تقبيل المعقود عليها فقط؟

    الجواب: هل أنت تضمن أن تتوقف عند هذا الحد؟

    المعقود عليها يا أخي الكريم! تختلف عن المبني بها سواء فيما يتعلق بحق العاقد تجاهها، أو بحق المعقود عليها تجاه الزوج، كما أن تقبيلها انتهاك لحرمة الولي، وهناك شروط كثيرة جداً متعلقة بالخطبة أولاً ثم العقد ثم البناء، ولكل واحدة من هذه أحكام كثيرة؛ ولذلك المعقود عليها زوجة تحل من وجوه وتحرم من وجوه أخرى، فلو تمت هذه القبلة لوقعت مفاسد عظيمة، وما كنت أحب أن أتكلم في هذه القضية، لكن فساد المجتمع الذي استشرى واعتقاد بعض المتنطعين من طلاب العلم أن ذلك جائز؛ جعلني أتكلم في ذلك، فمن الناس من يقول: هذه امرأة، والعقد زواج، فيحل لي منها كل شيء، فأقول: إذا كان يحل لك منها كل شيء، فلم لا تنقلها إلى بيتك بمجرد العقد؟

    واسمحوا لي أن أقول: هناك حالات كثيرة جداً ترخص فيها العاقد، فأتى المعقود عليها وهي في بيت أبيها فحملت، ثم غير العاقد رأيه في إتمام هذا الزواج، فلك أن تتصور هذا البلاء، وعندما حدثت واحداً من هذه الأشكال قال: وماذا علي في ذلك، أهو حرام؟!

    قلت: تعريض هذه المرأة للألسنة الحداد في المجتمع أليس حراماً؟ قال: ومالي وما للناس؟ قلت: النبي عليه الصلاة والسلام احتاط لكلام الناس، فقال لـعائشة رضي الله عنها: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم)، يعني: عمل بكلام الناس، ولما أشير إليه بقتل المنافقين قال: (أتريدون أن يصبح الناس فيقولون: إن محمداً يقتل أصحابه؟)، فهؤلاء تظاهروا بالصحبة وهم كفار منافقون، ولكن ظاهر الأمر أنهم مسلمون، فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم لقال الناس: إن محمداً يقتل أصحابه، فترك قتلهم للمفسدة العظيمة التي يمكن أن تنجم عن هذا القتل.

    فتصور لو أن امرأة جامعها العاقد ثم غير رأيه في ذلك، لكن هذه المرأة حملت من هذا الجماع، فأنا لا أقول: إنه زنا، لكن أقول: إن العاقد تعدى حده وليس له الجماع في فترة العقد، وإنما الجماع في ليلة البناء، وهذا الكلام عليه أدلة من الكتاب والسنة، ومن واقع أفعال السلف رضي الله عنهم أجمعين.

    فهنا لو أن المرأة حملت وتقادم حملها حتى بلغت الشهر الخامس أو السادس أو السابع ولم يتيسر أمر الزوج لإتمام البناء، لا يوجد شقة.. لا يوجد نقود حتى يشتري غرفة نوم مستهلكة، فهو فقير لا يملك شيئاً؛ فماذا يقول الناس عن هذه المرأة؟ هل يقولون: إن هذه المرأة جامعها زوجها، أم يقولون: إن هذه المرأة زانية؟ لابد أنهم يقولون: زانية؛ ولذلك عمر رضي الله تعالى عنه يقول: من عرّض عرضه لكلام الناس فلا يلومن إلا نفسه، فلماذا أنا أعطي للناس هذه الفرصة؟ بل يجب أن أرتفع عن هذا الأمر الذي أرى أنه باطل، وأنظر إليه بعيني.

    كما أنه بلاء عظيم جداً حينما تكون هناك اثنتا عشرة مسلمة متزوجات من نصارى، وهذا في مدينة مصر، طبعاً هذا النكاح لا أقول: نكاحاً فاسداً، ولا نكاح شبهة، بل هذا النكاح باطل لم ينعقد من أصله، ويجب التفريق بين هؤلاء النسوة وبين هؤلاء النصارى.

    النصح بدراسة بعض الكتب في علوم القرآن

    السؤال: دلني على كتاب في علوم القرآن الكريم؟

    الجواب: هناك كتاب للزركشي ، وكذا كتاب للسيوطي ، فكتاب الزركشي : البرهان في علوم القرآن، وكتاب السيوطي : الإتقان في علوم القرآن.

    حكم قول المرء إن الله موجود

    السؤال: هل يجوز أن أقول: إن الله موجود، وهل هي من الكلمات التي تخالف العقيدة؟

    الجواب: إن هذا المصطلح لم يكن معروفاً عند السلف، لكن الحرج أن تقصد بقولك: (موجود) أنه مفعول، أي: أن الله لم يكن ثم كان؛ لأن موجود على وزن مفعول أي: مخلوق، وكلها على وزن واحد، فإذا كان هذا المعنى هو المقصود فهو بلا شك كفر ظاهر، أما إذا كنت تقول (موجود) بمعنى: واجد، وهذا الكلام ما أكثره في لغة العرب: مفعول بمعنى: فاعل، فإذا كان هذا هو القصد والغرض فلا بأس به، والأولى تركه؛ لأن هذا المصطلح لم يكن يعرفه السلف.

    حكم ترقيع غشاء البكارة

    السؤال: ما حكم ترقيع غشاء البكارة -أي: إعادته مرة أخرى- مع العلم أنها عملية سهلة جداً، ويستطيع أن يقوم بها طالب في السنة الثالثة من كلية الطب؟

    الجواب: السائلة نظرت إليها من جهة أنها عملية سهلة، من جهة معالجة البلاء الذي نزل بها، أو أنزلته هي بنفسها، لا شك أن هذا باب عظيم جداً من أبواب الغش والتدليس، أن يتزوج رجل امرأة على أنها بكر، ولها غشاء بكارة صناعي، حتى إذا دخل بها فض غشاء البكارة، ونزل منها الدم، وليس هو الغشاء الأول لها، فهذا بلا شك باب عظيم جداً من أبواب الغش، وهذا عيب لو اطلع عليه الزوج بعد البناء لجاز له أن أن يفسخ النكاح؛ لأن هذا عيب مؤثر في الزواج، كما لو أن امرأة تزوجت رجلاً فوجدته عنيناً -أي: لا يقدر على جماع النساء- فهذا غش أم لا؟ وإذا تزوجت امرأة رجلاً على هذا النحو فهل لها الحق في طلب الفسخ فوراً مع الاحتفاظ بجميع الحقوق الزوجية أم لا؟ الجواب: لها الحق؛ لأن هذا عيب مؤثر في إتمام الزواج، وأنت ستتزوج امرأة على أنها حرة محصنة عفيفة، فإذا بها غير ذلك، فهذا بلا شك عيب عظيم جداً، يهتك حرمة البيت من أول لحظة؛ فليست القضية متعقلة بأن هذه عملية سهلة أو صعبة، القضية أعظم من ذلك.

    حكم جمع أكثر من نية في صوم نافلة

    السؤال: هل يجوز جمع أكثر من نية في صيام النافلة؟

    الجواب: نعم. تعدد النيات في النوافل أمر جائز، وهذا مذهب جماهير العلماء.

    فمثلاً أنت تصوم ستاً من شوال يوم الإثنين والخميس بنية الجمع بين الست من شوال وبين سنة الإثنين والخميس، كما أنك تصلي ركعتين في المسجد بنية تحية المسجد، وبنية السنة القبلية، وسنة الوضوء.. وغير ذلك، كل هذا جائز لك.

    حكم رد السلام على المرأة في حالة عدم خشية الفتنة

    السؤال: هل يجوز رد السلام على المرأة في حالة عدم خشية الفتنة؟

    الجواب: يجوز على أن يكون سراً، على اعتبار أن هذا السلام قد ألقي، ورد السلام مع خشية وجود الفتنة لا يجوز؛ لأن درء الفتنة هو من رفع الضرر عن العبد، فينبغي أن يرد السلام ليتحقق في حقه الواجب، ولكنه يخفض به صوته حتى لا تتأثر المرأة بصوته.

    حكم مصافحة الرجل زوجة خاله

    السؤال: هل يصح لي أن أصافح زوجة خالي؟

    الجواب: لا يصح لك ذلك؛ لأنها امرأة أجنبية عنك، بل لا يصح لك أن تجلس معها ولا أن تنظر إليها.

    حكم التحدث مع الأجنبيات وحكم مخالطة النساء الرجال

    السؤال: هل التحدث مع الأجنبيات في التلفون أو غيره محرم، وما هو الضابط إن لم يكن محرماً؟

    الجواب: إن التحدث مع الأجنبيات في التلفون أو في غير التلفون مرهون بالحاجة والضرورة، والضرورات تقدر بقدرها، ولا يجوز لأحد أن يتعدى حد الضرورة رجلاً كان مع امرأة أو امرأة مع رجل، والزيادة على حد الضرورة تحرم على المتكلم والمستمع، وأكثر من يخالف في ذلك النساء على الهاتف، وكان نساء السلف لا يتكلمن مع الرجال إلا على قدر الضرورة فقط، والمرأة التي عندها دين ينبغي عليها إذا حضرت إلى المسجد لتسمع الدرس أن تنصرف بعد الدرس وقبل أن ينصرف الرجال، وأي امرأة تدخل المسجد مع زوجها تواعده قبل انتهاء الدرس أو فور انتهاء الدرس في مكان بعيد خارج نطاق المسجد، على نفس الشارع، أو قارعة طريق بعيد؛ حتى لا تزاحم الرجال في الدخول والخروج، هذه المرأة المحترمة التي عندها دين وعندها أخلاق، وتربت في بيت أبيها وأمها، أما امرأة تزاحم، وتخرج وتشتري وتبيع، وتخالط الرجال وترفع صوتها.. فهذه أخلاق عجيبة! ونحن ما تربينا على هذه الأخلاق، إنما تربينا على أننا كنا نذهب إلى أصدقائنا وزملائنا أيام الابتدائية والإعدادية؛ فإذا رأتنا المرأة التي تقف أمام بيتها ونحن في أول الشارع تدخل بيتها وتغلق بابها، هذه الأخلاق التي تربينا عليها من قبل، بغير ديانة وبغير فقه ولا شرع، فما بالك لو طبق الخلق دين الله عز وجل؛ لكان ذلك في قمة التمام والكمال!

    حكم جمع الرجل بين المرأة وزوجة أبيها

    السؤال: هل يجوز الجمع بين الزوجة وزوجة أبيها؟

    الجواب: نعم. يجوز، امرأة ماتت أمها فتزوج أبوها امرأة أخرى ثم مات عنها، فبقيت هذه المرأة زوجة لرجل، فأراد الرجل هذا أن يتزوج في وجود هذه المرأة تحته زوجة أبيها، يجوز له ذلك؛ لأنها ليست زوجة أبيه هو، ولا هي عمتها ولا هي خالتها، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، أما زوجة أبيها فيحل له أن يجمع بينها وبين هذه المرأة، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم.

    أقول قولي هذا. وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

    وصلى الله على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756026273