إسلام ويب

تفسير سورة الحشر (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن الكريم هو كتاب الله العظيم، وحجته التي أنزلها على نبيه محمد الأمين، وقد حوى بين دفتيه آيات الوعد والوعيد، والقصص والأحكام والأوامر والنواهي، وكلف عباده المؤمنين بحمله والأخذ به على وفق مراده، وقد بين سبحانه أن من عظمة هذا القرآن أنه لو أنزل على جبل أصم لتشقق وخشع من خشية الله، فجدير بالإنسان ذي العقل والجنان أن يكون أكثر تأثراً به من الجمادات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الحشر المدنية ومع خاتمتها، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:21-24].

    عظمة وتأثير القرآن الكريم

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [الحشر:21]، قد تقدم الوعظ والإرشاد والتوجيه في الآيات السابقة، وهي في هذا القرآن الكريم، وهنا قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ [الحشر:21]، الذي سمعتم آياته، وعلمتم على من نزل؟ وعرفتم من أنزله؟ هذا القرآن الهادي والمبشر والآمر والناهي والواعظ والراشد، بل كل ما فيه خير، لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [الحشر:21]، أي: جبل عظيم وكبير وراسخ في الأرض، بل لو أعطي ما يعطى الإنسان من الوعي والبصيرة والذكر والوعظ لكان الجبل يتحطم.

    ثم قال تعالى: لَرَأَيْتَهُ [الحشر:21]، أي: بعينك يا رسولنا! ويا أيها السامع المؤمن! خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا [الحشر:21]، أي: متشققاً منهاراً، وإذا بنا نسمعه وقلوبنا قاسية لا تخشع ولا تخضع ولا تذل ولا تستغفر الله تعالى، وكأننا جبال قاسية، مع أن الجبل الأعظم لو نزل عليه القرآن لتصدع وتتشقق من الخوف والرهبة، ونحن نقرؤه أو نسمعه ولا نجد هذا الخوف في قلوبنا، والله إن قلوبنا لمريضة ليست بسليمة، وإلا فكيف يتلى علينا القرآن ونسمعه ولا نذل ولا نخشع ولا نخضع ولا نسارع إلى الطاعة ولا نبادر بالتوبة؟ ما لقلوبنا؟ إنها قاسية، وكل ذلك لحبنا لهذه الدنيا وزخارفها وإعراضنا عن الآخرة، وكل ذلك لإقبالنا على مقتضيات الدنيا وإعراضنا عن مقتضيات الآخرة وما تتطلبه منا من عبادة الله تعالى، وحب ما يحب وكره ما يكره.

    مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]، فمن منا إذا سمع القرآن يخشع؟ يذل؟ ترتعد فرائصه؟ تسيل دموعه؟ نادر هذا والعياذ بالله تعالى.

    بيان الهدف من ضرب الأمثال للناس

    ثم قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21]، وهذا مثل عظيم، فالجبل الأشم الكبير العظيم لو نزل عليه القرآن لارتعد واضطرب وتصدع وتشقق وخاف من الله تعالى، ونحن كما تعلمون قاسية قلوبنا! إن الله أنزل هذا القرآن وأنزل ما فيه وبعث به رسوله وأمره بقراءته عليهم وتعليمه إياهم، كل ذلك من أجل هداية الخلق، لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21]، أي: يتذكرون فيعرفون لماذا خلقوا؟ إذ والله ما خلقنا إلا لعبادة الله تعالى، لذكر الله وشكره، فكيف إذاً نقضي الساعات والأيام بدون ذكر ولا شكر ولا عبادة؟ ثم أي إضاعة أكثر من هذه الإضاعة؟ إننا ما خلقنا إلا لنعبد الله تعالى، واسمعوا إلى قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، لا لشيء آخر أبداً، فكان المفروض أننا نعبد الله الليل والنهار كالملائكة، وإن عملنا في دنيانا لإيجاد طعامنا أو شرابنا فنعمله لله أيضاً، ونكون ذاكرين شاكرين له سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة...)

    قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22].

    تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله وحده

    هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:22]، الذي أنزل القرآن وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لو أنزل الكتاب على جبل لتصدع وخشع، ولفظ الله هو اسم الله الأعظم، وهذه الآيات كلها تشهد وقد تكرر هذا الاسم ثلاث مرات في هذه الآيات.

    هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:22]، والله لا إله يستحق أن يعبد إلا الله تعالى، فلا يوجد إله دون الله يستحق العبادة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح فضلاً عن الأشجار والأحجار والشهوات، بل لا يوجد من يستحق أن يؤله، وأن يعظم، وأن يبجل، وأن يعبد إلا الله تعالى؛ لأن الله خالق كل المخلوقات والمتصرف فيها، وبيده ملكوت كل شيء، وكل الخلق سيصيرون إليه، وبالتالي كيف يوجد من يعبد مع الله تعالى؟

    لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:22]، أي: لا معبود يستحق أن يعبد إلا الله تعالى، أما عيسى وأمه كما عبد النصارى، وأما عبد القادر الجيلاني ومولاي فلان وفلان؛ فكل هذه عبادات باطلة، إذ لا يستحق أن يعبد إلا الله تعالى، وبالأمس عرفتم أن الحلف فقط تأليه لغير الله تعالى، وبالتالي من حلف بشيء فقد ألهه وجعله مثل الله تعالى، فكيف بمن يسجد ويركع؟ فكيف بمن يدعو ويستغيث ويطلب؟ فكيف بمن يتقرب بالذبيحة والنذر لقبر من القبور؟!

    معنى قوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة)

    عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الحشر:22]، أي: السر والعلن، الظاهر والباطن، الحاضر والغائب، فكل ذلك معلوم لله عز وجل، ونحن لا نعلم ما في بيوتنا فضلاً عما في جيوبنا، والله يعلم ما غاب وما حضر، السر والعلن، الظاهر والباطن، وبالتالي فهذا هو الذي يستحق أن يعبد، وهذا الذي يستحق أن يدعى وترفع إليه الأكف ويسأل، وهذا الذي يستحق أن يحب من أجله وأن يعادى من أجله.

    معنى قوله تعالى: (هو الرحمن الرحيم)

    هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22]، هو لا سواه الرحمن الرحيم، فرحمته تتجلى وتظهر لنا في مظاهر عجيبة، أرأيت الدجاجة كيف تجمع أفراخها وتعلمها كيف تأكل الحَبَّ؟ أرأيت الشاة كيف تدني ثديها وتنزل به إلى جديها أو خروفها؟ أرأيت اللبن كيف كان دماً أحمر ثم تحول إلى لبن أبيض؟ وكل ذلك بسبب الرحمة التي أودعها في قلب الأم، سواء كان إنساناً أو حيواناً، وقد قسم الله الرحمة مائة قسم، واحدة في الأرض وتسعة وتسعين لأوليائه في الجنة، إذ إنه هو الرحيم بأوليائه وبعباده، ولولا رحمته ما قمنا ولا قعدنا ولا نطقنا ولا تكلمنا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام...)

    قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23].

    تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله وحده

    هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:23]، أي: لا معبود يستحق أن يعبد في السماء والأرض إلا الله تعالى.

    معنى قوله تعالى: (الملك)

    الْمَلِكُ [الحشر:23]، أي: الذي ملك كل شيء، إذ هو خالقه وموجده، ولذا من أوجد فهو الذي يملك، فهو سبحانه وتعالى المالك لكل شيء.

    معنى قوله تعالى: (القدوس)

    الْقُدُّوسُ [الحشر:23]، أي: الطاهر النقي النظيف الذي ليس فيه وسخ ولا درن ولا ما يسمى بغير الطهارة، فهو الذي يطهر عباده المؤمنين فيزكي نفوسهم ويصلح قلوبهم.

    معنى قوله تعالى: (السلام)

    السَّلامُ [الحشر:23]، أي: ذو السلامة من كل نقص وعيب، ذو السلام على أوليائه فيسلم عليهم في الجنة ويريهم وجهه الكريم.

    معنى قوله تعالى: (المؤمن)

    الْمُؤْمِنُ [الحشر:23]، أي: المصدق لأنبيائه ورسله في المعجزات التي أعطاهم إياها، وكذلك يصدقك أيها المؤمن إذا قلت: يا رب! إني مريض فاكشف ضري، يا رب! إني ضعيف فقوي ضعفي، وبالتالي كل ما دعيت ربك فإنه يصدقك، إذ إن من أسمائه الحسنى المؤمن.

    معنى قوله تعالى: (المهيمن)

    الْمُهَيْمِنُ [الحشر:23]، أي: على كل شيء، والمسيطر على الكائنات كلها.

    معنى قوله تعالى: (العزيز)

    الْعَزِيزُ [الحشر:23]، أي: الغالب الذي لا يمانع في شيء يريده أبداً، بل لو تجتمع الحليقة كلها على أن ترد شيئاً أراده الله ما تستطيع، إذ هو الغالب القاهر الذي لا يمانع في شيء يريده أبداً، وبالتالي فهذا هو الذي يجب أن نعبده، وهذا الذي يجب أن نحبه، وهذا الذي يجب أن نطلب حبه لنا، وهذا الذي يجب أن ندعوه لأن نكون أولياءه ومن صالح عباده.

    معنى قوله تعالى: (الجبار)

    الْجَبَّارُ [الحشر:23]، أي: يجبر كل من أراد على ما يريد، فهو الجبار العظيم الذي كل شيء دونه وتحت إرادته، وهو سبحانه يجبر المكسور والضعيف، اللهم اجبر كسرنا.

    معنى قوله تعالى: (المتكبر)

    الْمُتَكَبِّرُ [الحشر:23]، سبحانه لا إله إلا هو! هل هناك من هو أكبر من الله تعالى؟ كل الخليقة في السموات والأرضين هو خالقها، فهل يوجد من هو أكبر منه؟ إنه المتكبر المتعالي عن عبادة الأصنام والأوثان، عن شهوات أصحاب الشهوات، فهو متكبر عنها لا يرضى عنهم ولا ينظر إليهم ولا يدخلهم الجنة أبداً.

    معنى قوله تعالى: (سبحان الله عما يشركون)

    ثم قال: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23]، سبحان الله! هذا العظيم، هذا ذو الجلال والإكرام، هذا ذو السلام، هذا الرحمن الرحيم، هذا الملك القدوس، سبحانه أن يكون له ولد كما قالت النصارى واليهود، أو يكون له زوجة كما قالت العرب المشركون، إذ قالوا: الملائكة بنات الله! فسبحانه أن يكون له ولد أو زوجة، وسبحانه أن يكون له شريك، وسبحانه أن يكون له من يحاربه وينازعه! إذ هو القاهر والغالب فوق مخلوقاته.

    عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23]، أي: تنزه عما يشركونه كشرك اليهود والنصارى كما قدمنا، وكذلك المشركون يعبدون الأصنام والأحجار كاللات والعزى، وأما مشركوا أمتنا الجهلاء فيعبدون القبور والأولياء، فتجدهم يحلفون بهم ويذبحون لهم ويقولون: هذه الذبيحة لسيدي فلان! سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى...)

    قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:24].

    إثبات أسماء الله تعالى وأنها كلها حسنى ومتضمنة لصفاته العليا

    هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر:24]، أي: هو الذي قدر المقدرات كلها، وبرأها وأوجدها وصورها، وانظر فقط إلى النطفة في الرحم كيف خلقها ثم تحولت إلى مضغة ثم صورها ذكراً أو أنثى طويلاً أو قصيراً؟ فلا مصور سواه سبحانه وتعالى، ولهذا لعن الله المصورين؛ لأنهم ينازعون الله فيما هو خاص به، إذ إن المصور هو الله وحده، فلو تجتمع البشرية كلها والله ما يوجدون طفلاً ولا طفلة أبداً، لا بالذهب ولا بالحديد ولا بالنار ولا بما شاءوا، إذ لا مصور إلا الله تعالى.

    ثم قال: لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:24]، فأنت لك اسم واحد والله له تسعة وتسعون اسماً كلها حسنى لا نقص فيها ولا عيب أبداً، وكل أسماء الله تعالى متضمنة لصفاته العليا، لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:24]، فهذه الأسماء الحسنى حفظها مستحب، إذ بها ندعو الله فنقول: اللهم يا عزيز! يا غفار! يا ملك الملوك! يا جبار! يا واحد! يا أحد!

    تنزيه وتقديس الكائنات لله تعالى

    يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الحشر:24]، أي: يقدسه وينزهه عن الشريك والمثيل والنظير والولد والضعف والنقص كل الكائنات، وذلك بلسان المقال أو بلسان الحال، فالمؤمنون والملائكة ينزهون الله بلسان حالهم فيقولون: سبحان الله! سبحان الله! والأشجار والنباتات والحيوانات وجودها دال على أنه لا إله إلا الله، على أن الله ليس له ولد ولا زوجة، إذ إنه سبحانه منزه عن كل الضعف، منزه عن العجز، منزه عن كل نقص، منزه أن يكون معه إله.

    معنى قوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم)

    (( وَهُوَ الْعَزِيزُ ))[الحشر:24]، أي: الغالب القاهر، (( الْحَكِيمُ ))[الحشر:24]، في خلقه وتدبيره وإعطائه ومنعه، فهذا هو الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    بيان فضل الثلاث الآيات الأخيرة من سورة الحشر

    معشر المستمعين! بينا في بداية السورة أن هذه الآيات الثلاث الأخيرة من السورة: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24]، قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم -رواه الترمذي وقال: الحديث حسن- أنه قال: ( من قرأها في الصباح بعدما يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه: اللهم اغفر له! اللهم ارحمه! وإن مات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة مات شهيداً ).

    فهيا بنا نواظب عليها ولا نغفل عنها أبداً، هذا وإننا عازمون على عدم تركها ما حيينا، وذلك صباح مساء، حتى إذا متنا نكون إن شاء الله من الشهداء، والذين لا يحفظون هذه الآيات يجلسون في المسجد ويقول لأحدهم: علمنيها آية بعد آية حتى احفظها، ويكررها طوال اليوم فلا ينساها أبداً.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات: أولاً: بيان ما حواه القرآن من العظات والعبر, والأمر والنهي، والوعد والوعيد، الأمر الذي لو أن جبلاً ركب فيه الإدراك والتمييز كالإنسان ونزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية الله ]، الله أكبر!

    قال: [ ثانياً: استحسان ضرب الأمثال للتنبيه والتعليم والإرشاد ]، من هداية الآيات أيضاً: استحسان ضرب الأمثال من أجل البيان والتعليم والإرشاد والتوجيه، فكم من إنسان يضرب لك مثلاً لتفهم ما يقول، كما ضربنا المثل الآن وقلنا: الدجاجة تجمع أفراخها وتعلمهم كيف ينقرون الحب؟ وهذا من الرحمة الموجودة في قلبها.

    قال: [ ثالثاً: تقرير التوحيد, وأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ]، من هداية الآيات: تقرير التوحيد، وهو أنه لا إله إلا الله، أي: لا يعبد إلا الله تعالى، فلا تصح العبادة لكائن أبداً سوى لله، وعبادة غيره شرك والعياذ بالله تعالى، والعابدون لغيره هم أهل النار خالدين فيها لا يخرجون منها أبداً، والعابدون له الذاكرون الشاكرون الموحدون هم أهل جيرته في الملكوت الأعلى، ويسلم عليهم، ويزيل الحجاب عن وجهه لهم ويسلم عليهم.

    قال: [ رابعاً: إثبات أسماء الله تعالى وأنها كلها حسنى, وأنها متضمنة لصفاته العليا ]، من هداية الآيات: أن لله مائة اسم كلها حسنى، وأعظمها: الله، وهو اسمه الأعظم، الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، ولك أن تتوسل إلى الله بأسمائه ما شئت فتقول: يا عزيز! يا غفار! يا قهار! يا ملك! يا ذا الجلال والإكرام! فتوسل بأسمائه وصفاته وتطلب حاجتك منه.

    قال: [ خامساً: ذكر أسمائه تعالى تعليم لعباده بها ليدعوه بها ويتوسلوا بها إليه ]، أي: أن الله ذكر هذه الأسماء من أجل أن نتعلمها ونعرفها ونحفظها وندعوه بها في صالحنا، لا لشيء آخر، وإنما -كما ذكرنا- من أجل أن يتعلمها المؤمنون ويدعونه ويتوسلون بها إليه، فلله الحمد والمنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756249477