إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [236]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم الوفاء بنذر صيام تسعة أيام من كل شهر

    السؤال: والدتي مرضت مرضاً شديداً ونذرت على نفسها إذا شافاها الله من هذا المرض أن تصوم تسعة أيام من كل شهر، فشفيت بإذن الله من مرضها وصامت هذه الأيام عدة أشهر في كل شهر تسعة أيام، ولكن حصل لها ظروف في الحياة من رعي الأغنام والزراعة والحصاد ونحو ذلك، فلم تستطع صيام هذه الأيام، فاقتصرت على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي إلى الآن لم تقطع صيام هذه الأيام الثلاثة، فماذا عليها في ترك صيام الأيام الستة المتبقية من النذر؟ وماذا يجب عليها أن تعمل إن أرادت التخلص من هذا النذر؟

    الجواب: قبل الإجابة على سؤال الرجل عن نذر أمه أود أن أقول: إن النذر مكروه، بل إن بعض أهل العلم حرمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: ( إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل )، فالشفاء لا يجلبه النذر، والغنى لا يجلبه النذر، والولد لا يجلبه النذر، والنجاح في الحياة أو في الدراسة لا يجلبه النذر.. إلى غير ذلك من الأمور المحبوبة أو زوال الأمور المكروهة لا يكون النذر جالباً لها؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنه لا يأتي بخير )، وإنما الخير بيد الله عز وجل والرب عز وجل كريم يتكرم على عباده بدون أن يشترطوا له شيئاً يتعبدون له به من صيام أو صدقة أو غيرها، ثم إن النذر إلزام للنفس بما لم يُلزمه الله عز وجل، وتكليف لها بما لم تكلف به، ثم إن كثيراً من الناذرين يصعب عليهم بعد ذلك الوفاء بالنذر ويشق عليهم وربما يتهاونون به ويدعونه، وهذا خطر عظيم واستمع إلى قول الله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة:75-76]، فماذا كان حالهم بعد ذلك؟ قال الله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:77].

    وما أكثر الناذرين الذين إذا نذروا شيئاً لحصول شيء فحصل ذلك الشيء الذي علق عليه النذر ما أكثر الذين يتجولون يميناً وشمالاً ليجدوا عالماً يرخص لهم في الخلاص مما ألزموا به أنفسهم.

    فإذا علمت أيها المؤمن عاقبة النذر وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فإنك تتجنبه طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وحماية لنفسك من أن تلزمها بما لم يلزمك الله به، ولكن بعد هذا كله إذا نذر الإنسان طاعة سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط فإنه يجب عليه أن يفي بتلك الطاعة؛ لأنها تكون واجبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه )، ووالدتك هذه نذرت نذراً يمكنها أن تقوم به وهو أن تصوم تسعة أيام من كل شهر إذا شفاها الله تعالى، وقد شفاها الله من مرضها الذي علقت على الشفاء منه هذا النذر، ويمكنها أن تصوم هذه الأيام التسعة موزعة على الشهر، فتصوم ثلاثة في العشر الأول وثلاثة في العشر الأوسط وثلاثة في العشر الأخير من الشهر ما دامت لم تشترط التتابع أو تنوه، ولا خلاص لها من ذلك، اللهم إلا أن تعجز عنه عجزاً يبيح لها الفطر في رمضان من مرض ونحوه فحينئذٍ لها أن تدع ذلك من أجل هذا العذر وتقضيه في وقت آخر.

    1.   

    حكم العقد على المرأة بتسميتها باسم أختها في العقد

    السؤال: أنا متزوج من ابنة عمي منذ خمس أو ست سنوات، ولكن في وقت عقد القران عقدت عليها باسم غير اسمها فما الحكم في هذا؟ وإن كان الاسم المستعار يوافق اسم أخت لها فما الحكم أيضاً؟ فهل عقدي عليها صحيح؟

    الجواب: أولاً: أنصحك أنت وغيرك عن مثل هذه الأعمال المشينة التي لا تليق بالمؤمن أن يكذب وأن يجعل الأمور في قالب غير الحقيقة؛ لما في ذلك من الخطورة العظيمة لا سيما في مثل الزواج.

    وأما بالنسبة لهذا العقد فإذا كانت الزوجة معلومة بعينها لك وللولي وللشهود ولكن حصل الكذب في الاسم فقط فإن النكاح يكون صحيحاً؛ لأن العبرة بالمعنى لا باللفظ، وأما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإن العقد ينظر فيه.

    وعلى هذا فإذا كان معلوماً لديك ولدى وليها ولدى الشهود بأن التي عقدت عليها هي فلانة المعينة المعلومة ولكن سمِّيت بغير اسمها فإن النكاح صحيح، وعليك أن تتوب إلى الله وأن تعدل الاسم بما يطابق الواقع.

    1.   

    الجمع بين النصوص فيما يخص الوصية للوارث

    السؤال: جاء في الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث )، وجاء في سورة البقرة قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، الآية نرجو التوفيق في هذه المسألة لبيان تفسير الحديث والآية والجمع بينهما؟

    الجواب: الحديث الذي أشار إليه السائل هو كالتوضيح لآيات الفرائض، فإن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الفرائض قال في الآية الأولى منها: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]، وقال في الآية الثانية: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14]، وهذا يدل على أن من كان من أهل المواريث فإنه لا يحل أن يوصي له الميت بشيء؛ لأنه إذا أوصى له فقد أعطاه أكثر مما جعله الله له، وهذا من تعدي الحدود.

    وأما الآية التي في سورة البقرة فإن قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180] يخص منها من كان وارثاً، فإن من كان وارثاً فإنه لا يوصى له، يمكن أن يكون الوالد غير وارث فيما لو حصل اختلاف دينٍ بينه وبين ولده فإنه لا توارث بينهما، فإذا حصل مانع من موانع الإرث أصبح الوالد أهلاً للوصية، وأما الأقربون فكذلك نقول: من كان منهم وارثاً فإنه لا وصية له ومن كان غير وارث فإنه يوصى له فتكون آية البقرة مخصوصة بآية المواريث.

    1.   

    التفريق بين المحرم لكسبه والمحرم لعينه

    السؤال: من المعلوم أنه إذا كان الشيء محرماً فإن المال المكتسب منه يعتبر حراماً أيضاً، فالخمر مثلاً: حرام، لذا فالمال الناتج عن بيعها حرام أيضاً؛ وعليه فقد أقيم حفل فني كبير في أوروبا وفي كثير من بلدان المسلمين جمعت عن طريقه أموال لشراء أغذية لمنكوبي المجاعة في إفريقيا، ولا شك أن هذا الحفل يشتمل على أشياء محرمة وبناءً على ما ذكرناه فهل يعتبر هذا المال وهذه الأغذية حراماً، وكذلك ما يتلقاه المسلمون المحتاجون من غيرهم من غير المسلمين من إعانات نقدية أو عينية هل هي حرام أم حلال؟

    الجواب: الأمر كما ذكر السائل أن كل شيء اكتسب بالحرام فإنه يكون حراماً، ولا ينفع صاحبه الذي اكتسبه، إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه كان زاداً له إلى النار.

    أما بالنسبة لمن بُذل له ذلك الشيء فإنه لا يكون حراماً عليه؛ وذلك لأن التحريم كان للكسب لا للعين، فكل شيء محرم لكسبه يكون حراماً على الكاسب فقط، وأما من أخذه من هذا الكاسب بطريق حلال فإنه ليس حراماً عليه، أما ما كان حراماً بعينه فإنه حرام على الكاسب وعلى غيره كما لو علمت أن هذا السارق سرق هذا الشيء من فلان فإنه لا يحل لك أن تأخذ هذا المسروق اللهم إلا أن تأخذه استنقاذاً لترده إلى صاحبه فإنه حينئذٍ يكون واجباً عليك إذا قدرت عليه بدون ضرر عليك، وكذلك ما يحصل من إعانات من غير المسلمين للمسلمين يجوز قبولها بشرط ألا يكون في ذلك إذلالٌ للمسلمين، فإذا كان هؤلاء الكفار يتبرعون بهذه الأموال لإذلال المسلمين وإخضاعهم وكونهم تحت رحمتهم فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يذل نفسه لا سيما أمام أعداء الله الكفار.

    1.   

    حكم الوضوء من الماء المتغير بطول المكث، وحكم بناء مسجد بالقرب من آخر

    السؤال: يوجد عندنا مسجد في القرية وهو مهجور منذ فترة طويلة ولا أحد يصلي فيه، وكذلك الماء لا يوجد فيه إلا أيام الأمطار، وإن وجد هذا الماء فالمصلون يتوضئون بهذا الماء الوضوء الكامل فهل يجوز ذلك علماً بأنه يبقى فترة طويلة وتخرج منه رائحة ويتغير لونه ولا يزالون يتوضئون منه؟ فما هو الحكم في ذلك؟ وهل يجوز بناء مسجد آخر قريب منه؟

    الجواب: الحكم في ذلك أن وضوءهم من هذا الماء المتغير بمكثه لا بأس به، وهذا الماء طهور وإن تغير؛ لأنه لم يتغير بممازج خارج إنما تغير بطول مكثه في هذا المكان وهذا لا بأس به يتوضئون منه ووضوءهم صحيح.

    أما إقامة مسجد آخر بقرب هذا المسجد فإنه لا يجوز؛ لأن ذلك من الإضرار بالمسجد الأول، وقد ذكر أهل العلم أن ذلك محرم وأنه يجب هدم المتأخر منهما؛ لأنه هو الذي حصل به الإضرار، ولا يخفى على الجميع قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:107]، لا يخفى على أحد هذه الآية، وأن كل من بنى مسجداً يحصل به الإضرار بالمسجد الآخر وتفريق المسلمين فإنه يكون له نصيب من هذه الآية.

    مداخلة: لكن لو عمل على إصلاح هذا المسجد وإعادة بنائه من جديد وتحسينه؟

    الشيخ: لكن هذا إذا كان هذا المسجد القديم لا يمكن الانتفاع به فإنه لا بأس من تجديد بنائه على وجه يكون به راحة المصلين، ومثل هذا ينبغي أن تراجع فيه الجهات المسؤولة حتى لا يتلاعب الناس بالمساجد القديمة.

    1.   

    حكم إبقاء مال الوقف عند الناظر دون أن يعمل به شيئاً للمسجد

    السؤال: توجد عند والدي أرض يقال لها: السبيل لصالح المسجد المذكور، ووالدي يقوم بواجب هذه الأرض ويأخذ النصف مقابل القيام بها، والنصف الآخر للمسجد يسجله عنده بعد تحديد القيمة، ويظل المبلغ عنده رصيداً دون أن يعمل به شيئاً لصالح المسجد، فهل يجوز ذلك أم يجب ترك هذا السبيل للمسجد بالكامل؟ وهل على والدي شيء لعدم قيامه بأي عمل لصالح المسجد من المبلغ الموجود عنده؟ وهل هو ملزم بذلك؟

    الجواب: لاشك أن جدك الذي أوقف هذا السبيل قد جعل له ناظراً عليه من الذرية أو من غيرهم، وإذا كان والدك هو الناظر عليه فإن عليه أن يفعل ما هو أحسن لهذا الوقف من تنميته أو تنمية مغله، وله أن يأخذ إذا لم يتبرع بقدر عمله؛ لأنه لا يلزم أن يعمل بشيء بدون أجرة، فله أن يأخذ ما يأخذه غيره بحسب العادة وحسب العرف.

    وأما ما يحصل من المغل فالواجب عليه أن يصرفه في مصالح هذا المسجد ولا يعطله، فإن كان المغل أكثر مما يحتاجه المسجد وكان المغل يتوفر كل سنة فإنه يصرف الفاضل عن حاجة المسجد إلى مسجد آخر ليكثر بذلك أجر الموقف ولا يعطل هذا المغل.

    1.   

    حكم وجود قبر داخل سور المسجد

    السؤال: هذا المسجد يحيط به سور، وفي داخل هذا السور يوجد قبر، والقبر ليس داخل المسجد بل داخل السور المحيط بالمسجد والقبر فهل يجوز ذلك؟ وهل يؤثر هذا على صحة الصلاة في المسجد؟

    الجواب: الذي أرى أنه يجب عليك فوراً من حين ما تسمع هذا الجواب أن تتصل بالمحكمة لديكم حتى ينظر القاضي ماذا يأمر به نحو هذا القبر؛ لأنه لا يجوز أن يبقى القبر داخل رحبة المسجد، ولينظر إذا كان القبر هو الأول فيحترم القبر ويخرج من المسجد بتدخيل سور المسجد عنه حتى يكون خارجه، وإذا كان المسجد الأول هو فإنه ينبش القبر ويدفن في مقابر الناس.

    1.   

    ما يلزم من منح أرضاً بشرط استمراره في قراءة جزء من القرآن بعد الفجر كل يوم

    السؤال: توجد أرض لشخص يقال: إنه أخذها من واحد قال له: إذا أنت ترغب في أخذ هذه الأرض ملكاً فيجب أن تقرأ كل يوم جزءاً من القرآن بعد صلاة الفجر، وأخذ هذا الرجل الأرض بذلك الشرط، والآن هذا الشخص يريد أن يسلم هذه الأرض؛ لأنه عاجز عن الاستمرار في القراءة لكبر سنه وأولاده لا يقرءون القرآن وهو يخاف أن يموت أو يحدث له أي مكروه بسبب ترك الأرض عند أولاده، فيقول: كيف يعمل في هذه الأرض لأن جميع الناس عندهم رفضوا أخذها بسبب شرط القراءة فكيف يتصرف فيها؟ وما حكم أخذها وتملكها بذلك الثمن الذي هو القراءة؟

    الجواب: هذه الصيغة على وجهين: إن كان صاحب الأرض أراد أن يجعلها أجرة لمن يقرأ له هذا القدر كل يوم فإن هذه الأجرة لا تصح؛ لأن القراءة من أعمال القرب، وأعمال القرب لا يجوز أخذ الأجرة عليها، وإن كان صاحب الأرض قد أوقفها على من يقرأ كل يوم جزءاً فيكون هذا قد أوقفها على القراء، فمن لم يكن قارئاً فإنه لا يستحق منها شيئاً، وعلى التقديرين لابد أن تسلمها إلى المحكمة الشرعية وهي التي تتولى أمرها والله الموفق.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها...)

    السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:71-72]؟

    الجواب: قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] الضمير (هَا) يعود إلى النار (وإن) بمعنى: ما، أي: ما منكم أحد إلا وراد على النار ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا.

    واختلف العلماء رحمهم الله في الورود المذكور في هذه الآية:

    فمنهم من قال: إن الورود: الدخول فيها، أي: أن جميع الناس يدخلونها ولكن المؤمنين لا يحسون بحرها بل تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت النار في الدنيا على إبراهيم عليه الصلاة والسلام برداً وسلاماً، واستدل هؤلاء بأن الورود يأتي بمعنى الدخول، استدلوا بقوله تعالى عن فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98] ، وبقوله تعالى: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:86] وما أشبه ذلك.

    وقال بعض أهل العلم: المراد بالورود في قوله: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] المراد به: العبور على الصراط؛ لأن الصراط يمد فوق جهنم فيعبر الناس فيه على قدر أعمالهم، فهذا العبور على هذا الصراط هو الورود المذكور في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] ، وأيدوا قولهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنه أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، وذلك في صلح الحديبية حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحت شجرة هناك، وبأنه ثبت في الصحيحين من حديث عتبان بن مالك : ( إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )، فقوله: ( حرم على النار )، وقوله في الحديث الذي قبله: ( لا يدخل النار أحد ) يدل على أن المؤمنين لا يدخلون النار، وإذا كان كذلك تعين أن يكون المراد بالورود هو المرور فوقها، وكلا القولين له وجه والعلم عند الله تعالى، ولكن المهم أن نعلم علم اليقين أن من مات من أهل الكبائر فإنه إذا دخل النار يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج منها إن شاء الله تعالى أن يعذبه، وقد يغفر الله له؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ولكن ينبغي للإنسان بل يجب عليه أن يبادر بالتوبة من كل معصية؛ لأنه لا يدري فربما لا يكون داخلاً تحت مشيئة الله المغفرةُ له، فإن من مات بدون توبة من كبائر الذنوب غير الكفر والشرك فإنه يخشى ألا يغفر الله له؛ لأن الله قيد المغفرة له بالمشيئة، فقال: لمن يشاء، فلا ينبغي أن يتخذ بعض الناس هذه الآية سبيلاً إلى التهاون بالتوبة وعدم المبالاة بفعل الكبائر، إذ لا يدري أيدخل فيمن شاء الله أن يغفر له أم لا يدخل، فهو على خطر حتى يتوب إلى الله توبة نصوحاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755971783