إسلام ويب

مختصر التحرير [10]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا تعدد اللفظ والمعنى فهذا ما يسميه الأصوليون بالمتباين، وهو مما يبحث مع دلالات الألفاظ، ومما يبحث مع ذلك أيضاً وقوع الاشتراك في اللغة، والترادف في الحدود، والتوكيد، وما يترتب على ذلك من فوائد.

    1.   

    المتباين

    قال المؤلف رحمه الله: [وهما متباينان]، هذا القسم الرابع، يعني: إذا تعدد اللفظ والمعنى فهما متباينان.

    فاللفظان المتباينان، معناه: اللذان لا يدل أحدهما على معنىً يشارك الآخر فيه، مثل إنسان وحجر، فليس في الإنسانية شيء من الحجرية، وليس في الحجرية شيء من الإنسانية.

    إذاً: لا اتفاق في المعنى ولا اتفاق في اللفظ، يسمى هذا النوع: متباين، فيقال: النسبة بين إنسان وحجر التباين، ولهذا قال: [وهما] أي: متعدد اللفظ والمعنى، [متباينان، سواء تفاصلت أو تواصلت] يعني: سواءٌ صار بينهما صلة أو لا صلة بينهما، فمثلاً: إنسان وفرس متباينان، لكن بينهما صلة، وهي الحيوانية، أما إنسان وحجر فليس بينهما صلة، فهذه متفاصلة.

    فالمهم أن المعنيين المتباينين هما اللذان يختلفان في اللفظ وفي المعنى، لكن قد يكون بينهما شيء من التواصل، وقد لا يكون بينهما شيء من التواصل.

    قال: [وكلها] يعني: كل الأنواع الأربعة، [مشتق وغيره، وصفة وغيرها] يعني: كلها قد يكون مشتقاً وقد يكون جامداً، وقد يكون صفة وقد يكون جسماً؛ لأن الصفة عرض والجسم أصل.

    بمعنى: أن التباين يكون في الصفات ويكون في الأجسام، ويكون في الأسماء المشتقة ويكون في الأسماء الجامدة. وهذا أيضاً من الأمور التي ليس فيها كبير فائدة، لأنها تُعلَم من القرائن والسياق.

    قال: [ويكون اللفظ الواحد متواطئاً مشتركاً، واللفظان متباينين مترادفين باعتبارين].

    يعني: قد يكون لفظ متواطئاً مشتركاً باعتبارين، فباعتبار أصله مثلاً يكون متواطئاً، وباعتبار وصفه يكون مشتركاً، وهذا ما يُسمَّى بالمشكك كما سبق.

    كذلك يكون اللفظان أيضاً متباينين مترادفين باعتبارين، متباينين يعني: كل واحد منهما دل على معنى، وهما مترادفين باعتبار شيء آخر. مثلاً: الصارم والمهند، باعتبار دلالتهما على السيف وهي الحديدة المعروفة مترادفين، وباعتبار أن الصارم دال على القطع والمهند دال على أنه صُنِع في الهند متباينان.

    فالمعنى إذاً: أن هذا التقسيم الذي ذكرنا قد يكون اللفظ المترادف مترادفاً باعتبار ومتبايناً باعتبار، وقد ذكرنا أمس أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ليس في اللغة العربية شيء مترادف لا يختلف أبداً، بل لا بد من خلاف.

    1.   

    وقوع المشترك في اللغة والمترادف

    ثم قال: [والمشترك واقع لغة جوازاً تبايناً أو تواصلاً لكونه جزء الآخر أو لازمه].

    يقول المؤلف رحمه الله: إن المشترك واقع في اللغة. والمشترك هو ما تعدد معناه واتحد لفظه، فيقول: إنه واقع في اللغة خلافاً لمن أنكر ذلك وقال: إن المشترك غير واقع في اللغة؛ لأنه لا يمكن أن نكذِّب ما هو أمامنا بأعيننا، فمثلاً: القرء الذي هو واحد القروء واقع في القرآن، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ، وقد اختلف العلماء: هل القرء الحيض أو القرء الطهر؟ هذا الاختلاف ليس اختلاف حقيقة ومجاز، بل هؤلاء يقولون: إنه حقيقة في الطهر، والآخرون يقولون: حقيقة في الحيض. كيف يمكن أن نقول: إنه ليس واقعاً في اللغة وهو موجود في القرآن؟ ولهذا لا شك أن ما قاله المؤلف هو الحق؛ أنه واقع في اللغة، ومستعمل في القرآن والسنة وكلام الناس.

    إذاً: ما الذي يعيِّن أحد المعنيين؟ السياق، بل نقول: إذا كان السياق محتملاً للمعنيين فالصحيح أنه مستعمل في معنيين، وأن هذا الاشتراك اللفظي كالاشتراك المعنوي، بمعنى: أن نجعل الكلمة هذه تعم هذا وهذا، كما قلنا في قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير:17] أن الصحيح: إذا أقبل وإذا أدبر، لا نقول: يجب أن تقول: إذا أقبل، وإذا قلت: إذا أقبل لا تقل: إذا أدبر، أو يجب أن تقول: إذا أدبر، وإذا قلت: إذا أدبر لا تقل: إذا أقبل، بل نقول: إن الصحيح أنه يجوز أن تستعمل المشترك في معنيين إذا لم يكن تضاد، فإن كان هناك تضاد فلا يمكن أن نستعمل المشترك في معنيين، مثل القروء في الآية الكريمة: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، لا يمكن أن نستعملها في الأطهار والحيض؛ للترادف، لأنك إن استعملتها في الأطهار امتنع أن تستعملها في الحيض، وإن استعملتها في الحيض امتنع أن تستعملها في الأطهار، لأنك لو استعملتها في الأمرين جميعاً صار للمرأة عدتان: عدة باعتبار الحيض، وعدة باعتبار الأطهار، وهذا لم يقله أحد، لكن ما الذي يعيِّن أحد المعنيين إذا كان لا يمكن استعمال اللفظ فيهما جميعاً؟

    الجواب: يدل على ذلك إما السياق إن أمكن، وإلا أدلة أخرى منفصلة يُستدل بها عليه.

    يقول المؤلف: [سواءٌ تباينا أو تواصلا]، يعني: أنه قد يكون هناك تباين بين المشترك تبايناً كاملاً، وقد يكون هناك تواصل من بعض الوجوه، مثلاً تقول: طلعت الشمس، وجلسنا في الشمس، كلمة (الشمس) الآن في السياق الأول يُراد بها القرص، وفي الثاني: ضوء الشمس، وهو حقيقة، يقال: جلسنا في الشمس، إذاً: استُعمل اللفظ هنا في أصله وفي ما كان من لازمه؛ لأن الضوء مستلزم لوجود القرص، والقرص إذا لم يكن حاجب مستلزم لوجود الضوء.

    قال: [وكذا مترادف وقوعاً]، يعني: أن المترادف واقع لغة، وأنه قد يكون بينه وبين اللفظ الثاني المرادف له تواصل، وقد يكون تباين، لكن الغالب التواصل؛ لأن مدلولهما شيء واحد.

    1.   

    عدم الترادف بين الحدود والمحدود

    قال: [ولا ترادف في حد غير لفظي] وقد سبق لنا أن الحد لفظي وحقيقي، فالحقيقي ليس فيه ترادف؛ لأن تعريف الإنسان مثلاً غير تعريف الفرس، تعريف المبتدأ غير تعريف الفاعل، وهكذا.. فلا ترادف في حد غير لفظي.

    أما اللفظي ففيه الترادف، لو قلت مثلاً: ما البر؟ فقلت: حب معروف. ما القمح؟ حب معروف، وهذا ترادف، والحد اللفظي كله مترادف، بل إنه سبق لنا أن الحد اللفظي: هو أن يُعرِّف الإنسان اللفظ بلفظ أظهر منه لدى السامع.

    قال: [ولا محدود]:

    أي المحدود أيضاً لا ترادف فيه؛ وذلك لأن المحدودات تتباين حقائقها، فحقيقة الحجر غير حقيقة المدر، حقيقة الشعر غير حقيقة القطن، وهكذا.. كل محدود ينفرد عن المحدود الآخر بنفسه.

    والعطف على قوله: (حد)، أي: ولا ترادف في حد غير لفظي، ولا ترادف أيضاً في محدود.

    قال: [ولا في نحو شذر مذر].

    يقال في اللغة العربية: تفرقوا شذر مذر، يعني شتاتاً، وهل نقول: إن مذر مرادفة لشذر وإنهما كلمتان مترادفان؟

    الجواب: لا، ولكن (مذر) جاءت للتوكيد، أي: لتوكيد التفرق وتباعد التفرق، ولذلك شذر مذر تُعرب على أنها حال ولكنها مركبة بعضها مع بعض، فتفرقوا شذر مذر، أي: متشتتين.

    1.   

    عدم الترادف في التوكيد

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا ترادف أيضاً في تأكيد]، فإذا قلت: جاء زيدٌ نفسُه، فإن نفس ليست مرادفة لزيد، مع أنها دالة على زيد لكن لا تُعتبر من باب الترادف، إذاً ما هي الفائدة منها؟ قال: [وأفاد التابع التقوية].

    أي: أفاد التابع في نحو (شذر مذر) التقوية، [وهو على زنة متبوعه]، يقال: شذر مذر، على زنة متبوعه، لو تسأل العربي تقول: ما معنى (مذر)؟ لقال: ما قلتها إلا من باب التأكيد وإلا فليس له معنى، لكن الكلمتين مجتمعتين معناهما: التفرق والشتات.

    قال: [والمؤكد يقوي وينفي احتمال المجاز]، ذكر المؤلف ذلك ليبين فائدة التأكيد في الكلام العربي؟ وفائدته: التقوية. الثانية: نفي احتمال المجاز. فإذا قلت: جاء زيدٌ يحتمل أن المراد جاء رسوله، أو جاء أمره، أو جاء غلامه، أو جاء خبر قدومه، وما أشبه ذلك، فإذا قلت: جاء زيدٌ نفسه نفى احتمال هذه المعاني المجازية.

    وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] كلم الله يحتمل أن المراد: أمر من يكلمه، فإذا قال: تكليماً؛ زال احتمال المجاز، فللتوكيد فائدتان؛ الأولى: التوكيد. والثانية: نفي احتمال المجاز.

    قال رحمه الله: [ويقوم كل مترادف مقام الآخر في التركيب].

    وهذا صحيح، فكل مترادف يقوم مقام الآخر في التركيب، فتقول: اشتريت قمحاً واشتريت براً، فهذا يقوم مقام هذا.

    إذاً: فائدة الترادف هو سعة اللغة حتى يأتي الإنسان بإحدى الكلمتين المترادفين.

    هذا البحث كما تشاهدون الآن بحث لغوي محض، وفائدته قليلة، حتى أن بعض الإخوان ينقل اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية.. وهذا يدل على أن الفائدة ما هي إلا ذاك.

    قول المؤلف: (ولا ترادف في حد غير لفظي ومحدود)، ولو قال: (لا ترادف بين حد ومحدود) لكان أولى؛ لأن الإنسان إذا قرأ: (لا ترادف بين حد غير لفظي ولا محدود) يظن أن الحد ليس فيه ترادف والمحدود لذاته ما فيه ترادف، والصواب أن المراد: لا ترادف بين حد ومحدود، يعني: أن كلمة (إنسان) ليست مرادفة لكلمة حيوان ناطق؛ لأن الحد غير المحدود، فلا ترادف بينهما.

    فلو قال قائل: إذا قلت: ارتفاع الحدث وما في معناه، وزوال الخبث؛ هل هو مرادف لكلمة الطهارة؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الحد غير المحدود، فلا ترادف بين حد ومحدود.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755957307