إسلام ويب

مختصر التحرير [29]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحكم الشرعي هو مدلول خطاب الشرع، وخطاب الشرع قول يفهم منه السامع شيئاً مفيداً، ثم إن الحكم الشرعي أقسام عدة بحسب الجزم في الطلب وعدم الجزم.

    1.   

    الحكم الشرعي

    تعريف الحكم الشرعي

    ثم قال المؤلف: [فصل: الحكم الشرعي مدلول خطاب الشرع].

    تعرفون أن هذا الكتاب أصول الفقه، والفقه هو معرفة الأحكام الشرعية العملية، إذاً لا بد أن نعرف ما هو الحكم؟ يقول: (فصل: الحكم الشرعي مدلول خطاب الشرع)، وكلمة (الشرعي) قيد؛ لأن هناك حكماً عقلياً وحكماً عادياً، فالحكم العقلي مدلول العقل، أي: ما دل عليه العقل، والحكم العادي ما دلت عليه العادة، أقبلت إلى مسجد ووجدت عنده سيارات كثيرة خلاف العادة تحكم بأن فيه محاضرة، أو جنازة؛ لأن العادة أن الناس لا يتجمعون إلا لمثل ذلك.

    شرب إنسان شراباً مسهلاً للبطن، نقول: هذا الشراب مسهل بحكم العادة.

    والعقل له أحكام كثيرة، كدلالة الأثر على المؤثر، والحادث على المحدث، وما أشبه ذلك، فالمؤلف رحمه الله بقوله: (الشرعي) أخرج حكم العقل والعادة.

    وقوله: (مدلول خطاب الشرع) كلمة (الشرع) هذه مصدر والمراد بها اسم الفاعل، أي: مدلول خطاب الشارع، ولا مشرع إلا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، فما دل عليه خطاب الله ورسوله فهو حكم شرعي، والخطاب قول يفهم منه من سمعه شيئاً مفيداً مطلقاً.

    لو قال المؤلف رحمه الله: قول أو فعل لكان أولى؛ لأننا نتكلم بالحكم الشرعي، والحكم الشرعي قد يثبت بالخطاب وقد يثبت بالفعل، فصلاة الصحابة خلف الرسول عليه الصلاة والسلام قياماً وأشار إليهم أن اجلسوا، وهذا لا شك أنه حكم شرعي، ثابت بإشارة؛ لكن المؤلف رحمه الله لما قال: (خطاب الشرع) أراد أن يبين الخطاب من حيث المعنى اللغوي، وأما من حيث المعنى الشرعي فالخطاب أعم من القول، قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل، ويأتي إن شاء الله وقت نتكلم عليه.

    تعريف الخطاب

    وما هو الخطاب؟ قال: [والخطاب: قول يفهم منه من سمعه شيئًا مفيدًا مطلقًا].

    هذا الخطاب (قول) فخرج به الفعل، فأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تسمى خطاباً، لكن قد دلّ الخطاب على أن النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها على سبيل التعبد مشروعة لنا بمقتضى الخطاب الذي دل على ذلك.

    وقول المؤلف: (يفهم منه من سمعه شيئًا مفيدًا مطلقًا) خرج بهما إذا لم يكن مفيداً، فإنه لا يسمى خطاباً، مثل: قول النحويين: ديز مقلوب زيد، فهذا لا يسمى خطاباً؛ لأنه لا يفيد.

    وقوله: (مطلقاً) يعني: على أي وجه من أوجه الإفادة سواء أفاد نفياً أو إيجاباً، وسواء أفاد كلاماً -يعني: جملة خبرية- أم لم يفد، المهم أن كل شيء يفيد فإنه خطاب.

    كلام الله الأزلي

    قال: [ويسمى به الكلام في الأزل في قول].

    أي: يسمى بالخطاب الكلام في الأزل في قول، وفي قول: لا يسمى به، وهذه المسألة وهي الكلام في الأزل فيها خلاف بين العلماء، وهذه تتعلق بالعقائد، هل كلام الله عز وجل أزلي بمعنى أنه تكلم في الأزل ولا يمكن أن يتجدد له كلام، أو أن كلام الله أزلي من حيث الجنس ولكنه حادث من حيث الآحاد والأفراد؟ يرى بعض العلماء أن كلام الله أزلي، ويرى بعضهم أنه أزلي الجنس، وبعض الأفراد حادثة، وهذا القول هو المتعين، فالله عز وجل لم يزل ولا يزال موصوفاً الكلام، أي: أنه يتكلم، لكن كلامه متعلق بمشيئته، فآحاد الكلام تحدث إذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يتكلم تكلم، ويدل على هذا أدلة كثيرة، منها: أن الله تعالى يعبر بالشيء الماضي عن أمرٍ وقع، مثل قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [آل عمران:121] ، وهذا واضح أن هذه الآية كانت بعد الغزو، بعد أن غدا يبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال، ومثل قوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ [المجادلة:1] ؛ لأن هذه الآية واضحة في أن الله تكلم بهذا بعد أن تكلمت المرأة واشتكت إلى زوجها، لا يقال: لعله قاله بلفظ الماضي لتحقق وقوعه، وأنه تكلم به في الأزل فيما مضى، لكن عبر فيما مضى عنه بالماضي لتحقق وقوعه؛ لأننا نقول: هذا خلاف الأصل، بل في الآية ما يمنعه، قال: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ، وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1]، (يسمع) فعل مضارع يدل على الحال، يعني: في حال التحاور الله تعالى يسمع، وكيف يسمع تحاوراً لم يكن، فالصواب المتعين: أن الله سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء بما شاء، وأفراد الكلام حادثة، ولا مانع من أن نقول: (حادثة)، يعني: أن الله تعالى يحدثها إذا اقتضت حكمته أن يتكلم بها.

    1.   

    أقسام الحكم الشرعي

    قال: [ثم إن ورد بطلب فعل مع جزم فإيجاب، أو لا معه فندب، أو بطلب ترك معه فتحريم، أو لا معه فكراهة، أو بتخيير فإباحة، وإلا فوضعي].

    الاختصار أحياناً يعقِّد المعنى، فقوله: (إن ورد بطلب فعلٍ مع جزم فإيجاب)، يعني: إذا ورد خطاب الشرع بطلب الفعل بأن قال: افعل، فإن كان بجزم فهو إيجاب، وإن كان بدون جزم فهو ندب.

    ولكن إذا قال قائل: ما الذي يعلمنا أنه بجزم أو بغير جزم؟

    نقول: الأصل في الأمر أنه للإنسان، وأنه مجزوم به، ولهذا لا نتحول عن الأصل إلا بدليل.

    (وإن ورد بطلب ترك) مع جزمه (فتحريم).

    (أو لا معه) يعني: أو ورد بطلب ترك لا مع جزم (فكراهة).

    (أو بتخيير فإباحة).

    فهذه إذاً خمسة أقسام: إيجاب، وندب، وتحريم، وكراهة، وإباحة، وهذا ما يعرف عند العلماء بالأحكام الخمسة: الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.

    ثم قال: [وإلا فوضعي]، يعني: وإلا يرد بطلب مع جزم أو عدمه، أو بترك مع جزم أو عدمه، أو بتخيير؛ إذا لم يرد هذا كله فهو وضعي، يعني: يسمى حكماً وضعياً، مثل القول: بأن هذا شرط، أو هذا مانع، أو هذا صحيح، أو هذا فاسد، فهذه ليست أحكاماً تكليفية، ولكنها أحكام وضعية، بمعنى أن الشارع وضع هذا علامة على الصحة، أو علامة على الفساد، أو جعل ما يترتب على هذا الفعل صحيحاً، أو ما يترتب عليه فاسداً؛ ولهذا يقولون: إن الأحكام نوعان: تكليفية ووضعية، والتكليفية خمسة، والوضعية متعددة: الصحيح والفاسد، الشرط والسبب والمانع، هذه خمسة أيضاً.

    أما العلة فهي إما سبب أو شرط.

    العزيمة يقول: إنها واجبة، والرخصة جائزة، على كل حال الأحكام الوضعية متعددة.

    قال: [والمشكوك ليس بحكم].

    معلوم أن الذي يشك فيه لا يعلم هل هو واجب، أو حرام، أو مندوب، أو مباح، أو مكروه، فليس بحكم، ولكن سبق لنا أنه ليس في الشرع شيء مشكوك فيه لا يعلم حكمه، بل لا بد من العلم، إلا أنه قد يخفى عن بعض الناس إما لقصور أو لتقصير.

    1.   

    تعريف الواجب

    ثم قال المؤلف: [فصل: الواجب لغةً الساقط والثابت].

    ومنه قوله تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36]، يعني: سقطت على الأرض؛ لأنهم كانوا ينحرون الإبل قائمة ثم تسقط.

    يقول: [وشرعًا: ما ذم شرعًا تاركه قصدًا مطلقًا].

    هذا التعريف لو قال: (ما أمر به على وجه الإلزام) لكان أوضح وأبين، أما ما ذم شرعاً تاركه قصداً مطلقاً فهذا فيه قصور؛ لأنه أحياناً لا يرد ذم في ترك هذا الواجب المعين، صحيح أن ترك الواجب على سبيل العموم مذموم، لكن قد يأتي شيء واجب ولا يذكر فيه ذم تاركه، فالصلاة واجبة ورد فيها ذم التارك: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ [مريم:59-60]؛ لكن يوجد أوامر كثيرة لم تقترن بذم التارك، فالأولى أن يقال في الواجب: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام.

    وقول المؤلف: (ما ذم شرعًا تاركه)، (شرعاً)ً احترازاً مما إذا ذم عرفاً فإنه ليس واجباً بأصل الشرع، فبعض العادات يذمها الناس عرفاً لكن الشرع يبيحها، لا نقول: إن القيام بهذا الشيء من باب الواجب؛ لأن تاركه يذم عرفاً، ما دام الشرع لم يذمه فليس بواجب.

    وقول المؤلف: (تاركه قصدًا)، خرج به من تركه بغير قصد كالناسي مثلاً، ولكن هذا القيد لا ينبغي أن يدخله في الحد؛ لأن القيود والشروط لا تدخل في الحدود، وعندهم من جملة المردود أن تدخل الأحكام في الحدود، فإذا: يقال: ما ذم شرعاً تاركه؛ لأن القصد وعدم القصد هذا ترك للحكم، لا علاقة له بالتعريف.

    وقوله: (مطلقًا) يحتمل أن المعنى: تاركه مطلقاً وإن لم يعلم بالوجوب، يعني: سواءً علم بالوجوب أم لم يعلم، ويحتمل أن يكون عائداً على الذم، يعني: ما ذم ذماً مطلقاً غير مقيد، ولكن كما عرفتم أن هذا التعريف فيه شيء من التعقيد، والأحسن أن يقال في الواجب: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام.

    قال: [ومنه ما لا يثاب على فعله كنفقة واجبة، ورد وديعة، وغصب ونحوه إذا فعل مع غفلة].

    أي: من الواجب ما لا يثاب عليه إذا فعل مع الغفلة، مثل: النفقة الواجبة، إنسان ينفق على أهله وهو غافل لم ينو شيئاً، ولكن جرى في العادة أنه لا بد أن يأتي لأهله بالطعام والشراب واللباس وغير ذلك، نقول: هذا الرجل لا يثاب على هذه النفقة؛ لأنه لم يبتغ بذلك وجه الله، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليه)، فإذا أنفق بناء على العادة يأتي بالطعام والشراب والكسوة فإنه لا يثاب على ذلك مع أنه واجب.

    كذلك رد الوديعة، يعني: رجل أودعك مالاً ثم جاء يطلبه منك، فرده إليه واجب، فإذا أخذته من الدولاب وأعطيته إياه بدون أن تنوي القيام بما أوجب الله عليك من رد الوديعة، فنقول: هذا أداء واجب ولكن لا تثاب عليه.

    فإن قال قائل: وهل تسلم من الإثم؟

    الجواب: نعم، إذا قمت بالنفقة الواجبة أو برد الوديعة فلا شك أنك تبرأ وتسلم من الإثم، لكن لا تؤجر إلا بنية.

    كذلك رد غصب، كرجل غصب مالاً ثم منّ الله عليه بالتوبة فرد هذا المال، فرد المغصوب واجب ولا يؤجر عليه إذا فعله مع غفلة.

    فإذا قال قائل: هل لهذا ضابط؟

    نقول: نعم له ضابط، ما وجب لحق الآدمي إذا قام به الإنسان مع الغفلة فإنه لا يثاب عليه؛ لأنه لم يفعله لله، إنما فعله لقضاء حق الآدمي، فيبرأ منه ويسلم من شره، ولكنه لا يثاب عليه؛ لأنه لا يثاب عليه إلا إذا صار عبادة، ولا يصير عبادة إلا بالنية.

    قال المؤلف: [ونحوه]. أي: رد المغصوب، مثل قضاء الدين، وثمن المبيع، والعرية، المهم كل ما كان واجباً لآدمي إذا فعله الإنسان مع الغفلة فإنه لا يثاب عليه؛ لأنه إنما رده من أجل آدمي، لا من أجل التقرب إلى الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755925899