إسلام ويب

مختصر التحرير [66]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الدليل الثاني من الأدلة المتفق عليها هو السنة النبوية، قولية كانت أو فعلية أو تقريرية فهي حجة في الأحكام، وذلك مبني على أنها وحي، وأن صاحبها معصوم، فعصمة الأنبياء في التبليغ متفق عليها، وللعلماء تفصيلات عن العصمة النبوية وما يترتب عليها.

    1.   

    حكم تفسير القرآن باللغة والرأي والاجتهاد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    هل يجوز أن نفسر القرآن بمقتضى اللغة؟

    المؤلف أطلق أنه يجوز، والصحيح أنه يجوز إذا لم يكن المعنى اللغوي قد نقل إلى معنى شرعي كالصلاة، فإن نقل إلى المعنى الشرعي فسر بما يقتضيه المعنى الشرعي.

    إذاً: يجوز تفسيره بمقتضى اللغة ما لم ينقل إلى معنىً شرعي، فإنه لا يفسر إلا بالمعنى الشرعي.

    وهل يجوز للإنسان أن يفسره برأيه، بمعنى أن يحمل القرآن على رأيه؟

    الجواب: لا يجوز؛ للحديث الوارد في هذا: (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) هذه واحدة. ولأن هذا تحريف للقرآن، وقد ذم الله الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.

    وهل يجوز أن يفسر القرآن بالاجتهاد؟

    الجواب: إذا كان أهلاً للاجتهاد وله أصل فلا بأس.

    وهل يجوز أن يفسر القرآن بغير اجتهاد ولا بالرأي في مقام التعلم؟

    الجواب: يجوز؛ ولكن الأستاذ يصحح له.

    1.   

    مبحث السنة

    تعريف السنة لغةً وشرعاً

    انتهى الكلام على كتاب الله عز وجل الذي هو الأصل في الأدلة، ثم بدأ المؤلف بالسنة التي قال: إنها مخبرة عن القرآن، فقال: [السنة لغةً: الطريقة]، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم) يعني: طرق، فيدل على الطريقة.

    [وشرعاً] أي: اصطلاحاً؛ لأن أهل الشرع يكون اصطلاحهم شرعياً، والاصطلاح في الأصل مأخوذ من الصلح، اصطلح بمعنى اصتلح، يعني: تصالح القوم، والتعريفات التي يعرفها الفقهاء يقولون: (اصطلاحاً)، يعني كأن القوم (الفقهاء) اجتمعوا عليها كاجتماع المتصالحين على الصلح.

    قال: [واصطلاحًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم غير الوحي ولو بكتابة، وفعله ولو بإشارة، وإقراره]، يعني: إقراره على أمر من الأمور فعله غيره.

    قال: [وزيد الهم].

    يعني: زاد بعض العلماء: الهم، أن يهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فيكون ذلك من سنته.

    فقول النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه من سنته، لكن استثنى المؤلف غير الوحي، يعني: غير القرآن، فإن القرآن ليس سنة ولكنه قرآن، وظاهر كلام المؤلف أن السنة ليست بوحي، فإن أراد أنها ليست من الوحي الإقراري ففيه نظر ظاهر، وإن أراد أنها ليست من الوحي الذي ينزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بل يشرعه الرسول فهذا صحيح؛ لأن السنة يظهر حسب التأمل والتتبع أن منها ما أوحاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنها ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله عليه، سواء كان قولاً أو فعلاً، ولهذا لما قال: إن الشهادة تكفر كل شيء أو كل ذنب انصرف الرجل فدعاه فقال: (إلا الدين، أخبرني بذلك جبريل آنفاً)، وهذا يدل على أن القول الأول ليس بوحي، إذ إنه لو كان وحياً لكان الغالب أن يكون الوحي تاماً لا يحتاج إلى استثناء يأتي بعد.

    الكتابة ودخولها في السنن القولية

    وقول المؤلف: (ولو بكتابة) يعني: ولو كان قوله بكتابة.

    وهنا بحث: هل الكتابة من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بأمره يعد من السنة القولية؟

    الجواب: هذا مبني على أن الرسول عليه الصلاة والسلام هل كان يكتب أو لا؟

    نقول: أما قبل الوحي -أي: قبل أن ينزل عليه القرآن- فإنه لا يكتب، وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].

    وأما بعد ذلك فقد اختلف العلماء: هل كان النبي عليه الصلاة والسلام يكتب أو لا يكتب؟ وعلى القول بأنه يكتب: هل كان يكتب كل ما يريد أو لا يكتب إلا أشياء يسيرة كاسمه مثلاً؟ والقرآن ظاهره أنه كان لا يكتب ولا يقرأ قبل نزول الوحي، أما بعده فالآية لا تنفي ولا تثبت أنه لا يكتب.

    فقول المؤلف هنا: (ولو كتابةً) يحتمل أنه يريد: ولو كتابة بنفسه، فيكون المؤلف قائلاً بالقول الذي يقول: إنه كان يكتب بعد نزول الوحي، ويحتمل أنه يريد بالكتابة: أمره، وأياً كان فإن الكتابة كالقول، يثبت بالكتابة ما يثبت بالقول، ولهذا لو كتب الرجل فقال: بيتي الفلاني وقف، دون أن ينطق صار البيت وقفاً، ولو كتب: امرأتي طالق، طلقت امرأته وإن لم يتكلم. ولو كتب: عبدي حر، عتق عبده وإن لم يتكلم، ولو كتب: في ذمتي لفلان ألف درهم.. ثبتت في ذمته وإن لم ينطق.

    فالمهم أن الكتابة حكمها حكم القول في ثبوت ما يجب بها، ولكن ليست كحكم القول في الصلاة مثلاً، فلو سأله واحد وهو يصلي قال: أين مفتاح السيارة؟

    فكتب: مفتاح السيارة في حقيبتي في الغرفة رقم ثلاثة، فهذا كلام لا تبطل به صلاته، ولو همس في أذنه فقال: مفتاح السيارة في حقيبتي في الغرفة الثالثة، بطلت صلاته.

    إذاً: الكتابة يثبت بها ما يثبت بالقول، وليس حكمها حكم القول في كل شيء.

    فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره من السنة

    يقول: [وفعله] يعني: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، [ولو بإشارة]، يعني: إذا فعل شيئاً ولو بإشارة فإنه سنة، فمثلاً: (قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وهو يشتكي، فصلى قاعداً فصلوا خلفه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا)، نقول: هذا على كلام المؤلف يعتبره فعلاً، وإن كان يدل على ما يدل عليه القول لكنه فعل.

    (وكان يشير بالسلام إذا سلموا عليه وهو يصلي، يرفع هكذا يده)، هذا أيضاً يدل على أن الإشارة فعل؛ لكنها مع ذلك تدل على ما يدل عليه القول، كما أن الكتابة فعل وتدل على ما يدل عليه القول، فالإشارة أيضاً فعل، وتدل على ما يدل عليه القول.

    قال: [وإقراره]، إقرار يعني: إذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على قول دل ذلك على الجواز، أو على فعل دل ذلك على الجواز، فمن إقراره على القول: إقراره الرجل الذي كان يختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] إذا صلى بأصحابه، فإن الرسول أقره على ذلك.

    ومن الإقرار على الفعل: إقراره لـسعد بن عبادة رضي الله عنه على أن يتصدق لأمه بمخراف، أي: بنخلة. فهذا إقرار على الفعل، والأمثلة على هذا كثيرة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقر على باطل، بل لا يقر إلا على حق، إما جائز، وإما مطلوب ومشروع.

    الهم ودخوله في السنة النبوية

    قال: [وزيد الهم].

    يعني: إذا هم بشيء كان ذلك من سنته، مثل: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام)، إلى أن قال: (ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)، فهذا هم، فيجوز أن يهم الإنسان بمثل هذه العقوبة على من تخلف عن الصلاة وإن لم يفعل.

    يقول في الشرح: (وزيد الهم) أي: وزاد الشافعية على ما ذكر من أقسام السنة: ما هم النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ولم يفعله; لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بحق محبوب مطلوب شرعًا; لأنه مبعوث لبيان الشرعيات. ومنه: همه صلى الله عليه وسلم بمعاقبة المتخلفين عن الجماعة.

    1.   

    حجية السنة وعصمة الأنبياء

    ثم قال المؤلف رحمه الله: [وهي حجة]، يعني: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حجة، القولية والفعلية والإقرارية والهمية والإيجابية والسلبية، فما تركه فهو سنة، كما أن ما فعله فهو سنة.

    تعريف العصمة

    يقول: [للعصمة التي هي سلب القدرة على المعصية]، يعني: لأنه معصوم. وما هي العصمة؟

    قال: (هي سلب القدرة على المعصية)، وهذا التعريف للعصمة فيه نظر ظاهر؛ لأنه لو كان المعنى للعصمة أنه يسلب القدرة على المعصية لم يكن في ذلك مدح؛ لأن الذي لا يقدر على الشيء لا يحمد على تركه، إذ إنه غير قادر. هذه واحدة.

    ثانياً: أن المعصوم قادر على المعصية، لكنه معصوم من إرادتها وليس معصوماً من القدرة عليها، هو لو شاء أن يفعل المعصية لفعل، لكن الله يصرف إرادته عن فعل المعصية فلا يفعلها.

    يقول: [ولا تمتنع عقلًا معصية قبل البعثة].

    الحقيقة أن الرجوع إلى العقل في مثل هذه الأمور قد يعاب، بل الرجوع إلى العقل في أمور أخرى، ولكن لا مانع من أن نستدل بالعقل في موضع نحتاج إلى الاستدلال به، فقول المؤلف: (لا تمتنع عقلًا معصية قبل البعثة)؛ لكن هل تمتنع شرعاً؟

    الجواب: نعم، المعصية ممنوعة شرعاً قبل البعثة وبعدها، لكنها قبل البعثة إذا كان الإنسان جاهلاً هو معذور.

    جواز المعصية من الرسل قبل البعثة

    وقوله: (لا تمتنع عقلًا معصية)، يريد معصية من الرسول لا من كل أحد، فالمعاصي من غير الرسول واقعة قبل البعثة وبعدها، لكن من الرسول يجوز للرسول أن يفعل معصية قبل أن يبعث، ومن ذلك ما جرى لموسى عليه الصلاة والسلام حين قتل القبطي لما استغاثه على قتل الإسرائيلي؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام وجد رجلين يقتتلان، أحدهما من شيعته من بني إسرائيل، والثاني من عدوه آل فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من وعده، وكان موسى قوياً شديداً عليه الصلاة والسلام، (فوكزه) أي: ضربه بيده مجموعة (هكذا)! فقضى عليه، فمات، فقال: هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، وقال: رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [القصص:33]، وكان يعتذر عليه الصلاة والسلام عن الشفاعة في الموقف؛ لأنه قتل نفساً بغير حق، فهذه معصية لكن وقعت منه قبل البعثة.

    عصمة الأنبياء بعد البعثة مما يخل بالصدق

    قال: [وكل نبي معصوم بعدها من تعمد ما يخل بصدقه فيما دلت المعجزة على صدقه من رسالة وتبليغ، ولا يقع غلطًا وسهوًا].

    كل نبي سواء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره معصوم بعدها، أي: بعد البعثة، (من تعمد ما يخل بصدقه)، أي كل ما يخل بصدقه فإنه معصوم منه، مثل: الكذب والخيانة وما أشبه ذلك، فهذا لا يمكن أن يقع من النبي بعد البعثة؛ لأنه لو وقع منه لم يبق للناس ثقة في البعثة، ولهدم جميع ما جاء به، بل قد قال الله تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين [الحاقة:44-47].

    وقوله: (فيما دلت المعجزة على صدقه)، يعني: لا يمكن أن يكذب فيما دلت المعجزة على صدقه، والمعجزة عندهم: هي الآية التي تدل على صدق النبي، وهي كونية وشرعية وآفاقية وأرضية، ولكن ينبغي أن نعلم أن تسميتها بالمعجزة ضعيف، وأن الصواب أن تسمى آية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رسول يبعثه الله إلى آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر) ، فهي آية، أي: دليل صدقه. والمعجزة ضعيفة؛ لأن المعجزة قد تقع من الساحر ومن الكاهن؛ لأن المعجزة معناها: ما أعجز الغير، وهذا لا يختص به النبي.

    يقول: (فيما دلت المعجزة على صدقه من رسالة وتبليغ)، معناه: أنه لا يمكن أن يأتي بما يخل بالصدق من الرسالة أصلها أو من تبليغه، فالرسول الحق لا يمكن أن يدعي أنه رسول إلا وهو صادق، ولا يمكن أن يبلغ شيئاً مما جاء به إلا وهو صادق، وإلا لو كذب فيما بلغ ولو بجزء واحد من ملايين الأجزاء لاختلت الرسالة.

    قوله: (ولا يقع غلطًا وسهوًا)، يعني: ما يخل بصدقه لا يقع غلطاً ولا سهواً؛ لأن الله قد عصمه من ذلك، والغلط وإن كان يرتفع لقوله: إني غلطت؛ لكنه يخل بتصديقه، والسهو كذلك لو قال: نسيت فإنه يخل بتصديقه، ولهذا عصمه الله منه حتى غلطاً وسهواً.

    عصمة الأنبياء من الكبائر والصغائر

    قال: [وما لا يخل]، أي: الذي لا يخل بصدقه، يعني أمور المعاصي التي لا تخل بالصدق ولا لها علاقة به، يقول: [فمن كبيرة]، أي معصومون من الكبائر.

    قال: [وما يوجب خسةً]، يعني: دناءة أمام الناس، فالرسل عليهم الصلاة والسلام هم أكرم الناس أخلاقاً.

    قال: [أو إسقاط مروءة]، المروءة: هي الشرف والنبل عند الناس، فالنبي لا يمكن أن يفعل ما يسقط المروءة وإن كانت غير حرام، لكن النبي هو ذا شرف وسيادة، وهذه الأشياء تنافي شرفه وسيادته.

    وقوله: [عمدًا، وفي وجه وسهوًا] يعني: أنها عمداً لا يمكن أن تقع، أما سهواً ففيه قولان.

    ولاحظوا أن ما سبق فيما ينافي الصدق قال المؤلف: لا يقع عمداً ولا سهواً، أما في المروءة فذكر الخلاف فيما إذا كان سهواً.

    ثم قال: [ومن صغيرة مطلقًا]، يعني: أنهم معصومون من الصغيرة مطلقاً، وهذه المسألة فيها الخلاف الشرعي.

    وقال في الشرح: [قوله: وأما ما لا يخل بصدقه فيما دلت عليه المعجزة فهو معصوم فيه من وقوع كبيرة إجماعًا، ولا عبرة بخلاف الحشوية وبعض الخوارج.

    وكذا هو معصوم من فعل ما يوجب خسةً أو إسقاط مروءة عمدًا.

    قال في شرح التحرير: وقد قطع بعض أصحابنا بأن ما يسقط العدالة لا يجوز عليه.

    قال ابن مفلح : ولعله مراد غيره.

    قلت: بل يتعين أنه مراد غيره. اهـ

    وأما جواز وقوع ذلك سهوًا ففيه قولان:

    أحدهما وهو قول القاضي من أصحابنا والأكثر: أنه يجوز ذلك. واختلف كلام ابن عقيل في ذلك.

    والقول الثاني وهو المشار إليه بقوله: (وفي وجه سهوًا) أنه لا يجوز ذلك عليه سهوًا، وهو قول ابن أبي موسى .

    وأما جواز وقوع الصغيرة التي لا توجب خسةً ولا إسقاط مروءة عمدًا أو سهوًا؛ ففيه قولان:

    أحدهما: جواز وقوع ذلك، وهو قول القاضي وابن عقيل والأشعرية والمعتزلة وغيرهم.

    والقول الثاني وهو المشار إليه بقوله: (ومن صغيرة مطلقًا) عدم الجواز، وهو قول ابن أبي موسى من أصحابنا. وقال: يجوز الهم لا الفعل.

    ومنع الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وجمع من أصحابنا وغيرهم من الذنب مطلقًا، كبيرًا أو صغيرًا، عمدًا أو سهوًا، أخل بصدقه أو لا، وهو اختيار أبي المعالي في الإرشاد والقاضي عياض وأبي بكر وابن مجاهد وابن فورك. نقله عنه ابن حزم في الملل والنحل، وابن حزم وابن برهان في الأوسط. ونقله في الوجيز عن اتفاق المحققين. وحكاه في زوائد الروضة عن المحققين، وقال القاضي حسين : هو الصحيح من مذهب أصحابنا، وهو قول أبي الفتح الشهرستاني ، وابن عطية المفسر، وشيخ الإسلام البلقيني ، والسبكي وولده التاج .

    فالعصمة ثابتة له صلى الله عليه وسلم ولسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من كل ذنب كبير أو صغير، عمدًا كان أو سهوًا في الأحكام وغيرها؛ لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم على الإطلاق من غير التزام قرينة، وسواء في ذلك قبل النبوة وبعدها، تعاضدت الأخبار بتنزيههم عن النقائص منذ ولدوا، ونشأتهم على كمال أوصافهم في توحيدهم وإيمانهم عقلاً أو شرعًا، على الخلاف في ذلك، ولا سيما فيما بعد البعثة فيما ينافي المعجزة.

    قال ابن عطية : وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرةً)، إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها، لتزايد علومه واطلاعه على أمر الله تعالى، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية. اهـ كلام الشارح].

    وهذه المسألة الحقيقة الخوض فيها قد يكون من الأمور التي أحدثت، ولهذا لا تجد مثل هذه البحوث عند الصحابة والتابعين، والذي تدل عليه الأدلة: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكذب والخيانة والفواحش وما يسقط المروءة والأخلاق الرديئة، وأما الأعمال فقد يقع منهم الذنب ولكنهم معصومون من الإصرار عليه، فيختلفون عن غيرهم أنهم معصومون من الإصرار عليه، لا بد أن ينبههم الله عز وجل عليه حتى يتبين الأمر، أما غير الأنبياء فهم غير معصومين من الإصرار عليه، قد يذنب الإنسان الذنب ويصر عليه ولا يجد موقظاً لا من الله ولا من الناس، أما الأنبياء فلا بد أن ينبهوا على هذا.

    قال الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [محمد:19].

    وقال تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2].

    وقال الله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43].

    وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1].

    إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الذنب قد يقع من الأنبياء، ولكنهم معصومون من الإصرار عليه، ولهم من الفضائل ما يوجب أن يغفر الله لهم ما حصل منهم.

    وهذه البحوث التي يبحثها مثل هؤلاء العلماء رحمهم الله نحن في غنى عنها، ما دام أسلافنا الخلفاء الراشدون والصحابة وأئمة التابعين لم يتكلموا عليها، فما بالنا نحن نتكلم؟ نسكت ونقول: لهم من المنزلة عند الله عز وجل ما أوجب أن يغفر الله لهم وإن أذنبوا، والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756306238