إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. محاضرات الحج
  6. كتاب مناسك الحج
  7. شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (باب الحج عن الميت الذي نذر أن يحج) إلى (باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين)

شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (باب الحج عن الميت الذي نذر أن يحج) إلى (باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع الحج عن الميت الذي نذره ولم يؤده، وكذلك عن الحي إذا عجز عنه كأن يكون كبير السن، أو مريضاً مرضاً مزمناً.

    1.   

    الحج عن الميت الذي نذر أن يحج

    شرح حديث: (إن امرأة نذرت أن تحج فماتت ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحج عن الميت الذي نذر أن يحج.

    أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأةً نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء)].

    يقول النسائي رحمه الله تعالى: الحج عن الميت الذي نذر أن يحج، أي أنه يوفى بنذره وذلك بأن يقوم غيره بأداء هذا الذي نذره، وأورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن امرأةً نذرت أن تحج فماتت، فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسأله عن ذلك؟ فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء). والحديث واضح الدلالة على الترجمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة نذرت أن تحج ولم تحج أن يحج عنها فأجاب عليه الصلاة والسلام بأن ذلك ينفع وأنها تستفيد من ذلك وضرب له المثل بقوله: (أرأيت لو كان على أختك دينٌ أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء)، يعني ضرب له مثلاً بالدين الذي يكون على أخته للآدميين فتحمله الدين عن أخته وقضاؤه عنها ووفاؤه بما عليها ذلك نافع لها، قال: فكذلك أيضاً دين الله عز وجل فإنه ينفع الإنسان الذي مات أن يؤدى ذلك الدين عنه ويوفى ذلك النذر عنه، وذلك بأداء الشيء الذي نذره، ويدلنا الحديث على أن النذر من الإنسان لازم له وأن أداءه واجب عليه وأنه إن أداه في حال حياته فقد أدى ما عليه وإلا فإنه مدين به، وهو دين لله عز وجل عليه، وفيه: أيضاً دليل على أن الغير يمكن أن يقوم بالحج عن الغير فيما نذره، وألزم نفسه به.

    ومن المعلوم أن ما وردت به النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في انتفاع الأموات بسعي الأحياء، وكون الأحياء يؤدون شيئاً عن الأموات، أنه ينفعهم، فيما وردت به النصوص وهذا الأمر واضح وجلي؛ لأن النص ورد في نفع الميت بعمل معين كالحج، سواءً كان بالنذر أو غير النذر، فإن ذلك نافع، وقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاء في أمور أخرى، كالصوم فيما إذا كان الإنسان عليه صيام، (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه)، وكذلك أيضاً العمرة مثل الحج، (حج عن أبيك واعتمر)، وكذلك أيضاً الدعاء، فإن ذلك مما ينفع الأموات، وكذلك الصدقة عن الأموات، تنفعهم كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوقوف عندما وردت به النصوص في نفع الأموات هو الذي ينبغي، وبعض العلماء يعمم فيما ورد وفيما لم يرد، ويقيس ما لم يرد على ما ورد، ويلحقه به، ويرى أن الأموات ينتفعون بأي عمل يعمله لهم الأحياء، سواءً جاءت به السنة أو لم تأت به، والذي لم تأت به يقيسونه على ما أتت به، لكن الذي يظهر: أن الأولى هو الوقوف عندما وردت به النصوص، فالذي وردت به النصوص يوقف عنده؛ لأنه ثبت انتفاع الأموات به، والذي لم ترد فيه النصوص مثل: قراءة القرآن وإهدائها للأموات فإن الأولى عدم فعله وينبغي الاقتصار على ما وردت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    وفي الحديث أيضاً بيان أن ذلك الذي هو لازم على الإنسان سواءٌ كان بأصل الشرع كالحج الفرض أو بإلزام الإنسان لنفسه وذلك بالنذر أن ذلك يطلق عليه دين وأنه حق لله وفي هذا الحديث ضرب الأمثلة وتوضيحها بالتشبيه والتمثيل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين أن الميت ينفعه أن يؤدى ذلك الدين لله عز وجل عليه، فشبه الذي فيه إشكال بالذي لا إشكال فيه، وهو قضاء الدين عنه بالنسبة لديون الآدميين، كون الإنسان عليه دين فيتحمل شخص دينه ويعطيه للدائن فتبرأ ذمة المدين بذلك، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أتي بشخص ليصلي عليه سأل: هل عليه دين؟ ليبين خطورة الدين، وعظم شأنه، وأن أمره خطير، فلا يستهان به، فإذا أخبر بأن عليه دين قال: (صلوا على صاحبكم)، ومما ورد في ذلك أنه سأل عن رجل قدم للصلاة عليه، فقيل: (عليه ديناران، فقال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: علي الديناران يا رسول الله)، أي: أنه تحملهما والتزمهما، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه سأله بعد ذلك، وأخبره بأنه أدى ما عليه، فقال: (الآن بردت جلدته)، وكذلك أيضاً جاء في الحديث: (أن الشهيد يغفر له، أو أنه يتجاوز عنه كل شيءٍ، ثم قال: إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، فالديون المتعلقة بحقوق الآدميين هي معلوم أن الغير يمكن أن يقوم بها؛ لأن المقصود: كون صاحب الحق يصل إليه حقه، ويؤدى إليه حقه، وتطيب نفسه؛ لأن حقه وصل إليه، سواءً وصل من المدين، أو ممن أدى ذلك عن المدين.

    ثم أيضاً قد يفهم من الحديث، أو يظهر من الحديث أن حق الله عز وجل، وأن الدين الذي لله عز وجل يكون حق بالوفاء، فقد يفهم منه أنه أولى، أي: الديون التي لله أولى من الديون التي للآدميين، فإذا كان المال متسعاً لأن يؤدى عليه ديون الله وديون الآدميين، فالأمر في ذلك واضح، لكن لو ضاق المال عن أداء الدينين دين الله، ودين الآدميين، فإن بعض أهل العلم قال: يقدم دين الآدميين على دين الله عز وجل؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وكون بعضهم يطالب بعضاً، والشح يكون بينهم، وأما حقوق الله عز وجل فهي مبنية على المسامحة والله تعالى يعفو ويتجاوز ويصفح.

    والحاصل: أن الحديث قد يفهم منه الإشارة إلى تقديم حق الله عز وجل على حقوق الناس، لكن بعض أهل العلم يقول: إن حقوق الناس وتأديتها مقدم على تقديم حق الله عز وجل؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وفيها مطالبة إذا ما حصلت في الدنيا تكون في الآخرة كما جاء في الحديث: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن امرأة نذرت أن تحج فماتت ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].

    هو محمد بن بشار البصري الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه جميعاً مباشرةً وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ توفي قبل البخاري بأربع سنوات؛ لأنه توفي سنة اثنين وخمسين ومائتين، والبخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومثله في ذلك محمد بن المثنى الملقب بــالـزمن، وكذلك أيضاً يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء ثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة وهم جميعاً ماتوا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهم من صغار شيوخ البخاري وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة.

    [عن محمد].

    محمد هنا غير منسوب، وهو يروي عن شعبة، وإذا جاء محمد غير منسوب ليروي عن شعبة ويروي عنه محمد بن بشار، أو محمد بن المثنى، فالمراد به: محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن شعبة].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي بشر].

    هو جعفر بن إياس اليشكري، ويقال له: أبو بشر بن أبي حشية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد بن جبير].

    تابعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عباس].

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الصحابة السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين اشتهروا بهذا اللقب وهم من صغار الصحابة وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وكانوا متقاربين في السن وعاشوا وأدركهم من لم يدرك المتقدمين، والذين يسمون عبد الله من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرون منهم عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن قيس، وعبد الله بن أبي بكر، وعدد كبير يقال لهم: عبد الله، لكن الذين اشتهروا بهذا اللقب -العبادلة- هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة وأدركهم من لم يدرك الكبار من الصحابة.

    1.   

    الحج عن الميت الذي لم يحج

    شرح حديث: (... لو كان على أمها دين فقضته ألم يكن يجزئ عنها فلتحج عن أمها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحج عن الميت الذي لم يحج.

    أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا أبو التياح حدثنا موسى بن سلمة الهذلي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أمها ماتت ولم تحج، أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ قال: نعم. لو كان على أمها دينٌ فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها؟ فلتحج عن أمها)].

    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي الحج عن الميت الذي لم يحج؛ لأن الترجمة السابقة تتعلق بالنذر -كون الإنسان نذر أن يحج ولم يحج- وهنا لم يحج حجة الإسلام التي هي فرض عليه، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، أي الحج عن الميت الذي لم يحج، وأورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن امرأة طلبت من رجل أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمها أنها ماتت ولم تحج أفينفعها أن تحج عنها؟ قال: نعم). فأجاب بأنها تحج عنها، فدل هذا على أن الميت يحج عنه حجة الإسلام التي هي واجبة بأصل الشرع، والحديث السابق يدل على الحج عنه الحجة التي ألزم نفسه بها حيث نذر أن يحجها ولم يحجها، ودل هذا الحديث على أن الحجة حجة الإسلام الواجبة على الإنسان بأصل الشرع أنه يمكن للغير أن يحج عنه، وكذلك الحديث السابق يدل على أن الحجة التي نذر أن يحجها وليست واجبةً عليه بأصل الشرع بل أوجبها على نفسه بالنذر أن غيره يمكن أن يحج عنه.

    وفي هذا الحديث الدلالة على أن الحج يكون عن الغير، يعني حج الفرض، ويدل كذلك على التوكيل في السؤال والاستفتاء؛ لأن تلك المرأة أنابت عنها أو طلبت من غيرها أن يقوم بالاستفتاء لها وفعل ذلك، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن لها أن تفعل ذلك عن أمها.

    وفيه أيضاً ما في الذي قبله من التشبيه؛ لأن الدين الذي يكون للآدميين يجزئ وهذا معلوم لا إشكال فيه، فكذلك الدين الذي يكون لله ولهذا قال: (فلتحج عنها)، لكن ينبغي أن يعلم أن الحج عن الغير ليس لازماً للغير، ولكنه إذا فعله متطوعاً، أو إذا كان في ماله، أو خلف مالاً، فإنه يحج عنه من ماله، لكن كون غيره يلزمه ويجب عليه أن يؤدي الحج عنه متبرعاً متطوعاً بفعله هذا وإذا لم يفعل يأثم ليس هناك ما يدل عليه، وإنما في هذا الحديث الترغيب على أن الحي ينفع ميته بأداء حق الله عز وجل عليه، لكن ذلك ليس بلازم عليه وليس بمتحتم عليه، ولكنه ينبغي له، وهذا من البر، ومن الإحسان للوالد بعد وفاته.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لو كان على أمها دين فقضتهألم يكن يجزئ عنها فلتحج عن أمها)

    قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].

    صدوق، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن عبد الوارث].

    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي التياح].

    هو يزيد بن حميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي التياح.

    [عن موسى بن سلمة الهذلي].

    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.

    [عن ابن عباس].

    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (أن امرأة سألت النبي عن أبيها مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عثمان بن عبد الله حدثنا علي بن حكيم الأودي حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأةً سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن أبيها: مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك)].

    ثم أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو مثل ما تقدم، (امرأةٌ سألت عن أبيها أنه مات ولم يحج، أفتحج عنه؟ قال: نعم، حجي عن أبيك)، فهو دال على ما دل عليه الذي قبله في قصة المرأة التي سألت عن أمها التي ماتت ولم تحج، أتحج عنها؟ هذه امرأة أخرى سألت عن أبيها أنه قد مات ولم يحج، وأجابها: بأن تحج عنه، فهو دال على ما دل عليه الذي قبله، ودال على أن المرأة تحج عن الرجل، والرجل يحج عن المرأة؛ وأنها تحج عن أبيها، لأنها استفتت أتحج عن أبيها وهي امرأة فأذن لها رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجابها بأن تحج عن أبيها، وهو دليل على ما دل عليه ما قبله من حيث أن الغير يحج عن الغير، وزاد على أن المرأة تحج عن الرجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( أن امرأة سألت النبي عن أبيها مات ولم يحج؟ حجي عن أبيك)

    قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].

    هو ابن خرزاذ، ثقة، أخرج له النسائي وحده.

    [عن علي بن حكيم الأودي].

    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب، ومسلم، والنسائي.

    [عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن حماد بن زيد].

    هو حماد بن زيد البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أيوب السختياني].

    وهو: أيوب بن أبي تميمة السختياتي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الزهري].

    وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، تابعي، مكثر من الرواية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن سليمان بن يسار].

    سليمان بن يسار، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].

    ابن عباس، وقد مر ذكره.

    وهذا الحديث هو من الأسانيد الطويلة عند النسائي ففيه ثمانية رجال، وقد مر بنا في الدرس الماضي إسناد أطول فيه تسعة رجال بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت أن أطول الأسانيد عن النسائي العشاريات، وأن عنده إسناداً عشارياً سبق أن مر في بيان فضل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وقال النسائي بعد ذكره: هذا أطول إسناد، فأطول الأسانيد عند النسائي من يكون رجاله عشرة ودونه من يكون تسعة، وقد مر مثاله في الدرس الماضي، وهذا رجاله ثمانية، وفي هذا أيضاً أن حماد بن زيد بينه وبين النسائي ثلاثة أشخاص هم: عثمان بن عبد الله، وعلي بن حكيم الأودي، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي مع أن حماد بن زيد من طبقة شيوخ شيوخه وهذا معناه أنه يكون بينه وبينه واسطة واحدة، وهنا كان بينه وبين حماد بن زيد ثلاث وسائط فمن هذا حصل النزول؛ لأن النسائي كثيراً ما يروي عن قتيبة بن سعيد عن حماد بن زيد فلا يكون بينهما إلا واسطة واحدة، وهنا بينهما ثلاث وسائط، فمن هنا حصل النزول وحصلت الكثرة في رجال الإسناد.

    1.   

    الحج عن الحي الذي لا يستمسك على الرحل

    شرح حديث: (فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحج عن الحي الذي لا يستمسك على الرحل:.

    أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأةً من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة جمع فقالت: يا رسول الله فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستمسك على الرحل أفأحج عنه؟ قال: نعم)].

    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي الحج عن الحي الذي لا يستمسك على الرحل، أي الحج عن الحي الذي لا يستطيع الركوب والسفر والانتقال لكونه هرماً كبيراً. فلا يستمسك على الرحل ولا يقدر على السفر، فالترجمتان السابقتان تتعلقان بالحج عن الأموات، سواءً، كان للنذر أو حج الفرض، وهذه الترجمة تتعلق بالحج عن الحي الذي لا يستطيع الركوب والانتقال.

    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس: أن امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع -يعني صباح ليلة مزدلفة يوم العيد أي يوم النحر في الصباح- فقالت: (فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستمسك على الرحل)، يعني: الرحل الذي يكون على الدابة، أو الذي يوضع على الدابة لا يستمسك عليه، ولا يستطيع الركوب، بل يسقط لهرمه، ولضعفه، وعدم قدرته على الثبات والاستقرار، فتسأل: هل تحج عنه؟ قال: (نعم)، فأجابها: بأن تحج عنه، وهو دال على أن الحي الذي لا يستطيع السفر للحج؛ لهرمه وتقدمه في السن، وكونه لا يثبت على الرحل، ولا يستطيع الحركة، أنه يحج عنه، وأيضاً فيه دليل على جواز حج المرأة عن الرجل كما ورد قبله في جواز حج الرجل عن المرأة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سفيان].

    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به سفيان بن عيينة وليس سفيان الثوري؛ لأن سفيان الثوري توفي وعمر قتيبة إحدى عشرة سنة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين وقتيبة ولد سنة مائة وخمسين وعاش تسعين سنة وتوفي سنة مائتين وأربعين، وسفيان بن عيينة عاش إلى فوق التسعين ومائة، وكذلك أيضاً سفيان يروي عن الزهري، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري مباشرةً فالمراد به: ابن عيينة؛ لأن سفيان الثوري ما روى عنه مباشرةً، بل روى عنه بواسطة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر: في (فتح الباري) حيث قال: إن روايته عنه إنما هي بواسطة، والذي روى عنه وأكثر هو سفيان بن عيينة، فإذاً: هنا أمران دالان على أنه سفيان بن عيينة من جهة النظر إلى التلميذ والنظر إلى الشيخ؛ لأن التلميذ قتيبة هو الذي يروي عن ابن عيينة، وابن عيينة هو الذي يروي عن الزهري.

    [عن الزهري].

    قد مر ذكره.

    [عن سليمان بن يسار عن ابن عباس].

    قد مر ذكرهم.

    طريق ثالثة لحديث: (فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً ...) وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي حدثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس مثله].

    أورد الحديث عن ابن عباس من طريق أخرى، ولم يذكر المتن وإنما أحال على الذي قبله بقوله: (مثله)، أي: أن المتن المحذوف مثل المتن المذكور قبله، واكتفى عن إعادة المتن بالإحالة على المتن السابق، وأخبر بأن هذا الذي حذفه ولم يذكر متنه، أنه مطابق، ومماثل، للمتن الذي قبله، وهذه العبارة وهي كلمة التعبير بمثله تدل على الاتفاق في اللفظ والمعنى بين المحال والمحال إليه، المشبه والمشبه به، بخلاف كلمة: نحوه، فإنها تدل على الاتفاق بالمعنى مع الاختلاف في اللفظ، أما كلمة (مثله) فتدل على الاتفاق في اللفظ والمعنى.

    قوله: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي].

    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.

    [عن سفيان].

    هو ابن عيينة وقد مر ذكره.

    [عن ابن طاوس].

    هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عباس].

    ابن عباس قد مر ذكره.

    1.   

    العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع

    شرح حديث: (... إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة والظعن، قال: حج عن أبيك واعتمر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع.

    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة والظعن قال: حج عن أبيك واعتمر)].

    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع، الرجل هنا لا مفهوم لها؛ لأن المرأة إذا لم تستطع الحج فيحج عنها فليست القضية تتعلق بالرجل، لكن عبر عن الرجل؛ لأن الحديث جاء بذكر الرجل، لكن ليس لهذا مفهوم بأن يكون الحكم خاصاً بالرجال دون النساء، فالنساء كذلك أيضاً يحج عنهن ويعتمر إذا لم يستطعن وكن هرمات لا يستطعن كالرجال حكمهن يحج عنهن ويعتمر، وهنا عبر بالعمرة ولم يعبر بالحج، وهو دال على العمرة والحج لكنه عبر بالحج عن الحي الذي لا يستطيع بالترجمة السابقة وأتى بالحديث الذي هو خاص بالحج، ولما كان هذا الحديث يدل على العمرة والحج، والحج سبق أن عقد له ترجمة، وأتى بحديث خاصاً بالحج، أتى بهذه الترجمة التي تدل على العمرة وغير العمرة، ولكن الحديث الأول الذي مضى لا يدل عليها؛ لأنه سؤال عن الحج فقط، والحديث الثاني سؤال عن الحج والعمرة فعقد الترجمة للعمرة وأتى بالحديث الذي يدل على الحج والعمرة.

    إذاً فالحديث يدل على الحج عن الغير الحي الذي لا يستطيع كالحديث الذي قبله، وفيه زيادة ليست في الذي قبله وهي التي ترجم لها وهي العمرة عن الحي الذي لا يستطيع، فهو يدل على الاثنين جميعاً -العمرة والحج- والذي قبله دال على الحج فقط، ويشبه ما جاء في هذا الحديث والذي قبله من كونه لا يستطيع ما إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، فإنه مثل الهرم الكبير الذي لا يستطيع الركوب ولا الظعن -الانتقال والسير- وعلى هذا فالحي لا يحج عنه ولا يعتمر إلا في حالتين اثنتين أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر أو أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، فعند ذلك يحج عنه ويعتمر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة والظعن، قال: حج عن أبيك واعتمر)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [عن وكيع].

    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن شعبة عن النعمان بن سالم].

    شعبة، قد مر ذكره، والنعمان بن سالم، ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن عمرو بن أوس].

    هو عمرو بن أوس بن أبي أوس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي رزين العقيلي].

    هو لقيط بن صبرة، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.

    1.   

    تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين

    شرح حديث عبد الله بن الزبير: (... أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين.

    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن يوسف بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أنه قال: (جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب، وأدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ أن أحج عنه؟ قال: آنت أكبر ولده؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عنه)].

    أورد النسائي رحمه الله تعالى هذا الترجمة وهي تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، والأحاديث التي مرت كثير منها، أو عدد منها فيها هذا الذي ترجم له المصنف هنا، ولكن كما هو معلوم: النسائي رحمه الله، يأتي بالتراجم المتعددة التي يورد تحتها أحاديث تدل عليها، وإن كان الحديث الواحد يدل على ترجمة سابقة، إلا أنه يعيده، أو يأتي بحديث آخر يدل على ما دل عليه ويورده في الترجمة، ويكون كلا الحديثين دال على الترجمتين، من حيث الحج عن الغير ومن حيث تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، يدل على هذا ويدل على هذا، والترجمة هنا معقودة بتشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، فكما أن قضاء الدين عن الميت نافع بلا إشكال فقضاء الحج عنه نافع؛ لأنه دين وهو شبيه بقضاء ذلك الدين، إلا أن هذا دين الآدميين الذي هو المشبه به، والمشبه دين الله عز وجل، وكلها ديون، إلا أن هذا لله، وذاك للآدميين، والتشبيه فيه التوضيح والبيان والتقريب إلى الأذهان، والتشبيه فائدته تصوير المعنوي بصورة المحسوس وتقريب الشيء إلى الذهن بحيث يكون واضحاً مستقراً عندما يعرف وجه التشابه بين المشبه والمشبه به، والمشبه به يكون الأمر فيه واضحا فيتضح أن المشبه يكون مثله، وأنه لا فرق بين هذا وهذا.

    وأورد حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزئ أن أحج عنه؟ قال: آنت أكبر ولده؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عنه)، رجل من خثعم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن أباه شيخ كبير لا يستطيع الركوب وأنه لم يحج أفيحج عنه؟ قال: (أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عنه)، والمقصود من الترجمة: التشبيه الذي جاء فيه هنا: (أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه؟ قال: فحج عنه)، يعني يبين له أن المشبه به كما أن أمره واضح، فكذلك المشبه فهو مثله ويشبهه، والحديث دال على ما دلت عليه الترجمة السابقة من حيث الحج عن الحي فهذا مثل الذي قبله من جهة أنه سأل عن والد له حي، وأنه لا يستطيع الركوب، وأنه أدركته فريضة الحج، وأنه هل يحج عنه؟ قال: (أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه عنه؟ قال: نعم، قال: فحج عن أبيك)، وهنا أورد الترجمة من أجل التشبيه، والحديث الذي مر فيه ذكر التشبيه، أو الأحاديث التي مرت بعضها فيه ذكر التشبيه، إلا أنه عقد الترجمة هنا بهذا أي لهذه النقطة التي هي تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين.

    والسؤال الذي قاله: (آنت أكبر ولده؟) يعني يدل على أن الولد الأكبر يتعين عليه ما لا يتعين على غيره، لكن لا يدل على أن الحج إنما يكون من الأكبر، وغير الأكبر لا يكون كذلك، ولكن للإشارة إلى أن الأكبر هو الذي يكون عليه من المسئولية ما ليس على غيره وأنه أولى بأن يؤدي الدين عن والده بالنسبة لديون الآدميين وبالنسبة لديون الله عز وجل، وليس الاستفسار عنه وكونه أجابه بأنه أكبر ولده أن غيره ليس عليه أن يحج عن أبيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستفسر في بعض الأحاديث السابقة وإنما أرشد إلى أن يحج عنه كما أرشد أبا رزين، وكما أرشد الخثعمية التي سألت لتحج عن أبيها، لكن هذا السؤال فيه الإشارة إلى ما ذكرته من جهة أن الكبير هو الذي يتعين عليه ما لا يتعين على غيره وهو الذي ينبغي منه أن يكون مقدماً فيه على غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن الزبير: (... أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه ....)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    مر ذكره، وهو ابن راهويه.

    [عن جرير].

    هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن منصور].

    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن مجاهد].

    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن يوسف بن الزبير].

    هو يوسف بن الزبير المكي، وهو مولى آل الزبير، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [عن عبد الله بن الزبير].

    هو عبد الله بن الزبير بن العوام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اشتهروا بهذا اللقب، وقد مرت الإشارة إليهم آنفاً عند ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عن الجميع، وحديثه أي حديث عبد الله بن الزبير عند أصحاب الكتب الستة.

    وهذا الإسناد فيه من هو مقبول والمقبول حديثه يحتاج إلى اعتضاد، والشيخ الألباني قال عن هذا الحديث: إنه ضعيف الإسناد، ولعل هذا بسبب يوسف بن الزبير، لكن كما هو معلوم الحديث له شواهد وأحاديث عديدة تدل على ما دل عليه، فهو دال على ما دل عليه الذي قبله، وما فيه من الضعف، أو من الكلام في أحد رجاله، ينجبر بما جاء في الأحاديث الكثيرة التي هي بمعناه وبمؤداه.

    شرح حديث ابن عباس: (... أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه ....)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم النسائي عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: (قال رجل: يا رسول الله، إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق)].

    أورد النسائي رحمه الله تعالى حديث ابن عباس في باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين؛ لأن الحديث السابق يتعلق بالحج عن الحي، وفيه التشبيه، وهذا الحديث يتعلق بالحج عن الميت، وفيه التشبيه، كلاهما فيها تشبيه، والترجمة هي للتشبيه وهي موجودة في الاثنين فيما يتعلق بالحج عن الحي الذي لا يستطيع، وبالحج عن الميت الذي مات ولم يحج، فهو دال على ما دل عليه الذي قبله أو ما تقدمه.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (... أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه ...)

    قوله: [أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم النسائي].

    ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

    [عن عبد الرزاق].

    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن معمر].

    هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الحكم بن أبان].

    صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.

    [عن عكرمة].

    هو عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عباس].

    وقد مر ذكره.

    والحديث أيضاً قال عنه الألباني: إنه ضعيف الإسناد، ورجاله كما هو واضح ثقات إلا الحكم بن أبان فإنه صدوق له أوهام، لكن الحديث الذي جاء به هو جاء عن غيره، وهذا اللفظ جاء عن ابن عباس وغير ابن عباس.

    شرح حديث ابن عباس (... أرأيت لو كان عليه دين فقضيته أكان مجزئاً ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا مجاهد بن موسى عن هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبي أدركه الحج وهو شيخٌ كبير لا يثبت على راحلته فإن شددته خشيت أن يموت أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان عليه دين فقضيته أكان مجزئاً؟ قال: نعم. قال: فحج عن أبيك)].

    أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل ما تقدم، رجل سأل عن أبيه أنه شيخ كبير لا يستطيع الركوب هل ينفعه أن أحج عنه؟ قال: (أرأيت لو كان على أبيك دين أفتقضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عن أبيك)، فهو مثل ما تقدم، والألباني أيضاً قال عنه: إنه شاذ أو منكر، لكن الحديث مثل ما تقدم ودال على ما دل عليه ما تقدم، فلا فرق بينه وبين غيره؛ لأنه يتعلق بشيء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس وعن غير ابن عباس.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (... أرأيت لو كا عليه دين فقضيته أكان مجزئاً ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].

    ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن هشيم].

    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    والفرق بين التدليس والإرسال الخفي أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، يعني شيخ من شيوخه معروف أنه يروي عنه، لكنه روى عنه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، أما المرسل الخفي فهو أن يروي عمن عاصره، ولم يلقه ما لم يسمعه منه، فيكون الإرسال خفيا؛ لأنه ما دام في عصره يظن أنه لقيه، وأنه شيخ من شيوخه، والإرسال الجلي هو الذي يكون بينه وبينه مسافة، وبينه وبينه زمن: وأن يكون هذا ولد بعدما مات هذا بمدة طويلة أو قصيرة، والمهم أنه ما أدرك عصره فهذا يكون إرسالاً جلياً، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي؛ لأنه يخفى على الناس هل هو مدرك له أو لا؟ فالإنسان عندما ينظر التاريخ وينظر تاريخ ولادة هذا ووفاة هذا يقول: إنه أدرك عصره، فيكون من قبيل المرسل الخفي، أما إذا كان الذي روى عنه يعتبر من مشايخه، ولكنه مدلس، وروى عنه بعن أو قال، فيكون هذا تدليس.

    [عن يحيى بن أبي إسحاق].

    هو يحيى بن أبي إسحاق النحوي، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس].

    وقد مر ذكرهما.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718743

    عدد مرات الحفظ

    766137215