فالأحاديث التي أوردها النسائي في المزارعة وفي كراء الأرض كثيرة جداً، قد مر في الدرس الماضي بعضها، ونأتي اليوم وبعده على جملةٍ كبيرة من هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت في الدرس الماضي أن كراء الأرض أو استئجار الأرض للزراعة أن فيه تفصيلاً فمنه ما هو سائغ، ومنه ما لا يسوغ، فالذي لا يسوغ منه هو الذي يكون فيه جهالة، كأن يشترط أحدهما أي: صاحب الأرض أو العامل فيها أن يكون له ناحية معينة، أو ما يكون على حافة السواقي التي يمر بها الماء، أو يقول: إن له كذا مما يخرج من الأرض والباقي يكون للثاني، أو يكون بينهما على نسبةٍ يتفقان عليها، المهم أن واحداً منهما يشترط لنفسه شيئاً معيناً يختص به دون صاحبه، كل هذا لا يسوغ ولا يجوز، أما إذا كان في شيءٍ معلوم كأن يستأجر الأرض بنقود يدفعها لصاحب الأرض ثم يزرعها، وما يحصل منها فإنه يكون له أي: للزارع فيها، وحق المالك هو ما دفعه إليه من الأجرة التي استأجر بها أرضه، سواءً كان نقوداً أو غير نقود؛ لأنه يكون دفع الأجرة ثم استلم الأرض وانتفع فيها، وكل ما أخرجت الأرض يختص به، أو يستأجرها على جزءٍ معلوم النسبة مما يخرج منها، بأن يكون النصف للعامل والنصف لمالك الأرض، أو يكون له الثلث أو الربع أو السدس أو الخمس أو أي نسبة يتفقان عليها؛ لأنه بذلك كلٌ يستفيد، إذا حصل فائدة استفاد الكل سواءً كانت قليلة أو كثيرة؛ لأنه لو حصل صاع فيكون الصاع بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، وإن كان بلغ ما بلغ من الكثرة فيكون على النسبة، فلا يستفيد واحد ويحرم الثاني، كل هذا سائغٌ وجائز ولا بأس به.
إذاً فكراء الأرض أو استئجار الأرض حكمه فيه تفصيل: منه ما هو سائغ ومنه ما لا يسوغ، وقد ذكرت الأمثلة لما هو سائغ.
ولما هو غير سائغ، الذي أورده النسائي أو أول الأحاديث التي أوردها النسائي من الأحاديث بعد الذي مر في الدرس الفائت حديث رافع بن خديج:(نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ لكم).
ثم قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً) يعني: أنهم كانوا ينتفعون من أراضيهم بتأجيرها على ما كانوا يفعلونه، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يستأجرون بأشياء مجهولة، وجاء في بعضها أنها بأشياء معلومة، والحكم هو أن ما كان مجهولاً فهذا لا يصح أبداً، وما كان معلوماً فهذا كان في أول الأمر، وكان فيه إرشاد إلى ما هو الأفضل، مثل التأجير بالثلث والربع، فإن هذا سائغ ولا بأس به؛ لأن هذا شيء معلوم النسبة، ولكنه إما أن يكون كان أولاً ثم نسخ، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو خير منه وإلى ما هو أفضل منه، وهو كون الإنسان يعطيها بالمجان، وهذا خير للإنسان من أن يؤجرها بثلث أو ربع أو بدراهم معينة، لا شك أن هذا خير، وعلى هذا فالنهي الذي جاء إما أن يكون المقصود به خلاف الأولى، وهذا فيما إذا كان شيئاً معلوماً ولكن أرشد إلى ما هو خيرٌ منه، أو يكون شيئاً يشتمل على جهالة وعلى غرر، فهذا لا يسوغ ولا يجوز أبداً.
وقد جاء مثل هذا التفصيل عن رافع بن خديج نفسه رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في صحيح مسلم وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام قال: إن الكراء بالذهب والفضة لا بأس به، إنما كان الناس يؤجرون على الماذيانات وأقبال الجداول، وما يسعدوا بالماء، فيحيا هذا ويهلك هذا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأعمال التي كانوا يعملونها، أما شيءٌ معلومٌ مضمونٌ فهذا لا بأس به، كأن يكون فيه نسبة أو أن يكون شيئاً معلوماً من الدراهم والدنانير أو غيرها يدفعها المستأجر لصاحب الأرض ثم يتصرف في الأرض وتكون فائدتها خالصةً له.
ولما قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، يعني: أنهم كانوا ينتفعون بهذا الكراء، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم، يعني: الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك الشيء الذي نهى عنه والصيرورة إلى ما أرشد إليه لا شك أنه خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا إلى ما هو خير، ولا يدل إلا على ما هو خير، فهو أنصح الناس للناس، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وهذا الكلام من رافع رضي الله عنه فيه بيان أن الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان لا بأس به إلا أنه إذا أرشد إلى ما هو أفضل فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم، أما إذا كان لا يسوغ ولا يجوز فلا شك أن تركه والابتعاد عنه ابتعادٌ عن محرم، والابتعاد عن المحرم فيه الخير الكثير وفيه الفائدة العظيمة للناس، (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان نافعاً لنا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم) يعني: فيما أرشد إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يكري عليه أو يعطيه الأجر) ولا شك أن هذا خير، وهذا مثل قول الله عز وجل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، يعني: أن الإنسان إذا عاقب بمثل ما عوقب به فهو سائغ، لكن خيرٌ من هذه العقوبة أن يعفو ويصفح ويصبر، وذلك خير، ومثل قول الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] يعني: كون الإنسان يتجاوز ويسامح المدين ويتنازل عنه هذا خير، ولكن الذي أمامه إذا لم يتسامح فليس له إلا الإنظار، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
(نهاكم عن الحقل، وقال: من كانت له أرضٌ فليمنحها أو ليدعها).
يعني: كون الناس يؤجرون أراضيهم وكونهم يكرون أراضيهم، وهذا أيضاً يقال له: المخابرة على أحد تفسيرات المخابرة؛ لأنها مأخوذة من الأرض الخبار وهي الرخوة التي تؤجر، وهذا إما أن يكون النهي عنه إرشاداً إلى ما هو الأولى، وإما أن يكون النهي كان أولاً ثم بعد ذلك نسخ ذلك النهي بإباحته بالشيء المعلوم الذي لا جهالة فيه.
قوله: (فليمنحها أو ليدعها) يعني: لا يؤجرها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأكمل، وإلى ما هو الأفضل، وليس بأمر محرم إذا كان بشيء معلوم، كما جاء ذلك مبيناً مفصلاً من حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم في صحيحه وذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وقال: إن هذا فيه تفسير لما أجمل في بعض الروايات المتفق عليها من النهي عن كراء الأرض، يعني: أن الذي أجمل المقصود به أن يكون شيئاً فيه جهالة، أما أن يكون شيئاً مضموناً معلوماً لا جهالة فيه ولا غرر فهذا لا بأس به، وتفسير الحقل هو بمعنى المخابرة الذي هو تأجير الأرض، وتأجير الأرض إذا كان بشيءٍ معلوم لا بأس به، وأما إذا كان بشيء مجهول فهو لا يجوز.
(ونهى عن المزابنة) وفسر المزابنة بأن الرجل يكون عنده نخل كثير فيه ثمر كثير، فيأتي إنسان وعنده أوسق من التمر ويعطيها إياه في مقابل ذلك الذي على رءوس النخل، وهذا لا يجوز؛ لأنه ربا، وذلك أنه إن كان في الحال وهذا سلمه الأوسق وهذا سلمه النخل ففيه ربا الفضل؛ لأن هذه الأوساق المعلومة يقابلها شيء مجهول الوزن، ومن المعلوم أن التمر بالتمر لا بد فيه من التماثل سواءً كان جيداً أو رديئاً، فلا يباع جيد برديء مفاضلاً، وإنما يبيع الرديء ويشتري جيداً، كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث، فبيع التمر بالتمر لا بد فيه من التماثل، ولا بد فيه من التقابض، لا بد من الأمرين: أن يسلم من ربا الفضل، وأن يسلم من ربا النسيئة، وربا الفضل أن يزيد بعضها على بعض، وربا النسيئة أن يكون واحد مقدماً وواحد مؤخراً.
وإن كان أعطاه التمر الأوساق ثم يسلمه فيما بعد الذي على رءوس النخل فيكون فيه المحذوران: المحذور الذي هو عدم التماثل، والمحذور الثاني الذي هو عدم التقابض الذي هو ربا النسيئة، فهو على كل حال سواءً كان التقابض فيما بينهما في الحال بأن سلم هذا له التمر الأوساق، وهذا سلم له ما على رءوس النخل يجذه ويستفيد منه، فهذا فيه ربا الفضل وإن كان يجب التقابض، وإن كان دفع إليه الأوسق مقدماً ثم بعد ذلك يقبض منه النخل أو الذي على رءوس النخل فهذا يكون فيه المحذوران، النسيئة والفضل.
ومن المعلوم أنه لا بد من أن يعلم الشيئان اللذان حصل التبايع فيهما -وهو التمر بالتمر- بأن يكون معلوماً وأن يكون مثلاً بمثل، فلا تفاضل ولا نسيئة، هذا هو الواجب فيه، وإذا كان مجهولاً كالذي على رءوس النخل فإنه لا يعلم مقداره، فإذا بيع فالتساوي ليس متحققاً، ومن القواعد المشهورة: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل؛ لأنك لو بعت صبرة من تمر بصبرة من تمر بدون وزن وقد جهل مقدار كل منهما فهذا فيه علمٌ بالتساوي وأنهما غير متساويان فهو كالعلم بالتفاضل، كما لو قال: خمسين كيلو بستين كيلو فهذا معلوم التفاضل، لكن لو أعطيت صبرة مجهولة بصبرة مجهولة فذلك لا يجوز؛ لأن الجهل في التساوي كالعلم بعدمه، فالجهل بكون الشيئين متساويين كالعلم بتفاضلهما، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، صبرة مجهولة، بصبرة مجهولة العلم بعدم التساوي موجود، إذاً هو كالعلم بالتفاضل، كل ذلك لا يجوز، إلا كيلاً بكيل، ووزناً بوزن، لا يجوز الربوي بمثله إلا وزناً بوزن، ويداً بيد، وإذا كان الوزن معروف ولكن فيه تفاضل، فهذا هو التفاضل، وإذا كان الوزن غير معروف فإنه مجهول، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
إذاً: بيع أوساق من التمر معلومة الوزن بشيء على رءوس النخل مجهول، لا يجوز، وكذلك يقال في المحاقلة وهو أحد تفسيراتها؛ لأنها فسرت بأنها تباع بأجرةٍ مما يخرج منها، أو بجزء مما يخرج منها، وهذا يسمى المخابرة، وتفسر المحاقلة مثل المزابنة بأن يبيعه جملةً أو أوساقاً من الحب بالحب الذي في السنابل في الزرع، يعني مثل مسألة المزابنة تماماً، يعطيه أوساقاً من التمر بالذي على رءوس النخل، ويعطيه أوساقاً من الحب البر بالذي في السنابل على رءوس الزرع؛ لأن هذا مجهول وهذا مجهول؛ فهذا أيضاً يقال له: محاقلة وهو لا يجوز مثل المزابنة تماماً، المحاقلة بهذا التفسير غير جائزة، كما أن المزابنة بهذا التفسير غير جائزة، وأما إذا كانت المحاقلة استئجار الأرض بجزءٍ مما يخرج منها -الذي هو المخابرة- فإن هذا سائغ وجائز؛ لأن المنع إنما هو فيما فيه جهالة، أما إذا كان بشيء معلوم مضمون لا غرر فيه ولا جهالة، فهذا لا بأس به، كما جاء ذلك مفسراً مبيناً من رافع نفسه في صحيح مسلم، والذي أورده الحافظ في بلوغ المرام وقال: إن هذا فيه تفصيل لما أجمل في الأحاديث المتفق عليها في النهي عن كراء الأرض.
محمد بن المثنى هو الملقب بـالزمن أبو موسى العنزي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن محمد].
هو محمد بن جعفر، الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسيد بن ظهير].
أسيد بن ظهير صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن رافع بن خديج].
رافع بن خديج رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه جاء إلى قومه وقال: (نهاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان نافعاً لكم، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ لكم مما ينفعكم) وهذا الذي كانوا يفعلونه منه ما هو معلوم، ومنه ما هو مجهول كما أشرت إليه، وهنا قال: (نهى عن الحقل) والحقل هو المزارعة بالثلث والربع أو النصف أو غير ذلك، يعني بشيء معلوم بالنسبة مما يخرج من الأرض، وهذا كما هو معلوم كان نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه إرشاداً إلى ما هو الأولى، وليس لكونه محرماً؛ لأن ذلك سائغ وجائز ولا بأس به، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر؛ حيث أعطاهم أرض خيبر ونخلها على النصف مما يخرج منها من زرع أو ثمر، هذا الفعل واضح الدلالة على جواز ذلك، وكان ذلك أخيراً، فإما أن يكون الذي جاء من النهي في حديث رافع إما أنه إرشاد إلى ما هو الأولى، وأن الإنسان لا يعطي بالأجرة ويعطي بالمجان، لا شك أن هذا خير، أو أن هذا كان في أول الأمر من أجل الإرفاق بالناس، ولكنه بعد ذلك رخص لهم بأن يؤجروا بالنصف.
الحاصل: أن التأجير بالثلث أو الربع أو شيء معلوم النسبة لا بأس به، وما جاء في حديث رافع إما أن يكون المقصود منه الإشارة إلى ما هو الأفضل، ولا شك أن كون الإنسان يعطي بالمجان خير من كونه يؤجر بالثلث أو الربع، أو أنه كان في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ بمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع.
وعلى هذا فيتبين أن الذي جاء في الحديث الذي معنا من ذكر النهي عن الثلث أو الربع أن يكون المقصود منه نهي تنزيه، وأنه خلاف الأولى، وأن كون الإنسان يعطي بالمجان خير من أن يعطي بالثلث أو الربع، وهو مثل ما ذكرت من الأمثلة: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، وأن هذا خير وذاك خلاف الأولى، وإن كان سائغاً، أو أنه كان في أول الأمر ثم نسخ، ويوضحه ما جاء عن رافع نفسه، والذي ذكرته معزواً إلى صحيح مسلم، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أن النهي في الشيء الذي فيه جهالة، وأن الذي فيه شيءٌ معلوم مضمون فهذا لا بأس به.
يأتي الرجل إلى نخل كثير، يأتي بمال عظيم ويقول: خذه بكذا، يعني وسق من تمر ذلك العام، هذا إذا كان المقصود بالمال الذي يأتي به أنه تمر حاضر مقابل تمر يأتي من النخل، فهذا لا يجوز، وهو المزابنة المنهي عنها؛ لأن فيه كما ذكرت ربا النسيئة وربا الفضل، وإن كان المقصود به غير التمر، كأن يأتي بنقود ويعطيها إياه على أن يأخذ مقابلها أوساقاً معلومة من التمر، فكون الإنسان يقدم الثمن ويؤجل المثمن، هذا يقال له: سلم، تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، فكون إنسان يأتي لإنسان صاحب نخل محتاج، ثم يعطيه شيئاً من الريالات، على أنه يعطيه عندما يجذ التمر مقداراً معيناً يتفقان عليه، فهذا هو السلم الذي جاء في الأحاديث المتفق عليها جوازه، قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهم يسلفون السنة والسنتين فقال: (من أسلف -أي: أسلم- فليسلف بكيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) هذا يسمى السلم، وتعريفه تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، ضد بيع التقسيط، وبيع التقسيط: هو تعجيل المثمن الذي هو السلعة المبيعة، وتأجيل الثمن، والسلم -تعجيل الثمن وتأجيل المثمن- لا بأس به إن كان الذي دفع في مقابل أوسق التمر المعلومة من تمر ذلك العام إن كان دفع نقوداً قيمةً لها، لا بأس بذلك، وإن كان المقصود به أنه دفع أوساقاً معلومة في مقابل أوساق معلومة تماثلها، فهو ربا نسيئة، وإن كانت لا تماثلها فيكون ربا فضل وربا نسيئة، وكل ذلك لا يجوز.
محمد بن قدامة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي، وابن ماجه.
[عن جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج].
قد مر ذكر هؤلاء الأربعة.
أورد حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وقد ذكر فيه النهي عن أمر كان نافعاً، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم، والذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له أرض فليزرعها، فإن عجز فليزرعها أخاه).
يعني: يعطيها إياها بالمجان، ومن المعلوم أن هذا ما فيه نهي عن كراء الأرض، ولعل الأمر مثل ما قال رافع بن خديج في الحديث الذي أشرت إليه في مسلم، يعني كانوا يؤاجرون على أنواع فيها جهالة، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما شيء معلوم مضمون فلم ينه عنه، ولكنه أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وهو أنه يعطيه بالمجان، ولا شك أنه إن أعطاه بالمجان فهو خير من أن يعطيه بالأجرة، يعني ذاك سائغ إذا كان بأمر معلوم، وهذا خير منه وأفضل، وعلى هذا فيكون رافع بن خديج فهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى النهي من أن يتعاملوا هذه المعاملة، أو أنه جاء التصريح بالنهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه محمول على التنزيه فيما إذا كان في أمر معلوم، وعلى التحريم فيما إذا كان فيه جهالة.
هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عفان].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الواحد].
هو عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد الرحمن].
هو سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده
[عن مجاهد عن أسيد بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج ].
مجاهد عن أسيد بن رافع بن خديج مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
وهل هو أسيد بن رافع أو أسيد بن ظهير؟
على كل لا ندري إذا كان المقصود أسيد بن أخي رافع فهو ذاك الذي سبق أن مر، وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
وقد مر ذكرهم جميعاً.
أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وتحديث ابن رافع لـطاوس وقوله: إنه أبى ذلك، يعني لم يوافق على ذلك؛ لأن النهي عن كراء الأرض المقصود به فيما إذا كان هناك جهالة، أما إذا كان في شيءٍ معلوم فلا بأس به، وقال: إن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً، ويأتي فيما يأتي عن ابن عباس أن طاوساً نقل عنه قال: حدثني من هو أعلم منه أي: ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ من أن يؤاجره أو أن يعطيه بأجر) فيكون معنى هذا أن الذي فهمه طاوس عن ابن عباس أنه لم يكن هناك نهي من رسول الله عن كراء الأرض، وإنما نهي عن شيء معين وهو الذي فيه جهالة، أما أن يكون منع من كراء الأرض مطلقاً، فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه)، ولا شك أن كون الإنسان يمنح أخاه خير من أنه يؤجره، وإن كان التأجير يجوز في بعض الصور ويمنع في بعض الصور، يجوز في بعض الصور التي فيها علم وضمان حق، ولا يجوز في بعض الصور التي فيها جهالة، كما سبق أن أشرت إليه من قبل، يعني: أتى بالدليل الذي يدل عليه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: (لأن يمنح أحدكم أخاه يكون خيراً له).
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
عبيد الله ابن عمرو هو الرقي، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم].
هو عبد الكريم بن مالك الجزري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن ابن رافع بن خديج].
مجاهد عن ابن رافع بن خديج، الذي هو أسيد بن رافع، هذا الذي قال عنه ابن حجر في ترجمته: أخرجه النسائي وحده.
وهو مقبول، لكن قوله: اذهب إلى ابن رافع، فيه إشعار بأنه روى عن أبيه.
أورد النسائي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أمرٍ كان لهم نافعاً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين) يعني: أنه مقبول، (على الرأس والعين) يعني: نقبله ولا نتردد فيه.
(نهانا أن نتقبل الأرض ببعض خرجها) يعني: إذا كان المقصود به جزء معلوم النسبة، فيكون النهي عنه على خلاف الأولى، وإن كان بشيء معلوم معين كأن يقول مثلاً: لي من الزرع ألف صاع والباقي لك، أو يقول: لي ما تنبته الأرض المعينة أو القطعة المعينة، فذلك لا يجوز؛ لأن فيه جهالة؛ لأنه قد لا يحصل من الأرض إلا الألف صاع التي حازها أحدهما، أو ما ينبت إلا ما في هذه القطعة، فيكون عمل الآخر يذهب سدى، لكن إذا كان معلوم النسبة.. إن كان صاعاً واحداً فهو بينهما على النسبة، وإن كان بلغ ما بلغ فهو بينهما على النسبة؛ لأن هذا شيء معلوم، وذاك مجهول، فقوله: (ببعض خرجها) فإن كان المقصود منه يعني النهي عن الثلث والربع، فهذا يمكن أن يكون مثل ما كان في أول الأمر، أو أنه إرشاد إلى ما هو الأولى وليس تحريماً، والنهي للتنزيه، يعني: نهى عنه نهي تنزيه.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عوانة].
هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حصين].
أبو حصين هو عثمان بن عاصم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن رافع بن خديج].
مجاهد عن رافع بن خديج قد مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وفيه أن رافعاً فهم من كون النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: (لو منحها إياه لكان خيراً له) فهم منه النهي، والواقع أنه لا نهي، بل إرشاد إلى ما هو الأولى، ولو كان هناك نهي فهو نهي تنزيه وإرشاد إلى ما هو الأكمل والأفضل.. بلا شك أن الإنسان يؤجر بأمر معلوم جائز، وإن أعطاه بدون مقابل فهو أحسن وأفضل، وعلى هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ كان يعلم أنه محتاج، فقال: (لمن هذه الأرض؟ قال: لفلان أعطانيها بالأجر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو منحه إياها لكان خيراً له) يعني: لو أعطاه بالمجان كان خيراً، لا شك لو أعطاه بالمجان لكان خيراً، لكن إذا كان الأجر معلوماً فهو جائز، وإذا كان مجهولاً فهو لا يجوز.
أحمد بن سليمان هو الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن موسى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن مهاجر].
إبراهيم بن مهاجر صدوقٌ لين الحفظ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن مجاهد عن رافع بن خديج].
مجاهد عن رافع بن خديج مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وهو قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحقل)، ولم يفسر الحقل، وقد فسر في بعض الروايات بأنه تأجير الأرض ببعض ما يخرج منها، وقلنا: إن هذا إذا كان مجهولاً فهذا غير جائز، وأما إذا كان بجزء معلوم النسبة فإن ذلك سائغ وجائز، وهذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر، فإذاً: إذا كان المقصود بالحقل هو تأجيرها بجزء مما يخرج منها، فهذا فيه تفصيل:
إن كان المقصود بجزء مجهول أو معلوم يؤدي إلى الغرر فذلك لا يجوز، وإن كان بشيء معلوم النسبة.. ثلث أو ربع أو نصف فلا بأس، وهو الذي دل عليه حديث خيبر.
ويفسر الحقل أيضاً بمثل ما تفسر به المزابنة، إلا أن المزابنة شراء التمر على رءوس النخل بأوسق معلومة من التمر، والمحاقلة شراء الحب في الزرع بحب أو بأوساق معلومة، كل ذلك لا يجوز؛ لأن فيه الربا.
محمد بن المثنى مر ذكره، ومحمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كـمحمد بن المثنى.
محمد هو ابن جعفر، وقد مر ذكره، عن شعبة وقد مر ذكره.
[عن الحكم].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث رافع بن خديج من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، يعني خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهاهم عن أمر كان نافعاً لهم، وقال: (من كان له أرض فليزرعها أو ليمنحها) إما أن يزرعها هو، أو يمنحها لغيره، ولا يؤاجرها، وهذا على الأولى كما عرفنا، أما إذا كان بالتأجير ففيه تفصيل: منه سائغ، ومنه ما لا يسوغ، وقد أشرت إلى ذلك من قبل.
هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخٌ لأصحاب الكتب الستة.
[عن خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شعبة مر ذكره، وعبد الملك هو ابن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث رافع رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ونهاهم عن أمرٍ كان نافعاً لهم، وقال: (من كان له أرضٌ فليزرعها، أو ليمنحها، أو ليذرها) يعني: يتركها دون أن يتصرف فيها، وهذا إرشاد إلى ما هو الأولى والأفضل والأكمل، وأما التأجير فكما أشرت فيه تفصيل منه ما هو سائغ، ومنه ما لا يسوغ.
عبد الرحمن بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قد مر ذكرهما.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و طاوس].
هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و مجاهد عن رافع بن خديج].
مجاهد عن رافع، يعني ثلاثة يروونه عن رافع بن خديج، والروايات السابقة مجاهد يروي عن رافع بن خديج، ثم ذكر أن هذا الحديث لم يسمعه طاوس من رافع بن خديج، ثم ذكر بعد ذلك الرواية التي تدل على أنه لم يسمعه منه.
ذكر النسائي الحديث الذي فيه أن طاوساً لم يسمع من رافع هذا الحديث، وأتى بالدليل على ذلك.
كان طاوس يكره تأجير أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بأساً بالتأجير بالثلث والربع، وكلٌ منهما جائز كما عرفنا ذلك من قبل؛ لأن التأجير بالذهب والفضة تأجيرٌ بشيءٍ معلوم يدفعه المستأجر، يدفع مثلاً ألف ريال أجرة لهذه الأرض، ثم يتصرف بهذه الأرض بالزرع أو غيره.. لا بأس في ذلك، وهذا الذي كان كرهه طاوس، ولا يرى بأساً بالنصف والثلث، كونه بنصف ما يخرج منها، أو بثلث ما يخرج منها.
رافع بن خديج جاء في بعض الروايات عنه النهي عن الكراء بالثلث والربع، فقال مجاهد لـطاوس: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فيحدثك عن أبيه، يريده أن يسمع منه ما جاء من النهي عن الثلث والربع، فقال: (إني والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه ما فعلته).
يقول طاوس: والله لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه -يعني عن الثلث والربع، وأنه منعه وحرمه- ما فعلته، ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس، يعني أعلم من رافع.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له) يعني: ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو الأكمل، وما ذكر النهي، وعلى هذا فالتأجير بالثلث والربع جائز، وخيرٌ منه أن يعطى بالمجان.
هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن زكريا بن عدي].
زكريا بن عدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فأخرج له في المراسيل.
[عن حماد بن زيد].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
هو عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس رضي الله تعالى عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر