إسلام ويب

سورة محمد - الآية [33]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، وطاعة الله تكون بامتثال أمره وتعظيمه بفعل ما افترض واجتناب ما نهى، وطاعة رسوله تكون بمحبته وامتثال أمره واجتناب نهيه والتزام سنته، ثم حذر الله تعالى عباده من إبطال الأعمال وإحباطها بشيء مما يبطلها كالردة والرياء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    ومع النداء الثامن والستين في الآية الثالثة والثلاثين من سورة القتال، وهو قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].

    سبب نزول الآية

    معاني مفردات الآية

    قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ[محمد:33] أطيعوا الله بامتثال أمره وتعظيمه جل جلاله بفعل ما افترض عليكم واجتناب ما نهاكم عنه.

    قوله تعالى: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد:33] أي: بامتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه من أحكام الدين، والتزامكم بالسنن.

    قال الماوردي رحمه الله: فيه وجهان:

    أحدهما: أطيعوا الله بتوحيده، وأطيعوا الرسول بتصديقه.

    الثاني: أطيعوا الله في حرمة الرسول وأطيعوا الرسول في تعظيم الله.

    قوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] قال عطاء بن أبي رباح : لا تبطلوا أعمالكم بالشك والنفاق.

    وقال الكلبي : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والسمعة. وقال الحسن : لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي والكبائر.

    والإبطال هو جعل الشيء باطلاً، أو أن يتحول الشيء إلى باطل لا فائدة منه.

    روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولاً. يعني: الصحابة كانوا يرون أن الواحد منهم مهما فعل من حسنة فهي مقبولة، فنزل: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقيل: الكبائر الموجبات والفواحش؛ حتى نزل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فكففنا عن القول في ذلك، وكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها.

    يعني: في أول الأمر كان الصحابة يظنون أن الكبائر مبطلة للحسنات، حتى نزل قول ربنا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    مناسبة الآية لما قبلها

    جاءت هذه الآية مقابلة للآية التي قبلها:

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32]، وجه الخطاب إلى المؤمنين بالأمر بطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتجنب ما يبطل الأعمال الصالحة اعتباراً بما حكي من حال المشركين من الصد عن سبيل الله ومشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فطاعة الله مقابل الصد عن سبيل الله، وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام مقابل مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، والنهي عن إبطال الأعمال مقابل بطلان أعمال الذين كفروا.

    إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمر الله بها هي امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه من أحكام الدين، أما ما ليس داخلاً تحت التشريع فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ليست واجبة؛ لكنها من باب الانتصاح والأدب.

    أي: أن الأمور الجبلية التي كان يفعلها صلى الله عليه وسلم ككونه يحب من الشراب البارد الحلو، وكونه يكره من الطعام لحم الضب أو ما كان فيه ثوم أو بصل فإن هذا من باب الانتصاح والتأدب لا من باب الوجوب.

    التحذير من إبطال الأعمال

    هذه الآية حذرت من إبطال العمل، وإبطال العمل يكون بأمور:

    منها: الردة قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217].

    ومنها: الرياء، وهو محبط للعمل؛ لأن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه. قال قتادة رحمه الله: من استطاع منكم ألا يبطل عملاً صالحاً بعمل سيئ فليفعل، ولا قوة إلا بالله فإن الخير ينسخ الشر وإن الشر ينسخ الخير وإن ملاك الأعمال خواتيمها.

    1.   

    فوائد من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم)

    في الآية فوائد:

    منها: وجوب طاعة الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه وتعظيم شرعه.

    ومنها: وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل بسنته وتصديق أخباره.

    ومنها: أن العمل الصالح قد يبطل بما يقارنه من عجب أو رياء؛ ولذلك حكى ربنا عن عباده الصالحين بأنهم: يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، خائفون، يعني: يصلون، ويصومون، ويتصدقون، ويذكرون الله ذكراً كثيراً ويسبحونه بكرة وأصيلاً ومع ذلك يخافون ألا يقبل منهم.

    ليس في الآية دليل على إحباط الطاعات بالكبائر خلافاً لما قاله المعتزلة.

    واستدل بهذه الآية بعض الفقهاء على وجوب إتمام العمل ومنهم المالكية، فإن المالكية يقولون: من شرع في صيام تطوع لا يجوز له أن يفطر اختياراً ولو أفطر فعليه القضاء عملاً بهذه الآية.

    فمن دخل في صلاة نافلة يجب عليه إتمامها، ومن دخل في حج تطوع يجب عليه إتمامه.

    أسأل الله أن ينفعني وإياكم، وصلى الله على سيدنا محمد. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756037013