أما بعد:
فإننا في هذا اليوم الخميس، الأول من شهر صفر، أو الثلاثين من شهر محرم، نفتتح هذه الجلسة كالعادة نبدأ هذه الجلسة بالحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
ورأيت أن نستفتح جلساتنا بشيءٍ من تفسير القرآن الكريم، وليكن ذلك من سورة النبأ؛ لأن هذه السورة كثيراً ما تقرأ في صلاة المغرب والعشاء، فنبدأ أولاً بسورة النبأ.
ثم أجاب الله عز وجل عن هذا السؤال فقال: عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ:2-3] وهذا النبأ هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البينات والهدى، ولا سيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، وقد اختلف الناس في هذا النبأ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: فمنهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر به وكذب، فبين الله أن هؤلاء الذين كذبوا سيعلمون ما كذبوا به علم اليقين، وذلك إذا رأوا القيامة: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53]، ولهذا قال هنا: كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ [النبأ:4-5] والجملة الثانية توكيد للأولى من حيث المعنى، وإن كانت ليست توكيداً باعتبار اصطلاح النحويين أنه فصل بينها وبين التي قبلها بحرف العطف، والتوكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده بشيء من الحروف، والمراد بالعلم الذي توعدهم الله به هو علم اليقين الذي يشاهدونه على حسب ما أخبروا به.
فالأرض جعلها الله تعالى مهاداً ممهدة للخلق ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلا بصعوبة، وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم وحسب ما ينتفعون به، أما الجبال فجعلها الله تعالى أوتاداً بمنزلة الوتد للخيمة، حيث يثبتها فتثبت به، وهو أيضاً ثابت كما قال تعالى: وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا [فصلت:10].
وهذه الأوتاد قال علماء الأرض: إن هذه الجبال لها جذور راسخة في الأرض كما يرسخ جذر الوتد بالجدار، ولذلك تجدها صلبة قوية لا تزعزعها الرياح، وهذا من تمام قدرته ونعمته: وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً [النبأ:8] أي: أصنافاً ما بين ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وأسود وأحمر، وشقي وسعيد، إلى غير ذلك مما يختلف الناس فيه، فهم أزواج مختلفون على حسب ما أراده الله عز وجل، واقتضته الحكمة ليعتبر الناس بقدرة الله تعالى، وأنه قادر على أن يجعل هؤلاء البشر الذين خلقوا من مادة واحدة أنواعاً وأصنافاً متنوعة متباينة.
ونسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجعلنا ممن قرأ وانتفع إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
.
الجواب: أما شأن الوالدين حيث أجبرا الولد على أن يذهب لهذا الرجل وهما يعتقدان أنه ليس بكاهن فلا إثم عليهما، ولكن الواجب أنه لما تبين لهم أنه كاهن الواجب على الرجل وعلى والديه -أيضاً- ألا يرجعا إلى هذا الكاهن بل يكذبانه؛ لأن: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
الجواب: يقول الإمام أحمد رحمه الله: إن النفاس لا يثبت إلا إذا وضعت مضغة لم تخلق، فالدم دم فساد لا يمنعها من صلاة ولا غيرها ولا تنقضي به العدة إلا إذا وضعت ما تبين به خلق إنسان.
الجواب: الصحيح أن البسملة إذا قرأ الإنسان من أثناء السورة لا تستحب؛ لأن الله قال في كتابه: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] ولم يأمر بسوى ذلك، فما دامت المسألة فيها نص خاص بأن المطلوب ممن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن هذا يخصص العام وهو قوله: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) .
الجواب: قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، فإذا كان عندنا مسجل يصدر منه صوت القارئ ونحن نتحدث؛ فإما أن نغلق هذا المسجل، وإما أن نستمع إليه، أما أن نبقى في لغونا وكلامنا وكأننا لا نسمع إلا أصوات بشر فإن هذا خلاف الأدب مع القرآن، فهنا أقول: إما أن تغلق المسجل، وإما أن تستمع.
الجواب: الصحيح أن قراءة القرآن بالتجويد ليست واجبة، وأن التجويد ليس إلا لتحسين القراءة فقط، فإذا قرأ الإنسان قراءة أوضح فيها الحرف وجعله محركاً بما هو محركٌ به فإن هذا كافٍ، فأما قوله: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4] فليس معناها جوّده، بل المعنى اقرأه على مهل.
الجواب: هؤلاء المبتدعة يقولون: إن الله تعالى لا يثبت له صفات ثبوتية، إنما يثبت له صفات إضافية أو سلبية أو مركبة منهما، فالصفات الإضافية إذا قلنا أنه خالق، فليس معناه: أنه اتصف بالخلق، ولكن معناه: أن له مخلوقاً، فوصفه بالخلق من باب الإضافة فقط.
أما السلبية فيقولون: إننا لا نثبت لله شيئاً هو ثبوتي، فلا نثبت له سبحانه عِلْماً، ولكن نقول: إن الله ليس بجاهل، ولا نقول: إن الله سميع بل نقول: إنه ليس بأصم، وهكذا، فيحولون الصفات الثبوتية إلى صفات سلبية، وهذا معنى قولهم: إنهم لا يثبتون إلا صفات إضافية أو سلبية أو مركبة منهما يجعلونها إضافية سلبية، نسأل الله العافية.
الصفات السلبية الإضافية يقول مثلاً: إن الله خالق، يعني: ليس بعاجز عن الخلق، وهو خالق له مخلوق، فيجعلونها سلبية إضافية.
الجواب: لعلَّ هذا قسم، كالذي يقول: (والله! والنعم)، أو (والله! والخير)، فهذا قسم ليس فيه تنقص لله عز وجل، لكن فيها تنقص لأخيه المسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).
الجواب: يقول العلماء: السقط إذا كان قد تبين فيه خلق إنسان فإنه تنتهي به العدة، ويكون الدم فيه دم نفاس، وأما إذا لم يتبين فيه خلق إنسان فلا عبرة به، لا تنقضي به العدة، وليس الدم الذي حصل على المرأة دم نفاس.
ولو تعمدت المرأة سقطه لا يحل لها أن تتعمد إسقاطه بعد أن تبين فيه خلق الإنسان، الإسقاط إذا كان في الأربعين الأول على رأي بعض العلماء، فإن بعض العلماء يرى أنه لا يجوز حتى في الأربعين الأولى، وأما بعد أن تبين فيه خلق الإنسان فلا يجوز لها إسقاطه، اللهم إلا لو تبين أن هذا الجنين فيه آفة كتشويهٍ لا يحتمل، ورأى الأطباء أن يُنزل، فلا بأس.
الجواب: في مسند الإمام أحمد : (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده خالفوا اليهود) ومخالفة اليهود تكون إما بصوم اليوم التاسع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: مع العاشر، وتكون بصوم يوم بعده؛ لأن اليهود كانوا يفردون اليوم العاشر فتحصل مخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعده، وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن صيام عاشوراء أربعة أنواع:
- إما أن يصوم اليوم العاشر وحده.
- أو مع التاسع.
- أو مع العاشر.
- أو يصوم الثلاثة، وصوم الثلاثة يكون فيه فائدة أيضاً وهي الحصول على صيام ثلاثة أيام من الشهر.
الجواب: ليس من أسماء الله النافع الضار، بل هما من صفات الله عز وجل فهو الذي بيده النفع وبيده الضر، وليس الضار من الصفة التي تقال وحدها، بل يقال: النافع الضار معاً، فإن قيل: النافع فقط فلا بأس، لكن النافع الضار فيه أن الله عز وجل بيده الأمر كله من نفعٍ وضر، وعلى كل حال فهما ليسا من أسماء الله، وإنما مما يوصف الله بهما فقط، والحديث الوارد في عدهما من أسماء الله ضعيف.
الجواب: كل مال يدخل على الإنسان بطريق محرم ثم يتوب منه فإنه يصرفه بما يقرب إلى الله من بناء المساجد والصدقة على الفقراء وغير ذلك، المهم أن يخرجه من ملكه تخلصاً منه على أي وجه من وجوه الخير، حتى في بناء المساجد، حتى في الصدقات على الفقراء.
الجواب: فعلها هذا محرم، ولا يحل لها أن تحل من عمرتها، والواجب عليها الآن أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتقصر، وما فعلته من محظورات الإحرام فإنه لا شيء عليها فيه؛ لأنها جاهلة، وعليك أن تنصحها في ألا تتسرع في شيء من العبادات إلا بعد سؤال أهل العلم.
الجواب: الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة ، وهم مخالفون لـأهل السنة والجماعة في باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من صفات الله إلا سبع صفات، ومع هذا لا يثبتونها على الوجه الذي أثبتها عليه أهل السنة ، فلا ينبغي أن نقول هم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفي عنهم كونهم من أهل السنة على الإطلاق، بل نقول: هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة ، وهم مخالفون لـأهل السنة فيما خالفوا فيه أهل السنة ، فالتفصيل هو الذي يكون به الحق، وقد قال الله تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152]، فإخراجهم من أهل السنة مطلقاً ليس من العدل، وإدخالهم في أهل السنة بالإطلاق ليس من العدل أيضاً، والواجب أن يعطى كل ذي حقٍ حقه.
الجواب: هذه الوصية تجوز بشرط: إجازة الورثة لها، فإذا أجازها الورثة وهو أخوها العاصب، إذا أجاز أخوها هذه الوصية فلا بأس، وإن لم يجزها فله أن يمنع ما زاد على الثلث؛ لأن الوصية لا تجوز بزائد عن الثلث إلا بإجازة الورثة.
الجواب: الذبح لله عند القبر بدعة؛ لأنه في الحقيقة ذريعة إلى الشرك الأكبر؛ لأن من رآك تذبح عند القبر فإنه لا يظن إلا أنك تذبح لصاحب القبر، ويكون شركاً أكبر إذا نوى به التقرب إلى صاحب القبر، وتعظيم صاحب القبر؛ لأن ذبحه على سبيل التعظيم والتقرب لا يجوز إلا لله فهو من العبادات، فإذا صرفه إلى القبر فقد صرف شيئاً من أنواع العبادة لله فيكون بذلك مشركاً.
الجواب: نوفق بينهما: بأن النفي في قوله: (لا عدوى ولا طيرة) نفي لما يعتقده أهل الجاهلية أن العدوى مؤثرة بنفسها دون تقدير الله عز وجل، وأما الأمر بالفرار من الأسد فهو أمر بالفرار مما يخشى شره؛ لأن الجذام -نسأل الله العافية- من الأمراض المعدية السريعة العدوى، فالأمر بالفرار منه أمر بالأسباب الواقية كما نقول مثلاً: اتق النار بالبعد عنها، مع أن قربك من النار وبعدك عنها كله بقضاء الله وقدره، فيكون النفي مُنْصباً على ما كان معهوداً أو معتقداً عندهم في الجاهلية من أن العدوى مؤثرة بنفسها، ولهذا لما أُورد عند النبي عليه الصلاة والسلام إيرادٌ بأن الرجل تكون إبله صحيحة ليس فيها شيءٌ من الجرب فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فهذه عدوى، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟) يعني: أن إصابتها بالعدوى بتقدير الله عز وجل، كما أن وجود الجرب في الأول من الله عز وجل.
الجواب: كتاب في ظلال القرآن تفسير أدبي، وصاحبه يميل إلى الأساليب الأدبية، وفيه شيء من العلوم المتأخرة، وفيه علوم نافعة أيضاً، لكن فيه أخطاء كثيرة، وقد نبه عليها الشيخ عبد الله الدويش رحمة الله عليه، وألف في هذا كتاباً نبه على هذه الأخطاء التي فيه، فيحسن لك أن تراجعه.
الجواب: الواجب على كل من له قدرة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لكن بشروط:
الشرط الأول: أن يعلم أن هذا منكر أو ليس بمنكر.
لأن بعض الناس يظن الشيء منكراً وليس بمنكر شرعاً، فلا بد أن يكون عنده علم بأن هذا منكر، أما مجرد أن يكون ذوقه ينفر منه ويرى أنه منكر، فهذا لا يجوز أن ينكر؛ لأن الذوق ليس مقياساً شرعياً وليس هو الدليل الشرعي، لكن إذا علم أن هذا منكر فإنه ينهى عنه.
الشرط الثاني: أن يعلم أن فاعل هذا المنكر واقعٌ في المنكر.
فإنه قد يكون الفاعل فعله على وجه ليس بمنكر في حقه، ولهذا لما دخل الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وجلس لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم الجلوس وإنما سأله أولاً: (هل صليت؟ قال لا. قال: قم فصلِّ ركعتين).
فلو رأينا رجلاً ممسكاً بيد امرأة في السوق فلا يجوز أن ننكر عليه؛ لأنه من الجائز أن تكون المرأة من محارمه؛ أو زوجة له، أو أختاً له، أو ما أشبه ذلك، فلا بد من هذين الأمرين:
الأمر الأول: أن يعلم أن هذا منكر في حكم الله.
والمعنى الثاني: أن يعلم أن هذا الرجل متلبس به.
فإن كان لا يعلم هذين الأمرين لا يحل له أن يتكلم.
الجواب: هذا له توجيه عند بعض أهل العلم: أنه يجوز المسح على النعلين إذا كانت تستر أكثر القدم.
وبعضهم يقول: إن القدم إما أن تكون مستورة بالخف والجورب فتمسح، أو غير مستورة بشيء فتغسل، أو مستورة بالنعل فترش رشاً بين الغسل والمسح، وحملوا الحديث الوارد في المسح على النعلين على هذا وقالوا: إن المراد أنه رشها، ثم مر بيده عليها. وعلى كل حال فالاحتياط للمرء ألا يقدُم على شيء إلا وهو يعلم أن السنة جاءت به، أو يغلب على ظنه أن السنة جاءت به، وأما ما ورد عن الصحابة مما يخالف ظاهر السنة فإنه لا يؤخذ به بل يعتذر عنهم ولا يحتج بفعلهم.
الجواب: قال أهل العلم رحمهم الله: كل من دخل في نفلٍ فله أن يقطعه؛ لأنه نفل، والاستمرار فيه نفل لكنه يكره أن يقطعه لغير غرض صحيح، واستدلوا لذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع صومه حين دخل على أهله ووجد عندهم طعاماً فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل).
واستدلوا أيضاً: بأن النفل زيادة، إن جاء بها الإنسان فهو أكمل، وإن لم يأت بها فلا حرج عليه، إلا أنه يستثنى من ذلك الحج والعمرة، فإن الشروع في نفلهما مُلزم، ولهذا سمى الله تعالى ذلك نذراً وقال: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج:29] وقال تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] قال ذلك قبل أن يفرض الحج والعمرة، ولكن كما قلت لك: لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرضٍ صحيح.
الجواب: الصحيح أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ودليل آخر: حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي ...) وذكر تمام الحديث، ولو كانت البسملة من الفاتحة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه ثبت بالاتفاق أن الفاتحة سبع آيات، وإذا قسمناها على الوجه الذي أتى القرآن الكريم عليه تبين أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأننا إذا جعلناها سبع آيات، والبسملة منها صارت الآية الأخيرة منها طويلة لا تتناسب مع الآيات الأخرى، ولأن قوله تعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) يقتضي أن تكون أول الآيات الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]؛ لأن: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] لله، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] لله، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] بين الله وبين العبد، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] للعبد، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ للعبد غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] للعبد، فتكون ثلاث آيات من أول السورة لله، وثلاث آيات في آخر السورة للعبد، والآية الرابعة وهي الوسطى بين الله وبين العبد.
الجواب: لا يكفر بهذا كفراً مخرجاً من الملة، وإنما يكون عاصياً، جائراً في الحكم، وعليه إثم العصاة والجائرين في الحكم، ولا يخرج عن الإسلام.
وأما من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم غير الله كحكم الله، أو أحسن منه، فهذا هو الذي يكفر.
ولهذا نرى أن الذين يضعون قوانين تخالف الشريعة ليحكم فيها بين عباد الله وفي عباد الله، نرى أنهم على خطر عظيم، سواء حكموا أو لم يحكموا، ونرى فرقاً بين شخص يضع قانوناً يخالف الشريعة ليحكم الناس به، وشخصٍ آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله؛ لأن من وضع قانوناً ليسير الناس عليه، وهو يعلم مخالفته للشريعة، ولكنه أراد أن يكون الناس عليه؛ فهذا كافر، ولكن من حكم في مسألة معينة يعلم فيها حكم الله، ولكن لهوىً في نفسه؛ فهذا ظالم أو فاسق، وكفره إن وصف بالكفر، فكفر دون كفر.
الجواب: إذا كانت هذه التمثيليات لا تتضمن محرماً، فلا أرى فيها بأساً، ومعنى: لا تتضمن محرما،ً أي: ليس فيها تمثيل للرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا الأئمة، وليس فيها كذب، ولا قيام رجل بدور امرأة أو العكس، ولا تمثيل بالكفار وذوي الفسوق والنفاق.
وإنما هي ضرب مثل بالفعل فلا بأس بها، ولا يعد هذا من الأشياء المحرمة، فإن الإنسان لا يريد أن يتحدث بالشيء على أنه واقع، ولكن يريد أن يضرب مثلاً لصورة معينة، وكل الناس يعلمون أن هذا الرجل ليس هو الممثَّل به حتى نقول: إنه كذب، بل نعلم أنه فلان بن فلان وليس هو الرجل الذي طلَّق امرأته بغضب، أو ضرب أولاده ضرباً مبرحاً، أو ما أشبه ذلك.
الجواب: حكم هذا أن من قرأ الفاتحة ثم أعادها لا تكفيه إعادتها عن قراءة السورة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يقرأ ما تيسر معه من القرآن، ولكن كيف يقرأ هذا؟! نرجع إلى السنة، وإلا لكان للقائل أن يقول: يكفي أن يقرأ آية أو آيتين من كتاب الله بدون الفاتحة، أو يقول: يمكن أن يقرأ السورة قبل الفاتحة، فنحن نرجع في هذا إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عنه أبداً لا بسند صحيح ولا ضعيف أنه كرر الفاتحة، غاية ما هنالك أنه كرر سورة الزلزلة أي: قرأها في الركعة الثانية، وشك الراوي نفسه: هل أعادها نسياناً، أو استناناً؟
الجواب: إذا كان كفراً بواحاً عنده فيه من الله برهان، وقدر أن يقتل هذا الذي فعل هذا الكفر البواح الذي عنده فيه من الله برهان، فلا بأس، يقتله بما يستطيع، لكن أن ينازعه ويأتي علناً بدون أن تكون عنده قدرة، فهذا لا يجوز.
ثم إن الاغتيال -أيضاً- يجب أن يقيد بما إذا كان خلفه لا يكون مثله أو أشد منه؛ فيحصل بقتله مفاسد أكبر من إبقائه ولا تحصل الفائدة، ومثل هذه المسائل دقيقة يجب أن نعتبر بما سبق وبما لحق من حصول الفتن والشر والتنازع في هذه الإجراءات.
الجواب: البيعة التي تكون في بعض الجماعات بيعة منكرة شاذة؛ لأنها تتضمن أن الإنسان يجعل لنفسه إمامين وسلطانين؛ الإمام الأعظم الذي هو على جميع البلاد، والإمام الذي بايعه، وتفضي إلى شر بالخروج على الأئمة الذي يحصل به من سفك الدماء، وإتلاف الأموال، ما لا يعلمه إلا الله، وأما التأمير على الجماعة، فهذا قد جاءت به السنة فيما إذا سافر جماعة أن يؤمروا أحدهم.
الجواب: الواجب إذا كان هناك زحام أن يأتي الإنسان بالركوع؛ لأن الركوع يسهل، أما السجود فإنه ينتظر حتى يقوم الناس ثم يسجد، أو يجلس قاعداً ويومئ بالسجود، أو يسجد على ظهر إنسان على ما ذهب إليه بعض أهل العلم بأن يسجد على ظهر إنسان.
ولكن الذي أرى: أنه إما أن يسجد بالإيماء، وإما أن ينتظر حتى يقوم الإمام ثم يسجد بعدها، ولعلَّ السجود بالإيماء أحسن؛ من جهة أنه لا يتخلف عن الإمام، ويكون قد اتقى الله ما استطاع.
السائل: هل عليه إعادة الآن؟
الشيخ: إن أعاد فهو أحب إليّ.
الجواب: الظاهر -والله أعلم- أن هذا مما جرى به المثل عند العرب، واستمع إلى قول أبي بكر رضي الله عنه:
كلنا مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله |
وأن هذا مما يضرب به المثل، فساق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعروف عند العرب، والله أعلم.
الجواب: أحسن المختصرات فيما أرى: العقيدة الواسطية ؛ لأنها كلها مبنية على الكتاب والسنة، كلها آيات وأحاديث، والطحاوية لا بأس بها، لكنها فيها تكرار كثير، وفيها تفريق في الموضوع الواحد، تجده يتكلم -مثلاً- عن الإرادة في أول الكتاب وفي آخر الكتاب، فأرى أن يدرس الإنسان العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية قبل أي كتاب صنف في هذا الباب.
الجواب: أقول: لعلك تفهم أن في الأمة الإسلامية طائفتين متطرفتين: الخوارج والمرجئة ، فالخوارج يقولون: لا ينفع مع المعصية إيمان، ويكفرون كل فاعل كبيرة. والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ويجعلون كل صاحب معصية مؤمناً كامل الإيمان.
وهكذا في زمنك الآن فيه من جذبته المرجئة وتوسع في التساهل في الحكم على الناس، وفيهم من نزع نزعة الخوارج وصار يكفر في كل ذنب.
والواجب الاقتصار في التكفير على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأن الحكم بالتكفير من جملة الأحكام التي تُتلقى من عند الله، فكما أنه لا يحل لنا أن نقول: هذا واجب وهذا حرام إلا بدليل، فلا يجوز أن نقول: هذا كفر وهذا إيمان إلا بدليل، ثم إنا إذا قلنا: هذا كفر فلا نحكم عل كل فاعل أن يكون كافراً؛ لأنه قد يكون معذوراً، أو يشتبه عليه الحق، أو يكون مضطراً ارتكب هذا للضرورة، فنصبر حتى نتبين حال هذا المرء، فإذا تبين حاله وأن الرجل عنده علم، ولكنه تجرأ على ما يصل به إلى الكفر؛ كفَّرناه.
السائل: هل ينكر بعضنا على البعض الآخر؟
الشيخ: نعم، معلوم ننكر على المتطرف في هذا ونقول له: اتق الله في عباد الله، لا تكفر من لم يكفره الله عز وجل، وللآخر لا ترجئ من لم يرجئه الله، هذا الكتاب والسنة نمشي عليهما.
الجواب: أولاً الحديث الذي أشرت إليه حديث ضعيف مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مشهور عند أهل العلم -أي: مشهور عندهم: (أن كل قرض جر منفعة فهو ربا)- ووجهه: أن المقصود بالقرض الإحسان والإنفاق، فإذا انتفع المقرض من ورائه خرج عن مقصوده وصار مقصوداً به المعاوضة، فإذا قلت: إني أقرضك ألف ريال بشرط: أن ترده لي ألفاً ومائتين، فهذا ليس بإقراض.
وأما الجمعيات التي يفعلها بعض الناس يتفقون على أن يجعلوا من مرتباتهم شيئاً معيناً يعطى لشخص منهم وفي الشهر الثاني للثاني، وفي الشهر الثالث للثالث، وهكذا، فهذا جائز وليس من باب القرض الذي جر نفعاً؛ لأن المقرض لم يأته أكثر مما أقرض، سلم ألفاً وسيأتيه ألف فقط.
الجواب: الأفضل أن تكون قراءة الفاتحة للمأموم بعد قراءة الإمام لها؛ لأجل أن ينصت للقراءة المفروضة -الركن- لأنه لو قرأ الفاتحة والإمام يقرأ الفاتحة لم ينصت للركن، وصار إنصاته لما بعد الفاتحة وهو التطوع، فالأفضل أن ينصت لقراءة الفاتحة؛ لأن الاستماع إلى الركن أهم من الاستماع إلى السنة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى: أن الإمام إذا قال: (ولا الضالين) وأنت لم تتابع إلى ما تستمع له فلن تقول: ( آمين ) وحينئذٍ تخرج عن الجماعة، فالأفضل هو هذا.
أما السكتة بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتاً يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل، ولو كان الإمام يقرأ فهي سكتة يسيرة وليست طويلة.
الجواب: لا أرى أن تخرجوهم من المسجد، بل أرى أن تمكنوهم من المسجد ليصلوا، ولكن يجب عليكم أن تناصحوهم، وألا تيأسوا من هداية الله لهم؛ لأن الله عز وجل على كل شيءٍ قدير، وقد بلغني أنه -ولله الحمد- بدأ منهم أناس يتحررون من رقِّ مذهبهم ويلتحقون بمذهب أهل السنة والجماعة.
الجواب: هذا ليس من العقوق، إذا امتنعت عن فعل المحرم الذي يفعله والدك، لكن الواجب عليك أن تنصحه وتقول له: هذا حرام وكسبه حرام، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتد فالإثم عليه وأنت لك أجر بنصحه؛ لأن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، وإذا قال: اجلس في الدكان للبيع، فلا تبع الأشياء التي تستعمل في محرم، بع الأشياء التي غالباً ما يفعل الناس بها الشيء المباح، كالراديو والمسجلات، وأما الفيديو والتلفزيون فلا تبعه؛ لأن أكثر الذين يشترون هذه الأشياء يستعملونها في محرم.
الجواب: أما الإنشاد في مكبر صوت فهذا يجب منعه، يجب على ولاة الأمور أن يمنعوه، وعلى أهل القصور أن يمنعوه، وعلى أهل الزوج والزوجة أن يمنعوه؛ لما في ذلك من الضرر، والفتنة، والأذية للجيران.
وأما الصوت الآتي بدون مكبر فينظر، إذا خيفت الفتنة فإنه يجب إبعاد النساء عن الرجال، والغالب أن الفتنة لا تؤمن لا سيما في هذه الليلة التي هي ليلة زواج، فإن النفوس مهيأة للفتنة، فنرى أن يفصل النساء عن الرجال في محل بعيد حتى لا يسمعوا أصواتهن.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر