إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [28]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتحدث الله عز وجل في هذه الآيات عن الفجار، وأن مصيرهم يوم القيامة في نار جهنم بل في سجين وهو أسفلها، وكان هذا جزاؤهم، لأنهم كذبوا بذلك اليوم ووصفوه بأنه أساطير الأولين، فكان الجزاء من جنس العمل.

    1.   

    تفسير آيات من سورة المطففين

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    في هذا اليوم الخميس الحادي عشر من شهر المحرم عام (1414هـ) نفتتح اللقاء الثاني في هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله كاللقاءات السابقة.. لقاء خيرٍ وبركة وعلم نافع.

    وإننا رأينا أن يستمر هذا اللقاء على الرغم من أن هذا الأسبوع هو أسبوع امتحانات، وقد يشتغل فيه كل من المدرسين والطلبة، لكننا نحب أن الإنسان إذا عمل عملاً أثبته، كما هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه أنه إذا عمل عملاً أثبته واستمر فيه، إلا لوجود مانع شرعي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قَل).

    تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الفجار....)

    قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ [المطففين:7-8].(كلا) إذا وردت في القرآن لها معانٍ حسب السياق؛ قد تكون حرف ردع وزجر، وقد تكون بمعنى: حقاً، وقد يكون لها معانٍ أخرى يدل عليها السياق؛ لأن الكلمات في اللغة العربية ليس لها معنىً ذاتياً لا تتجاوزه، بل كثير من الكلمات العربية لها معانٍ تختلف بحسب سياق الكلام.

    في هذه الآية يقول تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ [المطففين:7-8] فتحتمل أن تكون بمعنى: حقاً إن كتاب الفجار لفي سجين، أو تكون بمعنى الردع عن التكذيب بيوم الدين، وعلى كل حال بيَّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كتاب الفجار لفي سجين، والسجين قال العلماء: إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق؛ أي: في مكان ضيق.

    وهذا المكان الضيق هو نار جهنم -والعياذ بالله- كما قال الله تبارك وتعالى: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان:13-14]، وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين) أي: الكافر في الأرض السابعة السفلى، فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار نعوذ بالله منها؛ فهذا الكتاب في سجين.

    ثم عظم الله عز وجل هذا السجين بقوله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ [المطففين:8] فالاستفهام هنا للتعظيم، أي: ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى بُين لك؟ والتعظيم قد يكون لعظمة الشيء رفعة، وقد يكون لعظمة الشيء نزولاً، وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه، ولكنه لسفوله ونزوله.

    ثم قال تعالى: كِتَابٌ مَرْقُومٌ [المطففين:9] (كتاب) لا يعود على سجين، وإنما يعود على كتاب في قوله: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ [المطففين:7] فما هذا الكتاب؟ قال: كِتَابٌ مَرْقُومٌ [المطففين:9] أي: مكتوب لا يزاد فيه ولا ينقص، ولا يبدل ولا يُغير، بل هذا مآلهم ومقرهم -والعياذ بالله- أبد الآبدين.

    تفسير قوله تعالى: (ويل يومئذٍ للمكذبين)

    وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المطففين:10] (ويلٌ) سبق الكلام عنها في أول هذه السورة، وقلنا: إنها كلمة وعيد؛ يتوعد الله بها من يستحق الوعيد، وهي كثيرة في القرآن الكريم، وقوله: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ[المطففين:11] والكلام كله من أول السورة إلى آخرها في يوم الدين والجزاء، وهؤلاء الذين يكذبون بيوم الدين توعدهم الله بالويل؛ لأن هؤلاء المكذبين بيوم الدين لا يمكن أن يستقيموا على شرع الله؛ لأنه لا يستقيم على شريعة الله إلا من آمن بيوم الدين؛ لأن من لم يؤمن به وإنما آمن في الحياة الدنيا فقط فهو لا يهتم بما وراءها، ولا يعمل لذلك، وإنما يبقى كالأنعام: يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ[محمد:12].

    ولهذا الله يقرن الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر دائماً؛ لأن الإيمان بالله ابتداء، والإيمان باليوم الآخر انتهاء، فتؤمن بالله ثم تعمل لليوم الآخر الذي هو المقر.

    فهؤلاء -والعياذ بالله- كذبوا بيوم الدين، ومن كذب به لا يمكن أن يعمل له أبداً؛ لأن العمل مبني على عقيدة، فإن لم تكن لك عقيدة فكيف تعمل؟! ولهذا قال: وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ[المطففين:12] أي: ما يكذب بيوم الدين وينكره إلا كل معتدٍ أثيم، أي معتدٍ في أفعاله أثيم في أقواله، وقيل: معتدٍ في أفعاله أثيم في كسبه، أي: أن مآله إلى الإثم، والمعنيان متقاربان، المهم أنه لا يمكن أن يكذّب بيوم الدين إلا رجل معتدٍ أثيم، آثم كاسب للآثام التي تؤدي به إلى نار جهنم.. نعوذ بالله.

    قال تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ[المطففين:13] (إذا تتلى عليه) يعني: إذا تلاها عليه أحد، وهو يدل على أن هذا الرجل لا يفكر أن يتلو آيات الله، ولكنها تتلى عليه، فإذا تليت عليه قال: (أساطير الأولين) أي: هذه أساطير الأولين.

    وأساطير: جمع أسطورة، وهي الكلام الذي يقال للتسلي، ولا حقيقة له ولا أصل، فيقول: هذا القرآن أساطير الأولين! لماذا لا ينتفع بالقرآن وهو أبلغ الكلام وأشده تأثيراً على القلب؟! حتى قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ق:37].

    ونكتفي بهذا القدر من الكلام على تفسير آيات هذه السورة.

    1.   

    الأسئلة

    .

    حكم تأخير المغرب والعشاء إلى بعد منتصف الليل يوم الإفاضة

    السؤال: فضيلة الشيخ: في الإفاضة إلى المزدلفة يأتي بعض الناس متأخرين جداً، وربما إلى قبيل منتصف الليل، فيصلون المغرب والعشاء، فهل صلاة المغرب هنا في وقتها أي: صار وقت العشاء وقتاً لصلاة المغرب؟

    الجواب: نعم. الذين يأتون من عرفة إلى مزدلفة ولا يصلون إلى مزدلفة إلا متأخرين يجمعون جمع تأخير، فإنه ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نزل في أثناء الطريق في مزدلفة فبال وتوضأ، وكان معه أسامة بن زيد فقال: يا رسول الله: الصلاة، قال: الصلاة أمامك ثم بقي إلى أن وصل إلى مزدلفة وصلى المغرب والعشاء جمع تأخير)، لكن لو فرضنا أنه خشي أن ينتصف الليل قبل أن يصل إلى مزدلفة ففي هذه الحال يجب أن يصلي، ولا يجوز أن يؤخر صلاة العشاء أو المغرب إلى ما بعد منتصف الليل.

    رد شبهة من رد السنة لوجود أحاديث ضعيفة وموضوعة فيها

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما هو الرد على من يقول: إن السنة ليست بحجة؛ وذلك لورود الأحاديث الضعيفة والمكذوبة، فلو كانت حجةٌ مثل القرآن لحفظها الله عز وجل؟

    الجواب: من قال: إن السنة ليست بحجة، وأراد بالسنة كل ما يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من صحيح وحسن وضعيف، فهذا له وجه، ويرد عليه من وجه آخر.

    فيقال له: إطلاقك أن السنة ليست بحجة خطأ فيجب التفصيل، فيقال: ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وليس بصحيح فإنه لا ينسب إليه أصلاً، ولا يصح أن نقول: هو من السنة أو ليس من السنة، بل ساقط من الأصل؛ فلا يصح إطلاق السنة عليه.

    وأما ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حجة بلا شك، ولو لم يكن حجة لبطلت أكثر الشريعة؛ لأن أكثر الشريعة ثبتت بالسنة. والسنة كما تعلم إما أن تكون ابتداءً، وإما تفسيراً للقرآن، وإما تفصيلاً لمجمله، وإما تقييداً لمطلقه، وإما تخصيصاً لعامه؛ فهي حجة بلا شك، وقد قال الله عز وجل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ [الجن:23] وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، والآيات في هذا كثيرة، فمن أنكر العمل بالسنة فقد أنكر العمل بالقرآن ولا شك؛ لأن القرآن دل على أن السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحت إليه هي من شرع الله، فعلى هذا القائل الذي أطلق هذا القول أن يصحح قوله وأن يقول: ما ينسب إلى الرسول فهو ينقسم إلى قسمين:

    1- قسم ليس بسنة فلا يكون حجة.

    2- وقسم هو سنة فيكون حجة.

    وأما قوله: لو كانت حجة لحفظها الله؛ لأنها من دين الله، فيقال: نعم. هذا صحيح، والله تعالى قد حفظها ولله الحمد، فقيض الله من هذه الأمة أئمة وعلماء يميزون الصحيح من الضعيف، كما يميز الطبيب المرض المهلك من غير المهلك، وكما يُميز الرجل السليم من غير السليم؛ فقد ميزوها ومحصوها وبينوا الصحيح من الضعيف، واستقامت السنة ولله الحمد؛ وما زالت مستقيمة، ومن الكتب ما اتفق العلماء على ما فيه، مثل: صحيح البخاري وصحيح مسلم ؛ فإن ما فيهما صحيح، حتى أطلق العلماء على أن ما فيهما يفيد العلم ليس الظن فقط؛ لأن الأمة تلقتهما بالقبول، ومُحال أن تتفق هذه الأمة الإسلامية على باطل.

    مفهوم هجر القرآن

    السؤال: فضيلة الشيخ: إذا استمر الإنسان في حفظ القرآن وترك القراءة بالنظر، هل يعتبر هاجراً للقرآن، وما هو مفهوم هجر القرآن؟

    الجواب: إذا منَّ الله على الإنسان بحفظ القرآن عن ظهر قلب واقتصر في قراءته على ذلك فإن هذا خير، وقد كان أكثر الصحابة رضي الله عنهم يعتمدون على الحفظ في الصدور؛ لأن كثيراً منهم كان لا يكتب، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه اعتمد في حفظ القرآن على حفظ القلب، فهو لا يكتب عليه الصلاة والسلام، ولا يقرأ من كتاب، ولهذا نقول: إن من حفظ القرآن عن ظهر قلب وصار لا يقرأ إلا عن ظهر قلب فإنه ليس بهاجر للقرآن، بل هو حافظ للقرآن ملازم له.

    وأما مفهوم هجر القرآن فهو نوعان:

    1- هجر لتلاوته.

    2- هجر للعمل به.

    والثاني أشد وأعظم؛ لأن الاستكبار عن العمل بما في القرآن قد يكون كفراً، أما هجر التلاوة فإنه لا يمكن لأي أحد من المسلمين أن يهجر تلاوة القرآن أبداً، حتى العجائز في بيوتهن لا يهجرن القرآن؛ لأنه ما من مسلم إلا ويقرأ الفاتحة وما تيسر من كتاب الله، وإذا قرأ الفاتحة -وهي أمُّ القرآن- وما تيسر فليس بهاجر للقرآن.

    وعلى هذا نقول: هجر القرآن نوعان: الأول: هجر تلاوته، وهذا لا يُتصور من أحد من المسلمين، اللهم إلا من نشأ في بلاد بعيدة وصار لا يعرف حتى الفاتحة، وإلا فسوف يقرأ في الصلاة الفاتحة وما تيسر.

    الثاني: هجر العمل به؛ وهذا هو الخطير، ولهذا قال الله تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30] أي: يقرءونه ولا يعملون به، وهذا هو الخطر الذي يخشى على الأمة منه، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج: (إنهم يقرءون القرآن ولا يتجاوز حناجرهم)؛ لأنهم لا يعملون به، وإن عملوا به ظاهراً لكن القلوب خراب منه.

    تحريم بخس الناس أشياءهم

    السؤال: فضيلة الشيخ: إن كثيراً من العمال الذين أتوا للخدمة في هذه البلاد يخالطوننا؛ يعملون معنا في المدارس والمساجد وكثيراً ما تُبخس حقوقهم، وقد تؤخر رواتبهم شهوراً كثيرة، حتى إن بعضهم أراد الحج في هذه السنة فأبى كفلاؤهم إلا أن يوقعوا على استلام رواتبهم لمدة عشرة أشهر أو يزيد، سؤالي هو: ماذا يجب علينا في إنكار هذا المنكر؟ وهل تبرأ ذممنا إذا أبلغنا المسئولين من قبل الحكومة عن ذلك؟

    الجواب: الواقع أن سؤال الأخ هذا سؤال مهم إذ يقع فيه من الكفلاء كثيرون، وما أكثر الشكاوي التي ترفع إلينا وإلى غيرنا في هذا الموضوع، والحقيقة أنها ظاهرة خطيرة يخشى معها أن نصاب بنقمة من الله عز وجل تعم الصالح والطالح؛ لأن بخس الناس حقوقهم أمر خطير، فقد أرسل الله تعالى رسولاً من أجل إزالة هذا البخس، وهو شعيب عليه السلام: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:85].

    وبخس الناس أشياءهم فساد في الأرض؛ فساد يعم الصالح والطالح، فيجب علينا جميعاً نحو هذه المشكلة أمور: نصيحة الكفيل وتخويفه من الله، وأن يقال له: استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه: (أن الله قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره).

    فنناصح هذا الكفيل ونخوفه بالله عز وجل، فإن اتعظ بوازع الإيمان وواعظ القرآن فهذا ما نريد، وهو أحسن من أن يتعظ بردع السلطان، فإن لم يرتدع وأصر على بخس هذا العامل الفقير حقه، فإنه يجب علينا أن نرفع الأمر للمسئولين وأن ندلي بشكايتنا وشهادتنا.

    لنا الحق أن نشكو هذا الكفيل الذي أضاع حق مكفوله؛ لأننا نخشى أن تعمنا عقوبة هذه المصائب، فنشكو ونشهد على أن هذا الكفيل أضاع حق هذا المسكين الذي ترك أهله ووطنه وأصحابه؛ ليعيش هو وأهله، ثم يأتي هذا الرجل الظالم فلا يوفيه حقه، وعلى الحكومة أن تردع مثل هذا الكفيل ردعاً زاجراً يزجره وأمثاله حتى لو باعت ممتلكاته لتُوفي هؤلاء الفقراء الذين أضاع حقوقهم؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني وجب أن يقوى الرادع السلطاني؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني تفلتت الأمور ولم تقض الحقوق.

    فنصيحتي لهؤلاء الكفلاء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يخشوا الله تبارك وتعالى، وأن يعطوا هؤلاء حقوقهم، وما ندري فلعل يوماً من الأيام يأتي ويكون هذا الكفيل مثل هؤلاء مكفولاً؛ فإن الناس في بلادنا هذه قبل عشرات السنين كانوا يذهبون إلى الشام والعراق والهند يطلبون لقمة العيش؛ لأنهم فقراء، ولولا أن الله منَّ علينا بمنابع هذا البترول لكنا أسوأ حالاً منهم، فليتقوا الله عز وجل، وليعطوا هؤلاء حقوقهم قبل أن يموتوا؛ فتؤخذ حقوق هؤلاء من حسناتهم، فإن بقي من حسنات الكفلاء وإلا أخذ من سيئات المكفولين وطُرح عليهم ثم طُرحوا في النار والعياذ بالله، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

    كما أني أنصح إخواني المواطنين المؤمنين الذين عندهم غيرة على إخوانهم وعلى بلادهم أن يناصحوا هؤلاء الكفلاء، فإن لم يفد فيهم النصح شيئاً فيرفعوا أمرهم إلى الحكومة، وليطلبوا من الحكومة بإلحاح أن يعاقبوا هؤلاء الكفلاء معاقبةً شديدة تردعهم وأمثالهم لئلا تحيط العقوبة بنا وبهم.

    كما أن كثيراً من الكفلاء يغيبون عن المكاتب ويسافرون إلى غير بلدهم، وربما يختبئون في بيوتهم كما جرى لنا ذلك كثيراً؛ إذا أُعطينا رقم تليفون الكفيل واتصلنا به عدة مرات لا نجده..، نعم ربما يختفون، ففي هذه الحال لا نتمكن من النصيحة. فيجب أن نرفع الأمر إلى السلطة، والسلطة بنفسها تتقي الله عز وجل وتعطي هؤلاء المظلومين حقوقهم وتنتقم من هذا الذي بخسهم حقهم وأضاعه.

    حكم من مات وكانت إحدى أسنانه من ذهب

    السؤال: فضيلة الشيخ: إذا توفي إنسان وكان أحد أسنانه من ذهب، هل يُترك هذا السن أو يُخلع؟ وإذا كان هذا الخلع يترتب عليه مضرة لبقية الأسنان فما الحكم، وهل ورد نص في ذلك؟

    الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن السن الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحد للزينة، اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزين بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس، أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة.

    ثانياً: إذا مات من عليه أسنان من ذهب فإن كان يمكن خلع السن بدون مُثلة خُلع؛ لأن دفنه مع الميت إضاعة مال، والرسول صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإن كان لا يمكن خلعه إلا بُمثلة بحيث تسقط بقية الأسنان فإنه يبقى ويدفن معه.

    ثم إن كان الوارث بالغاً عاقلاً رشيداً وسمح بذلك تُرك ولم يعرّض له، وإلا فقد قال العلماء: إذا ظن أن الميت بلي حُفر القبر وأُخذ السنُّ؛ لأن بقاءه إضاعة مال، أما إذا كان الوارثون عقلاء مرشدين فهذا مالهم، لهم أن يسمحوا فيه ويبقى مع الميت ولا يحفر.

    تفسير حديث: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء )

    السؤال: فضيلة الشيخ: روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل فقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ...) والسؤال هو عن أسباب دخول الأغنياء الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام، بينما نجد ولله الحمد الصحوة من الأغنياء بشكل واضح؛ يُسخِّرون أموالهم من أجل الدين فما توجيهكم لهذا الحديث؟

    الجواب: ظاهر الحديث أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام أو بمدة أخرى تتفاوت عن الخمسمائة عام، ولكن هذا فيما إذا تساوى المؤمن الغني والفقير؛ فإن الله يَجْبُرُ هذا الفقير الذي لم يتنعم في الدنيا بما تنعم به الغني فيقدمه على الغني في دخول الجنة، أما إذا كان الغني عنده من الأعمال الصالحة ما يفوق الفقير فالظاهر -والله أعلم- أن الغني يسبق الفقير بحسب سبقه للعمل الصالح، ويكون هذا الحديث مقيداً بما إذا تساوى الغني والفقير، أو يقال: إن هؤلاء يسبقون الأغنياء دخولاً ولكن الأغنياء إذا دخلوا الجنة صاروا في منازلهم التي يستحقونها، وكانوا فوق الفقراء إذا كانوا يستحقون منزلة فوق الفقراء والجنة درجات وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132].

    حكم إفراد يوم عاشوراء بالصيام دون شفعه بآخر

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم صيام يوم عاشوراء فقط من غير صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهو قادر على أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، لكن يشق عليه؟

    الجواب: الأفضل أن الإنسان يصوم التاسع والعاشر من شهر الله المحرم، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) لكنه قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: مع العاشر، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي رواية: (يوماً قبله ويوماً بعده) لكن لا شك أن المخالفة تكون إذا صام الإنسان يوماً قبله أو يوماً بعده.

    فالأفضل أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً، وإن صام التاسع مع العاشر فهو أفضل من صوم الحادي عشر مع العاشر، وإن صام الأيام الثلاثة؛ التاسع والعاشر والحادي عشر حصل له أجر صيام ثلاثة أيام من الشهر؛ لأن الإنسان إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كصيام الدهر، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأفضل في صيام الثلاثة أيام أن تكون الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لكن يجوز أن يُصام في غير هذه الأيام الثلاثة، فقد قالت عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره)، وإن اقتصر على صوم اليوم العاشر فقط حصل له الأجر، لكن ينقص أجره عمن صام اليوم التاسع معه أو الحادي عشر، وقد قال بعض العلماء: إن صيام عاشوراء على ثلاثة مراتب:

    المرتبة الأولى: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر.

    والمرتبة الثانية: أن يصوم التاسع والعاشر.

    والمرتبة الثالثة: أن يصوم العاشر والحادي عشر.

    وأما من اقتصر على العاشر فلا حرج عليه؛ لعموم الأدلة الدالة على فضيلة صوم اليوم العاشر، ولكن يبقى النظر فيما يحصل من الناس من الذبذبة في اليوم العاشر متى يكون؟

    نقول: العبرة بأحد أمرين: إما رؤية هلال محرم، أو إكمال شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً، فإذا لم يُر هلال شهر المحرم فإنه يتمم شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً ومنازل القمر ليس بها عبرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، وهذا ينطبق على جميع الشهور، إذا لم يُر الشهر الداخل فإننا نكمل الشهر الذي قبله ثلاثين يوماً وبهذا نطمئن، أما كون الناس مذبذبين حتى إن بعض الناس قال: إن اليوم العاشر في يوم الجمعة، وسبب ذلك أنه نزل في الإذاعة حديثٌ للشيخ صالح اللحيدان كان حديثاً في العام الماضي، والعام الماضي اليوم العاشر فيه هو يوم الجمعة -فنزل الحديث في الإذاعة وهو حديث العام الماضي فسمعه الناس على أن العاشر هو يوم الجمعة فكانوا يسألون: هل هم أجلوا اليوم العاشر إلى يوم الجمعة؟ فقلنا: اليوم العاشر لا يتأجل ولا يمكن أن يتأجل، وسببه الخطأ في تنزيل الشريط الذي في العام الماضي لهذا العام.

    وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، ونسأل الله تعالى أن يعيدنا وإياكم عوداً حميداً، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيءٍ قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767974376