أما بعد:
أيها الإخوة: فهذا هو لقاؤنا الشهري الذي يتم في مساء كل سبت الثالث من كل شهر، وفي هذا الشهر شهر رجب عام (1415هـ) يتم في ليلة الأحد السادس عشر من هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يعمنا جميعاً بنفع هذه اللقاءات، وأن يبارك لنا فيها، وأن ينفعنا بها إنه على كل شيء قدير.
كنا بصدد الكلام على بقية خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلمها أصحابه: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه...) إلى آخرها، ولكن بما أننا في استقبال امتحانات للطلاب والطالبات، فلعلنا نتكلم بما يسر الله عز وجل حول هذا الموضوع، فنقول:
أولاً: نشير على كل طالب علم من رجل أو امرأة ألا يكون أكبر همه أن ينجح في الامتحان، بل يكون أكبر همه أن يهضم العلم، ويرسخه في قلبه، وبناءً على ذلك فإنه سوف يجتهد من أول السنة، حتى يهضم العلم شيئاً فشيئاً؛ لأن الإنسان إذا ترك الاجتهاد في أول السنة تراكمت عليه الدروس، ثم صارت مراجعته إياها في آخر العام كأنها أضغاث أحلام أو خيالات وأوهام، لذلك نشير وننصح كل طالب وطالبة أن يكون اجتهادهم من أول السنة حتى يهضموا العلوم شيئاً فشيئاً، حتى إذا جاء وقت الامتحان إذا هم مستريحون، وهاضمون للعلوم، ومنتفعون بمدة الدراسة، أما من يهمل ويتكاسل، فإذا جاء وقت الامتحان شد على نفسه، وأتعب نفسه ثم لم ترسخ العلوم في ذهنه، حتى إنك لو سألته غداً عما اختبر به اليوم لم تجد عنده حصيلة منه، فهذا غلط، وليست هذه دراسة.
الامتحانات في الواقع اختبار للطالب والطالبة، ماذا حصل فيما مضى من دراسته؟ وليس الامتحان مقياساً لما عند الطالب والطالبة من العلوم، بعض الطلبة يخفق في الامتحان، إما لعدم استحضاره الجواب في تلك الساعة، وإما لفهمه السؤال على وجه غير صحيح، وإما لفهمه أن الإجابة هي الصحيحة وهي غير صحيحة، وإما لحصول ضوضاء حوله، وإما لحصول لعب حوله، وإما لمشاهدته من يغش من زملائه .. أو لغير ذلك من الأسباب فتجد جوابه يكون هزيلاً ولا يصل إلى الدرجة التي يؤملها.
والحقيقة أن الاختبار ليس بمقياس للطالب، المدرس يعرف طلابه، ويعرف الجيد، ويعرف الذي يريد العلم حقيقة قبل أن يمتحنه، لكن لما تعذر تقويم الطلبة بمجرد تصور الأستاذ صار لا بد من الامتحانات، وهي في الحقيقة تقريبية ولا يقاس بها الطالب على وجه التحديد.
موقفه يجب أن يكون يقظاً منتبهاً، يراقب الطلبة حق المراقبة، وليس ذلك التعسير على الطلبة، ولكنه من الحزم وحفظ النظام للطلبة، فإذا رأى من يحاول أن يغش أو يغش بالفعل لزمه إجراء النظام عليه، ولا يحل له في هذه الحالة أن يحابي قريباً، أو صديقاً، أو ابن صديق، أو تاجراً لتجارته، أو فقيراً لفقره، لا. الناس في هذا المقام سواء، فعليه أن يتقي الله عز وجل في مراقبته، وأن يكون يقظاً فطناً يلاحظ الطلبة، ويلاحظ شفاههم، ويلاحظ أقلامهم، حتى يؤدي ما وجب عليه؛ لأن المراقب مؤتمن من قبل المسئولين، الإدارة أو العمادة فوضت ووكلت الأمر إليه، فهو إما أن يقوم بأداء الأمانة على الوجه المطلوب، وإما أن يكون العكس، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] فعليه أن يتقي الله وأن يشعر بأن وقوفه للمراقبة وتردده بين صفوف الطلاب عبادة يؤجر عليها؛ لأنه يؤدي أمانة أبت الأرض والسماوات والجبال أن تحملها وحملها الإنسان، فهو يقوم الآن بعبادة عظيمة يتقرب بها إلى الله.
الطالب يجب عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يكون طالب علم بمعنى الكلمة، لا يدلس ولا يخون ولا يغش ولا يخالف النظام، فإنه بهذا يكون طالباً مثالياً، وبهذا تيسر له الأمور، وتفرج له الكربات؛ لأن الله عز وجل يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] ويقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وعلى الطالب في هذا المكان الضنك أن يعتمد على الله، ويستعين به، ويفوض أمره إليه؛ لأنه قد لا يكون له في هذه الحالة حول ولا قوة، فيلجأ إلى الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] أي: كافيه.
لست أقول: إنه لا يعتمد على نفسه فيما حصَّل من العلم، بل يعتمد على ذلك؛ لأن هذا سبب، لكن الله هو المسبب، فعليه أن يكون أكبر اعتماده على الله عز وجل حتى يعينه، ويحسن إذا مدت إليه ورقة الأسئلة أو أمليت عليه أن يذكر الله تعالى بكلمة الاستعانة، وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن هذه الكلمة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنها كنز من كنوز الجنة، فقد قال لـأبي موسى الأشعري : (يا
وعلى الطالب أن يخشى الله عز وجل من الغش، سواء اختاره لنفسه أم اختاره لغيره، فلا يغش بنفسه ولا يغشش أحداً؛ لأنه مؤتمن، ولا خير في بطاقة شهادة تحملها وهي غش، بل هذه نكبة عليك؛ لأنك -مثلاً- لو حملت بطاقة شهادة في اللغة العربية ثم قيل لك: أعرب هذه الجملة: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] من الناس من يحمل بطاقة شهادة في اللغة العربية ولا يعرف يعرب الآية، أين الشهادة؟! ومن الناس من يحمل شهادة اللغة العربية ثم إذا قرأ عددت عليه لحناً ما لا يحصى، لماذا؟ لأن شهادته مبنية على الغش، فهذا لا ينتفع هو بنفسه، ولا ينفع أمته، ولا يدفع عن هذه الأمة العيب، ونحن نريد أن تكون أمتنا في هذه الجزيرة أمة واعية مهذبة معلمة يستفيد منها القريب والبعيد.
أقول: إن عليه أن يتقي الله عز وجل فلا يغش بنفسه ولا يغشش غيره، لا تحمله العاطفة على أن يرى طالباً ضعيفاً يحتاج إلى معونة، فيقول: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ثم يقول: ما المشكل عليك؟ مشكل عليه كذا وكذا فيعطيه ورقة أو يخبره بالمشافهة إذا كان المراقب بعيداً ولم يعلم أن المراقب قريب، من المراقب حقيقة؟ الذي هو على كل شيء رقيب وهو الله عز وجل، فالواجب على الطالب أن يكون طالباً بمعنى الكلمة وأن يتقي ربه.
اشتهر عند بعض الناس أن الغش في المواد غير الدينية لا بأس به على وجه العموم، كل المواد التي هي غير دينية لا بأس بالغش فيها هكذا قال بعض الناس، وبعضهم جعل الأمر أخص من ذلك، قال: اللغة الإنجليزية غش فيها ولا تبالي، وغيرها لا يجوز، وهذا خطأ، ما دامت العلوم مقررة، والشهادة مبنية على إتقان هذه العلوم المقررة في المنهج، فإنه لا يجوز الغش فيها، حتى لو كانت اللغة الإنجليزية، الشيء الذي لا يرتضى من المقررات -مثلاً- يكتب عنه، لكنْ منهج مقرر معتبر لا بد من إتقانه، سواء كان من العلوم الشرعية أو مما يساند العلوم الشرعية كعلوم العربية، أو مما يكون وسيلة لإبلاغ الشرع؛ لأن اللغة الإنجليزية قد تكون وسيلة لإبلاغ الشرع، لو كنت تخاطب من لا يعرف اللغة العربية ولكن يعرف اللغة الإنجليزية كيف توصل إليه الشرع؟ لو مكثت تتكلم معه باللغة العربية من طلوع الشمس إلى غروبها ما فهم، لكن إذا كان معك لغة إنجليزية وهي لغته -مثلاً- فهم واستفاد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو شاب لقن فطن أمره أن يتعلم لغة اليهود، من أجل أن يقرأ ما يرد من كتبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يكتب لهم ما يصدر من الرسول عليه الصلاة والسلام بلغتهم، يقول أهل النقل: إنه تعلم اللغة العبرية في خلال ستة عشر يوماً؛ لأنه شاب لقن فطن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإنما تعلمها بهذه السرعة؛ لأن اللغة العبرية قريبة من اللغة العربية. فدل ذلك على أن اللغة غير العربية لا يذم من تعلمها ولا يمدح، إن كانت وسيلة لخير فإنه يمدح عليها، لو قال: أنا أريد أن أتعلم اللغة الإنجليزية لأدعو بها، نقول له: جزاك الله خيراً، يقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] ولا يمكن أن تدعو من لا يعرف اللغة العربية باللغة العربية، بل لا تدعوه إلا بلغته.
فإذا كان الأمر هكذا فلا ينبغي لنا أن نفتي أنفسنا بفتاوى غير صحيحة، ونقول: ما عدا العلوم الشرعية فلا بأس بالغش فيها، وأما اللغة الإنجليزية فعليك بالغش، من قال هذا؟ والشهادة مرتبة على النجاح في كل المواد، فإذا كنت لا تستطيع أن تدرك هذه اللغة فاطرق أبواباً أخرى لعلَّ الله أن يفتح لك أبواباً أخرى إذا اتقيت الله عز وجل.
أما وضع الأسئلة فالواجب أن تكون ملائمة للطلاب، بحيث لا تكون صعبة لا يمكنهم الإجابة عليها، ولا سهلة لا يُعرف بها ما عند الطالب من العلم، بل تكون ملائمة، ليست صعبة ولا سهلة، فإن قال واضع الأسئلة: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـعثمان بن أبي العاص : (اقتد بأضعفهم) قلنا: ليس هذا الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام كالذي نحن فيه، الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هو أن هذا الرجل جعله إمام قومه، يصلي بهم إماماً، وقال له: (اقتد بأضعفهم) لأن أقواهم لا حد لقوته، يريد أن تكون الصلاة طويلة في قراءتها وركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، والضعيف لا يريد هذا، وما داموا مشتركين في الائتمام بإمامهم فإن عليه أن يراعي الضعيف، أما ما نحن فيه فإنه ميزان يوزن به ما عند الطلبة من العلوم، وهذا العدل فيه أن يكون بالوسط، لا ينظر فيه إلى الأقوياء ولا إلى الضعفاء.
وأيضاً يلاحظ واضع الأسئلة أن تكون واضحة؛ لأن بعض الأسئلة تكون محتملة فيبقى الطالب متردداً: هل أراد كذا، أو أراد كذا.. وربما يأتي بجواب أكثر من المطلوب، فيضيع الوقت على نفسه ويضيعه على المصحح، فإذا كانت الأسئلة واضحة سهلت الإجابة عليها.
ويجب على واضعي الأسئلة -من حيث الإجابة- أن يتقوا الله عز وجل في التصحيح، بحيث لا يفضلون أحداً على أحد، حتى لو كان يعرف أن هذا الجواب من طالب جيد، يعرفه أثناء الدراسة، لكنه عند الامتحان -مثلاً- أخطأ، ولم يصل إلى الدرجة التي تتوقع منه، لا تعتمد على ما كنت تعرفه عن هذا الطالب؛ لأن هذا ليس موكولاً إليك، وإنما هو مقرون ومرتبط بالجواب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن اقتطعت له شيئاً من حق أخيه فإنما أقتطع له جمرة من النار فليستقل أو ليستكثر) الشاهد: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) أيضاً المدرس عندما يصحح الأجوبة يصحح بنحو ما قرأ، ولا ينظر إلى أي اعتبار آخر، وعليه -أيضاً- ألا يهمل شيئاً يحتاج إلى التنبيه عليه.
وهنا مسألة يكثر السؤال عنها: إذا أتى الطالب بالدليل من قرآن أو سنة، لكنه غلط فيه غلطة، فإننا نقول: إذا كان الشاهد من هذا الدليل موجوداً، فالغلط لا يحسب عليه؛ لأن الشاهد من الآية أو الحديث موجود وما زاد فهو كمال، فلا يحاسب عليه، لكن لا شك أن من أتى بالدليل تاماً من القرآن والسنة فهو أكمل، لكننا لا نحاسبه على ما أخلَّ به إذا كان المقصود من الدليل موجوداً.
كذلك بعض الطلبة قد يزيد في الجواب، فمن المصححين من يقول: الزيادة نقص، ومنهم من يقول: الزيادة ليست بنقص، ومنهم من يقول: الزيادة إن دلت على تردد الطالب وأنه لم يفهم، لكن أراد أن يأتي بالكلام الطويل، لعله يضيع الأستاذ المصحح فإن هذه الزيادة تحسب عليه إذا وقع فيها الخطأ، ولا تحسب إذا لم يكن فيها خطأ، وهذا الرأي هو الأحسن أن يقال: إذا زاد الطالب وأخطأ في الزيادة فإنه لا يحسب عليه ذلك؛ لأن المقصود حصل بدون هذه الزيادة، إلا إذا علمنا أن الجواب يدل على أن الطالب لم يتقن ولم يهضم العلم، لكنه أتى بهذه الزيادة من أجل أن يضيع المصحح، كما يوجد عند بعض الطلبة، بعض الطلبة عنده شطارة يجعل المصحح في دوامة على الأقل يمل ويعطيه الدرجة كاملة، لكن هذا التفصيل: أن الزيادة إذا كان فيها خطأ فإنها لا تحسب ولكن إذا علمنا من قرينة الجواب أنه أراد التعمية على المصحح فإنه إذا أخطأ فيها حاسبناه عليها.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من هؤلاء، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يرزقنا الاستعداد لهذا اللقاء، إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: لا يجوز لأحد أن يساعده على الامتحان، ولكن إذا وصل إلى حالة لا يتمكن فيها من الإجابة، فالواجب أن ينظر إلى حاله، فإما أن يعطى درجة على هذه المادة بالنسبة، أي: ينظر المجموع الكلي في الدروس الأخرى، ثم يعطى على هذه المادة بمثل هذه النسبة، وإما أن يعاد الامتحان له على حسب ما يقتضيه النظام وما تراه الإدارة أو العمادة.
الجواب: نعم. ألمك هذا له وجه، وذلك أنه لا ينبغي للطالب الحازم أن يُلجئ الأساتذة إلى أمر محرج، بل عليه الأدب والابتعاد عن هذه الخصلة، ثم إن الأستاذ لا يملك أن يحذف شيئاً من المقرر وقد جاءت الأنظمة بأن الامتحان على حسب المنهج والمقرر، وليس على حسب الدراسة، وهذه أيضاً مشكلة، النظام هو أن يكون الامتحان بحسب المقرر لا بحسب المقروء، ولهذا ينبغي للأستاذ ألا يضيع وقت الدراسة ببحوث خارجة عن الموضوع، فيضيع على الطلبة مقررهم إلى أمر ليسوا بحاجة إليه، فإذا جاء آخر العام وإذا هم لم يأخذوا إلا (80%) أو أقل من المقرر، فيقع هو أو الطلبة في حرج؛ لأنه إما أن يقتصر على المقروء وحينئذٍ يقع هو في حرج؛ لأن المسئولين الذين فوقه يقولون: لا بد أن يكون الامتحان في جميع المقرر، وإما أن يقع الطلبة في حرج، فتوضع لهم أسئلة في شيء لم يقرءوه، وهذا لا شك أنه حرج.
فالحاصل: أننا ننصح الطلبة ألا يحرجوا الأساتذة في هذه المسألة، وننصح الأساتذة -أيضاً- بأن يحرصوا على إكمال المقرر بدون غرر، وألا يشغلوا أوقات الدراسة ببحوث لا فائدة منها.
الجواب: النتيجة هذه ليست نتيجة في الواقع؛ لأنه بقي عليه مادة من المواد لم ينجح فيها، والشهادة لا تعطى إلا لمن نجح في جميع المواد المقررة، وعلى هذا فأمره محرج، لكن أقول: لعله إذا تاب إلى الله عز وجل ودخل في الجامعة في مواد لا تتنافى مع ما فاته من دروس الثانوية أقول: لعل الله أن يعفو عنه وأن يستمر في دراسته في الجامعة حتى ينجح.
الجواب: هذه الصورة ليس فيها ربا، الربا لو قلت: اصرف لي فئة خمسين، فقال: ليس عندي إلا خمسة وعشرين خذ خمسة وعشرين والباقي تأتيني بعد ذلك، هذا الذي يكون ربا.
أما إذا اشتريت حاجة بدراهم، مثلاً: اشتريت حاجة بعشرين، وليس معك إلا ورقة فئة خمسين، ثم أعطيتها هذا الرجل وقلت: هذه الورقة عندك لك منها عشرون وغداً آتي إليك ونعقد عقداً جديداً على ما بقي من الدراهم. فهذا لا بأس به، المحذور هو أن تتعامل بمصارفة بدون قبض، أما أن تعطيه أكثر من حقه ويكون الزائد عنده بمنزلة الأمانة، فإذا جئت من الغد أو من بعد الغد قلت: أنا أصارفك على هذا، فهذا لا بأس به.
الجواب: ما دام الرجل لم يعقد النية وإنما تأهب ويريد إذا نزل الطائف وذهب إلى مكة ومرَّ بالميقات أحرم منه، فالأمر في هذا سهل؛ لأنه لم يعقد النية، فإذا وصل إلى مطار الطائف وقد لبس ثياب الإحرام وبدا له ألا يأتي بعمرة فلا حرج عليه، أما إذا كان قد تلبس بالإحرام أي: عقد النية، ولا أظن أن هذا يقع، كيف ينوي وهو لم يصل إلى الميقات؟ لكن إذا قدر أنه فعل ونوى فإنه يجب عليه الآن أن يكمل عمرته فيخلع الثياب المعتادة ويلبس ثياب الإحرام ويكمل العمرة، فإذا أكملها أعاد تجديد العقد؛ لأن العقد وقع عليه وهو في إحرام، لم يحل من عمرته، وعقد المحرم النكاح باطل لا يصح، فهذه الطريقة.
الآن يذهب يلبس ثياب الإحرام فوراً، ويذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر وبهذا تتم عمرته، ثم يعيد عقد النكاح بعد التحلل من هذه العمرة؛ لأن عقده النكاح وهو في العمرة عقد باطل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يَنكح المحرم ولا يُنكح، ولا يخطب).
الجواب: المسبوق معناه: هو الذي فاته بعض الصلاة، فإذا سجد الإمام قبل السلام وجب عليه أن يسجد معه؛ لأنه لا يمكن أن يقوم لقضاء ما فاته إلا بعد سلام الإمام، فيسجد معه تبعاً له، فإذا فرغ من صلاته نظرنا: إن كان سهو الإمام قبل أن يدخل المسبوق معه فلا سجود عليه؛ لأنه لم يسه ولم يدرك الإمام حال سهوه، وإن كان سهو الإمام في الجزء الذي أدرك الصلاة فيه معه، فعليه أن يسجد قبل أن يسلم؛ لأن سجود السهو الذي كان قبل تمام الصلاة إنما كان متابعة لإمامه.
أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإنه لا يتابعه، بل إذا سلم الإمام من صلاته قام هذا المسبوق وقضى ما فاته، ثم إن كان سهو الإمام الذي سجد له الإمام قبل أن يدركه المأموم فيه فلا سجود على هذا المأموم؛ لأنه لم يسه ولم يقع سهو الإمام وهو مع إمامه، وأما إن كان في الجزء الذي أدرك الإمام فيه فإنه إذا قضى ما فاته يسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام ويسلم.
أما إذا كان لا يعلم هل هو قبل أن يدركه فيه أو لا فالاحتياط أن يسجد ولا يضره إن سجد.
الجواب: إذا كان ما تعطي الأولاد أو البنات لدفع حاجتهم فإن ذلك ليس بجور، فمثلاً: لو احتاج الابن الكبير إلى كتب دراسية والذين دونه لا يحتاجون إليها، فاشتريت لهذا الابن الكبير ما يحتاج إليه من مواد الدراسة دون الآخرين فلا بأس، وكذلك لو احتاجت البنت إلى حلي -خواتم أو خروص أو ما أشبه ذلك- فإنك تشتري لها، ولا يلزمك أن تعطي الابن شيئاً مقابل ذلك؛ لأنك إنما أعطيتها لدفع الحاجة، ولهذا لو كان عندك أبناء كبار وأبناء صغار، فكسوت كل واحد ثوباً، أيهم أكثر؟ الكبار لا شك، فهل يلزمك أن تعطي الصغار ما زاد على ثيابهم؟ لا. فالمهم أن القاعدة: أن ما كان لدفع الحاجة فالعدل فيه أن تعطي كل واحد ما يحتاج، ولهذا لو أن الكبير بلغ واحتاج إلى زواج وزوجته؛ لأنه ليس عنده شيء، فهل يلزمك أن تعطي إخوانه مثل المهر الذي أعطيت الكبير؟
الجواب: لا، من بلغ أن يتزوج في حال حياتك فزوجه، ومن لم يبلغ أن يتزوج فليس عليك شيء.
وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها: قد يكون بعض الأولاد يحتاج إلى سيارة؛ لأن مدرسته بعيدة، والآخرون لا يحتاجون إلى سيارة؛ لأن مدرستهم قريبة، فهل تشتري للكبير سيارة؟
الجواب: لا تشتري له سيارة، ولكن اشتر سيارة باسمك وأعطها إياه ينتفع بها؛ لأنك بذلك تدفع حاجته ولا تخصه بتملك السيارة، لو قدر أن يموت هذا الابن ترجع السيارة لك، ولو قدر أن تموت أنت ترجع السيارة للورثة.
الجواب: أرى أن مثل هذا العمل يؤدي إلى جنون الصبي أو الصبية، يعطيه ورقة بيضاء ويقول: أطفئ الأنوار ثم يقول: ما الذي تشاهد؟ هذا يوجب وحشته، وربما يكون في فكره وساوس وهواجس يخبل بها، حتى لو فرضنا أنه سيعطيها رجلاً بالغاً فإن ذلك نوع من السحر، ولا يجوز استعمال هذا، إنما يرقى المريض بأي مرض كان بالقرآن الكريم .. بالأدعية النبوية .. بالمعالجات الطبيعية كالعسل والحبة السوداء وما أشبه ذلك، أما هذه الأوهام والخيالات فإنه لا يجوز اعتمادها، ولا الذهاب إلى من يعالج بها.
الجواب: الأفضل أن يطعم عنه؛ وذلك لأن هذا المريض مريض بمرض الغالب أنه لا يرجى برؤه، ولهذا استمر به هذا المرض حتى توفي عليه رحمة الله، فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين، والصاع الموجود من الرز يكفي لأربعة أيام إذا أعطي أربعة مساكين، والصاعان لثمانية، والثلاثة لاثني عشر يوماً، وعلى هذا فيكون هذا المريض يطعم عنه ثلاثة أصواع من الرز لاثني عشر فقيراً، وإن أمكن أن يجعل معها لحم حتى يؤدمها فهو أطيب وأكمل.
الجواب: أولاً: إذا كان الحمل لم يتم له أربعة أشهر فإنه لا حكم له من حيث الصلاة والتغسيل والتكفين والدفن، يدفن في أي مكان، وإن كان قد تم لهما أربعة أشهر فإن الجنين إذا تم له أربعة أشهر أمر الله تعالى ملك الأجنة أن ينفخ فيه الروح ويتحرك، وحينئذٍ تكون هذه المرأة آثمة بفعلها؛ لأن الواجب أن يغسلا ويكفنا ويصلى عليهما ويدفنا في مقابر المسلمين، وعلى المرأة أن تتذكر هل هذا قبل تمام أربعة أشهر أو بعده، وتمشي على ما قلنا الآن.
لكن هو له عشر سنين الآن إذا كان قد تم لهما أربعة أشهر يقيناً فما بقي الآن مما يمكن استدراكه إلا الصلاة عليهما، فيصلى عليهما ولو في البيت.
الجواب: نقول: إن نقل الدم إذا كان الإنسان صائماً صيام فرض، فإنه لا يجوز أن يسحب من الإنسان الدم وهو صائم صيام فرض إلا للضرورة بحيث يكون هناك مريض مضطر لهذا النوع من الدم، فحينئذٍ يسحب الدم من الصحيح الصائم ونقول له: أفطر -كل واشرب- واقض يوماً مكانه.
وأما إذا كان الإنسان غير صائم، وأراد أن يتبرع بالدم وتبرعه بالدم لا يضره، فلا حرج عليه في ذلك؛ لأن الدم لا يستلزم فقد عضو من الجسم، إنما يستلزم استنزاف الدم ثم يأتي بدله بسرعة، وليس كالأعضاء، فما نقل عنا فلعل الناقل توهم ذلك فيما إذا كان الإنسان صائماً صوم فرض، فإنه لا يجوز أن يتبرع بالدم إلا إذا كان هناك شخص مضطر إلى هذه الفصيلة من الدم، وغلب على الظن أنه لا يمكن أن يبقى إلى غروب الشمس بدون تبرع، فحينئذٍ يتبرع له الصائم ويفطر فيأكل ويشرب ويقضي يوماً مكانه، مثال ذلك: إنسان اضطر إلى دم هذا الرجل الصائم في رمضان، وقيل: إن تأخيره إلى الغروب ربما يكون سبباً لهلاكه، فنقول للصائم: جزاك الله خيراً مكنهم من أن يأخذوا من دمك ليجعلوه في هذا المحتاج، وأنت كل واشرب ولو في رمضان ثم اقض يوماً مكانه، أما إذا لم يكن الإنسان صائماً صيام فرض فالأمر في هذا واسع، ولا بأس بالتبرع بالدم سواء لمريض حاضر أو يُخزن في خزانات لاستقبال المرضى الذين يحتاجون إلى ذلك.
الجواب: لا شك أن فتنة النساء أضر على الرجال من أي فتنة كانت، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ولا شك أننا في هذه البلاد قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة: أمن، رفاهية، عيش، صحة، وكل هذه من أسباب الشر والفساد، ولهذا يقول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة |
والجدة: الغنى.
ولا شك أنه يوجد من الفتيات من لها شغف في أن تنزل إلى الأسواق ولو لأدنى حاجة، ولو لحاجة ممكن أن يقضيها أصغر إخوانها، ومع ذلك تريد أن تنزل بنفسها، ولا شك -أيضاً- أنه يوجد من السفهاء في الأسواق أو في المتجرات من يكون سبباً لافتتان النساء به، فتجد المرأة تنزل من أجل أن تذهب إلى هذا المتجر أو إلى هذا السوق فيحصل الشر.
ولكن ما هو الخلاص من ذلك؟
الخلاص: أولاً: أن تنمى في مدارك هؤلاء الفتيات العقيدة السليمة، بأن الله سبحانه وتعالى حافظ ومطلع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ثانياً: أن تنمى فيهن محبة العفة، والبعد عن الفحشاء وأسبابها.
ثالثاً: أن تمنع النساء من الخروج من البيوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن منعهن من الذهاب إلى المساجد، وأما إلى الأسواق فالرجل حر له أن يمنعها، تمنع من الخروج من البيت إلا لحاجة لا يمكن أن يقضيها أحد سواها، وهذا الاستثناء أقوله من باب الاحتراز، وإلا فلا أظن أن حاجة لا يمكن أن يقضيها إلا النساء؛ لأن بإمكان كل امرأة أن تقول لأخيها: يا أخي اشتر لي الحاجة الفلانية، لكننا ذكرنا هذا الاستثناء احتياطاً، وأن يكون الرجل كما جعله الله عز وجل قوَّاماً على المرأة، لا أن تكون المرأة هي التي تديره؛ لأن الله يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] فليكن قائماً حقيقة، وليمنعها، ولكن لا بعنف، بل بهدوء وشرح للمفاسد وبيان للثواب والأجر إذا لزمن البيوت؛ لأن الله تعالى قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] أي: نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهنَّ أكمل النساء عفة وأقومهن في دين الله، ومع ذلك قال الله لهن: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33].
كذلك من أسباب درء هذه الفتنة: أن يوجد للفتاة شغلاً في البيت، بحيث لا يأتي بالخادم إلا عند الضرورة القصوى؛ لأن الخادم إذا دخل في البيت فإن المرأة سوف تكف عن كل عمل، وستبقى حبيسة البيت إذا لم تخرج، وحينئذٍ يضطرها هذا الفراغ إلى أن تخرج، لكن لو لم يكن عندها خادم وصار تشتغل في بيتها بإصلاح الطعام، وغسل الثياب، وفرش الفرش وما أشبه ذلك، صارت فيها حيوية في البيت ونشطت، ولم تبالِ أن تخرج أو لا تخرج.
فالمهم أن نصيحتي لإخواني الرجال خاصة وللنساء أيضاً: أن يكون رائدهم الإصلاح دائماً والبعد عن الفتنة.
الجواب: اعمل شيئين:
الأمر الأول: الإكثار من قراءة القرآن، فإن الله تعالى يقول في هذا القرآن: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21] ولا أظن شيئاً أشد قسوة من الحجارة، ومع ذلك لو نزل عليها هذا القرآن لرأيت الجبل خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وفي ذلك يقول ابن عبد القوي رحمه الله:
وحافظ على درس القرآن فإنه يلين قلباً قاسياً مثل جلمدي |
ولكن ليس المراد مجرد التلاوة مع غفلة القلب، بل التلاوة مع استحضار القلب وتدبره؛ فإن ذلك لا شك يلين القلب على كل حال.
الأمر الثاني: ذكر الله عز وجل: التهليل .. التكبير .. التسبيح .. التحميد .. ما أشبه ذلك، بشرط: أن يتواطأ القلب واللسان، لأن مدار الحياة على القلب، فإذا حيا القلب حيا الجسم، ولهذا قال الله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الكهف:28] ولم يقل: ولا تطع من أسكتنا لسانه عن ذكرنا، بل قال: (أغفلنا قلبه) وكم من إنسان يذكر بلسانه لكن قلبه لاهٍ، فالذكر حينئذٍ يكون ضعيفاً وأثره رديء، لكن إذا اجتمع القلب واللسان فهذا مما يسبب حياة القلب ولين القلب، قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ [الزمر:23].
نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأن يلين قلوبنا لذكره وطاعته، وأن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه على كل شيء قدير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر