أما سورة البقرة فيقول الإمام السيوطي رحمه الله تعالى:
[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً موافياً لنعمه، مكافئاً لمزيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وجنوده.
وبعد:
فهذا ما اشتدت إليه حاجة الراغبين في تكملة تفسير القرآن الكريم، الذي ألفه الإمام المحقق جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي رحمه الله، وتتميم ما فاته وهو من أول سورة البقرة إلى آخر الإسراء، بتتمة على نمطه، من ذكر ما يفهم به كلام الله تعالى، والاعتماد على أرجح الأقوال، وإعراب ما يحتاج إليه، وتنبيه على القراءات المختلفة المشهورة على وجه لطيف وتعبير وجيز، وترك التطويل بذكر أقوال غير مرضية وأعاريب محلها كتب العربية، فالله نسأل النفع به في الدنيا، وحسن الجزاء عليه في العقبى بمنه وكرمه].
قوله: آلم [البقرة:1]، فسرها الإمام السيوطي رحمه الله تعالى بأصح تفسير وأوجز تفسير، قال: [الله أعلم بمراده بذلك].
ويقول القاضي كنعان : [ليس لهذه الأحرف المنزلة في أوائل بعض السور معنىً مستقل بالفهم بالنسبة إلينا، بل إنها نزلت متقطعة وتقرأ كذلك، فهي سر الله تعالى في القرآن كما قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: (نؤمن بها ونقرؤها كما نزلت)، ولكن ذلك لا يمنع منا التماس الحكمة من نزولها هكذا، فهي تشير إلى الحروف الهجائية العربية التي بها نزلت آيات القرآن تعجيزاً للعرب؛ لأنهم زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم يأتي بالقرآن من عنده، وهم يعلمون أنه أمي لم يتعلم القراءة ولا الكتابة، فلو كان زعمهم هذا صحيحاً لكانوا هم أقدر على الإتيان بمثله، بل بأحسن منه؛ لأنهم أهل اللغة، لكنهم عجزوا وبهتوا مع قيام التحدي إلى الآن، ولو استطاعوا لفعلوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[الإسراء:88] ]، فهذا خلاصة الكلام.
بعض العلماء يعني: جمع جميع الحروف المقطعة في أوائل السور، وحذف المكرر منها، يعني: جمع (الم) مع (حم) مع (عسق) مع، هذه الحروف المقطعة في هذه السور حذف المكرر ثم كون منها جملة، خرجت هذه الجملة التي ذكرها الأخ الفاضل: نص حكيم قاطع له سر، ولكن هذا في مجال الحجاج العلمي لا يعتبر دليلاً علمياً.
وبعض الناس يقول: هذه أسماء للسور، وبعضهم يقول: من أسماء الله تبارك وتعالى، لكن اختيار الإمام السيوطي رحمه الله تعالى هنا هو أفضل ما يقال: (الله أعلم بمراده بذلك)، لكن كما ذكرنا بعض العلماء أشار إلى أن هذه إشارة إلى إعجاز القرآن، واستدلوا بأن أغلب سور القرآن التي تبدأ بالحروف المقطعة يليها مباشرة إشارة إلى القرآن الكريم، الم[البقرة:1] * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ[البقرة:2]، .. وهكذا.
(ذلك الكتاب) يعني: هذا الكتاب وهو القرآن الكريم، فيستعمل (ذلك) للإشارة للبعيد، وتستعمل (هذا) في الإشارة إلى القريب، فالقرآن هنا قريب، فما السبب في أن الله سبحانه وتعالى قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2]، أشار بالبعيد؟
السبب أن (ذلك) تساوي (هذا)، وهذا معهود في لغة العرب التقارب بين هذا وذلك، يعني: أنه يقتضي أن ذلك في موضع هذا وهذا في موضع ذلك، مثلاً قوله تبارك وتعالى: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ[السجدة:6]، ذلك بمعنى: هذا، كذلك في قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ[الأنعام:83]، ( تلك ) بمعنى: هذه، كذلك: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ[البقرة:252]، بمعنى: هذه؛ لأنها قريبة.
كذلك يستعمل العكس يستعمل هذا مكان ذلك، مكان البعيد كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تنبئه في ركوب بعض الصحابة البحر المجاهدين في سبيل الله قال فيهم: يركبون ثبج هذا البحر والمقصود: ذلك البحر، فهنا استعمل (هذا) مكان (ذلك).
فالمقصود: ذَلِكَ الْكِتَابُ[البقرة:2]، يعني: هذا الكتاب.
ومن قال: بل ذلك إشارة للبعيد على ما هو عليه في الأصل قالوا: هذه إشارة إلى بعد درجته وعلو منزلته في الهداية والشرف.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر