أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: (أن
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، والمقصود من ذلك: بيان أن المحبة قد تحصل، وتتفاوت النساء في المحبة، لكن ذلك لا ينافي العدل، بل العدل مطلوب ولو وجدت المحبة في الشيء الذي يملكه الإنسان، لذلك الشيء الذي يملكه الإنسان يعدل فيه، والشيء الذي لا يملكه ليس إليه، ولكن لا يدفعه ما عنده من المحبة لبعضهن إلى أن يميل إلى واحدة منهن، فيميزها على غيرها في الشيء المطلوب، أو الذي ينبغي هو المساواة أو التسوية فيه، ففي الحديث الذي فيه: (أن من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)، هذا فيما يملكه الإنسان، وفيما يقدر عليه، وهذه الترجمة فيها بيان أن المحبة تتفاوت النساء فيها، وأن الله تعالى يوقع في القلوب لبعضهن المحبة أكثر من بعض، لكن لا يصلح أن يكون هذا الذي في القلب يؤدي إلى الحيف، وإلى الميل، وإلى تمييز بعضهن على بعض فيما تلزم فيه المساواة من النفقة، والقسم، وغير ذلك مما يملكه الإنسان.
وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، الدال على محبة النبي صلى الله عليه وسلم إياها، وأنه كان يحبها، وهو يدل على فضلها، ونبلها، ورفعة شأنها عنده عليه الصلاة والسلام، ومحبته إياها صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في أحاديث كثيرة ما يدل على محبته لها، وعلى فضلها، وعلى تفضيلها على غيرها، وقد اتفق العلماء على أن عائشة، وخديجة هما أفضل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف في أيهما أفضل، وقد قال بعض المحققين من أهل العلم: أن كل واحدة منهما لها فضيلة تتميز بها عن الأخرى، فـخديجة امتازت على عائشة بكونها كانت معه في حال الشدة والضيق، وفي حال إيذاء قريش، وكانت تواسيه، وكانت تسليه، وقصة نزول الوحي عليه في أول مرة، ومجيئه إليها فزعاً، قالت له: كلا والله ليهديك الله! إنك لتصل الرحم، وكذا، وكذا، وتبين شيئاً من صفاته الحميدة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكان لها على عائشة هذه الميزة، وعائشة رضي الله عنها، كان لها ميزة أخرى من جهة حفظ السنة، ونقل السنة، وتحمل حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رسول الله، وأدائه إلى الناس، فكل واحدة منهما لها فضيلة، ولها ميزة تميزت بها على الأخرى، وأجرهما عظيم، وثوابهما جزيل عند الله عز وجل. وقد اتفق على أن هاتين الاثنتين خديجة، وعائشة هما أفضل أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الخلاف أيهما أفضل؟
والحديث طويل وفيه: أن أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسلن فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبن منه العدل في ابنة أبي قحافة أي: في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيل: إن المقصود بذلك في المحبة، وقيل: إن المقصود من ذلك في مراعاة الإهداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتهن؛ لأنه قد اعتاد كثير من الصحابة أنهم يتحرون اليوم الذي يكون فيه عند عائشة، فيهدون إليه الهدايا التي يريدون أن يهدونها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا أثر على أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأردن أن يكن مثلها في ذلك، وألا يكون لها هذه الميزة، فأرسلن فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يطلبنها أن تنقل إليه منهن هذه الرغبة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة ومعها في مرطها، والمرط هو: كساء، قيل: من صوف، وقيل: من غيره، فتكلمت وأخبرت بما طلب منها أن تبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الرغبة، رغبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقالت: إن أزواجك أرسلنني يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: [ (أتحبين من أحب؟ قالت: نعم، قال: فأحبي هذه) ]، يشير إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فرجعت إلى أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت لهن ما قالت، وأخبرتهن بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: [ما أغنيت عنا شيئاً]، ما حصلنا على نتيجة، ما ظفرنا بالشيء الذي نريده، لكن أعيدي الكرة وارجعي مرة أخرى وابلغيه هذه الرغبة، فقالت: إنها لا تفعل ذلك، ولا ترجع إليه مرةً أخرى، ولا تفاوضه فيها أبداً، فعند ذلك صرن إلى أمر آخر، وإلى طريق أخرى، وواسطة أخرى، فطلبن من زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنها لها من الحظوة والمنزلة يعني مثل ما لـعائشة أو قريباً منها، معناه أنها متميزة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن عائشة متميزة، فاخترنها لهذه المهمة، وهي واحدة منهن، وهي مشاركة لهن في الرغبة، وتؤدي هذه المهمة عنها، وعن غيرها من بقية أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت وقالت مثل ما قالت فاطمة: [إن أزواجك يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة، ثم تكلمت على عائشة، ونالت منها، وسبتها]، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، ما تكلمت، وما ردت عليها، صبرت وانتظرت وجعلت تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترقب طرفه، هل يأذن لها بأن ترد عليها، وأن تجيبها على ما حصل منها من الكلام، ومن العتب، واللوم، وسبها؟ فعند ذلك فهمت عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكره أن تنتصر، فعند ذلك اتجهت إليها وكلمتها وردت عليها حتى أفحمتها، ولكن مع كلامها عليها، وبيان أنها انتصرت لنفسها، وردت عليها، ما غمطتها حقها، وما نسيت ما لها من صفات، بل أثنت عليها، وبينت خصالها الحميدة من جهة أنها وصولة للرحم، وأنها قوية في الدين، وأنها يعني تبذل نفسها في الشيء الذي تقرب به، والشيء الذي تصدق به، وأنها تجتهد في الشيء الذي تقوم به من العمل أي: عندها جد واجتهاد، وعندها نشاط، فذكرت جملة من محاسنها، وأشارت إلى الذي فيها، وأن فيها سورة، أي: حدة وسرعة غضب، ولكن مع هذا فهذا الوصف يعتبر أهون من غيره؛ لأنها تسرع الفيئة، أي: ترجع بعد قليل، ليس شأنها كالذي يصير عنده الانفعال، والشدة، ثم يركب رأسه ويستمر، ويطول معه هذا الصنيع، بل هي تبادر، وتسرع، وترجع عن ذلك الشيء الذي يحصل منها، وهذا شيء محمود، فهذا هو الذي أدركته عليها عائشة وأضافته إليها، وذمتها فيه، ولكن مدحتها فيه من جهة أنه ليس بشديد، بحيث أنها تستمر، ويطول معها، ويمكث معها، بل تسرع الفيئة، وتسرع الرجوع عن هذا الذي حصل منها من الشدة ومن الغضب ومن الانفعال، وهذه صفة محمودة بحق من يحصل له مثل هذا الوصف الذي هو الحدة، والشدة التي تحصل.
وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إنها
والحاصل: أن الحديث يدل على فضل عائشة، وعلى محبته لها أكثر من غيرها، وعلى أن زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام يعرفن هذه المنزلة، وأردن، ورغبن أن يحصل لهن مثل ما يحصل لها، ومن المعلوم أن المحبة القلبية هي من الله عز وجل، وأما قضية الهدايا، وكون الصحابة يختارونها في يوم عائشة، فهذا شيء لاحظوه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أراد أن يفعل ذلك، ولا يقول للناس: إذا أردتم أن تهدوا إليّ لا تجعلوا ذلك في يوم عائشة، بل وزعوه على الأيام، بل ترك ذلك ولم يتعرض له، وأشار إلى فضل عائشة وإلى نبلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
هذه الصفات الحميدة التي ذكرتها عائشة في حق زينب بنت جحش، هذا من إنصافها، وعدلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فإنها مع ما حصل لها من اللوم، ومن العتب، ومن الذنب، والسب، بينت ما هي عليه من هذه الصفات، وذكرت أن الذي تلاحظه عليها هذه الحدة التي تسرع منها الفيئة، ومن صفاتها الحميدة أنها عظيمة الصدقة، وكثيرة الصدقة، وهي التي يقال لها: أم المساكين؛ لكثرة إنفاقها، وإحسانها، ويقال ذلك أيضاً لـزينب بنت خزيمة التي توفيت في حياته صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء في الحديث أنه قال: (أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً)، ولما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام جعلن ينظرن إلى أيديهن وطولهن، وما عرفن المقصود من ذلك، وظنن أن الطول إنما هو في الحس، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد الطول في النفقة، ولما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام كان أسرعهن لحوقاً به زينب بنت جحش، فعرفوا أن ذلك من أجل صدقتها، وإحسانها، وجودها، وكرمها، ولهذا يقال لها: أم المساكين لكثرة إنفاقها، وإحسانها، وعطفها على المساكين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
قوله: [(فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع
هذا بيان أن زينب لما تكلمت وأبلغت المهمة التي طلب منها أداؤها، وقعت بها واستطالت، يعني معناه: تكلمت بها واشتدت عليها، وقعت فيها أي: ذمتها وسبتها، واستطالت عليها.
ولما تكلمت زينب على عائشة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وسبتها، وكانت صامتةً ساكتةً لا ترد عليها ولا تقاطعها، وهذا لكمال عقلها، ورجحان عقلها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت تنظر إلى طرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنها تريد أن تعرف منه هل يوافق على أن تجيب عن نفسها وأن ترد عليها؟ فاستمرت زينب بالكلام، وفهمت عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يكره أن ترد عليها وأن تنتصر لنفسها، فعند ذلك لم تمهلها، بل تكلمت عليها حتى أفحمتها وأسكتتها، وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إنها
هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا عمي].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح].
هو صالح بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
هو أخاً لـأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، هذا أخاً أبي بكر المشهور المكثر من الرواية، هذا محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم والنسائي.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة رجال وامرأة واحدة، هذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
قوله: [أخبرنا عمران بن بكار الحمصي].
هو عمران بن بكار الحمصي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا أبو اليمان].
هو أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي، وهو مشهور بكنيته أبو اليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت].
وقد مر ذكرهم.
وهذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، فأوله الثلاثة الذين هم في أسفله حمصيون، والذين هم في أعلاه مدنيون.
قوله: [خالفهما معمر].
أي: في الرواية عن الزهري، ثم ذكر رواية معمر عن الزهري. أي: أنه خالف شعيباً وخالف الذي في الإسناد الأول. أي خالف صالح بن كيسان في الإسناد الأول، وشعيب بن أبي حمزة في الإسناد الثاني، فرواه من طريق أخرى غير طريقهما.
هو: صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي طريق معمر، وهي مثل التي قبلها، من حيث المتن، وهي الرواية السابقة الأولى التي هي رواية صالح بن كيسان عن الزهري، وفيها من الزيادة ما قيل في حق فاطمة رضي الله عنها: [أنها كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً]، والمقصود من ذلك كونها تشبهه في سمتها، وآدابها، وأخلاقها رضي الله عنها وأرضاها، هذا المقصود من هذه الجملة: [(وكانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً)]، أي: أنها تشبهه في صفاتها، وفي أخلاقها، وآدابها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهو ثناء عليها، وبيان لحالها، ومشابهتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتصافها بصفاته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وكما قلت: هو مثل الذي قبله، والمخالفة لا تؤثر؛ لأنه يكون جاء عن الزهري من طريقين، ومعمر رواه من طريق، وهذا رواه من طريق، ولا تؤثر رواية على رواية، كل من الروايتين صحيح، ولا تنافي بين الروايتين، ومعناهما واحد ومؤداهما واحد.
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
أورد النسائي هذا الحديث في بيان فضل عائشة رضي الله عنها، وبيان ميزتها وفضلها رضي الله عنها وأرضاها، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (فضل
هو إسماعيل بن مسعود البصري أبو مسعود، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر].
هو ابن المفضل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
هو عمرو بن مرة الهمداني المرادي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مرة].
هو مرة بن شراحيل الهمداني، ويقال له: مرة الطيب الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى].
هو أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان عذب الصوت في القرآن حتى قال فيه النبي: (لقد أوتيت مزمار من مزامير آل داود).
أورد النسائي حديث عائشة من طريقٍ أخرى في بيان فضلها، و[(أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)]، وهو مثل الذي قبله في المتن.
قوله: [أخبرنا علي بن خشرم].
ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحارث بن عبد الرحمن].
هو الحارث بن عبد الرحمن العامري، وهو خال ابن أبي ذئب، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثالثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وقد مر ذكرها، والفقهاء السبعة ستة منهم اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وواحد منهم اختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام الذي مر ذكره قريباً، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، أما السابع منهم فقد قيل فيه ثلاثة أقوال: فقيل: إنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخو محمد الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، وهذا لقب يطلق عليهم، فعندما يأتي ذكرهم في مسائل الفقه، بدل ما يقول: وقال به سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وفلان، وفلان ويأتي بسبعة أشخاص، يكتفي بجملة: فيقال: قال به الفقهاء السبعة. فكلمة الفقهاء السبعة ترجع إلى هؤلاء، مثل زكاة عروض التجارة عندما يذكرونها يقولون: قال بها الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وقال بها الفقهاء السبعة الذين هم هؤلاء السبعة الذين ذكرتهم.
الجواب: هذه بيان هيئة الجلوس للتشهد الأول والأخير في الصلاة، وله حالتان: حالة تحليق يحلق الإبهام مع الوسطى فتكون حلقة عندما يجلس للتشهد يحلق أو يضعها بدون تحليق، فالتحليق هو: أن يجعل الاثنين كالحلقة، والوضع يجعل الإبهام يضعها على الوسطى، ويكون بهذه الهيئة، وكل منهما ثابت، هاتان الهيئتان ثابتتان، يمكن أن يأتي بهذا، ويمكن أن يأتي بهذا.
الجواب: (عقد ثلاث وخمسين)، المقصود بها هذه الهيئة التي هي وضع الإبهام على الوسطى؛ لأن عند العرب يعني كنايات عن الأعداد بعقد اليدين، يعني إذا وضع يده على هيئة معينة تشير إلى عدد، هذا شيء معروف عند العرب، فهنا ذكر الحديث على ما هو معروف عند العرب، والمقصود من ذلك هذه الهيئة التي مرت، وقد ذكر هذه الهيئات وقد فصلها الصنعاني في سبل السلام عندما جاء عند الحديث الذي أظنه هذا الحديث عند شرحه ذكر الكيفيات التي يكون فيها التسعون يشتكون، والثمانون يشتكون، والخمسون يشتكون كيف يضع اليد إذا أراد أن يقول خمسين؟ وكيف يجعل أصابعه عندما يريد عدداً معيناً؟ أي: ذكر تفصيلها وشرحها، أي: ذكرها جماعة، لكن هذا الذي في بالي أنه ممن ذكره الصنعاني في سبل السلام على بلوغ المرام.
الجواب: أقول: هذه الرواية ثبوتها التي هي ذكر الركوع والسجود، معلوم أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى، بل كان هذا من آخر ما أوصى به عليه الصلاة والسلام، من آخر وصاياه التي أوصى بها في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، منها أنه قال: (نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)، وهذا ثابت، وأما هذا لا أدري عن ثبوته.
الجواب: الاحتكار هو: كون بعض الناس تكون عنده السلع، والناس بحاجة إليها، ومع ذلك يبقيها حتى يشتد الغلاء، فيخرج ذلك الذي احتكره ويبيعه على الناس، هذا هو الاحتكار، وأما التسعير هو: تحديد الأسعار، وتثبيت الأسعار، أو أن السعر هو كذا، أو أنه لا يباع إلا بكذا، هذا هو التسعير.
والاحتكار لا يجوز، والتسعير إذا كان التجار تواطئوا على أن يرفعوا الأسعار، وأن يأخذوا شيئاً أكثر مما تستحقه السلع، فإنهم لا يمكنون مما يريدون؛ لأنهم يتواطئون على الإجحاف، وعلى إلحاق الضرر بالناس، فإذا حصل منهم أن تجاوزوا الحدود، وزادوا عن الأسعار أسعار الوقت، وعن الأثمان أو ما يقرب منها، ورفعوها رفعاً يلحق الضرر بالناس، فعند ذلك لا يمكنون مما يريدون.
الجواب: لا يدل هذا على أن الإنسان لا يذكر إلا وتذكر محاسنه، ومساويه؛ لأنه كما هو معلوم عائشة رضي الله عنها، عندما تكلمت ونالت منها، وهي انتصرت لنفسها، ما أرادت أن تغمطها حقها، وهي معروفة الفضل ولا شك، وهذا الذي حصل منها بسبب الغضب، لا يقتضي أنها يقضى عليها، ويترك النظر إلى فضلها، وإلى جميلها، بل ذكرت، وهذا ممكن تذكر المحاسن، والعيوب في حق من يكون أهلاً لذلك، أما من يكون صاحب بدعة، والمقصود التحذير من بدعته، ما يبحث عن حسناته؛ لأن الذين يصطادون بالماء العكر يأخذون الكلام المثنى عليه به، ويتركون الذي ذكر فيه من العيب، ويقولون: مدحه فلان، وأثنى عليه فلان، فيكون من جنس الذي يقرأ: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، ولا يضيف إليها: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5]، أي: يأخذ بالكلام الذي مدح فيه، ويثني عليه، مع أن الذي ذكره ذمه، وعابه، وحذر من خصلة من خصاله، فمثل أصحاب البدع المبتدعة الذين عرفوا بالبدع مثل: الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، عندما الإنسان يحذر منهم ما يروح يبحث عن محاسنهم يقول: فيه خصلة كذا طيبة، وفيه كذا طيبة، بل تذكر سيئاته حتى يحذر منها؛ لأن المقصود ما هو؟ متابعته في الخير، الخير يتابع غيره، والقدوة غيره وليس هو، ولكن المقصود التحذير من الشر الذي فيه، والاغترار به، هذا هو الذي درج عليه العلماء، وسار عليه العلماء، وأما كونه لا بد أنه لا يذكر إنسان، ولا يحذر من إنسان، أو من ضلالات إنسان، إلا وتذكر محاسنه أبداً، عمرو بن عبيد المعتزلي كان فصيحاً بليغاً، عنده فصاحة وبلاغة، وكان من أئمة المعتزلة، وكان لسانه لا ينطق بالراء، فيه عدم القدرة على أن ينطق بالراء، لكن لفصاحته وبلاغته يتكلم بالكلام ويتجنب الراء، لا يأتي بالراء في كلامه؛ وهذا طبعاً من فصاحته، وبلاغته، كون الإنسان يأتي بالكلام ويتجنب الكلمة التي فيها راء، وعندما يذكر عمرو بن عبيد نقول: هو فصيح بليغ، وهو كذا، وكذا، وكذا، وكذا، وهو معتزلي فيه كذا، وكذا، لا، نحذر من بدعته وفصاحته هذه ما لنا لزوم.
الجواب: ما أدري، هو المزي قال: رضيع عائشة أم المؤمنين، الذي يظهر أنه ما رضع منها؛ وهو تابعي، والرسول لما توفي عمر عائشة ثمان عشرة سنة، وإذا كان قد رضع معها معناه أن عمره عند وفاة الرسول طويلة، ومع ذلك ما حصلت له هذه الصحبة، الحاصل إنني لا أدري، وفيه كتاب، لكنني ما تمكنت من الرجوع إليه وهو ثمار القلوب في المضاف إلى المنسوب للثعالبي، أنه يأتي بالكلمات التي فيها الإضافات مثل هذه الإضافة، ويذكر سببها، هو كتاب مختص بمثل هذه الإضافات.
الجواب: لا يفيد أن كل محدث لا يكون فقيهاً، بمعنى أنه لا يكون عنده شيئاً من الفقه، لكنه قد يحمل الحديث، ويكون غيره أقدر منه على الاستنباط منه، فلا يعني ذلك أن المحدث لا يكون فقيهاً، وأن الفقه يجانب الحديث ويستقل عن الحديث، أبداً، بل لا بد من الحديث والفقه، لا يستغني الفقيه عن الحديث، والمحدث لا يستغني عن الفقه، مثل ما قال الخطابي في أول شرح معالم السنن، قال: إن الحديث، والفقه متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإن الحديث بمنزلة الأساس للبنيان، والفقه بمنزلة الفرع الذي يبنى على الأساس، فإذا وجد الأساس بدون بنيان ما استفيد منه، وإذا وجد بنيان على غير أساس ينهار ويسقط، ويكون تاماً قوياً متماسكاً إذا قوي أساسه، ووجد الفرع الذي بني عليه، فالحديث أساس، وإذا وجد الأساس وما معه فقه صار بمثابة الأساس الذي ما عليه بنيان، والناس ما استفادوا من هذا الأساس، وإذا وجد بنيان على غير أساس وهو الفقه على غير حديث، معناه أنه كالبنيان الذي ليس له أساس ينهار، وإنما الجمع بين الحديث والفقه هو الذي يكون فيه الأساس والفرع، فيه الأصل والفرع، وفيه الاستفادة من الأصل والفرع، قال هذا في التحذير من عدم الفقه أو الاشتغال بالحديث، والكلام في الرجال والأسانيد دون الاعتناء بالفقه، أو الاعتناء بمسائل الفقه دون أن يعرف الأحاديث؛ لأن من يشتغل بالحديث فقط ولا يشتغل بالفقه، يمكن تأتي مسائل بسيطة ليس عنده فيها جواب، والذي يشتغل بالفقه، ولا يعتني بالحديث، يمكن أن يأتي مسألة ويحتج عليها بحديث موضوع، ولا يعرف أنه موضوع فيكون قد أحتج بحديث موضوع، ولكنه إذا عرف الفقه، وعرف الحديث، يكون جمع بين الحسنيين، ويكون قد جمع قوله: (رب حامل فقهٍ غير فقيه)، مثل ما قال في الحديث الذي في الروايات الأخرى: (ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
ومن المعلوم أن الحديث الواحد إذا أعطي لأشخاص وقيل لهم: استنبطوا ما فيه من الفوائد، يتفاوتون هذا يطلع منه كذا، وهذا يطلع منه كذا، وهذا يغوص على مسألة ما غاص عليها غيره، وهذا يتنبه لمسألة ما تنبه لها غيره، وهكذا، ولهذا تأتي مسائل فيها دقة وفيها خفاء، وما كونه يتنبه لها، والتنبه لها هو الفقه، مثل مسألة الاستياك في آخر النهار للصائم، بعض العلماء يقول: لا يستاك في آخر النهار؛ لأنه يذهب الخلوف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، والاستياك يغير الرائحة هذه إلى رائحة طيبة، وبعض أهل العلم يقول: يستاك الصائم؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، ومن المعلوم أن من الصلوات صلاة العصر، وهي تكون في العشي في آخر النهار، وهي داخلة تحت عموم هذا الحديث، ولهذا بوب عليه بعض أهل العلم مثل النسائي في أول الكتاب: الاستياك للصائم في العشي، هو علق عليه السندي أو السيوطي، قال: هذا من الفقه الدقيق، والاستنباط الدقيق، ما كونه يتنبه لمثل هذه المسألة.
قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث عند البخاري : (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، عبر باللسان، وعبر باليد، ولم يعبر بالكلام، ما قال: المسلم من سلم المسلمون من كلامه، قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه)، قال بعض أهل العلم أو ذكر الحافظ ما أدري هو أو غيره هذا الاستنباط، قال: التعبير باللسان يعني يؤدي شيء لا يؤديه التعبير بالكلام؛ لأنه يؤدي الكلام، ويؤدي زيادة على الكلام شيئاً آخر ليس هو الكلام، قال مثل ما لو إن إنسان أخرج لسانه يستهزئ، ما تكلم، ولكنه أخرج لسانه للاستهزاء، فهذا فقه، وتعبيره بهذا يفهم من هذا الشيء، لو عبر بكلامه ما جاء إخراج اللسان للاستهزاء؛ لأن إخراج اللسان للاستهزاء ليس كلاماً، لكن التعبير باللسان فيه كلام، وفيه إخراج اللسان للاستهزاء، وكذلك اليد، التعبير بها، ما قال: من بطشه، أو ضرب، أو كذا، عبر باليد، والضرر باليد يكون بالبطش وغيره، وقد يكون بالكتابة، ويكون بالكتابة إذا كتب كلاماً باطلاً، ثم بقي ذلك الكلام بعده، وتضرر الناس به على مختلف السنين، هذا من ضرر الناس باليد، كون الإنسان يكتب كلاماً خبيثاً، يؤلف كلاماً باطلاً، يؤلف مؤلفاً فيه سوء، وفيه خبث، وفيه بلاء، وفيه شر، فالناس يتضررون في حياته، وبعد وفاته، وهذا يدخل تحت قوله: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فالذي كتب التعبير باليد فيه هذا، وفيه البطش، والضرب الذي لا يكون إلا في الحياة، المكتوب يصير الضرر في الحياة وبعد الممات.
الحاصل: أن الفقه والحديث متلازمان، ولا يستغني المحدث عن الفقه، ولا يستغني الفقيه عن المحدث؛ لأن من اشتغل بواحد منهما، وأعرض عن الآخر، فإنه يصير عنده شيء من النقص، الذي يشتغل بالحديث، ولا يعنى بفقهه والاستنباط منه، يمكن أن يأتي مسائل خفيفة سهلة ما يكون عنده جواب فيها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر